إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الحرب الإيرانية ـ العراقية، من وجهة النظر العربية





مناطق النفوذ في العالم
موقع الجزر الثلاث
منطقة جزر مجنون
إصابة الفرقاطة الأمريكية STARK
مسارح الصراع البرية والبحرية
معركة الخفاجية الأولى
معركة تحرير الفاو
معركة سربيل زهاب
الهجوم الإيراني في اتجاه عبدان
الإغارة الثالثة على دهلران
التشابه بين مضيقي تيران وهرمز
العملية رمضان
العملية فجر ـ 8
العملية فجر ـ 9
الغارة الإسرائيلية الثانية
القواعد البحرية الإيرانية في الخليج
اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916
حادث إسقاط الطائرة الإيرانية
حدود المياه الإقليمية الإيرانية
حرب الناقلات

مناطق إنتاج النفط
أوضاع القوات العراقية والإيرانية
مسلسل العمليات كربلاء (1 – 9)
مسرح العمليات (الاتجاهات الإستراتيجية)
مسرح العمليات (التضاريس)
مسرح العمليات والدول المجاورة
الموقع الجغرافي للعراق وإيران
المنطقة الكردية
الهجمات الثانوية للعملية بدر
الهجوم المضاد الإيراني العام
الأفكار البديلة للعملية خيبر
التواجد الأجنبي في الخليج
التجمع القتالي لقوات الطرفين
العملية مسلم بن عقيل
العملية بدر
العملية فجر النصر
القواعد والتسهيلات الأمريكية
القواعد والتسهيلات السوفيتية
بدء الهجوم العراقي
تضاريس المنطقة الإيرانية
تضاريس العراق
تقسيم إيران
سلسلة العمليات فجر
طرق المواصلات بالشرق الأوسط
فكرة الاستخدام للقوات الإيرانية
فكرة الاستخدام للقوات العراقية



حرب عام 1967

المبحث السادس عشر

نتائج حرب الاستنزاف الأخيرة

أدى فشل إيران في إحراز نصر حاسم على العراق، طوال الفترة السابقة، واستنزافها لمواردها البشرية، إلى أن تغيّر من إستراتيجيتها. فبدأت تقلل هجماتها وعملياتها البرية، مع تركيزها في القطاع الشمالي، وزيادة نشاطها في التعرض للملاحة في الخليج العربي، وفي ضرباتها الصاروخية، وقصفها للمدن العراقية. وهو ما كان العراق يشاركها فيه، وكلٌّ منهما له هدف مخالف.

أولاً: الحرب البرية (العملية "كربلاء 10" والعمليات المحدودة)

على الرغم من الفشل الذريع للهجمات الإيرانية، في الفترة السابقة، التي كان آخرها العملية "كربلاء 9"، في نهاية الأسبوع الأول من أبريل 1987، إلا أن المسؤولين الإيرانيين، لم يتوقفوا عن التصريح بالإعداد لهجوم نهائي. ودأبوا على قصف البصرة بالمدفعية، وإدارة عمليات إزعاج واستنزاف، ضد العراقيين المدافعين عن القطاع الجنوبي للجبهة.

في الشمال، شنت إيران عدة هجمات محدودة، وفي منتصف أبريل من العام نفسه (1987)، انطلقت قوات إيرانية، يدعمها مقاتلون من الأكراد الموالين لطهران، لتخترق الحدود العراقية، بعد عدة هجمات جوية، وإغارات برية، ضد القرى العراقية القريبة من الحدود. وأطلقت إيران الاسم الرمزي، "كربلاء 10"، على هذا الهجوم. وفي الواقع، لم يكن هجوماً بحجم العمليات المسماة "كربلاء" من قبْل. كما لم يكن له هدف إستراتيجي مميز، ناهيك أنه لم يمكنه أن يحرز ميزه تكتيكية ذات فائدة.

تمثل الهجوم في تسلل ليلي، على ثلاثة محاور، في المناطق الجبلية، شمال شرق السليمانية، بهدف السيطرة على الطرق والمرتفعات، بين قريتَي "ماوات"[1] و"شوارتة"[2]. واشترك في العملية لواءان إيرانيان، وبعض المتطوعين الأكراد. وقد تضاربت التصريحات الرسمية للدولتَين، حول نتائج العملية. فزعمت إيران استيلاءها على 11 قرية حدودية، وسيطرتها على حوالي 300 كم2 من الأرض، وقتلها 4 آلاف جندي عراقي، وأَسْرها 350 عراقياً، بينهم ضباط ذوو رتب عالية. بينما ادّعى العراق أنه تمكن من صدّ الهجوم الإيراني، بنجاح، وأن قواته كبدت المهاجِمين 1500 قتيل، ودمرت لهم 66 مركبة. واتضح، بعد ذلك (في مايو التالي)، أن ما استولت عليه القوات الإيرانية، لم يشمل قريتَي "ماوات" أو "شوارتة"، أو أي مَواقع غير ذات أهمية، وأن ما استولت عليه، لم يتعدَّ بعض المرتفعات، المحيطة بجبل سليمانية، أي أنها ما زالت على مسافة 48 كم من مدينة السليمانية ذاتها، وأكثر من 100 كم من كركوك. لقد كان الهجوم في منطقة مهمة، وفى أرض وعرة. ويبدو أن الهدف الـرئيسي، كان إعطاء انطباع، أنها ما زالت قادرة على شن الهجمات، والإيحاء لشعبها، أن قواتها ما زالت تحقق انتصاراً على العراق. وقد يكون أحد أهداف هذا الهجوم سياسياً؛ إذ كانت المنافسة بين آيتَي الله، رافسنجاني ومنتظري، على أشدها.

دأبت إيران على هجماتها البرية المحدودة، والعديمة الفائدة. واستخدمت المدفعية لقصف المدن، خاصة البصرة، المدينة التي استعصت على قواتها. كما استخدمت الثوار الأكراد، عدة مرات، لتنفيذ إغارات سريعة، في الشمال.

انتهز العراق توقف العمليات البرية الإيرانية، ليعيد تجهيز دفاعاته وتقويتها وزيادة عمقها؛ وهي نقطة الضعف التي عاناها سابقاً. فأنشأ عدة مَواقع دفاعية متتالية، وصدّ هجوماً إيرانياً محدوداً، في يونيه 1987، في الشمال، قرب أربيل. كما صد هجمات أخرى، في الجنوب. وتمكن من استرداد كل الأراضي، التي استولت عليها إيران، في هجماتها المحدودة السابقة. وحتى نهاية عام 1987، لم يحاول أي من الدولتَين شن هجمات رئيسية، ولجأ كل منهما إلى محاولة استنزاف قوى الطرف الآخر.

