إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب عام 1967، من وجهة النظر المصرية




المقدم جلال هريدي
الفريق أول صدقي محمود
الفريق عبدالمنعم رياض
الفريق عبدالمحسن مرتجي
الفريق عزت سليمان
شمس بدران
سامي شرف
شعراوي جمعة
عبدالحكيم عامر

أوضاع القوات المصرية والإسرائيلية
معركة أم قطف الثانية
معركة رفح
معركة كمين بير لحفن
الهجمات الإسرائيلية على سورية
الخطة الإسرائيلية للضفة الغربية
الخطة الإسرائيلية للقدس
الضربات الجوية الإسرائيلية
الضربة الجوية الإسرائيلية
القتال داخل القدس
توزيع المجهود الجوي الإسرائيلي
توزيع القوات السورية
توزيع قوات الطوارئ الدولية
تسلسل الضربات الرئيسية الإسرائيلية
تسلسل الضربة الجوية الأولى
خطة الدفاع الرئيسية لسيناء
خطة استخدام الطيران الإسرائيلي
سيناء بعد انسحاب الطوارئ

هجوم اللواء الجولاني
مراحل الهجوم الإسرائيلي
الهجمات الإسرائيلية على الأردن
الهجوم الإسرائيلي
الخطة الإسرائيلية
الخطة الإسرائيلية للهجوم
توزيع القوات الأردنية
توزيع القوات المصرية
خطة الهجوم على الجولان



حرب عام 1967

المبحث الثالث

تطور الأحداث وردود الأفعال من 14 مايو حتى 15 مايو 1967

أولاً: بداية الأزمة

بدأ التخطيط الدقيق لاستدراج مصر إلى هذه الحرب في توقيت لا يناسبها. خاصة وأن قواتها كانت منشغلة بحرب اليمن. وكان تنفيذ المخطط الإسرائيلي – الأمريكي في أوائل أبريل 1967، حين بدأت إسرائيل سلسلة من الانتهاكات لاتفاقية الهدنة مع سورية، وذلك بتوسيع المناطق الزراعية التابعة لها في المنطقة المنزوعة السلاح شرقي بحيرة طبريا، على حساب الأراضي التي يملكها المزارعون السوريون.

وأدى الرد السوري في 7 أبريل على هذا الانتهاك المتعمد إلى نشوب قتال بالمدفعية والطيران أسفر عن إسقاط 6 طائرات ميج 21 سورية. ثم بدأت على أثر ذلك سلسلة من التهديدات الإسرائيلية لسورية. وتمت فـي الوقـت نفسـه بعض التحركات العسكرية قرب الحدود السورية، توحي بأن هناك حشوداً ضخمة. مع إنكار وجود مثل هذه الحشود لمراقبي الهدنة التابعين للأمم المتحدة.

ولما كانت مصر تربطها بسورية معاهدة دفاع مشترك، عقدت في 4 نوفمبر 1966، فقد كان من الطبيعي أن تتضامن مصر مع سورية في مواجهة التهديدات الإسرائيلية الصريحة لها بالحرب، والتي جسدتها معركة 7 نوفمبر 1966 الجوية، خاصة وأن إسرائيل تعمدت استفزاز قيادتها السياسية في حميم شعورها بمسؤوليتها القومية عندما كررت التهديدات العسكرية لسورية، وأوضحت أن مصر لن تستطيع التدخل لصالح سورية لأنها ضعيفة نتيجة تورطها في اليمن.

وفي أوائل مايو 1967 أخذ المسؤولون الإسرائيليون يصعدون تهديداتهم، فأعلن "ليفي أشكول" رئيس الوزراء بأن (حرب العصابات أمر لا يقبله العقل ولا يمكن تركه هكذا لأنه يهدد أمن إسرائيل. ومن الواضح أن سورية هي قاعدة المخربين الذين يفدون إلينا، وربما يوجد بينهم مخربون من الصين الشعبية كما تقول الشـائعات) وفي 9 مايو 67 قرر الكنيست الإسرائيلي وجوب ا لقيام بعملية حربية انتقامية ضد سورية.

وفي 10 مايو 1967 أرسل "أبا إيبان" وزير الخارجية الإسرائيلي إلى سفرائه في الخارج يطلب منهم العمل على إقناع الدول التي يعملون فيها بخطورة الموقف على الحدود السورية – الإسرائيلية.

في يوم 12 مايو 1967، صرح "إسحاق رابين" رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، (أننا سنقوم بهجوم خاطف على سورية، وسنحتل دمشق لنسقط النظام ثم نعود …) وحينما شعرت سورية أن التهديدات الإسرائيلية هي تمهيد لعدوان عليها، سارعت بإبلاغ أعضاء مجلس الأمن بالموقف يوم 13 مايو 1967.

وكانت هذه التصريحات كفيلة بتحريك الموقف على مختلف مستوياته وفي أركان الدنيا.. حيث اتجهت كل الأنظار إلى سورية.. وماذا سيحدث هناك؟!!.

