إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / العدوان الثلاثي، حرب عام 1956





مسرح الشرق الأوسط
مسرح عمليات حرب العدوان
معركة أم قطف
معركة ممر متلا
معركة رفح
خطة موسكتير المعدلة
خطة موسكتير المعدلة النهائية
خطة الآلاي الثاني

مراحل الهجوم الإسرائيلي
الهجوم على شرم الشيخ
توزيع القوات المصرية



المبحث السابع

المبحث السابع

يوميات العدوان من 2 نوفمبر حتى انهيار محور التواطؤ

أولاً: أحداث القتال يوم الجمعة 2 نوفمبر

1. القوات المصرية

أتمت إخلاء سيناء طبقاً لقرار توحيد الجبهة غرب قناة السويس، بينما ظلت قوات "شرم الشيخ" تحتل دفاعاتها في انتظار وصول قوات العدو البرية إلى المنطقة لصدها وتدميرها. أما قوات قطاع غزة فلم يكن أمامها إلا أن تتشبث بمواقعها الدفاعية، نظراً لأن وضع القطاع الجغرافي لا يسمح لها بالانسحاب بعد أن احتل العدو منطقة "رفح".

التزاماً بسرد الحقائق حلوها ومرها .. فإن أسلوب انسحاب القوات المصرية من سيناء شابه الكثير من الفوضى والخروج عن التكتيك المعتمد في كافة المدارس العسكرية، بالقدر الذي جعل معظم التحركات التي تمت لتنفيذه تأخذ صورة التقهقر المشوب بالانهيار، وليس الانسحاب المنظم في مراحل محددة من خط أمامي إلى خط خلفي على نحو ما يقضي به العرف العسكري.

وفي منطقة قناة السويس، ركزت عناصر الدفاع الجوي جهودها لحماية المعابر القليلة من خطر الغارات الأنجلو ـ فرنسية العنيفة التي حاولت تدميرها لتقطع خط الرجعة على القوات المنسحبة من سيناء، حتى تلحق بها القوات البرية الإسرائيلية وتدميرها طبقاً لما اتفق عليه في بروتوكول "سيفر".

وبمجرد أن أكملت قوات سيناء العبور إلى الضفة الغربية، قام المهندسون العسكريون بنسف تلك المعابر وسد قناة السويس في وجه الغزو البحري الوشيك كدرس مستفاد من عدوان عام 1882، وما تضمنه من وعود "ديليسبس" لـ"عرابي" بعدم السماح للجنرال "ولسلي" بالدخول بسفنه عبر القناة لغزو مصر، وما ترتب على ذلك من دخول تلك السفن، ونجاح القوات المعتدية في احتلال مصر.

أما في منطقة القناة فقد استمرت قيادة المنطقة الشرقية في تنظيم الدفاع والسيطرة على التحركات إلى المواقع الجديدة، تنفيذاً لقرار توحيد الجبهة غرب القناة. كما استمرت القيادة العامة في السيطرة على عملية إعادة تجميع الاحتياطي الإستراتيجي من القوات التي أخلت سيناء. وبنهاية هذا اليوم كانت الطائرات التي سلمت من الضربة الجوية الأنجلو ـ فرنسية قد أتمت الانتقال إلى مطارات عربية صديقة مجاورة.

2. قوات العدوان الثلاثي

أ. القوات الإسرائيلية

ظلت مجموعة اللواء 202 المظلي ثابتة في أماكنها حول المدخل الشرقي لممر "متلا" لليوم الثاني، دون أن تشعر بانسحاب مجموعة اللواء 2 مشاة إلى غرب الممر. وفي الساعة الخامسة إلا الربع أُسقطت سريتا مظلات من هذا اللواء فوق مطار "الطور"، ثم نقلت إليه جواً من "إيلات" الكتيبة 112 من اللواء 12 المشاة الإسرائيلي تمهيداً لإحكام حلقة الحصار حول "شرم الشيخ".

حوالي الساعة الخامسة صباحاً، بدأت مجموعة اللواء 9 المشاة الميكانيكي التقدم من "رأس النقب" نحو "عين الفرطاجة" الواقعة إلى الغرب من "واسط".