ثانياً: الحرب في الخليج العربي (حرب الناقلات)

أخذت الحرب، بين إيران والعراق، شكلاً استنزافياً آخر. فقد وجد الطرفان في الميدان البحري، الممتد بطول الخليج العربي، بغيتهما في استئناف الأعمال القتالية، غير الحاسمة، وتكبد فيها كل طرف خسائر، اقتصادية وبشرية، كبيرة، قد تؤثر على موقفه من القتال. وعلى عكس الحرب البرية، التي سارت نحو التجمد، بتكرار الخطط العقيمة، فإن إيران استطاعت أن تطور الأداء في الميدان البحري، لتجعله أكثر حيوية وفاعلية، وإن لم تستطع السيطرة عليه، وفق أهدافها، حتى النهاية. كما أن العراق دخل الميدان عينه، بثقل وفاعلية، كذلك.

1. أهداف حرب ناقلات النفط

يُعَدّ النفط الخليجي هو الثروة الطبيعية، الأكثر أهمية في العالم، منذ اكتشافه، واستخراج الطاقة منه، لكون الطاقة هي المحرك للحضارات الغربية، وعصب الحياة اليومية لكافة الشعوب والدول، بل عصب الحروب والتقدم العلمي، كذلك. ويتفوق النفط على ما عداه من خامات الطاقة ومصادرها الأخرى، بسهولة نقْله وتخزينه وتكريره، واستخدام مشتقاته العديدة، إضافة إلى رخص ثمنه، والطاقة المستخرجة منه، فضلاً عن وفرته في المناطق المكتَشَف فيها، بما يسمح بأن يستخدمه العالم كله، من دون استثناء، وهي الخاصية التي تفتقدها مصادر أخرى، أكثر رخصاً، مثل مساقط المياه، أو أكثر استخراجاً للطاقة، مثل الطاقة النووية، الباهظة النفقات، والأشد خطراً.

تُعَدّ دولتا الصراع، العراق وإيران، من الدول المصدرة للنفط، بكَمٍّ كبير. كما أن لدى كل منهما احتياطياً في باطن أرضها يقدر بقاؤه فترة زمنية طويلة (قد تتعدى القرن من الزمان). والدولتان تفطنان إلى تلك الحقائق. لذا، كان التأثير في المنشآت النفطية لأي منهما، هدفاً للطرف الآخر، مع اختلاف الأسباب.

سعت إيران، من خلال مهاجمتها ناقلات النفط، في الخليج العربي، إلى تحقيق عدة أهداف. وقد وسعت نطاق المسرح البحري، ليشمل بحر العرب والبحر الأحمر، حتى يكون التأثير محققاً. أمّا أهدافها، فهي:

أ. تقليل حجم صادرات النفط العراقي، مما يقلل عائداته، ويؤثر في اقتصاد العراق، وفي مواصلته الحرب.

ب. تقليل التفوق العراقي في التسليح، نوعاً وكمّاً، المعتمد على عائدات النفط، أو للضغط على الدول المصدرة للسلاح.

ج. خلق حالة من التوتر الداخلي، بارتفاع الأسعار، واختفاء مصادر الطاقة لدى الشعب أو قلّتها، قد تؤدي إلى إسقاط النظام الحاكم، أو على الأقل تضغط عليه وتؤثر في حرية قراراته.

د. الضغط على الدول الخليجية المعاضدة للعراق، لتتخلّى عن تأييدها له، سياسياً واقتصادياً، بالتعرض لمنشآتها النفطية وناقلات نفطها، مهما كانت جنسيتها، بالتخريب والتدمير.

أمّا الأهداف العراقية من تلك الحرب، فكانت أكبر أبعاداً من مثيلتها الإيرانية. فإضافة إلى إضعاف القدرة الاقتصادية لإيران، وإرهاب الدول المستوردة، أو الناقلة للنفط الإيراني، لتمتنع عن ذلك، مما يقلل من قدرة إيران على التصدير، إنتاجاً ونقْلاً وتسويقاً، سعى العراق إلى توريط دول خارجية، يُعَدّ النفط، بالنسبة إليها، أكثر حيوية؛ وكلها دول صناعية (أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي) أي دول عظمى وكبرى، كي تصبح مسارات الحرب أكثر تعقيداً، وتتدخل الدول الخارجية، ضاغطة لإنهاء الحرب[3].

2. الوضع النفطي للدولتَين

كانت حصة إيران من إنتاج النفط، تبعاً لقرارات منظمة "الأوبك"، آنئذٍ، تبلغ 3 ملايين برميل، في اليوم، بينما تزيد طاقتها الإنتاجية على ضعف ذلك، أي أنها تستطيع الوفاء بتعاقداتها، بقيمة الحصة التصديرية إضافة إلى قيمة الاستهلاك المحلي، الذي كان يقدر، وقتها، بربع مليون برميل، يومياً. ولتصدير نفط إيران، لم يكن هناك إلا موانئها البحرية على الخليج العربي[4]. فلم يكن ثمة خطوط أنابيب في أي من الدول المجاورة، لنقل النفط إلى الخارج. لذا، لجأت إيران إلى تخزين حجم احتياطي عائم من النفط، في ناقلات راسية في الموانئ البعيدة عن مدى الطائرات العراقية. فقد احتفظت إيران بسبع عشرة ناقلة في ميناء "لأراك" الإيراني، في الجنوب. 6 منها ناقلات عملاقة، تحمل 19 مليون برميل من النفط الخام، المعد للتصدير. وهو ما يعنى قدرتها على الاستمرار في التصدير، لمدة سبعة أيام، لو استطاع العراق تدمير كل حقول الإنتاج والموانئ التصديرية، وتسمح تلك الفترة باستعادة قدرتها التصديرية، وإصلاح ما أعطب أو دمر. إضافة إلى 11 ناقلة أخرى، تحمل احتياطي الوقود اللازم للاستهلاك المحلى ودفع عجلة الحرب لفترة طويلة، كذلك. ناهيك أن إيران لجأت إلى تحصين مناطق إنتاج النفط، خاصة تلك الواقعة في مدى عمل القوات الجوية والصواريخ والمدفعية العراقية، على غرار منصتها البحرية النفطية في خرج.