وكان الاتحاد السوفيتي مشغولاً بما يحدث في سورية. حيث كان أول من أذاع أنباء الحشود على سورية، وقد تم الإبلاغ بوسيلتين، يوم 13 مايو 1967 الأولى بالوسائل الرسمية إلى الرئيس "عبدالناصر" في القاهرة، والثانية شبه رسمية، حيث أفضى الرئيس "بودجورني" – أحد قادة الاتحاد السوفيتي الثلاث في ذلك الوقت – إلى "أنور السادات" كان وقتها رئيساً لمجلس الشعب، أن سورية تواجه موقفاً صعباً، ونحن سنساعد سورية في الموقف الذي ستواجهه، وقد أخطرنا الرئيس "عبدالناصر" في القاهرة بما لدينا من معلومات … وقد وصلت في نفس اليوم برقية من رئيس الأركان السوري تفيد "إسرائيل استدعت قوات الاحتياط، وإنها تحشد حوالي 15 لواء أمام الجهة السورية، وأنها تنوي مهاجمة سورية مع استخدام المظليين بكثافة … والتوقيت المنتظر من 15 – 22 مايو وأبلغ وزير الدفاع السوري "العماد حافظ الأسد" المشير عامر بأن العدو يحشد 11 – 13 لواء على الحدود السورية.

وقبل ذلك بحوالي عشرة أيام طلب الملك "حسين" حضور الفريق "عبدالمنعم رياض" ـ الذي كان يشغل وقتها رئيس أركان القيادة العربية الموحدة ـ لمقابلته في عمان وقد كان مضمون الرسالة يعتبر ذا أهمية خاصة لمصر وللشعوب العربية بالكامل حيث تلخصت في أن "هناك مؤامرة لاستدراج مصر وتوريطها بحيث يمكن ضربها وأن سورية هي طعم الاستدراج أو التوريط، وأن موعد التنفيذ قريب وأن الملك حسين ـ برغم كل الاعتبارات ـ قرر أن يحذر مصر لسبب رئيسي هو خشية أن تصل المخاطر إلى مملكته لصعوبة حصر ألسنة النار إذا اشتعلت في المنطقة.

وبعد هذا وذاك، كانت وكالات الأنباء تنقل أنباء حشود عسكرية، وتصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي، ولبعض القادة العسكريين بحتمية المواجهة بين إسرائيل وسورية التي تشجع أعمال الفدائيين، وأن المواجهة في هذه المرة تختلف تماماً عن المواجهات السابقة، وأنه قد تستغل الحشود العسكرية القائمة بتنفيذ العرض العسكري يوم 15 مايو بمناسبة ذكرى إنشاء الدولة في توجيه الضربة إلى سورية.

كل هذا لخلق الذريعة، والخداع في توجيه الضربة الرئيسية، وجر مصر (التي وقعت اتفاق إحياء معاهدة الدفاع المشترك مع سورية يوم 4 نوفمبر 1966) لاتخاذ إجراءات لتكون هي الذريعة لبدء عدوان يونيه 1967.

وقبل أن نتعمق في سير الأحداث والملابسات التي اكتنفتها، والاستعدادات التي قام بها كل من الطرفين علينا أن نتفهم بعض أوضاع الأجهزة والقيادات المسؤولة عن التخطيط للحرب وسير القتال.

ثانياً: القيادة العسكرية المسؤولة عن العمليات الحربية

أعيد تشكيل القيادة "العليا للقوات المسلحة" عام 1966 ويرأسها المرحوم "المشير عبدالحكيم عامر"، الذي احتفظ دون باقي أعضاء مجلس قيادة ثورة 1952 بمنصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. وتضم وزير الحربية "شمس بدران" والذي كان قبل تعيينه في هذا المركز يشغل منصب مدير مكتب نائب القائد الأعلى للشؤون العامة. وكذلك مساعدي نائب القائد الأعلى ـ وهما منصبان استحدثا عام 1964 وشغلا بالفريق أول "أحمد حليم إمام" والفريق أول "هلال عبدالله هلال" ـ ورئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة الفريق أول "محمد فوزي"، وبالإضافة إلى ذلك مدير الأركان بالقيادة العليا اللواء "علي عبدالخبير". (أُنظر جدول القيادة العسكرية المصرية)

وكانت هذه القيادة هي المسؤولة عن التخطيط الإستراتيجي، وعن إصدار توجيهات العمليات الحربية والسيطرة على القوات المحاربة من خلال القيادات التي تنشأ.

وتعتبـر هذه القيادة هي مركز القيادة الرئيس ومكانها القاهرة، وحتى يوم 14 مايو 1967 كانت القيـادة العليا فيما يختص بالعمليات الحربية على الجبهة الشرقية هي "القيادة العسكرية الشرقية" التي يرأسها الفريق "صلاح محسن" والتي سميت عندما تأزم الموقف ولاح شبح الحرب في الأفق بقيـادة "الجيش الميداني" ولقد أنيط بهذه القيادة مهمة وضع الخطط الحربية للدفاع عن سيناء، وكذلك الخطط التعرضية في حالة التحول من الدفاع إلى الهجوم حسب تطوير المعركة الدفاعية التي كـانت تعتبر المرحلة الافتتاحية للحرب مع إسرائيل. باعتبار أن مصر في هذه الفترة لم تكن على استعداد لخوض حرب تعرضية من اختيارها.

