إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع الهندي ـ الباكستاني





معارك لاهور وكاسور
معارك سيالكوت شاكارجارا
معركة بونش
معركة تشامب
معركة حسين والا
معركة راجستان
معركة سليمانكي
الفيلق الثاني الهندي
الفيلق الرابع الهندي
القتال في قطاع مج 101
القتال في قطاع الفيلق 33

انتشار الجبهة الشرقية
الحرب الهندية الباكستانية
الفتح على الجبهة الغربية
القتال على الجبهة الشرقية
القتال على الجبهة الغربية
باكستان والهندستان وحيدر أباد
قطاع عمل الطائرة TU-114
قضية كشمير ومشكلة الحدود



الصراع الهندي - الباكستاني

المبحث الثالث

جذور النزاع الداخلي بين باكستان الغربية والشرقية وتفجره

لم تكن فترة حكم "أيوب خان" بأحسن من سابقتها رغم إلغائه للأحزاب بمجرد وصوله إلى الحكم وانفراده به مع العسكريين، ثم انتخب أول رئيس للجمهورية في 17 فبراير 1960 وعندما اطمأن إلى موالاة الشعب له أجريت الانتخابات في عام 1965 حيث أعيد انتخابه رئيساً للجمهورية للمرة الثانية في 2 يونيه 1965.

استمرت الصراعات في عهد الرئيس "أيوب خان" رغم عودة الأحزاب إلى الحكم، واشتدت الاضطرابات بسبب اللغة والنزعات الإقليمية حتى صارت تهدد بتمزيق باكستان إلى أن جاءت حرب 1965 مع الهند، التي انتصرت فيها باكستان مما أدى إلى الهدوء النسبي بالنسبة للمشاكل الداخلية.

ولكن سرعان ما عادت الاضطرابات والصراعات تعم البلاد من جديد نتيجة انشغال الرئيس "أيوب خان" بملذاته حتى وصلت إلى ذروتها في نهاية 1968. وكان أكبر الاضطرابات الناتجة من النزعات الإقليمية هي ما حدثت في باكستان الشرقية، إذ أدى تركيز السلطات الفعلية سواء السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية في باكستان الغربية إلى تصاعد الثورة في باكستان الشرقية وظهور نزعة انفصالية بلغت ذروتها عام 1968، حين قدم الشيخ "مجيب الرحمن" زعيم رابطة عوامي للمحاكمة بتهمة التآمر، وكانت المظاهرات والاضطرابات الدامية ضد هذه المحاكمة بداية النهاية بالنسبة لحكم "أيوب خان".

واستمرت هذه الاضطرابات قرابة ستة أشهر، عجز "أيوب خان"، وأعضاء حكومته، عن السيطرة، مما اضطره إلى التنحي عن الحكم للجنرال "يحيى خان"، في مارس 1969.

وعندما وصل الجنرال "يحيى خان" إلى الحكم، في مارس 1969، وسط هذا الجو المشحون بالتوتر، أراد أن يحصن نفسه، فاستند في حكمه إلى طبقة من العسكريين، الذين لعبت برأسهم نشوة انتصار عام 1965، على الهند، واحتفظ لنفسه بمنصب القائد العام للجيش، إضافة إلى منصب رئيس الجمهورية، حتى سُمي حكمه بحكم الجنرالات.

ولتأمين الأحوال المدنية في البلاد، التي تسودها النزعة الحزبية والإقليمية، وعد "يحيى خان" بإجراء انتخابات حرة في ديسمبر عام 1970، على أن تتولى الجمعية التأسيسية، التي يتم انتخاب أعضائها (البرلمان) وضع الدستور الجديد. وكان "يحيى خان" يعتقد أن "مجيب الرحمن"، زعيم رابطة عوامي، وأكبر عوامل إثارة القلق في البلاد، لن يحصل على أكثر من 60% من أصوات باكستان الشرقية، بينما ستشاركه باقي الأحزاب الشرقية في باقي المقاعد والذين سيتحالفون مع أحزاب باكستان الغربية، وبذا لن يحصل "مجيب الرحمن" على الأغلبية. كما كان يأمل من وراء هذه الانتخابات إقرار الهدوء والسلام في أرجاء باكستان، وخاصة في قسمها الشرقي، الذي بدأت تظهر فيه نزعات انفصالية قوية، تحت زعامة الحزب الرئيسي، وهو حزب رابطة عوامي بزعامة الشيخ "مجيب الرحمن".

وكانت نزعة البنجاليين إلى الانفصال تزداد يوماً بعد يوم بينما حكام البلاد منصرفون إلى صراعهم على الحكم.

وعندما شعر الرئيس "يحيى خان" أنه أمن نفسه وخدر الشعب، انصرف إلى شؤونه الخاصة، ولم يفكر في احتمالات المستقبل. كما فشل جهازه الحاكم في توقع ما قد يحدث نتيجة للانتخابات، مما أدى عند إجرائها إلى وقوع أكثر الاحتمالات بعداً عن مخيلة "يحيى خان" وجنرالاته. وقد تفاقمت المشكلة بعد ذلك إلى تطور الأحداث، ثم اختتمت بالحرب، الأمر الذي أفقد البلاد وحدتها، وفقد "يحيى خان" منصبه، وطالب الشعب بمحاكمته.

جاء النزاع الهندي الباكستاني عام 1971 ـ وهو النزاع الرابع ـ فريداً في نوعه، فقد تميز بالأتي:

1. بدأ النزاع في أول الأمر بمشكلة داخلية بين باكستان الغربية ـ حيث توجد الحكومة المركزية ـ وباكستان الشرقية، ثم تحول إلى نزاع ثنائي بين الهند وباكستان أدى إلى قيام الحرب بينهما في نهاية عام 1971. وأصبح نزاعاً دولياً تدخلت فيه الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والصين.

2. كانت مشكلة اللاجئين الذين فروا بالملايين من باكستان الشرقية إلى الهند هي سبب قيام النزاع بين الهند وباكستان، مما أشعل الحرب بينهما، وذلك بدلاً من أن تكون المشكلة هي نتيجة للحرب وأثراً من آثارها.

3. لم يكن النزاع بين الهند وباكستان حول كشمير هذه المرة، بل كان في باكستان الشرقية، وقد أدى في النهاية إلى تفتيت باكستان إلى دولتين: دولة بنجلاديش المستقلة ودولة باكستان (باكستان الغربية سابقاً).

4. عندما بدأ النزاع بين الهند وباكستان، لم تعرض أي من الدولتين النزاع على الأمم المتحدة. بل عندما أعلنت الحرب الشاملة بينهما في 3 ديسمبر 1971، اكتفت الدولتان بإبلاغ ذلك إلى السكرتير العام للأمم المتحدة دون أن تطلبا عقد مجلس الأمن. وبناء على الطلب العاجل لممثلي دول الأرجنتين وبلجيكا وبوروندي واليابان ونيكاراجوا والصومال والولايات المتحدة وبريطانيا وتونس، عقد مجلس الأمن اجتماعه، في 4 ديسمبر 1971، للنظر في الموقف المتدهور، الذي أدّى إلى صدام مسلح بين الهند وباكستان.

