إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر العربية





مناطق النفوذ في العالم
موقع الجزر الثلاث
منطقة جزر مجنون
إصابة الفرقاطة الأمريكية STARK
مسارح الصراع البرية والبحرية
معركة الخفاجية الأولى
معركة تحرير الفاو
معركة سربيل زهاب
الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان
الإغارة الثالثة على دهلران
التشابه بين مضيقي تيران وهرمز
العملية رمضان
العملية فجر ـ 8
العملية فجر ـ 9
الغارة الإسرائيلية الثانية
القواعد البحرية الإيرانية في الخليج
اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916
حادث إسقاط الطائرة الإيرانية
حدود المياه الإقليمية الإيرانية
حرب الناقلات

مناطق إنتاج النفط
أوضاع القوات العراقية والإيرانية
مسلسل العمليات كربلاء (1 – 9)
مسرح العمليات (الاتجاهات الإستراتيجية)
مسرح العمليات (التضاريس)
مسرح العمليات والدول المجاورة
الموقع الجغرافي للعراق وإيران
المنطقة الكردية
الهجمات الثانوية للعملية بدر
الهجوم المضاد الإيراني العام
الأفكار البديلة للعملية خيبر
التواجد الأجنبي في الخليج
التجمع القتالي لقوات الطرفين
العملية مسلم بن عقيل
العملية بدر
العملية فجر النصر
القواعد والتسهيلات الأمريكية
القواعد والتسهيلات السوفيتية
بدء الهجوم العراقي
تضاريس المنطقة الإيرانية
تضاريس العراق
تقسيم إيران
سلسلة العمليات فجر
طرق المواصلات بالشرق الأوسط
فكرة الاستخدام للقوات الإيرانية
فكرة الاستخدام للقوات العراقية



حرب عام 1967

المبحث الخامس عشر

نتائج الهجوم الإيراني الأخير

نتيجة لطول فترة الصراع، الذي قارب عامه الخامس على الانتهاء، ولم يظهر في الأفق أي تباشير لتوقف الحرب بين الدولتَين، فإن المجتمعَين، الإقليمي، ممثلاً في دول مجلس التعاون الخليجي، والدولي، ممثلاً في الأمم المتحدة، كثفا جهودهما، لإقناع الدولتَين بإنهاء القتال بينهما. واتفقت الجهود على أن الإطار الدولي، هو الأولى بصياغة قرار لوقف إطلاق النار، ووضع خطوات للتفاوض، والوصول إلى حل للمشاكل المتنازع فيها، سلمياً.

لا شك أن ما وصلت إليه الدولتان، طرفا الصراع، من حالة إرهاق في كافة المجالات، خاصة القوات المسلحة والاقتصاد، سيكون العامل الحاسم لاقتناعهما بضرورة إيقاف الحرب الدائرة بينهما. فقد تآكّلت نسبة التفوق لأي منهما في أي مجال، وبات واضحاً أن قدرة كلٍّ منهما على البقاء، كدولة، معرض للخطر، وهو ما سيجعلهما يسعيان إلى السلام، بشرط التوصل إلى صيغة، يمكن لكل قيادة أن تبرر بها (لشعبها) قبولها وقف القتال، وأن تصور له أنها الأكثر انتصاراً.

إن أحداث الحرب، في السنين، السابقة والتالية، التي ستكمل بها تلك الحرب أعوامها الثمانيـة (حتى 1988)، تتيح لكل طرف أن يصور لنفسه النصر، وليس الهزيمة. فكل منهما انتصر في عدة معارك، وهزم في أخرى. ووسائل إعلامهما قادرة على إبراز النصر وتضخيمه، وإخفاء الهزيمة، وتصغير شأنها. فلم يكن هناك حسم، ولا تحقيق للأهداف. وأصبح الاستمرار في الحرب عبثاً سياسياً غير مفهوم.

أولاً: حجم قوات الطرفَين، في نهاية عام 1985

كانت خسائر إيران، في عملياتها الهجومية السابقة، مؤثرة جداً. فقـد فقـدت، خلال عامَي 1984 و1985، صفوة قواتها، الأكثر تمرساً وخبرة، والأحسن تدريباً. كما فقدت كماً كبيراً من أسلحتها الرئيسيـة. وأدى ذلك إلى تأكّل تفوّقها العددي، الذي كانت تعتمد عليه في التغلب على قوة التسليح العراقية.

على الجانب الآخر، فإن العراق استمر في سياسته الناجحة، الرامية إلى الحصول على الأسلحة والمعدات الحربية من الخارج، لتزداد فجوة التفوق النوعي، ويلحق بها تفوق كمي، كذلك، في حجم القوات، إلى الحدّ الذي أصبح ميزان القوى بين البلدَين يتعدى الحدود الممكنة (اُنظر جدول حجم قوات الطرفَين، في نهاية عام 1985).

ثانياً: استعدادات الطرفَين للأعمال القتالية المقبِلة

لم يشمل الإعداد لجولة جديدة، مع بداية عام 1986، تغييراً يذكر في أوضاع القوات، إذ جمد الطرفان أوضاع قواتهما على جبهة القتال. واعتادا تجميع القوات، للعمليات الهجومية، أو الهجمات المضادّة، من الاحتياطيات، أو من المناطق التي يسودها الهدوء، ودفعها، في الوقت الملائم إلى المناطق المحتمل نشوب قتال فيها، وعلى فترة متسعة نسبياً، فما عاد الوقت عاملاً مهماً لأيهما، بعد مرور أكثر من خمس سنوات قتال غير حاسمة.

من جهة أخرى، بدأ كل طرف، في النصف الثاني من عام 1985، يُعِدّ قواته ويعبئها ويجهزها، إدارياً وهندسياً، للأعمال القتالية المقبِلة.

1. القوات العراقية

أغرى القيادة العراقية تفوّقها العددي المحدود في القوة البشرية، وتفوّقها العددي والنوعي الكاسح في العتاد، بإعداد هجمات رئيسية، مع مطلع عام 1986، لاسترداد بعض المَواقع الإستراتيجية المهمة. كانت نية القيادة العسكرية إدارة أعمال قتال هجومية، في منطقة جُزُر مجنون، ذات الأهمية الاقتصادية. لذا، فقد بدأت تكدس احتياجات إدارية، من وقود وأصناف طعام ومياه وذخائر، بالقرب من مَواقعها في تلك المنطقة، وعملت على تحسين الطرق المؤدية إليها، بما يخدم التحركات المقبِلة وأعمال الإمداد والإخلاء المنتظرة، وربطت تلك الطرق الفرعية بالطرق الرئيسية. وشملت أعمال الإعداد تجهيزات هندسية، للتغلب على العوائق الطبيعية، المتمثلة في طبيعية المنطقة، التي تغطيها المستنقعات. وبادرت إلى سحب كميات كبيرة من المياه، لخفض مستوى المستنقعات، مما يساعد قواتها على تحركاتها وأعمالها القتالية. وأخيراً، حرك العراق القوات المكلفة بالأعمال الهجومية، وحشدها بالقرب من منطقة العمليات المنتظرة (لواءَين من الفيلق الثالث).

2. القوات الإيرانية

واصلت القيادة الإيرانية سياستها الرامية إلى غزو الأراضي العراقية الجنوبية، ذات الأغلبية الشيعية، وفيها العتبات المقدسة لدى الشيعة، بهدف خلق ضغط شعبي، يؤدي إلى إسقاط النظام الحاكم في العراق. وعلى الرغم من مشاكل التسليح وانخفاض التفوق العددي للقوات الإيرانية، بصفة عامة، عن القوات العراقية، إلا أن القيادة العسكرية الإيرانية، لا تزال مؤمنة بإمكان اختراق الدفاعات العراقية، من الجنوب، والاستيلاء على البصرة، ثم تطوير الهجوم شمالاً، في اتجاه بغداد نفسها، لإحداث انهيار، يؤدى إلى ثورة شعبية لتغيير النظام الحاكم.

لذلك، حشدت إيران قوة كبيرة (50 ألف متطوع)، في نهاية عام 1985، في جنوبي البلاد. ولتوفير العدد الكافي من المقاتلين، أصدرت قانوناً يسمح بإرسال العاملين المدنيين إلى جبهة القتال. كما استخدمت، للمرة الأولى، النساء في مهام عسكرية بسيطة، مثل حراسة المنشآت في المناطق الخلفية، وبعض الأعمال الإدارية. ولتجهيز منطقة العمليات المقبِلة، نُقل عدد كبير من القوارب الصغيرة والكباري العائمة ومعدات العبور البرمائية، إلى الجنوب. كما دربت طهران قوة برية على العمليات البرمائية، في الشمال، في منطقة بحر قزوين، قبْل أن ترسلها إلى الجنوب. وفي المراحل الأخيرة، أنشأت شبكة طرق ترابية مرتفعة، على جسور من السدود الرملية، قبْل أن تغرق المناطق الجنوبية، بطول شط العرب. وللتغلب على مشكلة استخدام العراق للغازات الحربية السامة، استوردت إيران مهمات وقاية ضد الغازات والحرب الكيميائية، واستقدمت بعض الخبراء السوريين للمعاونة على إنتاج غازات سامة وتطويرها.

ثالثاً: الهجوم العراقي الرئيسي الأول، في بداية عام 1986

بعد عدة أسابيع من الإعداد والتجهيز، شن العراق الهجوم الأول، في 6 يناير 1986[1]، على الطرف الشمالي لجُزُر مجنون، بلواءَين من الفيلق الثالث. ولم تكن المَواقع الإيرانية في الجُزُر مجهزة، كمواقع دفاعية؛ إذ لم يتوقع الإيرانيون هجمات عراقية، وإنما كانت مجهزة، كمناطق لانطلاق قواتهم منها، لبدء الهجمات[2]. لذا، لم تستطع القوات الإيرانية إدارة معركة دفاعية جيدة، واضطرت إلى الانسحاب من ذلك الجزء من الجُزُر، أمام ضغط القوات العراقية. واستغرقت العملية يومَين من القتال الشرس، حتى استطاع العراقيون إجلاء الإيرانيين من الجزء الجنوبي، كذلك، واستعادة جُزُر مجنون الإستراتيجية، بثروتها النفطية.