أمّا العراق فقد كان وضعه النفطي أكثر اتزاناً وقوة، فلديه خطوط / أنابيب لنقل النفط، عبْر أراضيه، إلى تركيا، شمالاً وغرباً، حيث يصدر من موانئها على البحر الأبيض المتوسط[5] وإلى المملكة العربية السعودية، جنوباً، لتصديره من موانئها (وكانت الخطوط المارة بالأراضي السعودية قيد الإنشاء، عند بدء الحرب). وتؤمن تلك الخطوط حاجات بغداد من الموارد المالية، لشراء الأسلحة. وطبيعي أن يستند العراق، في تصدير نفطه، إلى النقل بالأنابيب، إلى موانئ الدول المجاورة؛ فهو، كدولة، يفتقر إلى موانئ ذات قدرات كبيرة، خاصة بعد احتلال إيران شبه جزيرة الفاو، ومصير ميناء البكر العراقي، الرابض خلف جزيرتَي بوبيان ووربة الكويتيتَين، في مرمى الأسلحة الإيرانية، ولاسيما الصواريخ الصينية، سيلك وورم. لذلك، فإن العراق لم يكن لديه، في الحقيقة، ما يخسره في تلك الحرب؛ فهو لا يملك ناقلات نفط، تمخر عباب الخليج. لذا، كان كل ما تستطيع إيران قصفه، هي ناقلات نفط، إما خليجية (خاصة الناقلات الكويتية والسعودية) أو أجنبية، تنقل نفط الدول الخليجية، وهي بذلك تتعاون مع العراق على تحقيق هدفه، تدويل المشكلة، وتوريط الدول الكبرى، التي تملك الناقلات، أو هي المستفيد الأكبر من نفط الدول الخليجية.

3. الوسائل المستخدمة ضد الملاحة في الخليج العربي

مارست الدولتان نشاطاً قتالياً واسعاً، ضد حركة تصدير النفط في الخليج العربي، لتحقيق أهدافهما. وقد استخدمتا عدة وسائل:

أ. الهجمات الجوية

استخدم الطرفان الطائرات المقاتلة القاذفة، من أنواع مختلفة، والمسلحة بصواريخ، في مهاجمة السفن في الخليج، وإلحاق الأضرار بها. وكانت فاعلية الهجمات الجوية ضعيفة؛ إذ إن تلك الصواريخ، لا تؤثر تأثيراً كبيراً في الناقلات الكبيرة الحجم. كما أن النفط الخام، لا يشتعل بسهولة مما يجعل الإصابة بالصاروخ، تقتصر على إحداث إضرار بسيطة في هيكل السفينة، يمكنها تحمّله، والاستمرار في الحركة. إضافة إلى ذلك، فإن هذه الهجمات غير اقتصادية، بالنسبة إلى ثمن الطائرة والصواريخ المستخدمة، ونفقة إعداد الطيار المقاتل.

ب. الاشتباك البحري

تعرضت القطع البحرية للطرفَين لخسائر كبيرة، خلال مراحل الحرب المختلفة. وأدى ذلك إلى ضعف إمكانات قواتهما البحرية. وقد أعدت إيران عدة زوارق خفيفة، وسريعة، مسلحة بقاذفات صاروخية، ورشاشات ثقيلة، وهي غير ذات فاعلية، بالنسبة إلى السفن نفسها. إلا أن اقترابها السريع من السفينة، يمكنها من تصويب أسلحتها إلى قمرات[6] الطاقم وتدميرها، بهدف إحداث إصابات بهم وإصابتهم بالذعر، مما يجعلهم يرفضون الإبحار في الخليج، بعد ذلك. وقد استخدمت إيران الجُزُر الكثيرة، المنتشرة في الخليج، كنقط رسوّ لتلك القطع الخفيفة، وهو ما يمكنها من استخدام هذا الأسلوب على طول المجرى الملاحي في الخليج العربي.

ج. صواريخ أرض/ سطح (سيلك وورم) الصينية الصنع

استخدمت إيران الصواريخ الصينية الصنع، من منصات إطلاق، ثابتة ومتحركة، وهى ذات طاقة تدميرية قوية[7] فاعلة ضد السفن غير المسلحة، التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها. وقد وزعتها في مَواقع، تستطيع منها إصابة السفن، أثناء إبحارها من مدخل الخليج، عند مضيق هرمز، وحتى شبه جزيرة الفاو، بل كان من الممكن إصابة ميناء الأحمدي الكويتي منها.

د. الألغام البحرية

تُعَدّ سلاحاً مثالياً ضد النقل البحري، وتستخدم في أعماق مختلفة. ولها وسائل عمل متعددة، فبعضها يعمل عند الاصطدام به (طرقي)، سواء كان طافياً على السطح، أو مغموراً تحته، وبعضها ينفجر باقتراب هيكل السفينة المعدني منه (مغناطيسي)، ومثيله ذلك الذي يعمل بمستشعرات للصوت. وبعض من تلك الألغام مزود محركاً، يستطيع دفع اللغم نفسه نحو الهدف، وغالباً ما يكون فيه وحدة تخزين معلومات، ويسمى اللغم الطوربيدي، وهو فعال جداً. وللتغلب على أساليب مقاومة تلك الألغام (تسمى عمليات كسح الألغام، ويخصص لها سفن سطح مجهزة خصيصاً لتلك المهمة)، يوضع في الحقل اللغمي البحري أنواع من الألغام العنقودية، لديها القدرة على إطلاق عدة ألغام متتالية، فتخدع سفن الكسح بإطلاق لغم واحد، فتكتسحه، وتستمر هي في أداء مهمتها، بما بقي لديها من ألغام (تصل في بعض الأنواع إلى 6 ألغام).

استخدمت إيران هذه الأنواع في إنشاء مناطق خطر، تعترض الملاحة في الخليج. كما بثتها خارج مياه الخليج العربي، في البحر الأحمر.

هـ. الأعمال التخريبية

استخدمت إيران عملاءها، والموالين لها، من الشيعة أو غيرهم، في دول الخليج العربية، في أعمال تخريبية للمنشآت النفطية، خاصة في موانئ التصدير، للضغط على تلك الدول، حتى تمتنع عن تأييد العراق[8].

4. أعمال القتال في حرب الناقلات (اُنظر ملحق حرب الناقلات)

كانت الهجمات ضد ناقلات النفط، أثناء إبحارها في الخليج العربي، أمراً شائع الحدوث، منذ بداية الحرب، للتأثير في اقتصاد الدولتَين المتحاربتَين. إلا أن تلك الهجمات كانت موجَّهة ضد السفن، التي ترفع أعلام الدولتَين فقط، ولكنها اقتصرت على السفن الإيرانية، والتي هاجمتها الطائرات الحربية العراقية مراراً؛ إذ لم يكن العراق يملك سفناً لنقل النفط.