ونظراً إلى أن النزاع الهندي الباكستاني بدأ أولاً بمشكلة داخلية بين باكستان الغربية وباكستان الشرقية، فمن المناسب تناول جذور المشكلة، التي نشأت منذ الاستقلال. لم تنشأ المشكلة بين الباكستانيتين، عام 1971، بسبب الأزمة التي أعقبت انتخابات عام 1970، والتي حصل فيها الشيخ "مجيب الرحمن"، وحزبه "رابطة عوامي"، على الأغلبية فقط، ولكن كانت للمشكلة جذور عميقة.

فمنذ الاستقلال، عام 1947، ظهر فارق الاختلاف الحضاري بين باكستان الغربية وباكستان الشرقية. ويوضح ذلك الرئيس "أيوب خان" في مذكراته قائلاً: "كانت هذه المنطقة (يقصد باكستان الشرقية) في حالة بائسة من التخلف، إذ كانت قبل التقسيم محرومة من جميع أنواع العناية"، ويضيف أيضاً: "كانت الحكومة المحلية لباكستان الشرقية حكومة حديثة العهد قليلة في عدد الموظفين. ولكن سيئتها الحقيقية أنها كانت ضعيفة من الناحية السياسية وغير صالحه".

ويوضح أيضاً الرئيس "أيوب خان" تأثير هذا التخلف في باكستان الشرقية على العلاقة بين جناحي باكستان قائلاً: "في الوقت الذي استقلت باكستان كان في باكستان الشرقية رجل باكستاني شرقي واحد في الإدارة المدنية العليا، فاقتضى ذلك إرسال موظفين من باكستان الغربية أو من بين اللاجئين إلى الحكومة المحلية (في باكستان الشرقية). فكان هؤلاء ينظرون إليهم هنالك، حتى بين الطبقات المتعلمة، على أنهم دلائل على التدخل الغريب... انه بينما كان الباكستاني الشرقي في داكا يظن أن الموظفين من باكستان الغربية مظهراً لنوع من أنواع الاستعمار، كان أبناء باكستان الغربية غير راغبين ولا سعداء في أن يكونوا أداة لهذا التسلط المتوهم".

أولاً: العوامل التي أدت إلى التباين بين الباكستانيين

وهناك عدد من العوامل، أدت إلى التباين بين باكستان الشرقية وباكستان الغربية، سبق توضيحها.

1. سياسة الحكومة المركزية نحو جناحي باكستان (1947 ـ 1958)

أدّت السياسة التي اتخذتها الحكومة الباكستانية المركزية في هذه الفترة إلى زيادة التفاوت القائم بين باكستان الشرقية وباكستان الغربية. فقد شعر واضعو السياسة أن مصير الدولة الجديدة في خطر كبير مما جعلهم يتبعون سياسة تزيد من تلاحم ووحدة باكستان. وأدى الاهتمام ببناء الدولة وزيادة كفاءة الإدارة الحكومية إلى المركزية وعدم المساواة في توزيع السلطة بين الجناحين. وظهرت البيروقراطية المدنية العسكرية التي سيطر عليها الباكستانيون الغربيون والتي قيدت من الاشتراك المباشر للبنجاليين في الإدارة.

وفي أوائل الخمسينات عندما شعر البنجاليون بقلة تمثيلهم في الحكومة المركزية، طالبوا بالاستقلال الذاتي لباكستان الشرقية. وتكونت الصفوة الحاكمة في باكستان من مجموعة صغيرة من المهاجرين، الذين جاءوا من أقاليم لم تكن جزءاً من باكستان. وكانوا يرفضون توسيع صفوفهم بضم قيادات إقليمية من داخل باكستان أو القيام بإجراء انتخابات خشية فقدهم كراسي الحكم. وأدّى هذا إلى زيادة صفوف المعارضة وخصوصاً بين الزعماء في الجناحين. وقام تحالف وثيق بين هذه الصفوة الحاكمة التي انتهجت سياستي المركزية والقومية، والبيروقراطية المدنية العسكرية.

وفي السنوات العشر الأولى لقيام باكستان كان اشتراك البنجاليين مع الصفوة الحاكمة محدوداً. فمع انه كان للبنجاليين حوالي 50% من التمثيل في صفوف الصفوة السياسية في الحكومة المركزية، إلا أنه لم يكن لهم إلا فقط 5% من الصفوة العسكرية وحوالي 30% من المناصب العليا في الإدارة المركزية. وقد تميزت سياسة الحكومة بالمركزية الشديدة.

ولم ترحب الصفوة البنجالية في باكستان الشرقية بهذه المركزية الإدارية والسياسية. وأسسوا، في عام 1949، حزب رابطة عوامي. وهو أول حزب إسلامى معارض في باكستان الشرقية. وتكون الحزب من بعض المنشقين على حزب الرابطة الإسلامية، ومجموعة مولانا "بها شاني"[1] زعيم الفلاحين والرئيس السابق لرابطة "مسلمي آسام" الذي تولى رئاسة الحزب. وكان الشيخ "مجيب الرحمن" يشغل منصب سكرتير عام مساعد الحزب.

كان حزب رابطة عوامي هو التنظيم السياسي والمتحدث الرئيسي للصفوة البنجالية، وفي مبدأ الأمر عالج الحزب أموراً عامة مثل نقص الغذاء وإعادة الحريات المدنية. ولكن كانت الحركة المضادة لتقرير لجنة المبادئ الأساسية لدستور باكستان عام 1950وهي أول الموضوعات السياسية الهامة التى تولاها الحزب0 فقد لقى تقرير اللجنة السابقة معارضة ونقد شديد في باكستان الشرقية. وتشكلت "لجنة عمل" لإعداد مشروع بديل كان من بين أعضائها "أنور رحمان خان" و"قمر الدين خان" من حزب رابطة عوامي. وطافت "لجنة العمل" جميع أنحاء باكستان الشرقية وأثارت معارضة الجماهير ضد تقرير لجنة المبادئ الأساسية.

وفي اجتماع شعبي كبير، قدّمت "لجنة العمل" مقترحات باكستان الشرقية. وظلت هذه المقترحات هي أساس جميع المطالب للاستقلال الذاتي للإقليم، فقد دعت إلى أن يقتصر اختصاص الحكومة المركزية على ثلاثة أمور، هي الدفاع والشؤون الخارجية والنقد (العملة)، بينما تترك الأمور الأخرى لاختصاص باكستان الشرقية وباكستان الغربية. ودعت المقترحات إلى ضرورة وجود وزارتين للخارجية وقوتين عسكريتين للدفاع عن كلا الإقليمين، على أن يعمل فيها موظفون من نفس الإقليم. كما أعطت الحكومة المركزية الحق في فرض ضرائب على بعض السلع المعينة على ألا تفرض ضرائب جديدة إلا بموافقة الإقليمين. ونادت كذلك المقترحات بالاعتراف بالبنجالية لغة رسمية في باكستان.

