إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / القرصنة البحرية




محاكمة قراصنة صوماليين
السفينة الأوكرانية المخطوفة
القراصنة فوق الناقلة السعودية
القرصان ويليام كيد
القرصان جون روبرتس
القرصان ذو اللحية السوداء
استخدام القراصنة للزوارق الصغيرة
قراصنة يعتلون سفينة

ملابس القرصان
العملية الأوروبية "أتلانتا"
علم القراصنة

الملاحة عبر رأس الرجاء الصالح
الملاحة عبر قناة السويس
التواجد الأجنبي
الدول المطلة على البحر الأحمر
طرق الملاحة البحرية



أمن البحـــر الأحمــر

المبحث السادس

القوانين الدولية حيال القرصنة

أولاً: مفهوم جريمة القرصنة دولياً

عُرفت جريمة القرصنة بأنها الأفعال التي تقع في مكان لا يخضع للاختصاص الإقليمي لأية دولة، ويتمثل في أعمال العنف أو السلب، بشرط أن يتعلق هذا العمل بهجوم في البحر، وجاءت بذلك اتفاقية جنيف لأعالي البحار في 29 أبريل 1958، ودخلت حيز التنفيذ عام 1962.

تعددت التعريفات الخاصة بجريمة القرصنة البحرية، وإن كانت جميعها اتفقت على جسامة الأفعال المكونة لها، ما استدعى تجريمها دولياً، حيث اتفق المشرعون في القانون الدولي بأن القرصنة هي "أي عمل غير قانوني من أعمال العنف والاحتجاز، أو أي عمل آخر من أعمال الحرمان أو التجريد يرتكبه أشخاص لغايات شخصية ضد ركاب السفينة، أو الممتلكات التي على متن تلك السفينة في أعالي البحار".

وهناك تعريف آخر من جانب الفقهاء في التشريع الدولي بأن "جريمة القرصنة تعني الاعتداء المسلح على سفينة في أعالي البحار يقوم به أشخاص مسلحون غير مصرح لهم بذلك، بغرض الحصول على مكاسب باغتصاب السفن أو البضائع أو الأشخاص".

بالإضافة إلى أن جانب آخر عرف القرصنة بأنها "عمل إجرامي يتصف بالعنف والجسامة، وتتعدى آثاره إلى الغير بحيث يكون مصحوباً بتعريض مبدأ حرية الملاحة البحرية للخطر. وأن يتوافر في هذه الجريمة ثلاثة عناصر أساسية:

·   وجود سفينة على متنها مجموعة من الأشخاص يرتكبون أعمال عنف غير قانونية.

·   أن يكون هذا العنف موجهاً ضد جميع السفن المبحرة بدون تفرقة.

·   أن تُرتكب أعمال العنف في عرض البحر.

يرتبط اهتمام كل دولة بالقوانين البحرية بمدى حاجتها أو استفادتها من البحر، فالدولة التي ليست لها إطلالة على البحار، وليس لها أسطول بحري لا تشعر بضرورة تلك القوانين البحرية، ولكن أهمية القانون البحري تزداد في الدولة كلما زاد فيها الاهتمام بالملاحة، والتي يكون أسطولها البحري وتجارتها أساس اقتصادها ومصدر قوتها.

ثانياً: جريمة القرصنة في القانون الدولي

تُعد القرصنة البحرية جريمة دولية بموجب أحكام القانون الدولي العرفي والاتفاقي، وذلك منذ زمن طويل على الرغم من عدم وجود اتفاقية دولية خاصة بمكافحة جريمة القرصنة البحرية.

جاء النص على تجريم أعمال القرصنة البحرية في اتفاقيات دولية متفرقة، خاصة الاتفاقيات التي تتعلق بسلامة الملاحة البحرية، وربما يرجع السبب في عدم النص على جريمة القرصنة البحرية من خلال اتفاقية دولية خاصة إلى ندرة حدوث هذه الجريمة في الماضي، أما الآن، ونظراً لشيوعها، فقد حان الوقت لصياغة اتفاقية دولية لتحريم وتجريم أعمال القرصنة البحرية.

جاء النص على جريمة القرصنة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار سنة 1982 Convention on law of the sea، وقد نصت المادة (101) على أنها "أي عمل غير قانوني من أعمال العنف أو الاحتجاز أو أي عمل سلبي يُرتكب لأغراض خاصة، ويكون موجهاً في أعالي البحار، ضد سفينة أو طائرة أخرى، أو ضد أشخاص أو ممتلكات على ظهر تلك السفينة، أو على متن تلك الطائرة في مكان يقع خارج ولاية أية دولة".

كما نصت الاتفاقية ذاتها في المادة (105) على مبدأ الاختصاص العالمي Universal Jurisdiction لمحاكمة مرتكبي جرائم القرصنة البحرية، حيث نصت المادة سالفة الذكر على أنه "يجوز لكل دولة في أعالي البحار، أو في أي مكان خارج ولاية أية دولة أن تضبط أية سفينة أو طائرة أُخذت بطريقة القرصنة، وكانت واقعة تحت سيطرة القراصنة، وأن تقبض على من فيها من أشخاص، وأن تضبط ما فيها من الممتلكات، ولمحاكم الدولة التي قامت بعملية الضبط أن تقرر ما يُفرض من عقوبات".

جاء النص على جريمة القرصنة في اتفاقية سنة 1988، وهي الاتفاقية الخاصة بقمع الأعمال غير المشروعة من سلامة الملاحة البحرية Convention Suppression of Unlawful acts against the Safety of maritime navigation، حيث أقرت نصوصاً تجرم عمليات القرصنة، كما أرست مبدأ الولاية الجنائية الدولية (الاختصاص العالمي) بالعقاب. كما أن هناك العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بسلامة النقل البحري للركاب والبضائع التي تنقلها السفن التجارية عبر البحار، والتي لها علاقة بالمحافظة على الأمن البحري عامة، وتنص في مجملها على تجريم عمليات القرصنة في أعالي البحار، منها ما يلي:

1. اتفاقية أعالي البحار، الموقعة في جنيف عام 1958.