رابعاً: العملية "فجر 8" (معركة الفاو الأولى) (اُنظر شكل العملية فجر ـ 8)

حشدت إيران ثلث قواتها العسكرية وشبة العسكرية (حوالي 200 ألف مقاتل)، ودفعت بهم إلى الجنوب. وشملت تلك القوات خيرة الفِرق من الجيش النظامي (بختاران، مازانداران، خوراسان) والحرس الثوري (كربلاء، النجف). وتمركزت في المنطقة ما بين ديزفول والأهواز وخور الحويزة. كما وزعت وسائل الاقتحام البرمائية على طول شط العرب، جنوب عبدان، من سفن صغيرة ووحدات إنشاء الكباري العائمة.

كانت إيران قد أنشأت، نتيجة لخبرة القتال السابقة، قيادة جديدة للقوات المدربة على الاقتحام المائي والقتال في المستنقعات، لتدريب وقيادة مجموعات القتال المعَدة لذلك الغرض. وقد دفعت بقوة منها إلى المنطقة جنوب عبدان، في أوائل عام 1986، واستعدت لتوجيه ضرْبتها الجديدة، "فجر 8"، عبر شط العرب.

لم تغيّر إيران هدفها الرئيسي في العمليات القتالية في الجنوب؛ إذ استهدفت دائماً فصله عن العراق، بما يحتويه من كثافة سكانية شيعية، وعتبات مقدسة. إلاّ أنها غيرت اتجاه هجومها إلى أقصى الجنوب، وهو ما يحقق لها؛ في حالة نجاح الهجوم، ميزة إستراتيجية إضافية، تعزل العراق عن الخليج العربي. فتقطع مواصلاته البحرية الوحيدة، التي تصله من طريقها وارداته من الأسلحة والمعدات الثقيلة، والتي يصعب وصولها بوسائل أخرى. كما يفصل الهجوم الإيراني الناجح، بين العراق وجارته الكويت، التي يعتمد، جزئياً، على موانئها والطرق المارة بها[3].

حددت إيران هدفاً رئيسياً للعملية "فجر 8"، الاستيلاء على شبه جزيرة الفاو العراقية، في الطرف الجنوبي لشط العرب. ثم تطوير الهجوم، للاستيلاء على البصرة، بالتعاون مع هجوم من شمالها. والاستيلاء على المنشآت النفطية العراقية في المنطقة، ودعم ثورة شعبية شيعية ضد النظام الحاكم (بتوقع أن يبدأ تمرد شيعي مع بداية نجاح العملية).

استكملت إيران استعداداتها، مع بداية فبراير 1986. وفى التاسع منه، بدأت المرحلة الأولى من العملية بهجومَين رئيسيَّين، ضد الفيلقَين، الثالث والسابع، على الأطراف البعيدة لهما، بغرض تشتيت الجهود العراقية، ومحاولة فصلهما. لذا، وجهت هجومها الشمالي ضد ثلاثة قطاعات.

الاتجاه الأول، كان ضد نقطة الاتصال بين الفيلقَين، على أمل أن تكون منطقة ضعيفة، أو خاليه من المواقع الدفاعية. إلا أن الواقع كان عكس ذلك؛ إذ توقع العراقيون أن تكون نقطة الاتصال تلك أحد محاور الهجـوم الإيراني؛ فالمعتاد أن تكون نقاط الاتصال نقاط ضعف في الدفاعات، وتكون هدفاً للاختراق من المهاجِم. لذا، عُززت تلك النقطة بمَواقع دفاعية حصينة، وخطة نيران قوية، استطاعت هزيمة الموجات البشـرية الإيرانية، موجة تلو الأخرى، على مدى ثلاثة أيام، قبْل أن يتوقف الهجوم الإيراني، متكبداً خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات.

أمّا الاتجاه الثاني للهجوم الشمالي، فكان جنوب القرنة، في محاولة لقطع الطرق الشمالية للبصرة. وكلفت به وحدة مدرعة، مدعمة (مجموعة قتال مختلطة من الدبابات والمشاة الآلية) لاستغلال الأراضي الجافة الصالحة لتقدم الدبابات، والتي تركها العراقيون تقترب، في الأرض المكشوفة، من المواقع العراقية، قبْل أن يتبادلوا معها الرمي من مسافات قصيرة، معتمدين على تفوّقهم العددي في الأسلحة بالمَوقع المواجِه للهجوم وخبرة رجاله، وتكبدت القوة المهاجمة خسائر فادحة، وصلت إلى 4 آلاف مقاتل.

ولم يكن الاتجاه الثالث، في اتجاه جُزُر مجنون بغية استردادها، بعد نجاح العراق في تحريرها، أكثر نجاحاً. فلقد تمكنت القوات العراقية من احتوائه، وكبدته، كذلك، خسائر كبيرة. وانتهت الهجمات الشمالية الثلاث، في 14 فبراير، بفشل الهجوم على جُزُر مجنون.

أثناء الهجمات الإيرانية الشمالية، التي يبدو أنها كانت هجمات ثانوية، ذات أهداف محدودة، استغل الإيرانيون هطول الأمطار، ليلة 10 ـ 11 فبراير، في شن هجوم برمائي على الفاو[4].

وقد تمكن ذلك الهجوم، الذي شنه جزء من القوات المعدَّة للعملية، بمساندة من مجموعة القتال البرمائي (ضفادع بشرية)، من الاستيلاء، أولاً، على جزيرة أم الرصاص، جنوب خور مشهر، التي كانت خالية من القوات المدافعة، وتقدم الإيرانيون في اتجاه الفاو، فواجهوا مقاومة عنيفة من العراقيين، أعقبها هجوم مضادّ بالدبابات، تحت ستر نيران كثيفة للمدفعية، لم تتمكن القوات المهاجمة من صدّه؛ إذ افتقرت إلى العنصرَين المهمَّين، الدبابات والمدفعية، في تلك المنطقة، وأجبرت على التراجع، واسترد العراق جزيرة أم الرصاص، في 12 فبراير.

وجهت إيران هجوماً ثانياً، جنوب أم الرصاص، في مواجَهة عبدان، عند منطقة السيبة، حيث لم يكن للمَواقع العراقية المواجِهة، عمق يذكر، بينما تنتشر بمواجهة كبيرة[5]. وأمكن هذا الهجوم أن يحقق نجاحاً، استُغل في دفع عناصر من المهندسين العسكريين إلى إنشاء كوبري عائم على شط العرب، في منطقة الاختراق، عند السيبة، واستخدامه في تدفق القوات إلى رأس الشاطئ المقابل، إلى جانب النقاط الست للمعابر البرمائية (بالقوارب)، التي أمكن تشغيلها، لتتجمع فِرقة إيرانية كاملة، بسرعة، على الأرض العراقية، شمال الفاو، انتشرت، من الفور، على مواجَهة واسعة.

كانت القيادة العراقية لا تزال تحت تأثير الهجمات الشمالية، التي نجحت القيادة الإيرانية في خداع العراق وإيهامه بأنها الهجوم الرئيسي، فجمعت احتياطياتها في منطقة القرنة، شمال البصرة، استعداداً لتوجيه الضربات المضادّة. وإمعاناً في الخداع، قصفت المدفعية الإيرانية البصرة، بكثافة، أثناء الهجمات الشمالية، مما ساعد على ثبات العراقيين على اعتقادهم الخاطئ باتجاه الهجوم الرئيسي، وإبقائهم لاحتياطياتهم في الشمال. وأتاح ذلك فرصة ذهبية للإيرانيين للتوغل في شبه جزيرة الفاو، وتطوير الهجوم الناجح، والتقدم بسرعة، ودفع المزيد من القوات، قبْل أن يدرك العراقيون أخيراً ثقل الهجوم الجنوبي وخطره. فقد فقَد العراق اتصاله مع الخليج العربي، وبقيت مواصلاته مع الكويت مهددة بوصول القوات الإيرانية إلى خور عبدالله، في مواجَهة الكويت، وهدد الإيرانيون ميناء أم القصر العراقي، الرابض خلف جزيرة وربة الكويتية، على مسافة 16 كم، غرب الفاو. كما استولت القوات الإيرانية على مركز القيادة والسيطرة والإنذار، التابع للقوات الجوية العراقية، في شمال الفاو، والذي كانت راداراته تغطي مدخل الخليج العربي، وتوجه الطائرات العراقية ضد الأهداف المعادية، جنوب الفاو.

بعد أسبوعين تقريباً من الغزو الإيراني لمنطقة الفاو العراقية، كانت الخسائر الإيرانية قد تعدت عشرة آلاف قتيل، إضافة إلى ضَعْفْ القوة الدافعة للقوات الإيرانية، واستهلاك الاحتياطيات، إذ بات من الصعب أن تدفع قوات تطوير لاحتلال مناطق جديدة. كما أنها كانت لا تزال تخشى الخروج إلى المناطق المفتوحة، حيث تتعرض للهجمات المضادّة للدبابات العراقية المتفوقة، التي تساندها القوات الجوية مساندة مؤثرة. وقد دفع ذلك الموقف القيادة الميدانية الإيرانية إلى التمسك بالمناطق التي وصلت إليها في الفاو والسيبة وما بينهما، والتحول إلى الدفاع على تلك الخطوط المكتسبة.

على الجانب العراقي، كانت الخسائر قد وصلت إلى خمسة آلاف قتيل. إلاّ أن احتياطيات القوات العراقية كانت لا تزال قوية، فدفعتها إلى الانتشار في المنطقة، لدعم العمق الدفاعي، الذي لا يزال صامداً. وتدريجياً، تمكنت من احتواء القوات الإيرانية، في شبه جزيرة الفاو، وبدأت تعد العدة لطردها بشن هجمات مضادّة قوية.

أعدت القيادة العراقية الميدانية قوات الهجوم المضادّ، وقسمتها إلى مجموعات قتالية، كل منها تضم لواء مدرعاً أو آلياً مدعماً بعناصر إسناد مختلفة. وخصصت لكل مجموعة محور عمل مستقلاً، ودفعتها إلى مهاجمة القوات الإيرانية المتوقفة على خطوط دفاعية، جهزت على عجَل، مما يجعلها هدفاً ملائماً للهجمات العراقية المضادّة. ثم رأت القيادة العراقية زيادة حجم القوات، لتصل إلى مجموعة فِرقة (أي 2 ـ 3 أضعاف القوة المخصصة من البداية)، وتركيزها في ثلاثة محاور، مركزي وشمالي وجنوبي.