في منطقة "أم قطف" اخترقت قوات مجموعة العمليات 38 الدفاعات بعد قصف جوي وتمهيد نيراني عنيف ضد الخنادق الخالية. واصطدمت مجموعة اللواء 27 الميكانيكي المندفعة صوب قلب الدفاعات من جهة الغرب بمجموعة اللواء 7 المدرع المندفعة إليها من الشرق، فدارت بينهما معركة تصادمية حامية أسفرت عن تدمير ثمان دبابات، قبل أن تتدخل الطائرات الإسرائيلية وتنبهها إلى هذا الخطأ الجسيم، الذي يعود سببه إلى نجاح مجموعة اللواء 6 المشاة المصرية في الانسحاب من "أم قطف"، دون أن يشعر بها العدو. وقد اهتمت رئاسة الأركان الإسرائيلية بهذا الحادث واستنبطت منه الدروس المستفادة التي تكفل عدم تكراره في المستقبل، وهو الأمر الذي لم يفعل الجانب المصري مثله، مما تسبب في وقوعه في نفس الخطأ أكثر من مره.

ودخلت قوات مجموعة العمليات 77 بلدة " العريش"، بعد أن أخلتها مؤخرة مجموعة اللواء 4 المشاة وقيادة الفرقة الثالثة المشاة، بينما كانت مجموعة اللواء 12 المشاة المدعمة تهاجم القسم الشمالي من قطاع غزه، وتقتحم البلدة ثم تندفع منها جنوباً نحو "خان يونس"، حيث توقفت أمامها عند آخر ضوء.

ب. القوات الأنجلو ـ فرنسية وردود فعل مصر

بينما كانت سفن الغزو تقترب حثيثاً من ساحل بورسعيد، أتسع مجال التمهيد الجوي المركز ضد مصر فشمل أهدافاً مدنية أيضاً، بعد أن تأكدت القيادة الأنجلو ـ فرنسية بقبرص من خلو مسرح العمليات من الطائرات المصرية. وما إن قصفت هوائيات الإذاعة المصرية وأسكتت إرسالها حتى أعلنت إذاعة دمشق نداء "هنا القاهرة".

وكان أبرز أحداث يوم الجمعة 2 نوفمبر، ذهاب الرئيس عبد الناصر في موكب مكشوف ليلقي تلك الخطبة الشهيرة من فوق منبر الجامع الأزهر عقب الصلاة فكشف فيها عن حقيقة التواطؤ الثلاثي وأهدافه العدوانية، ووضع ميثاق النضال الشعبي لمقابلة الغزو الأنجلو ـ فرنسي، ومما جاء في خطبته:

"في هذه الأيام التي نكافح فيها من أجل حريتنا وشرف الوطن، أحب أن أقول لكم إن مصر كانت دائماً مقبرة الغزاة. بعد الغارة الأولى الأنجلو ـ فرنسة التي حدثت ليلة الأربعاء الماضي صرنا نحارب في جبهتين. جبهة إسرائيل على الحدود الشرقية، وجبهة الاستعمار الأنجلو ـ فرنسي في القناة. وكان لابد أن نتخذ قراراً سريعاً وحاسماً لإحباط خطة العدو، إذ كان الغرض من جذب القوات المسلحة المصرية إلى سيناء هو أن تصل القوات الأنجلو ـ فرنسية إلى القناة، فأصدرت الأمر للقائد العام للقوات المسلحة بسحب جميع القوات المصرية من سيناء إلى غرب قناة السويس، حتى تكون بجانب الشعب لملاقاة الاستعمار".

" لقد تم سحب قواتنا من سيناء وتركنا قوةً انتحارية هناك، ورجعت جميع قواتنا إلى القناة والدلتا، ونحن في انتظار الإنجليز والفرنسيين".

"سأقاتل معكم ضد أي غزو ... سنقاتل إلى أخر نقطة دم ... لن نستسلم أبداً، وسنبني بلداً وتاريخاً ومستقبلاً، سنجاهد ونقاتل وننتصر بإذن الله".

وقد ألهبت تلك الخطبة التاريخية المشاعر الوطنية في الأمة العربية من الخليج إلى المحيط، واستجابت جماهير مصر للنداء فهبت تجاهد وتقاتل لتنتصر بعون الله، ولتبني بلداً وتاريخاً ومستقبلاً.