وكان النشاط السياسي الثاني لحزب رابطة عوامي عندما اشترك مع طلبة جامعة "داكا" في حركة اللغة الثانية التي طالبت بالاعتراف بالبنجالية لغة رسمية في باكستان. وقامت المظاهرات تحدياً لأوامر الحكومة بمنع الاجتماعات العامة، وقتل فيها بعض الطلبة برصاص قوات الشرطة، وعمت الاضطرابات في كافة أنحاء باكستان.

وفي عام 1954، تحدت الصفوة البنجالية الحكومة المركزية بالاشتراك في الانتخابات فتكونت "الجبهة المتحدة المعارضة" من حزب "رابطة عوامي" وحزب "نظام الإسلامي اليميني"، وحزبي "جناتانتري داي"[2] وحزب "K.S.P." [3] اليساريين. وأصدرت برنامجاً انتخابياً من واحد وعشرين نقطة يعتبر وثيقة سياسية هامة، حيث احتوى على نقط جوهرية. وأهمها النقطة التاسعة عشرة التي تنص على ضرورة "الحصول على الاستقلال الذاتي الكامل وإخضاع كافة الأمور لسيطرة الإقليم وفقاً لقرار "لاهور" التاريخي، على أن يترك الدفاع والشؤون الخارجية والنقد (العملة) لسيطرة الحكومة المركزية. ويجب بالنسبة لشؤون الدفاع أن يكون مقر القيادة العامة للجيش في باكستان الغربية ومقر القيادة العامة للأسطول في باكستان الشرقية. كما يجب إقامة مصانع للعتاد والذخيرة في باكستان الشرقية لتكون ذات اكتفاء ذاتي في أمور الدفاع. ويجب تحويل الأنصار (الحزب المدني المسلح) إلى حرس وطني كامل".

تأسس الحزب في سبتمبر 1953 برئاسة "فضل الحق" من العناصر المنشقة على حزب رابطة عوامي، وسمي K.S.P. Krishak Smamik Party ونجحت "الجبهة المتحدة المعارضة" في الحصول على الجمعية التشريعية لباكستان الشرقية على 223 مقعداً من 309 مقعداً بينما حصل حزب "الرابطة الإسلامية" الحاكم على عشرة مقاعد فقط. وفي 15 مايو 1954، شكّل "فضل الحق" وزارة كاملة لباكستان الشرقية من مختلف الطوائف. وهكذا انتصرت الصفوة البنجالية على حكومة حزب "الرابطة الإسلامية" التي فرضتها الحكومة المركزية.

ولكن الإقالة السريعة لوزارة "الجبهة المتحدة المعارضة" كانت دليلاً على تعصب الصفوة الحاكمة ضد أي معارضة سياسية. ففي 30 مايو 1954، أقالت الحكومة المركزية وزارة "فضل الحق"[4] ووُضع إقليم باكستان الشرقية تحت الحكم المباشر للحاكم العام لباكستان بناء على المادة 192 من قانون حكومة الهند عام 1935، التي ظلت باكستان تعمل به. وعين الجنرال "إسكندر ميرزا" حاكم جديد للإقليم. فحكم البلاد بيد من حديد، ومنع قيام أي مظاهرات أو توجيه الصحافة لأي نقد للحكم الجديد. وحرم الحزب الشيوعي واعتقل عدد كبير من الأفراد الذين ينتمون للأحزاب المختلفة. وحددت إقامة "فضل الحق" ووضع الشيخ "مجيب الرحمن" في السجن. وقد عمل ذلك على أن تزداد الصفوة البنجالية في التمسك بمطلبها بالاستقلال الذاتي لباكستان الشرقية.

أمّا بالنسبة للسياسة الاقتصادية لباكستان في السنوات العشر الأولى من الاستقلال، فقد اتسمت بالمركزية. فسيطرت الحكومة المركزية على جميع المجالات الاقتصادية لباكستان الغربية وباكستان الشرقية. وهاجم البنجاليون هذه السياسة واعتبروها عاملاً هاماً في الإبقاء على التفاوت الاقتصادي بين الإقليمين.

وأدّت عدم المساواة الاقتصادية إلى خلق شعور بعدم الثقة بين البنجاليين والحكومة المركزية. ولم يرضوا عن إتباع الحكومة المركزية "سياسة اقتصادية موحدة" لم تأخذ في اعتبارها الاختلافات الجوهرية بين اقتصاديات باكستان الشرقية وباكستان الغربية، وكذلك عامل التباعد الجغرافي بينهما.

وكان أكثر ما ضايق البنجاليون ودفعهم لطلب الاستقلال الذاتي هو نقل الموارد من باكستان الشرقية إلى باكستان الغربية، وتحويل مقدار كبير من النقد الأجنبي، الذي تحصل عليه باكستان الشرقية إلى الجناح الغربي. فاتّهَم البنجاليون الحكومة المركزية بالاستغلال الاقتصادي للجوت ومنتجاته لتصديره إلى السوق الدولية والحصول على ثمنه من نقد أجنبي لصالح باكستان الغربية.

وعملت الحكومة المركزية، في السنوات الأولى من الاستقلال، على توحيد الثقافة بين الجناحين في ثقافة واحدة. فقد كانت تعتقد أن هذه السياسة الثقافية الموحدة واللغة الواحدة (الأردية) تؤدي إلى تماسك ووحدة باكستان الشرقية وباكستان الغربية. وسبق أن وضحنا معارضة البنجاليين اتخاذ الأردية لغة واحدة في باكستان، حتى تم الاعتراف بالأردية والبنجالية لغتين قوميتين في باكستان في عام 1954.

وأدّت سياسة الثقافة واللغة الواحدة التي اتخذتها الحكومة المركزية إلى زيادة الفرقة بين باكستان الشرقية وباكستان الغربية، وعملت على تباعد المثقفين والطلبة والموظفين في باكستان الشرقية عن الجناح الغربي. وكذلك ساعدت على النمو السريع للصفوة البنجالية التي تعتز بثقافتها ولغتها، والتي بدأت في معارضة الصفوة الحاكمة.

وفي مارس 1956، أعلن الدستور الجديد. وأصبحت باكستان بموجبه جمهورية إسلامية مستقلة، بعد أن كانت مقاطعة تابعة لبريطانيا، ولكنها بقيت عضواً في الكومنولث البريطاني، وحل محل الحاكم العام رئيس للجمهورية. وكان "اسكندر ميرزا" الحاكم السابق، أول رئيس لجمهورية باكستان.

لم ينه الدستور الجديد الصراع بين غرب باكستان وشرقها، ولا الصراع على السلطة بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء. ومما زاد في إضعاف الاتحاد الإسلامي خسارته لباكستان الغربية، ثم ظهور الحزب الجمهوري الذي ألفه المنشقون عن الاتحاد. وفي عهد رئيس الوزراء "السهروردي" اشتدت الصراعات الإقليمية، فتدهورت الأوضاع وعم الفساد مما دفع الجيش في 7 أكتوبر 1958 إلى التدخل والقيام بانقلاب أبيض، سلم على أثره السلطة للجنرال "محمد أيوب خان" وعينه رئيساً للجمهورية.