من جهة أخرى، ولتحقيق الأهداف من حرب الناقلات، وجَّه كل طرف عدة ضربات إلى المنشآت النفطية داخل البلد الآخر أو على سواحله، شملت مناطق الإنتاج، ومعامل التكرير، وأرصفة الشحن، والمنصات البحرية النفطية. وكانت إيران هي الأكثر تضرراً، حتى يناير 1987، حينما بدأت توسع نطاق هذه الحرب، وتزيد معدل هجماتها على السفن في الخليج، لتشمل أي سفن، تقلّ نفطاً، مهما كانت جنسيتها. وهو عينه ما بدأ العراق ينفذه، كذلك، سعياً إلى تدخّل الدول الكبرى، مع تركيزه في المنشآت النفطية، في خرج وسيري وغيرهما.

كانت الهجمات على ناقلات النفط غالباً ما تُشن ليلاً، ويستخدم فيها الصواريخ، البحرية والجوية، التي وضح ضعف تأثيرها، فلم يغرق إلا عدد يسير من السفن المهاجَمة. إلا أن الإصابات كانت جسيمة، وأعطبت سفناً كثيرة، مما يعد مؤثراً في حركة تصدير النفط بشكل عام، خاصة مع إحجام بعض الدول المالكة للناقلات، عن إرسالها إلى المنطقة.

أدت حرب الناقلات إلى نشاط الأساطيل الأجنبية. فقد أرسل الاتحاد السوفيتي فرقاطة صواريخ، لحماية سفنه، التي تحمل أسلحة إلى العراق؛ وهى ثانية سفينة حربية سوفيتية، توجد في مياه الخليج العربي. ورفعت الولايات المتحدة الأمريكية، كذلك، من حجم قطعها البحرية القريبة (في المحيط الهندي)، لتصل إلى مجموعة حاملة طائرات كاملة، مكونة من حاملة طائرات (كيتي هولد) وإحدى عشرة سفينة مرافقة، للحماية، نشرت شرق مصيرة. كما دفعت فرنسا وبريطانيا عدداً آخر من السفن الحربية، لتنضم إلى السفن الموجودة في المنطقة، تحسباً لما تتطور إليه الأمور. (اُنظر خريطة التواجد الأجنبي في الخليج).

وفي تطور مفاجئ، طلبت دولة الكويت، وكانت الأكثر تضرراً من تلك الحرب، من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي حماية ناقلاتها، ورفع علَمَيهما عليها[9]. فاستجابا لها.

وكانت دولة الكويت تتعرض لنقد سياسي إيراني عنيف، لسماحها باستخدام موانئها، لتفريغ شحنات السلاح السوفيتية إلى العراق. كما كانت تسمح لطائرات العراق بالمرور في أجوائها، في هجماتها على الجُزُر والسفن الإيرانية، وهو ما عرّضها لسخط الحكومة الإيرانية، وتوعدها بتهديد مصالحها النفطية.

من جهة أخرى، فإن إيران، أنشأت قاعدة للصواريخ الصينية، سلك وورم، البالغ مداها 95كم، في مدخل الخليج، بالقرب من مضيق هرمز[10]، وهو ما يهدد الملاحة في الخليج برمّتها. ولهذا، كانت الموافقة الأمريكية على حماية الناقلات الكويتية مهمة للطرفَين. كما أنشأت إيران موقعاً آخر للصواريخ، في الطرف الجنوبي لشبه جزيرة الفاو، العراقية، المستولى عليها، يصل مداها ميناء الكويت الرئيسي، ومدينة الكويت العاصمة. وأنشأت إيران، كذلك، فرعاً بحرياً للحرس الثوري الإسلامي، منذ عام 1984، وصلت قوّته إلى 20 ألف مقاتل، أي أنه أصبح أكبر حجماً من البحرية الإيرانية نفسها، وأمدته بزوارق صغيرة، وسفن اعتراض، وعدد كبير من الزوارق المطاطية ذات المحركات القوية. وسلحت تلك السفن والزوارق بالصواريخ الفردية، والرشاشات الثقيلة، والمدافع الخارقة للدروع[11]. كما كان لدى هذا الفرع البحري للحرس الثوري، زوارق شراعية مزودة رافعات يدوية، مما يمكنها من بث الألغام (350 طناً من الألغام)، إضافة إلى عدد من سفن الإبرار الصغيرة، القادرة على نقْل المقاتلين وإنزالهم بالقرب من الأهداف الساحلية المنتقاة، فضلاً عن غواصة صغيرة الحجم، كورية الصنع ونشرت تلك القوة على طول الخليج العربي، على الساحل الإيراني، والجُزُر التابعة لها، والمنصات البحرية للنفط. ودُرِّبت القوة البحرية للحرس الثوري على أعمال الاقتحام السريع، والهرب، أو الاصطدام الانتحاري بالهدف لتفجيره، وسد المجرى البحري بسفن محملة بالأسمنت، وعلى أعمال الغوص تحت المنشآت المائية وتلغيمها. وزودت القوة طائرات خفيفة، للنقل والهجوم الانتحاري (اُنظر شكل القواعد البحرية الإيرانية في الخليج).

يصعب اكتشاف تلك الأهداف البحرية الصغيرة، أثناء هجومها، على رادارات السفن أو المنشآت البحرية. كما أن بعض المَواقع المهمة، مثل جُزُر فارسي وأبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، تمركز في كل منها قوة، بلغت ألف مقاتل، مزودين طائرات عمودية، تمكنهم من الوصول إلى أهدافهم، جواً، واقتحامها والاستيلاء عليها. وهو ما يجعل لتلك الحرب بُعداً جديداً خطيراً.

أنذرت إيران كلاًّ من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية من التدخل، بأي صورة، في الحرب الدائرة على سطح الخليج؛ فقد أصبحت قادرة على إدارة حرب عصابات، بحرية وساحلية، وإحداث خسائر مزعجة، سياسياً، لكلتا الدولتَين، على الرغم من عجزها عن مواجَهة أي منهما في حرب نظاميه، بحْرية، بالطبع.

