إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع التركي ـ اليوناني، ومشكلة قبرص





نيقوسيا والخط الأخضر

الاقتراح التركي
بحر إيجه والجزر
قبرص التقسيم الفعلي



أولى حروب القرن

المبحث الرابع

الموقف الدولي وإعلان جمهورية قبرص الشمالية التركية

أولاً: الموقف الدولي من مشكلة قبرص والغزو التركي لها

1. موقف الولايات المتحدة الأمريكية

هناك محوران رئيسيان، تدور حولهما السياسة الأمريكية تجاه قبرص، وهما:

أ. الحيلولة دون وقوع الجزيرة في دائرة النفوذ السوفيتي، لموقع الجزيرة الفريد في شرق البحر الأبيض المتوسط.

ب. الحرص على حلف شمال الأطلسي، وتحصينه ضد أي تصدّع، قد ينجم عن الصراع العسكري التركي  ـ اليوناني في قبرص. فتركيا، بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومصالحها السياسية والإستراتيجية والاقتصادية في منطقة شرق البحر المتوسط ـ هي الحليف الأقوى كثيراً من الحليف الآخر في المنطقة نفسها (اليونان)؛ وسيطرة الحليف الأقوى على زمام الأمور في الجزيرة، كفيل بتحقيق المصالح والأهداف الأمريكية في ذلك الجزء الحيوي من العالم.

وأيدت واشنطن وجهة نظر بريطانيا الرسمية، التي ترى حل مشكلة قبرص على النمط السويسري، بإنشاء مقاطعات يونانية وتركية منفصلة، تحت رئاسة حكومة فيدرالية.

وحاولت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ عام 1967، إيجاد تسوية سلمية لمشكلة قبرص. فجرت مباحثات أمريكية ـ يونانية في يونيه 1971، لبحث المشكلة القبرصية، ولإيجاد مقر دائم للأسطول السادس الأمريكي، يسمح بإقامة ثلاثة آلاف من الرعايا الأمريكيين وعائلاتهم. وأسفرت هذه المباحثات عن توقيع اتفاق بين الطرفين.

وتَطور الموقف الأمريكي حسب تطورات المشكلة نفسها. فعندما حدث الانقلاب العسكري في قبرص، دلت التقارير، التي تسربت من وزارة الدفاع الأمريكية، على أن أمريكا، كان لها اليد الطولى في الانقلاب، رغبة منها في الإطاحة بحكم مكاريوس، لانتهاجه سياسة عدم الانحياز، وإقامته علاقات بدول المعسكر الاشتراكي، كما أنه رفض إقامة قاعدة بحرية لأمريكا في الجزيرة، ووقف ضد المخططات الإستراتيجية الأمريكية في شرق البحر الأبيض المتوسط.

2. معالجة الولايات المتحدة الأمريكية للأزمة

إن أهمية القطاع الجنوبي من حلف شمال الأطلسي، لم تغب أبداً عن أذهان صانعي السياسة الأمريكية، واستأثرت اليونان باهتمام الولايات المتحدة الأمريكية. وازداد النفوذ الأمريكي في اليونان، وامتد إلى السياسة وجماعات الضغط ورجال الجيش، وتلاحمت الاستخبارات في الدولتين. وهذا التعاون، تعود جذوره التاريخية إلى ما قبل وصول الضباط اليونانيين إلى الحكم، ولقد عمل الجنرال جورج بابادوبولوس، في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "C.I.A." لفترة طويلة.

وأكد هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي، أهمية اليونان، لأنها تخدم المصالح الإستراتيجية الأمريكية، خاصة أن هناك قاعدة عسكرية أمريكية، تعد مقراً للأسطول السادس الأمريكي. وتخلّي أمريكا، من وجهة نظر كيسنجر، عن النظام العسكري في اليونان، يعنى معاداة اليونان لأمريكا، ومن ثم تعريض المصالح الأمريكية في اليونان للخطر. وأكد كيسنجر الدور الأمريكي في منع المواجهة العسكرية بين تركيا واليونان، في شأن قبرص، خوفاً من انهيار الجناح الجنوبي الشرقي لحلف شمال الأطلسي.