2. اتفاقية قانون البحار، والمعروفة بمعاهدة "خليج موينجو"، الموقعة عام 1982، ودخلت حيز التنفيذ عام 1994.

توجد العديد من الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين الدول بشأن تجريم عمليات القرصنة، وتصنيفها جرائم إرهابية، وتختص المحاكم بمعاقبة مرتكبيها فضلاً عن التشريعات العقابية الداخلية لبعض الدول التي تتضمن تجريم عمليات القرصنة، وإدخالها في إطار الجرائم ذات الطبيعة الإرهابية.

وقد اهتم مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة مؤخراً، نظراً لتفاقم عمليات القرصنة البحرية، بإصدار عدة قرارات مهمة في هذا الشأن تلزم الدول بأهمية التعاون في مجال مكافحة الإرهاب.

إزاء عدم وجود اتفاقية دولية خاصة بمكافحة عملية القرصنة، فإنه يُرى أن يسارع المجتمع الدولي ـ من طريق الأمم المتحدة ـ  إلى عقد مؤتمر دولي بشأن مكافحة جرائم القرصنة، على أن يعني هذا المؤتمر بتحديد هذه الجريمة تحديداً دقيقاً، ووضع الآليات المناسبة لمكافحتها.

ثالثاً: تعريف القرصنة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار

نظمت اتفاقية جنيف لأعالي البحار، الصادرة في فبراير 1958، نصوصاً خاصة بالقرصنة البحرية. فأوردت بالمادة (15) منها النص على أن تكون أعمال القرصنة من الأعمال التالية:

1. أعمال العنف أو أعمال الحجز غير القانوني أو السلب التي يقوم بارتكابها الطاقم أو الركاب على سفينة خاصة لأغراض خاصة ويكون موجهاً:

أ. ضد سفينة في أعالي البحار، أو طائرة، أو ضد الأشخاص أو الأموال في السفينة ذاتها أو في الطائرات ذاتها.

ب. ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص أو أموال في مكان يقع خارج نطاق الاختصاص الإقليمي لأي دولة من الدول.

2. أي عمل يُعد اشتراكاً اختيارياً في إدارة سفينة أو طائرة، مع العلم بأن السفينة أو الطائرة تستخدم في القرصنة.

3. أي من أعمال التحريض أو التسهيل عمداً لأي من الأعمال التي ورد وضعها في الفقرتان (1) و(2) من هذه المادة.

وقد أضافت المادتان (16) و(17) من اتفاقية جنيف السابق الإشارة إليها، إلى حالين آخرين، هما:

أ. أعمال القرصنة كما حددتها المادة (15)، والتي ترتكب بواسطة سفينة حربية أو سفينة حكومية تمرد طاقمها وتحكم في السيطرة عليها.

ب. تُعد السفينة أو الطائرة من سفن أو طائرات القراصنة، إذا كان الأشخاص الذين يسيطرون عليها فعلاً يهدفون إلى استعمالها، بقصد القرصنة.

أما عن تعريف جريمة القرصنة في الاتفاقيات الدولية، فقد ذهبت اتفاقية جنيف لأعالي البحار المبرمة في 29 أبريل 1958، والتي تُعد أول اتفاقية دولية تتناول القرصنة البحرية، إلى وصف بعض الأفعال التي تُشكل جريمة القرصنة، دون التعرض لتعريف محدد لها. حيث نصت في المادة (15) من الاتفاقية على أنه "يُعد من قُبيل أعمال القرصنة الأفعال التالية:

1. أي عمل غير قانوني ينطوي على العنف أو الحجز أو القبض أو السلب، يُرتكب لأغراض خاصة بواسطة طاقم أو ركاب سفينة خاصة أو طائرة خاصة، ويكون موجهاً في:

·   أعالي البحار ضد سفينة أو طائرة أو ضد أشخاص أو أموال على ظهر مثل هذه السفينة أو الطائرة.

·   ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص أو أموال خارج نطاق الاختصاص لأية دولة.

2. أي عمل يُعد اشتراكاً اختيارياً في إدارة سفينة أو طائرة، مع العلم بأن السفينة أو الطائرة تستخدم في القرصنة.

3. أي عمل من أعمال التحريض أو التيسير العمدي للقيام بفعل من الأفعال المبينة في الحالتين السابقتين.\

وقد أضافت المادة (16) من الاتفاقية حالة أخرى، وهي وقوع أعمال القرصنة من سفينة أو طائرة حربية أو عامة أو حكومية، إذا تمرد طاقمها واستولوا عليها وتحكموا في السيطرة عليها.

وعلى نهج اتفاقية جنيف لأعالي البحار عام 1958، ذهبت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982، إلى تعريف القرصنة البحرية من خلال بيان الأعمال المكونة لها، حيث نصت المادة (101) أن جريمة القرصنة هي "أي عمل غير قانوني من أعمال العنف أو الاحتجاز أو أي عمل سلبي يُرتكب لأغراض خاصة من قِبل طاقم أو ركاب سفينة خاصة أو طائرة، ويكون موجهاً في

أ. أعالي البحار، ضد سفينة أو طائرة أخرى، أو ضد أشخاص أو ممتلكات على ظهر تلك السفينة، أو على متن تلك الطائرة.

ب. أي عمل من أعمال الاشتراك الطوعي في تشغيل سفينة أو طائرة، مع العلم بوقائع تضفي على تلك السفينة أو الطائرة صفة القرصنة.

ج. أي عمل يحرض على ارتكاب أحد الأعمال الموصوفة في الفقرتين (أ) و(ب)، أو يسهل عن عمد ارتكابها.