2. حكم أيوب خان (1958ـ 1968)

لم يكن تولي "أيوب خان" السلطة في باكستان وإعلان الحكم العرفي، في 7 أكتوبر 1958، انقلاباً عسكرياً ولا ثورة سلمية، بل كان في الحقيقة "انقلاباً إصلاحياً" قام به أفراد كانوا مشتركين بالفعل في النظام السياسي القائم ويعملون كشريك كامل في التحالف البيروقراطي المدني العسكري الذي كان في يده السلطة الفعلية في البلاد.

ولم يحدث حكم "أيوب خان" أي تغيير أساسي في تكوين الصفوة الحاكمة إلا إبعاد الصفوة السياسية عن الحكم وزيادة مركز رجال الأعمال والتجارة. وقد أضر ذلك باكستان الشرقية التي كانت تعتمد على الصفوة السياسية من رجال الأحزاب والنواب في الجمعية التشريعية والوزراء في الحكومة الإقليمية. وقد أدى هذا إلى تمثيل البنجاليين بنسب قليلة في إدارة البلاد.

ألف "أيوب خان" لجنة دستورية لدراسة تحسين الأوضاع في البلاد، وقدمت له اللجنة عام 1961 توصياتها التي بنى عليها الدستور الجديد الذي بدئ العمل به في عام 1962.

وحتى نهاية عام 1966، شغل البنجاليون أقل من 30% من الوظائف العليا المدنية في الإدارة المركزية للحكومة، بالرغم من اتباع نظام الحصص في توزيع الوظائف بين الإقليمين. أما بالنسبة للصفوة العسكرية فكان تمثيل البنجاليين في القوات المسلحة قليلاً ولم يزد كثيراً عما كان في الخمسينيات.

أحس "أيوب خان" بظاهرة انعدام المساواة بين باكستان الشرقية وباكستان الغربية التي كانت سبباً كبيراً لتوتر وسوء تفاهم شديدين بين الإقليمين. فقد جعل محترفو السياسة في باكستان من هذه الظاهرة شعاراً سياسياً شعبياً، وأقاموا حملاتهم السياسية كلها على معارضتهم للحكومة المركزية وباكستان الغربية بدعوى انعدام المساواة بين باكستان الشرقية وباكستان الغربية.

وقام "أيوب خان" بزيارة باكستان الشرقية في 23 أكتوبر 1958، ووعد ببداية جديدة حتى تصبح باكستان الشرقية شريكاً نداً وتقوم بدورها الفعال في شؤون باكستان. وفي أول مارس 1962، أعلن الدستور الجديد لباكستان، وانتُخِب ممثلي الشعب في الجمعية الوطنية، في أبريل 1962.

واهتم دستور عام 1962، بتحقيق المساواة بين باكستان الشرقية وباكستان الغربية في جميع مناصب الحكومة المركزية، وعلى أن تفتح أبواب الدفاع الوطني عن باكستان للأفراد من جميع أنحاء باكستان. وكذلك عمل الدستور على إتاحة الفرصة لمن ينتمون إلى مناطق معينة أن يدخلوا في خدمة الدولة للاضطلاع بمناصب تتصل بتلك المناطق. وذلك حتى يضمن الدستور للأفراد من جميع أجزاء باكستان أن يدخلوا في خدمة الحكومة المركزية كما يضمن أيضاً للأفراد الذين ينتمون إلى جميع أجزاء الأقاليم أن يدخلوا في خدمة الحكومة الإقليمية التابعة لمقاطعتهم. ونص الدستور أيضاً على أنه عند سن القوانين لا تجري الموافقة على قانون يمكن أن يعيق تطور لغة من اللغات ولا ثقافة من الثقافات.

أمّا بالنسبة للمسائل الاقتصادية الخاصة، بالإقليمين والمناطق المختلفة، فقد أنشأ "المجلس الاقتصادي الوطني" الذي أصبح مسؤولاً عن إعداد خطط وبرامج تحقق القضاء على التفاوت بين باكستان الشرقية وباكستان الغربية، ثم بين المناطق المختلفة في كل إقليم فيما يتعلق بمعدل الدخل الفردي، وضمان استخدام مصادر الثروة الوطنية بما في ذلك مصادر الثروة من التبادل التجاري الخارجي، وتوزيعها بطريقة تؤمن إزالة التفاوت بين جناحي باكستان وفي سائر أجزاء كل إقليم.

ومن الناحية السياسية، أصبح ممثلو باكستان الشرقية مساوين في العدد لممثلي باكستان الغربية في الجمعية الوطنية ومجلس الوزراء المركزي. ويقول "محمد أيوب خان" في مذكراته عن ذلك: "لقد حرصت على أن يكون النص في هذه الأمور في صلب الدستور حتى أجعل قضية التفاوت فوق مستوى النزعات الشخصية والإقليمية".

وعمل "أيوب خان" على بناء طاقة اقتصادية في باكستان الشرقية. ففي العام المالي (1957 ـ 1958) كانت باكستان لا تحصل على أكثر من 40% من مجموع المساعدة التي تخصصها الحكومة المركزية للإقليمين معاً. وفي العام المالي (1966 ـ 1967) تلقت باكستان الشرقية من الحكومة المركزية مبلغاً قدره 1.746.210.000 مليون روبية في مقابل 1.200.700.000 مليون روبية نالتها باكستان الغربية. كما بدأت رؤوس الأموال لا تنتقل من باكستان الشرقية إلى باكستان الغربية منذ إصلاحات "أيوب خان".

واجه "أيوب خان" مشكلتين هامتين هما شكل نظام الحكم وإعطاء الحكم الذاتي الكامل لإقليمى باكستان ـ باكستان الشرقية وباكستان الغربية.. وبالنسبة للمشكلة الأولى، أخذت باكستان بنظام حكم يكون على رأس الحكومة شخص واحد يتولى أمرها، على أن تقوم بمراقبة أعماله هيئة تشريعية مستقلة لا يكون أعضاؤها في مركز يمكنهم من التدخل في شؤون الإدارة عن طريق التأثير السياسي توصلاً إلى أغراضهم الخاصة. وبذلك قامت في باكستان حكومة مركزية قوية تقوم على أساس شبه اتحادي. أما فيما يتعلق بإعطاء الحكم الذاتي الكامل لباكستان الشرقية وباكستان الغربية، واقتصار عمل الحكومة المركزية على ثلاثة أمور هي الدفاع والشؤون الخارجية والنقد (العملة) بينما تترك الأمور الباقية لاختصاص إقليمي باكستان الشرقية وباكستان الغربية، فلم توافق لجنة الدستور على ذلك. كما أن "أيوب خان" كان يخشى إعطاء باكستان الشرقية الحكم الذاتي الإقليمي حتى لا ينقلب إلى استقلال كامل.

ومع أن دستور عام 1962 منح الشعب الباكستاني حقوقاً أساسية واسعة إلا أن الملحق الرابع من الدستور أورد جميع القوانين والمراسيم بقانون الاستثنائية وقوانين الحكم العرفي والمراسيم بقانون لحكام الإقليمين والقرارات المحلية. وكان الغرض من وجود هذه القوانين في الدستور هو الحد من الحقوق المدنية والسياسية والقضاء على أي معارضة سياسية لنظام حكم "أيوب خان". وكذلك أعطت الأجهزة التنفيذية الحق لاعتقال المعارضين دون تدخل القضاء.

