إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (27 ديسمبر 2008 ـ 17 يناير 2009)




نتائج قصف صاروخ القسام
مجزرة السبت الأسود
معبر رفح البري
انصهار القذائف الفسفورية
شاحنات تحمل الفولاذ المقسم
قادة قمة الكويت

أسلوب القتال في المناطق السكنية

مناطق رماية صواريخ المقاومة
أعمال القتال من 3 – 5 يناير 2009
أعمال القتال جنوب قطاع غزة
أعمال القتال شمال ووسط قطاع غزة
قطاع غزة



الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة

المبحث الخامس

النتائج والدروس المستفادة من الحرب

إن أهم ما أفرزته الحرب على قطاع غزة، ديسمبر 2008 – يناير 2009، هي النتائج والدروس المستفادة من الحرب، لأنها معيار لمدى تحقيق الأهداف، وأساساً للتحركات السياسية والعسكرية المقبلة، والأصول العلمية لتقييم نتائج الحروب تعتمد على انتهائها. إلا أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة انتهت نظرياً بانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع يوم 21 يناير 2009، مع استمرار الهجمات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة، والصواريخ الفلسطينية على إسرائيل، مع استمرار الأطراف في رفض تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 1860، الصادر في يناير 2009، والذي تضمن الوقف الفوري لإطلاق النار (اُنظر ملحق مشتملات قرار مجلس الأمن الرقم 1860، 8 يناير 2009). لذلك فإن الحرب الإسرائيلية ـ الفلسطينية لم تنتهِ، وإنما تراجع مستوى العنف فيها إلى معدلات منخفضة الكثافة.

أولاً: نتائج الحرب

1. على المستوى السياسي

أ. تمكنت إسرائيل من تحويل القضية الفلسطينية من قضية سياسية إلى قضية إنسانية. فبعد التدمير الواسع والمتعمد لقطاع غزة، واستمرار الحصار، تركز الاهتمام الإقليمي والدولي على معالجة القضية الإنسانية لقطاع غزة، الذي قد يتطلب عدة سنوات مقبلة لإصلاحه، ومع استمرار الحصار تحول الحديث عن الأرض مقابل السلام ليكون طبقاً للشروط الإسرائيلية، الأمن مقابل الغذاء، أيْ وقف إطلاق الصواريخ مقابل فتح المعابر لدخول الغذاء والدواء.

ب. نجحت إسرائيل في تسويق العديد من أفكارها على المسار الأمريكي والأوروبي، وكان أولها أن المشكلة ليست في الاحتلال، أو ضعف مردود المفاوضات، أو غياب أمل الفلسطينيين للحصول على دولتهم. بل إن المشكلة في وجود منظمات إرهابية تهدد أمن إسرائيل، ومن حق إسرائيل الدفاع عن نفسها في إطار الحرب الدولية ضد الإرهاب. وثانيها فكرة منع حركة "حماس" من استمرار سيطرتها على قطاع غزة، ومنعها من السيطرة أو التحكم في إعادة إعمار القطاع، والترهيب من حصولها على أموال المساعدات واستخدامها في إعادة تسليح قواتها. وثالثها الحصول على ضمانات أوروبية بعدم التعامل مع القضايا التي يرفعها متضررون فلسطينيون، أو جماعات قومية، أو أيْ جهات أخرى من أجل محاكمة القادة والزعماء السياسيين والعسكريين في إسرائيل، لما ارتكبوه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الحرب على قطاع غزة.

ج. حصلت المقاومة الفلسطينية في غزة على تعاطف شعبي كبير، على المستوى الإقليمي والدولي، ولم يكن لهذا التعاطف أيّ أساس ديني أو مذهبي، حيث عمت المظاهرات خلال الحرب جميع أرجاء البلاد، وضمت جميع الأديان، وقد جاء ذلك على عكس ما توقعته إسرائيل. وقد أشارت بعض التقارير إلى أن السلطة الفلسطينية في رام الله كانت أبرز الخاسرين من الحرب. كما أشار استطلاع رأي فلسطيني، في أبريل 2009، إلى ارتفاع شعبية "إسماعيل هنية" رئيس وزراء الحكومة المقالة، خلال الأشهر الأخيرة، بنسبة 47%؛ مقابل انخفاض شعبية الرئيس "محمود عباس"، لتصل إلى 45%.

د. دانت العديد من المنظمات الدولية إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وكان أبرزها منظمة العفو الدولية ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ومنظمة هيومان رايتس ووتش، حتى الجنود الإسرائيليون الذين شاركوا في الحرب، ومنظمات إنسانية إسرائيلية اعترفت بهذه الجرائم. والأمر متوقف الآن على الإرادة السياسية للمجتمع الدولي للاعتراف بهذه الجرائم وإدانة إسرائيل رسمياً. والمثير هنا خلال الحرب ظهور أكثر من 400 جمعية ومنظمة مدنية قاموا بحملة إعلامية قوية، وربما جمعوا تبرعات مالية لخدمة رفع دعاوى ضد إسرائيل، إلا أن أصواتهم ذهبت مع الرياح، بعد انتهاء الحرب.

هـ. على أثر وقف إطلاق النار في قطاع غزة، تركزت المطالب الإسرائيلية حول وقف إطلاق الصواريخ ومنع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة والتهدئة الدائمة، ثم أضافت إسرائيل شرطاً جديداً في مرحلة لاحقة يتضمن الإفراج عن الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، مقابل فتح المعابر لإعادة إعمار القطاع. أمّا المقاومة الفلسطينية فكانت مطالبها تتركز حول فتح المعابر بشكل كامل ودائم لرفع الحصار، ووقف الاعتداءات على القطاع، وتعويض شعب غزة عن حالة الدمار في القطاع، ورفض التهدئة الدائمة ويمكن قبول المؤقتة، ورفض القوات الدولية. وقام الطرفان بمفاوضات غير مباشرة بوساطة مصرية، بالقاهرة، إلا أنها تعثرت؛ وقد تعود مستقبلاً.

و. استضافت القاهرة، منذ فبراير 2009، الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني برعاية مصرية، لحل الخلافات الداخلية، وتحقيق المصالحة الوطنية، لتحقيق الوحدة الوطنية، كأساس للتفاوض مع الجانب الإسرائيلي لحل القضية الفلسطينية. وفي هذا الإطار تم الاتفاق على المبادئ العامة لحل قضايا الخلاف من خلال خمس لجان مشتركة ولجنة عليا لبحث إعادة إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وإصلاح الأجهزة الأمنية على أسس وطنية، والانتخابات الفلسطينية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، والمصالحة الداخلية، وحققت اللجان تقدماً في بعض القضايا وتعثر بعض القضايا الأخرى، خاصة بعد بحث التفاصيل.

ز. كان هناك اهتمام عربي ودولي بقضية إعادة إعمار قطاع غزة بعد حالة التدمير الواسعة التي تعرض لها. وبرعاية مصرية، عقد في مدينة شرم الشيخ، يوم 2 مارس 2009، مؤتمر دولي لإعادة الإعمار، بحضور 87 دولة ومنظمة دولية، وأقروا 4.5 مليارات دولار مساعدات دولية لإعادة الإعمار، وأن يكون الإشراف والرقابة المالية من خلال الآليات المالية المستخدمة في اللجنة الرباعية، بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية. إلا أن الأمور تعثرت بسبب رفض إسرائيل فتح المعابر لدخول المواد الأساسية لإعادة الإعمار. كما أن بعض الدول: العربية والإسلامية التي رصدت مساعدات مالية رفضت هذه الآليات، وطالبت بحلول أخرى مثل إشراف الجامعة العربية، أو فتح مكاتب في قطاع غزة للإشراف المباشر على الإعمار، بعد تحديد مشروعات معينة للإعمار.

ح. توقفت بعض المشروعات السياسية الإقليمية والدولية، حيث تم إيقاف المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل بواسطة تركية، بعد أربع جولات من التفاوض، إلا أنها جاءت بمبادرة تركية، يوم 28 ديسمبر 2008؛ وربما تعود مستقبلاً بمبادرة تركية كذلك. كما تم تأجيل اجتماع دول الاتحاد من أجل المتوسط، لرفض بعض الدول العربية الدور الإسرائيلي في الحرب؛ ليكون عقده في أبريل 2009، بدلاً من فبراير 2009، وربما يتم تأجيل الاجتماعات إلى أجل غير مسمى. كما أعلنت دول الاتحاد الأوروبي تعليق مشروع رفع مستوى المشاركة الإسرائيلية ـ الأوروبية خلال الحرب. وأعلنت، في 29 مارس 2009، تعليق تطوير العلاقات الإستراتيجية مع إسرائيل، إذا رفضت الحكومة الإسرائيلية الجديدة، برئاسة نتانياهو، الاعتراف بحل الدولتَين ودعم عملية السلام.