ويُلاحظ أن نص المادة (101) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، قد حددت مكان ارتكاب جريمة القرصنة تحديداً دقيقاً لا لبس ولا غموض فيه، حيث اشترط لقيام القرصنة البحرية أن تكون الأفعال المكونة لها موجهة ضد سفينة أو طائرة في أعالي البحار، وفي مكان خارج الولاية القانونية لأية دولة وخارج اختصاصها الإقليمي، ومن ثم فإن الدول جميعها تُعد مطالبة بالمعاقبة على الأفعال المكونة لجريمة القرصنة وفقاً لمبدأ العالمية.

وقد أوردت الاتفاقية في المادة (103) منها إلى تعريف السفينة أو الطائرة محل الجريمة بأنها تعتبر سفينة أو طائرة قرصنة، إذا كان الأشخاص الذين يسيطرون عليها سيطرة فعلية لاستخدامها لعنصر ارتكاب أحد أعمال القرصنة المشار إليها في المادة (101) من الاتفاقية، وأيضاً إذا كانت السفينة أو الطائرة قد استخدمت في ارتكاب أي من هذه الأعمال، ما دامت تحت سيطرة الأشخاص الذين اقترفوا هذا العمل.

كذلك ذهبت المادة (102) من الاتفاقية إلى أنه إذا ارتكبت أعمال القرصنة من سفينة أو الطائرة حربية أو حكومية تمرد طاقمها واستولى على زمام السفينة أو الطائرة، اعتبرت هذه الأعمال في حكم الأعمال التي ترتكبها السفينة أو الطائرة الخاصة.

رابعاً: القانون الدولي البحري

بينت كل من الفقرة الأولى من المادة (101) من اتفاقية قانون البحار لعام 1982، والمادة (15) من اتفاقية جنيف لأعالي البحار عام 1958، الأركان الواجب تحققها لحدوث جريمة القرصنة، التي هي جريمة دولية "أي أعمال عنف أو احتجاز أو نهب غير قانونية تُرتكب بغية تحقيق منافع خاصة، بواسطة طاقم أو ركاب سفينة أو طائرة خاصة، وذلك في أعالي البحار".

ووفقاً للمادتين المشار إليهما، فإن أية أعمال عنف مسلحة تُرتكب ضد السفن داخل المياه الإقليمية للدول التي تبعد مسافة 12 ميلاً بحرياً من شواطئ الدول، لا تُعد جريمة قرصنة بحرية وفقاً للتكييف القانوني الوارد في الاتفاقيتين المشار إليهما، ولكن تُعد مجرد أعمال سطو مسلح كأية سرقة أو سطو مسلح يُرتكب داخل إقليم الدولة، وتخضع لقوانينها الداخلية المنظمة لهذه الجرائم.

بالإضافة إلى أنه لا بد أن تُرتكب جريمة القرصنة بهدف تحقيق مصالح وأهداف شخصية لمرتكبي الجريمة، أي القراصنة، فإذا كان الهدف من احتجاز أو نهب الممتلكات الموجودة على السفينة هدفاً سياسياً كالترويج لقضية سياسية، أو لفت الأنظار العالمية لقضية أخرى تخرج عن تحقيق مصالح شخصية لهؤلاء المجرمين، فإن هذه الأفعال لا تُعد إلا سطواً مسلحاً، وإن تم في أعالي البحار.

تُعد اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي صدرت عام 1982، ملزمة لكافة الدول أعضاء منظمة الأمم المتحدة، سواء صدقت أم لم تصدق هذه الدول على تلك الاتفاقية، حيث تستند الاتفاقية إلى العرف الدولي الذي استقر منذ القرن السادس عشر الميلادي.

فمنذ القرن السادس عشر الميلادي، ترسخت قاعدة عرفية دولية في مجال مكافحة جريمة القرصنة الدولية، تسمح للدولة التي تعتقل سفن القرصنة بمحاكمتهم بموجب قوانينها الوطنية.

ويُعد القانون الإنجليزي الذي أصدره الملك "هنري الثامن"، عام 1516، من أوائل القوانين الوطنية المعنية بمكافحة ومقاضاة القراصنة، ومنذ ذلك الحين صنفت المحاكم الوطنية للدول قرصان البحر عدواً للبشرية جميعاً، ومنذ ذلك الحين، كانت أية دولة تستطيع أن تقبض على القراصنة في أعالي البحار، تجري محاكمتهم وإعدامهم شنقاً، بغض النظر عن جنسية هؤلاء القراصنة أو المكان الذي أُلقي القبض عليهم في أعالي البحار، حيث كان قانون الشعوب في تلك الحقبة يسمح للدول بأن تعدم هؤلاء على ظهر السفينة التي تعتقلهم، حتى دون اتخاذ إجراءات قضائية حيالهم.

بالرغم من إجماع الفقهاء والمشرعين الدوليين على تصنيف القرصنة جريمة دولية، ينعقد لها الاختصاص القضائي العالمي، وأن القراصنة يُعدون أعداء للبشرية جميعاً، إلا أنه لم يتم إعمال مبدأ الاختصاص القضائي العالمي لمقاضاة قراصنة البحر إلا في مرات قليلة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ويرجع ذلك إلى أن العديد من الدول التي أعملت ذلك المبدأ آثرت ألا تكشف عن قيامها باتخاذ الإجراءات القضائية الوطنية بموجب ذلك المبدأ، ثم تطور الأمر بعد ذلك، حيث أصبحت السفينة الحربية للدول التي تلقي القبض على مراكب القراصنة وسفنهم في أعالي البحار تقودها إلى أحد موانئ هذه الدول، وذلك لمحاكمة القراصنة وفقاً للقوانين الوطنية، والتي تحدد جريمة القرصنة، وتنزل العقوبة المقررة وفقاً لقوانينها.

وإذا كانت جريمة القرصنة تُعد من أولى الجرائم التي انعقد لها الاختصاص القضائي العالمي منذ عدة قرون، وحتى قبل نشأة ما يُعرف الآن بالقانون الدولي العام، فإن معظم الفقهاء يرون أن مرد ذلك ليس إلى بشاعة الجرم ذاته، أي القرصنة، ولكن إلى أن الجريمة تقع خارج حدود الدولة الإقليمية، أي في أعالي البحار، فتخرج بذلك عن نطاق الاختصاص القضائي الوطني لدولة ما، باعتبار أن هذه الجرائم تقع خارج سيادة الدولة.