كانت الغاية من العملية الانقلابية في قبرص، هي الإطاحة بحكم مكاريوس، ثم العمل على ضم قبرص إلى حلف شمال الأطلسي. ويتحقق ذلك بطريقتين، إمّا بتوحيد قبرص مع اليونان، تحت سياسة الأمر الواقع، وضمها إلى منطقة الدفاع الأمريكية، وإمّا بتقسيم الجزيرة، وهو ما يقود إلى النتيجة عينها، فالجزيرة، بقسميها، في هذه الحالة، ستخضع لتركيا واليونان. وكل من هاتين الدولتين، تُعدّ ركيزة لحلف شمال الأطلسي في شرق البحر الأبيض المتوسط، ومن ثم ستحصلان على القواعد، التي كان مكاريوس يرفضها، بحجة حياد قبرص، ولن تبخل الولايات المتحدة الأمريكية على الدولتين، بالتعويض المطلوب في المجالات العسكرية والاقتصادية. وهكذا، يكون الخلاف الطائفي، الذي عصف بالجزيرة (منذ سنوات)، قد انتهى بتقسيم الجزيرة والقضاء على استقلالها.

كانت وجهة النظر الرسمية، قد انعكست على تصريح الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية، الذي جاء فيه: "نحن نطالب تركيا، بصفة خاصة، بوقف إطلاق النار، إذ إن استخدام القوة، فضلاً عن أنه يعرض العلاقات بين تركيا واليونان للخطر، فإنه يؤدي أيضاً إلى تعريض المنطقة كلها للخطر. وإن حل القضية القبرصية، لا يمكن أن يكون من طريق استخدام سياسة القوة".

وكان في إمكان الولايات المتحدة الأمريكية منع تركيا من التدخل في الشؤون الداخلية لقبرص، كما فعلت عام 1964، في عهد الرئيس الأمريكي جونسون.

3. موقف بريطانيا من الانقلاب العسكري اليوناني، والإنزال التركي في قبرص

يكمن سبب اهتمام بريطانيا بالأوضاع القبرصية، في كونها من الدول الضامنة لاستقلال الجزيرة، إذ إنها وقعت معاهدة الضمان مع كل من تركيا واليونان، عام 1960. وبموجب هذه المعاهدة، فإن كل طرف ملزم بالدفاع عن الجزيرة، في حالة الاعتداء عليها، أو انتهاك سيادتها. وتتشبث بريطانيا بقواعدها العسكرية في قبرص، مؤكدة أهميتها، خاصة بعد فقْد قواعدها في مالطة.

وبعد الغزو التركي  للجزيرة، ونتيجة لتردّي الأوضاع فيها، عقد هارولد ويلسون، رئيس الوزراء البريطاني، اجتماعاً طارئاً مع أعضاء حكومته، أسفر عن إرسال الحكومة البريطانية 400 من قوات الكوماندوز، لتعزيز القوات البريطانية في قاعدتَي أكروتيري ودخليا، في قبرص. وكان حوالي سبعة عشر ألف مهاجر يوناني، وعشرة آلاف مهاجر تركي، قد لجأوا إلى القواعد البريطانية في الجزيرة، بعد سيطرة القوات التركية على الجزء الشمالي منها. وطالبت تركيا بريطانيا بتسليمها اللاجئين الأتراك، لتوطينهم في الجزء الشمالي من قبرص، فرفضت، ولم تسمح لهؤلاء اللاجئين بمغادرة قواعدها في الجزيرة، إلاّ بعد تسوية مشكلة المهاجرين بصفة عامة، الأمر الذي أدى إلى ردود فعل قوية في الأوساط الرسمية التركية.

وفي مؤتمر جنيف، الذي عقد بين بريطانيا وتركيا واليونان، في يوليه 1974، أكّدت بريطانيا ضرورة اتّباع الوسائل السلمية في حل القضية القبرصية.

وسرعان ما توترت العلاقات بين تركيا وبريطانيا، في الفترة اللاحقة. ففي مؤتمر جنيف الثاني،  كان هناك تصلب في الرأي، من جانب بريطانيا تجاه تركيا، وأثيرت مناقشات حادة بين مندوبي الدولتين، حتى إن وزير خارجية بريطانيا، جيمس كالاهان، صرح قائلاً: "إن قبرص، اليوم، هي أسيرة الجيش التركي، وسيكون الأخير أسيراً من قبل قبرص غداً".

