إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر العربية





مناطق النفوذ في العالم
موقع الجزر الثلاث
منطقة جزر مجنون
إصابة الفرقاطة الأمريكية STARK
مسارح الصراع البرية والبحرية
معركة الخفاجية الأولى
معركة تحرير الفاو
معركة سربيل زهاب
الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان
الإغارة الثالثة على دهلران
التشابه بين مضيقي تيران وهرمز
العملية رمضان
العملية فجر ـ 8
العملية فجر ـ 9
الغارة الإسرائيلية الثانية
القواعد البحرية الإيرانية في الخليج
اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916
حادث إسقاط الطائرة الإيرانية
حدود المياه الإقليمية الإيرانية
حرب الناقلات

مناطق إنتاج النفط
أوضاع القوات العراقية والإيرانية
مسلسل العمليات كربلاء (1 – 9)
مسرح العمليات (الاتجاهات الإستراتيجية)
مسرح العمليات (التضاريس)
مسرح العمليات والدول المجاورة
الموقع الجغرافي للعراق وإيران
المنطقة الكردية
الهجمات الثانوية للعملية بدر
الهجوم المضاد الإيراني العام
الأفكار البديلة للعملية خيبر
التواجد الأجنبي في الخليج
التجمع القتالي لقوات الطرفين
العملية مسلم بن عقيل
العملية بدر
العملية فجر النصر
القواعد والتسهيلات الأمريكية
القواعد والتسهيلات السوفيتية
بدء الهجوم العراقي
تضاريس المنطقة الإيرانية
تضاريس العراق
تقسيم إيران
سلسلة العمليات فجر
طرق المواصلات بالشرق الأوسط
فكرة الاستخدام للقوات الإيرانية
فكرة الاستخدام للقوات العراقية



حرب عام 1967

المبحث التاسع

التمهيد للحرب والأهداف السياسية والعسكرية للجانبين

حملت نقطة البدء في الحرب عوامل مؤثرة في النصر والهزيمة، والقدرة على الاستمرار في الضغط على الخصم. كان بعضها سياسياً، بينما بعضها الآخر إستراتيجياً. وجزء منها كان عسكرياً والجزء الآخر اقتصادياً. كما كان للتكنولوجيا المتاحة لكل من طرفَي الحرب، دور بارز في مسارها.

لقد وضع كل دولة قدراتها وإمكاناتها المتغيرة في كفتها، لترجيح أعمالها القتالية، طبقاً لتقديرها وتخطيطها. واجتهد ساستُها وعسكريوها في إدارة الحرب، سياسياً وعسكرياً، بما يدعم أعمال قتال الجنود والقادة المقاتلين. وساند كل طرف مجموعة من الدول الإقليمية، وساند المجتمع الدولي الطرفَين، وندد بالحرب في الوقت نفسه. ووقف الجميع ينتظرون النتائج، ومحاولة التأثير فيها، علّها تأتي بما يشتهون.

وعلى الرغم من إعلان كل طرف هدفه من الحرب، سياسياً وعسكرياً، فإن المحللين الإستراتيجيين، يؤكدون أن الأهداف غير المعلنة مختلفة تماماً عن تلك المعلنة، أو أن الأهداف المعلنة، ليست هي كل الأهداف المتوخاة من ذلك القتال. وأيّاً كانت تلك الأهداف، فإن قوّتَين مسلحتَين، قد وقفتا وفي أيديهما السيوف مشهرة في مواجَهة بعضهما بعضاً، وخسر الإسلام والعرب جزءاً من قوّتهما، في حرب، لا طائل فيها للإسلام والعروبة، ولا لإيران والعراق، حكومات وشعوباً[1].

أذهلت تلك الحرب، بطول مدتها، التي تجاوزت الثماني سنوات، وتعقيداتها وشراستها، وخسائرها، المادية والاقتصادية، ونزف الدم فيها، كل من حاول دراستها أو تفهم دوافعها. كما كان من المثير للدهشة، الموقف الدولي للقوّتَين العظميَين، اللتَين لم يقلقهما أن تمسي الحرب اختبار قوة جديداً بينهما. ويشير بعض المحللين إلى أن زعماء القطبَين الأعظمَين، قد ناقشا ذلك الصراع رسمياً في لقاء قمة بينهما[2]، وأن تلك الحرب قد وضعت بين قوسَين في المساومات بينهما. وكلاهما يريد تثبيت الصراع، والعمل على ألاّ يكون هناك غالب ومغلوب.