كما أن العديد من المحاكم الجنائية الوطنية التي أنشأتها الدول الحليفة المنتصرة في الحرب العالمية الثانية لمقاضاة مجرمي الحرب النازيين، كانت قد أسست اختصاصها القضائي في مقاضاة هؤلاء على مبدأ اختصاص القضاء  العالمي، الذي لم يكن قد عُرف من قبل إلا لملاحقة قراصنة البحر ومقاضاتهم بوصفهم أعداء للبشرية.

وأحياناً تسلم الدول هؤلاء القراصنة إلى دول مجاورة تقبل بمحاكمتهم وفقاً لقوانينها الوطنية. فلقد عقدت كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية مذكرتي تفاهم مع كينيا، الدولة المحاذية للصومال، حيث تتيح هاتان المذكرتان للحكومة الكينية المفاضلة بين محاكمتهم وفقاً لقوانينها الداخلية، أو نقلهم لدولة جنسيتهم أو للدولة التي تحمل سفينتهم علمها. فحين اعتقلت المدمرة الأمريكية "ونستون تشرشل" القراصنة الصوماليون، يوم 20 يناير 1982، بعد أن كانوا قد أطلقوا نيرانهم تجاه السفينة الأمريكية "دلتا رانجر"، نقلتهم المدمرة الأمريكية إلى كينيا التي شرعت في محاكمتهم وفقاً لقوانينها الجنائية الوطنية، حيث أصدرت، في أكتوبر من العام نفسه، حكمها بسجنهم سبعة أعوام في السجون الكينية.

خامساً: القيود القانونية التي تحد من مواجهة جريمة القرصنة

إن إجراءات وأعمال التضييق والتقييد الذي أتت به اتفاقية قانون البحار، والذي جاء ليحد من الجهود الدولية الفعالة لمكافحة خطر القرصنة البحرية، حيث تقتصر الاتفاقية حدوث فعل القرصنة في أعالي البحار، وتقيد أيضاً الاتفاقية الهدف من العنف والاحتجاز المسلح في تحقيق مصالح ومنافع شخصية للقائمين بذلك.

ومن هنا فإنه من الضروري تعديل الاتفاقية لتتواكب مع التطور والخطورة من جانب القائمين بأعمال القرصنة والسطو المسلح، وذلك ليمتد وصف فعل القرصنة من جريمة دولية إلى المياه الإقليمية، خاصة لمجابهة الحالات التي لا تستطيع فيها الدول المنهارة أو الفاشلة ـ كما الحال في الصومال ـ أن تواجه هذه الأعمال داخل مياهها الإقليمية، أو حين تقوم بعض من هذه الكيانات ـ مثل إقليم "بونت لاند" الذي يقع ضمن إقليمه ميناء "أبل" الذي يُعد المعقل الرئيس للقراصنة ـ بدعم ورعاية هؤلاء القراصنة الذين يرتكبون هذه الأعمال قبالة سواحل ذلك الإقليم.

فحين تُرسل السفن الدولية لمواجهة القرصنة، فليس بمقدور هذه السفن بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار أن تتعقب القراصنة أو تقبض عليهم عند دخولهم المياه الإقليمية للدول، وتكون المياه الإقليمية في هذه الحالة ملاذاً آمناً للقراصنة، تجعلهم يهربون ويفلتون ولا تستطيع سفن الدول التي تطاردهم اعتقالهم، فيعودون لتكرار الجرم نفسه مرة ثانية.

ويرى البعض ضرورة ألا يقتصر الهدف من أعمال القرصنة، تحقيق منافع شخصية للقائمين بذلك العمل، بل يجب أن يمتد ليشمل تحقيق أهداف ومصالح سياسية لهؤلاء الأشخاص.

ومن ثم فإن هذه التعديلات تنصب في مصلحة دعم الجهود الدولية لمكافحة هذا الخطر الداهم المحيق بأمن وسلامة الملاحة البحرية الدولية، والأهم من ذلك الأمن الإنساني في الصومال.

ونتيجة للثغرات التي يستغلها من يقومون بأعمال القرصنة البحرية والسطو المسلح قبالة السواحل الصومالية وفي خليج عدن، قامت العديد من الدول الإفريقية مؤخراً، في شهر يناير 2009، في جيبوتي، بتوقيع قانون سلوك إقليمي يهدف إلى قمع النهب المسلح للسفن بمحاذاة سواحل الصومال وفي خليج عدن. وتنص الوثيقة على أن تراجع الدول الموقعة تشريعاتها الداخلية بما يكفل بإقرار قوانين رادعة تهدف لقمع نهب السفن وتجرم القرصنة وغيرها من جرائم ذات صلة بها، وأن تتضمن تشريعاتها أيضاً مبادئ وإرشادات حول التحقيقات والمحاكمات للقراصنة.

على الرغم من التواجد البحري الحربي المكثف في مناطق خليج عدن والبحر العربي، وقبالة السواحل الصومالية، بهدف تأمين الملاحة البحرية العالمية، وعلى الرغم أيضاً من صدور قرار مجلس الأمن الرقم 1846 في 3 ديسمبر 2008، الذي يرخص للدول ذات السواحل في هذه المناطق بالدخول إلى المياه الإقليمية لدولة الصومال بعد موافقة الحكومة الصومالية لتعقب والقضاء على القراصنة، إلا أن كل هذه الجهود غير ناجحة ما دام المجتمع الدولي يتجاهل عن عمد الأزمة الحاصلة في الصومال منذ عام 1991، والتي كان من أهم وأخطر إفرازاتها وتداعياتها أعمال القرصنة والسطو المسلح ضد السفن في هذه المنطقة.