في أبريل 1987، أعلنت إيران توسيع حدّ مياهها البحرية 12 ميلاً بحرياً، وحددت منطقة محظورة، بحذاء الساحل، وبعمق 40 ميلاً من الساحل. وهي منطقة ضخمة، تؤثر في سعة الممرات المائية الملاحية، المتجهة إلى الكويت. وفي الشهر نفسه، زادت إيران من دورياتها البحرية، واعتراضها للسفن، بغرض التفتيش عن شحنات الأسلحة المرسلة إلى العراق. وفى مايو من العام نفسه، بدأ الحرس الثوري البحري هجماته ضد ناقلات النفط، وازداد نشاط المعارضة والهجمات البحرية تدريجياً. (اُنظر شكل حدود المياه الإقليمية الإيرانية).

أعدت الولايات المتحدة الأمريكية خطة لحماية الناقلات الكويتية، وخطة أخرى، تنفذ عند التأكد من وجود أخطار، تهدد الملاحة في الخليج العربي. وأُبلغَت الكويت الاستعداد لحماية ناقلاتها الإحدى عشرة، في 7 مارس، فقبلت العرض الأمريكي، في 10 مارس[12]، حماية كل ناقلاتها، ووقعت مع واشنطن، في 2 أبريل، اتفاقية في هذا الشأن.

ثالثاً: المواجَهة بين إيران والدول العظمى، في مياه الخليج

مع بداية مايو، هاجم الحرس الثوري البحري عدة ناقلات نفطية، لبعض الدول الآسيوية. وطلب رئيس الوزراء الإيراني من الكويت الامتناع عن حماية سفنها بوساطة أساطيل القوى العظمى، مهدداً باتخاذ الإجراء الملائم.

وفي 8 مايو 1987، هاجمت سفينة مسلحة صغيرة، نُزعت علاماتها، وأُخفيت هويتها، سفينة شحن سوفيتية، بالقرب من منصة نفطية إيرانية عائمة. ووضح أن إيران تتعمد التصعيد، لإرغام الكويت على التراجع. وردّ العراق على الأعمال الهجومية الإيرانية، فوق مياه الخليج، بهجمات مكثفة على السفن الإيرانية. كما شن هجوماً جوياً مكثفاً على مصافي النفط، في أصفهان وتبريز. وكان الرد الإيراني تصعيد مستمر لحرب الناقلات، إذ بثت طهران ألغاماً بحرية في المجرى الملاحي، أصاب أحدها ناقلة نفط سوفيتية، تستأجرها الكويت[13]، هي الناقلة مارشال تشوكوف، وأعلنت إيران استمرارها في هجمات مماثلة، وبدقة أكبر، إذا لم تتراجع الكويت عن تأييد العراق.

أدى حادث الناقلة السوفيتية إلى مواجَهة سياسية، بين إيران والاتحاد السوفيتي. بينما كان على العراق، أن يبرر هجومه، في 17 مايو، بطائرة ميراج ـ إف1، على سفينة عسكرية أمريكية (الفرقاطة ستارك) وإصابتها إصابات مباشرة، من جراء قصفها بصاروخَين فرنسيَّي الصنع، من نوع Exocet، أصاباها بأضرار جسيمة، وأصيب في الحادث عدد من طاقمها، وقتل عدد آخر، وهو ما زاد من حجم التورط الأمريكي في حرب الناقلات. وبينما كان العراق يعتذر، معللاً هجومه بأنه خطأ ومصادفة بحت، كانت إيران تبحث زيادة التورط الأمريكي، واستغلال حساسية الموقف لدى الشعب الأمريكي، حتى يضغط على حكومته، لتنسحب من المنطقة، على غرار ما فعلته في لبنان، أثناء الحرب الأهلية. وفات الإيرانيين أن المصالح الأمريكية في الخليج مهددة تهديداً مباشراً من إيران، وهو ما لم يكن في دائرة الحسبان، في لبنان.

من هذا المنطلق، دفعت إيران قواتها الثورية البحرية إلى مهاجمة سفن أجنبية أخرى. كما هاجمت مرفأً عراقياً صغيراً، بالقرب من الفاو، بقوة بحرية، بلغت 40 زورقاً سريعاً. وقد فشل الهجوم في تحقيق أهدافه، لكنه أوضح أن الحرس الثوري البحري، قادر على العمل في مجموعات كبيرة، قد تصبح مزعجة لقوافل السفن، كذلك.

كانت أول مواجَهة، بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، في أول يونيه، حينما اعترضت مدمرة إيرانية سفينة تجارية أمريكية (سفينة الشحن باتريوت)، في مدخل الخليج، وطلبت منها إعلان هويتها ووجهتها. من الفور، طلبت السفينة عوناً بحرياً سريعاً من الأسطول الأمريكي القريب. فتوجهت إلى نصرتها المدمرة كوينجهان. فسارعت المدمرة الإيرانية المعترضة إلى تغيير اتجاهها، بعيداً عن المنطقة. وأكد الحادث، أن إيران تحاول ألاَّ تكون المواجَهة مباشرة، فهي غير قادرة عليها، وإنها تعمل في إطار حرب عصابات بحْرية فقط.

استمر العراق يستخدم قوّتها الجوية، في مهاجمة الناقلات الإيرانية، ومنشآت النفط، في الخليج، مع التركيز في جزيرة خرج. بينما كثفت إيران استخدامها للألغام البحرية، التي دفعت التيارات المائية بعضها إلى ميناء الأحمدي الكويتي. وسارعات الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية إلى إرسال سفن كسح الألغام، للمعاونة على تطهير مياه الميناء، حتى لا تتأثر عمليات شحن النفط فيه. وازداد التورط الأمريكي، أثر ذلك، فأعلنت واشنطن توسيعها مدى الاستطلاع والإنذار، البحري والجوي، في المنطقة، وطلبت من المملكة العربية السعودية معاونتها على ذلك، باستخدام طائراتها للاستطلاع والإنذار، من نوع أواكس.

حتى نهاية يونيه، دأبت الدولتان، إيران والعراق، على مهاجَمة الناقلات، كلٌّ بوسائلها. واستطاع زورق إيراني مسلح من إصابة ناقلة كويتية. ورفضت الولايات المتحدة الأمريكية وقفاً جزئياً لإطلاق النار، مطالبة بإيقاف كامل، طبقاً لقرار الأمم المتحدة الرقم 582، الصادر عام 1986. وهو ما آثار استياء الإيرانيين، فردوا بإجراء مناورة[14] بحرية، لاستعراض قدراتهم وتوجيه تحذير إلى الأمريكيين.