وقامت هذه القيادة "القيادة العسكرية الشرقية" بوضع الخطة الدفاعية عن سيناء والتي أخذت الاسم الرمزي "قاهر" وصدقت القيادة العليا على هذه الخطة التي وضعتها بعد عمليات استطلاع استغرقت وقتـاً طويلاً في ديسمبر 1966 وتم تدريب الوحدات والتشكيلات والقيادات التي حددتها الخطة "قاهر" وفيما عدا ذلك لم تكن هناك قيادة مشتركة على الجبهة السورية وبالشكل المعروف، للتنسيق في ظل اتفاقية الدفاع المشترك. علماً بأن رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية كان معيناً قائد للقوات المصرية السورية إلا أن هذا التعيين لم يخرج عن حدود الورق. ولم تكن هناك خطط منسقة بين الدولتين كما أخذ على هـذا الشكل مآخذ كثيرة من الناحية العسكرية إذ أن الفريق أول "محمد فوزي" رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، يقـوم بمهام قيادته على مستوى الجبهات المشتركـة في القتال في الوقت الذي هو مرؤوس فيه لقيادة جبهة من هذه الجبهات. أعني الجبهة المصرية.

وعلى ذلك عندما نشب القتال ظهر عدم التنسيق وعدم الاستجابة لتنفيذ التعليمات الحربية، مما تسبب في انفصالية تامة بين الجبهتين ـ السورية والمصرية ـ وأعطيت الفرصة لإسرائيل، لتنقض على الطيران المصري بالكامل دون تدخل من الطيران السوري وكذلك عدم نشوب قتال يعتد به من الجانب السوري قد يخفف الضغط على الجبهة المصرية.

ثالثاً: تصاعد الموقف السياسي والعسكري في الشرق الأوسط (أُنظر شكل توزيع قوات الطوارئ الدولية)

تقدير المحلل للأحداث خلال تلك الفترة، يجد فيها تباين غير مسبوق في القرارات بين أطراف الصراع. ويجد قمة الخداع السياسي والإستراتيجي في سبيل إنجاح خطة إسرائيل للعدوان. ويجد أن تقدير القيادات العربية "بالكامل" للموقف كان خطئاً من الأساس وبني على اعتبارات غير حقيقية، ومعلومات مضللة، وقدرات قاصرة، بينما كان الجانب الإسرائيلي يبني تقديراته بناءاً على معلومات صحيحة بنسبة كبيرة، وتعاونه الولايات المتحدة الأمريكية بكل ما تملك لإنجاح وتحقيق الهدف.

وفي مصر، تم الحشد الرئيسي في سيناء بهدف معلن وهو معاونة سورية في حالة اعتداء إسرائيلي عليها طبقاً لمعاهدة الدفاع المشترك بينهما، وكان الحشد في صورة مظاهرة عسكرية، حيث تعمدت القيادة المصرية أن تخترق القوات المتجهة إلى سيناء بعض شوارع القاهرة الرئيسية لتعلن عن توجهها في نفس الوقت كان هناك قصوراً شديداً في خطة التعبئة، أما سورية والأردن، فلم تتخذ من الإجراءات الدفاعية ما يتناسب مع الموقف، وعلى الجانب الإستراتيجي كانت إجراءات التنسيق العربي – العربي ضعيفة، وكانت إجراءات التنسيق مع الدول الصديقة قاصرة، وبواسطة شخصيات لا ترتقي مستوياتها مع الموقف.

ومن هنا شاعت العبارة بأن مصر والعرب تم استدراجهم إلى الحرب، لإيقاع الهزيمة بهم وتحقيق حلم إسرائيل في الاستيلاء على الضفة الغربية، وهي الأرض التوراتية التي كان يأمل كل قادة إسرائيـل بالاستيلاء عليها واحتلال سيناء حتى تكون فاصلاً كبيراً بين التجمعات المصرية الرئيسية غرب قناة السويس وإسرائيل، واحتلال هضبة الجولان السورية التي كانت تشكل تهديداً للتجمعات السكانية شمال إسرائيل وكل هذا جزء من إسرائيل الكبرى. والملاحظ أن لفظ "الاستدراج" لا يتناسب مع الموقف لأن الاستدراج لا يتم إلا من خلال ثبات وعدم قصور الجانب الآخر وتدل كل الحقائق أنه كان يوجد قصور عربي في جميع المجالات وبالتالي لم تكن هناك حاجة للاستدراج. (أُنظر ملحق مقدمات حرب يونيه 1967)

رابعاً: أحداث يوم الأحد 14 مايو 1967

1. في القاهرة

أ. "إجراءات رفع درجات الاستعداد لمواجهة الموقف

بمجرد تلقي القيادة السياسية والعسكرية في مصر أنباء التجمعات الإسرائيلية أمام الجبهة السـورية، تم عقد اجتماع في السادسة مساء يوم 13 مايو 1967 بين الرئيس "عبدالناصر"، والمشير "عامر" واتفقا في الرأي: "أن الجمهورية العربية المتحدة لا تستطيع أن تقف ساكنة، وأن الحوادث تفرض عليها أن تكون مستعدة لكافة الاحتمالات ـ وتقرر عقد اجتماع للقيادة العامة للقوات المسلحة صباح يوم 14 مايو لتدارس الموقف، واتخاذ القرار المناسب.