سادساً: أساس تجريم القرصنة البحرية

نظراً لخطورة جريمة القرصنة البحرية، وما يحيط بها من ظروف وعوامل، فقد أضفى عليها صفة الجريمة الدولية، لأنها تمس في الغالب الدول والأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين وتلحق ضررها بأكثر من طرف، وقد مر تجريم أعمال القرصنة بمرحلتين:

1. التجريم على أساس عرفي

ظل تجريم القرصنة قائماً على أساس عرفي لفترات طويلة، حتى تم تجريمها في تعليمات لاهاي عام 1899، وتلتها اتفاقية لاهاي الرابعة عام 1907.

2. التجريم في الاتفاقيات الدولية

أ. كان تجريم القرصنة البحرية لأول مرة على أساس دولي، بموجب اتفاقية جنيف لأعالي البحار، بتاريخ 29 أبريل 1958، وتُعد هذه الاتفاقية المصدر الأول لتجريم القرصنة البحرية على السفن، حيث اتفق عدد كبير من فقهاء القانون الدولي تحت مظلة الأمم المتحدة، وجاء في المواد من (14 – 23) تجريم صريح للقرصنة البحرية وتكليف الدول المتعاقدة بفرض العقوبات عليها.

ب. كان تجريم القرصنة البحرية بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982، في أي مكان خارج ولاية أي دولة أن تضبط أي سفينة وأن تقبض على من فيها من أشخاص، وتضبط ما فيها من الممتلكات.

ج. كما كان تجريم القرصنة البحرية في اتفاقية روما عام 1988، حيث وُقعت اتفاقية للقضاء على الأعمال غير المشروعة ضد سلامة الملاحة البحرية، وتضمنت هذه الاتفاقية تجريم القرصنة البحرية ووسمها بأنها إحدى الأعمال غير المشروعة التي توجه ضد سلامة الملاحة البحرية، ودعا الدول للتعاون في مجال القضاء على القرصنة البحرية، كما وضعت أسس الاختصاص القضائي.

د. كان تجريم القرصنة البحرية في اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية لعام 2005، والتي وقعت تحت مظلة المنظمات البحرية ̣̣IMO. وقد تضمنت هذه الاتفاقية تحديد الأعمال غير المشروعة ضد سلامة الملاحة البحرية، والتي تُعد القرصنة البحرية جزءاً منها.

3. تجريم الاشتراك والمساعدة في جريمة القرصنة البحرية

يستوي في نظر القانون الدولي العام من اشترك أو من ساعد أو من يحرض على أعمال القرصنة البحرية مع مرتكبيها، إذا كان ذلك عن عمد وعلم. وتنص المادة (101) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وهي تؤكد ما تضمنته المادة (15) من اتفاقية جنيف لأعالي البحار لعام 1958 (اُنظر ملحق القانون الدولي وجريمة القرصنة البحرية).

سابعاً: أساليب وأدوات القرصنة البحرية

عادة ما يرتبط الأسلوب الإجرامي بنطاق جغرافي محدد في تنفيذ عمليات القرصنة البحرية، وذلك على النحو التالي:

1. الأسلوب الأول: الإغارة على السفن ومهاجمتها ليلاً عندما تكون السفن مبحرة وبسرعة منخفضة أثناء عبورها المضايق البحرية، حيث يتسلق القراصنة على متن السفن وغرفة القيادة، ويهاجمون الطاقم ويسلبون السفينة، وهذا الأسلوب شائع عموماً في مضيق ملقا.

2. الأسلوب الثاني: يهاجم القراصنة السفن في بعض الأحيان أثناء رسوها في مناطق رمي المخطاف في البحر أو المراسي، مستغلين سلم السفينة، أو من طريق التسلق بالحبال أو المخاطيف، ثم القيام بمهاجمة السفينة وسلبها، وهذا الأسلوب سائد في سواحل غرب إفريقيا وفي البرازيل، وجنوب الولايات المتحدة الأمريكية.

3. الأسلوب الثالث: تمركز سفن كبيرة تُشكل قيادة لعمليات القرصنة البحرية، ثم تنطلق منها زوارق سريعة بعد تحديد الأهداف، وبعد تنفيذ عملية السطو تعود الزوارق إلى السفينة التي تنطلق منها، وتُسمى (السفينة الأم)، وهذا يعني أن السفينة الأم قادرة على الإبحار لمناطق بعيدة جداً عن السواحل، وتصل لمناطق لا تستطيع الزوارق الوصول إليها. وبعد تنفيذ العملية تعود الزوارق إلى السفينة التي تقوم بدور الإخفاء والحماية. وقد ذكر المكتب البحري الدولي IMP، أن هذا الأسلوب من القرصنة ينتشر قُبالة السواحل الصومالية، وأن هناك عدداً من سفن القراصنة قامت فعلاً بتنفيذ هذا الأسلوب خلال عام 2005، حيث تعرضت 12 سفينة لحالات هجوم من القراصنة.

4. الأسلوب الرابع: يلجأ فيه القراصنة في بعض البحار التي تكون سرعة السفن فيها عالية إلى مجاراتها بزوارق سريعة، ثم يتسلق القراصنة السفينة باستخدام مقابض مغناطيسية أحياناً أو من طريق السلالم والحبال، ويسطون عليها. وهذا الأسلوب شائع في بحر الصين.

5. الأسلوب الخامس: يقوم القراصنة في بعض المواقع باستيقاف السفن على أساس أنهم موظفون رسميون ويرتدون الزي العسكري أحياناً، ويصعدون إلى السفينة. وهذا الأسلوب يحدث أيضاً في بحر الصين.

