إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / غزو العراق عام 2003




مواقع عسكرية قًصفت بالذخائر الذكية
موقع سد الحديثة
مجموعة صور لصدام حسين
محمد سعيد الصحاف
مجلس الحكم العراقي
آية الله علي سيستاني
أركان النظام الصدامي
المظاهرات تعم مدن العالم
بليكس والبرادعي
تحطيم تمثال صدام حسين
صدام حسين لحظة القبض عليه
كولين باول
عناصر القيادة السياسية العسكرية في الحرب
قادة المعارضة العراقية

أهم المدن العراقية
مناطق الاحتلال (سبتمبر 2003)
مناطق القاعدة (ديسمبر 2006)
مناطق القاعدة ديسمبر 2007
أوضاع فرق الحرس الجمهوري
محاولة اغتيال صدام
محاور التقدم الرئيسية والمساعدة
مخبأ صدام حسين
مستويات هجمات قوى التمرد
الأهداف الإستراتيجية في وسط بغداد
الليلة الأولى لقصف بغداد
الهجوم على مطار صدام الدولي
التمرد والعصيان
انتشار قوات التحالف
الحلقة الدفاعية حول بغداد
اقتحام الفرقة الثالثة لبغداد
توزيع قوات الحرس الجمهوري ومواقع قوات التحالف
حصاد ثلاثة أسابيع من المعارك
سيناريو الحرب البرية المتوقع
غزو العراق
قوات التحالف في الحرب
قاعدة العديد الجوية بقطر

معركة الاستيلاء على جزيرة الفاو
أقسام العراق الطائفية والعرقية (بالمحافظات)
المحافظات العراقية
التوزيع السكاني للأكراد بين دول المنطقة
التوزيع السكاني في المحافظات
تحرك القوات الأرضية والقوات الخاصة
خرائط الجمهورية العراقية



بسم الله الرحمن الرحيم

المبحث الثالث

الموقف العربي والإقليمي والمحلي

(1991 - 2003)

أولاً: الموقف العربي

أعلنت جميع الدول العربية رفضها ومعارضتها لفكرة الحرب الأمريكية على العراق، ولم يكن ذلك حرصاً على نظام "صدام حسين"، ولكن حرصاً على العراق ذاته من ويلات حرب رابعة، بعد أن خاض ثلاثة حروب من قبل خلال ثلاثين سنة من حكم "صدام حسين" (حرب الأكراد، حرب مع إيران، غزو الكويت، ثم حرب تحريرها)، وليس في مقدور الشعب العراقي أن يتحمل المزيد من معاناة الحروب، وما تخلفه من قتلى وجرحى وخراب ودمار وإفلاس اقتصادي، حيث قُدرت فاتورة إعمار العراق بعد الحرب بحوالى 300 مليار دولار، وإلى مساعدات تصل إلى 17 مليار دولار على مدى خمس سنوات.

يضاف إلى كل هذا التخوف من احتمال استخدام النظام العراقي لما لديه من أسلحة دمار شامل إذا ما أُحكم الخناق حول رقبته، وهو ما سبق أن حذّر منه "حسين كامل" زوج إبنة "صدام حسين" عندما كان هارباً إلى الأردن، عام 1995، وأطلق عليه سيناريو الملاذ الأخير، وما يمكن أن يحدثه استخدام الأسلحة من كوارث بشرية في كل منطقة الخليج، وأيضاً ضد القوات الأمريكية، والتى بالقطع سترد باستخدام أسلحة نووية تكتيكية ضد العراق، وهو ما سبق أن لوحت به قبل حرب الكويت، عام 1991، لاسيما وأن للنظام العراقي له سجل معروف في استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية.

كما كان هناك تخوف عربي من نشوب حالة من الفوضى قد تجتاح المنطقة أثناء الحرب وبعدها، بسبب موجات اللاجئين العراقيين، بالإضافة إلى ما كان يكتنف مستقبل العراق في مرحلة ما بعد "صدام حسين" من مخاوف تقسيم عرقي وطائفي، واحتمالات تدخل من جانب إيران وتركيا في شؤون العراق، بالنظر لما هو معروف عنهما من أطماع ومطالب في الأراضي العراقية. ناهيك عن الصراعات السياسية والأمنية الداخلية، وتصفيات حسابات قديمة وحديثة بين مؤيدي النظام في الداخل ومعارضيه، في الداخل ومن الخارج.

إلى جانب تخوف الدول العربية من الآثار السالبة للحرب على الاقتصادات العربية، حيث أشارت التقديرات أن كلفة الحرب على العراق قد تصل إلى 1 - 2 تريليون دولار، وأن الحرب يمكن أن تقتطع 240 مليار دولار من الاقتصاد العالمي، في عام 2003، وأن تحد من نمو الاقتصاد الدولي ليصل إلى أقل من 2% في هذا العام، وهو المعدل الذي يضع الاقتصاد العالمي في ركود، وقد زاد من هذا الاحتمال الطلب الذي تقدمت به إدارة بوش للكونجرس عشية الحرب، لتخصيص 75 مليار دولار لتغطية نفقات الحرب.

يتواكب مع ذلك توقعات بارتفاع أسعار النفط، التي تشكل إحدى القنوات الرئيسة التي تؤثر على الحرب من خلالها في الاقتصاد العالمى. وما يواكب ذلك من انخفاض الاستثمارات، وزيادة نسبة البطالة إلى 15% بعودة أربعة ملايين عربي من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى عودة 2.5 مليون عربي من دول منطقة الخليج إلى بلدانهم العربية، إلى جانب توقعات بانحسار في السياحة وحركة الطيران والفنادق، وتغيير مسارات الرحلات الجوية، وارتفاع أسعار التأمين على الطائرات والسفن، وبما يزيد من كلفة النقل الجوي والبحري والبري، وانخفاض صادرات دول العالم إلى منطقة الخليج.