ثانياً: أحداث القتال يوم السبت 3 نوفمبر

1. القوات المصرية

اقتصر أعمال قوات منطقة "شرم الشيخ" على تعديل أوضاع مواقعها الدفاعية، بهدف تركيز الدفاع عن منطقة "شرم الشيخ" فقط، بعد أن سيطر العدو على "الطور" واحتلها بنحو كتيبة ونصف مشاة، فقطع خط الرجعة على قوات "شرم الشيخ" إلى الضفة الغربية للقناة، فضلاً عن عدم كفاية القوات المتيسرة لتأمين الدفاع عن "رأس نصراني"، حيث توجد المدفعية الساحلية التي تقفل "الخليج ـ وشرم الشيخ" معاً.

غير أن هذا التعديل أدى إلى فقد أهم دعائم ثبات الدفاعات، بعد أن فقد العمق اللازم للمناورات العرضية. وكان من الصواب أن تستغل طبيعة الأرض الملائمة للقتال التعطيلي وبث الكمائن وإقامة الموانع التعطيلية على امتداد "وادي كيد" الشديد الوعورة، وكذلك "وادي خشبى" الكثير الانحناءات، لتكبيد العدو أفدح الخسائر، لا سيما وقد بعد عن قواعده الرئيسية بمسافات شاسعة وأنهكه التحرك الطويل فوق أرض بالغة الوعورة.

وفي قطاع "غزة"، أدارت عناصر الفرقة الثامنة حرس حدود فلسطين معركة دفاعية ضد مجموعة اللواء 12 مشاة إسرائيلي، وقاتل جنودها جنباً إلى جنب أهالي بلدة "خان يونس" بضراوة حتى النهاية.

وفي منطقة قناة السويس، التحمت جماهير الشعب التي وزعت عليها الحكومة الأسلحة مع الجنود، وراح الجميع يجهزون الدفاعات. كما بدأ احتياطي القيادة الشرقية يقيم خط الدفاع الثاني حول بلدة "العباسة".

2. القوات الإسرائيلية

بدأت مجموعة اللواء 202 المظلي التقدم داخل ممر "متلا" الذي أخلته القوات المصرية، فوصلت إلى مدخله الغربي بعد 115 ساعة من إسقاط الكتيبة 890 المظلية في "صدر الحيطان"، حيث دفعت بعض عناصرها إلى "رأس سدر" و"الطور" على الساحل الشرقي لخليج السويس.

كما تابعت مجموعة اللواء 9 مشاة ميكانيكي التحرك صوب "رأس نصراني"، فاصطدمت بكمين قرب نهاية "وادي كيد" عطل تقدمها طيلة ليلة 3 / 4 نوفمبر.

وقد حقق اللواء 9 مشاة ميكانيكي بنجاحه في اجتياز سلسلة الأودية البالغة الوعورة فيما بين "رأس النقب" و"نبق" إنجازات لا تقل في قيمتها عن نجاحه في اجتياح دفاعات "شرم الشيخ". وكانت تلك الأودية الضيقة التي تحف بها المرتفعات الشاهقة من جانبها وتكثر بها التعاريج والثنايا الحادة التي توفر الكثير من الأماكن المثالية لبث الكمائن وزرع الألغام والشراك الخداعية، ولهذا فقد كان مثيراً للدهشة ألا تعمد قيادة منطقة "شرم الشيخ" إلى تنفيذ شئ من ذلك اللهم إلا كمين "وادي كيد" الذي عطل تقدم مجموعة اللواء 9 مشاة ميكانيكي رغم ضعف تكوينه. ثم أن هذه المجموعة باتت أكثر من ليلة في هذا الطريق الطويل، فلم ينتهز أحد تلك الفرص المتكررة لمباغته معسكرها تحت جنح الظلام.

وفي قطاع "غزة"، أتمت مجموعة اللواء 11 المشاة احتلاله، وبدأت في تطهير أماكن الفدائيين داخل القرى والأحراش وفرض الحكم العسكري على الأهالي.

3. القوات الأنجلو ـ فرنسية

بنهاية يوم 3 نوفمبر، تعرض مخطط العدوان الثلاثي إلى نكسة ثانية عندما اجتمع طرفان منه خفية عن الثالث، ليتفقا على احتلال القطاع الشمالي من قناة السويس، بأن تقوم إسرائيل بتأمين منطقة "القنطرة شرق"، لتسقط فرنسا عليها قوة من المظلات، وقد أرسل نائب القائد العام لقوات الغزو، إلى وزارة الدفاع الفرنسية من وراء ظهر القائد العام، بطلب إخراج كتيبتي مظلات من تحت القيادة المشتركة الأنجلو ـ فرنسية ليستخدمها في مخططه الثنائي.