وكان الأكثر معاناة لهذه القوانين القمعية هو شعب باكستان الشرقية وخاصة حزب "عوامي" وزعيمه الشيخ "مجيب الرحمن". فخلال حكم "أيوب خان" الذي استمر لمدة عشر سنوات وخمسة شهور، كان الشيخ "مجيب الرحمن" إما في السجن أو معتقلاً. ففي 12 أكتوبر 1958، بعد إعلان الحكم العرفي اعتقل الشيخ "مجيب الرحمن"، وأفرج عنه في ديسمبر 1959 وقيدت تحركاته. وفي أوائل عام 1962 اعتقل مرة أخرى بناء على قانون الأمن العام. وفي يونيه 1962 عندما سمح "أيوب خان" للأحزاب السياسية في باكستان بممارسة نشاطها، أفرج عن الشيخ "مجيب الرحمن" الذي أعاد إلى حزب رابطة "عوامي" نشاطه. وفي اجتماع لحزب رابطة عوامي في 9 مارس 1964 طالب بالحكم الذاتي الكامل لباكستان الشرقية.

وفي يونيه 1964، عند اقتراب موعد إجراء الانتخابات العامة الثانية في باكستان، وهي انتخاب رئيس الجمهورية والجمعية الوطنية والجمعيتين التشريعيتين في جناحي باكستان اتحدت خمس أحزاب معارضة هي حزب مجلس الرابطة الإسلامية (المنشق عن حزب الرابطة الإسلامية) ـ حزب رابطة عوامي ـ حزب عوامي الوطني (المنشق عن حزب رابطة عوامي) ـ حزب جمعيات الإسلام ـ حزب نظام الإسلام، وكونوا "جماعة المعاشرة المتحدة". وأعلنت الجماعة عن برنامج يدعو إلى إعادة النظام الديمقراطي البرلماني ومنح الجمعية الوطنية والجمعيتين التشريعيتين في الإقليمين السلطات الكاملة التشريعية. وكذلك إزالة عدم المساواة الاقتصادية بين باكستان الشرقية وباكستان الغربية، واتخاذ الإجراءات الاقتصادية لمنع تركيز الثورة في أيدي عائلات معدودة، وإصلاح الأحوال الاقتصادية للفرد العادي.

وبعد الحرب الهندية الباكستانية، عام 1965، شعرت باكستان الغربية بخيبة الأمل لأن الحرب فشلت في حل مشكلة كشمير وقامت المظاهرات الضخمة ضد اتفاقية طشقند، وعلى نقيض ذلك شعرت باكستان الشرقية بالارتياح لعدم هجوم الهند عليها ورحبت بالاتفاقية. وكان من بين آثار الحرب الهامة على باكستان الشرقية أن زاد التيار المعادي لحكم "أيوب خان" لأن الإقليم ترك بدون دفاع خلال الحرب اعتماداً على حماية الصين. وطالب النواب البنجاليون أمام الجمعية العامة بإنشاء مصنع للذخيرة والعتاد وأكاديمية عسكرية في باكستان الشرقية. وذكروا أنه في الوقت الذي تساهم فيه باكستان الشرقية بنصيبها في الميزانية العسكرية لباكستان، تخصص معظم النفقات العسكرية للدفاع عن باكستان الغربية.

وفي فترة ما بعد "طشقند" عندما بدأت الأمور تتأزم في باكستان، وأخذت المعارضة تشتد ضد حكم "أيوب خان" قدم الشيخ "مجيب الرحمن" برنامجاً يفصل المطالب الوطنية البنجالية في الاستقلال الذاتي، سمى "برنامج النقاط الست". وشرح "مجيب الرحمن" هذه المطالب في كتابه الذي نشر في داكا في مارس 1966. وقد احتوى "برنامج النقاط الست" لحزب رابطة عوامي ما يلي:

أ. يجب أن يكون دستور باكستان اتحادياً مع وجود نظام حكم ديمقراطي للحكومة وهيئة تشريعية منتخبة انتخاباً مباشراً على أساس حق التصويت للأفراد والبالغين.

ب. تقتصر الأمور الاتحادية على الدفاع والسياسة الخارجية فقط.

ج. يجب أن يكون هناك نقدين (عملتين) منفصلتين لكلا الجناحين قابلتين للتحويل بحرية في كل منهما أو بديل لهذا نقد (عملة) واحد خاضع لاحتياطات قانونية معينة ضد انتقال رأس المال من الجناح الشرقي إلى الجناح الغربي.

د. تكون سلطة فرض الضرائب وتحصيل الإيرادات العامة للولايات الاتحادية، ويتم تمويل الحكومة المركزية بتخصيص نصيب لها من ضرائب الولايات.

هـ. يحتفظ لباكستان الشرقية وباكستان الغربية بحسابات نقد أجنبي منفصلة، يتم منها تدبير احتياجات الحكومة المركزية بنسب متساوية من الجناحين أو على أي أساس معين آخر يجري الاتفاق عليه.

و. يكون لباكستان الشرقية اكتفاء ذاتي في أمور الدفاع. ويقام مصنع للذخيرة والعتاد وأكاديمية عسكرية في الجناح الشرقي. ويوضع مقر قيادة القوات البحرية الاتحادية في باكستان الشرقية.

أدّى "برنامج النقاط الست" إلى صدام مباشر بين الوطنية البنجالية، الملتفة حول حزب رابطة عوامي، وحكومة "أيوب خان". وقد تنبأ "أيوب خان" أن هذا البرنامج سيقود في النهاية إلى تفتيت باكستان. لذلك بادر إلى التنديد به كبرنامج انفصالي يهدف إلى فصل باكستان الشرقية، وتحققت نبوءة "أيوب خان" في عام 1971.

وفي 16 مارس 1966 قال "أيوب خان" في مدينة "راجشاهي" في باكستان الشرقية أن "برنامج النقاط الست" هو مؤامرة لإقامة دولة بنجالية تحت سيطرة الهند. ووصف مؤيدي البرنامج أنهم مخربون. وفي 20 مارس 1966 قال "أيوب خان" في مؤتمر لحزب الرابطة الإسلامية في "داكا" أن هناك خطر نشوب حرب أهلية ويجب مواجهتها.

وفي اليوم نفسه، ردّ عليه "الشيخ مجيب الرحمن" في اجتماع عام في "داكا" قائلاً أن على شعب باكستان الشرقية أن يعد نفسه للتحرك لتحقيق مطالبه المشروعة. ودعى إلى ضرورة أن يكون لباكستان الشرقية اكتفاءاً ذاتياً في أمور الدفاع بحيث لا يعتمد البنجاليون للدفاع عن أنفسهم على باكستان الغربية أو دولة أجنبية (يقصد الصين). وفي 17 أبريل 1966، اعتقل "مجيب الرحمن" ثم أفرج عنه. وفي 8 مايو 1966 أعيد اعتقاله مرة أخرى مع بعض قادة حزب "رابطة عوامي" وكثيرين من مؤيدي برنامجه. وشهدت باكستان الشرقية، في 13 مايو 1966، "يوماً للاحتجاج" عقد فيه اجتماع شعبي كبير في ميدان "بالتان" في "داكا" لتأييد "برنامج النقاط الست" للاستقلال الذاتي الكامل.