ط. تعرضت إسرائيل لانتقادات سياسية شديدة، بعد أن عجزت عن حسم الحرب مع "حماس"، مدة 22 يوماً؛ عل الرغم من عنف هجماتها، وخصوصاً من معظم الدول العربية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية، وخصوصاً بعد قيامها بشن هجمات جوية متعمدة على بعض المؤسسات التابعة للأمم المتحدة. هذا بالإضافة للتحركات الشعبية في دول أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، في مناهضة الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وخاصة بعد أن قامت وسائل الإعلام العالمية بنقل صور القتل والدمار الذي لحق بالقطاع، مما كان له أثر كبير في زيادة التعاطف والتأييد لحركة "حماس".

ي. صعَّدت الأمم المتحدة من حدة إجراءاتها ضد "حماس"، بعد أن أكدت منظمة الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين)، في بداية فبراير 2009، ما كشفت عنه إسرائيل بأن "حماس" تنهب معظم المساعدات الإنسانية التي تدخل قطاع غزة؛ ما دفع المنظمة إلى إرجاء توزيع المساعدات الإنسانية، وخاصة بعد أن أعلن مسؤولو وكالة غوث اللاجئين، يوم 7 فبراير 2009، أن مسلحي "حماس" دهموا مجدداً مخازن الأغذية والمعدات الطارئة التابعة للوكالة في غزة، وسرقوا خلال الأسبوع الأول من فبراير 2009، أجهزة ومعدات إنسانية كانت مخصصة للمدنيين في القطاع. وقال المتحدث باسم الأونروا أن المنظمة ستمتنع عن توزيع المساعدات الغذائية حتى تعيد "حماس" الأغذية والمعدات المسروقة، وتحصل الأونروا على ضمانات من "حماس" بعدم تكرار عمليات السرقة. وجدير بالذكر أن هذه الأفعال قد أساءت إلى سمعة "حماس" على جميع المستويات.

ك. نجحت إسرائيل من خلال حربها على غزة في تكريس الانقسام الفلسطيني، بل الانقسام العربي بين دول معتدلة ودول ممانعة، وذلك في إطار إستراتيجيتها المعروفة بتفتيت الدول على أسس عرقية وطائفية. وقد صادفت هذه الإستراتيجية نجاحاً إلى حد ما بخلاف الفلسطينيين في السودان والعراق ولبنان والمغرب العربي. إلا أن هذا الانقسام بين الفريقَين العربيَّين (الممانعة والاعتدال) ليس بالعمق الذي أظهرته وضخمته وسائل الإعلام العربية خلال الحرب، وأن المسافة بين موقفَيهما تجاه إسرائيل ليست بعيدة للغاية، فكلاهما لم يدعُ إلى تدخل عسكري عربي في الحرب إلى جانب "حماس"، وكلاهما طالب بسرعة وقف إطلاق النار. وكلاهما قدم الدعم والمساندة السياسية والمادية. والأهم كلاهما دان إسرائيل.

2. على المستوى العسكري والأمني

أ. تصاعد الإجراءات الإسرائيلية والدولية لمواجهة تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة

(1) إحراج القيادة المصرية بشأن عدم اتخاذها إجراءات مشددة حول قضية الأنفاق على الجانب المصري في رفع، ونشر أجهزة ومعدات إلكترونية أمريكية وأوروبية للكشف عن الأنفاق على الحدود المصرية، حيث نجحت في كشف بعض الأنفاق وتدميرها.

(2) إضافة مهمة جديدة للقوة البحرية الأوروبية (أطلانطيك) في خليج عدن، والمكلفة مكافحة عمليات القرصنة البحرية، لتضم تفتيش السفن المشكوك فيها والتابعة لدول معينة، مثل إيران، وتحمل أسلحة وذخائر إلى قطاع غزة، وسعي إسرائيل إلى إصدار تفويض رسمي صادر عن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي لتفتيش واحتجاز هذه النوعية من السفن، حيث احتجزت البحرية الأمريكية خلال الأسبوع الأخير من شهر يناير 2009، سفينة شحن روسية، تحمل علم قبرص، وعليها شحنة أسلحة إيرانية، وتم اقتيادها وتفريغ حمولتها في قبرص، في 13 فبراير 2009، حيث تم مصادرة الأسلحة، وأعلن عندها أن الإجراءات الأمريكية والقبرصية بطلب من إسرائيل، تنفيذاً لقرار لجنة العقوبات بالأمم المتحدة.

(3) تحرك أمريكي ـ أوروبي لبحث اتخاذ إجراءات عملية لمواجهة تهريب الأسلحة إلى غزة، حيث عُقد مؤتمران على مستوى الخبراء من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وكندا والدنمارك وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والنرويج وبريطانيا، الأول في الدنمارك في 4 فبراير 2009، والثاني في لندن في 13 مارس 2009، واتخاذ قرارات تتضمن اعتراض السفن في عرض البحر واقتسام المعلومات والضغط الدبلوماسي.

(4) حصول إسرائيل على تفويض أمريكي بحق اعتراض شحنات الأسلحة إلى قطاع غزة طبقاً للاتفاق الأمني المشترك، في 15 يناير 2009 (اُنظر ملحق مشتملات الاتفاق الأمني الإسرائيلي ـ الأمريكي، 15 يناير 2009). ولذلك شنت إسرائيل عدة هجمات جوية على قوافل شحنات تحمل أسلحة إلى قطاع غزة، شمال شرق الأراضي السودانية، وكان الهجوم الأول في نهاية شهر يناير 2009، والثاني في منتصف شهر فبراير 2009. والمثير هنا هو عدم تحرك السودان لإدانة هذا الهجوم أو حتى إبلاغ الأمم المتحدة بالحادث ضد أطراف مجهولة.

ب. تراجع القوة النيرانية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، خلال المرحلة الأخيرة من الحرب، وخاصة القدرة الصاروخية التي وصلت إلى معدل 20 صاروخاً، في اليوم؛ وعدم ارتفاعها مرة ثانية، مما يشير إلى تراجع المخزون الفلسطيني من الذخائر، مع عدم وجود استعواض لمصاعب عملية التهريب, وربما تم استعادة كفاءة المخزون بعد الحرب تدريجياً، وهو أمر أعلنته المصادر الإسرائيلية.

ج. أثبتت المقاومة الفلسطينية قدرتها على حرمان الجيش الإسرائيلي تحقيق أهدافه، على الرغم من ضعف إمكانياتها ومواردها العسكرية، وقدرتها على الصمود وتماسك الإرادة، وفي ظروف القدرة النيرانية العالية للجيش الإسرائيلي، وأن الأمر يتوقف على توفير سلاح للمقاومة واستخدامه بحسابات سياسية وعسكرية مختلفة، مع توافر الموارد البشرية والإرادة الفلسطينية.

د. استطاعت إسرائيل إضعاف "حماس" عسكرياً، بما قامت بتدميره من بنيتها العسكرية، وتدمير 60 – 70% من قوتها الصاروخية، وعدد كبير من الأنفاق، وولدت ضغطاً نفسياً ومادياً ومعنوياً على "حماس"، بعد أن قتلت نحو 709 من كوادرها العسكرية، واعتقلت منهم العشرات، بما يوفرون لإسرائيل منجماً من المعلومات العسكرية عن "حماس".

هـ. نجحت "حماس" في عملياتها التي دامت 22 يوماً لصد الهجوم الإسرائيلي، بإطلاق 980 صاروخاً وقذيفة، منها 340 صاروخ قسام، و213 صاروخ جراد، و422 قذيفة هاون عيار 120 مم. وتصدت بالأسلحة المضادة للدبابات بإطلاق 98 قذيفة وصاروخاً مضاد للدبابات، وقامت بتفجير 79 عبوة ناسفة، وتنفيذ 53 عملية قنص أفراد، وتنفيذ 22 كميناً، و11 اشتباكاً مسلحاً وجهاً لوجه مع القوات الإسرائيلية، وتنفيذ عملية استشهادية واحدة. وكان حصاد هذه العمليات طبقاً لبيانات قيادة "حماس" تدمير وإصابة نحو 47 مركبة قتالية بين دبابة وعربة مدرعة وجرافة، وإصابة أربع طائرات عمودية، وإسقاط طائرة من دون طيار، وقتل 13 جندياً إسرائيلياً، وإصابة نحو 100 عسكري آخر داخل القطاع.

3. على المستوى الاقتصادي والمادي

أ. الجانب الفلسطيني

(1) أفادت التقارير الصحفية، وطبقاً لبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، فقد دمر العدوان الإسرائيلي ما بين 35% و60% من زراعات قطاع غزة، وأُصيبت موارد المياه والأراضي الزراعية بدمار كبير.

(2) يُشير تقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إلى النتائج الاقتصادية المباشرة في الجانب الفلسطيني، أن تكاليف إعادة تأهيل البنية التحتية والطرق ومحطات المياه ومحطات الصرف الصحي، والإنارة، والمدارس، والمستشفيات، تصل إلى نحو 500 مليون دولار. وأن إعادة بناء المباني المدمرة تدميراَ شاملاً، نحو 400 مليون دولار. وإعادة إصلاح الأراضي الزراعية المجرفة، نحو 200 مليون دولار. وإعادة بناء المباني الحكومية المدمرة، نحو 300 مليون دولار. وإعادة تأهيل الورش والمصانع، نحو 50 مليون دولار.