وحاول "ديان" رئيس الأركان العامة تبسيط العملية فعرض على الملحق العسكري الفرنسي استخدام ساحل العريش للإبرار البحري الفرنسي، ثم التقدم صوب القنطرة فبورسعيد. ولم يوقف تلك المؤامرة الثنائية إلا قبول بريطانيا تقديم موعد الغزو البحري، لتبدأ مرحلة التمهيد الجوي فجر يوم 4 نوفمبر، بعد أن كانت تسوف وتؤجل تنفيذه خشية عواقبه.

ثالثاً: أحداث القتال يوم الأحد 4 نوفمبر

1. تصدعات في محور لندن ـ باريس ـ تل أبيب 

تأثر الصراع منذ بدايته بأحداث دبلوماسية وسياسية متعددة واكبت معاركه، وتبلورت في ثلاث تصدعات متتالية في علاقات التعاون المشترك بين أطراف العدوان الثلاثي، أدت إلى إدخال بعض التعديلات على الخطط المتفق عليها مسبقاً، خاصة ما يتعلق منها بحجم وتوقيتات عملية الغزو البحري وأماكن عمل القوات المكلفة به.

وكان السبب وراء تلك التصدعات اختلاف كل طرف من أطراف العدوان الذي التأم شملهم للقيام به، وقد حمل برتوكول "سيفر" جرثومة تلك التصدعات منذ البداية، ثم اتسع الشرخ حتى كاد يبلغ حد التمزق في ثلاث مناسبات متتالية.

وقد حدث التصدع الأول صباح 31 أكتوبر عندما لم تقع الضربة الجوية الأنجلو ـ فرنسية في موعدها المتفق علية "بسيفر".

ثم حدث التصدع الثاني في ظلام ليلة 3 نوفمبر، عندما سعت فرنسا وإسرائيل إلى العمل في خفية عن الشريك الثالث في الإسراع بالغزو البحري صباح 4 نوفمبر.

أما التصدع الثالث والأكثر خطورة والأبعد أثراً، فقد جاء من قِبل إسرائيل عندما قبلت في الساعة الثامنة والنصف من مساء 4 نوفمبر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، تحت ضغط الولايات المتحدة الأمريكية المتزايد، والتلويح بفرض العقوبات الاقتصادية علي إسرائيل إذا لم توقف القتال فوراً. ولما كان "بن جوريون" قد حقق أكثر أهدافه من العدوان باحتلال سيناء الشمالية وقطاع غزة، فقد فاجأ حليفيه بقبول القرار دون أن يكلف نفسه عناء إخطارهما بذلك، فوضعهما في موقف بالغ الحرج، إذ كيف يستمرا في إدعاء أن تدخلهما في النزاع ينبع عن رغبة صادقة للفصل بين إسرائيل ومصر ووقف القتال الدائر بينهما، إذا كانت إسرائيل ومصر قد قبلتا وقفه فعلاً!.. وكانت تلك اللطمة الانتهازية كافية لتمزيق عرى التواطؤ الثلاثي، لولا أن انبرى "جي موليه" رئيس وزراء فرنسا بمعاتبة "بن جوريون"على فعلته. التي وضعت شريكيه في موقف ملؤه السخرية، ثم أن إسرائيل وإن كانت قد حققت أكثر أهدافها وقتذاك، فإنها لم تستكمل بعد أثمن أهدافها وهو احتلال منطقة "شرم الشيخ" لفتح خليج العقبة لسفنها. وقد أحسن "موليه" الضرب على الوتر الحساس، فكان أن تراجع "بن جوريون" وأمر مندوبه الدائم في الأمم المتحدة أن يضيف إلى نص بيانه الرسمي بقبول وقف النيران فقرة واحدة، تحمل ثلاث شروط هي:

أ. أن تقبل مصر الدخول مع إسرائيل في مفاوضات مباشرة للسلام.

ب. أن تعد مصر برفع حصارها الاقتصادي عن إسرائيل.

ج. أن توقف مصر أعمال الفدائيين العرب ضد إسرائيل إلى الأبد.