وقُيِّمَت الحرب، عسكرياً، على أنها من الماضي القريب، نظراً إلى ما استُخدم فيها من أسلحة وما انتُهج من أساليب قتال. وهو ما لا يقلل من أهوالها أو نتائجها؛ إذ نتائج الحروب ودروسها، هي الأبقى بعد انتهاء معاركها.

أولاً: مراحل الحرب الرئيسية، وأحداثها المهمة

استغرقت حرب الخليج الأولى ثماني سنوات. فقد بدأت في 22 سبتمبر 1980، وتوقفت في 20 أغسطس 1988، بعد جهود دولية مضنية. وخلال تلك السنوات الثماني، شهدت الحرب كرّاً وفرّاً، على طول الحدود بين طرفَيها، وتداخلت القوات في أراضى كلٍّ منهما.

طبقاً لسَير العمليات الحربية، تقسم الحرب إلى المراحل الرئيسية التالية:

1. مرحلة بدء الحرب (الهجوم العراقي) (أغسطس 1980 ـ يوليه 1982)

استغرقت هذه المرحلة سنتَين كاملتَين من عمر الحرب وشملت شن العراق هجومه الرئيسي، في بداية الحرب، ومسارعة إيران إلى صده، والرد بهجمات مضادّة محدودة، ومحاولة استنزاف قوى الهجوم العراقي، ثم مبادرتها إلى الهجوم المضادّ، لاسترداد ما فقدته، وإجبار القوات العراقية على الارتداد.

2. مرحلة الهجوم الإيراني الشامل (يوليه 1982 ـ مارس 1987)

خلال أربع سنوات وتسعة أشهر، كانت هجمات إيران تزداد، داخل الأراضي العراقية، مستغلة تفوّقها العددي، مما أجبر القوات العراقية على المسارعة إلى عمليات دفاعية، ورد محدود ومحاولة استنزاف القوات الإيرانية وإرهاقها ثم المبادرة إلى هجوم مضادّ، لاسترداد مَواقعها السابقة.

3. مرحلة التدخل الدولي لوقف إطلاق النار (مارس 1987 ـ أغسطس 1988)

تواصلت الجهود الدولية لوقف القتال، خلال مراحل الحرب المختلفة. إلاّ أن فاعليتها ازدادت، إبّان هذه المرحلة. وخلال فترة سنة ونصف، من العمل الدبلوماسي المكثف، والتدخل من أطراف دولية متعددة، تحت تأثير الخسائر العالية للطرفَين، والامتداد الزمني للحرب، أمكن التوصل إلى صيغة لوقف إطلاق النار. وقد شهدت هذه المرحلة عدة أعمال قتالية، بدأت بعمليات استنزاف للطرفَين، ثم هجوم العراق الأخير، لتحرير المناطق الإستراتيجية، قبْل أن يتوقف القتال، مما يجعله في موقف أفضل، عند بدء أي مفاوضات، لاحقاً.

ثانياً: الأهداف، السياسية والعسكرية، للجانبَين

1. العراق

بعد نجاح الثورة الإيرانية، انتاب علاقاتها بجارها، العراق، فتور، ما لبث أن استحال توتراً، فعداءً، فصراعاً مسلحاً، بدأ باشتباكات حدودية، ثم تطور إلى حرب شاملة، بعد إعلان العراق، رسمياً، الحرب، في 22 سبتمبر 1980.

أ. أهداف الحرب ودوافعها، بين المعلَن والحقيقي

أصدر مجلس قيادة القوات المسلحة العراقية بياناً، أعلن فيه الحرب، إذ قال: "أنه قد صدرت الأوامر إلى القوات المسلحة العراقية بغزو إيران، والتحرك لضرب الأهداف الموضوعة لها، كردّ على قرار الحكومة الإيرانية، إغلاق مضيق هرمز، ووقف الملاحة الدولية[3]، وهو ما يُعَدّ قرار إعلان الحرب الشاملة على العراق". (اُنظر شكل التشابه بين مضيقي تيران وهرمز).