(3) أفادت تقارير الجامعة العربية أن الوضع الاقتصادي في غزة بالغ التردي، نتيجة الخسائر الناجمة عن العدوان الإسرائيلي، والتي تُقدر بنحو مليار و900 مليون دولار، وفق التقرير الذي تلقاه من الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، والذي أكد أن قطاع غزة أصبح منطقة منكوبة من النواحي الإنسانية والمادية والاقتصادية، وأن نحو 50.800 من أهالي غزة فقدوا منازلهم. كما أكد التقرير أن العدوان أدى إلى توقف شامل في الحركة الاقتصادية في قطاع غزة.

(4) تشير التقارير أنه من نتائج الحرب على غزة، أن هناك خسائر يومية بقطاع الزراعة وصيد الأسماك، تُقدر بـ311 ألف دولار، وفي قطاع التصدير والصناعات التحويلية والمياه والكهرباء، تُقدر بـ438 ألف دولار. وفي قطاع الإنشاءات تُقدر بنحو 335.6 ألف دولار، وبتجارة الجملة والتجزئة تُقدر بـ 306.5 آلاف دولار. وبقطاع النقل والتخزين، تُقدر بـ 725 ألف دولار. وفي سوق المال، تُقدر بـ 72.5 ألف دولار. وفي قطع الخدمات مليون و800 ألف دولار. وفي قطاع الإدارة العامة 853.5 ألف دولار. وفي قطاع الشركات المملوكة للقطاع العام 270 ألف دولار.

ب. الجانب الإسرائيلي

(1) تأثرت المشروعات الصناعية في بئر سبع وما يجاورها سلباً بقصف صواريخ "حماس"، ووفقاً لتقديرات اتحاد المكاتب التجارية الذي يمثل 7000 من أصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة في هذه المنطقة من جنوبي إسرائيل، والتي يعمل فيها أكثر من 40 ألف عامل قد توقف معظمهم عن العمل منذ نهاية عام 2008، بسبب القصف الصاروخي الذي تتعرض له مصانعهم، كما توقف نشاط هذه المصانع نهائياً. وقد ترتب على ذلك أن قامت وزارة الصناعة والتجارة والعمل بتحويل 15.8 مليون دولار لحساب المشروعات المتضررة.

(2) بلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية المباشرة، التي تتمثل في تكاليف إدارة الحرب، مدة 22 يوماً، 2600 مليون دولار، بواقع متوسط يومي 130 مليون دولار، وهو ما شكل عبئاً مالياً في ظل الظروف الاقتصادية الحرجة، وهذا بخلاف الخسائر الاقتصادية للجانب السياحي الذي توقف تماماً، وخسائر قطاع التصدير والتعبئة وغير ذلك.

ثانياً: الدروس المستفادة

1. على المستوى السياسي

أ. أهمية توازن القوى الإقليمي بين الدول العربية وإسرائيل، في رسم العلاقات العربية والفلسطينية مع إسرائيل، وتوازن القوى هنا يُقصد به السياسي والاقتصادي والعسكري والتكنولوجي. فغياب توازن القوى أعطى لإسرائيل حرية مطلقة للتحرك بإستراتيجية مريحة في الحرب على قطاع غزة، أو حصاره، وجميع إجراءاتها لتصفية القضية الفلسطينية، ومع استمرار غياب توازن القوى، يجب ألا نتفاءل كثيراً بشأن القضية الفلسطينية أو الشعب الفلسطيني.

ب. دور الوحدة الوطنية والقومية في مواجهة المخاطر والتهديدات الخارجية، حيث يصعب مواجهة أيّ مخاطر أو تهديدات في وجود انقسامات فلسطينية ـ فلسطينية، وعربية ـ عربية. وبالوحدة والتضامن العربي يمكن استخدام الموارد كأداة ضغط على القوى الخارجية.

ج. تغير الوزن النسبي ومراكز ثقل بعض الأطراف حيال القضية الفلسطينية، فحركة "حماس" باتت طرفاً فاعلاً داخل وخارج الأراضي الفلسطينية، ويلزم الاعتراف بها قوة سياسية على الساحة الفلسطينية. وسورية وإيران باتتا طرفَين فاعلَين في الشأن الفلسطيني، فلا يمكن حل القضية الفلسطينية أو بحث الشأن الفلسطيني من دون مشاركة سورية، والحوار مع الطرف الإيراني، إضافة إلى صعود تركيا قوة إقليمية فاعلة.

د. عملت إسرائيل على توفير غطاء دولي لحربها ضد "حماس"، وحشدت وشنت حملة دبلوماسية وإعلامية واسعة إقليمياً وعالمياً، ضخمت خلالها خسائرها: البشرية والمادية، نتيجة قصف صواريخ "حماس" للمدن والمستوطنات جنوبي إسرائيل، وقد ظهرت وانعكست نتائج هذه الحملة في موقف اللجنة الرباعية الدولية المتفق مع الموقف الأمريكي في تبرير العملية العسكرية الإسرائيلية، وتفهم أسبابها ودوافعها.

هـ. استوعبت حكومة "أولمرت" درساً مهماً من حرب لبنان، عام 2006، وطبقته في حرب غزة، عام 2009، أنها لم تحدد لعملياتها أهدافاً سياسية، حتى لا يحاسبها الشعب الإسرائيلي، فيما بعد توقف القتال بما حققته وما لم تحققه من هذه الأهداف، بل حددت بشكل مطاطي أهدافاً إستراتيجية تمثلت في "وقف إطلاق الصواريخ"، وهذا ما تحقق. ولم تنص على إنهاء حكم "حماس" في غزة باعتباره من الأهداف التي ربما لا تتمكن العملية العسكرية من تحقيقها.

و. حرصت القيادات: السياسية والعسكرية، في إسرائيل على أن تصف عملياتها العسكرية بأنها "متدرجة ومتدحرجة" في مجرياتها. ولكن، كان واضحاً وجود أهداف غير مباشرة للعملية، وأبرزها استعادة صدقية قوة الردع، وإحداث تغيير جذري على الأرض، وفرض واقع جديد في قطاع غزة قبل تسلم الإدارة الأمريكية الجديدة للسلطة في واشنطن، لتؤسس بالتالي واقعاً جديداً للسياسة الأمريكية المقبلة.

ز. رفضت وزيرة الخارجية، "تسيبي ليفني"، إجراء أيّ تفاهم مع "حماس"؛ لأن ذلك يعني إعطاءها الشرعية الدولية التي تريدها وتسعى إليها، وسيضع "حماس" موضع الصدارة في أيّ تسوية سياسية مقبلة؛ وهو ما ينبغي أن ترفضه إسرائيل، كما ترفضه الدول الغربية، التي تفرض حصاراً على حكومة "حماس"، وذلك باعتبار "حماس" حركة إرهابية.

2. على المستوى العسكري والأمني

أ. أكدت الحرب فشل إستراتيجية الاعتماد على القوة العسكرية، كأداة لحل القضايا الخلافية، وأن القوة العسكرية مهما كانت قدراتها وإمكانياتها وتقنياتها الحديثة، لا تستطيع القضاء على مقاومة مسلحة. وأن نتائج التورط العسكري بقوة نظامية في مواجهة ميليشيات مسلحة أو شبه نظامية، هي نتائج كارثية، أو ما يُطلق عليه انتحار عسكري لجميع الأطراف.

ب. إن التخطيط الإستراتيجي الناجح، يتضمن التخطيط لبدء الحرب، وكيفية الخروج منها لإنهاء الحرب، ولا تترك عملية إنهاء الحرب اعتماداً على رد فعل الخصم، وأن يتضمن التخطيط سيناريوهات مختلفة لمواجهة جميع الاحتمالات، بما فيها احتمال الفشل والهزيمة. فالجيش الإسرائيلي، خلال الحرب، وبعد أيام قليلة من الهجوم البري، أثار جدلاً حول توسيع الحرب إلى عملية شاملة للانتشار في قطاع غزة، وأدار عدة معارك من دون هدف غير القتل والتدمير، وبعد أسبوعين من الهجوم البري أوقفت إسرائيل عملياتها البرية فجأة، مع عدم وضوح ما هي الأهداف التي حققتها من الحرب.

ج. الردع بالشك: كيف نخلق للخصم فكرة الخوف من الذي لا يراه أو ينتظره، سواء كان كبيراً أو صغيراً، فهناك فرق بين الخشية مما نراه أو نعلمه، وما لا نراه أو نعلمه. فالمقاومة الفلسطينية فاجأت الجانب الإسرائيلي بالمدى البعيد للصواريخ المطورة من نوع جراد، التي وصلت إلى 50 كم. وعلى الرغم من علم إسرائيل بامتلاك المقاومة لصواريخ ذات مدى بعيد، إلا أن الإسرائيليين لم يتوقعوا عمق 50 كم، ولم يتخذوا إجراءات الوقاية للمدن والقرى في عمق 40 – 50 كم، وكان هناك شك إسرائيلي في هذا العمق، وشك آخر في امتلاك المقاومة لأسلحة مضادة للدبابات ذات عبوة مزدوجة، وصواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف.