وكانت حكومتا الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، قد بعثتا بمندوبيهما إلى مؤتمر جنيف، وهو ما حال دون وصول العلاقات بين بريطانيا وتركيا إلى نقطة حاسمة، إذ كان هناك إهمال من قبل بريطانيا للاقتراح السوفيتي، الذي يرى أن قضية قبرص، يجب ألاّ تحل بين القوى الثلاث الضامنة للجزيرة فحسب، بل يجب حلها في مؤتمر موسع، يشترك فيه أعضاء مجلس الأمن، بهدف إيجاد التقارب بين الدولتين.

4. بريطانيا ومكاريوس

أكدت بريطانيا شرعية حكم مكاريوس، وهي التي نقلته بطائرة بريطانية خاصة من إحدى قاعدتيها، إلى جزيرة مالطة. ويعد دور المندوب البريطاني في مجلس الأمن الأمن، السير إيفور ريتشارد Sir Ivor Richard ، في صياغة قرار وقف إطلاق النار، وبهذه السرعة، تأييداً لمكاريوس وحكومته.

5. موقف فرنسا

حذت اليونان حذو فرنسا، في الانسحاب من الجهاز العسكري لحلف شمال الأطلسي، بعد الغزو التركي لقبرص، للابتعاد عن النفوذ الأمريكي، وساندتها فرنسا في هذا المفهوم تجاه الولايات المتحدة الأمريكية. ويؤكد ذلك أن توطد العلاقات، في ذاك الوقت، بين الرئيسين، الفرنسي فالاري جيسكار ديستانValery Giscard d'Estaing، واليوناني كرامنليس، المنفي إلى باريس، باختياره، قد فتح الباب أمام فرنسا، كي تقوم بدورها في منافسة الولايات المتحدة الأمريكية، في شأن توسيع نفوذها في أوروبا.

لم تستفد فرنسا من اليونان سياسياً فحسب، بل إن البضائع والسلع الفرنسية أيضاً، قد غزت الأسواق اليونانية. وبنت فرنسا موقفها من مشكلة قبرص على الاعتبارات السابقة، ثم زودت اليونان بطائرات الميراج المقاتلة، وبالقوارب الحربية المتطورة، والمدفعية بأنواعها. وكان الهدف الفرنسي كسر الاحتكار الأمريكي لتجهيز اليونان بالطائرات والمعدات الحربية.

جاء رد الفعل الفرنسي المباشر لانقلاب 15 يوليه 1974، بإعلان رئيس الوزراء الفرنسي، جاك شيراك Jacques Chirac: "إن فرنسا قلقة جداً من الوضع المتدهور في جزيرة قبرص، وتخشى من إمكان حدوث مواجهة عسكرية بين تركيا واليونان، حليفتَي فرنسا في حلف شمال الأطلسي، ومن احتمال توسع نطاق هذا النـزاع".

وأثناء مناقشة مشكلة قبرص في مجلس الأمن، بعد الغزو التركي، قدّمت فرنسا بياناً، أكّدت فيه ضرورة انسحاب القوات التركية من الجزيرة القبرصية. ونتيجة لذلك، عمّ الأوساط السياسية في أنقرة الاستغراب والمرارة. وعلى الرغم من رفض أجيفيت، رئيس وزراء تركيا، للموقف الفرنسي بصورة رسمية، فإنه أبدى أسفه تجاه عدم التزام فرنسا الصمت، كما سبق أن فعلت إبّان الانقلاب العسكري في اليونان. وقد وصفت إحدى الصحف التركية السياسة الخارجية الفرنسية بأنها: "مستمدة من سياسة الاتجار بالمدافع"، وهي تعني بذلك صفقة الأسلحة المبرمة بين فرنسا واليونان.

6. الموقف السوفيتي من قبرص والغزو التركي لها

ساند السوفيت حكم مكاريوس في قبرص، في الفترة الواقعة بين عامي 1963 و1964، وذلك بسبب معارضة مكاريوس الانضمام إلى الأحلاف العسكرية، واتباعه سياسة عدم الانحياز. في حين خسر الأتراك المساندة السوفيتية، بسبب ارتباطهم بالأحلاف العسكرية الغربية.

وإزاء احتمالات فرض تسوية لمشكلة قبرص، من جانب حلف شمال الأطلسي، أكّد السوفيت مساندتهم لقبرص، من أجل المحافظة على استقلال أراضيها ووحدتها. كما زار الرئيس مكاريوس الاتحاد السوفيتي، في يوليه 1971، وصدر عقب الزيارة بيان مشترك، تضمّن تأكيد الجانبين حق قبرص في السيادة التامة والاستقلال الكامل، كونها عضواً في الأمم المتحدة. وأوضح البيان تأكيد الاتحاد السوفيتي معارضته الإيجابية لأي تدخل أو غزو، أو استخدام للقوة، أو التهديد بها في مواجهة قبرص.