وكانت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية (أسكوا)، قد أعلنت قبل الحرب أنها ستؤدي إلى ضياع عشرة آلاف فرصة عمل، وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم العربي، وأن حجم الفرص الاستثمارية التي ستضيع في المنطقة العربية نتيجة الحرب تقدر بنحو 220 مليار دولار.

وتميزت المواقف العربية، بصفة عامة، برفض شن حرب على العراق تحت أى ظرف من الظروف، ساعية بالوسائل الدبلوماسية، طوال عام 2002، لاقناع الطرفين الأمريكي والعراقي بعودة المفتشين، بوصف ذلك حلاً وسطاً يجنب العراق ويلات الحرب. وقد حاولت الدول العربية تحقيق رؤيتها من خلال التحرك على أكثر من مستوى، الاجتماعات العادية والاستثنائية التي عقدها وزراء الخارجية العرب، في إطار جامعة الدول العربية لبحث الشأن العراقي؛ والقمة العربية في بيروت، في مارس 2002؛ والمبادرات العربية الفردية والمشتركة، مثل المبادرة الثلاثية المصرية ـ السعودية ـ الأردنية، في يوليه 2002، حين زار وزراء خارجية هذه الدول واشنطن بهدف إقناع الإدارة الأمريكية بتأجيل ضرب العراق لمدة عام، يتم خلاله إقناع القيادة العراقية بعودة المفتشين مقابل رفع العقوبات، إلا أن الرئيس الأمريكي رفض هذه المبادرة.

غير أن الموقف العربي قد اتسم أيضا بالتباين في مواقف الدول، سواء إزاء المدى الذي يمكن الذهاب إليه في معارضته الحرب، أو إزاء الوسائل التي يمكن إتباعها لتحقيق ذلك الغرض. وقد تحددت مواقف الدول العربية من السياسة الأمريكية تجاه العراق بناءً على عدة عوامل، أهمها، مدى عمق العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وقوتها، والاعتماد عليها مكوناً عضوياً في مصالح هذه الدول، خاصة المصالح الأمنية، وأيضاً موقف الرأي العام داخل هذه الدول من الولايات المتحدة الأمريكية وسياستها في المنطقة، وأيضا مدى أهمية هذه الدول في الخطط الأمريكية لشن الحرب على العراق.

وقد توزعت مواقف الدول العربية بين مجموعات أربع تبعاً لموقفها من هذه العوامل على النحو التالى:

1. المجموعة الأولى: تضم دول خليجية صغيرة، على رأسها الكويت وقطر والبحرين، وإلى حد ما عُمان، وهي دول يرتبط أمنها ارتباطاً قوياً بالولايات المتحدة الأمريكية، وترى أن علاقاتها بها تمثل مكوناً أساسياً لسياستها الخارجية والأمنية، خاصة الكويت التي يشكل الرأي العام فيها ميولاً عدائية للنظام العراقي، بسبب عدوانه عليها عام 1990، وبالنظر أيضاً إلى أهمية البنية التحتية العسكرية الأمريكية في هذه الدول. لذلك كانت مواقفها في خطة الحرب مؤثرة.

2. المجموعة الثانية: وهي التي تربطها بالولايات المتحدة الأمريكية علاقات وثيقة أمنية واقتصادية، ولكن الرأي العام فيها يتسم بدرجة عالية من السلبية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وترى في تدخلها انتقاصاً من سيادة هذه الدول على أراضيها وشرعيتها. لذلك فإن المطالب الأمريكية تجاه هذه الدول كانت محدودة، ومن الممكن مقاومتها بسبب محدودية ما يمكن أن تقدمه من تسهيلات في الجهد العسكري الأمريكي، مثل مصر والأردن والسعودية.

3. المجموعة الثالثة: وهي التي اتسمت علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية بالتوتر، وبالتالي فإن روابطها الضعيفة مع واشنطن حررتها من ضرورة مراعاة مصالحها الأمريكية. في الوقت نفسه، فإن هذه الدول لم تتعرض لضغوط مماثلة لتلك التي تعرضت لها الدول العربية الأخرى، وكانت بعامة منحازة للعراق، وتضم سورية واليمن ولبنان.

4. المجموعة الرابعة: تضم الدول العربية التي لم يكن موقعها الجغرافي، ولا موقعها في السياسة العربية يتطلب منها أن تتخذ مواقف تتجاوز الموقف العربي الرسمي العام الرافض للحرب. وتشمل مجموعة دول شمال أفريقيا، ودولة الإمارات العربية المتحدة، التي رغم قربها الجغرافى من مسرح الأزمة فقد نجحت في تجنب التعرض لضغوط الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب رفضها المبدئي إقامة قواعد عسكرية أمريكية فوق أراضيها.

وفي محاولة أخيرة من جانب الدول العربية لإقناع "صدام حسين"، بالرحيل عن العراق وتجنيبه ويلات حرب جديدة، عُقدت قمة عربية في شرم الشيخ، في مارس 2003، طرح خلالها الشيخ "زايد آل نهيان" رئيس دولة الإمارات، مبادرة شُجاعة لتخلي صدام عن حكم العراق، واستضافته وعائلته في الإمارات. إلا أن حالة الاستقطاب التي كانت سائدة اجتماعات القمم العربية بين مؤيدين للنظام العراقي، على رأسهم سورية والجزائر والسودان والسلطة الفلسطينية، ودول عربية أخرى معارضة لهذا النظام تتمثل في مصر ودول الخليج العربية والأردن، أفشلت مبادرة الشيخ زايد، بل أجهضتها برفض مناقشتها.

ولقد أتاحت هذه المبادرة فرصة أمام "صدام حسين" لأن يرحل عن العراق خلال أسبوعين، مع ضمان دولي بعدم ملاحقته قضائياً، ومعه كل أسرته ومعاونوه ومساعدوه، وبذلك يُنزع فتيل الأزمة وتفوت الفرصة على بوش في شن الحرب على العراق. كما أعطت هذه المبادرة مبرراً قوياً لوقف جميع الاستعدادات العسكرية للحرب، وإيقاف آلتها التي كانت مندفعة بقوة نحو الاصطدام ببغداد، في النصف الثانى من مارس 2003.