كما حدّد البيان العراقي الهدف من ذلك، بالاستيلاء على المنشآت النفطية، في خورمشهر وعبدان، شرق شط العرب، والاستيلاء على مضيق هرمز، في الجنوب، كضرورة لإرغام النظام الإيراني الجديد، الذي وصفه البيان بالعنصري، على الاعتراف بسيادة العراق على أراضيه ومياهه الإقليمية.

بعد خمسة أيام، أعلن الرئيس العراقي، صدام حسين، مطالب العراق من إيران. التي تمثّل أسباباً للحرب بينهما. وحددها في ثلاث نقاط، هي:

(1) الاعتراف بسيادة العراق على التراب الوطني العراقي ومياهه، النهرية والبحرية.

(2) إنهاء الاحتلال لجُزُر: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، في الخليج العربي، عند مدخل مضيق هرمز.

(3) الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للعراق، وللدول الأخرى في المنطقة.

وترى بغداد أن مطالبها، هي مطالب شرعية، تستند إلى عوامل شتى:

(1) الجُزُر الثلاث، في الخليج العربي هي مناطق عربية مغتصَبة. ويضطلع العراق باسترجاعها، بوحي من دوره القومي العربي، خاصة أن القوانين والعرف الدوليَّين، يؤيدانه في ذلك.

(2) لشط العرب وإقليم عربستان، لدى العراق، المنزلة نفسها التي تحتلها لديه الجُزُر العربية الإماراتية في الخليج العربي. معللاً تخلّيه عن اتفاق الجزائر، بأن توقيعه كان تحت ضغط، داخلي وخارجي، وهو يطالب بتعديله. كما أن سكان خوزستان، هم من القبائل العربية، وتمردهم يعنى "أن الأشقاء، يدافعون عن قضية عادلة، ضد الظلم والقهر".

(3) مواقف العراق هي مواقف قومية ووطنية، في إطار تاريخي عدائي طويل، بينه وبين الدولة الفارسية/ الإيرانية.

(4) لا اختلاف، من وجهة نظر الحكام العراقيين، بين سياسة نظام الحكم الإيراني الجديد، في المنطقة، وسياسة الشاه السابق، خصوصاً ما يتعلق بالأطماع التوسعية، وكره العرب، وهو ما انعكس على القمع العنيف لعرب إيران، وحرمانهم من حقوقهم الطبيعية، والاستيلاء على الجُزُر العربية.

(5) معظم السياسيين، والقادة العسكريين، الإيرانيين، ما زالت تراودهم أحلام الإمبراطورية الفارسية القديمة. وهم يبحثون عن نصر على العرب، بعد هزيمة أجدادهم في معركتَي ذي قار والقادسية؛ فإيران امتداد للإمبراطورية الفارسية الكسروية، وإنْ أصبحت جمهورية إسلامية[4].

(6) تقدير القيادة السياسية العراقية سوء حالة إيران، عقب الثورة، والتمزق الذي تعانيه، وانقطاع صِلاتها السياسية بمعظم دول العالم، إضافة إلى الضعف البادي على كيانها، اجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً، من جراء ممارسات الحكومة الثورية الجديدة، لتصفية الحسابات مع من ساندوا الشاه. وإن انتهاز فرصة ضعف الخصم لمهاجمته، هي سياسة حصيفة، ومبدأ مشروع، في الفقه السياسي، وهي فرصة أتاحها التاريخ للعراق، وأضاف إليها ظروفاً، دولية وإقليمية، مواتية ومشجعة[5].

(7) استنفاد العراق الوسائل السلمية، قبل أن يعلن الحرب، وهو ما يجعل من إعلانه لها شرعياً. فقد طالب إيران، رسمياً، في 24 ديسمبر 1979، بمراجعة اتفاق الجزائر 1975. كما أبلغ السكرتير العام للأمم المتحدة عدم اعترافه باحتلال إيران للجُزُر الإماراتية الثلاث، وهو ما لم تبالِ به إيران (اُنظر ملحق المفهوم القانوني للحدود البرية، وللملاحة في المسطحات المائية والأنهار المشتركة، ومدى انطباقها على الخليج العربي وشط العرب).