د. يمكن لسلاح تكتيكي أن يحقق نتائج إستراتيجية، فصواريخ المقاومة هي سلاح تكتيكي وتأثيرها كان في العمق التكتيكي حول قطاع غزة، وعندما استخدمته المقاومة كان تأثيره معنوياً على الجبهة الداخلية جنوبي إسرائيل، أدى إلى شلل جزئي للمناطق المحيطة بالقطاع وهجرة معظم سكانه؛ على الرغم من الكثافة المحدودة لمعدل صواريخ المقاومة. أما إذا كانت هناك كثافة عالية وتأثير تدميري عالٍ، فمن المؤكد أن تأثير الصورايخ سوف يكون معنوياً وسياسياً على الجانب الإسرائيلي.

هـ. أهمية حرب الاستنزاف في إدارة العمليات الهجومية والدفاعية، بما تحققه من كلفة مادية وبشرية ومعنوية للخصم، وكلما زاد اتساع عمقها، ازدادت نتائجها في الضغط على القيادة العسكرية للخصم وإعادة تفكيره في أسلوب إدارة الحرب. وإذا طالت الأهداف الإستراتيجية الحيوية بشكل مؤثر، تعاظمت نتائجها في الضغط على القيادة السياسية للخصم، لإعادة التفكير حول الاستمرار في الحرب من عدمه. وقد استخدمت القوات الإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية حرب الاستنزاف لإرهاق الطرف الآخر.

و. عدم التورط في الحرب قبل الاستعداد لها، فإسرائيل فرضت الحرب على المقاومة الفلسطينية في هذا التوقيت. إلا أن الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة كان يمكنها المناورة مع انتهاء اتفاق التهدئة، في 19 ديسمبر 2008، أو على الأقل وقف إطلاق الصواريخ من القطاع لحين استكمال استعدادها للحرب، وخاصة زيادة تدريب العناصر المقاتلة، واستكمال التسليح، وتوفير قدر أكبر من مخزون الذخائر ومواد الإعاشة والمواد الطبية، لإدارة حرب طويلة، وتوفير وسائل ردع أخرى مثل سلاح مضاد للدبابات بأعداد كبيرة، وفعال ضد الدبابة الميركافا، ووسيلة دفاع جوي يمكنها ردع الطيران الإسرائيلي، أو إبعاده، أو على أقل تقدير حرمانه دقة الإصابة.

ز. أن عملية الرصاص المصبوب لن تكون الأخيرة، والهجمات الجوية الإسرائيلية لن تتوقف على قطاع غزة، الأمر الذي يتطلب اتخاذ تدابير وقائية من هجمات العدو الجوية، وأبرزها توفير ملاجئ محصنة تحت الأرض لكل منزل أو مبنى بمعايير خاصة، توفر الوقاية من القنابل الإسرائيلية المضادة للتحصينات، وبناء المنازل في ضواحي المدن وأطراف القطاع بمعايير خاصة، تكون سكناً خلال الأحوال العادية، ومركزاً دفاعياً حصيناً عند أزمات الحرب؛ إضافة إلى الاهتمام بنشر ثقافة الإجراءات الوقائية ضد نيران العدو الجوية والبرية. ويمكن تنفيذ هذا الأمر في إطار خطة إعادة إعمار غزة، ويمكن وضع قانون فلسطيني ملزم لبناء ملاجئ وغرف محصنة، مثل القانون الإسرائيلي عام 1991، الملزم لسكان شمال إسرائيل.

ح. الاهتمام بعملية الحصول على أسرى حرب أثناء العمليات، لما له من تأثير ودور حيوي خلال وبعد الحرب. فخلال الحرب له تأثير معنوي إيجابي في القوات الصديقة، يقابله تأثير سلبي معنوي وقتالي في الخصم. كما أنه يدعم مرحلة التفاوض مع الخصم بعد انتهاء الحرب، وخاصة عملية تبادل الأسرى، أو لفرض تسوية سلام لتحقيق أمن واستقرار الدول.

ط. استفادت إسرائيل من الدروس والخبرات العسكرية التي أسفرت عنها حرب جنوبي لبنان، في صيف 2006. وتمثل ذلك في المناورات الكثيرة التي تدربت عليها القوات الإسرائيلية، سواء العاملة أو الاحتياطية، خلال عامَي 2007 و2008، في إطار ما يُسمى "الحرب اللامتماثلة"، وكيف يمكن لجيش نظامي مثل إسرائيل أن يؤقلم نفسه ليتعامل مع منظمات غير نظامية؛ حتى إن حرب غزة 2008/2009 عدها الخبراء العسكريون النسخة الفلسطينية من حرب لبنان، عام  2006، والتي يغلب عليها ما يُسمى تكتيكات حرب العصابات.

ي. أهمية تطبيق مبدأ الحرب "المبادأة" حيث كانت المبادرة كاملة في أيدي إسرائيل، وكان لديها استعداد كامل للحرب، مع تصور كامل لكيفية بدئها ومسارها ومراحلها. وخلال الإعداد لهذه العملية قامت إسرائيل بتحصين جبهتها الداخلية على أساس مواجهة أسوأ الاحتمالات، وهو التدخل العسكري لإيران وسورية إلى جانب "حماس".

ك. أهمية توافر عمق إستراتيجي حيوي لإدارة أعمال القتال بنجاح، مع توافر طرق الإمداد بالاحتياجات، طوال الحربز وذلك أن ظروف غزة الجغرافية محدودة المساحة 360 كم3، مع تكدس هذه المساحة بالمدن والمخيمات، وهذه المساحة محاصرة بالكامل، مما صعب على قوات "حماس" تنفيذ مهامها القتالية، وأدى إلى شل حركة مقاتلي "حماس" داخل المباني والمنازل، واعتمدوا على جذب القوات الإسرائيلية إلى مكامن ومبانٍ مفخخة وقتال داخل المدن والشوارع. وهو ما تجنبته القوات الإسرائيلية وركزت على حركة المدرعات في المناطق المفتوحة والمنبسطة حول المدن. وهو ما يفسر البطء الشديد في حركة القوات الإسرائيلية.

ل. خطر تطبيق "حماس" لأساليب حزب الله اللبناني في إقامة مدن عسكرية صغيرة تحت الأرض تربطها شبكة من الأنفاق ولها فتحات على الخارج، تمكن المقاتلين المدافعين من الانقضاض فجأة على القوات الإسرائيلية المهاجمة، وخاصة من الخلف؛ بهدف تدمير مركبات ومدرعات العدو، وكذلك لإطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية وإعادتها بسرعة إلى ملاجئها تحت الأرض. وكانت الاستخبارات الإسرائيلية قد اكتشفت وصول مسؤول عسكري إيراني إلى غزة، أشرف على تخطيط وتنفيذ هذه الشبكة.

م. أدركت إسرائيل أهمية تطوير منظومة الاستخبارات والاستطلاع، بما يؤدي إلى تسهيل مهمة القوات الإسرائيلية المهاجمة، خاصة القوات الجوية، في قصف أماكن الشخصيات العسكرية البارزة في حركة "حماس"، وخدمة القوات الخاصة التي تُكلف مهام قتالية ذات طبيعة خاصة، مثل اغتيال كوادر معينة أو اختطافها، وتدمير أهداف ذات أهمية خاصة، أبرزها مستودعات الصواريخ ومراكز القيادة والسيطرة، وأنفاق تهريب الأسلحة والذخائر التي لم تنجح القوات الجوية في تدميرها.

ن. أهمية تطوير وحدات (ماتكال)، وهي وحدات فرعية بمستوى كتائب من اليهود العرب، كل كتيبة تمثل دولة عربية بعينها، ترتدي ملابس قواتها المسلحة وتتحدث بلهجتهم وتستخدم أسلحتهم، ويمكنها أن تندس وسط القوات العربية لتقوم بمهام الخداع والتضليل على المستوى التكتيكي في المناطق التي يتم دفعهم فيها، مثل تغيير علامات الطرق وتوجيه القوات المعادية لإسرائيل أثناء تحركها إلى اتجاهات خاطئة (غالباً ترتدي ملابس الشرطة العسكرية)، هذا إلى جانب تنفيذ عمليات اغتيال وتخريب، وبث شائعات، وجمع معلومات.

س. طبقت القوات الإسرائيلية مبدأ: "لا تقاتل العدو طبقاً لشروطه، بل طبقاً لشروطك أنت وظروفك". وبذلك وفرت القوات البرية الإسرائيلية على نفسها مشقة وعناء اقتحام المدن والمخيمات، وما يمكن أن يتسبب لها في خسائر: بشرية ومادية، وحرصت على تجنب القتال في المدن، وفضلت الاعتماد أكثر على عنصر تفوقها الجوي في استنزاف "حماس".