تقدمت الأرتال العراقية الثلاثة على محاورها، حريصة على التحرك على الطرق فقط؛ إذ يصعب على المركبات المدرعة والدبابات والعربات، المناورة خارج الطريق، حيث الأرض رخوة، ورملية مشبعة بالأملاح. وهو ما أضعف من قوة الهجوم الضخمة، وحدّ من فاعليتها؛ فقد بات عليها الاقتصار على قوة نيران الوحدات الأمامية، مع تعرضها لنيران الأسلحة الإيرانية المضادّة للدبابات. وأدى ذلك الموقف إلى توقف الرتل الشمالي أمام المَواقع الإيرانية، جنوب أم القصر، التي بدأت تتطور بسرعة، من الدفاع العاجل إلى دفاع مجهز جيداً بمرور الوقت. وكان يستخدم طريق شط العرب/ أم القصر، كمحور أساسي لتحركه.

وتقدم الرتلان الآخران على الطريق الجديد، عبْر المنطقة الصحراوية، الذي أُنشئ في العام السابق، لتستخدمه الاحتياطيات، ليحقق لها سرعة التحرك إلى شط العرب، بعيداً عن مراقبـة ونيران القوات الإيرانية، شرق شط العرب. واضطر الرتل المركزي إلى التوقف، كذلك، أمام المَواقع الإيرانية، التي حشدت كمّاً كبيراً من المدفعية والأسلحة المضادّة للدبابات، التي أجبرت الدبابات العراقية على التوقف، وأوقعت بها خسائر كبيرة. أمّا الرتل الجنوبي، فقد استطاع التقدم على محور فرعي موازٍ لساحل خور عبدالله الشمالي. وعلى الرغم من تقدمه النسبي، إلا أنه لم يتمكن من الخروج عن الطريق، والقتال في الأرض المفتوحة، حيث تحولت الأرض الرخوة، بفعل الأمطار، آنئذٍ، إلى أوحال يصعب التحرك خلالها. وأدى التزام الرتل بالتحرك الطولي على الطريق، إلى تعرّضه لخسائر جسيمة، نتيجة لتكدس قواته على الطريق، إضافة إلى حماسة الإيرانيين للقتال، حفاظاً على مكاسبهم غير المتوقعة، وتوافر الأسلحة والذخائر لديهم.

استمرت المحاولات العراقية للاختراق من الجنوب لمدة أسبوع آخر، أحرزت، خلاله، تقدماً محدوداً جداً، بينما خسرت خمسة آلاف قتيل وجريح جدد. وتمكنت القوات الإيرانية، بمرور مزيد من الوقت، أن تزيد تجهيز قواتها وتحصينها على الخطوط الدفاعية، لتتمكن من صدّ الهجمات العراقية، التي زاد موقفها سوءاً الأحوال الجوية السيئة، التي حرمتها من مساندة قواتها الجوية، خاصة الطائرات العمودية المسلحة، والمدفعية القوية. في حين استثمرت إيران الوقت في جلب قوات أخرى، وإمدادات من الأسلحة والمعدات، من الشرق عبْر الكباري القائمة على شط العرب.

عاود العراق محاولاته لاسترداد الفاو، فغيّر قيادات المجموعات الثلاث. كما استغل تحسّن الأحوال الجوية، ومهد بقصف نيراني كثيف، بإشراك المدفعية الصاروخية. وشاركت قواته الجوية في قصف الأهداف الإيرانية، في عمق المَواقع في الفاو. قبل أن يطلق العنان لقواته المدرعة، تسبقها المشاة، في مجموعات لاقتحام المَواقع الإيرانية بنجاح، لتسقط تحت عنف القصف العراقي، وقوة الهجوم المضادّ، الذي شارك فيه أكثر من 200 دبابة، كانت تعاون المشاة العراقية على اقتحامها للمَواقع الإيرانية، بنيران مباشرة، ورماية على الأهداف البعيدة نسبياً، لعزل المَواقع المقتَحمة، واحداً تلو الآخر[6].

مني العراق، على الرغم من نجاحه المحدود في هجماته المضادّة، بخسائر كبيرة في المعدات والأفراد؛ إذ فقد ما يعادل كتيبتَي دبابات، خلال الهجوم المضادّ الثاني، الناجح نسبياً (23 ـ 24 فبراير). ثم عاد ليفقد، كذلك، عدة كتائب أخرى من المشاة والدبابات، في هجومه، يومَي 9 و10 مارس، الذي شنه بشكل غير منظم، عبر المسطحات المائية وحاول تعزيزه بدفع لواءَين مدرعَين، في 11 مارس (اللواء 28 واللواء 70)، اللذَين تعرّضا لخسائر جسيمة. وأسفرت هجمات الأيام الثلاثة عن كسب تقدم، لم يزِد على 7 كم.

وصل حجم القوات للطرفَين، في منتصف مارس، إلى حجم كبير. فقد كانت القوات الإيرانية نحو 20 ألف جندي، والقوات العراقية حوالي 25 ألف جندي، في مَواقع يواجه بعضها بعضاً، وعلى مسافات قصيرة، من دون أن يكون لأيهما القدرة على استئناف هجومه، حتى إن القوات العراقية وقفت ساكنة، عندما خرجت القوات الإيرانية من خنادقها، في 20 مارس، محاولة تحسين أوضاعها، الذي لم يزِد على تغييرات بسيطة، غير مؤثرة بشكل عام، قبْل أن يسود الجمود الموقف، مرة أخرى، في شبه جزيرة الفاو، ويستمر حتى بداية عام 1988.

خامساً: العملية " فجر 9 " (الهجوم شمالاً في المنطقة الكردية) (اُنظر شكل العملية فجر ـ 9)

على مسافة 270 كم، شمال بغداد، بالقرب من الحدود الشمالية، في المنطقة الكردية العراقية، دفعت إيران قوات جديدة، وكانت لا تزال تقاتل في منطقة الفاو، وفي المجنون، بهدف استغلال ضعف القوات العراقية في الشمال، وتورط احتياطياتها الرئيسية في الجنوب، بالاستيلاء على مداخل الوديان والمعابر الرئيسية، المؤدية إلى الأرض المفتوحة، شمالي العراق. وحتى يمكن أن تغطي قوات الهجوم كل المنطقة الشمالية، حشدت إيران فرقتَين، من الحرس الثوري والأكراد العراقيين من أتباع البارزاني الموالي لإيران. وبدأت هجومها في 15 فبراير، بقوة محدودة، نسبياً، استطاعت أن تحقق نجاحاً سريعاً، وتسيطر على وادي السليمانية، وتستولي على القرى والمرتفعات، على جانبَيه.

اندفعت القوات الإيرانية حتى مسافة 20 كم من مدينة السليمانيـة، وشنت هجوماً آخر، بقوة 8 ألوية، تمكنت، على أثره، من الاستيلاء على الأرض المرتفعة، لتشرف على طريق السليمانية، كما حاصرت قرية الشوارته[7]، وأسرت حامية سبتاك الصغيرة، واقتربت من السليمانية، وقصفتها بالمدفعية، أول مرة، في 3 مارس.

أدى قلق المجتمع الدولي من طول فترة الحرب بين العراق وإيران إلى إصدار مجلس الأمن قراره الرقم 582، في 24 فبراير، والذي اختص به أسرى الحرب بعد أن لوحظ سوء أحوالهم، وامتداد فترة أسرهم، كما أرسل السكرتير العام للأمم المتحدة لجنة لتقصي الحقائق، لزيارة معسكرات أسرى الحرب وكتابة تقرير عنها والتي أجمعت على عدم احترام الطرفين للمعاهدات الدولية المنظمة لحالات أسرى الحرب.

أعادت القيادة العراقية القوات التي سحبت إلى الجنوب، بعد أن تجمد الموقف في الفاو، وتمكنت من إيقاف الهجوم الإيراني. إلا أنها فشلت في التغلب على المقاتلين الأكراد وطردهم من المنطقة، بين داهوك وبادينان، الذين استمروا في إغارتهم على خط أنابيب النفط، الواصل إلى تركيا، كما احتلوا مانجيش، بعد التغلب على حاميتها الصغيرة والتمسك بها، وصدّ الهجوم العراقي المضادّ، في 19 مايو[8].

انحصرت آثار ونتائج هجوم الشمال، العملية "فجر 9"، في تثبيتها للقوات العراقية في المنطقة، حيث اضطرت القيادة العراقية إلى إعادة قواتها إليها، خاصة الفرقة 11. كما دعم نجاح الهجوم الجنوبي في الفاو، وتوغل القوات الإيرانية في الشمال حتى قرب السليمانية، القيادة السياسية. إلاّ أن التأثير العسكري كان ضعيفاً، كما أن الأثر الاقتصادي كان أكثر ضعفاً، على الرغم من كثرة الأهداف النفطية في المنطقة، لوجود 30 ألف جندي تركي، يؤمنون خط الأنابيب القادم من العراق إلى داخل أراضيهم.

سادساً: الموقف العام، بعد عمليتَي " فجر 8" و"فجر 9"

توقفت الهجمات الإيرانية، والتي سميت بعمليتَي فجر 8" و"فجر 9"، بعد أن فقدت قوّتها الدافعة. ولم تشن القوات العراقية هجمات مضادّة، لاستعادة المَواقع والأرض. وبدا أن الموقف، سيتجمد لفترة أخرى. إلاّ أن تقييم النتائج للعمليتَين، وما أسفرتا عنه، يوضح أنه توقف مؤقت، استجماعاً للقوى من الجانبَين، واستعداداً لما سيدور لاحقاً.

1. الموقف الإيراني

احتفظت إيران بمَواقع على مواجهة، تصل إلى 1100 كم، على درجة استعداد عالية، لاستئناف القتال (مَواقع هجومية)، مستندة إلى عاملَين، يحققان ميزات إستراتيجية. ففي الشمال، تستند إلى المَواقع التي استولت عليها، بالتعاون مع المعارضة الكردية، في المنطقة الجبلية الكردية، في مساحة وصلت إلى 600 كم، تسيطر على المحاور الرئيسية فيها. ووصلت إلى مسافة 15 كم من مدينة السليمانية المهمة في شمالي العراق، وأصبحت تسيطر من مَواقعها على الطرق الموصلة إلى كركوك غرباً، وبغداد جنوباً.

وفي الجنوب، استولت القوات الإيرانية على 200 كم2 من الأراضي العراقية، في شبه جزيرة الفاو، وأنشأت مَواقع دفاعية قوية، عزلت العراق، نسبياً، عن الخليج العربي. واستخدمت بحريتها في الضغط على الملاحة البحرية في جنوبي الخليج، حيث استمرت في تفتيش السفن. كما شنت هجماتها بالطائرات العمودية على ناقلات النفط[9]، وبثت عدة ألغام في مياه الخليج، للإزعاج.