وقد توافقت إعادة انتخاب مكاريوس، عام 1973، مع اهتمامات الاتحاد السوفيتي ومصالحه، لأن سياسته تحول دون وضع قبرص تحت سيطرة حلف الأطلسي. وكان للاتحاد السوفيتي مواقفه، المؤيدة لسيادة قبرص، منذ إعلان استقلالها في عام 1960.

وخلال اندلاع القتال في قبرص، عام 1963، أعلن الأسقف مكاريوس، في حديث، وجّهه إلى الشعب القبرصي، دعوته لمقاومة التدخل الأجنبي، وأوضح عدم استعداده للتسليم إزاء أي تهديد أو ابتزاز، لأن الشعب القبرصي، ليس بمفرده، لكنه يملك تعاطف القوى الأخرى وتأيديها في كفاحه. وعُدَّت هذه التلميحات تحذيراً لحلف الأطلسي، في شأن تهديده لقبرص، وما يترتب عليه من رد فعل سوفيتي.

وبالفعل، أصدرت وكالة الأنباء السوفيتية "تاس Tass"، في أعقاب ذلك، بياناً رسمياً، حذّرت فيه الغرب من التدخل في الشؤون الداخلية لقبرص. وتأكد الموقف السوفيتي من خلال سلسلة المذكرات والخطابات، التي أرسلتها الحكومة السوفيتية إلى حكومات كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وتركيا واليونان، خلال الفترات الحرجة للمشكلة القبرصية، تطالبهم بالامتناع عن التدخل في شؤون قبرص، لأن مثل هذه المحاولة، سيكون مصدراً لتعقيدات دولية، وذا نتائج مشحونة بالخطر. ويضاف إلى ذلك كله مساندة الاتحاد السوفيتي للشعب القبرصي داخل الأمم المتحدة، والاتفاق الموقع بين الطرفين في 30 سبتمبر1964، لتقديم المساعدة العسكرية السوفيتية، من أجل سلامة قبرص ووحدتها، وفي مواجهة بعض دول حلف الأطلسي، التي تحاول فرض حلول سياسية، غير مقبولة من جانب الشعب القبرصي، بما في ذلك إقامة قواعد عسكرية أجنبية.

تعرضت العلاقات بين الاتحاد السوفيتي وقبرص لهزات خفيفة، عام 1965، نتيجة تصريحات، أدلى بها أندريه جروميكو Andrei Gromyko، وزير الخارجية السوفيتي، لصحيفة إزفستيا، أشار فيها إلى ضرورة احترام حقوق الطائفتين في الجزيرة القبرصية، مع إمكانية إقامة حكومة فيدرالية. كما تعرضت تلك العلاقات لهزة أخرى، عام 1967، نتيجة استبعاد قنصل السفارة السوفيتية في قبرص، بتهمة التجسس.

وعندما وقع الانقلاب العسكري في اليونان، عام 1967، لم يؤيده السوفيت، لأنه ضرب الحركات اليسارية وأخمدها بشدة. كما اقترب هذا النظام من الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى ذلك، رفض السوفيت رفضاً قاطعاً سياسة الإينوسيس، التي أعلنها النظام العسكري في اليونـان في شأن قبرص.

ساد العلاقات السوفيتية ـ التركية نوع من الفتور، في أعقاب التدخل التركي في قبرص، في 20 يوليه 1974. وطالبت موسكو، في بيان رسمي، بتطبيق قرار مجلس الأمن، الذي ينص على إعادة حكومة مكاريوس الشرعية. كذلك، اتهمت موسكو أوساط حلف شمال الأطلسي، بجعلها موضوع وحدة أراضى قبرص المستقلة مادة للمساومة، رغبة في تعزيز المواقع الإستراتيجية للحلف المذكور، شرق البحر الأبيض المتوسط. وطالبت بانسحاب كل القوات الأجنبية، التركية واليونانية والبريطانية، من الجزيرة.