ب. اجتماع القيادة العسكرية

صباح يوم 14 مايو، عقد المشير "عبدالحكيم عامر" اجتماعاً مع الفريق "محمد فوزي" رئيس الأركان (دون اشتراك معظم قادة القوات المسلحة الرئيسية ومنهم رئيس هيئة العمليات الفريق "أنور القاضي". والذي يعتبر حضوره ضرورياً لبحث مواقف العمليات ويقول الفريق "القاضي" في حديث له نشر بمجلة آخر ساعة في 8 يونيه 1988 أنه فوجئ بقرارات المشير لأنه يعلم جيداً قدرات القوات المسلحة، ولكنه فهم من المشير أن الأمر لا يتعدى أن يكون "مظاهرة عسكرية" وقد ترتب على هذا الاجتماع صدور العديد من القرارات العسكرية منها تعليمات العمليات الحربية رقم 1/67 التي صدرت قبل ظهر يوم 14 مايو. (أُنظر ملحق تعليمات عمليات حربية)

تؤكد المعلومات من مصادرها المختلفة نية إسرائيل في العدوان على الجمهورية العربية المتحدة. وفي ضوء اتفاقية الدفاع المشترك بين الجمهورية العربية المتحدة والجمهورية العربية السورية قررت القيادة العليا للقوات المسلحة في الجمهورية العربية المتحدة التدخل جواً وبراً في حالة قيام إسرائيل بعدوان شامل على الأراضي السورية بقصد احتلالها أو جزء منها أو تدمير القوات الجوية السورية.

ج. القرارات

أولاً: ترفع درجات استعداد القوات الجوية والدفاع الجوي والقوات البرية والقوات البحرية وقوات الدفاع المدني اعتباراً من يوم 14/5/1967 إلى درجة الاستعداد الكاملة.

ثانياً: إتمام التعبئة العامة للقوات المسلحة العربية قبل 17/5/1967، وإيقاف فرق التعليم بالمعاهد وبالمنشآت التعليمية في الجمهورية العربية المتحدة فوراً، وتوزيع الضباط لتدعيم القيادات والوحدات.

ثالثاً: إتمام التحشدات أمام جبهة الجمهورية العربية المتحدة في اتجاه إسرائيل براً وجواً قبل يوم 17/5/1967.

رابعاً: تجهيز الخطط التعرضية والدفاعية المشتركة المقررة بالاتفاق مع القيادة العامة السورية.

خامساً: التوزيع الإستراتيجي للقوات البرية طبقاً للخطط المقررة مع التجهيز لتنفيذ العمليات التعرضية البحرية.

سادساً: بإتمام الاستعداد الكامل للدفاع الجوي يبدأ استطلاع جوي في إسرائيل.

(الوثيقة موقعة بإمضاء رئيس الأركان الفريق محمد فوزي).

وصدرت قرارات مكملة لهذه التعليمات منها قرار التعبئة الذي وجه المشير "عامر" فيه (أن يكون الاعتماد فيها على القطاع المدني في أضيق الحدود) – أقل مما جاء بالخطة – حتى لا تتأثر كفاءة الإنتاج بالقطاع المدني أو اقتصاديات الجمهورية بدرجة كبيرة، وحتى يمكن تطبيق سياسة النفس الطويل إذا لزم الأمر ذلك – على أن تستكمل التعبئة يوم 26/5/1967[1]. وتقرر أن يتوجه الفريق "محمد فوزي" بالسفر فوراً إلى دمشق لاستطلاع الموقف عن قرب والتنسيق مع القيادة السورية.

د. اجتماع القيادة السياسية (أُنظر جدول القيادات والشخصيات السياسية والعسكرية خلال الجولة العربية/ الإسرائيلية الثالثة)

في نفس توقيت اجتماع القيادة العسكرية، كانت هناك اجتماعات هامة على المستوى السياسي. حيث تدارس الرئيس "عبدالناصر" الموقف مع المجموعة السياسية (نائب رئيس الجمهورية السيد/ "زكريا محي الدين"، ورئيس الوزراء السيد/ "صدقي سليمان"، ووزير الخارجية الدكتور/ "محمود فوزي"، وأمين عام الاتحاد الاشتراكي السيد/ "علي صبري" .. ومعه عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي).

وكان اتجاه التحليل السياسي العسكري قومياً أكثر منه محلياً – حيث توجهت الأنظار إلى أنه في حالة انهيار الجبهة السورية، فسيؤثر ذلك على العراق – وبالتالي فسيتم عزل مصر ولكن للأسف (لم يتوصل أحد في تقديره أن مصر هي المستهدفة).

2. في الأمم المتحدة

أصدر "أوثانت" السكرتير العام للأمم المتحدة تصريحاً يلقي فيه اللوم على "منظمة فتح" لأن عملياتها تؤدي إلى إشعال الموقف بين سورية وإسرائيل.وطلب المندوب السوري اجتماع المجموعة العربية في الأمم المتحدة للتباحث في الإجراء الذي يمكن أن يتخذ.

3. في إسرائيل

كانت إسرائيل تتابع الموقف عن كثب، وتستعد قياداتها وشعبها للاحتفال في اليوم التالي بذكرى إعلان قيام دولة إسرائيل .. ولكن الجنرال "أهارون ياريف" مدير الاستخبارات كانت عيناه تركزان على جبهة سيناء لمتابعة الموقف أولاً بأول.

خامساً: ردود فعل أمر العمليات على القوات المسلحة

كان الأمر مفاجأة كاملة لقيادات القوات المسلحة وللوحدات المقاتلة والهيئات والإدارات، والتي كان عليها أن تتخذ إجراءات عديدة لتنفيذ التعليمات. ودارت تساؤلات عديدة عن أسباب ذلك[2]. وما هي المهمة؟ وهل هذا للتظاهر أم الضغط على إسرائيل .. أم هناك حرب فعلية؟؟.