في الوسط، حشدت قوات إيرانية في تلاميماك، على مسافة 115 كم، شرق بغداد. كما احتفظـت بحشود أخرى، شرق المستنقعات، مستعدة لدفعهم إلى طريق البصرة/ بغداد.

وراوح حجم الحشد الإيراني بين 300 و400 ألف جندي، على طول المواجهة، منهم 25ألفاً (فِرقتان) في شبه جزيرة الفاو. وعمدت القيادة السياسية إلى تعزيز موقف قواتها، بإطلاقها للتهديدات العنيفة ضد الكويت والمملكة العربية السعودية، بعد أن أصبحت، إثر احتلالها الفاو، بالقرب من الحدود البرية لدولة الكويت.

2. الموقف العراقي

لم يكن موقف العراق، في جبهة القتال، سيئاً تماماً. فقد استطاع استرداد بعض المرتفعات المهمة، والإستراتيجية، في الشمال. كما استرد عدة مَواقع في الفاو، في الجنوب، جعلته في موقف متوازن، إلى حدٍّ ما، خاصة مع احتوائه للقوات الإيرانية، في منطقة المستنقعات. وكانت مَواقعه الدفاعية مترابطة، ومنتظمة، في عمق دفاعي جيّد، ومتصلة بخطوط مواصلات جيدة، في الخلف، مما يمكن من حشد القوات والمناورة فيها، وتكديس الاحتياجات والإمداد، كذلك، بشكل أفضل من الإيرانيين. كما اعتمدت على قوة نيران كبيرة، فاقت حجم وسائل النيران الإيرانية سبعة أضعاف[10]، إضافة إلى الإلمام التام بمَواقع الإيرانيين، في الجنوب. وقد أدى ذلك، مع ثبات الموقف وجموده إلى دقة نيران المدفعية العراقية، التي أجبرت الإيرانيين على ملازمة الخنادق، وخفضت من معنوياتهم.

على الوجه الآخر، فإن القيادة العراقية، بعد الخسائر الجسيمة، التي منيت بها قوات الهجوم المضادّ في الفاو، والتي لم تتلاءم مع ما حققته من نتائج محدودة، أصبحت غير قادرة على مواجَهة المزيد من الخسائر، في هجوم مضادّ شامل في منطقة الفاو، على الرغم من أن الوقت كان في مصلحتها؛ إذ إن تحسّن الأحوال الجوية يساعد على استخدام القوات الجوية بشكل أفضل، ويمكنها من استخدام الدبابات في الأرض المفتوحة، بعد جفافها وثبات تربتها.

اعتمد العراق على قواته الجوية، لتوجيه ضربات اقتصادية، لرفع معنويات الجيش والشعب، والتأثير في قدرات إيران العسكرية وإمكاناتها، في شأن شراء الأسلحة. في إطار تلك الفكرة الإستراتيجية، قصف العراق جسر قوطار، بين إيران وتركيا. وأغار على طهران، حيث أصاب أكبر معمل لتكرير النفط. وقصف خطوط السكك الحديدية الإيرانية، في عدة مواضع. ودمر محطة استقبال وإرسال للأقمار الصناعية، وأصاب محطات الاتصالات، الدولية والمحلية. وهاجم ناقلات النفط الإيرانية، ودأب على مهاجمة سفن الإمداد والنقل الأجنبية، المتجهة إلى الموانئ الإيرانية. كما وضعت في تخطيطه مهاجمة محطات تصدير النفط الإيراني العائمة، التي أنشأتها إيران في بداية عام 1986، بالقرب من محطة الضخ، في خرج.

سابعاً: الهجوم العراقي الرئيسي الثاني، عام 1986

على الرغم من أن العراق استطاع إيقاف الهجمات الإيرانية، في الشمال، في المنطقة الجبلية الكردية، وفي الجنوب، في شبه جزيرة الفاو، وأمكنه احتواء الموقف وتجميده في كِلاَ الاتجاهَين، إلا أن القيادة السياسية كانت تسعى إلى عمل عسكري، يحقق نصراً دعائياً، بخسائر بسيطة، لإظهار القدرة العسكرية العراقية على الاستمرار في الحرب، وعلى الهجوم، كذلك، للضغط على إيران، وإجبارها على الدخول في مفاوضات سياسية، خاصة أن الحرب قد دخلت يومها الألفَين، في 14 مارس 1986، أي في نهاية عمليتَي "فجر 8" و"فجر 9" السابقتَين. فأمر صدام حسين بالإعداد لهجوم رئيسي، في القطاع الأوسط، لاسترداد مدينة مهران الإيرانية، التي حررتها إيران، وذلك لعدة معايير:

1. سيطرة المدينة على طريق رئيسي، استخدمته إيران، كمحور رئيسي، في محاولاتها غزو العراق، في المراحل السابقة.

2. قربها من العاصمة العراقية، بغداد (160 كم، شرق بغداد).

3. قربها من الحدود الدولية (كيلومتر واحد، شرق الحدود).

4. ضعف القوات الإيرانية الموجودة في ذلك القطاع، التي لم تتعدَّ خمسة آلاف جندي.

في 10 مايو 1986، حشد العراق فِرقتَين من الفيلق الثاني العراقي، بقوة 25 ألف جندي (خمسة أضعاف القوة الإيرانية)، في أوضاع هجومية ابتدائية، وشن هجومه في 14 مايو. وخلال ثلاثة أيام من القتال، تمكنت القوات العراقية من الاستيلاء على المدينة، وطرد القوة الإيرانية من مَواقعها، بعد تكبيدها خسائر ضخمة، ومطاردتها في المرتفعات، حول مهران، والسيطرة على الأراضي المنخفضة، خلفها، في نصر عدّه الخبراء نصراً سهلاً، ولكنه مهم، بالنسبة إلى توقيته ومغزاه، للقوات العراقية[11]. وقد أعلنت القيادة العراقية احتلالها للمدينة الإيرانية، إضافة إلى مساحة 100 كم2 مربع من الأراضي الإيرانية، وتحرير موقعَين إستراتيجيَّين وخَمس قمم جبلية، في الشمال، وثلاثة مرتفعات، في الجبال الكردية. واعترفت إيران باحتلال العراق مدينة مهران والطرق الموصلة إليها. وهددت بشن هجوم كبير ضد العراق، في وقت قريب.

ثامناً: مسلسل العمليات "كربلاء 1 ـ 9" (ختام الهجمات البرية الرئيسية الإيرانية)

استعدت إيران لشن هجمات مضادّة، في عدة اتجاهات، واتسمت استعداداتها بالكتمان والسرية. وقد أنشأت، لذلك، قوة خاصة للقتال الجبلي، بتدريب فِرقة مشاة عليه، ونظمتها في سرايا، ضمنت، كذلك، أفراداً ذوي خبرة في القتال الجبلي، وسمتهم "قافلة كربلاء". وقد وصل حجم تلك القوة إلى ما يعادل فِرقتَين من الحرس الثوري الإيراني. وبدأت تخطط سلسلة عمليات، تحت الاسم الرمزي "كربلاء"، لتحل محل العمليات السابقة، "فجر". (اُنظر خريطة مسلسل العمليات كربلاء (1 ـ 9)).

1. العملية "كربلاء 1"

استهدفت هذه العملية استرداد مدينة مهران الإيرانية الحدودية، التي احتلتها القوات العراقية، في مايو 1986 (منذ شهر تقريباً)، مستغلة عدم تأمين العراقيين مَواقعهم جيداً، وعدم تنظيمهم دوريات استطلاع، تغطي الأرض بينهم وبين القوات الإيرانية، التي وصلت، أحياناً، إلى 20 كم.

دفعت إيران قواتها، في 2 يوليه 1986، إلى مهاجمة المَواقع الدفاعية العراقية، في المرتفعات المحيطة بمدينة مهران، حيث ظهر تفوق الخبرة الإيرانية في القتال الجبلي، وارتفاع الكفاءة القتالية لمقاتلي "سرايا" كربلاء المدرَّبين جيداً على القتال الجبلي. واستخدمت إيران، هذه المرة، الغازات الحربية ضد المدافعين العراقيين. ومكنتها تلك الظروف من اقتحام سريع للمَواقع الدفاعية العراقية، في مهران وما حولها. في الوقت نفسه، أخطأت القيادة الميدانية العراقية في التمسك بمَواقعها في مهران، بعد سقوط المَواقع العراقية، في المرتفعات المحيطة بالبلدة. وأدى ذلك إلى خسائر كبيرة في الأفراد، لتعرّض البلدة لنيران الإيرانيين، من اتجاهات متعددة، من المرتفعات المحيطة، علاوة على آثار القصف بالغازات الحربية. ووصل حجم الخسائر العراقية إلى ألفَي قتيل.

2. الهجوم العراقي الرئيسي الثالث، عام 1986

أراد العراق الرد على هزيمة قواته في مهران، بشن هجوم على المَواقع الإيرانية في جُزُر مجنون. وقد فشل هجومه البري، مما أجبره على اللجوء إلى قواته الجوية، لقصف الأهداف الإيرانية (بعد توقف دام ثلاثة أشهر تقريباً). فُقصفت المصانع والمنشآت النفطية وأهداف مدنية متعددة، لمدة عشرة أيام (20 ـ 30 يوليه 1986)، في آراك، وماريفان، وساننداج، وجزيرة سيرى (منشآت نفطية حيوية)، فأصابت فيها ثلاث ناقلات نفط إيرانية[12]. كما قصفت الطائرات العراقية المنشآت النفطية في جزيرة خرج. ووضح أن القوات الجوية العراقية، أصبحت قادرة على الوصول إلى الأهداف الاقتصادية، الأكثر أهمية، في إيران.

كان رد إيران على الضربات الجوية العراقية، توجيه ضربات صاروخية إلى أهداف مماثلة، مستخدمـة صواريخ صينية الصنع (ماركة 82)، معدلة، بوساطة الإيرانيين (أوغاب) ذات مدى 40 كم. ولم تكن لتلك الهجمات الصاروخية آثار قوية، كتلك التي أحدثتها القصفات الجوية العراقية[13].