ع. برز في هذه الحرب استخدام إسرائيل نوعيات جديدة من الذخائر المصنفة ذات دمار شامل، مثل الفوسفور الأبيض، والدايم، ضد العسكريين والمدنيين على حد سواء؛ بالإضافة إلى قنابل الطائرات GBU39 المضادة للتحصينات تحت الأرض، والقادرة على اختراقها؛ والقنابل الارتجاجية التي تبيد وتدمر ما تحتها من أشخاص ومعدات وأسلحة. وهو ما يعني أن إسرائيل تتجه في حروبها إلى استخدام نوعيات من الذخائر تعتمد على وسائل توجيه ذاتي، لها قوة تدميرية عالية، وتُطلق من مسافات بعيدة، وليس من المستبعد أن تستخدم ذخائر كيماوية محدودة التأثير زمنياً، وغيرها من وسائل الإعاقة.

ف. في إطار حرب الصواريخ، برز في الجانب الإسرائيلي نقطة ضعف مخطرة، وهي استمرار عدم قدرة وسائل الدفاع الصاروخي لديها في التصدي للصواريخ قصيرة المدى، والتي تحلق على ارتفاعات منخفضة خارج تغطية رادارات أنظمة الدفاع الصاروخي المتيسرة لدى إسرائيل، مثل (حيتس) و(باتريوت)، التي تتعامل مع صواريخ بالستية متوسطة المدى مثل "سكود" و"شهاب"، وأن ما أعلنته إسرائيل من أسلحة دفاع صاروخي لمواجهة الصواريخ قصيرة المدى لم تدخل بعد نطاق الخدمة الميدانية، ولم يبق لإسرائيل سوى الحصول على منظومات جديدة وتدخلها على الفور للدفاع عن المدن الحدودية، مع الاستمرار في تتبع منصات الإطلاق الصاروخية وضربها في مناطق الإطلاق قبل إطلاقها.

ص. ومن الدروس التي برزت في مجال التخطيط للعمليات الهجومية بالنسبة إلى إسرائيل، والدفاعية بالنسبة إلى "حماس"، برزت أهمية التخطيط طبقاً للإمكانيات المتاحة لكلّ طرف، وتحقيق أكبر استفادة منها، في إطار الظروف المحيطة بكلّ طرف. فقد استغلت إسرائيل سيادتها الجوية في توجيه ضربات قاصمة في كلّ مكان من قطاع غزة، ولم تفرق بين أهداف مدنية وعسكرية، مستغلة عدم وجود أسلحة مضادة للطائرات لدى "حماس". وفي المقابل يجب أن تسعى "حماس" لامتلاك أسلحة وصواريخ مضادة للطائرات في الحرب المقبلة، مثل الرشاشات عيار 12.7 مم و14.5 مم، والصواريخ سام 7 وسام 9، التي تُطلق من الكتف؛ إذ إن هذه الأسلحة من الصعب اكتشافها وتدميرها؛ نظراً إلى صغر حجمها وسهولة إخفائها.

ثالثاً: العقائد والإستراتيجيات

1. الجانب الفلسطيني

أ. إستراتيجية فلسطينية متوازنة

خلال الحرب على غزة، كانت هناك العديد من المظاهرات، والعديد من الكتابات والأحاديث والتعليقات تنادي بتحرر الفكر العربي من الثقافة الغربية التي سادت العقول العربية، والتي حولت أفكار ثقافة السلام إلى ثقافة استسلام، وتصاعد معها عقيدة المقاومة كوسيلة لتحرير الأرض الفلسطينية، وتوجيه انتقادات حادة إلى خيار التفاوض؛ لكونه مسؤولاً عن الفشل في وقف العدوان.

تشير الحقائق العلمية، أن المقاومة هي وسيلة لحرمان إسرائيل تحقيق أهدافها، وتحافظ على استمرار حالة عدم الاستقرار الأمني لإسرائيل. وفي الوقت نفسه، لها شروطها ومعاييرها ومتطلبات: سياسية وعسكرية ومالية على المستوى الداخلي والخارجي، وأن يكون هدفها تحرير الأرض، وليس الحصول على سلطة أو ثروة أو خدمة أغراض خارجية. كما أن المقاومة هي حق مشروع وواجب مقدس نصت عليه جميع القوانين والأعراف الدولية.

كما أن خيار التفاوض هو خيار منطقي للحصول على الحقوق بدون جهد عسكري أو خسائر: مادية وبشرية. إلا أن الجانب الإسرائيلي، ينظر إلى خيار التفاوض بمنظور مختلف عن المنظور الفلسطيني والعربي، فمسار التفاوض الإسرائيلي يكون جيداً، إذا قبل الجانب الفلسطيني ما تعرضه إسرائيل؛ بصفتها اللاعب الرئيسي في القضية؛ إضافة إلى أن خيار التفاوض لم يحقق شيئاً ملموساً للمواطن الفلسطيني، ولم يوقف الحرب على غزة أو الانتهاكات في الضفة الغربية؛ بسبب غياب أدوات الضغط: الفلسطينية والعربية.

إن المقاومة وحدها غير كافية، كما أن التفاوض وحده غير كافٍ لتحرير الأرض الفلسطينية. ولذلك، يجب أن تتضمن الإستراتيجية الفلسطينية خيار المقاومة والتفاوض، فالمقاومة يمكن أن تكون أداة الضغط والتفاوض وسيلة للحوار. إلا أن الأمر يرتبط بوحدة وتحرك الدول العربية، مع الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدوليِ، لرفع صفة الإرهاب عن المقاومة الفلسطينية، على أساس أنها حق مشروع، وقبول المقاومة طرفاً سياسياً على الساحة الفلسطينية.

ب. إستراتيجية جديدة للمقاومة المسلحة

الخبرة السابقة لحركات التحرر الوطني، اعتمدت على نظرية مفادها أن المقاومة لا تحقق نصراً عسكرياً، ويمكنها تحقيق نصر سياسي، حالة نجاحها في رفع الكلفة: المادية والبشرية، في حرب استنزاف طويلة لدولة الاحتلال. أمّا حروب الجيوش النظامية، فيمكنها تحقيق نصر عسكري. والنظرية/ الإستراتيجية الجديدة للمقاومة، تتضمن المزج بين عقيدة المقاومة لتنفيذ حرب عصابات لاستنزاف الخصم، مع العقيدة القتالية للجيوش النظامية لتحقيق نصر عسكري وسياسي، مع الارتقاء بالمقاومة لتكون قوات شبه عسكرية Para Military من حيث الإعداد والتنظيم والتدريب والتسليح (اُنظر ملحق نظرية/ إستراتيجية المقاومة الجديدة (نظرة عامة)).

2. الجانب الإسرائيلي

أ. إستراتيجية إسرائيلية لتصفية القضية

مخطط مدروس يعمل على تنفيذه كبار الباحثين الإسرائيليين والأمريكيين، لترويج وتصفية الحل القائم على تكوين دولتَين: فلسطينية وإسرائيلية جنباً إلى جنب، واستبداله بحلول أخرى يتم فيها توريط الدول العربية ومصر والأردن بشكل خاص، مصر تتحمل مسؤولية قطاع غزة، والأردن تتحمل مسؤولية الضفة الغربية، لكي تتخلص إسرائيل من المسؤولية التاريخية في إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، بمعنى أن تتولى مصر والأردن الإدارة المدنية والسيطرة الأمنية على قطاع غزة والضفة الغربية. وذلك بدعوى أن مشروع إنشاء دولتَين قد انتهى، بسبب عدم استعداد أيّ من الفلسطينيين والإسرائيليين لتقديم تنازلات في قضايا اللاجئين والحدود والقدس، وبزعم عدم قدرة الفلسطينيين بوضعهم الحالي على بناء دولة تعيش في سلام بجانب إسرائيل؛ بسبب انشقاقاتهم الداخلية. وأن من مصلحة مصر أن تتحرك لاحتواء نظام "حماس" في قطاع غزة حتى لا يمتد أثره إلى الإخوان المسلمين في مصر.

أمّا بالنسبة إلى الضفة الغربية، فإنها تندمج في الأردن، في إطار دولة فيدرالية. وفي مواجهة رفض الفلسطينيين لهذا الاقتراح، فإن على مصر والأردن تبرير هذا التحرك، على الزعم من أن هذا الوضع سيكون مؤقتاً لحين يصبح الفلسطينيون مستعدين لإقامة دولتهم المستقلة.