كانت الخطة الأمريكية لحراسة الناقلات الكويتية، تقتضي مرافقة عدد من تلك الناقلات، في قافلة بحرية، مرة كل أسبوعين، بما يسمح لها بمعرفة ردود فعل إيران وأساليبها في مهاجَمة القوافل. وكانت الحراسة المقررة مكونة من ثلاث أو أربع قطع بحرية أمريكية، كبيرة ومتوسطة، لكل قافلة من ناقلتَين[15]، مع تكليف الطائرات الأمريكية بتوفير حماية جوية، بدءاً بعمليات الاستطلاع والإنذار، باستخدام طائرات الأواكس السعودية، إلى طائرات التعويق والتوجيه، إلى المقاتلات مما يعطي انطباعاً بجدية الأمريكيين في مواجهتهم للهجمات الإيرانية. ولذلك، فقد دفعت الولايات المتحدة الأمريكية مزيداً من بحْريتها إلى المنطقة، شملت حاملة طائرات، والبارجة ميسوري، وحاملة طائرات عمودية مسلحة، وزودت السفن رادارات بعيدة المدى، وشبكات معلومات، وأسلحة مضادّة للصواريخ، وكان أكثر التهديدات قوة للأسلوب الأمريكي في حماية القوافل، الافتقار إلى وسائل دفاعية قوية ضد الألغام البحرية[16]. كما كان أكثر المصاعب تأثيراً، افتقاد قاعدة بحرية أمريكية قريبة، للعمل منها[17].

في 22 يوليه 1987، أبحرت أول قافلة، طبقاً للتخطيط الأمريكي، وتشمل ناقلتَي نفط، إحداهما ناقلة عملاقة (بريدجتون). وكان عليها أن تتبع، أحياناً، مساراً قريباً من منطقة الحظر البحري الإيراني، من دون إسراع، مما يزيد من وقت مرورها، وزمن تعرّضها. كما كانت وسائل الإعلام العالمية تتابع تلك القافلة، وتبث معلوماتها عنها، مما أضاع السرية المطلوبة للحماية. وفي صباح اليوم الثالث (24 يوليه)، اصطدمت الناقلة، بريدجتون، بلغم، تسبب بفجوة كبيرة، أدت إلى امتلاء أربعة من عنابـرها (31 عنبر شحن) بالمياه. فزادت من تخفيض سرعتها، وانتشر القناصون الأمريكيون فوق أسطح السفن، لاصطياد الألغام، وزادت كثافة عمل أجهزة السونار (رادارات كشف الأجسام المغمورة في المياه) حتى وصلت السفن إلى مقصدها، مما أدى إلى إرهاق الأطقم. ولم تتعرض إيران للقافلة بأي نوع آخر من الهجمات. لذا، لم يستطع أحد أن يثبت تورطها في ذلك. لكن الأمريكيين استدعوا طائرات عمودية مجهزة، من قاعدتهم في المحيط الهندي[18]. كما جهزوا أربع سفن إبرار، للعمل في المنطقة. ويعنى ذلك أنهم كانوا يفكرون في رد فعل هجومي سريع، عند حدوث أي هجوم آخر. وقد وفرت الكويت سفينتَين كبيرتَين، للرسو في المياه الدولية، والعمل كقاعدة لهم. ووافقت المملكة العربية السعودية والبحرين على إمدادهما بما يلزم، وجُهِّزتا بالرادارات ومعدات التعويق. وتمركز فيهما وحدات من الكوماندوز، وعناصر صواريخ سطح/ جو خفيفة، للدفاع عنهما. إضافة إلى تزويدهما مدافع مضادة للصواريخ، كما جُهِّزتا، هندسياً، تجهيزاً يقيهما الشظايا والانفجارات.

كانت إحدى هاتَين السفينتَين، قد وضعت في مواجهة جزيرة فارسي الإيرانية، على مسافة 20 ميلاً بحرياً. كما أضيف إليها منصة نفطية عائمة، جهزت لأعمال المراقبة في الجزيرة الإيرانية، كما دبرت وسائل أخرى لمراقبة قاعدة الزوارق الإيرانية السريعة، في جزيرة أبو موسى. وأكد ذلك اختيار الأمريكيين الأهداف التي سينتقمون منها عند التعرض للقوافل التي يحمونها.

وازدادت حدة الموقف، بإعلان الاتحاد السوفيتي تخلِّيه عن حماية الناقلات. وطالب الأمريكيين بسحب قطعهم البحرية، وتعهد بأنه سيحذو حذوهم. كما هاجم الإيرانيين لاستمرارهم في القتال. وأبدى تفهّمه الموقف العراقي وأيده، بل أرسل، علناً، أسلحة إلى العراق.

في أغسطس، حدثت مواجَهة أخرى، بين إيران والقوة الأمريكية، في الخليج، حيث اقتربت طائرة إيرانية من دورية استطلاع أمريكية، فأطلقت عليها طائرات الحماية صاروخاً، أخطأها، فانسحبت، من الفور، ودفعت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، عدداً آخر من القطع البحرية، شملت كاسحات ألغام، بريطانية وفرنسية، وطائرات عمودية مسلحة، وأطقماً مسلحة بصواريخ سطح/ جو، وفريق القوات الخاصة للبحرية الأمريكية (Seal)، المدرب على عمليات الاقتحام السريع، وبدت المواجَهة وشيكة.

وسّعت إيران مسرح العمليات البحري، فظهرت ألغام بحرية، طافية، أمام ساحل الفجيرة، وانفجرت ألغام أخرى، بثتها سفن إيرانية تجارية في البحر الأحمر. كما هاجمت زوارق مسلحة سفناً أجنبية، خارج مدخل الخليج.

ورد العراق على الأعمال الإيرانية، بعد توقف، زاد على 45 يوماً، بضربة جوية قوية، ضد المَواقع البرية، التي تهدد الملاحة. وركز هجماته الجوية في جزيرة خرج، ومجمعات النفط في جزيرتَي سيرى ولافان، وألحقت بها أضراراً بالغة. إلا أنها لم تؤثر في كمية النفط الإيراني المصدَّر؛ وإن حملت الاقتصاد الإيراني خسارة كبيرة، تمثلت في نفقات إصلاح التلف. ولم تكن صواريخ جو/ أرض، التي تستخدمها الطائرات الحربية العراقية مؤثرة إلى درجة كافية لإحداث تدمير، أو إعطاب، لفترة طويلة، لأي هدف نفطي، بما في ذلك الصواريخ الفرنسية الحديثة، أكسوزيت. ولم تستخدم الطائرات العراقية قنابل ذات أحجام ملائمة. لذلك، فإن القيادة العراقية، ركزت القصف الجوي في الأهداف الاقتصادية، لإصابة مصافي النفط، ومحطات القوى، للضغط على إيران. وهذه الأهداف غير ذات أهمية اقتصادية، بالنسبة إلى القوى الكبرى ودول مجلس التعاون، ولكنها مؤثرة في الجانب الاجتماعي الداخلي، بانخفاض حجم الوقود، المخصص للتدفئة شتاء، وارتفاع أسعاره.