وبدأت طلائع القوات تعبر إلى سيناء لاتخاذ أوضاعها في الخطة "قاهر". وهي خطة العمليات المحددة والمصدق عليها في تلك الفترة.

1. زيارة الفريق محمد فوزي إلى سورية "رواية الفريق محمد فوزي"

"سافرت فعلاً إلى دمشق في اليوم نفسه، ومكثت 24 ساعة تفقدت فيها قيادة جبهة سورية، كما سألت المسؤولين العسكريين في قيادة الأركان والجبهة، عن صحة المعلومات الخاصة بحشد القوات الإسرائيلية على الحدود السورية. وكانت النتيجة أنني لم أحصل على أي دليل مادي يؤكد صحة المعلومات بل كان العكس صحيحاً، إذ أنني شاهدت صوراً فوتوغرافية جوية عن الجبهة الإسرائيلية، التقطت بمعرفة الطيران السوري يومي 12، 13 مايو 1967، فلم ألاحظ أي تغيير للموقف العسكري العادي.

وأثناء وجودي في دمشق أخطرت رئيس الأركان السوري اللواء "أحمد سويدان" بالإجراءات العسكرية التي اتخذت في مصر (ج.ع.م) وأكدت عليه للمرة الأخيرة ضرورة تنفيذ ما تم الاتفاق معه من تنسيق بيننا للخطط العسكرية، وتبادلت معه وثائق الاتصال الكودي لجميع النداءات اللاسلكية والمترجمة، لخطط وإجراءات اتفق عليها مسبقاً.

وعندما عدت للقاهرة يوم 15 يونيه 1967 قدمت تقريري إلى المشير "عبدالحكيم عامر"، وهو التقرير الذي ينفي وجود أية حشود على الجبهة السورية، فلم ألاحظ أي ردود فعل لديه عن سلبية الوضع على الحدود السورية الإسرائيلية .. مما دعا إلى الاعتقاد أن الحشد على سورية لم يكن هو السبب الـوحيد في إجراءات الحشد من وجهة نظر المشير .. وكان هذا يعني وجود انفصام بين الفكر السياسي والعسكري، والتي يجب أن يكون الرباط بينهما متيناً في مثل هذه الظروف، ولا يجب أن تحجب القيادة السياسية أسرار عن القيادة العسكرية إلا في "حدود أدنى" لأن الحرب هي عمل سياسي يدار بوسائل عسكرية، وحجب الفكر السياسي عن رئيس أركان القوات المسلحة، وهو أكبر رتبة عسكرية يؤدي إلى فقدان فكر القيادة العامة للقوات المسلحة بالكامل لاتخاذ قرار يتناسب مع الفكر السياسي. لأن العسكريين هم أقدر على اتخاذ مثل هذا القرار لإدراكهم بإمكانياتهم والعمل العسكري المناسب في الوقت المناسب.

2. المخابرات المصرية تشكك في المعلومات التي وصلتها (يوم 14 مايو 1967).

الغريب هنا أن المخابرات المصرية شعرت أنها وقعت في خطأ كبير لذلك بدأت "تتحول من حالة اليقين والتأكد إلى حالة التشكك وعدم الاطمئنان ولم يمر بعد بضعة ساعات بين الحالتين.

ففي حوالي ظهر يوم 14 مايو، تم حديث تليفوني بين مدير الاستخبارات الحربية وقائد المنطقة العسكرية الشرقية، تلخص في أن العدو الإسرائيلي حشد سبعة ألوية تجاه الجبهة السورية ويحتمل أن يزيدها إلى خمسة عشر، وأن العدو قد يبدأ عملياته الحربية فيما بين 15 ـ 17 مايو أو بين 17 ـ 21 مايو.

وبحلول مساء هذا اليوم أرسلت إدارة الاستخبارات الحربية المصرية تحليلاً للموقف إلى القيادة العليا، نوهت فيه باحتمال أن تكون الأزمة وليدة خطة مفتعلة ونصحت بالتريث انتظاراً لمعلومات مؤكدة.

أي أن الاستخبارات الحربية بدأ الشعور ينتابها بأن العملية كلها لا تخرج عن أن تكون فخاً لإيقاع مصر فيه، وهو ما حدث فعلاً.

3. القيادة العربية الموحدة

مما يلفت النظر أن رئيس شعبة الاستخبارات بالقيادة العربية الموحدة وهو سوري الجنسية صرح بأن الحكومة السورية تقوم بحركة سياسية تستهدف تدعيم مركزها داخلياً وأنه يستبعد حدوث أي اشتباكات بين سورية وإسرائيل.

ورغم خطورة هذا التصريح وأنه صادر ممن يفهم العقلية السورية والجو السوري السائد في ذلك الوقت. إلا أن المسؤولين لم يعولوا كثيراً على هذا.

سادساً: أحداث يوم الاثنين 15 مايو 1967: "بداية الحشد والتعبئة"

1. القاهرة

صدرت قرارات نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لتوضيح الموقف السياسي والعسكري وتنص على الآتي:

أصدر السيد المشير نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة القرارات التالية: (أُنظر ملحق صورة من أصل قرار رفع درجة استعداد القوات المسلحة وتحريك جزء من تشكيلاتها إلى سيناء، وهو صادر بتاريخ 15 مايو 1967، ويحمل تصحيحات وإضافات بخط المشير "عبدالحكيم عامر").