ب. إستراتيجية تمكين إسرائيل من المنطقة

هذه الإستراتيجية قد خرجت تفصيلاتها عن مراكز بحوث يهودية ومعاهد أكاديمية. وهي جزء من إستراتيجية عامة ومتكاملة لإسرائيل، أن تضع العالم العربي كلّه في خانة العدائيات، وذلك من منظورها الإستراتيجي حتى عام 2020. وأهم بنود هذه الإستراتيجية هو منع قيام أيّ قوة كبرى في المنطقة، سواء كانت دولة أو تجمعاً من دول عربية؛ حتى لا يحول ذلك دون بلوغ حلم أن تكون إسرائيل هي القوة الإقليمية الرئيسية في المنطقة.

ولقد كان من الأهداف بعيدة المدى للحرب على غزة الأخيرة، خلخلة الاستقرار الإقليمي بشكل مستمر، تنفيذاً لسيادة "الفوضى الخلاقة"، التي ابتدعتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، "كونداليزا رايس"؛ وبما يخلق أسباب صدامات بين الدول العربية، وداخلياً بين النظم الحاكمة وجماهيرها. وقد تحقق ذلك بدرجة كبيرة أثناء الحرب على غزة وما بعدها.

ج. إستراتيجية تغيير الوضع على الأرض

الأرض في الفكر الإستراتيجي الإسرائيلي لا تعني قطعة من فلسطين فحسب، وإنما هي الأرض العربية كلّها. وهذا ما صرح به بوضوح قائد القوات الجوية الإسرائيلية، قال: "إن ما نفعله هنا، لا يقتصر مغزاه على الحدود الجغرافية للمكان؛ ولكنه يعني ما هو أوسع مدى منه إلى المنطقة بكمالها".

ولا سيما أن إسرائيل تعلم أن المواجهات والتوترات تحدث هزات في دول الجوار، وصدامات بين الدول العربية بعضها وبعض، فإن هذه المواجهات على العكس، فهي أسباب داعمة لدولة إسرائيل؛ لكونها عنصراً حيوياً في تماسك مجتمعها المكون من خليط متنافر من هجرات متباينة الأصول: العرقية والمذهبية، لا يجمعهم إلا الحرص على البقاء، وذلك بالتماسك فيما بينهم.

ناهيك من أن الحروب تسبب انتعاشاً في إنتاج صناعتها العسكرية وزيادة صادراتها منها.

د. الإستراتجية الإسرائيلية المعتمدة في قرار العدوان

يصعب تحديد متى اتخذت إسرائيل قراراً بشن العدوان. ولكن الإعداد للعملية، حسب مصادر إسرائيلية، بدأ قبل نحو ستة أشهر من بدء العدوان. وعليه، فإن العدوان العسكري على قطاع غزة، الذي بدأ يوم 27 ديسمبر 2008، ليس سوى جزء من سلسلة الأعمال لإسقاط المقاومة في غزة، وتغيير الوضع السياسي والعسكري؛ ولإدراك إسرائيل صعوبة اقتحام المدن للقضاء على المقاومة عسكرياً وتداعيات ذلك، نظراً إلى صغر مساحة القطاع وكثافة سكانه.

ومن هنا، فإن الحصار التمويني المشدد على القطاع هو جزء مُمهد للعدوان، لإضعاف قدرة المجتمع المدني على الصمود. واستمرار الحصار بعد انتهاء العدوان والابتزاز بشروط إعادة الإعمار، هو استمرار للعدوان بوسائل أخرى غير عسكرية؛ لتحقيق مكاسب سياسية وتهيئة المناخ لدخول قوات غير مقاومة، بهدف السيطرة على القطاع، بحيث تكون نواتها قوات الرئيس أبومازن مع قوات عربية أو دولية.

رابعاً: خسائر الجانبين

1. الجانب الفلسطيني

أ. الشهداء والجرحى

(1) طبقاً لتقرير "ريتشارد فولك" مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين، والذي اعتمده الأمين العام للأمم المتحدة لتشكيل لجنة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة، 4 أبريل 2009، برئاسة المدعي العام السابق "ريتشارد جولدستون" الجنوب إفريقي، والذي تضمن مقتل 1434 فلسطينياً منهم 288 طفلاً و121 سيدة، وإصابة 5303 مدنيين، منهم 3434 طفلاً وسيدة.

(2) أعلنت حركة "حماس"، في 21 يناير 2009، مقتل 158 شخص من المقاومة؛ إضافة إلى 230 شرطياً من قوات الأمن خلال الحرب. وأعلنت كتائب عز الدين القسام التابعة لحركة "حماس"، في بيانها الختامي للحرب، يوم 19 يناير 2009، استشهاد 48 من مقاتليها. وفي اليوم نفسه، أعلنت حركة الجهاد الإسلامي استشهاد 34 من مقاتليها. بينما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قتل 500 مسلح.

ب. البنية التحتية والمباني

(1) أعلن مكتب الإحصاء الفلسطيني، يوم 17 يناير 2009. عن تدمير 20 ألف مبنى سكني، منها أربعة آلاف مبنى تعرض لتدمير كامل من القصف الإسرائيلي؛ إضافة إلى 18 مدرسة و90 مسجداً، وطرق وجسور وبنية تحتية لمرافق الكهرباء والمياه والصرف الصحي؛ وأن القطاع في حاجة مبدئية إلى مليار ونصف المليار دولار لإعادة الإعمار. وأعلن أن قطاع غزة بات منطقة منكوبة.

(2) أعلن شهود عيان اختفاء قرى فلسطينية بشكل كامل بعد تدميرها بنسبة 80-90%، مثل قرية جحر الديك، جنوب شرق غزة؛ ومنطقة القرم، شمال شرق جباليا؛ والعطاطرة، شمال غرب جباليا، وحي الرمال وتل الهوى والزيتون والشجاعية، جنوب وشرق غزة؛ وقرية خزاعة وعبسان، شرق خان يونس؛ وأحياء مدينة رفح الفلسطينية الملاصقة للحدود مع مصر. وذلك بفعل القصف الجوي والسحق بالدبابات والجرافات.

ج. خسائر الأنشطة الاقتصادية

طبقاً لبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، فقد دُمر ما بين 35% إلى 60% من زراعات قطاع غزة. وأُصيبت موارد المياه والأراضي الزراعية بدمار كبير.

ويشير تقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إلى أن الخسائر الاقتصادية المباشرة تشمل:

(1) تجريف الأراضي الزراعية، ومن ثم تدمير المحصول الزراعي لهذا العام. وإن الخسائر وإعادة إصلاح الأراضي الزراعية المجرفة تُقدر بنحو 200 مليون دولار.

(2) توقف أنشطة الصيادين توقفاً كاملاً، وتدمير معظم معداتهم، وتُقدر الخسائر بنحو 111 مليون دولار.

(3) توقف نشاط 1500 مصنع وورشة حرفية، وإصابة النشاط التجاري بالشلل، وتُقدر الخسائر بنحو 438 مليون دولار.

وتُشير التقارير إلى أن الاقتصاد الفلسطيني خسر ما يقرب من 804 ملايين دولار، طوال أيام العدوان؛ بالإضافة إلى تبعات العدوان المستقبلية التي تُقدر بعام كامل، حتى يسترد النشاط الاقتصادي الفلسطيني في القطاع عافيته.

د. التأثير النفسي والمعنوي

(1) إن أشد ما تعرضت له غزة خطراً هو التأثير النفسي في السكان، وخاصة الأطفال، حيث إن 58% من سكان القطاع من الأطفال، وهؤلاء تعرضوا لضغط نفسي شديد خلال العمليات العسكرية. وهو ما يتطلب إعداد مناهج نفسية خاصة بإشراف المختصين: النفسيين والاجتماعيين؛ لإزالة التوترات الداخلية لدى الأطفال، وتخليصهم من العواقب النفسية، ومحاولة إعادتهم إلى طبيعتهم.

(2) وجود عشرات الآلاف من المشردين الذين دمرت إسرائيل بيوتهم، وبعضهم لجأوا إلى أقاربهم، والباقي في موقعَين للإيواء يتبعان وكالة الأونروا. بينما يفترش آخرون خياماً وأكواخاً أقاموها. وتعد منطقة شمال غزة ومنطقة لاهيا وشرق مدينة غزة، هي أكثر المناطق تضرراً. ومما يزيد الأمر صعوبة أنه على الرغم من وجود أموال إعادة الإعمار، إلا أن إسرائيل لا تسمح بإدخال مواد البناء إلى غزة.

2. الجانب الإسرائيلي

أ. القتلى والجرحى

(1) مقتل عشرة جنود وثلاثة مدنيين، طبقاً لتصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي، يوم 17 يناير 2009. وفي بيان للجيش الإسرائيلي، يوم 14 يناير، أن عدد المصابين الإسرائيليين 1225 إسرائيلياً، منهم 120 جندياً إسرائيلياً.

(2) أعلنت حركة "حماس"، يوم 19 يناير 2009، في بيانها الختامي أنها قتلت 49 جندياً إسرائيلياً ودمرت 47 دبابة وآلية وجرافة إسرائيلية. كما أعلنت حركة الجهاد الإسلامي، أنها قتلت 18 جندياً إسرائيلياً. وفي تقديرات أخرى أن المقاومة قتلت 100 فرد إسرائيلي، حيث تلاحظ ارتفاع نسبة الوفيات من الشباب الإسرائيلي، نتيجة حوادث طرق وحوادث أخرى، في إعلانات الوفيات بالجرائد الإسرائيلية.