3. العملية "كربلاء 2"

أوضح الخميني رغبته في ضرورة شن هجوم جديـد، لإنهاء الحرب قبْل عيـد النيروز (رأس السنة الفارسية)، في 21 مارس 1987. وعلى إثر ذلك، استدعت إيران 500 ألف متطوع، ونظمتهم في 500 كتيبة (كلٌّ منها ألف فرد). وتغلبت قيادات الحرس الثوري، المنادية بالاستمرار في القتال بأسلوب الموجات البشرية القتالية، ومعارك الاستنزاف، واستغلال الحماسة الثورية لدى الشعب، على رأي العسكريين المخضرمين المحترفين، الداعين إلى تنظيم هجمات قوية، من خلال القوات المسلحة، في إطار إستراتيجية أكثر حرصاً في استخدام القوات.

بدأت القيادات الإيرانية، الدينية والسياسية، التمهيد للهجوم الجديد، بالتصريحات عن الحجم الكبير للمتطوعين (650 ألف متطوع، 350 ألف جندي جديد)، وأن المعارك القادمة نهائية وحاسمة. واستهدفت عدة تصريحات، كذلك، الجانب العراقي، لإضعاف الروح المعنوية للجيش والشعب العراقيَّين، وحملهما على الميل إلى الاستسلام والتفاوض مع الإيرانيين.

بدأت إيران هجومها بهدف استعادة الهيئات الحيوية، في قطاع الحاج عمران المهم، بدءاً من 31 أغسطس 1986، مستخدمة في ذلك كتائب المتطوعين، إضافة إلى المقاتلين الأكراد. فهاجمت، في توقيتات متقاربة، المَواقع الدفاعية لخمسة ألوية عراقية من الفيلق الخامس. وتمكنت من الاستيلاء على مرتفعات كوريمان، المشرِفة على منطقة كردستان.

لجأ العراقيون إلى قواتهم الجوية مجدداً، ونفذوا طلعات جوية عديدة، وصلت إلى أكثر من مائة طلعة، يومياً، لتقديم معاونة قريبة وفاعلة إلى القوات المدافعة. ودار قتال عنيف وشرس، تمكنت إيران، على إثره، من الاستيلاء على المنطقة الجبلية (جبل مارماند) وبعض الهيئات في قطاع الحاج عمران، بالقرب من كردستان. ثم طورت هجومها، بدفع قوات من الحرس الثوري، وعدة كتائب من المتطوعين، إلى زيادة عمق الاختراق، والتوغل في الدفاعات العراقية. وعاب قوات التطوير عدم التنسيق فيما بينها.

استغل العراقيون سوء التنظيم والتعاون بين القوات الإيرانية المهاجِمة، فدفعوا كتيبتَي قوات خاصة ومشاة من الحرس الجمهوري للقيام إلى هجوم مضادّ. وعلى الرغم من ضعف حجم القوات المهاجِمة، إلا أن قوة تسليحها، وأخطاء المهاجَمين، ساعداها على استعادة معظم المَواقع والهيئات المستولى عليها، وإنهاء الهجوم الإيراني بمجرد الاحتفاظ بعدة قرى، غير ذات أهمية. وعُدَّ تمسك القوات الإيرانية المهاجَمة ببعض الجسور على الطرق الموصلة إلى المنطقة، وبهيئة واحدة، بالقرب منها، مكسباً مهماً للإيرانيين.

4. العملية "كربلاء 3"

قبل أن ينتهي الهجوم الإيراني في الشمال، "كربلاء 2"، دفع الإيرانيون، في أول سبتمبر 1986، قوة الإبرار الجوي للفيلق الجوي الإيراني، إلى الاستيلاء على منصة النفط العراقية، في قمة الخليج العربي، وتدمير محطة الرادار المركبة عليها، مما يحرم العراقيين من مراقبة السفن في هذه المنطقة من الخليج. وفى اليوم التالي (2 سبتمبر)، دفع قائد قوات الحرس الثوري الإيراني ألفَي جندي من القوات الخاصة (كوماندوز)، في مجموعات صغيرة، بالقوارب، من أم البيشة، قرب الفاو، للوصول إلى منصتَي النفط العراقيتَين، آل أمية والبكر. إلاَّ أن العراقيين اكتشفوا هذا التحرك، ودفعوا قواتهم الجوية، والطائرات العمودية المسلحة، واستخدموا المدفعية طويلة المدى، لصد هذه القوات، ومنعها من الاقتراب أو الاستيلاء على المنصتَين، وأدى ذلك إلى خسائر كبيرة، ولم يتمكن سوى 130 جندياً من الوصول إلى منصة آل أمية. وتمكن العراقيون من استردادها، بإبرار جوي عراقي مضادّ للمظليين، فوق المنصة مباشرة.

نجم عن المعركة فشل كامل لإيران، فلجأت إلى أعمال اعتراض السفن في الخليج وتفتيشها. بينما ركز العراق في القصف الجوي ضد الأهداف الاقتصادية، خاصة المنشآت النفطية، مهما كان عمقها، مما أثر في صادرات النفط الإيرانية. وقد ردت إيران بضربات صاروخية، ضد المدن العراقية القريبة. ووضـح أن القوات الجوية العراقيـة، والصواريـخ الإيرانية، غير قـادرين على إحداث التأثير المطلوب، أو الحسم. لذا، اتجهت الدولتان إلى دعم قواتها البرية، القادرة على حسم القتال، كما وضح[14]، مع مواصلة تلك الحرب غير المباشرة، للإزعاج، والتأثير في معنويات القوات والشعب للطرف الآخر[15].

لم يكن الأسلحة الأمريكية، التي حصلت عليها إيران، سراً[16]، الآثار نفسها التي كانت للتسليح العراقي الأقوى. وقد شملت تلك الأسلحة صواريخ مضادّة للطائرات، "هوك"، وصواريخ متقدمة مضادّة للدبابات، "تو". وفي المقابل، بدأت القوات الجوية الإيرانية تتآكّل، بفعل سوء الحالة الفنية، والخسائر في القتال، حتى وصلت إلى ما لا يزيد على 140 طائرة صالحة، في الربع الأول من عام 1986 (منها 40 طائرة مقاتلة، لمهام الدفاع الجوي فقط).

5. العملية "كربلاء 4"

توقفت أعمال القتال الرئيسية منذ سبتمبر وحتى ديسمبر، حين أعلنت القيادة الإيرانية دعم قواتها، في الجنوب، بقوة من المتطوعين، وصلت إلى 100 ألف متطوع. وفي ليلة 23/24 ديسمبر، شنت هجوماً ليلياً لاقتحام شط العرب، بمواجَهة 25 ميلاً، ممتدة من جنوب البصرة حتى جزيرة أم الرصاص، في شط العرب (شمال جزيرة عبدان). وشمل الهجوم مَواقع تحت قيادة الفيلق الثالث العراقي، شرق البصرة، وأخرى تحت قيادة الفيلق السابع العراقي، قرب الفاو.

بدأ الهجوم الليلي بالاستيـلاء على الجُزُر في مجرى شط العـرب، وتأمينها بقوة، وصلـت إلى 15 ألفاً، من القوات الخاصة والضفادع البشرية، تمكنت من الاستيلاء على جُزُر أم الرصاص وأم بابي وقاطية وسهيل، المتجاورة، مما يسهل عبور شط العرب، بعد ذلك، باستخدامها كجسور لعبور القوات الرئيسية[17]، ومع بداية ضوء النهار، دفع الإيرانيون فِرقة "النبي محمد"، من الحرس الثوري الإسلامي، ومعها عناصر من المتطوعين، وصل حجم الفرقة الإجمالي إلى 60 ألف أيراني. واستطاعت القوة الإيرانية الوصول، بسهولة، إلى الجانب العراقي من المجرى المائي، واتجهت، مباشرة، نحو هدفها، البصرة، شمالاً، حيث اصطدمت بالدفاعات العراقية الجيدة التجهيز، وتورطت في الموانع الهندسية أمامها، من أسلاك شائكة وحقول ألغام، مدافَع عنها بالنيران جيّداً؛ وتحولت المنطقة إلى مصيدة قتل، أُعدَّت بعناية.

يُعَدّ هذا الهجوم، هو الأسوأ في الهجمات الإيرانية "كربلاء"؛ إذ لم يقدم أي معاونة نيرانية فاعلة إلى المهاجِمين. كما كانت القوات النظامية للجيش الإيراني متجمعة في مناطق بعيدة، نسبياً، مما لا يسمح بسرعة استخدامها في تعزيز أي نجاح، إضافة إلى الاعتماد على وحدات من المتطوعين حديثي العهد بالقتال، على الرغم من وجود وحدات ذات خبرة جيدة، ضمن القوات التي حشدت لتلك العملية. والأسوأ أن القوات المهاجِمة، نسيت تطبيق تكتيكات التسلل التي دُرِّبَت عليها، وشنت هجوماً مكشوفاً، على غرار هجمات المشاة، في الحرب العالمية الأولى.

وزاد الأمر سوءاً، استخدام العراقيين كافة مصادرهم النيرانية، بما في ذلك المدفعية والصواريخ والطائرات المقاتلة القاذفة والطائرات العمودية المسلحة؛ فأُغرق معظم القوات المهاجِمة في مياه شط العرب، ودُفِعَتْ إلى التراجع عشوائياً، والانسحاب شرقاً. وقد أعلن العراق مقتل ما بين 60 إلى 90 ألف إيراني. بينما أعلنت إيران مقتل ما بين 9500 عراقي إلى 14 ألف عراقي، مقابل 12 ألف إيراني. وعلى الرغم من اختلاف تصريحات الطرفين وتقديراتهما، إلا أنها كانت، بلا شك، كانت خسائر فادحة للإيرانيين، في أقلّ من 36 ساعة قتال.

6. العملية "كربلاء 5"

كان لهذه العملية هدف إستراتيجي، سياسي، عسكري، يتحقق من خلال تحقيق أهداف تكتيكية وعملياتية عسكرية. وقد كان الهدف التكتيكي عبور خط الحدود، قرب البصرة، وتوجيه هجمات قوية، تمكن القوات الإيرانية من عبور المانع في المنطقة. أمّا الهدف العملياتي، فقد كان الالتفاف حول البصرة، وحصارها وعزلها، ثم اختراق دفاعاتها، وتدمير القوات المدافعة عنها. يحقق ذلك، كما كان يخطط الإيرانيون، الهدف الإستراتيجي، بالاستيلاء على البصرة، وإعلانها عاصمة لجنوبي العراق الشيعي، ثم التقدم شمالاً وغرباً، للاستيلاء على النجف وكربلاء ذواتي الأهمية الدينية للشيعة. مما يمهد لإسقاط حزب "البعث" الحاكم في العراق، ويضعف قوة الجيش العراقي، الذي سيستنزف في محاولات فك حصار البصرة. وتكون النتيجة السياسية، غير المباشرة، رسالة تحذير إلى دول الخليج العربية.