6. الأسلوب السادس: حجز السفن بطرق غير مشروعة، عند رسوها في أحد الموانئ أو مرورها ببعض الأماكن تحت تهديد السلاح، والمطالبة بفدية مقابل التنازل والإفراج عنها، ويقوم بهذا الأسلوب بعض الأفراد الخارجين عن القانون في الدول الفقيرة، التي تضعف فيها سلطة الدولة والرقابة الحكومية على موظفيها التنفيذيين. وهذا التصرف يعد عملاً فردياً لا يمثل وجهة النظر الرسمية للدولة التي تكون في الغالب عاجزة عن التخلص من هؤلاء بسبب عصابات أو أفراد أقوياء داخل أجهزتها. وهذا النوع من القرصنة يوجد في بعض دول شرق آسيا.

ثامناً: عقوبة جريمة القرصنة البحرية في القانون الجنائي

يُعطي القانون الدولي لكل دولة الحق في محاكمة القراصنة وفقاً لقواني الدولة التي تقع في مياهها الإقليمية. أما ما يقع خارج المياه الإقليمية للدول فيخضع للإجراءات والاختصاصات القضائية التالية:

1. إجراءات الضبط

الضبط القضائي هو ما يقوم به رجال البحث عن الجرائم ومرتكبيها، وجمع الأدلة اللازمة للتحقيق، ويعطي القانون الدولي الحق لكل دولة لضبط سفن القرصنة في المياه الدولية، وأن تقبض على من فيها من الأشخاص وتضبط ما فيها من الممتلكات.

2. شروط الضبط

أ. يجب أن يقع الضبط من سفن رسمية مصرح لها بذلك، وتحمل علامات واضحة تدل على أنها في خدمة الحكومة.

ب. يجب أن تتحمل الدولة التي قامت بعملية الضبط مسؤولية الخسائر والأضرار الناتجة عنها تجاه الدولة التي تتبع لها السفينة، في حالة عدم صحة جريمة القرصنة.

ج. عند التأكد من جنسية السفينة، يجب أن تستأذن الدولة صاحبة السفينة لتفتيشها، وعلى الدولة صاحبة السفينة أن تأذن أو تكلف من يتولى إجراءات الضبط مع الطرف الطالب أو منفرداً.

3. إجراءات التحقيق

أعطت قواعد القانون الدولي العام مهمة التحقيق في قضايا القرصنة البحرية إلى الدول التي تقوم بمباشرة الجرائم، وتتولى ضبط المتهمين بجرائم القرصنة البحرية، وتطبق كل دولة ما لديها من إجراءات تخص التحقيق، ثم تقوم بعد ذلك بإجراءات المحاكمة وفق قوانينها، ويشارك مركز مكافحة القرصنة، ومقره كوالالمبور، في عمليات التحقيق في الجرائم الغامضة للتعاون ومساعدة الدول في الكشف عن هذه الجرائم.

4. المحاكمة وتنفيذ العقوبة

أ. تعطي قواعد القانون الدولي العام للمحاكم المحلية في الدول الحق في نظر قضايا القرصنة البحرية على السفن طبقاً للقوانين الجنائية في هذه الدول، وبموجب أنظمة القضاء والإجراءات المعمول بها في الدول التي تولت مهمة ضبط القراصنة، أو قوانين الدولة التي تتبع لها سفينة القراصنة، إذا سُلم القراصنة إليها.

ب. تنص المادة (19) من اتفاقية جنيف لأعالي البحار، على أن "لمحاكم الدولة التي قامت بالحجز عن العقوبات التي تطبقها، وعن التدابير التي يجب أن تتخذها بما يختص بالسفن والأموال، مع حفظ حقوق الأشخاص ذوي النوايا الحسنة الذين شملتهم القضية.

5. المسؤولية المادية

تقع جريمة القرصنة البحرية وينتج عنها تلف وأضرار مادية متفاوتة، قد تكون جسيمة في بعض الأحيان. والثابت في القانون التجاري الدولي أن تلك الأضرار تحتسب ضمن الخسائر البحرية ولها أربع حالات، هي:

أ. مسؤولية المتسبب أو الجاني عن ما أتلفه أو أخذه في جريمة القرصنة البحرية، ويتضمن ما أتلفه أو أخذه.

ب. يُقرر القانون الدولي عدم مسؤولية الناقل البحري أو الربان عن تلف جريمة القرصنة البحرية.

ج. ما يدفعه الربان للتسوية مع القرصنة يحتسب من الخسائر البحرية المشتركة، وتُعرف الخسائر المشتركة بأنها "كل تضحية أو مصروفات غير اعتيادية يقررها الربان تُنفق عن قصد وبكيفية معقولة من أجل السلامة العامة لدفع خطر يهدد السفينة أو الأموال الموجودة عليها.

د. يحق لأصحاب الأموال التي استولى عليها القراصنة أن يطالبوا بأموالهم إذا أمكن تمييزها من أموال القراصنة واستطاعوا إثبات ذلك، وتضع بعض القوانين مدة محددة يسقط بعدها الحق في المطالبة.

تاسعاً: ضمانات التفتيش والاحتجاز في ضوء القانون الدولي العام

قررت اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة لعام 2005، عدداً من الضمانات وتتلخص في الآتي:

1. طلب الإذن من الدولة التي ترفع السفينة علمها أو تتبع لها السفينة عند الحاجة لتفتيشها أو احتجازها، أما سفن القراصنة البحرية التي بدون جنسية، فتتخذ الإجراءات بحقها مباشرة.

2. مراعاة عدم تعريض سلامة الأرواح في البحار للخطر.

3. المحافظة على كرامة وحقوق الإنسان ومراعاة قواعد القانون الدولي الإنساني.

4. الاهتمام بسلامة السفينة وحمولتها.

5. ضرورة إبلاغ ربان السفينة بالإجراءات المطلوبة قبل مباشرتها.

6. بذل الجهد لتفادي احتجاز السفينة أو تأخيرها دون مسوغ مشروع.

7. مراعاة حقوق الدول الساحلية التي تقررها قواعد القانون الدولي العام.

8. العمل على أن يكون أي إجراء يُتخذ على ظهر السفينة سليماً ولا يؤثر في البيئة البحرية.

9. مراعاة مصالح دولة العلم أو الدولة التي تتبع لها السفينة.