كان العراق قد عقد اتفاقاً، لإيقاف الهجمات ضد الملاحة في الخليج، لمدة شهرين، تنتهي في 29 أغسطس. ولدى انصرامهما، بدأ العراق ينفذ مخططه لمهاجمة الأهداف البحرية في الخليج، إضافة إلى الضربات، الجوية والصاروخية، ضد الأهداف الاقتصادية والمدن. وردت إيران بضربات وهجمات مماثلة، مع حرصها على الابتعاد عن الأهداف الأمريكية. وتزايد معدل الأهداف، فبلغ 7 سفن، في اليوم الواحد. وأعلن العراق إصابته 11 سفينة، في 5 أيام؛ وهو رقم عالٍ ومؤثر.

نمَت القوى البحرية الأجنبية في الخليج، من الدول الأوروبية الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، حتى وصلت إلى 69 سفينة متنوعة قبل نهاية عام 1987، وتعاونت بل عملت معاً، أحياناً، إمعاناً في التأمين. وكان هناك استعداد لزيادة العدد، والمبادرة إلى عمل عنيف، رداً على أي اعتداء، بشرط ضبط الفاعل، أو العثور على أدلة تدينه؛ وهو أمر صعب جداً، في حالة الخليج. إلا أن ذلك لم يوقف الإجراءات البريطانية لعقاب إيران، بطرد أفراد مركز الإمداد الإيراني في لندن (مكتب شراء الأسلحة وشحنها) (اُنظر جدول القوى البحرية الأجنبية، العاملة في الخليج العربي بعد تصعيد حرب الناقلات (1987)).

كانت المواجَهة العنيفة، الوحيدة، في ذلك العام، تلك التي حدثت في سبتمبر 1987. فبعد حادثة السفينة بريدجتون، حذرت الولايات المتحدة الأمريكية إيران، عدة مرات، من أنها ستشتبك بأي سفينة، تُضبط أثناء بثها الألغام في مياه الخليج الدولية. وعلى إثر ذلك، نفذت واشنطن مخططاً، لمتابعة التحركات البحرية الإيرانية ورصدها، في الخليج وخارجه، بوساطة شبكة أقمار صناعية، وطائرات استطلاع (SR – 71)، وطائرات عمودية، مجهزة برادارات ومستشعرات، لاكتشاف الألغام، ورصد نشاط السفن.

وقد اكتشف الأمريكيون سفينة إيرانية (إيران أير ـIran Air)، أثناء مغادرتها أحد الموانئ الإيرانية المراقَبة، ووضعت تحت المراقبة الدائمة، كما هو معتاد. وتبيّن أنها تبث ألغاماً بحْرية، ليلاً، على مسافة 50 ميلاً بحرياً من البحرين (شمال قطر). ومن الفور، اقتربت منها طائرتان عموديتان، واستطاعتا تصويرها، وهي تبث الألغام. ولدى إبلاغهما ذلك، صدرت الأوامر إليهما بمهاجمتها. ففتحتا عليها النيران، فعطبت، وقُتل خمسة من بحارتها. وأُبرَّت مجموعة من القوات الخاصة للبحرية (Seal) على ظهرها، استولت عليها، وأسرت 26 فرداً كانوا على متنها، ومهدت نسفها، ثم أغرقتها، بعد إخلائها من الأسرى.

عرض الأمريكيون الأفلام، التي تكشف أعمال السفينة وهويتها، وتظهر بحارتها الذين شرحوا مهمتهم، إضافة إلى الخرائط، و8 ألغام سوفيتية الصنع كانت لا تزال في السفينة. وبات معروفاً للجميع مسؤولية إيران الكاملة عن حوادث الألغام، التي كانت تُعَدّ مجهولة. وسارع العالم إلى لوم إيران وتعنيفها، في المحافل السياسية.

رابعاً: تصعيد جديد للحرب في الخليج العربي

على الرغم من أن معظم دول العالم، هاجمت أعمال إيران البحرية، في الخليج، وتعرضها للسفن المدنية، فإن طهران دأبت على مهاجمتها السفن، بوساطة الزوارق المسلحة السريعة، مع تجنبها الاصطدام بالسفن الأمريكية، أو تلك التي ترفع العلم الأمريكي. وهو ما دعا الولايات المتحدة الأمريكية، في 30 سبتمبر، إلى إعلان توسيع نطاق حمايتها السفن، في مياه الخليج، لتشمل كل الناقلات الأوروبية.

في منتصف أكتوبر، أطلقت إيران صاروخاً صيني الصنع (سيلك وورم)، من قاعدة، في شبه جزيرة الفاو، في اتجاه ميناء الكويت. فأصاب ناقلة نفط، ليبيرية الجنسية، راسية في الميناء، وأنزل بها أضراراً جسيمة. وأغرى الصمت الأمريكي إيران بالهجوم، في اليوم التالي، بصاروخ آخر، أصاب، هذه المرة، ناقلة نفط كويتية، ترفع العلم الأمريكي، وهي على مسافة 7 أميال من ميناء الأحمدي الكويتي. وفى الحال، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها سترد على ذلك، فقصفت البحرية الأمريكية منصة نفط إيرانية، في جنوب الخليج، وأشعلت فيها النيران، بينما استولت قوة Seal""، المخصصة للبحرية الأمريكية، على منصة أخرى، ونسفتها.

وردّاً على الإجراء الأمريكي السريع، والعنيف، قصفت المدفعية الإيرانية شمالي الكويت. وفي 22 أكتوبر، شنت هجوماً صاروخياً جديداً على ميناء الأحمدي الكويتي، وأصابت منصة نفط عائمة، أمامه. ولم ترد الولايات المتحدة الأمريكية على ذلك، معلنة أن مهمتها حماية السفن، وليس الدفاع عن الكويت. إلا أنها اتخذت، بمعاونة الكويت، بعض الإجراءات الدفاعية، التي تحول دون استيلاء إيران على الجُزُر الكويتية الإستراتيجية، في الشمال. وأنشأت منصة كبيرة، على سفينة ضخمة، أمام الكويت، لتستخدمها القوات الأمريكية، كقاعدة انطلاق ضد الأهداف الإيرانية، في شمال الخليج؛ وهو إيذان بتهديد جدي لإيران، حتى لا تكرر الضربات الصاروخية على الكويت. ووعت إيران الإنذار، فأحجمت، بعد ذلك، عن أي نشاط بحري يذكر، في الخليج.