لم يكن من الممكن تحقيق تلك الأهداف ببساطة. فقد حصّن العراق دفاعاته عن البصرة[18]، وأنشأ موانع مائية دائمة حولها، بعرض كيلومتر واحد، من الشمال والشرق والجنوب. ومنذ عدة سنوات (1982)، كان قد أنشأ بحيرة صناعية كبرى، جنوب البصرة، تمتد بمحاذاة شط العرب حتى بحيرة الأسماك، في الفاصل بين الفيلقَين، الثالث والسابع، العراقيَّين. ووُزِّع على مسطح البحيرة مستشعرات وموانع مائية، وأسلاك شائكة متصلة بخطوط كهرباء الضغط العالي، مما يمكن معه كهربة المياه في المسطح كله (200 كم2)، وبقربه مجرى شط العرب نفسه، كمانع رئيسي. كما أنشأ طرقاً ترابية تمكن قواته من الحركة والمناورة، باحتياطياتها، لمواجهة المناطق التي يشتد فيها القتال، أو تلك التي تتمكن القوات الإيرانية من الاقتراب منها، أو اختراقها جزئياً. ولم تفكر القيادة العراقية في إنشاء خط دفاعي تالٍ، خلف الخط الدفاعي الأمامي على الضفة الجنوبية لشط العرب، يمكن أن ترتد إليه القوات العراقية، في حالة ازدياد ضغط القوات الإيرانية عليها.

كانت إيران تستوعب، ببطء، نتائج القتال ودروسه في المعارك السابقة، وتخطط شن الهجوم ضد البصرة، التي كانت هدفاً دائماً في ذهن المخطط الإيراني. لذا، جاء تخطيط العملية "كربلاء 5"، أفضل من غيرها. وقد دربت إيران القوات المخصصة، بالقرب من بحر قزوين، في الشمال، في مستنقعات مشابهة، وأجرت اختباراً عملياً لأجدى خطة لاقتحام المانع المائي، ودفاعات البصرة، مستخدمة في ذلك عدة تشكيلات من الفِرق الإيرانية، في تدريب جدي منظم، تتعاون فيه كافة الأسلحة المقاتلة والمعاونة[19].

وزعت إيران القوات المخصصة للعملية (200 ألف جندي) على ثلاثة أنساق[20]:

أ. النسق الأول، 60 ألف جندي، يوجه الضربة الأولى، ويتصل بالدفاعات العراقية الرئيسية، على الجانب العراقي لشط العرب، ويستولي عليها.

ب. النسق الثاني، 60 ألف جندي، يطور الهجوم الناجح، ويحاصر دفاعات البصرة ويعزلها.

ج. قوات احتياطية، 40 ألف جندي، لمواجهة تطورات الموقف، ولدفعها إلى الاستيلاء على النجف وكربلاء، فيما بعد.

د. احتياطي عام 40 ألف جندي، لتعزيز أعمال القتال، إمّا بمتابعة الهجوم في الاتجاهات الناجحة، أو التمسك بالمناطق المستولى عليها والدفاع عنها.

اكتشف العراقيون التحضيرات الإيرانية للهجوم، إلا أنهم لم يستطيعوا تحديد اتجاه الضربة الرئيسية، أو توقيت الهجوم. وكان لديهم في المنطقة أربع فِرق وخمسة ألوية حرس جمهوري (200 ألف جندي)، أي مثل قوة الهجوم الإيرانية، وهو ما يمكنهم من إدارة عمليـة دفاعيـة قوية. إلا أن الإيرانيين تمكنوا من إحراز مفاجأة تكتيكية، في توقيت الهجوم (بعد أربعة أسابيـع من العملية "كربلاء 4")، وفي اتجاه (الشلامجة ـ 20 كم، شرق البصرة تماماً). كما أن بعض القوات الرئيسية العراقية المدافِعة، كانت خارج الدفاعات، عند بدء الهجوم[21]. إضافة إلى احتفاظ القيادة العراقية بفِرقتَين، غرب شط العرب، لنجدة البصرة. وأدى كل ذلك إلى إضعاف قوة الدفاع عن الخط الدفاعي الأول للعراق.

كان رد فعل العراقيين إزاء عبور القوات الإيرانية المدربة الحدود، بطيئاً. كما كانت تحركات الاحتياطي الذي دُفِع، بطيئة، كذلك. بينما كانت الأحوال الجوية جيدة، مما ساعد الإيرانيين على تقدمهم، خاصة أن المياه في المستنقعات، كانت منخفضة، نسبياً، وإن كانت تعوق تحركات الدبابات العراقية. وتمكنت القوات الإيرانية من إحراز نجاح مبكر.

دفع الإيرانيون، في 9 يناير 1987، قوّتَين، في اتجاهَين مختلفَين (شمال شرق بحيرة السمك، وجنوب شرق الشلامجة)، لتطويق البحيرة، وعزل القوات العراقية المدافعة، على الساحل الشرقي لشط العرب، على أن تتلاقى القوّتان، لاستكمال الحصار.

شنت الموجة الهجومية الأولى (المكونة من 50 ألف مقاتل، تمثل معظم قوات النسق الأول)، هجوماً ليلياً، محققة نجاحاً أولياً. وتمكنت، في نهاية اليوم الأول للقتال، من اختراق الحدود، والتقدم بنجاح، ولكن ببطء، عبْر الدفاعات العراقية، وواصلت الاستيلاء على المَواقع العراقية، القريبة من الحدود. وعلى الرغم من استخدام الدولتَين الغازات الحربية، وشدة القتال، وكثافة النيران العراقية، فقد تمكنت القوات المهاجِمة من الاستيلاء على الشلامجة، واختراق خطَّين دفاعيَّين، قرب فوسك (40 كم شمال الشلامجة)، مكونة رأس كوبري[22] في الأراضي العراقية، وتأمينه، والتحرك في اتجاه البصرة. كما استطاعت، كذلك، صدّ الهجمات العراقية المضادّة، في اليوم التالي (10 يناير)؛ إذ استطاع المشاة الإيرانيون المسلحون بالقواذف المضادّة للدبابات، والمركبات المدرعة، اصطياد قوات الهجوم المضادّ، في حركتها البطيئة في الأراضي الطينية، والموحلة، من دون أن تستطيع المناورة الابتعاد عن مدى تلك الأسلحة الخفيفة.

أعلنت إيران، في 11 يناير 1987، تمكنها من الاستيلاء على شريط بعمق 6 كم، بين بحيرة السمك وشط العرب، وتقدمها نحو البصرة، وأن قواتها المهاجِمة اخترقت بعض دفاعات المدينة، بنجاح. وأنها قتلت في تلك المعارك 14 ألف عراقي. بينما أعلن العراق عن تدميره عدة فِرق من الحرس الثوري والمتطوعين، وأربعة ألوية إيرانية نظامية، بقوة إجمالية، بلغت 60 ألف جندي.

كان الجانبان قد منيا بخسائر جسيمة؛ وإن كانت أفدح في الجانب الإيراني، مما حدا المسؤولين من الجانبَين على إعلان الحاجة الملحّة إلى متطوعين. وقد حصلت القوات الإيرانية على 200 ألف متطوع، ضُمُّوا إلى "فرقة النبي محمد"[23]. وبدأ العراق يجند الشبان، بين 14 و35 عاماً.

دفع العراق، في 12 يناير، قوات الحرس الجمهوري، الأكثر كفاءة، مما غيّر من سَيْر المعركة، وأدى إلى تماسك الدفاعات العراقية. وبدأت الخسائر الإيرانية تزداد، وقلّ معدل تقدم المهاجِمين، مع ارتباك في نُظُم الإمداد، والنقص الحاد في الذخائر. وقررت القيادة العراقية زيادة الضغط على القوات المهاجِمة، فكثفت الهجمات الجوية، التي وصلت إلى 500 طلعة، في اليوم، لمعاونة قواتها المدافعة.

في حين دفعت إيران نسقها الثاني. وخلال الأيام الخمسة التالية، لم تحقق نجاحاً يذكر. إلا أنها في 18 يناير، تمكنت من الاستيلاء على عدة قُرى عراقية أخرى (بوفارين ـ الدويحة ـ أم التلول ـ النياز)، على شط العرب. ولم تستطع القوة الشمالية التقاء القوة الجنوبية، كما كان مخططاً. وارتفعت الخسائر الإيرانية، لتصل إلى 40 ألف جندي، بينما كانت خسائر العراق 10 آلاف جندي (طبقاً لتقدير الدوائر العسكرية الدولية).

زادت إيران من قوة نيرانها المساعدة للهجمات. وقصفت البصرة بالصواريخ والمدفعية، أثناء التفاف قواتها، في محاولة لتطويق المدينة وحصارها. وشنت هجوماً جديداً، بالمتطوعين، في 19 يناير، وهجوماً آخر، في 26 يناير، جعلاها تقترب من هدفها (15 كم من البصرة)، لتصبح في مدى الرمي المباشر للمدافع، من الدفاعات الرئيسية (3كم). إلاّ أن التقدم، كان بطيئاً جداً.

كانت القوات العراقية تواجه مشكلة ضخمة، في فاعلية نيرانها الدفاعية. فقد امتصت الأرض الطينية معظم القذائف والقنابل، للمدفعية والطائرات، محدثة انفجاراً رديئاً تحت السطح[24]، غير مؤثر في المهاجِمين. وفقدت، خلال استخدامها المكثف لقواتها الجوية، 50 طائرة (تعادل 10% من الطائرات المقاتلة والقاذفة الصالحة). وأدى ذلك إلى تمكن الإيرانيين من تحسين مَواقعهم، والاقتراب أكثر من الدفاعات العراقية، والاستمرار في الالتفاف حول البصرة، لإحكام الحصار حولها وعزلها، مما حمل القيادة العراقية على دفع قوات جديدة من الحرس الجمهوري، ونشر وحدات من الفيلق السابع، حول البصرة، دعماً لدفاعاتها.