كما أعطت هذا المبادرة أيضاً دافعاً مهماً للتفكير في مرحلة عراق ما بعد صدام، ولاسيما أنها كانت تحظى بدعم كل الدول الكبرى الرافضة للحرب، والتى شجعت على رحيل صدام، وهو ما عبر عنه الرئيس الفرنسى شيراك والرئيس بوتين، الذي طرح هذا الحل بواسطة مبعوثه بريماكوف الذي زار بغداد قبل اندلاع الحرب بشهر لنفس السبب، عارضاً مبادرة مماثلة، ولكن صدام رفضها. كما كان من مزايا مبادرة الشيخ زايد أنها وضعت العراق تحت وصاية الجامعة العربية والأمم المتحدة، بدلاً من القوات الأمريكية وحكم عسكري أمريكي مباشر لسنتين على الأقل، وبالتالى تمنع الولايات المتحدة الأمريكية من وضع يدها على مقدرات العراق سياسياً وأمنياً واقتصادياً.

كذلك نصت مبادرة الشيخ زايد على إصدار عفو شامل عن عراق الغد، وهو ما يؤمن نزع فتيل الصراعات العرقية والطائفية والسياسية، وتصفية الحسابات القديمة والحديثة بين مؤيدي النظام الصدامي ومعارضيه، ويؤمِن كذلك استقلال ووحدة أراضي العراق في ظل حكومة مركزية، تكفل حقوق وواجبات جميع أبناء العراق، بغض النظر عن اختلافاتهم العرقية والطائفية.

لقد فشلت قمة شرم الشيخ في الاستفادة من دروس القمم العربية السابقة، عندما حرصت فقط على إظهار براءة ذمة القادة العرب، وإسقاط الواجب أمام شعوبهم، بالتمسك بإظهار قشة ظاهرية وضعيفة وواهية من تضامن عربي غير حقيقى، وتخفي تحتها صنوفاً وألواناً من النزاعات والخلافات العربية ـ العربية، وهو ما لم تستطع معالجته. ومن ثم فشلت في معالجة لُب المشكلة العراقية وجوهرها، والذي يتعلق بطبيعة النظام الديكتاتوري الحاكم في بغداد. بل إن الأمر الغريب في موقف هذه القمة هو استجابتهم لطلب الوفد العراقي بمساندة النظام الصدامي. وانتهت أعمال القمة العربية في شرم الشيخ، بإصدار بيان ضعيف أثار حزن وأسى الجماهير العربية، وسخرية باقى شعوب العالم. لذلك ندم العرب كثيراً بعد وقوع الحرب على إجهاضهم المبادرة الشجاعة والجريئة والعملية للشيخ زايد.

ولم تستطع أي من الحكومات العربية أن تساعد النظام العراقي على تمرده ضد قرارات مجلس الأمن، أو تدخل في أزمة مع واشنطن، بعد أن صنَّفت العراق داخل إطار (دول محور الشر)، وأثبتت علاقة النظام العراقي مع تنظيم القاعدة الإرهابى، لاسيما وأن النظام العراقي لم يعد مسؤولية عربية بعد أن تحررت قيادته من التزامتها العربية حين قامت بغزو الكويت. ومنذ ذلك الحين أصبح العراق مسؤولية دولية، بموافقة قيادته على قرارات مجلس الأمن الدولي، وتعهدها بتنفيذها عقب هزيمته، في حرب عام 1991. لذلك لم تستطع أى دولة عربية أن تفعل للعراق أكثر من مناشدة الولايات المتحدة الأمريكية الرفق بالشعب العراقي المنكوب بقيادته، والتفريق في المعاملة بين النظام العراقي والشعب العراقي، ومراعاة النواحى الإنسانية لهذا الشعب. لذلك أعدت كل من المملكة العربية السعودية والأردن والكويت وتركيا وإيران، معسكرات خيام في مناطق الحدود تحسباً لإيواء لاجئين عراقيين عند نشوب الحرب.

ثانياً: الموقف الإقليمي

1. الموقف التركي

يُعد الموقف التركي من الأزمة العراقية شديد الخصوصية، بحكم أن تركيا حليف مهم للولايات المتحدة الأمريكية، وعضويتها في حلف الناتو، وبها أهم قاعدة جوية للناتو وهى (أنجرليك) في جنوب تركيا. وفي الوقت ذاته كان الموقف التركي شديد التحفظ إزاء ضرب العراق، لخشية أنقرة من أن يؤدي ذلك إلى تطورات لا تنتهى بقيام دولة كردية شمال العراق، يكون لها امتداداً مع أكراد جنوب تركيا، حيث ينشط حزب العمال الكردستانى الانفصالى، لاسيما وأن أكراد تركيا يشكلون 46% من أكراد المنطقة، مما قد يؤثر على استقرار البلاد. كما تخشى تركيا في حالة نشوب حرب من استغلال الميليشيا الكردية لما ستسفر عنه الحرب من حالة فوضى، وتقوم بمهاجمة مدينة كركوك الغنية بالنفط والاستيلاء عليها، خاصة وأن الأكراد يعدونها عاصمتهم الطبيعية.

والواقع أن الإدارة الأمريكية سعت لاستخدام الورقة الكردية وسيلة ضغط على القيادة التركية، التي رفضت حتى نهاية 2002 استخدام قواعدها الجوية في أنجرليك، وباتمان، وديار بكر بواسطة القوات الأمريكية، في حال شن هجوم على العراق.