·  ترفع درجة الاستعداد للقوات المسلحة إلى درجة الاستعداد الكامل للقتال اعتباراً من الساعة 2.30 يوم 14 مايو 1967.

·  تتحرك التشكيلات والوحدات المقررة في خطط العمليات من أماكن إيوائها الحالية إلى مناطق تمركزها المحددة.

·  تكون القوات المسلحة مستعدة استعداداً كاملاً لتنفيذ جميع مهام القتال على جبهة إسرائيل في ضوء تطورات الموقف.

أ. الموقف السياسي والعسكري

·   تشير المعلومات من المصادر المختلفة إلى أن إسرائيل قد بدأت في حشد قواتها أمام الجبهة السورية.

·   نوايا إسرائيل العدوانية تكشف في تصريحات "أشكول" رئيس الوزراء الإسرائيلي، "وإسحاق رابين" رئيس الأركان الإسرائيلي .. بغزو سورية.

·   تتمشى نوايا إسرائيل، وإجراءات حشد قواتها مع مخططاتها التوسعية في المنطقة العربية اعتماداً على أوضاع وسياسات الحكومات الرجعية بضرب سورية وإسقاطها وهي دولة عربية متحررة – كمرحلة من مراحل المخطط الصهيوني الاستعماري في المنطقة، فإذا نجحت تتبعها بضربات أخرى لباقي الدول العربية المتحررة.

·   إن ج.ع.م يحتم عليها دورها أن تتدخل أيضاً ضد أي عمليات عسكرية إسرائيلية تستهدف احتلال الضفة الغربية لنهر الأردن أو أي بقعة في الوطن العربي.

·   أن اعتبارات الأمن القومي للجمهورية العربية المتحدة يحتم عدم السماح للمخططات الصهيونية بأي توسع على حساب أي دولة عربية.

·   إن تكاتف القوى العربية التقدمية في تنسيق دفاعها المشترك ضد أي عدوان إسرائيلي كما جاء في اتفاقية الدفاع المشترك بين الجمهورية العربية المتحدة وسورية لهو ضمان لأمن وسلامة واستقلال الدول التقدمية.

·   إن قوة الجمهورية العربية المتحدة تزداد بزيادة قوة معسكر الكتلة التقدمية داخل الدول العربية والعكس صحيح، وهو يعني عزلنا ثم تكتل القوى الرجعية ضدنا، لذلك ينبغي أن يكون واضحاً أن دور ج.ع.م الرئيسي في مساندة المعارك المصيرية في العالم العربي، إنما ينبع أصلاً من مصالحها القومية وأمنها الذي يتأثر ويؤثر في كل المحيط العربي، وهذه المساندة هي خط الدفاع الأول عن أمننا القومي.

·   إن ج.ع.م لحريصة كل الحرص، ويقظة لكافة تطورات الأحداث السياسية العسكرية لتحديد الزمـان والمكـان المناسبين للعمليات العسكرية الناجحة .. أي أنها لن تسمح لنفسها بالقيام بعمليات عسكرية إلا على أساس التقدير الكامل لكافة الاحتمالات محافظة على أمنها وسلامتها.

·   إذا حاولت القوى الاستعمارية التي تحرك إسرائيل وترسم لها دورها العدواني في العالم العربي. أن تتخذ من إسرائيل مخلباً للقط في توسيع وتعميق العمليات الحربية، كما حدث في عدوان 1956 فإن المعسكر الشرقي لن يقف بمعزل عن الأحداث وتطوراتها ويترك القوى الغربية الاستعمارية للتصرف بحرية في المنطقة العربية.

·   إن تحرك قواتنا إلى سيناء استعداداً للمعركة يجعل إسرائيل تفكر مرتين قبل أن تقدم على غزو سورية ..

بتحليل هذا التوجيه نجد الآتي:.

(1) اختلاف توقيت درجة الاستعداد عن تعليمات العمليات الحربية الصادرة من رئيس الأركان (في اليوم) والحقيقة أنها فعلاً وقعت في الساعة الثانية والنصف كما جاء في قرارات نائب القائد الأعلى.

(2) أن القرارات (الموقف السياسي والعسكري) منها .. جاء في صورة بيانات حماسية أكثر منها توجيه سياسي إستراتيجي، وليس المفروض أن يصدر في ذلك الوقت. (عموماً فإن الأسلوب الذي كتب به .. يتمشى مع الأسلوب الدارج خلال تلك الفترة.

(3) تعدد ذكر "القوى التقدمية العربية" على أنها ضمان لأمن مصر والوطن العربي، ولكن الحقيقة كانت أنه لا يوجد تنسيق عملي على أرض الواقع مع هذه القوى .. ويأتي لفظ "القوى التقدمية" من نبت الاصطلاحات الشيوعية ا لتي كانت تغزو الوطن العربي في هذا الوقت.

(4) جاء في البند الثامن "أن مصر لا تسمح لنفسها في القيام بعمليات عسكرية على أساس التقدير الكامل لكافة الاحتمالات" .. وهذا أسلوب يحقق مسؤولية القيادة على أمن وسلامة مصر ولكن الواقع أن هذه القيادة لم تضع خطوطاً خضراء أو حمراء لمستوى الاندفاع أو حجم المعاونة للآخرين .. أو وضعت حدوداً لتصاعد الموقف .. بل أنها اندفعت بأسلوب غير محسوب من ناحيتها، بل أن العدو هو الذي استدرجها، وورطها في جميع القرارات بعد ذلك.