جرى قتال بري شرس بين الطرفَين، يومَي 29 و30 يناير، تمكنت خلاله القوات الإيرانية من اختراق الخط الدفاعي العراقي الثالث، بالهجمات الليلية، واستولت على الشاطئ الغربي لنهر جاسم، مقابل خسائر جسيمة (13 ألف قتيل و45 ألف جريح)، مع انخفاض حادّ في معدل الهجوم، ومعدل الاختراق. وشنت القوات العراقية، على أثر ذلك، هجماتها المضادّة المدبرة، متلقفة المبادرة من الإيرانيين. واستطاعت استرداد بعض المَواقع في منطقة بحيرة السمك، مقابل خسائر جديـدة في الأفراد (6آلاف قتيل و15 ألف جريح). وأصبح الطرفان في موقف متجمد، لعدم القدرة على الدفع بقوات جديدة، لحسم القتال.

استمر القتال حتى منتصف فبراير، سجالاً، بين الطرفَين، من دون حسم حقيقي أو تغيّر يذكر في المَواقع. وأصبحت النتيجة، في 20 فبراير، احتلال إيران مساحة 100 كم2 من المستنقعات والأراضي الغارقة في المياه، وحشد قواتها في مستطيل، لا يزيد طوله على 5 كم، وعرضه كيلومتر واحد، مع احتلال عدة مَواقع، على شكل قوس، خارج البصرة بحوالي 10 كم.

جلبت إيران قوات نظامية من منطقة سومار، وبدأت تعيد توزيع قواتها. ثم شنت هجوماً قوياً، بفِرق المشاة، منفردة، تحت ستار من القصف المدفعي، يومَي 22 و23 فبراير، شرق البصرة، على جانبَي الطريق من شلامجه إلى البصرة[25]. استطاع أن يحقق نجاحاً محدوداً، وبخسائر كبيرة، من دون تحقيق مكاسب جديدة. كما أن الهجمات العراقية المضادّة، فشلت، كذلك، في زحزحة الإيرانيين عن المَواقع التي وصلوا إليها.

أعلنت إيران بداية مرحلة جديدة من الحرب، وهو ما يعني، فعلياً، انتهاء العملية "كربلاء 5" إلى الفشل في تحقيق أهدافها الإستراتيجية والعملياتية، وإن كانت قد نجحت في تحقيق أهداف تكتيكية، إذ تأتى لها حصار البصرة بقوات كبيرة الحجم من المشاة، وصدت الهجمات العراقية المضادّة، من دون أن تستطيع اختراق دفاعات المدينة.

7 . استمرار حرب المدن (اُنظر ملحق حرب المدن)

أعاد القتال الشرس حول البصرة الجانبين إلى قصف المدن، في محاولة من كل جانب لإضعاف معنويات خصمه، والتأثير في قوّته الاقتصادية. فقد وجّه العراق ضربات صاروخية بعيـدة المدى، بأكثر من مائتي صاروخ، ضد 35 مدينة (منها قم ونهاوند ورامهورمز وأصفهان وديزفول) قتلت 3 آلاف مدني، في أسبوع واحد (طبقاً للتصريحات الإيرانيـة). ووجّه 75 ضربة ضد المنشآت، النفطية والاقتصادية، لإيران، من بداية عام 1987، واستخدم الغازات الحربية ضدها، مما أسفر عن مقتل 1800 فرد وإصابة 6200 آخرين.

على الجانب الآخر، كان رد الفعل الإيراني أقلّ قوة. فقد عمد الإيرانيون إلى قصف، جوي وصاروخي، ضد بغداد والبصرة، والسفن التابعة للدول المؤيدة للعراق (ومنها السفن التجارية وحاملات النفط، الكويتية والأجنبية)[26].

نجم عن حرب المدن تهديد بالتدخل الفعلي للقوات الأجنبية، الموجدة قرب الأحداث، بقوات ذات قدرات وكفاءة عاليتَين. كما نجم عنها خسائر جديدة في القوات الجوية العراقية، باستخدام الإيرانيين الصواريخ المحمولة على الكتف، والتي يصعب رصدها.

8. العملية "كربلاء 6"

تزامنت هذه العملية مع الهجمات الأخرى في الجنوب. وكان هدف القيادة الإيرانية منها، هو إرباك القيادة العراقية، وتشتيت جهود احتياطياتها. لذلك، اختارت الشمال اتجاهاً عاماً لها، ومنطقة الحاج عمران مسرحاً للقتال، حيث يمكنها تغيير هدف الهجوم، تبعاً لسَيْر القتال، لكثرة الأهداف والمدن المهمة في هذا الاتجاه.

حشدت إيران 80 ألف جندي، مدعمين بحوالي ألف دبابة ومدفع ذاتي الحركة؛ يقدِّر الخبراء العسكريون أنها كل ما تبقّى لدى إيران. وركزت هجومها في القرى الحدودية، على مسافة 110 كم من بغداد، وفي اتجاهها.

استطاع الإيرانيون تحقيق بعض النجاح، إذ دفع العراقيون قواتهم إلى المنطقة، ودارت معارك عنيفة، لمدة خمسة أيام (من 13 إلى 18 يناير 1987). تمكن الإيرانيون، خلالها، من تكبيد العراق خسائر كبيرة في المعدات، أعلنوا أنها حوالي 20 طائرة، وأكثر من 400 مركبة مدرعة ودبابة. واستطاعوا تحرير أراضٍ إيرانية، سبق استيلاء العراقيين عليها، عام 1980، تراوح مساحتها بين 65 و100 ميل مربع.

أعلن الخميني ضرورة مواصلة القتال، حتى النصر. وحفز ذلك القيادة العسكرية إلى شن هجمات أخرى، في القطاع نفسه، بعد تغيّر الهدف إلى أربيل شمالاً. ونجحت في تدمير بعض المَواقع العسكرية العراقية، منها موقع رادار توجيه طائرات. واستخدمت قوات من الأكراد الموالين لها، في بعض الهجمات. إلا أن كل ذلك لم يجذب مزيداً من القوات العراقية إلى الشمال، ففشل الهدف الرئيسي من "كربلاء 6". وتوقف القتال في منتصف فبراير 1987.

9. العمليات "كربلاء 7، 8، 9"

توقفت العمليات، من جانب إيران، طوال شهر ونصف، منذ انتهاء معركة البصرة؛ نتيجة لعدم قدرتها على حشد قوات جديدة. فعلى الرغم من أنها كانت تعتمد، منذ بداية الحرب، على مواردها البشرية، المتفوقة، عدداً، على العراق، إلا أنها بعد سبع سنوات، تقريباً، تكبدت فيها خسائر بشرية ضخمة، عجزت عن إمداد جبهة القتال بمتطوعين ومقاتلين بالأعداد الملائمة للأعمال القتالية المطلوبة.

كان أمام القيادة الإيرانية، لمواجهة هذا الموقف الصعب، عدة بدائل. ليس من بينها وقف القتال أو التفاوض مع العراقيين. وهو ما يعكس رغبة القيادة، الدينية والسياسية، وعطشها إلى الانتصار على العراق، بأي ثمن. هذه البدائل كانت تدور في فلك هدف محدد، هو إيجاد موقف، عسكري أو اقتصادي أو سياسي، يضغط على القيادة العراقية، ويجبرها على طلب وقف القتال والإذعان لمطالب إيران.

أ. الموقف العسكري، كان له أربعة بدائل:

(1) اختراق الدفاعات، جنوب البصرة، والاتصال مع القوات الإيرانية، في شبه جزيرة الفاو.

(2) شن عمليات جديدة، عبْر شط العرب، باستخدام الجزء المستولَى عليه فيه، كقاعدة انطلاق لاكتساب أرض جديدة، في الجنوب.

(3) الاستمرار في محاولة اختراق الدفاعات العراقية، حول البصرة، والاستيلاء عليها.

(4) محاولة اختراق الجبهة العراقية، من القطاع الأوسط في اتجاه بغداد.

ب. الموقف الاقتصادي، كان له ثلاثة بدائل، ذات صبغة عسكرية، ونتائج سياسية، كذلك:

 (1) شن عمليات بحرية، وضربات صاروخية[27]، ضد الملاحة في الخليج العربي، لإجبار دول الخليج على تقليل دعمها للعراق (المادي والسياسي).

(2) شن عملية محدودة، في طرف العراق الشمالي، لتدمير خط أنابيب النفط العراقي، الواصل إلى تركيا، مما يقلل من صادرات العراق النفطية.

(3) إثارة أعمال شغب، واللجوء إلى تفجيرات إرهابية، قد تشمل اغتيال شخصيات مهمة، في الكويت والمملكة العربية السعودية، لتهديدهما وإجبارهما على قطع الدعم، المالي والسياسي، عن العراق.

بدأت إيران تنفذ الخيار الاقتصادي، الثاني، بالمبادرة إلى عمل عسكري، في الشمال، مع تغيير الهدف، ليكون مدينة كركوك العراقية النفطية. وفي 4 مارس، انطلقت قوات "كربلاء 7"، بقوة 4 آلاف إيراني وكردي، للتسلل، خلال المواقع العراقية، بالقرب من الحاج عمران، شرق مدينة كردستان العراقية، في أرض جبلية وعرة. واستطاعت الوصول إلى مَواقع اللواء 96، من الفيلق العراقي الخامس، وهاجمتها بالمشاة المترجلة. وتمكنت من مفاجأة العراقيين، واستولت على مَواقعهم، خلال يوم قتال كامل. وواصلت هجومها للاستيلاء على المَواقع المشرِفة، في الأيام التالية، وتوغلت حوالي 20 كم، في خمسة أيام قتال. وهو ما دعا القيادة العامة العراقية إلى بحث الموقف، حؤولاً دون حرب استنزاف طويلة، نتيجة الاختراق الإيراني للدفاعات، في الشمال وفي الجنوب. واتخذت عدة قرارات، بزيادة حجم قوات الحرس الجمهوري المتميزة، والإعداد لهجوم مضادّ عام، مع تصعيد حرب الناقلات، والتوسع في استخدام الغازات السامة.

حشدت إيران 35 ألف جندي متطوع وحرس ثوري، وشنت هجوماً آخر، في 6 أبريل، بأسلوب الموجات البشرية، ضد المَواقع العراقية حول بحيرة السمك ("كربلاء 8")، في مواجَهة ضيقة. وتوالت هجماتها لمدة ثلاثة أيام، تعرضت، خلالها، القوات المهاجِمة للإبادة، من الدفاعات العراقية المنظمة، والقوية. ووصلت الخسائر الإيرانية إلى 10 آلاف قتيل وجريح ولم تنجح القوات الإيرانية في التقدم إلا كيلومتراً واحداً.