10. الشخص الذي يحتجز له حق الاتصال بممثل مختص من دولته، وله تلقي زيارة من ممثلي الدولة التي ينتمي إليها.

11. عدم جواز نقل أي شخص مُحتجز لغرض الإدلاء بشهادته إلا بموافقته.

12. الإسراع باتخاذ الإجراءات القضائية إذا لم يكن هناك داعٍ التأخير، وحقه في معاملة منصفة ومحاكمة عادلة.

عاشراً: القرارات الدولية والإقليمية لمكافحة القرصنة البحرية

قرارات مجلس الأمن

أصدر مجلس الأمن الدولي، وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أربعة قرارات لمكافحة القرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية، وهي القرار الرقم  1814 في 15 مايو 2008، والقرار الرقم 1816 في 2 يونيه 2008، والقرار الرقم 1838 في 7 أكتوبر 2008، والقرار الرقم 1851 في 16 ديسمبر 2008. والتي أسبلت بمقتضاها الشرعية على التدخل العسكري البحري الدولي من قِبل الدول المتضررة من تلك الظاهرة على سواحل الصومال وخليج عدن.

وفقاً لهذه القرارات فإنه ينبغي على الدول المتشاطئة في البحر الأحمر، لا سيما الدول المجاورة للصومال، التعاون مع القوات الدولية المتعددة الجنسيات التي تؤدي نشاطات عسكرية لمحاربة القرصنة البحرية، وذلك بحكم عضويتها في الأمم المتحدة، وكذلك التزامها بالسماح للسفن الحربية الأجنبية بالمرور عبر مياهها الإقليمية ومضايقها وفقاً لحق حرية المرور البري، وحق المرور العابر (الترانزيت) المنصوص عليهما في اتفاقية قانون البحارة الموقعة في جامايكا عام 1982، وهي ملزمة أيضاً بالتعاون مع القوات المتعددة الجنسيات إذا كانت تحركاتها في مناطق أعالي البحار لمكافحة القرصنة، وفقاً للمواد (100 – 107) من هذه الاتفاقية، التي تتضمن تعريفاً للقرصنة، وحق الدول في ضبط أية سفينة أو طائرة تمارس أعمال القرصنة.

1. قرار مجلس الأمن الرقم 1814، الصادر في 15 مايو 2008

وقد برز في هذا القرار النقاط التالية:

أ. أن يواصل الأمين العام جهوده بالتعاون مع المجتمع الدولي لمساعدة المؤسسات الانتقالية في الصومال في وضع سياسة تعمل على تحقيق الأمن والاستقرار  وتقديم الخدمات للشعب الصومالي.

ب. اتخاذ التدابير اللازمة ضد من يحاولون منع أو إعاقة العملية السلمية في الصومال.

ج. تعزيز فعالية حظر توريد الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على الصومال.

د. دعم المساهمة التي تقدمها بعض الدول لحماية القوافل البحرية لبرنامج الأغذية العالمي. مع طلب من الحكومة الانتقالية في الصومال بحماية سفن نقل المساعدات الإنسانية للصومال.

هـ. تشجيع جهود الإغاثة الجارية في الصومال.

و. تعزيز حقوق الإنسان في الصومال.

ز. تأييد الجهود الجارية التي تبذلها الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي بالتعاون مع الحكومة الاتحادية الانتقالية لتطوير مؤسسات قطاع الأمن في الصومال.

2. قرار مجلس الأمن الرقم 1816، الصادر في 2 يونيه 2008

كان مجلس الأمن الدولي قد أصدر، بناءً على طلب كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبنما، القرار الرقم 1816 في 2 يونيه 2008، والذي يسمح للدول بعد حصولها على موافقة الحكومة الانتقالية الصومالية، ولفترة ستة أشهر، بدخول المياه الإقليمية لمكافحة أعمال القرصنة والسطو المسلح في البحار، وكانت فرنسا ترغب في أن يشمل القرار أعمال القرصنة في مناطق أخرى من العالم كغرب إفريقيا، وهو ما قُوبل باعتراض كل من الصين وفيتنام وليبيا، التي هددت بعدم التصويت لصالح القرار، إلا إذا كان يتعلق بالحالة الصومالية حصراً، ولا ينتهك سيادة أية دولة أخرى. ورغم ذلك فإن أهمية القرار تنبع من كونه يستخدم قوة القانون في السماح للقوى البحرية بمطاردة القراصنة.

وجدير بالذكر أن القرار الرقم 1816، له قوة تنفيذية ملزمة على جميع الدول، حيث يسمح بمكافحة القرصنة واتخاذ تدابير بحق من يقومون بها في المياه الإقليمية للدول، وخاصة فيما يتعلق بالقرصنة في خليج عدن والمناطق المقابلة لسواحل الصومال، وهو يقتصر على مكافحة القرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية فقط، رغم وجود عمليات قرصنة أيضاً في مناطق أخرى من العالم.

3. قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1838، الصادر في 7 أكتوبر 2008

أشار القرار الرقم 1838 الصادر في 7 أكتوبر 2008، إلى القلق الشديد من أعمال القرصنة البحرية والسطو المسلح في البحر ضد السفن قبالة سواحل الصومال في الآونة الأخيرة، وما تمثله من خطر على إيصال المساعدات الإنسانية بسرعة وأمان وفعالية إلى الصومال.

ومن أبرز ما احتوى عليه القرار الرقم 1838:

أ. شجب عمليات القرصنة والسطو المسلح على السفن قبالة السواحل الصومالية.

ب. دعوة الدول المهتمة بأمن الأنشطة البحرية أن تشارك في مكافحة عمليات القرصنة قبالة السواحل الصومالية، من طريق القيام وعلى وجه الخصوص بنشر سفن حربية وطائرات عسكرية وفقاً للقانون الدولي.

ج. حث الدول التي لديها القدرة على مكافحة عمليات القرصنة والسطو المسلح في أعالي البحار إلى التعاون مع الحكومة الاتحادية الانتقالية في الصومال، وفقاً لأحكام القرار الرقم 1816.