ب. البنية التحتية والمباني

عمدت إسرائيل إلى التكتم بشكل كامل عن خسائرها التي تعرضت لها بسبب الحرب على قطاع غزة، في محاولة للإبقاء على الجبهة الداخلية الإسرائيلية متماسكة، وعدم إظهار "حماس" في موقف الند. على الرغم من ذلك صدرت التقديرات لحجم هذه الخسائر، بحسب جريدة "معاريف" الإسرائيلية، يوم 19 يناير 2009، وكانت كالآتي:

(1) تضرر تسع مؤسسات تعليمية.

(2) إلحاق أضرار مباشرة بـ 1279 مبنى، جراء سقوط القذائف.

(3) سقوط 851 قذيفة صاروخية في مناطق مختلفة، داخل إسرائيل.

(4) تضرر نحو 268 سيارة.

وقد أفادت التقارير أن حجم الخسائر المادية، نتيجة القصف الفلسطيني بالصواريخ، تُقدر بنحو 500 مليون دولار.

ج. خسائر الأنشطة الاقتصادية

أمّا على الجانب الاقتصادي، فقد بلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية المباشرة 2600 مليون دولار، تتمثل في تكاليف إدارة الحرب، مدة 23 يوماً، بمتوسط 130 مليون دولار يومياً، وخسائر الموسم السياحي، وخسائر التعبئة الجزئية لقوات الاحتياطي، وخسائر قطاع التصدير.

ومن أكثر المناطق تضرراً المشروعات الصناعية في بئر سبع وما يجاورها، وذلك نتيجة القصف الصاروخي. ووفقاً لتقديرات اتحاد المكاتب التجارية، أن هذه المنطقة التي يعمل فيها أكثر من 40 ألف عامل، قد توقف معظمهم عن العمل، منذ نهاية عام 2008؛ بسبب القصف الصاروخي الذي تتعرض له مصانعهم.

أما المصانع الموجودة في باقي منطقة جنوبي إسرائيل، فقد بلغت خسائرها 256.410 دولارات يومياً.

د. التأثير النفسي والمعنوي

فيما يتعلق بالقصف الصاروخي لحركة "حماس" ضد مدن وبلدات ومستعمرات جنوبي إسرائيل، فقد نجحت صواريخ "حماس" في نشر الرعب والخوف داخل سكان جنوبي إسرائيل.

كما أدى هذا القصف الصاروخي إلى كسر حاجز الأمن الإسرائيلي، وهز صورة الحكومة الإسرائيلية في حماية مواطنيها من صواريخ "حماس"؛ على الرغم من بدائيتها.

خامساً: قضايا حائرة بين الرأي والرأي الآخر

خلال الأيام الأولى للحرب على قطاع غزة، 2008/2009، وما بعدها، ثار جدل واسع حول العديد من القضايا المرتبطة بالحرب، حيث انقسمت الآراء داخل وخارج الأراضي الفلسطينية، بين هذا الرأي أو ذاك، أو بين هذا الاتجاه والاتجاه الآخر؛ وكلّ اتجاه أو رأي له أسانيده التي يستند عليها. ونستعرض هنا بعض هذه القضايا بنظرة المراقب من الخارج لعرض مختلف المواقف.

1. الجدل حول النصر والهزيمة

أ. المجتمع الإسرائيلي

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، في مؤتمر صحفي لإعلان وقف إطلاق النار، يوم 17 يناير 2009، أن إسرائيل حققت أهدافها وأنزلت هزيمة قاسمة لحركة "حماس"؛ ولم يتعرض لاصطلاح النصر. كما أن الرأي العام الإسرائيلي لم يتعرض لاصطلاح النصر في الحرب. وفي استطلاع للرأي أجراه مشروع مقياس الحرب والسلام لمعهد تامي شتاينميتس لأبحاث السلام وجامعة تل أبيب، في 17 و18 فبراير 2009، أشارت النتائج إلى وجود 36% من الجمهور الإسرائيلي أعلنوا إحباطهم من عملية الرصاص المصبوب مقابل موافقة 33%؛ ووجود 39% أعربوا عن رضاهم عن العملية مقابل 25% بعدم الرضا عن العملية، وأن هناك 56% طالبوا باستمرار العملية لتحقيق الأهداف. ومن مجمل استطلاع الرأي، فإن الجمهور الإسرائيلي يشعر أن العملية لم تحقق أهدافها، وبالتالي لا ينطبق عليها مفهوم النصر في الحرب.

ب. المجتمع الفلسطيني

 أعلن رئيس وزراء الحكومة الفلسطينية المقالة "إسماعيل هنية"، يوم 20 يناير 2009، في خطاب النصر، انتصار الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. بينما هناك تيارات فلسطينية أخرى من حركة "فتح" والسلطة الفلسطينية في رام الله، رفضت وصف النتائج بالانتصار في الحرب على الجانب الإسرائيلي والفلسطيني.

ج. المجتمع العربي والإسلامي

كان هناك قاعدة شعبية عريضة على المستوى العربي والإسلامي أعلنت تضامنها مع المقاومة الفلسطينية ودعوتها للصمود والتصدي للعدوان الإسرائيلي؛ مع وجود انقسام داخل الرأي العام فجانب منهم ركز على الأضرار التي لحقت بالشعب والأرض الفلسطينية في قطاع غزة، من دون الحديث عن الانتصار أو الهزيمة في الحرب. وجانب آخر كان قليلاً، اتهم حركة "حماس" بالمسؤولية ورفض وصف انتصارها في الحرب. أمّا الجانب الثالث، على قلته، فإن صوته الإعلامي كان عالياً، أعلن انتصار "حماس" في الحرب.

د. المجتمع الدولي

لم يتعرض المجتمع الدولي لقضية النصر والهزيمة بشكل مباشر. ورأى أن حركة "حماس" مسؤولة عن الخسائر في قطاع غزة؛ وعليها تحمل المسؤولية بقبول الشروط الإسرائيلية وشروط الرباعية الدولية لإعادة إعمار قطاع غزة وتحريك المفاوضات لحل القضية الفلسطينية. وهذا يعني مطالبة حركة "حماس" والمقاومة الفلسطينية بالاعتراف بالهزيمة في الحرب بشكل غير مباشر.

هـ. جدل الرأي

(1) الرأي الأول: يتركز حول انتصار المقاومة الإسلامية، بصفته مرادفاً لصمود الشعب الفلسطيني. ويرتبط الانتصار بحرمان إسرائيل تحقيق أهدافها، وخاصة فشل إسرائيل في القضاء على المقاومة أو إضعاف قدرتها العسكرية؛ وتصف انتصارها بأنه انتصار دفاعي، وأن جميع الحروب التاريخية كانت لها خسائرها: المادية والبشرية العالية. وأن المقاومة الفلسطينية أُجبرت على دخول الحرب، ومن حقها المشروع الدفاع عن الأراضي الفلسطينية.

(2) الرأي الثاني: أصحاب هذا الرأي يرون بأن الحرب لم يحقق أي طرف فيها أيّ شكل من الانتصار، في ظروف حالة التدمير الهائل لقطاع غزة وعدد القتلى والمصابين بالآلاف. وأن المقاومة لم تأت إلا بالخراب على قطاع غزة ولم تحقق أيّ أهداف سياسية، مثل فتح المعابر أو فك الحصار أو تحرير الأراضي الفلسطينية. وأن فشل إسرائيل جزئياً في تحقيق أهدافها، لا يعني بالضرورة انتصار المقاومة الفلسطينية، وأن نتائج الحرب سوف تخلف تداعيات: سياسية وأمنية كبيرة على القضية الفلسطينية، وتقود إلى معادلة أمنية جديدة للمنطقة.

2. أخطاء المقاومة الفلسطينية

عندما بدأت الحرب على قطاع غزة، يوم 27 ديسمبر 2008، رأى البعض أنها عملية خاصة، وتأتي في إطار الفعل ورد الفعل المحدود؛ وما يصدر عن الجانب الإسرائيلي من تهديدات، لا يتعدى الدعاية. وعندما بدأت العملية البرية وطالت مدتها واتسعت أعمالها بالقتل والتدمير المتعمد، ثار جدل واسع حول مسؤولية المقاومة الفلسطينية، بزعامة حركة "حماس"، عن الحالة التي وصل إليها قطاع غزة. وبدأت حملات إعلامية متبادلة بين غزة ورام الله.

كان هناك انقسام عربي وإسلامي حول وجود أخطاء لحركة "حماس" خلال الحرب، حيث وجهت بعض الدول العربية وعلى رأسها مصر اتهامات متعددة لحركة "حماس" وحملتها مسؤولية نتائج الحرب؛ إلا أنها دانت العدوان الإسرائيلي وإفراطه في استخدام القوة. ودول أخرى مثل سورية وإيران أيدت حركة "حماس" وحقها في مقاومة الاحتلال. ولم تتهم "حماس" بأيّ أخطاء.