مرة أخرى، شنت إيران هجوماً جديداً في شمال القطاع الأوسط من الجبهة ("كربلاء 9")، بالقرب من قصر شيرين (170 كم، شمال بغداد)، بوساطة فِرقتَين (حوالي 25 ألف جندي)، ولمدة أربعة أيام، بهدف تحسين أوضاع قواتها في هذا القطاع، واستدراج مزيد من الاحتياطيات العراقية شمالاً. وكان نجاح هجماتها محدوداً جداً، بالنسبة إلى الخسائر الباهظة، في الأرواح والمعدات.

10. ختام عام 1987

كانت العمليتان، "كربلاء 8 و9"، هما آخر عمليات إيران القتالية، هذا العام؛ إذ توقفت عن الهجوم، بعد أربعة أشهر فقط من بداية العام. ووضح أن ذلك نهاية الهجوم الإيراني العام النهائي، المعلَن. وأصبحت غير قادرة على تحقيق نصر إستراتيجي رئيسي (إلا إذا أخطأت القيادة العراقية في إدارة العمليات الحربية التالية)، وإن كانت قادرة على مواصلة الهجمات التكتيكية المحدودة، وغير الحاسمة.

كان أسلوب القتال بالموجات البشرية سبباً رئيسياً لِما وصلت إليه حال القوات الإيرانية؛ إذ تآكلّت قدراتها البشرية الكبيرة، أمام التسليح العراقي القوي. وتكبدت خسائر بشرية، نتيجة لتلك الأساليب القتالية، فاقت خمسة أضعاف الخسائر العراقية. وأدى ذلك إلى انخفاض معنوي حادّ لدى الشعب الإيراني، وقلت حماسته للثورة، وأحجم الكثيرون عن التطوع، وبدأت جموع الشعب تتظاهر، منذ منتصف أبريل 1987، أي بعد آخر هجوم فاشل ("كربلاء 9")، مستنكرة للهزائم التي تتعرض لها القوات المسلحة الإيرانية، وعجزها عن تحقيق أي انتصار حاسم، وطالبت بالعفو عن صدام حسين (التي كانت القيادة السياسية تطالب بمحاكمته)، ونددت بالحرب، ولوم الالات لتدخلهم في الشؤون العسكرية وإدارة الحرب، محملة إياهم الأسباب المباشرة والرئيسية لنتائج الحرب الهزيلة، والتي أضعفت الاقتصاد الوطني لإيران، وأهلكت خيرة شبابها، وتسببت في انهيار الروح المعنوية للشعب.

على الجانب العراقي، ازدادت ثقة القوات والقيادات العراقية بنفسها (بعد أن كادت تضيع). ولكن، اتضح للعراقيين عدم قدرتهم على هزيمة إيران، على الرغم أن أداء قواتهم، كان أفضل مما سبق؛ فالعوامل الجوية، وطبيعة الأرض، ما بين جبلية ومستنقعات وأراضٍ رخوة، كانت تقلل من التفوق النوعي للأسلحة العراقية، وتستنفد كثيراً من طاقة الجنود والمعدات، وتستهلك ذخائر بحجم كبير جداً.



[1] يوافق هذا اليوم عيد الجيش العراقي.

[2] يسميها العسكريون مناطق ابتدائية للهجوم. وهي غالباً ما تكون ذات تجهيزات هندسية بسيطة، للوقاية من نيران الأسلحة الخفيفة والشظايا.

[3] بعد 5 سنوات أخرى، غزا العراق الكويت، لحل تلك المعضلة (من وجهة نظره) التي تُعَدّ من أكثر نقاط الضعف، في مَوقعه الجغرافي، خطراً على أمنه.

[4] الفاو `أرض غير مستقرة، لتعرّضها لحركة المد والجزْر، التي تغرقها، أحياناً`، أو تجعلها طينية لزجة، أحياناً أخرى، ويابسة، في بعض الأحيان. وهى رابضة في النهاية الجنوبية للعراق. كانت منسية لفترة طويلة، حتى إن بعض المؤرخين، يؤكدون عدم وجودها، منذ مائتَي عام. وترجع تسميتها إلى قصة أسطورية، عن خوض سفينة غريبة، أسمها الفاو مياه شط العرب، عند مصبه، من دون ترحيب من أهل المنطقة، فمزقتها الصخور تحت الماء، وغاصت فيه، فسميت المنطقة، التي أصبحت قرية وميناء، باسمها. ويرجع البعض التسمية إلى أصل لغوي، يعني `الفج الواسع بين جبلَين`، كما ذكر في `معجم البلدان`، لياقوت الحموي. أو هي تعني الفم، وتمثل فم العراق، المتدلي في مصب شط العرب.

[5] كانت الدفاعات في المنطقة يحتلها لواء مشاة عراقي، بمواجهة 21 كم، وبعمق 250م فقط.

[6] استخدم العراق الغازات السامة (غاز المسترد وغاز التابون)، بوساطة قواته الجوية، ضد القوات الإيرانية، في شبه جزيرة الفاو، بفاعلية، أدت إلى إصابة 1800 جندي إيراني، كما أثرت في بعض أفرادها، كذلك.

[7] استطاعت إيران أن تسيطر على 600 كم2 من الأراضي العراقية، في المنطقة الكردية الجبلية، من دون أن تواجه مقاومة من القوات العراقية في المنطقة؛ إذ كانت القيادة العراقية قد سحبت القوات الرئيسية، ودفعتها، جنوباً إلى الاشتراك في معركة الفاو، تاركة حاميات صغيرة الحجم. كما هجر السكان معظم القرى، التي بدت شبه خالية.

[8] شن هذا الهجوم لواء مشاة جبلي عراقي.

[9] خلال يناير، عمدت البحرية الإيرانية إلى تفتيش عدة سفن، تابعة لألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. كما هاجمت طائراتها، في شهر مارس، ناقلة تركية.

[10] وصلت إلى 125 سفينة، منذ بداية الحرب، في سبتمبر 1980.

[11] تزامن هذا النصر مع نصر آخر، أصغر منه، في الجنوب، في منطقة فوكه، مما ضاعف من أهمية العمل العسكري الأساسي.

[12] تبعد هذه الجزيرة 640 كم عن قمة الخليج العربي. وهو ما أكد قدرة العراق على الوصول إلى الأهداف الإيرانية، في الجنوب. وتبعد جزيرة سيرى 240 كم، شمال مضيق هرمز الإستراتيجي، ويعني ذلك أن على إيران البحث عن أسلوب آمن، لتصدير نفطها، حتى يمكنها الاستمرار بالحرب، خاصة أن العراق، كرر قصف الجزيرة عدة مرات.

[13] استخدمت إيران الضربات الصاروخية، باستعمال الصاروخ المعدل `أوغاب`، مرات كثيرة، كرد على القصف الجوي العراقي، منذ عام 1986: 1. عام 1986، أطلقت 19 صاروخاً. 2. عام 1987، أطلقت 81 صاروخاً. 3. عام 1988، أطلقت 104 صواريخ. ولم يكن لتلك الصواريخ فاعلية تدميرية، وإن أحرزت تأثيراً معنوياً؛ فهي غير دقيقة، وذات مدى قصير، اقتصرت أهدافها على المناطق القريبة من جبهة القتال. كما أن وزن المواد المتفجرة في الرأس الحربي للصاروخ، لم يتعدَّ 70 كجم من المتفجرات.

[14] زاد العراق حجم قواته إلى 46 فِرقة، تشكّل الفيالق السبعة، المنتشرة على مواجهة 1100كم، مع إيران، إضافة إلى قوات الحرس الجمهوري، التي بلغت 17 لواء، تسلح بعضها بالدبابات السوفيتية، الحديثة آنذاك (T-72). وبلغ حجم القوات العراقية الإجمالي 820 ألف مقاتل.

[15] عمل العراق على زيادة مدى طائراتها القاذفة، بإمدادها جواً، بعد تطوير عدة طائرات نقْل، سوفيتية الصنع، لهذا الغرض. واستخدم طائراته الفرنسية الصنع (Mirage F-1) في قصف أهداف بعيدة، تعدت 1500 ميل، مستخدمة صواريخ موجهة بالليزر.

[16] كانت هذه الصفقات تُبرم من طريق إسرائيل. ونجم عن كشفها تحقيقات واسعة للإدارة الأمريكية، في ما سمِّي فضيحة `إيران جيت`.

[17] يقدَّر عرض شط العرب، في هذه الناحية، بنحو 480 م، والتيار فيه بطئ السرعة، مما يسهل عمليات العبور البرمائية.

[18] تكونت هذه الدفاعات من ست قطاعات متتالية (دوائر دفاعية)، من الدشم الخرسانية، والخنادق المغطاة، الموصلة بين المواقع، مما يسهل الحركة الآمنة، نسبياً، أثناء القتال.

[19] كانت تلك التدريبات تطبق، ربما للمرة الأولى، كل مبادئ القتال للأسلحة المتعاونة، وهو ما يسميه العسكريون `معركة الأسلحة المشتركة`.

[20] يُعَدّ النسق حجماً من القوات، من مختلف الأنواع، تنفذ مهمة محددة، بتعاون بعضها مع بعض، من دون تدخّل المستويات الأخرى.

[21] قد تكون في الخلْف، تمارس تدريبات عملية، أو تحسّن من مَواقعها، أو تغيرها مع قوة أخرى.

[22] مساحة من الأرض، تستولي عليها القوات، بعد عبور مجرى مائي، باستخدام الجسور، على الشاطئ البعيد، تكفي لحشد قوات، لبدء التوسع والتطوير.

[23] كانت إيران، قد طلبت 500 ألف متطوع.

[24] الانفجار الرديء، تعبير عسكري، يُقصد به عدم حدوث التأثير التدميري المطلوب، على الرغم من إصابة الهدف، ووقوع انفجار للمقذوفات التي أصابته. وينجم ذلك عن الأرض الرخوة (طينية أو رملية غير متماسكة)، التي يغوص المقذوف فيها، نسبياً، فتمتص جانباً من الشظايا والموجة الانفجارية المسببة للتدمير، فيقلّ التأثير.

[25] أعطي اسماً كودياً آخر هو `الزهراء`.

[26] فقدت الكويت 75 سفينة، خلال أربعة أشهر، من ديسمبر إلى مارس. مما استدعى أن تلجأ إلى رفع أعلام لدول كبرى على سفنها، لتكون تحت حماية أساطيل تلك الدول القريبة من منطقة القتال.

[27] باستخدام صواريخ Silkwarm ، الصينية الصنع، البالغ مداها 95 كم.