د. حث الدول والمنظمات الإقليمية على أن تتواصل وفقاً للقرار الرقم 1814 في اتخاذ إجراءات لحماية القوافل البحرية التابعة لبرنامج الأغذية العالمي.

وهناك بعض الملاحظات بشأن القرار الرقم 1838، وهي:

أ. الغموض الذي تتضمنه بعض فقراته، ومنها دعوته الدول التي لديها القدرة على مكافحة أعمال القرصنة إلى التعاون مع الحكومة الصومالية، حيث لم يبين المعايير القانونية التي يمكن من خلالها معرفة مدى توافر قدرة الدولة على مكافحة أعمال القرصنة.

ب. إشارته إلى أن المكافحة تكون على وجه الخصوص بـ"نشر سفن حربية وطائرات عسكرية وفقاً للقانون الدولي"، وهو ما يعني تأكيد استعمال القوة الهجومية منها أو الدفاعية.

ج. أشار القرار إلى تعزيز فكرة القوات الدولية العاملة هناك، من خلال نص صريح يخولها استخدام سفنها وطائراتها العسكرية في القيام بمكافحة أعمال القرصنة، يمثل اعترافاً ضمنياً من مجلس الأمن بحق تدخل هذه القوات في المياه الإقليمية واستخدام أية وسيلة ممكنة.

4. قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1851، الصادر في 16 ديسمبر 2008

يُجيز القرار الرقم 1851، الذي اعتمده المجلس بالإجماع، في 16 ديسمبر 2008، للدول التي تشارك في مكافحة القرصنة البحرية اتخاذ كل الإجراءات اللازمة في الصومال لمنع الذين يستخدمون أراضيها في القيام بعمليات قرصنة في عرض البحر أو تسهيلها أو القيام بها من التحرك، وتبلغ صلاحية القرار عاماً واحداً. وقد صدر القرار بناءً على طلب كل من فرنسا واليونان وليبريا وبلجيكا وكوريا الجنوبية، وهو رابع وثيقة يعتمدها المجلس منذ يونيه 2008، لمكافحة القرصنة البحرية قبالة السواحل البحرية.

كما يُجيز القرار إنشاء شرطة دولية بحرية ويسمح لسفن الأساطيل الغربية الحربية بدخول المياه الإقليمية للصومال، بعد موافقة الحكومة الانتقالية في مقديشو من أجل قمع أعمال القرصنة والسلب المسلح في عرض البحر.

وعلى الرغم من أن هذا القرار يقع ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يُجيز للمنظمات الإقليمية والدولية المتعاونة في الحرب على القرصنة والسطو المسلح قبالة السواحل الصومالية، اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية المناسبة في الصومال، بما في ذلك نشر سفن حربية وطائرات عسكرية، والتدخل على الأرض طوال عام 2009، لوقف هذه الأعمال، فإن القرار لم يكبح جماح القراصنة الذين ضربوا به عرض الحائط بقيامهم بأربع عمليات خطف ناجحة، قبل أن يمضي على صدور القرار 24 ساعة، ودون اكتراث لقيام الأساطيل البحرية بتعزيز وجودها قبالة السواحل الصومالية لمواجهتهم.

وهو ما يمكن إرجاعه إلى الشروط التي يحتوي عليها القرار المذكور بشأن حق القوات الأجنبية في التدخل العسكري البري، خصوصاً لمواجهة خطر القرصنة، والمتمثلة في ثلاثة شروط رئيسة:

·   الأول: التنسيق مع الحكومة الصومالية الانتقالية.

·   الثاني: أن حق التدخل مقيد بحيز زمني محدد وهو 12 شهراً من صدور هذا القرار.

·   الثالث: هو المكان بتخصص الصومال حالة مفردة، وعدم اتخاذ هذا العُرف عُرفاً دولياً.

ورغم قيام الولايات المتحدة الأمريكية بصياغة ورقة تدعو لقرار دولي ينص على السماح للدول التي تحصل على إذن من الحكومة الصومالية باتخاذ كل الإجراءات الضرورية على بر الصومال، بما في ذلك مجاله الجوي للقبض على الذين يستخدمون الأراضي الصومالية في أعمال القرصنة، إلا أن القرار الرقم 1851 تحاشى الإشارة الصريحة إلى إمكان استخدام الدول المختلفة لقواتها الجوية لمهاجمة القراصنة داخل الأراضي الصومالية..

ويُشير القرار الرقم 1851 إلى دلالات عدة، هي

أ. أن تُحرك القوى الدولية الكبرى ضد القراصنة جاء نتيجة استشعار تلك القوى لوجود تهديد لمصالحها، وليس اهتمامها بتسوية الأزمة السياسية الصومالية في إطارها العام.

ب. أن القرار ينص على ثلاثة أبعاد مهمة:

(1) حق تتبع القراصنة براً وبحراً، حتى داخل الأراضي الصومالية.

(2) إنشاء آلية دولية للتنسيق والتعاون الدولي لمكافحة القرصنة.

(3) إنشاء مركز إقليمي للتعاون الاستخباراتي والمعلومات أيضاً، بهدف محاربة القراصنة.

وإضافة إلى القرارات سالفة الذكر، فقد اعتمد مجلس الأمن الدولي، في 2 ديسمبر 2008، قراراً آخر، وهو القرار الرقم 1846، والذي أعرب فيه عن دعمه الرسمي للعملية البحرية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي في 8 ديسمبر 2008 لمكافحة أعمال القرصنة قبالة السواحل الصومالية، معرباً عن ارتياحه الكبير للقرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي في 10 نوفمبر 1982 بإطلاق العملية "يوناف فور أتلانتا" التي هي أول مهمة بحرية يضطلع بها لمكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال. وكذلك رحب المجلس بقرار حلف شمال الأطلسي التصدي للقرصنة في هذه المنطقة