وحاول حزب رابطة عوامي أن يحصل على مطالبة السياسة داخل الجمعية الوطنية. ففي 3 مايو 1966 قدم "قمر الزمان" من حزب رابطة عوامي مشروعاً إلى الجمعية الوطنية لتعديل الدستور يقترح نقل بعض الأمور مثل التخطيط الاقتصادي والتجارة والتأمين من سلطات الحكومة المركزية إلى الحكومات الإقليمية. ورد عليه وزير العدل في الحكومة المركزية فعارض المشروع وندد به، وقال إن الحكومة ستحافظ دائماً على وحدة باكستان بأي ثمن.

وفي نهاية عام 1967، دخل "ذو الفقار علي بوتو"، وزير الخارجية السابق، في حكومة "أيوب خان"، الميدان السياسي. فكوّن حزب الشعب الباكستاني، الذي تعدّ مبادئه الأساسية خليطاً من الديمقراطية والاشتراكية. ولم يضع حزب الشعب الباكستاني، في برنامجه الأساسي، الأماني الوطنية لسكان باكستان الشرقية، وهي التمتع بالحكم الذاتي الإقليمي. ويعتبر الحزب حزباً لباكستان الغربية، حيث قاعدته العريضة من الطلبة والمثقفين والموظفين والعمال.

وشهد عام 1968، حدثَيْن هاميْن، وقع الأول في بدايته، أمّا الثاني ففي نهايته. ففي 6 يناير 1968، أعلنت الحكومة الباكستانية عن اكتشاف مؤامرة لفصل باكستان الشرقية عن باكستان بمساعدة الهند. واعتقلت الحكومة ثمانية وعشرين شخصاً من بينهم بعض الزعماء السياسيين لحزب رابطة عوامي في مقاطعة شيتا جونج وبعض الموظفين والضباط في باكستان الشرقية. وفي 18 يناير 1968، وجهت الحكومة الاتهام إلى الشيخ "مجيب الرحمن"، لاشتراكه في هذه المؤامرة واعتقلته. وشكلت محكمة خاصة لمحاكمة المتآمرين، في 21 أبريل 1968. وفجأة في 22 فبراير 1969، سحبت حكومة "أيوب خان" القضية وأفرجت عن الشيخ "مجيب الرحمن من دون ذكر أي أسباب.

أمّا الحدث الثاني، فوقع في 7 نوفمبر 1968، عندما اجتاحت مظاهرات الطلبة مدينة "روالبندي" وباقي المدن الأخرى في باكستان الغربية. ومع أن مطالب الطلبة كانت تتعلق بمشاكل التعليم، إلاّ أن حركتهم كانت ذات طبيعة سياسية. ونظم الطلبة في 29 نوفمبر 1968 إضراباً عاماً في "روالبندي" شاركت فيه بعض المدن الهامة في باكستان الغربية، حيث انضمت فئات مختلفة من الشعب وهم المحامون والمعلمون والأطباء والعمال إلى المظاهرات المعادية لحكم "أيوب خان". ووجدت هذه الحركة أصداء لها في باكستان الشرقية بين الطلبة والصحفيين وقد حظيت حركة الطلاب بتأييد حزب رابطة عوامي وحزب عوامي الوطني بزعامة مولانا "بها شاني" الموالي للصين.

وفي 7 ديسمبر 1968، زار "أيوب خان" "دكا" في محاولة لتهدئة الحالة، ولكن استقبل بمظاهرات معادية ضخمة واضطر الجيش للتدخل للسيطرة على الموقف.

ثانياً: بداية النزاع الداخلي بين باكستان الشرقية والغربية (1969 ـ 1971)

ونتيجة اشتداد المعارضة، عقد الرئيس "محمد أيوب خان""مؤتمر المائدة المستديرة" للزعماء السياسيين في كل من باكستان الشرقية وباكستان الغربية، في 10 مارس 1969، لبحث مطالبهم. ووافق على مطلب الانتخاب المباشر المبني على أساس حق التصويت للأفراد البالغين، وعلى الأخذ بالنظام البرلماني للحكومة. ولكن لم يتم الوصول إلى اتفاق حول مسائل هامة، وهي أن يكون التمثيل النيابي على أساس عدد السكان، وإعادة تقسيم الوحدة الإقليمية لباكستان الغربية إلى الأقاليم الأربعة السابقة، وهي إقليم الحدود الشمالية الغربية وإقليم البنجاب وإقليم السند وإقليم بلوخستان. وكانت المسألة الهامة الأخيرة من الخلاف هي رفض "أيوب خان" منح الحكم الذاتي لباكستان الشرقية وبقية الأقاليم الأخرى. وقد أدى هذا إلى زيادة القوة الدافعة لحركة المناداة بالحكم الذاتي لباكستان الشرقية على أساس "برنامج النقاط الست".

وعندما وجد "أيوب خان" أنه لا يمكنه مواجهة المعارضة المتزايدة في باكستان الشرقية وباكستان الغربية، تنازل، في 25 مارس 1969، عن جميع سلطاته إلى الجنرال "يحيى خان"، القائد العام للقوات المسلحة الباكستانية، إذ لم تعد الحكومة تسيطر على الموقف في باكستان.

وعلى ذلك كانت مهمة الرئيس "يحيى خان" هي البحث عن نظام سياسي جديد، يمكن أن يحافظ على الوضع الراهن للصفوة الحاكمة، ويعطي بعض التنازلات للصفوة المعارضة.

اتبع الرئيس الجديد، "يحيى خان"، سياسة الملاينة، مخالفاً بذلك سياسة سلفه، "أيوب خان". فقد أدركت الصفوة الحاكمة بعد الحركات الجماهيرية عام (1968 ـ 1969) أنه من الضروري الاستجابة لبعض الفئات المعارضة. وكان على "يحيى خان" أن يسترضي هذه الفئات، التي تتزعم الحركات الجماهيرية. فأعلنت الحكومة الباكستانية عن سياسة جديدة للتعليم لإرضاء الطلبة، وعن تحسين مستوى الأجور للحرفيين لإرضاء العمال.

وأدرك "يحيى خان" حاجتـه إلى كسب جميـع السياسيين في باكستان، خلافاً لـ "أيوب خان"، وقرر أن يلعب دور القاضي بين الأحزاب والجماعات السياسية المتنافسة. ولكنه لم يستطع أن يبقى محايداً، إذ إن سياسة نظام الحكم كانت هي المحافظة على المصالح الجوهرية للصفوة الحاكمة للبيروقراطية المدنية العسكرية.

الأحداث التي مهدت للحرب وتطورها

وفي أول خطاب للرئيس الباكستاني الجديد إلى الشعب، في 26 مارس 1969، قال: "أود أن يكون واضحاً تماماً لكم أنه ليس لي أي غاية سوى إيجاد الأحوال المؤدية إلى قيام حكومة دستورية. وفي اعتقادي الراسخ، أن حكومة رشيدة ونظيفة وأمينة، هي شرط جوهري لقيام حياة سياسية سليمة وبناءة، للتمهيد لنقل السلطة إلى ممثلي الشعب المنتخبين بحرية ونزاهة على أساس حق التصويت لكل مواطن".