وتلقى"موليه" و"إيدن" هذه الإضافة المكشوفة بالارتياح والامتنان، فأصدرا أوامرهما للجنرال "كيتلي" بالاستمرار في تنفيذ العدوان طبقاً لخطة "الفرسان النهائية المعدلة".

2. القوات المصرية

أصدرت القيادة الشرقية أمرها بتعزيز منطقة بورسعيد بعناصر من المدفعية المضادة للطائرات، ومدفعية الميدان الصاروخية وعناصر من الفدائيين، إلى جانب تعزيز المضايق الواقعة جنوب بورسعيد بقوات من المشاة، كما أمرت بنسف وإغراق عدة منشآت في ميناء بورسعيد وكان اللافت للنظر أنها لم تعمل أي إجراءات لزرع ألغام في ساحل الغزو المحتمل، أو أقامت موانع بحرية أو برية فيه، مما جعل قوات الغزو تجتازه دون خسائر تقريباً.

وعلى الطرف الآخر من قناة السويس، أمرت القيادة الشرقية بدعم منطقة السويس بكتيبة مشاة من اللواء 99 المشاة الاحتياطي. ويتضح من ذلك أنها لم تكن حتى هذا الوقت المتأخر، قد تمكنت من تحديد اتجاه الغزو البحري، الذي كان وقتها على مشارف شاطئ الغزو المنتخب، ولو قامت طائرة أو سفينة أو حتى زورق استطلاع بجولة أمام ساحل مصر على البحر المتوسط، لظهرت سفن الغزو الكثيرة والمتعددة الأنواع  وهي تمخر مياهه في اتجاه رأس الشاطئ بجلاء لا تخطئه العين. وحدثت معركة بحرية شمال فنار "البرلس"، بين ثلاثة لنشات طوربيد مصرية، وبعض قطع الأسطول البريطاني غير أن طائرات العدو أغرقت تلك اللنشات.

3. القوات الإسرائيلية

قامت مجموعة اللواء 9 المشاة الميكانيكي بعد قصف دفاعات "رأس نصراني" باقتحام المواقع الخالية، التي انتقلت منها القوات المصرية إلى "شرم الشيخ" ثم تابعت القوات الإسرائيلية تقدمها جنوباً إلى أن اصطدمت بنقط القتال الخارجية لمنطقة "شرم الشيخ" الدفاعية، وبعد محاولة فاشلة لاقتحامها من الحركة، توقفت أمامها وراحت تعد لهجوم ليلي مدبر ضدها، إلا أن مصيره لم يكن أكثر حظاً من سابقه.

4. القوات الأنجلو ـ فرنسية

تحت الزعم بإجراء تجربة على تحميل السفن بقوات ومعدات الغزو، أصدر الجنرال "ستوكويل" قائد القوات البرية أمره ببدء عملية التحميل في الساعة العاشرة صباح 30 أكتوبر، التي انتهت في نفس لحظة انقضاض الطائرات "الكانبره"على مطارات مصر، وبهذا اختصر "ستوكويل" يوماً كاملاً في توقيتات الخطة "فرسان"، مما أتاح له أن يبكر بها من 8 إلى 7 نوفمبر. وكان أسطول الغزو البريطاني يمخر عباب البحر المتوسط شرقاً، بعد أن غادر مالطة خلال ليلة 31 أكتوبر، وذلك في نفس الوقت الذي غادر فيه أسطول الغزو الفرنسي الجزائر، ليلحق بالأسطول البريطاني في اليوم التالي، موعد مغادرة أسطول الغزو الثالث جزيرة قبرص لينضم إلى الأسطوليين يوم 6 نوفمبر قرب ساحل بورسعيد، حيث حشد 5 حاملات طائرات تحمل 250 طائرة قتال، و6 طاردات إحداها بالبحر الأحمر، و 17 مدمرة إحداها بالبحر الأحمر، و14 فرقاطة منها 2 بالبحر الأحمر، و7 غواصات، ونحو 250 سفينة مختلفة الأنواع بين ناقلة وقود وتموين وورشة وسفينة ركاب وسفينة بضائع وسفينة مساعدة.

وبينما كانت تلك الأساطيل الثلاثة تجدُ السير نحو شاطئ الغزو صباح 4 نوفمبر، كانت الطائرات الأنجلو ـ فرنسية تلين لها دفاعات رأس الشاطئ، وتقصف عقد المواصلات الحديدية، والمعسكرات، ومرابض نيران المدفعية المضادة للطائرات، وعدة أهداف أخرى.