لم يكن تقدير النظام العراقي الحاكم، سليماً تماماً، وإنما كان هناك عدة معايير، يمكن تعرّفها، من خلال تفهّم الموقف الإيراني، وطبيعة الحكم العراقي، أبرزها:

(1) ما أعلنه العراق من شعارات، لا علاقة لها بالحقوق الإقليمية العربية، أو الحقوق الوطنية العراقية. ويستدل على ذلك بأن إِثارة هذه القضايا، آنئذٍ، أساء للقضية العربية الأولى، قضية فلسطين ومعارك العرب مع إٍسرائيل والصهيونية العالمية. فقد أخلّ العراق بالأسبقيات والأولويات، في المنظور القومي العربي الشامل، وبمقتضى المصلحة العربية العليا.

(2) المطالب العراقية، في شأن الجُزُر الإماراتية، أوضحت الدور الذي يسعى العراق إلى انتزاعه من إيران، كقوة إقليمية وحيدة في المنطقة؛ فالجُزُر الثلاث قضية عربية، وليست عراقية، وحلها كان أَوْلى من خلال عمل عربي موحد.

(3) المطالب العراقية، في خوزستان، تتعارض مع مبادئ، أرساها المجتمع الدولي، في شأن الحدود المتنازع فيها. كما أنها تثير مطالب أخرى مشابهة، ضارّة بالعراق نفسه، في المنطقة الكردية وغيرها من المناطق في العالم، وهو أمر غير مقبول دولياً.

(4) على عكس ما حاول النظام العراقي إيضاحه، فإن إيران، في ظل الحكم الجديد، كانت دعماً قوياً للقضية العربية الأولى، فلسطين، إقليمياً ودولياً؛ إذ قطعت طهران علاقتها بإسرائيل، وحرمتها من النفط الإيراني، الذي كان يمثل 75% من واردات إسرائيل النفطية، وجعلت نفسها حارساً، يلاحق إسرائيل في المحافل الدولية، ويفسد خططها. وتوّجت كل ذلك بإعلان نفسها دولة مواجَهة مع إسرائيل، تضع إمكاناتها كافة في خدمة العرب والقضية الفلسطينية.

(5) إن التجاوزات الإيرانية المحلية، يجب ألاّ تنسحب، ببساطة، على الحقائق الأساسية وجوهرها، أن إيران الثورية مناصرة للقضية الفلسطينية، وضربها، في ذلك التوقيت، إنما يخدم المصالح الإسرائيلية، ويفيد القوى العالمية.

(6) كان التقدير العراقي الذي حدد على أساسه توقيت الحرب مع إيران، غير صحيح. فلم لم تكن إيران في حالة الضعف المتردي، التي بنى عليها العراق قراراته الأساسية. ويغلب الظن على أن القيادات، السياسية والعسكرية، العراقية، قد حَسَبَت حسابات غير دقيقة، بناء على معلومات وتقديرات مبالغ فيها، أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، لغاية في أنفسهما، وانساقت الحسابات العراقية لها[6].

(7) عدم استجابة الحكومة الإيرانية للمبادرات السياسية العراقية، لا يعنى استنفاد الوسائل، الدبلوماسية والسلمية، خاصة أن المعاهدة المشار إليها (معاهدة الجزائر 1975)، حددت وسائل التسوية السلمية، عند نشوب نزاع بين الدولتَين، نتيجة لما أقرته من تخطيط للحدود. وقد وضحت المعاهدة تلك الوسائل في (اُنظر ملحق معاهدة الحدود الدولية، وحُسن الجوار، بين العراق وإيران والبروتوكولات الثلاثة الملحقة بها الموقعة في بغداد، في 13 يونيه 1975):

(أ) المفاوضات المباشرة بين البلدَين، خلال شهرَين من تاريخ وقوع الخلاف.

(ب) المساعي الحميدة لطرف ثالث، تقْبله الدولتان.

(ج) التحكيم، طبقاً للعرف الدولي، أمام هيئة مختارة، تحت إشراف محكمة العدل الدولية، ويرتضيها الطرفان.