وفي 10 أبريل 1969، وعد "يحيى خان" بإجراء الانتخابات على أساس حق التصويت لكل مواطن، ووضع دستور جديد للبلاد على أساس العدالة والديمقراطية. وكان يعتقد في قرارة نفسه، أن أي حزب من الأحزاب لن يحقق الأغلبية المطلقة، ومن ثمّ، سيظل هو ومن حوله من الضباط يسيطرون على الحكم، إلاّ أن نتيجة الانتخابات التي عقدت، في 7 ديسمبر 1970، جاءت خلافاً لما كان يتوقعه، إذ فاز حزب رابطة عوامي، الذي يتزعمه الشيخ "مجيب الرحمن"، أقوى شخصيات باكستان الشرقية، بـ167 مقعداً من مجموع المقاعد البالغ 169، ومن مجموعة مقاعد الجمعية التأسيسية البالغ عددها 313 مقعداً، محققاً بذلك الأغلبية المطلقة. كما فاز "ذو الفقار علي بوتو"، زعيم حزب الشعب، في باكستان الغربية، بعدد 85 مقعداً، محققاً بذلك الأغلبية النسبية في مقاعد باكستان الغربية، البالغ عددها 144، وان لم يحقق الأغلبية في الجمعية التأسيسية للدولة.

بهذا، كان شبح الانفصال وفساد التآلف بين الإقليمين واضحاً تماماً. فهناك مقاعد خاصة لكل إقليم، كما يوجد بكل إقليم أحزاب لا يمثلها أي شخص من الإقليم الآخر. وكان على الحكام الباكستانيين أن يحاولوا إزالة الفوارق الإقليمية منذ البداية بتمثيل الأحزاب في جميع الأقاليم، وعدم انفراد الأحزاب بالأقاليم حتى يمكن إذابة النزعة الإقليمية في هذه الأحزاب.

ورأى الرئيس "يحيى خان" أن يجتمع بزعيمي الأغلبية في الإقليمين في العاصمة إسلام آباد لوضع الخطوط العريضة للدستور، فرفض "مجيب الرحمن" أن يحضر إلى إسلام آباد، مما اضطر الرئيس "يحيى خان" و"بوتو" للسفر إلى دكا للاجتماع به. وقدم "مجيب الرحمن" برنامجه الشهير من ست نقاط، وهو البرنامج الذي دخل به المعركة الانتخابية، وينص في مضمونه على المطالبة بالحكم الذاتي للإقليم الشرقي، على أن تكتفي الحكومة المركزية بمسائل الدفاع والشؤون الخارجية والعملة. ولكن "بوتو" رفض هذه المقترحات، وانفض الاجتماع من دون التوصل إلى اتفاق.

ووسط هذا الجو المشحون بالتوتر، أعلن الرئيس "يحيى خان" أن الجمعية الوطنية التأسيسية ستعقد أول اجتماع لها، في 3 مارس 1971، للبدء في إعداد الدستور، ولكن بوتو أعلن أنه ونوابه سيقاطعون هذا الاجتماع ما لم يتم إقناع "مجيب الرحمن" على التنازل عن مطالبه، فاضطر "يحيى خان"، في 28 فبراير 1971، إلى اتخاذ هذا الرفض ذريعة في إعلان قراره بإلغاء اجتماع الجمعية التأسيسية إلى أجل غير مسمى. وكانت هذه هي الشرارة الأولى، التي أشعلت المشكلة، إذ عَدّ "مجيب الرحمن" أن هذا القرار يعكس انحيازاً للأقلية ضد الأغلبية، نظراً إلى إمكان عقد الجمعية التأسيسية دستورياً بدون حزب الشعب الذي يمثل أقل من نصف المقاعد.

كان من نتيجة ذلك أن أعلن "مجيب الرحمن" الإضراب العام في البلاد (باكستان الشرقية)، وعمت الفوضى والمظاهرات معظم أنحاء البلاد، حتى شلّت جميع المرافق العامة، مما اضطر الرئيس "يحيى خان" إلى تنحية حاكم باكستان الشرقية، وتعيين الجنرال "تيكا خان" أبرز القادة العسكريين حاكماً لباكستان الشرقية.

نتيجة لتدهور الموقف في باكستان الشرقية، إلى الاشتباكات المسلحة بين الجيش والمدنيين المسلحين، أعلن "يحيى خان"، في محاولة لتهدئة الموقف، أنه قرر عقد الجمعية التأسيسية يوم 25 مارس 1971. ولكن "مجيب الرحمن" رفض الموافقة على الاجتماع، قبل الاستجابة إلى شروط أربعة، هي:

1. إلغاء الأحكام العرفية.

2. سحب القوات المسلحة من الإقليم الشرقي فوراً وعودة الجيش إلى ثكناته.

3. إجراء تحقيق في حوادث العنف التي اقترفها الجيش في باكستان الشرقية.

4. نقل السلطة إلى ممثلي الشعب.

وفوجئ "يحيى خان" بموافقة "ذو الفقار علي بوتو" على هذه الشروط التي ينص أحدها على نقل السلطة إلى ممثلي الشعب وهو ما يطمع فيه بوتو، إلا أن "يحيى خان" رفض ذلك فاستمر الموقف في التدهور وتزايدت الاشتباكات.

في 15 مارس 1971، ونتيجة لتفاقم الأزمة من دون حل، أعلن "مجيب الرحمن" في بيان له أنه استولى على السلطة الحكومية في الإقليم الشرقي، ووصف هذا العمل بأنه عمل مشروع بحكم فوزه في الانتخابات، وأورد في بيانه 35 توجيهاً تحوي في مضمونها الحكم الذاتي في باكستان الشرقية، فطار إليه "يحيى خان" وعقد معه عدة اجتماعات، بدءاً من 16 مارس 1971، في محاولة لإثنائه عن عزمه. وقرر "يحيى خان"، لترضيته، تشكيل لجنة تحقيق في الاشتباكات، التي نشبت بين الجيش والأهالي، وهي أحد مطالب "مجيب الرحمن" الأربعة، ولكن "مجيب الرحمن" أصرّ على موقفه.

وفي 22 مارس، اجتمع "يحيى خان" و"مجيب الرحمن" و"ذو الفقار علي بوتو"، في محاولة أخرى للوصول إلى حل للأزمة. ولمّا لم تسفر هذه الاجتماعات عن التوفيق بين وجهات النظر المتعارضة، أعلن الرئيس "يحيى خان" تأجيل الجمعية التأسيسية، التي كان مقرراً عقدها، في 25 مارس، إلى أجل غير مسمى.