بالإضافة إلى الهاجس الكردي، فإن حكومة أنقرة كانت تخشى أيضاً، في حال نشوب حرب، من حالة نزوح جماعي عراقي إلى تركيا، وأيضاً من احتمالات وقوع حرب أهلية في العراق بعد سقوط نظام "صدام حسين" تكون لها انعكاسات سلبية داخل تركيا. ومن ناحية أخرى كانت تركيا تخشى أن تتأثر علاقاتها التجارية المتميزة بالعراق، حيث بلغ حجم التجارة بين البلدين حوالى ثلاثة مليارات دولار، وفي وقت خسرت تركيا حوالى 40 مليار دولار بسبب الحصار الذي كان مفروضاً على العراق منذ، عام 1991. ناهيك عن فوز حزب (العدالة والتنمية الإسلامى) في الانتخابات البرلمانية، في نوفمبر 2002، والذي كان مناهضاً للحرب الأمريكية ضد العراق.

إلا أن زيارة رئيس الحكومة أردوغان لواشنطن أحدثت تحولاً سياسياً في الموقف التركي، حيث استغلت واشنطن حاجة أنقرة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ومساعدات عسكرية قيمتها 800 مليون دولار لشراء ثماني طائرات عمودية من نوع سى هوك، وست طائرات عمودية من نوع بلاك هوك، واستجابت لها واشنطن مقابل تأييد حكومة أنقرة للحرب على العراق، والموافقة على نشر 90 ألف جندى أمريكي في الأراضي التركية، فضلاً عن استخدام ستة مطارات وميناءين تركيين تحت تصرف واشنطن.

إلا أن أنقرة، حتى انتهاء عام 2002، لم تكن قد بتَّت في هذا الطلب، خشية الاصطدام المبكر بالرأي العام التركي الرافض للحرب، ومن ثم رفض البرلمان التركي. إلا أن الحكومة التركية عوضاً عن ذلك وافقت على التجديد السنوي للاستخدام الأمريكي للقواعد التركية في مراقبة مناطق الحظر الجوي شمال العراق.

وبالفعل رفض البرلمان التركي عبور الفرقة الرابعة الأمريكية (162 ألف جندى) عبر الأراضي التركية إلى شمال العراق، طبقاً لاتفاق مسبق بين الحكومتين الأمريكية والتركية، ووضعت خطة الهجوم على هذا الأساس، بل ووصلت 20 سفينة أمريكية محملة بقوات الفرقة الرابعة أمام ميناء الاسكندرونة بالفعل، استعداداً لإنزال قوات الفرقة والتحرك براً إلى جنوب تركيا، توطئة لعبور الحدود مع شمال العراق، وشن هجمات في المنطقة الكردية ضد قوات النظام العراقي هناك. وعلى الرغم من توجه وزير الخارجية الأمريكي "كولين باول" إلى أنقرة، ومحاولاته تقديم إغراءات اقتصادية لتركيا، في مقابل السماح بعبور الفرقة الرابعة إلى شمال العراق، إلا أن تصميم البرلمان التركي على موقفه حال دون ذلك، كما رفضت الحكومة التركية استخدام قوات التحالف قواعد جوية في (بتمان) و(ديار بكر) في جنوب وشرق تركيا.

وقد اضطرت القيادة الأمريكية إلى تعديل خططها لمواجهة الرفض التركي، وذلك بتحويل السفن التي تحمل المعدات الثقيلة إلى الخليج عبر قناة السويس، وهى رحلة تستغرق أسبوعين، مع نقل الأفراد جواً عبر الأجواء التركية رأساً إلى شمال العراق، وأن تشن المقاتلات الأمريكية الرابضة على حاملات الطائرات في البحر الأحمر هجماتها مباشرة ضد الأهداف العراقية في شمال العراق بدلاً من المطارات التركية. ومن المعروف أن الموقف التركي كانت ولا تزال تحكمه عدة عوامل، أبرزها وجود أطماع تركية في شمال العراق ونفطه، تصل إلى مدينة الموصل، فضلاً عن العداء المستحكم مع أكراد شمال العراق، الذين يأوون حزب العمال الكردستاني الانفصالي، الذي يشن هجمات ضد القوات والأهداف التركية في جنوب تركيا، كذلك وجود أقلية تركمانية في شمال العراق تعد تركيا نفسها مسؤولة عن حمايتها. لذلك كان التعاون التركي مع القوات الأمريكية قبل الحرب وأثناءها في أضيق نطاق، ويكاد يكون منحصراً في استخدام قاعدة أنجرليك الجوية.

وفي شمال العراق تظاهر الأكراد والتركمان ضد احتمالات التدخل العسكري التركي في شمال العراق، وأيضاً من جانب معسكرات فيلق بدر بمنطقة الحدود مع إيران، وهو ما كان يثير قلق الأمريكيين بعد أن توسعت دائرة انتشار هذا الفيلق. وكانت تركيا قد أعلنت استعدادها للتدخل في الحرب لمنع قيام دولة كردية في شمال العراق، وذلك بدعوى المحافظة على الأمن القومي التركي، واقترحت مشاركة عربية في الحرب ضد العراق، في تحالف يضم مصر وسورية والسعودية وتركيا، لنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية بالقوة. كما برز في الفترة التي سبقت الحرب أن أكراد العراق كانوا يشكلون بالفعل قيادة سياسية وعسكرية لهم، لمواجهة احتمالات اجتياح القوات التركية لمناطقهم في شمال العراق.

2. الموقف الإيراني

لا شك أن حرباً أمريكية على العراق يتم من خلالها اسقاط نظام "صدام حسين"، وتدمير القوات المسلحة العراقية والبنية الأساسية العراقية، كان يصب في مصلحة إيران التي عدت لسنوات طويلة أن العراق هو منافسها القوي في تحقيق همينتها الفارسية على منطقة الشرق الأوسط، بدءاً بمنطقة الخليج وثرواتها، وهو الحلم الذي راود الخومينىي عندما عاد من منفاه في باريس، عام 1979، وبسط سيطرته على إيران، في تنفيذ مخطط تصدير الثورة الخومينية إلى البلدان العربية والإسلامية، بدءً بدول الخليج ما أدى إلى نشوب الحرب العراقية ـ الإيرانية التي استمرت ثمانى سنوات (1980 – 1988)، وتسببت في قتلى وجرحى وخراب ودمار وإفلاس اقتصادي كبير للبلدين.