ترجع الدوافع الأساسية إلى إعلان الحرب على إيران، إضافة إلى الدوافع المعلنة، إلى سببَين رئيسيَّين، يعدان المحرك الأول للسياسة العراقية وقتئذٍ، وهما:

(1) التناقض الرئيسي بين طبيعة الحكم في البلدَين، وتعارض مصالح كلٍّ منهما، ناهيك رغبة النظام العراقي الحاكم في تقليص تأثير الثورة الإسلامية الإيرانية، المهدِّدة لنظام الحكم البعثي في العراق وسواه[7]. ويزيد من المخاوف العراقية العدد الكبير للشيعة العراقيين وتعاطفهم وتأييدهم الثورة الإيرانية. علاوة على تحفّز الأقلية الكردية للتمرد، وتصعيد حربها ضد الحكومة.

(2) الاضطلاع بدور القوة الإقليمية، المهيمنة في منطقة الخليج العربي، الغنية والمهمة، مما يتيح للعراق ونظام الحكم فيه مكانة دولية متميزة، تجعله متفوقاً في المنطقة، الخليجية والعربية. وهو دور يتوافق مع مطالب الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت تساند إيران وتدعمها للاضطلاع به. وقد تمّ بهذا التوافق ارتياح كبار المسؤولين الرسميين الأمريكيين لتطور الأحداث، وما يمكن أن يمثله النظام العراقي، بقيادة صدام حسين، من قوة محلية، يُعتمد عليها في حماية مصادر النفط الخليجي وطرقه البحرية، والانتقام من الثورة الإيرانية، ومعاقبتها بأفعالها في حادث اقتحام السفارة الأمريكية في طهران، واحتجازها رهائن أمريكيين فيها، لفترة طويلة.

هناك عدة دوافع ثانوية، كانت تحرك القيادات العراقية، وتدفعها إلى إعلان الحرب. وهى إنْ كانت غير أساسية، إلا أنها كانت من العوامل المساعدة على تولّد الإحساس بضرورة مغامرة الحرب:

(1) الاستفادة من موقف المقاطعة الاقتصادية، وتجميد الأرصدة الإيرانية في المصارف، الأمريكية والأوروبية الغربية، عدا فرنسا، وحظر مبيعات الأسلحة إلى إيران.

(2) تراكم الشعور التاريخي بحتمية الصراع، وعدم الاعتداد بالمعاهدات السابقة، التي لم ينجح أي منها في حسم نزاع الحدود، في شط العرب، منذ العصر العثماني ـ الفارسي وحتى العصر العراقي ـ الإيراني.

(3) الشعور النفسي لدى الرئيس العراقي، صدام حسين، بمسؤوليته عن التنازل الأخير في اتفاق الجزائر، عام 1975، فكان الإصرار على التنصل منه، لدرء شبهة التنازل عن حقوق الوطن[8].

(4) العداء الشخصي، بين صدام حسين والإمام الخميني، منذ أن كان الإمام لاجئاً إلى العراق، قبْل سفره إلى باريس، وعودته إلى إيران مباشرة. وتميز العداء بالمعاملة الجافة، وتضييق الخناق على نشاط الإمام، إرضاء للشاه. وتصاعد في ظل سوء الظن المتبادل، بين نظامَي الحكم في البلدَين.

ب. أهداف العراق من الحرب

(1) الهدف السياسي

هدف العراق من الحرب، سياسياً، إلى الاضطلاع بدور الدولة الأقوى، إقليمياً، في منطقة الخليج العربي، ومحاولة السيطرة على دولها، قومياً وسياسياً واقتصادياً، في ظل الإعداد لتفوّق حضاري، عبْر برامج تنمية طموح، والعمل على إبعاد نفوذ القوّتَين العظميَين عن المنطقة.

(2) الهدف السياسي ـ العسكري

كان الهدف السياسي ـ العسكري، النابع من الهدف السياسي للحرب، هو "استعادة الأراضي العراقية في شط العرب، مع تأمين الحدود السياسية، مع كلٍّ من سورية وتركيا".