(5) سمح التوجيه لنفسه أن يتكلم باسم دولة كبرى (الاتحاد السوفيتي) في مواجهتها للولايات المتحدة الأمريكية وهذا خطأ كبير في الحسابات والتقديرات .. لأن ا لقوى الكبرى لها حساباتها ومواقفها الخاصة.

(6) كان تقدير القائد العام أن مجرد تحرك قواتنا إلى سيناء سيجعل إسرائيل تفكر مرتين قبل أن تغزو سورية … وهذا يمثل في حد ذاته عدة أخطاء منها.. أن القيادة لم تقدر نوايا العدو الحقيقية .. ولا أخذت في اعتبارها أن تكون مصر هي المستهدفة، ولم تقدر قدرة العدو الحقيقية .. وأخذت الخط القومي قبل أن تحقق التأمين الوطني.. الخ.

(7) ومن كل ما تقدم فإن هذه القرارات كانت بداية الإعلان عن "الخلل" الذي ستخوض به مصر .. والعرب .. المعركة القادمة.

وطبقاً لخطة التحرك التي وضعتها هيئة عمليات القوات المسلحة، فقد بدأت القوات تتحرك لتأخذ أوضاع الخطـة "قاهر" في سيناء، وبدأت خطة التعبئة بكل التزاماتها، وقد خططت هيئة العمليات طرق سير بعض القوات المتمركزة غرب القاهرة، بحيث تمر أمام بعض الشوارع الرئيسية في القاهرة لتشعل مشاعر الجماهير .. وكانت القوات المتمركزة في منطقة القناة قد سبقت قوات القاهرة في عبورها إلى سيناء لاحتلال أوضاع الخطة.

وقد صاحبت هذه "المظاهرة العسكرية" خطة إعلامية ضخمة بدأت اعتباراً من يوم 15 مايو بحيث غزت قلوب الجماهير في مصر، والتي كانت تفهم أن قواتها المسلحة هي "أقوى قوات مسلحة في الشرق الأوسط" كما غزت قلوب الشعوب العربية التي كانت تفهم "أن تحرير فلسطين سيكون على يد الجيش المصري" .. كما انتشرت هذه الأنباء في جميع أنحاء العالم، وأصبحت هي الشغل الشاغل للدراسة والتدقيق في الإدارات السياسية المهتمة بالأوضاع في الشرق الأوسط.

ب. تحديد اختصاصات للقادة

وقد أصدر المشير "عامر" أمر قيادة بتعيين الفريق أول "عبدالمحسن مرتجى" قائداً عاماً للجبهة في حالة بدء العمليات مع إسرائيل – (علماً بأن الفريق "صلاح محسن" كان هو قائد القيادة الشرقية .. وصدر أمر بأن تتحول القيادة إلى جيش ميداني) وهـذه التعيينات كانت تعني تفتيت وحدة القيادة المشتركة، التي كان يجب أن يعين لهـا قائد واحد ولكن كانت حجة المشير عامر بأنه هو الذي سيقوم بمهمة التنسيق بين القادة جميعاً.

2. إسرائيل

توالت المعلومات لإدارة الاستخبارات العسكرية الإسرائيليـة عن تدفق القوات المصرية إلى سيناء .. حيث قام الجنرال "أهارون ياريف" مدير الاستخبارات العسكرية بتبليغ الجنرال "إسحاق رابين" عن تحليله للموقف، وقد قام إسحاق بدوره بتبليغ رئيس الوزراء (الذي يعتبر رئيساً لمجلس الحرب في حالة وجود أي تهديد لإسرائيل) .. وعقد مجلس الحرب فعلاً صباح هذا اليوم في مركز العمليات الرئيسي للقيادة الإسرائيلية لشرح الأحداث وإعلان تقدير القادة للموقف، والإجراءات التي يجب أن تتخذ.

وقد اجتمعت آراء العسكريين على أن هذه هي الفرصة الكبرى التي كانوا ينتظرونها منذ زمن وهي التي كان يخطط لها منذ عام (1964) طبقاً للاتفاق الضمني بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على انتهاز الفرصة للتخلص من "ناصر" .. ومن هنا ضعفت مقاومة "ليفي أشكول" رئيس الوزراء .. وأصبح القرار للعسكريين بالدرجة الأولى .. وتم إعلان التعبئة الجزئية لمواجهة المواقف[3] واتفق على إجراء التنسيق النهائي للخطة داخل إسرائيل مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا إلى جانب البدء في تنفيذ الخداع الإستراتيجي بما فيه تحييد الاتحاد السوفيتي.

وعندما وصلت المعلومات لـ "بن جوريون" كان طلبه الرئيسي من رئيس الوزراء ومن القادة العسكريين هو أن يتم تدقيق الموقف مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتؤخذ موافقتها قبل البدء في تصعيد الموقف.

وفي هذا اليوم جرى احتفال بالذكرى التاسعة عشر للاستقلال، وسط مشاعر الطمأنينة التي أشاعتها تكهنات رئيس الأركان.