وكان من نتيجة استخدام العراق الأسلحة الكيماوية في ضرب المدن الإيرانية، وما تسبب فيه ذلك من خسائر بشرية ومادية جسيمة، أن وافق الخوميني على قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار بين البلدين، قائلاً: "إنه بذلك يتجرع السم من أجل إيقاف نزيف الدم الإيراني". وهو ما عده "صدام حسين" انتصاراً للعراق في هذه الحرب، في حين أنها جرت على الأراضي الإيرانية أربعة أشهر فقط، واستمرت بعد ذلك سبع سنوات وثمانية أشهر داخل الأراضي العراقية، حين استولت قوات الحرس الثوري على شبه جزيرة الفاو، واقتربت حتى وصلت إلى ستة كم من البصرة.

لذلك لم ينس النظام الإيراني هذا الموقف العراقي، وبدأ في الانتقام منذ بدء غزو العراق للكويت، عام 1990، وهو يراقب وينتظر تورط النظام العراقي في المستنقع الكويتي، ثم في حرب عاصفة الصحراء التي دمرت ثلثي الجيش العراقي، ثم في صراع النظام العراقي مع فرق التفتيش الدولية والولايات المتحدة الأمريكية، طوال اثني عشر عاماً (1991 – 2003). وعلى الرغم من سعي "صدام حسين" إلى تحسين علاقاته مع إيران، حتى أنه أرسل 24 مقاتلة حديثة (سوخوى-24، وميراج) إلى إيران حتى لا تدمرها طائرات التحالف في حرب عاصفة الصحراء.

إلا أن روح الإنتقام الإيراني من نظام صدام كانت هي التي تحكم السياسة الإيرانية، عندما لاحت بوادر غزو أمريكي للعراق، عام 2003، حيث أفادت بعض مصادر المعلومات أن تعاوناً مخابراتياً تم بين أجهزة المخابرات الأمريكية والإيرانية، لاستيضاح موقف إيران عند نشوب الحرب، حيث تعهد النظام الإيراني بعدم التدخل في أثناء الحرب ولا بعدها، لأن الأمريكيين كانوا يخشون استغلال إيران للأغلبية الشيعية في جنوب العراق في إثارة المتاعب لقوات التحالف في هذه المنطقة. هذا مع وجود قيادات عراقية شيعية بارزة كانت لاجئة في إيران، وتنتظر لحظة سقوط نظام صدام حسين للعودة للعراق، وهو ما جرى بالفعل بعد ذلك. (اُنظر ملحق الأحزاب السياسية الشيعية في العراق)

وكان الأمريكيون في اتصالاتهم مع الإيرانيين يراهنون على دعم جماهير الشيعة في العراق في مواجهة جماهير السُنة التي ينتمي إليها نظام "صدام حسين"، وقد ظهر بعد ذلك خطأ التقديرات الأمريكية، لأن جماهير السُنة في العراق، مثلها مثل جماهير الشيعة كانت متضررة من نظام صدام شأن جميع العراقيين. لذلك قدمت إيران تسهيلات معلوماتية ولوجستية خفية إلى قوات التحالف عند انتشارها وتحركها في جنوب العراق، سهلت كثيراً من عمليات القوات، خاصة البريطانية في جنوب العراق.

في أغسطس 2002، أعلنت إيران رسمياً وقوفها على الحياد حال اندلاع الحرب، وأنها ليست على استعداد للدخول في مغامرة غير مضمونة العواقب، ما أدى إلى نشوب أزمة بينها وبين العراق. إلا أن إيران لم تسمح لأي طرف من الأطراف باستخدام قواعدها العسكرية في حال ضرب العراق. ولكن جرت إتصالات سرية بين واشنطن وطهران، في أوائل ديسمبر 2002، في باريس، تم بمقتضاها سماح إيران للمقاتلات الأمريكية والبريطانية باستخدام الأجواء الإيرانية في حال تعرضها للمضادات العراقية. فضلاً عن تقديم إيران معلومات عن أسلحة الدمار الشامل العراقية ووسائل إيصالها الصاروخية.

وفي أوائل ديسمبر 2002، استضافت إيران مؤتمراً للمعارضة العراقية جاء تحضيراً لمؤتمر مماثل (اُنظر صورة قادة المعارضة العراقية)، عُقد بعد ذلك في لندن، في 14 ديسمبر، حضره "أحمد الجبلي" زعيم المؤتمر الوطني العراقي، مع "مسعود البرزانى" و"محمد باقر الحكيم". كما التقى قادة المعارضة مع مسؤولين إيرانيين مثل "هاشمي رافسنجاني" رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، و"مهدي كروبي" رئيس مجلس الشورى. وقد برزت نتائج هذا الاهتمام الإيراني بالشأن العراقي في مرحلة ما بعد الحرب، عندما دعت طهران إلى إجراء استفتاء في العراق لإنتقال السلطة إلى حكومة عراقية جديدة، كانت طهران قد أعدتها بالفعل لاستلام العراق بواسطة قوى المعارضة العراقية الشيعية، التي كانت تستضيفها في إيران، وما تم تشكيله هناك من قوة عسكرية عراقية شيعية، تمثلت في فيلق بدر التابع لرجل الدين "باقر الحكيم"، وجيش "مقتدى الصدر"، وذلك بدعم من الحرس الثورى الإيرانى. (اُنظر ملحق مقتدى الصدر وجيش المهدي)