(3) هدف العملية الهجومية الإستراتيجية للعراق

انبثق من الهدف السياسي ـ العسكري، هدف العملية الهجومية الإستراتيجية، وهو "هزيمة التجميع الرئيسي للقوات المسلحة الإيرانية، التي تحشد على الحدود المشتركة، واستعادة شط العرب، والاستيلاء على إقليم عربستان، وعلى مصادر الثروة النفطية وتأمينها، وفرض الإرادة على النظام الإيراني الخميني (أو إسقاطه)، وتحقيق الأمن الوطني العراقي".

2. إيران

بعد مرور عشرين شهراً على نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية في الاستيلاء على مقاليد الحكم في البلاد، والقضاء على النظام الإمبراطوري في إيران، وإنشاء جمهورية إسلامية إيرانية بدلاً منه، كان زعماء الشيعة الإيرانيون يسيطرون على مشاعر الجماهير الإيرانية، ومجرى الأحداث داخل إيران، ويسيطرون، كذلك، على أجهزة صناعة القرارات، السياسية والإستراتيجية.

أسفرت ممارسات النظام الجديد في إيران، وتصفية الحسابات والمواقف، عقب نجاح الثورة، عن تخلص النظام من كثير، من القيادات العسكرية والضباط والجنود، وخفض عدد القوات المسلحة إلى أكثر من نصف ما كان عليه في عهد الشاه، خشية ولائهم له. وأنشأ تنظيماً جديداً، شبه عسكري، تحت اسم الحرس الثوري، قوامه الشبان المتحمسون لفكر الإمام الخميني، الذين يدينون له بالولاء، كأساس للانضمام إلى هذا التنظيم[9]. وقد زاد من ضعف القوات المسلحة الإيرانية، إلغاء عدة صفقات أسلحة أمريكية، كان قد سبق التعاقد عليها من قبْل.

كان من أهداف الثورة الإسلامية الإيرانية، التي طالما ردّدها الإمام الخميني، في خطبه وأحاديثه، أن تحل الوحدة الإسلامية مكان القومية العربية. وطالما هدد بتصدير أهداف ثورته ومبادئها إلى الدول، الإسلامية والعربية، خاصة الخليجية. وعلى الرغم من المصاعب التي كانت تواجه الحكم الثوري الجديد في إيران، والوقت الطويل، الذي استغرقته القيادة الجديدة للبلاد، لإطاحة القوى المعارضة، المؤيدة للشاه، أولاً، ثم تلك القوى الثورية، المعارضة لنهج الحكم الجديد، من زملاء الجهاد ضد الشاه، بالأمس[10]، فقد تمسك الإمام الخميني بمبادئه ومكاسبه، السياسية والزعامية، بشدة، وفرض على الحرب مع العراق أبعاداً دينية، وألبسها ثوب الجهاد في سبيل الله، بل اتخذ، عام 1982، قرار مواصلة الحرب داخل الأراضي العراقية. ورأى فيه غالبية الشيعة بشيراً (وأحياناً، "الإمام المنتظر")، لفتح طريق الحرب المقدسة. وأعطاهم هذا الشعور الدافع، المعنوي والروحي، الهائل إلى مواصلة الحرب، مهْما كانت التضحيات. وتولّد من هذا الشعور إحساس قومي أكثر تعصباً، بالتمسك بالقيادات الدينية الإيرانية الجديدة، وهو ما يفسح المجال للفكرة الإستراتيجية بحتمية الانتصار الإيراني؛ ذلك الفكر الذي يمكن أن يطيل زمن أي حرب، في سبيل تحقُّقه[11].

وكان أحد الدوافع الرئيسية لإستراتيجية الحرب الطويلة، التي يهدف القادة الإيرانيون إلى ممارستها ضد العراق، هو الاعتماد على القوة البشرية الإيرانية، الأكثر تعداداً، في مواجَهة العراق، قد تجعله غير قادر على مواجَهة الخسائر البشرية الجسيمة في تلك الحرب، وربما أدت إلى انهيار الحكم العراقي، تحت ضغط الثورة الشعبية المرتقبة[12].