وفور عرض المشكلة على الأمم المتحدة، اضطلع المندوب السوفيتي، جاكوب ماليك Jacob Malik، بدور مهم، في صياغة قرار وقف إطلاق النار بين الطرفين المتنازعين. واستخدام حق النقض (Veto) في مجلس الأمن، ضد اقتراح، يدعو إلى تفويض الأمين العام للأمم المتحدة اتخاذ الإجراءات المناسبة، التي تمكّن القوات الدولية في قبرص من تنفيذ اتفاقية جنيف، المتعلقة بوقف إطلاق النار في الجزيرة.

كما عبّر المندوب السوفيتي عن عدم ارتياحه إلى تورط العالم الغربي، وحلوله الانفرادية في حل هذه الأزمة. كما أوضح السوفيت موقفهم من التطورات الأخيرة في قبرص، في البيان الذي أصدرته الحكومة السوفيتية، في 22 أغسطس 1974، والذي احتوى النقاط التالية:

أ. وفقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 353، فإنه يجب على القوات العسكرية الأجنبية الانسحاب من جزيرة قبرص، فوراً.

ب. إن ما يسمى بمعاهدات الضمان، التي فُرضت على الجزيرة، هي معاهدات عاجزة تماماً عن توفير الاستقلال الكامل للجزيرة. وبمعنى آخر، فإنه وفقاً لوجهة النظر السوفيتية، فإن هذه المعاهدات لا تُعدّ قائمة، ومن ثَمّ، لا يحق لتركيا أو اليونان أو بريطانيا، التدخل في الجزيرة.

ج. إن عدم انسحاب القوات الغازية من قبرص، لا بد أن يؤدي في المستقبل إلى التوتر في العلاقات بين الدول الكبرى.

وقد أثار هذا البيان ردود فعل قوية، في مختلف الأوساط التركية، الرسمية والشعبية. وردّت تركيا، بصورة رسمية، على البيان السوفيتي في 28 أغسطس 1974، بما مضمونه:

أ. إن احترام سيادة قبرص واستقلالها التام يكون من طريق الدول الضامنة للمعاهدة. ولا يحق لغير هذه الدول ـ مشيرة بذلك إلى الاتحاد السوفيتي ـ التدخل في الشؤون الداخلية لقبرص.

ب. إن الحكومة التركية قررت تخفيض قواتها في جزيرة قبرص، على مراحل زمنية.

ج. إن تورط أي دولة في الأزمة القبرصية، لا بد أن يؤدي إلى أن يقرر الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن السياسات والأوضاع الراهنة للأقطار الأخرى، كما هي الحالة عليه الآن. وقد برهنت تجارب الماضي القريب أن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لا يعملون بصورة حيادية في فض المنازعات الدولية.

د. ترى تركيا أنه في الإمكان حل أزمة قبرص، من طريق المفاوضات بين الأطراف المعنية، أو بالشكل الذي يؤكده قرار مجلس الأمن الرقم 353، وإعلان جنيف في 30 يوليه 1974.

وعندما أبرمت اتفاقية جنيف لإقرار السلام، في قبرص، كان هناك استياء سوفيتي، يستدل عليه من البيان، الذي أصدرته الحكومة السوفيتية، والذي تضمن النقاط التالية:

أ. إن قرار مجلس الأمن الرقم 353، نص على انسحاب القوات العسكرية الأجنبية، فوراً، من جزيرة قبرص. في حين أن إعلان جنيف، أشار إلى تخفيض عدد القوات الأجنبية فيها.

ب. اعترف إعلان جنيف بوجود إدارتين مستقلتين، يتمتع كل منهما بالحكم الذاتي، إلاّ أن هذا الاعتراف الذي كان مطلباً أساسياً للحكومة التركية، مرفوض، أساساً، من قِبل الاتحاد السوفيتي. ويؤكد ذلك عودة مكاريوس إلى الجزيرة، ووقوف السوفيت إلى جانب سيادة أراضى قبرص ووحدتها واستقلالها.

أكّد السوفيت ضرورة إعادة المهاجرين اليونانيين إلى أماكنهم. ويعكس قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 3212، في أول نوفمبر 1974، وجهة النظر السوفيتية. وبعد هذا القرار، بدأت دلائل التقارب السوفيتي ـ اليوناني في الظهور. وبعد أن قررت حكومة كرامنليس الانسحاب من الجهاز العسكري للحلف، رحّب الاتحاد السوفيتي بقرار الحكومة اليونانية، لأن ذلك سيؤدى إلى انهيار الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي.