اتخذ المجتمع الدولي موقفاً رافضاً للمقاومة الفلسطينية، بصفتها إرهاباً؛ والفصائل الفلسطينية المسلحة هي جماعات إرهابية. وحمل المجتمع الدولي، بريادة أمريكية، حركة "حماس" مسؤولية الأضرار والخسائر التي لحقت بقطاع غزة.

أ. الرأي الأول

(1) اتهام حركة "حماس" بالمسؤولية عن حالة الوضع في قطاع غزة، وأن الأولوية الآن هي منع تفاقم الكارثة.

(2) أن هدف حركة "حماس" وبعض جماعات المقاومة، لا يتعدى المحافظة على سيطرتهم على قطاع غزة، بحكم انفصالي.

(3) أن القدرات العسكرية للمقاومة غير كافية لصد العدوان الإسرائيلي، وعدم اتخاذ المقاومة التدابير الكافية للوقاية من العدوان. وانفراد حركة "حماس" بقرار الحرب جاء على حساب الشعب والقضية الفلسطينية.

(4) رفض ارتباط صمود الشعب الفلسطيني بانتصار حركة "حماس"، لأن صمود الشعب الفلسطيني كان أمراً مفروضاً عليه لمواجهة العدوان الإسرائيلي.

(5) بعد انتهاء اتفاق التهدئة مع الجانب الإسرائيلي، يوم 19 ديسمبر 2008، وحتى بدء الهجوم الإسرائيلي يوم 27 ديسمبر 2008، قامت حركة "حماس" والجهاد الإسلامي بإطلاق أكثر من 130 صاروخاً وقذيفة هاون على الجانب الإسرائيلي؛ ما استخدمته إسرائيل ذريعة أمام المجتمع الدولي لشن الحرب.

ب. الرأي الآخر

(1) خلال التهدئة، 19 يونيه ـ 19 ديسمبر 2008، قامت إسرائيل بخرق التهدئة، وكان أشدها يوم 4 نوفمبر، حيث نفذت غارة جوية أدت إلى مقتل ستة من أعضاء "حماس". كما أن إسرائيل لم توف باستحقاقات اتفاق التهدئة لرفع الحصار عن قطاع غزة وفتح المعابر. وبلغ عدد الخروقات الإسرائيلية، خلال التهدئة، 195 خرقاً في القطاع، أدت إلى مقتل 22 فلسطينياً وإصابة 62 آخرين. هذا إضافة إلى الخروقات الإسرائيلية في الضفة الغربية التي وصلت إلى 1260 خرقاً، ومقتل 50 فلسطينياً وإصابة 245 آخرين، واعتقال 1111 فلسطينياً.

(2) رفضت المقاومة الفلسطينية تجديد اتفاق التهدئة المنتهي في 19 ديسمبر 2008، بسبب شروط التهدئة الدائمة. وهو ما يعني إسقاط حق المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، أو بمعنى آخر قبول الاحتلال. وهو أمر يتعارض مع مبادئ الفصائل الفلسطينية. والأمر الآخر في عدم وجود ضمانات لالتزام إسرائيل بفك الحصار وفتح المعابر.

(3) المقاومة الفلسطينية، جاهدت لإعداد وتسليح أجنحتها العسكرية، في ظروف الحصار المشدد على القطاع، والرقابة المصرية المشددة على الحدود مع قطاع غزة.

(4) الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة لا تستهدف إلى الاستئثار بالسلطة، وإنما تطلب نظام مشاركة وطنية فلسطينية، تضم جميع التيارات السياسية لإدارة شؤون البلاد؛ مع الاحتفاظ بحقها في مقاومة الاحتلال في ظل استمراره.

3. ظاهرة العملاء في غزة

تمثل ظاهرة العملاء في قطاع غزة والضفة الغربية حالة واسعة، قدرها الجيش الإسرائيلي بالآلاف الذين يعملون لمصلحة الجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية. واستمر الطابور الخامس في العمل خلال الحرب بقطاع غزة، وكان له دور في تدمير 80% من البنية السياسية والعسكرية الأساسية لحركة "حماس"، ودور حيوي وأساسي في العمليات الجراحية لاغتيال الكوادر القيادية للمقاومة الفلسطينية، وخاصة من حركة "حماس" والجهاد الإسلامي. وكان يوجد في السجن المركزي (السرايا) في غزة 115 عميلاً فلسطينياً محتجزين بتهمة جريمة التعاون مع الجانب الإسرائيلي. وقامت إسرائيل بقصف وتدمير المبنى، يوم 28 ديسمبر 2008؛ ما أدى إلى مقتل جزء منهم وهروب الباقين إلى داخل القطاع.

اتهمت حركة "حماس" بعض العناصر من حركة "فتح"، كما اتهمت الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالتعاون مع الجانب الإسرائيلي، وتوفير معلومات كاملة وخرائط عن البنية السياسية والعسكرية لحركة "حماس" للأجهزة الأمنية الإسرائيلية. وهذا سبب تمسك حركة "حماس" في حوارات القاهرة للمصالحة بوقف التنسيق الأمني الفلسطيني الإسرائيلي. وقد أشاد الجيش الإسرائيلي بدور العملاء في إنقاذ العديد من أرواح الجنود الإسرائيليين خلال الحرب. إلا أن حركة "فتح" في رام الله نفت أيّ دور لها في التعاون مع الجانب الإسرائيلي على استهداف أشخاص أو أهداف تابعة لحركة "حماس".

اتهمت حركة "فتح" في رام الله حركة "حماس"، يوم 22 يناير 2009، بإعدام 19 شخصاً من قادة حركة "فتح"، خلال الحرب. وأطلقت النار وأصابت أقدام 61 شخصاً آخرين. واعترفت "حماس" بالواقعة وقالت إنه تصرف غير مسؤول من بعض العناصر، وسيتم تقديمهم للمحاكمة. وقالت إنهم من المتعاونون مع الجيش الإسرائيلي خلال الحرب. وقد دانت منظمة العفو الدولية حركة "حماس" في هذا الإجراء، في بيان لها يوم 11 فبراير 2009.

وقد أعلن المسؤولون في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، في عدد من التقارير التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن العملاء الفلسطينيين شكلوا أساساً للنصر الذي حققته إسرائيل في غزة، وقدموا مساعدة فاقت كلّ التوقعات. وأن هؤلاء العملاء خلال الحرب حولوا المناطق الواسعة التي زرعها مقاتلو "حماس" بالمتفجرات إلى مكامن لهم. كما منع هؤلاء العملاء بتعاونهم مع إسرائيل مقتل العشرات من الجنود الإسرائيليين خلال الحرب الأخيرة على غزة.

وقد حاول الإسرائيليون في هذه التصريحات إظهار كفاءة الاستخبارات في تجنيد هذا العدد الكبير، وإظهار عدم رضاء الشعب الفلسطيني على حركة "حماس"، والإساءة إلى الشخصية الفلسطينية.

وفي هذا الشأن تحدث العقيد "هارتس هاليفي" قائد وحدة مظلات، للقناتَين الثانية والعاشرة في التليفزيون الإسرائيلي، وذلك بإعجاب شديد بهؤلاء العملاء؛ بصفتهم "إحدى الضمانات لنجاح الجيش الإسرائيلي في ضرب البنية التحتية لحركة "حماس"، والقضاء على الكمية الأكبر من معداتها العسكرية وصواريخها، وقتل عدد من مقاتليها".

وأضاف هاليفي موضحاً، منذ انسحابنا من غزة عام 2005 بذلنا جهوداً كبيرة لتجنيد العملاء، ونجحنا خلال ثلاث سنوات في تجنيد عدد كبير منهم، ثم استطرد قائلاً: "عندما كنا نتلقى المعلومات عن وجود ألغام بالقرب من شجرة أو بناية، كانت الأوامر تُنقل من العميل إلى مركز جمع المعلومات الاستخباراتية وتصلنا على الفور، وبما يؤدي إلى تراجع جنودنا وعدم اقتحام الموقع الملغوم، وإلا ما كان شيء سيمنع قتل العشرات، وربما المئات من جنودنا".

وفي سياق المعلومات التي تعدها إسرائيل مهمة وحققت انجازاً كبيراً، ما يتعلق باغتيال القائد العسكري في "حماس"، "نزار ريان".

كما يُشير هاليفي إلى أن المعلومات التي وصلت إلى مركز الاستخبارات، حول وجود القيادة السياسية لحركة "حماس" في ملجأ محصن أسفل مستشفى الشفاء في غزة، كانت في منتهى الدقة.

وهذا ما أكده رئيس جهاز الشاباك، عندما أعلن عشية توقف القتال: "لقد كنت أعلم جيداً أين يختبئ "إسماعيل هنية"، كما علمت وقت خروجه من ملجئه، ولكننا لم نقرر قتله".