وأدت الأوضاع، السياسية والعسكرية والاقتصادية، غير المستقرة في إيران، واعتمادها على تفوّقها في القوى البشرية على العراق، إلى انتهاج القيادة السياسية العسكرية الإيرانية إستراتيجية دفاعية، والسعي إلى إطالة زمن الحرب، ومحاولة التفرقة بين الطوائف العراقية المختلفة، خاصة الأقليات العِرقية والأيديولوجية (الأكراد والشيوعيون)، وإثارة الخلافات بين القادة والزعماء السياسيين، لتضييق قاعدة القيادة، وإيجاد حالة من التوتر في المجتمع العراقي، تنعكس على قواتها المسلحة العراقية. وفي مجال العلاقات الخارجية، عملت على تفجير الأوضاع على الجبهات مع إسرائيل، التي كانت قد سكنت منذ فترة، مما يغير من أولويات الجهد العربي، لمساعدة الفلسطينيين، واستئثار الأوضاع، التي ستتردى مع الجانب الإسرائيلي، بالاهتمام العربي، الذي سيتحول بكافة إمكاناته، المالية والسياسية والعسكرية، إلى دول المواجَهة مع إسرائيل، مما يحرم العراق من أي دعم، ويؤثر في توازنه.

ناهيك استغلال طهران تمزُّق الصف العربي، وانحياز بعض الدول العربية إلى جانبها، مثل سورية وليبيا، وتعاطف دول أخرى معها، أو معارضتها السياسة العراقية، الرامية إلى استخدام القوة، مما يضعف الدعم العربي للعراق، خاصة الدعم البشري، الذي كانت تخشاه إيران؛ إذ إن إرسال الدول العربية قوات مسلحة إلى العراق، يمكنه أن يقلل، وقد يلغى إلغاء تماماً، تفوّق إيران البشري العسكري، فيسلبها مِيزتها الرئيسية.

أهداف إيران من الحرب

1. الهدف السياسي

انطلاقاً من شعارات الثورة الإسلامية عَدّت إيران "الإسلام إطاراً للتجمع الصحيح، لمحاربة الاستعمار والشيوعية والصهيونية"[13]، على أن تكون هي "القوة المهيمنة على الخليج، وإبعاد القوّتَين العظمَيين عن المنطقة".

2. الهدف السياسي ـ العسكري

انبثق من هدف إيران السياسي هدف سياسي ـ عسكري، يتوخى "تأمين الثورة الإيرانية، في الداخل، وحماية نظام الحكم الديني، ونشر الفكرة الإسلامية الجامعة، في دول المنطقة، مع تأمين الحدود السياسية، ومصادر الثروة النفطية، بالقوة المسلحة لإيران".

3. هدف العملية الدفاعية الإستراتيجية لإيران

وضعت القيادة العليا للقوات المسلحة في إيران، هدفها الإستراتيجي، في إطار الإمكانات المتاحة، وكفاءة قواتها، لتحقيق الأهداف، السياسية والعسكرية، المحددة لها. لذا، اختارت العمليات الدفاعية، كأساس لبدء الحرب. وكان هدف العملية، الذي حددته في مواجَهة التهديد العراقي، هو "استنزاف القوات المسلحة العراقية، التي نجحت في اختراق الحدود، وإيقافها ومنعها من الانتشار، وتهيئة أنسب الظروف لمبادرة قواتها إلى ضربة إستراتيجية مضادّة، لاستعادة الأوضاع الدفاعية على الحدود مع العراق، مع تهديد الأهداف الإستراتيجية، ومصادر الثروة النفطية العراقية، وتأمين مصادر الثروة النفطية الإيرانية".



[1] هي المقولة نفسها، التي سادت عقب غزو العراق الكويت، في أغسطس 1990 (حرب الخليج الثانية).

[2] الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، والرئيس السوفيتي ميخائيل جوربا تشوف في قمة جنيف.

[3] أعلنت إسرائيل، في يونيه 1967، أن إغلاق مصر مضايق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية، في خليج العقبة، هو كإعلان الحرب عليها؛ إذ إنها تعتمد اعتماداً متزايداً على تجارتها عبْر الخليج، إلى مينائها الوحيد على البحر الأحمر، في رأس الخليج، وهو ميناء إيلات خاصة بالنسبة إلى مواردها النفطية، التي كانت تستورد 75% منها من إيران، وتصلها عبْر هذا الميناء.