3. الموقف الإسرائيلى

من الناحية الظاهرية، أدعت إسرائيل أن الحرب الأمريكية ضد العراق لا شأن لها بها، إلا أن ذلك لم يكن صحيحاً، حتى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية كانت تُشير بين حين وآخر إلى مشاركات إسرائيلية، ونصائح وتقارير تقدمها إلى قوات التحالف، من قبل بدء العمليات، من أجل توفير صورة عن طبيعة المعارك المحتملة، التي قد تواجهها هذه القوات في العراق، لاسيما في المدن. ولم يكن ذلك مستغرباً، لأن تدمير دولة عربية كبيرة وجيشها مثل العراق يصب بشكل رئيس في مصلحة وأهداف إسرائيل، التي تريد أن تكون القوة الإقليمية العظمى في المنطقة بلا منازع، والتي تحتكر وحدها السلاح النووي، فضلاً عن باقي أسلحة الدمارالشامل الكيماوية والبيولوجية، ووسائل إيصالها الصاروخية والجوية. (اُنظر ملحق أبرز نقاط بيان وزارة الدفاع الإسرائيلية بشأن العدوان على العراق)

لذلك لم يكن غريباً أن توجه ضربة جوية لمفاعل (أوزيراك) النووي العراقي، في عام 1981، وأن تستهدف باقي منشآت البنية الأساسية للمشروع النووي العراقي، بما في ذلك اغتيال العلماء "د. يحيى المشد"، وتسعى لاختراق فرق المفتشين الدوليين، والحصول على معلومات عن برامج أسلحة الدمار الشامل العراقية، بل وتمدهم في أحيان كثيرة بما لديها من معلومات. فضلاً عن إمداد المخابرات الأمريكية بما لدى المخابرات الإسرائيلية من معلومات عن علاقة العراق بالقاعدة والإنتحاريين الفلسطينيين.

وفي سياق إعداد المجتمع الإسرائيلي لحالة خوف مصطنع، تسوّغ الحصول على مساعدات عسكرية أمريكية، وإيجاد قاعدة تأييد داخلية لضرب العراق، تركز الحديث الإسرائيلي عن احتمالات مواجهة ثلاث جبهات في وقت واحد، الأولى التعرض لقصف صاروخي عراقي مشابه للصواريخ سكود الـ(39) التي أطلقها العراق ضد إسرائيل أثناء حرب عام 1991، والثانية تصاعد الإنتفاضة الفلسطينية، والثالثة مواجهة محتملة مع حزب الله اللبناني.

ومن الناحية العملية وفرت هذه الحالة الهستيرية غطاءً سياسياً ومعنوياً، للقيام بمزيد من إجراءات العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. كما استهدفت من وراء ذلك أيضاً تحييد ما أسمته جبهة غرب العراق، التي يمكن أن تشكل تهديداً لإسرائيل، وهو ما أثمر عملياً في صورة تشكيل الجيش الأمريكي "قيادة مشتركة مع الجيش الإسرائيلي"، ثم إرسال أحد رؤساء غرف العمليات الجوية في الولايات المتحدة الأمريكية، الجنرال سمبسون، للعب دور المنسق الدائم مع الجيش الإسرائيلي.

وفي السياق ذاته أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية عدة بطاريات باتريوت مضادة للصواريخ مع طواقمها الأمريكية إلى إسرائيل، فضلاً عن تقديم واشنطن مساعدات مالية وفنية سخية لتطوير الصواريخ الإسرائيلية (حيتس) المضادة للصواريخ. كما منحت إسرائيل ميزة تلقي المعلومات والصور مباشرة من الأقمار الصناعية الأمريكية، وأية إنذارات عن إطلاق صواريخ من داخل العراق، أو حتى أي تحرك جوي هناك.

وقبل فترة وجيزة من بدء العمليات العسكرية، تكررت إشارات عن وجود قوات نخبة إسرائيلية وعملاء للمخابرات الإسرائيلية، في مناطق عدة من العراق لاسيما في المنطقة الكردية بشمال العراق، وفي غرب العراق، الأمر الذي سبب حرجاً للإدارة الأمريكية التي طلبت من إسرائيل عدم نشر أي معلومات عن الحرب في العراق، لاسيما بعد أن أشارت تقارير لوجود مستشارين إسرائيليين في مركز القيادة الوسطى الأمريكية في (السيلية) بقطر، يقدمون خدمات إستشارية للقوات الأمريكية والبريطانية، ناهيك عن تقارير أخرى أشارت إلى تدريبات مشتركة بين قوات إسرائيلية وأمريكية، ووجود أسلحة ومعدات إسرائيلية في أيدي القوات الأمريكية، أبرزها طائرات من دون طيار إسرائيلية الصنع.

كانت الرؤية الإسرائيلية للحرب تتضمن آمالاً عريضة تتعلق بالإقليم كله، فإسقاط النظام العراقي من شأنه أن يشير إلى تداعيات أخرى وفق صيغة الدومينو الشهيرة، تبدأ بسقوط نظام الرئيس الفلسطيني "ياسر عرفات"، وتراجع الفلسطينيين عن إنتفاضتهم وتخليهم عن حق العودة، والتعجيل بسقوط نظامي الحكم في سورية وإيران، ومن ثم إنهاء دور حزب الله في لبنان. ناهيك عن أن سقوط النظام العراقي سيدفع الدول العربية إلى التصالح مع إسرائيل وإقامة علاقات طبيعية معها، بعد أن يتسرب الشعور بالعجز والهزيمة إلى باقي الدول العربية، وبما يحقق فوائد اقتصادية وسياسية كبرى لإسرائيل، وفق ماجاء في كتاب "شرق أوسط جديد" لشيمون بيريز، أبرزها حصول إسرائيل على النفط العراقي تحت إشراف أمريكي بأسعار مخفضة، فضلاً عن إحياء خط أنبوب نفظ كركوك ـ حيفا.