3. موسكو

في هذا اليوم دار حديث بين "إيجال آلون" وزير العمل الإسرائيلي آنذاك – الذي كان في زيارة لموسكو – وبين مستر "سيمونوف" نائب وزير خارجية الاتحاد السوفيتي وقد سأل "إيجال آلون" لماذا تطلقون المزاعم عن حشود إسرائيلية ضد سورية خلافاً للواقع؟ ولماذا تتجاهلون الاستفزازات السورية المتكررة على حدود إسرائيل؟.ويعقب "إيجال آلون" "إن السلام لا يتجزأ" فلا يجيب عليه "سيمونوف"[4].

4. واشنطن

في نفس اليوم في واشنطن، كان السفير الإسرائيلي يقيم حفلاً اقتصر على الإسرائيليين وخلال خطبته القصيرة اتصل "لوشيوس بانل" وكيل الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط والذي كان من قبل سفير لبلاده في القاهرة، نبأ تحرك القوات المسلحة المصرية نحو سيناء، ويعلق وكيل الخارجية الأمريكية على ذلك "إن هذا ليس أكثر من استعراض للقوة، ولا يتجاوز الأمر أن يكون رداً على تصرفاتكم، أنتم تحركون قواتكم في عرض عسكري، وهم أيضاً يحركون قواتهم".



[1] كانت خطة التعبئة طموحة أكثر من اللازم في سبيل تحقيق أكثر قدر من التوازن مع إسرائيل، واستعواض غياب 45 % من القوات المصرية في اليمن .. ووضعت الخطة على أساس تشكيل وحدات جديدة تصل إلى نسبة 75 % من حجم فرق المشاة 30% من وحدات الصاعقة، 100 % من الحرس الوطني. ونسب متفاوتة من الأسلحة الأخرى .. وتنفذت معظم بنود الخطة بصعوبة بالغة، نظراً للارتباك في أسلوب الاستدعاء، ونظام التسجيل .. وقد أدى ذلك إلى دفع وحدات احتياط إلى الجبهة وبعض أفرادها ما زالوا يرتدون الزي المدني، كما دفعت وحدات أخرى ينقصها نسبة كبيرة من الكوادر الفنية التي تستخدم الأسلحة.

[2] ربما تكون هذه التساؤلات هي التي أدت إلى صدور توجيهات العمليات في اليوم التالي 15/5/1967 لتوضيح الموقف السياسي والعسكري.

[3] التعبئة الجزئية، تعني انضمام حوالي مائة ألف شاب من الاحتياط وانخراطهم في صفوف وحدات عسكرية، وهذا بالطبع يؤثر على الإنتاج في إسرائيل .. ولهذا فإن قرار رئيس الوزراء يعتبر هاماً في هذا الأمر حيث يعتبر قرار سياسي/ عسكري/ اقتصادي/ اجتماعي .. والمعروف أن إسرائيل لا تلجأ إلى التعبئة إلا إذا كان هناك نية للحرب، أو تشعر بتهديد مباشر.

[4] كان وجود قوة الطوارئ الدولية على الحدود المصرية ـ الإسرائيلية، وفي الجانب المصري من هذه الحدود يشكل إحراجاً من نوع خاص للقيادة المصرية الثورية وقد تعرضت مصر للعديد من الانتقادات من وراء وجود هذه القوات، وكانت هذه الانتقادات تجيئ من الأخوة العرب بأساليب شتى سواء من خلال المؤتمرات أو المكاتبات أو وسائل الإعلام، وكانوا يتهمون مصر، بأن هذه القوات تحمي مصر من إسرائيل .. وقد سبق التفكير في سحبها عدة مرات. كان أولها عام 1965، عند عودة أول لواء مشاة من اليمن، حيث كان تفكير الرئيس عبدالناصر والمشير عامر اللذان كانا في استقباله هي مفاجأة العالم بإرساله إلى شرم الشيخ وقفل مضيق العقبة. والثانية عام 1966 عندما كان المشير عامر يرأس وفداً عسكرياً في باكستان وسمع انتقادات عنيفة جعلته يرسل برقية إلى الرئيس عبدالناصر يطلب منه إغلاق مضيق العقبة في وجه الملاحة الإسرائيلية. وعندما لاحت الفرصة في مايو 1967 رأت القيادة السياسية استغلالها وقد أدى ذلك إلى قيام الرئيس عبدالناصر ببحث قانونية وإجراءات سحب هذه القوات من خلال اجتماعاته مع المشير عامر، والدكتور محمود فوزي. وكانت وجهة نظر الرئيس ألا تتصاعد هذه المشكلة بحيث تعلو على الأزمة الرئيسية وهي مساعدة سورية، في نفس الوقت كان يريد أن يقتصر الانسحاب على الحدود الشرقية ـ دون غزة وشرم الشيخ ـ وكانت غزة تشكل بطبوغرافيتها مشكلة لأي قوات تحاول استعادتها لو قامت إسرائيل باحتلالها وكان وجود القوات الدولية تأميناً لها من الاحتلال الإسرائيلي. كذلك لم توضع أي خطة في الفتح الإستراتيجي للقوات بشأن شرم الشيخ .. لأن قفل خليج العقبة كان سيجذب الأنظار إليه، وبذلك تضيع المشكلة الرئيسية وهي تهديد سورية وكان سحب قوات الطوارئ حق مشروع للحكومة المصرية على أساس السيادة لأن هذه القوات على أرض مصرية.