وكانت حامية بورسعيد التي لم تتجاوز في شهر أكتوبر مجرد كتيبتين مشاة احتياط، وبطارية مدفعية ساحلية، وبعض المدافع المضادة للطائرات قد عُززت ـ بمجرد اكتشاف أهداف التواطؤ الثلاثي، وتوقع العدوان الأنجلو ـ فرنسي ـ بقوات إضافية، وصلتها يوم 4 نوفمبر، تشتمل على ثلاث كتائب حرس وطني، وكتيبة مشاه احتياط ثالثة، كما وصل إليها أيضاً أربعة مدافع اقتحام ذاتية الحركة من الأسلحة التي تم إخلاؤها.

وطيلة هذا اليوم، راحت إذاعات العدو تصب دعاياتها ضد شعب مصر ورئيس جمهوريتها، وتنذرهم بالويل والثبور. وكان أعجب ما حدث في هذا اليوم الذي شهد أعنف معركة دعائية في تاريخ الشرق الأوسط، أن أمسك مدير محطة إذاعة "صوت بريطانيا" في قبرص بالميكروفون، ليذيع على العالم الرسالة التالية: "أرجو أن يكون مفهوماً لدى المستمعين طبيعة الظروف التي نعمل في جوها، وأننا لا نوافق أبداً على كل ما يذاع".

رابعاً: أحداث القتال يوم الاثنين 5 نوفمبر

1. القوات المصرية

نسفت قوات الدفاع عن "بورسعيد" كوبري الجميل غرب المدينة إلا أن التجهيزات الهندسية وتوزيع القوات والأسلحة على النقط الحيوية برأس الشاطئ لم تتم على الصورة المنشودة، فضلاً عما سبق ذكره من أن إغفال زرع الألغام والموانع في ساحل الغزو أو المطارات والأراضي الصالحة للإبرار الجوي ونزول الطائرات الخفيفة أدى إلى سهولة تنفيذ عمليات المظليين، وسرعة استخدام الطائرات الأنجلو ـ فرنسية لمطار الجميل، والأراضي الصالحة لهبوطها وإقلاعها دون أي مجهود لتطهيرها.

2. القوات الإسرائيلية

عزم "موشي ديان" أن يطير بطائرة من طراز "داكوتا" إلى الطور، ثم إلى "شرم الشيخ" ليحضر أخر معارك جولة خريف 1956، ويتأكد من تنفيذ الهجوم على "شرم الشيخ" في هذا اليوم. فلم يبلغها، إلا بعد أن كانت مجموعة اللواء 9 المشاة الميكانيكي قد أتمت اجتياح دفاعاتها، واحتلال المنطقة، وذلك حوالي الساعة التاسعة والنصف ليلاً، حيث راح بعض الجنود المظليين يفتشون التلال المحيطة بالمنطقة بحثاً عن الشاردين ويجمعون الأسرى.

ولما كان رجال المدفعية الساحلية قد دمروا مدافعهم قبل الانسحاب من "رأس نصراني"، فقد زال سلاح قفل الخليج، وراحت السفن الإسرائيلية والتي تحمل بضائع لإسرائيل تعبر مضيق "الانتربرايز" البحري من وإلى "إيلات" التي انتعشت أحوالها  وتحولت في بحر سنوات قليلة من قرية صغيرة إلى ميناء نشيط.

3. القوات الأنجلو ـ فرنسية (اُنظر ملحق الغزو البحري الأنجلو ـ فرنسي)

استهل الجنرال "كيتلى" هجومه باقتحام جوي رأسي بالمظلات، فوق أسطح بعض المنشآت الحيوية "ببورسعيد" و"بور فؤاد"، بينما تعزل الطائرات الأنجلو ـ فرنسية ميدان المعركة غرب وجنوب المدينة، وتمنع القوات العسكرية وقوى الدفاع الشعبي من الاقتراب من مواقع إسقاط المظليين. ثم تمكن المظليون الفرنسيون في الساعة التاسعة صباحاً من الاستيلاء على كوبري "الرسوه" و"وابور المياه" جنوب المدينة، وقطعوا المياه عن "بورسعيد" و"بورفؤاد".