4. الموقف المحلي في العراق

تمثلت مشكلة العراق في النظام الصدامي الذي كان يحكمه، حيث لم يبال هذا النظام أبدا بشعبه وجيشه في الحروب العبثية التي خاضها وما نجم عنها من خسائر بشرية ومادية جسيمة، إنما كان همه كله أن يستمر "صدام حسين" وأسرته في حكم العراق إلى الأبد، ولو حتى على جزء صغير من مساحة العراق لا تتعدى بغداد وما حولها من ضواحي، وحتى لو سقط باقي أراضيه في أيدي محتلين أجانب. وكان "صدام حسين" في سياسته هذه يعتقد أن المعارك الدعائية والإعلامية التي يحسن خوضها، وما يسودها من أكاذيب وترهات يستطيع أن يخدع بها شعبه، ويضلل بها الأمة العربية عن حقيقة أهدافه ونواياه ومخططاته العدوانية.

إلا أن صدام في إدارته للأزمة الأخيرة وضع نفسه في مأزق لم يستطع الخروج منه، نتيجة مواصلة تحديه حتى آخر لحظة لقرارات المجتمع الدولي ممثلاً في مجلس الأمن، غير مدرك مدى تصميم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في هذه الأزمة على إنهاء نظام حكمه في العراق، ولو باستخدام القوة المفرطة. لذلك أخذ يناور في الأيام الأخيرة قبل الحرب محاولاً الإفلات من هذا المصير المحتموم، ومحاولاً اللعب على مشاعر الدول والشعوب العربية، مصوراً نفسه بأنه ضحية مؤامرة أمريكية، ومراهناً على أنه بتحديه الولايات المتحدة الأمريكية ستزيد شعبيته في العراق والعالم العربي والإسلامى، وبما يشعل ثورات شعبية ضد المصالح الأمريكية في المنطقة، وبما يدفع واشنطن إلى التراجع عن فكرة الحرب.

وكان هذا التقدير من جانب "صدام حسين" هو "أم أسوأ التقديرات". كما كان رهانه على موقف الدول الكبرى المناهضة للحرب (فرنسا وروسيا وألمانيا) رهاناً خاسراً، انعكس في رفض الرئيس الروسى بوتين استقبال "طارق عزيز" وزير خارجية العراق آنذاك. أما رئيس فرنسا "جاك شيراك"، فقد صرح أكثر من مرة "أن العالم سيكون بالتأكيد أفضل حالاً بدون صدام حسين". كما حثت القيادات الروسية والفرنسية والصينية صدام على عدم تحدي الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المرة، لما في ذلك من خطورة عليه شخصياً وعلى نظامه.

إلا أن قراءة "صدام حسين" الخاطئة لموقف هذه الدول الكبرى صورت له أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع الإطاحة به في ظل معارضة روسيا وفرنسا والصين في مجلس الأمن، وأن الإدارة الأمريكية لن تستطيع أن تتخذ قراراً بشن الحرب بدون قرار من مجلس الأمن، متناسياً حقيقة أن واشنطن سبق في بعض الأحيان أن شنت عمليات عسكرية دون حتى إخطار مجلس الأمن، كما صورت له حساباته الخاطئة أن الدول الكبرى لن تستطيع الاستغناء عن العراق ودوره وطاقاته. ولكن الواقع كان على عكس ذلك تماماً.

أما رهانات صدام على ثورة الشعوب العربية ومظاهراتها ضد الولايات المتحدة الأمريكية، فقد كانت أيضاً فاشلة، لأن المظاهرات التي وقعت، ليس فقط في المدن العربية والإسلامية، بل وفي المدن الأمريكية والأوروبية لم تستطع أن تجبر بوش وإدارته، وكذا رئيس وزراء بريطانيا، على تغيير ما سبق أن اتخذوه من قرار نهائي بشأن شن الحرب، يتفق والمصالح والأهداف الغربية في منطقة الشرق الأوسط. أما ما لم يستطع "صدام حسين" أن يدركه أنه ونظامه فقدوا أصدقاءهم وحلفاءهم على كل الساحتين الإقليمية والدولية، وأن العراق نفسه فقد القدرة على أى عمل أو تحرك أو إنجاز سوى الرضوخ لقرارات مجلس الأمن الملزمة، كما فقد أيضاً حقه الطبيعي في أن يشكو أو يتذمر أو يتبجح، بعد أن فقد بهزيمته في حرب تحرير الكويت كل حقوقه الشرعية، بما فيها حريته واستقلاله وسيادته وحقوقه المختلفة.

أما أسوأ التقديرات في حسابات "صدام حسين" فهى في استمرار رهانه على قدرة القوات البرية العراقية على هزيمة قوات التحالف، رغم ما تتمتع به الأخيرة من سيادة جوية وبرية وبحرية. كذلك رهانه على صمود قوات الحرس الجمهوري في معركة بغداد. حيث اختزل "صدام حسين" الدفاع عن العراق في الدفاع عن بغداد، كما اختزل الدفاع عن بغداد في الدفاع عن شخصه ونظامه.

وانطلاقاً من كل هذه الحسابات الخاطئة، أجهض "صدام حسين" مبادرات عربية لنزع فتيل الأزمة، أبرزها مبادرة الشيخ زايد، ومبادرة أمير البحرين لاستقبال صدام وعائلته لاجئاً سياسياً، بعد أن يسلم المسؤولية إلى جهات عراقية تتمكن من معالجة الموقف، وبما يحفظ للعراق ورئيسه شأنه وكرامته، بل أن "سعدون حمادى" رئيس المجلس الوطنى (البرلمان) صرح بأن "رحيل صدام عن العراق لن يحدث أبداً"، بل أن صدام اشترط لكى يقابل وفد القمة العربية ألا يتحدث أحد معه عن فكرة مغادرته العراق.