خامساً: العراق يتخذ المبادأة في حرب الناقلات

على الرغم من أن إيران جمدت نشاطها البحري، تقريباً، منذ أخر أكتوبر[19]، إلا أن العراق واصل هجماته على الناقلات، مستخدماً قواته الجويـة. وقد حاول تحقيـق أحد أهدافه المهمة من تلك الحرب، زيادة صعوبات الاقتصاد الإيراني، المعتمد على تصدير النفط. لذلك، شدد هجماته الجوية على معامل التكرير والمستودعات ومحطات القوى، وقلّلها ضد الناقلات، في مياه الخليج، خاصة بعد أن ردت إيران على الهجمات العراقية بقصف بغداد بصواريخ أرض/ أرض، سوفيتية الصنع (سكود بي)، بعد كل هجمة جوية على أهدافها النفطية (اُنظر جدول إحصائية السفن المهاجَمة، خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية حتى انتهاء الحرب (1988)).

دأب الطرفان على مهاجمة السفن في الخليج العربي، بأسلوب عشوائي، ومتقطع، حتى نهاية الحرب، لإثبات القدرة على الاستمرار، أو لتغطية فشل ما، في الميدان البري. ولم يستطع أي من الدولتَين تحقيق أهدافها الرئيسية من تلك الحرب، التي فقدت معناها وأهميتها، لدى الجميع.



[1] ماوات قرية صغيرة، مجهزة، كنقطة حصينة، للدفاع ضمن المَواقع الدفاعية، التي يعتمد عليها العراق، في الشمال، وهي قريبة جداً من الحدود الإيرانية.

[2] شوارته مركز سكاني (قرية كبيرة الحجم، ذات كثافة سكانية كبيرة) على الطريق القادم من الحدود الإيرانية إلى السليمانية، وهو ما أعطى لها هذه الأهمية، لتكون هدفاً لهجوم إيراني.

[3] كان العراق يشعر أن الدول، الكبرى والعظمى، تسعى إلى إطالة الحرب؛ إذ إنها تستنزف القوة، الاقتصادية والعسكرية، للدولتَين، وتساعد على زيادة نفوذها في المنطقة بازدياد مبيعاتها للأسلحة، أو عقد اتفاقات مع دول المنطقة، مع استمرار حصولها على حاجتها النفطية.

[4] استخدمت إيران ناقلات نفط صغيرة، لنقْل النفط بين جزيرتَي خرج وسيرى، وإلى خارج الخليج، إلى مينائها على المحيط الهندي (جاسك). وكانت تنوى مد خط أنابيب لنقْل النفط، من حقولها في الأهواز، إلى هذا الميناء البعيد جنوباً. واستخدمت، كذلك، منصات نفطية عائمة متعددة، ممتدة على طول ساحلها الخليجي، بعيداً عن خرج.

[5] وضعت تركيا عدة وحدات عسكرية، كاملة التسليح، في جنوبها، لحماية تلك الخطوط من التدمير، بفعل الإغارات الكردية.

[6] القمرات هي غرف المعيشة في السفن. وهي في منطقة محددة على سطح الناقلة، يمكن تعرّفها بسهولة.

[7] هي من جيل صاروخ سطح/ سطح نفسه، الذي أغرقت به البحرية المصرية، عام 1967، المدمرة الإسرائيلية "إيلات".

[8] نفّذ العملاء الإيرانيون عدة تفجيرات في ميناء الأحمدي النفطي، في الكويت، وفقاً للتهديدات السابقة، لمعاونتها العراق، بإمدادات مختلفة، عبْر أراضيها.

[9] معدل حركة الناقلات الكويتية في الخليج، يراوح بين 70 و80 ناقلة، شهرياً، بمتوسط سفينة واحدة إلى 4 سفن، يومياً.

[10] كانت هذه القاعدة تضم أربع منصات، عليها 12 قاذفاً، مع تشوين نحو 48 صاروخاً في ملاجئ محصنة، بالقرب منها.

[11] كانت من أنواع عديمة الارتداد، من عيار 107 مم، السوفيتية الصنع، وهي غير فاعلة، وذات مدى قصير.

[12] كان الطلب الكويتي، أن تضطلع الولايات المتحدة الأمريكية بحماية نصف العدد، والاتحاد السوفيتي النصف الآخر.

[13] استأجرت الكويت ثلاث ناقلات نفط سوفيتية، لاستخدامها في نقْل النفط، كإجراء بديل من الحماية المباشرة، التي تولتها الولايات المتحدة الأمريكية بمفردها.

[14] تدريب عسكري يشترك فيه حجم كبير من القوات والمعدات.

[15] أول قافلة، رافقتها قوة كبيرة، تكونت من أربع فرقاطات، وثلاثة طرادات، ومدمرة واحدة.

[16] يحتمل أن تكون البحرية الأمريكية، قد استخدمت عدداً من الدلافين البحرية، المدربة على الكشف عن الألغام.

[17] كانت دول الخليج حريصة على إبقاء التعاون خارج أراضيها، حتى لا تُثار مشكلة الوجود الأجنبي فيها، مما يسبب مشاكل سياسية.

[18] قاعدة دييجو جارسيا.

[19] أعلن بعض المصادر الصحفية حدوث مواجَهة قوية، بين إيران والبحرية الأمريكية، في الخليج العربي، في أبريل 1988. فقد هاجمت الزوارق الإيرانية السريعة ناقلات النفط، وتعرضت للسفن الحربية الأمريكية المضطلعة بحراستها. وكانت نتيجة ذلك، أن دمرت السفن الحربية الأمريكية، في 18 أبريل، رصيفَين عائمَين للنفط، تابعَين لإيران. وعندما تعرضت لها السفن الإيرانية، أغرقت البحرية الأمريكية 3 مدمرات، وأصابت فرقاطتَين أخريَين. وقد ردت إيران بقصف رصيف للنفط، تابع لدولة الإمارات، بحجة أن شركة أمريكية تديره. وقصفت سفينة إنقاذ وناقلة نفط، ترفعان العلم الأمريكي. كما هاجمت سفينة تابعة لدولة الإمارات العربية، وأشعلت فيها النيران، جنوبي الخليج، مما أدى إلى قرار الولايات المتحدة الأمريكية حماية السفن المحايدة.