وفي 25 مارس، وهو أحد الأيام الحاسمة في تاريخ تطور المشكلة، ألقي القبض على "مجيب الرحمن" وعدد آخر من أنصاره وقادة حزبه، ورحلّوا إلى باكستان الغربية، سراً، واستولى الجيش على السلطة تماماً في باكستان الشرقية، وفرض حظر التجول، واستولى على الإذاعة ومنع النشاط السياسي، وكان هذا هو ترجمة القرار الذي اتخذته الحكومة الباكستانية باستخدام القوة في حل الأزمة، بعد أن فشلت جميع الجهود السالفة.

وفي 26 مارس 1971، أذاع الرئيس يحيى خان بياناً من الإذاعة، تلخص في الآتي:

أ. إن القوات المسلحة تلقت أمراً بتوطيد سلطة الحكومة.

ب. حظر نشاط جميع الأحزاب السياسية في باكستان بإقليميها الشرقي والغربي.

ج. فرض رقابة كاملة على الصحف والمراسلات والبرقيات.

ثم أذيع بيان الحاكم العسكري لباكستان الشرقية الجنرال "تيكا خان"، الذي يحوي قرارات باحتلال وحدات الجيش المراكز الرئيسية، ونزع السلاح من العناصر البنجالية في القوات المسلحة والجيش الشعبي والبوليس، ونتيجة لذلك نشبت الحرب الأهلية في باكستان الشرقية كرد فعل لهذه القرارات السابقة وخاصة القبض على مجيب الرحمن.

وتعتبر هذه الأحداث على جانب كبير من الأهمية، من وجهة النظر العسكرية، إذ بدأت الهند تتخذ قرارها بالاستعداد للتدخل عسكرياً في المشكلة. كما اتخذت باكستان قرارها بإجراء الحشد في باكستان الشرقية، لسرعة القضاء على الثورة المسلحة فيها. كما بدأت باكستان تخطط لمجابهة احتمال أي تدخل مسلح من الخارج وبالأخص من جانب الهند.

تلاحقت الأحداث، بعد ذلك بسرعة، وفقدت جميع الأطراف السيطرة على الموقف، إذ اتسع نطاق الحرب الأهلية حتى شملت جميع مناطق باكستان الشرقية، وهربت جموع غفيرة من البنجاليين الشرقيين إلى الهند (البنجال الغربية)، وتضخمت مشكلة اللاجئين شيئاً فشيئاً حتى وصل حجم اللاجئين، في أكتوبر 1971، إلى تسع ملايين و852 ألف لاجئ، قدّموا الذريعة إلى الهند للتدخل المسلح. كما نظمت قوات جبهة التحرير البنجالية (الموكتي باهيني) وتم تدريبها وتسليحها ودفعها للقتال المسلح ضد القوات الباكستانية على الحدود، حتى وصل حجمها إلى 100 ألف مقاتل. ثم تصاعدت حدة الاشتباكات على الحدود، بدءاً من يوم 29 أبريل 1971، حتى تحولت إلى اشتباكات بين القوات المسلحة الهندية (تحت شعار قوات الموكتي باهيني)، والقوات الباكستانية في باكستان الشرقية، وبعد ذلك أخذت هذه الاشتباكات اعتباراً من 21 نوفمبر 1971 صورة الحرب السافرة.

وفي يوم 17 أبريل1971، أعلنت حكومة بنجلاديش في المنفى، وهي الحكومة التي اعترفت بها الهند لاحقاً، وذلك بعد ثلاثة أيام من بدء الحرب (يوم 6 ديسمبر 1971).

وعندما شعر الرئيس "يحيى خان" بأن الموقف يتدهور في غير مصلحة باكستان مما قد يؤدي إلى احتمال مواجهة مع الهند، وهو ما لا ترغب فيه باكستان في الوقت الحاضر، أصدر أمراً بتنحية الجنرال "تيكا خان" من منصبه كحاكم عسكري لباكستان الشرقية وتعيين حاكم مدني لها من أصل بنجالي خلفاً له، في 31 أغسطس 1971. ثم أعلن الرئيس "يحيى خان" في 12 أكتوبر أنه بسبيل وضع دستور جديد للبلاد، وتعيين حكومة مدنية، في باكستان الشرقية. كما وجّه "يحيى خان"، في 19 نوفمبر 1971، نداء مصالحة مع الهند، رفضته "أنديرا غاندي"، رئيسة وزراء الهند، في 21 نوفمبر 1971.

وأخذت الهند تعد جيشها وأجهزتها للحرب، إضافة إلى تهيئة الساحة العالمية لتقبل هذه الحرب. ففي 8 يونيه 1971، التقى "اليكسي كوسيجين"، رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي، في موسكو، ووزير خارجية الهند. وفي يوم 9 أغسطس 1971، وقعَت المعاهدة السوفيتية الهندية (اُنظر ملحق معاهدة السلام والصداقة والتعاون الهندية السوفيتية 9 أغسطس 1971). وفي 23 أكتوبر 1971، قامت الهند بتعبئة احتياطياتها في الوقت الذي بدأت فيه "أنديرا غاندي" جولة، زارت خلالها بروكسل وفيينا ولندن وواشنطن وباريس وبون. وفي يوم 19 نوفمبر، أعلن وزير الدفاع الهندي أن مقاتلي بنجلاديش يجب أن يحققوا الانتصار في أقرب وقت ممكن. وفي يوم 26 نوفمبر، نشب القتال بين القوات الهندية والباكستانية على طول حدود باكستان الشرقية. وفي الأول من ديسمبر 1971، أعلنت "أنديرا غاندي"، أنها تطالب بانسحاب القوات الباكستانية من باكستان الشرقية كشرط لحل النزاع.

وحاولت باكستان وسط هذا التصاعد الشديد منع الاتحاد السوفيتي من التدخل في المشكلة، بإرسال مبعوث إلى موسكو، في 3 سبتمبر 1971، ثم اجتماع الرئيس "يحيى خان" بالرئيس السوفيتي "نيكولاي بودجورني"، في 17 أكتوبر 1971. ولمّا لم تسفر هذه المباحثات عن نتيجة، اتجهت باكستان إلى الصين، وأرسلت إليها وفد برئاسة "ذو الفقار علي بوتو"، في 8 نوفمبر 1971، ثم أعلن الرئيس "يحيى خان" حالة الطوارئ يوم 23 نوفمبر 1971، لمواجهة ما أسماه التهديد بعدوان خارجي. وفي 25 نوفمبر 1971، أعلن الرئيس "يحيى خان" أنه قد يضطر إلى الحرب الشاملة في غضون عشرة أيام. وفي 3 ديسمبر 1971، بدأت الحرب الشاملة بالضربة الجوية الباكستانية على المطارات الأمامية الهندية في الجبهة الغربية.

 



[1] انسحب مولانا `بها شاني` من حزب رابطة عوامي، وكوّن في يوليه 1957 حزباً جديداً، هو `عوامي الوطني

[2] تأسس الحزب في يناير 1953 وهو أول حزب سياسي يقوم على مبادئ علمانية واشتراكية.

[3] تأسس الحزب في سبتمبر 1953 برئاسة `فضل الحق` من العناصر المنشقة على حزب رابطة عوامي، وسمي K.S.P. Krishak Smamik Party

[4] كان الشيخ `مجيب الرحمن` وزيراً في وزارة الجبهة المتحدة برئاسة "فضل الحق".