واستمر النظام العراقي في تغيير أوضاع القوات العراقية ـ خاصة الحرس الجمهوري ـ وبما يكفل تعزيز الدفاع عن بغداد، بوصفها معقل النظام، أما على الصعيد السياسي فقد رفض الرئيس الأمريكي بوش استلام رسالة من "صدام حسين" حملها وزير خارجية قطر، يعبر فيها صدام عن استعداده التام للتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في جميع مطالبها، مقابل إيقاف خططها للإطاحة بنظام حكمه. كما كُشف أيضاً عن رسالتين سابقتين مماثلتين رفض بوش أيضاً تسلمهما، بما في ذلك تقديم تنازلات نفطية وأمنية من جانب العراق لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد كشفت صحيفة الجزيرة السعودية، في 14 ديسمبر 2002، عن مساع سرية قام بها مسؤول عربي في دولة مجاورة للعراق، لعقد إتفاق مع واشنطن يتيح لها السيطرة على نفط العراق، وإنهاء عقد شركة (لوك أويل) الروسية ومنحه للولايات المتحدة الأمريكية، مقابل الامتناع عن شن الحرب، وهو ما رفضه بوش أيضاً. كما اعتذر بوش و"كونداليزا رايس" أيضاً عن مقابلة اللجنة العربية السياسية المنبثقة عن القمة العربية في شرم الشيخ، وأحالوا اللجنة إلى وزير الخارجية "كولين باول" لمقابلته في نيويورك. بل لقد أفشل الوفد العراقي في القمة الإسلامية التي عقدت بقطر، في 5 مارس 2003، جهود هذه القمة في إيصال رسالة إلى واشنطن برفض الحرب، بسبب إساءة نائب الرئيس العراقي "عِزة إبراهيم" بألفاظ نابية للشيخ زايد ومبادرته ، لأنه "تجرأ على رمز العراق العظيم"، في إشارة إلى صدام.

واصل العراق في تدمير صواريخ (صمود-2) تحت إشراف فريق المفتشين الدولي، ورفض المسؤولون العراقيون تصوير ذلك، حرصاً على معنويات العراقيين. كما ألقى "صدام حسين" خطاباً بمناسبة الاحتفال برأس السنة الهجرية، غلب عليه الطابع الديني، ندّد فيه بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ووعد العراقيين بالنصرة في الحرب. وكانت الحكومة العراقية في ذاك الوقت قد أصدرت تحذيرات للمدنيين في جنوب العراق من التعاون مع القوات الأمريكية والبريطانيين.

وفي خطاب آخر لصدام حسين، في الذكرى 82 لتأسيس الجيش العراقي، هدّد بمعاودة غزو الكويت، كما شن هجوماً على الدول العربية المتعاونة مع الولايات المتحدة الأمريكية. أما وزير الخارجية العراقي "ناجى صبرى" فقد صرح بأن "العراق يعُد نفسه للحرب، وكأنها ستقع بعد ساعة، وأن صدام سينقل الحرب إلى أى مكان في العالم إذا تعرض العراق لغزو أمريكي، وحيثما توجد سماء وأرض وماء". وهو الأمر الذي يكشف حجم الوهم وخداع النفس الذي كان يعيش فيه نظام "صدام حسين" الحاكم في العراق قبل الحرب.

وعلى الصعيد الداخلى، وضع "صدام حسين" أخاه "برزان التكريتى" قيد الإقامة الجبرية، بسبب رفضه مبايعة ابنه قصى خليفة له. كما جرت انشقاقات كثيرة من جانب شخصيات مهمة في النظام الصدامي، ولجأت إلى دول أخرى، أبرزهم الحارس الشخصى لصدام حسين ـ "جاسم عبد الله" ـ الذي لجأ إلى الأردن، والذي أفاد بأن صدام يقضي معظم وقته في ملجأ تحت الأرض في قصره بتكريت، كذلك انشق عدد من الدبلوماسيين العراقيين في السفارات العراقية بالخارج في كندا ومصر والنمسا وتونس، والبعثة الدبلوماسية العراقية في الأمم المتحدة بنيويورك، وطلبوا اللجوء السياسي في هذه الدول، كما منع صدام ابن أخيه "عمر سبعاوي" من السفر وسط إجراءات أمنية مشددة لمنع المسؤولين العراقيين وأعضاء حزب البعث من السفر إلى الخارج.

تواكب ذلك مع إخلاء قصور الرئاسة من كل الوثائق والمعدات والأجهزة المتعلقة بمسائل أمنية وسياسية، كذلك قامت أجهزة الأمن باغتيال مجموعة من ضباط الحرس الجمهوري قرب تكريت، بعد تلقى معلومات عن اعتزامهم الهروب مع ذويهم إلى خارج العراق عبر المنطقة الكردية بشمال العراق. تزامن ذلك أيضاً مع حركة تنقلات واسعة أجراها صدام في أوساط كبار الضباط العراقيين، بسبب مخاوفه من تنفيذ انقلاب ضده مع بدء الحرب. وقد شملت الأمن العام بإعدام 800 سجين في سجن أبو غريب، قبل أيام من صدور قرار صدام بالعفو عن السجناء، حيث أصدر مجلس قيادة الثورة أمرا بتصفية المعتقلين لأسباب سياسية في جميع السجون العراقية، في إطار ما أسماه (حملة تنظيف السجون)، وهو ما يعنى تنفيذ عمليات إعدام جماعى بحق السياسيين المحكوم عليهم بالسجن لمدد مختلفة.

وقد شهدت أسواق المنطقة العربية عشية الحرب، حركة شراء هائلة للذهب، تزامن ذلك مع الكشف عن علاقة بنك الأردن ورجل أعمال أردنى بصدام ورجال حكمه، وحرصهم على شراء الذهب عبر شبكة عملاء، تحسباً للأيام السوداء القادمة، وقد شكلت البنوك الأردنية معبراً للأموال السائلة لأسرة صدام إلى بنوك في أوروبا. لذلك شهدت المصارف الأردنية حركة مكثفة في الأيام التي سبقت الحرب لنقل أموال هذه الأسرة بكميات كبيرة إلى بنوك اوروبا.