وفى الوقت نفسه، أتمت قوات المظلات البريطانية احتلال وتأمين مطار الجميل غرب المدينة، ثم أسقطت قوات إضافية أخرى بعد الظهر، كان قوامها من المظليين البريطانيين والفرنسيين أيضاً.

ومن الطريف ما كان يحدث وقتئذ برئاسة هيئة أركان الحرب المصرية خلال هذا الغزو، أن الفريق "محمد إبراهيم" رئيس الأركان، وقد كان زميلاً للجنرال "كيتلي" بدوره سابقة بكلية أركان الحرب بإنجلترا اعتاد كلما جاءه نبأ عن تحركات الغزو أن ينظر إلى خريطة الموقف العام وهو يردد القول... "والآن ماذا تعتزم أن تفعل يا زميل الدراسة اللدود ؟".

وفى الساعة الثانية والنصف عصراً حاولت القيادة التكتيكية لقوات الاقتحام الجوي، الرأسي إلى عقد اتفاق مؤقت مع العميد أركان الحرب "صلاح الدين صادق الموجي"، قائد قوات الدفاع عن بورسعيد بغرض تجميد الموقف وكسب الوقت، حتى تصل قوات الإبرار البحري صباح يوم 6 نوفمبر، طبقاً للخطة المعتمدة، وقد قبل "الموجي" وقف النيران المؤقت تحت شرط إعادة ضخ المياه للمدينة حتى لا تتعرض حياة الشيوخ والأطفال والنساء للخطر، ودفن الشهداء لتوقى انتشار الأوبئة الفتاكة بالمدينة، وكلها أسباب إنسانية يعمد إليها ألد الأعداء لتجنيب الأهالي المدنيين ويلات الحرب قدر الإمكان.

والحقيقة أنه لما سلم العميد "بتلر" في الساعة الخامسة والنصف شروط التسليم التي صاغها الجنرال "ستوكويل" على ظهر سفينة القيادة، رفضها "الموجي" للتو فاكتفى "بتلر" بمواصلة وقف النيران حتى الساعة الحادية عشرة والنصف مساءً طبقاً للاتفاق الأول مع "الموجي".

وكان الرأي العام العالمي في مساء هذا اليوم قد أدان تلك الأعمال الأنجلو ـ فرنسية، ووصفها بالبربرية والحمق، ثم أصدر الماريشال "بولجانين ـ Niikolai Bulganin" رئيس الوزراء السوفيتي إنذاره (اُنظر ملحق الإنذار السوفييتي إلى إسرائيل) و (ملحق رسالة من المارشال بولجانين رئيس الوزراء السوفيتي، إلى  بن جوريون رئيس وزراء إسرائيل 5 نوفمبر 1956) و (ملحق رسالة من ن. أ بولجانين، رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي، إلي سير أنتوني إيدن رئيس وزراء المملكة المتحدة في 15 نوفمبر 1956) إلى كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، يدين فيه عدوانهم الآثم على مصر، ويحذرهم من مغبة تعرض السلام والأمن الدوليين للخطر، وكان مما جاء في إنذاره لإسرائيل ما يلي:

"إن الحكومة الإسرائيلية المجرمة التي تفتقر إلى الشعور بالمسؤولية، تتلاعب الآن بمصائر العالم وبمستقبل شعبها بالذات".

أما رسالته إلى بريطانيا وفرنسا فقد احتوت على الفقرة التالية:

"إن الحرب التي أثارتها بريطانيا وفرنسا واستخدامهما إسرائيل ضد مصر سيترتب عليها نتائج غاية في الخطورة بالنسبة للسلام العالمي، وإذا كانت تلك الحكومتين قد عمدتا إلى شريعة الغاب في عدوانهما على مصر فليتذكرا أنهما ليسا الوحشين الوحيدين في تلك الغابة".

ومع ما احتوته علية تلك الرسائل من تهديد سافر وتحذير شديد اللهجة، فالواقع أن إجراءات الولايات المتحدة الأمريكية التي لوحت بها لدول العدوان، كانت أشد تأثيراً عليها من الإنذار السوفيتي، وذلك لأن قطع المساعدات عنها على نحو ما لوح به الرئيس أيزنهاور، يترتب علية أوخم العواقب التي لا تستطيع تلك الحكومات أن تتحملها.