[4] يدلل على ذلك بإعلان الخميني تمسكه بكل الأراضي، وكونها، تاريخياً، فارسية الأصل، بل يطالب بضم جزيرة البحرين لعدم شرعية الاتفاق بالتخلي عنها سابقاً، ويهدد بفرض سيادة إيران حتى بغداد نفسها.

[5] يقصد بها تخوف الدول العربية من التهديدات الإيرانية بتصدير مبادئ الثورة الإسلامية، وانشغال الولايات المتحدة الأمريكية بالانتخابات، علاوة على عدائها للحكم الإيراني الجديد، وتورط الاتحاد السوفيتي في بولندا وأفغانستان، وعدم تعاطفه مع إيران، إضافة إلى ارتباطه بمعاهدة صداقة مع العراق.

[6] كان التقدير الأمريكي، أن 90% من الطائرات الإيرانية غير صالحة، لعدم وجود قطع غيار، مبنياً على أن تلك الطائرات أمريكية الصنع، وإمدادها بقطع الغيار، يكون من الشركات الأمريكية فقط. كما ذكرت التقديرات الغربية إمكانية استيلاء القوات العراقية المتفوقة! على مقاطعة خوزستان كاملة، من دون خسائر تذكر، إذا لم يتدخل ما تبقّى من البحرية الإيرانية.

[7] أعلن الزعماء الإيرانيون تشكيلهم جيشاً ثورياً إسلامياً، لتحرير العراق. ودعوا إلى الجهاد ضد النظام العلماني العراقي، لإقامة دولة عراقية مسلمة، حرة، مستقلة. ووصفوا النظام العراقي بالفساد، ومعاداة القرآن والإسلام.

[8] كان صدام حسين، في هذا الوقت، أقوى أعضاء مجلس قيادة الثورة العراقي، ونائب الرئيس. وهو الذي أجرى المباحثات الأولية مع الرئيس الجزائري، هواري بومدين، ثم مع شاه إيران، ووضع الخطوط الرئيسية للمعاهدة، ووافق عليها.

[9] هو التنظيم الإسلامي نفسه، الذي أعلن أنه سيحرر العراق من النظام العراقي اللاإسلامي، في نظر الأئمة الإيرانيين.

[10] كثيراً ما عارض بعض الأئمة الإيرانيين ممارسات زملائهم في الحُكم. وكان آية الله طلقاني، الذي توفي عام 1979، من هؤلاء المعارضين المبعَدين عن السلطة، معظم الوقت. كما قتل آية الله بهشتي في انفجار غامض. وحددت إقامة آية الله شريعة مداري، حتى توفي عام 1985. وفرضت إقامة جبرية على آية الله خاقاني. واعتقل آية الله طبطبائي. وانزوى، مبتعداً عن السياسة، كلٌّ من آية الله مرعشي نجفي، وآية الله كلبا يكاني، وطوردت عائلات هؤلاء المغضوب عليهم من قبل الخميني.

[11] إستراتيجية حتمية الانتصار، تعني أن تتحول الحرب، في مراحلها الميؤوس منها، إلى حرب استنزاف لقوى الخصم، حتى تسنح الفرصة لتحقيق النصر. وقد مارس المصريون تلك الإستراتيجية، عقب هزيمة 1967، مما أرهق الجيش الإسرائيلي، واستنزف قواه، وأثقل كاهل الاقتصاد الإسرائيلي، حتى نصر 1973. وتعمد المقاومة الفلسطينية إلى حرب شبيهة بذلك، سميت إستراتيجيتها "انتفاضة الحجارة".

[12] استطاع الحكم العراقي الاستفادة من وجود أكثر من مليونَين ونصف المليون مصري في العراق، من فترة سابقة على الحرب، لسد حاجة الجبهة الداخلية إلى العمالة، في مختلف التخصصات، خاصة قطاع الزراعة، وهو ما أتاح له تجنيد عدد أكبر من العراقيين.

[13] تعاونت إيران مع إسرائيل على الحصول على أسلحة، خلال الحرب.