ثانياً:حلف شمال الأطلسي ومشكلة قبرص

1. الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والمشكلة

ارتبطت قضية قبرص باثنين من أعضاء حلف شمال الأطلسي، هما تركيا واليونان. غير أن هذا الحلف، لم يتمكن من فض هذا النزاع. كما أن مجهودات الأمم المتحدة، قد فشلت، هي الأخرى، في إيجاد حل لهذه المشكلة.

وبعد تفجر الوضع في قبرص، في نهاية 1963، طلبت تركيا عقد اجتماع لمجلس حلف شمال الأطلسي، في لاهاي في شهر في مارس 1964. وأعطى مجلس الحلف تعليماته إلى  الجنرال ديرك ستيكر Dirk U. Stikker، السكرتير العام لحلف شمال الأطلسي، ببذل مساعيه الحميدة، للتخفيف من حدة الحرب بين اليونان وتركيا، في شأن جزيرة قبرص. وعقب زيارته كلاًّ من اليونان وتركيا، صرح: "إن جميع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، ترى أنه يتعين على حكومتَي اليونان وتركيا، تأييد وساطة الأمم المتحدة في قبرص. وأن على الحكومتين إدراك أن الخلاف القائم بينهما، في منطقة حيوية، بالنسبة إلى الحلف، يهدده بالخطر".

أحالت دول الحلف قضية قبرص إلى هيئة الأمم المتحدة. وجاء في بيان الحلف ما يلي: "إن دول حلف شمال الأطلسي، ستكثف جهودها لحسم الخلاف بين الأطراف المتنازعة في الحلف، وفقاً للمادة الأولى من معاهدة الحلف، وقرار مجلس الحلف، عام 1956، في فض المنازعات بين الدول الأعضاء".

إن المادة الأولى من معاهدة الحلف، قد نصت على أن: "يتعهد أطراف المعاهدة بما ورد في ميثاق الأمم المتحدة، بالعمل على تسوية جميع المنازعات الدولية، التي يكونون مشتركين فيها، بطرق سلمية، وبكيفية لا تؤدي إلى تعكير صفو السلم والأمن الدوليين، ولا تناقض مبادئ العدالة. وأن يمتنعوا، في علاقاتهم الدولية، عن التهديد، أو استعمال القوة بأي كيفية، لا تتفق مع أغراض الأمم المتحدة".

وعمل حلف شمال الأطلسي، في هذه الفترة، على أن تكون جهوده في تسوية مشكلة قبرص، متوافقة مع الجهود الرامية إلى إحالة هذه المشكلة إلى الأمم المتحدة.

أبلغت الولايات المتحدة الأمريكية كلاًّ من حكومتَي تركيا واليونان، أن الإدارة الأمريكية، سوف تتخذ إجراءات معينة، للحيلولة دون وقوع حرب بين دولتين من أعضاء حلف شمال الأطلسي، وأعلنت بأنها سوف تضع الأسطول السادس الأمريكي في البحر الأبيض المتوسط، لمحاصرة جزيرة قبرص، لتأمينها ضد التدخل التركي المحتمل.

وبعث جونسون رسالة إلى عصمت إينونو، في 5 يونيه 1964. جاء فيها أن تدخل تركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي، في قبرص، سيؤدي إلى حرب بينها وبين اليونان، وهي عضو في الحلف، وأن تدخل تركيا العسكري، من دون موافقة الدول الأعضاء في الحلف، قد ينتج منه تدخل سوفيتي في المشكلة". وأنذر الرئيس الأمريكي بأن الــدول الأعضاء في الحلف، "لن تدافع عن تركيا".

أجاب إينونو على رسالة جونسون قائلاً: "جاء في رسالتكم، إذا تدخل السوفيت في قبرص، فإن دول حلف شمال الأطلسي، لن تدافع عن تركيا. والمبادئ الأساسية للحلف، تخالف ما ذهبتم إليه، لأنه حالة وقوع عدوان على أي دولة من الدول الأعضاء في الحلف، فإن الحلف سيكون مسؤولاً عن رد هذا العدوان. ومن البداية، تشاورنا معكم في هذا الموضوع، وعندما تجددت الاشتباكات في الجزيرة، في 25 يناير 1963، أعلمناكم باتصالنا مع الدول موقعة المعاهدة المذكورة. وكان جوابكم أن الولايات المتحدة الأمريكية، لم تكن طرفاً في هذه المشكلة".

وصف إينونو الولايات المتحدة الأمريكية بأنها "غير راغبة في اتخاذ أي إجراء، يساعد على حل مشكلة قبرص. وأن الموقف بين تركيا واليونان قـد أصبح مظلماً".

وحرصت الولايات المتحدة الأمريكية على إقامة حالة قريبة من التوازن، في القوة العسكرية بين تركيا واليونان، على الرغم من اختلاف حجم البلدين، مساحة وعدداً.

2. الولايات المتحدة الأمريكية واليونان والمشكلة

تناولت حكومة "جورج  باباندريو، عام 1964، مشكلة قبرص على النحو التالي:

أ. إخراج المشكلة من أيدي بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، لعدم اختصاصهما. ورفض تدخل حلف الأطلسي في هذا النـزاع، لأنه كان من أهم العقبات التي واجهت مكاريوس، الضغوط التي تعرض لها من جانب حلف الأطلسي، والولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة. فقد كانت قبرص، منذ إنشاء الحلف، الشرارة التي هددت باندلاع الحرب بين أطرافه، وتقويض أركانه. فخلال الخمسينيات، كانت مشكلة قبرص سبباً في الخلاف الحاد، الذي نشب بين اليونان وبريطانيا، وكانت الأخيرة، تلقى التأييد التام من واشنطن. ومنذ الستينيات، كان النـزاع حول الجزيرة هو السبب الرئيسي في توتر العلاقات بين اليونان وتركيا، اللتين تشكلان الجناح الجنوبي الشرقي لحلف شمال الأطلسي.

ب. ضرورة الاستجابة لمطالب القبارصة الأتراك ـ طبقاً لوجهة النظر الأمريكية، التي عبر عنها حلف شمال الأطلسي ـ وذلك بالحصول على الحكم الذاتي، في ظل دولة فيدرالية. ولقد لقي هذا الاقتراح، هو الآخر، معارضة شديدة من جانب مكاريوس، الذي كان يرى أن ذلك من شأنه خلق دولة داخل الدولة، إضافة إلى أن نسبة 18%، التي يشكلها الأتراك، لا تعدّ مسوغاً لإقامة حكومة فيدرالية. وأرسلت الولايات المتحدة الأمريكية، مبعوثيها إلى العواصم الثلاث، المعنية بمشروع يقضي بإرسال قوات أمريكية، وأخرى تابعة لحفظ السلام في الجزيرة. وأعلنت قبرص رفضها لهذا المشروع، على الرغم من موافقة تركيا واليونان عليه، وتأييد بريطانيا له. وكانت نتيجة الرفض القبرصي، التلويح الأمريكي بقطع المعونة العسكرية، واستخدام الأسطول السادس، كأداة للضغط.

ج. الإشارة إلى أن الهدف النهائي للحكومة، بعد عام 1964، هو وحدة قبرص واليونان، مع عدم انتهاك حقوق الأقلية التركية في الجزيرة.

د. تقديم المعونة، والمساعدة العسكرية إلى قبرص، في حالة تعرضها لأي هجوم تركي.

ثالثاً: جهود الوساطة الدولية

1. وصول القوات الدولية لحفظ السلام

في 4 مارس 1964، وافق مجلس الأمن الدولي على قرار، يقضي بإرسال قوة لحفظ السلام إلى قبرص UNFICYP، في مهمة لبذل أقصى طاقاتها للحيلولة دون تجدد القتال وبالإسهام، أيضاً، إذا اقتضى الأمر، في صون وإعادة القانون والنظام واستئناف الحياة الطبيعية. ولا يزال بقاؤها في الجزيرة، يجدد كل ستة أشهر.

وفي التقرير، الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة، في نهاية الأشهر الثلاثة الأولى من عمل قوات الأمم المتحدة  لحفظ السلام في قبرص ـ صورة قاتمة عن أحوال القبارصة الأتراك في تلك الأيام. وأوضحت التقارير، التي كانت تقدم كل ثلاثة أشهر, ثم كل ستة أشهر, عدم ظهور أي تحسن في  تلك الأحوال.

2. جهود الأمم المتحدة للوساطة

قامت الأمم المتحدة بمبادرة وساطة، في 16 سبتمبر 1964، أوكلتها إلى جالو بلازا من الإكوادور، الذي رفع تقريره، بعد استشارته كافة الأطراف المعنية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، في 26 مارس 1965. ونشر هذا التقرير كوثيقة صادرة من مجلس الأمن الدولي، تحمل الرقم S-6253، والتاريخ نفسه.

لكن جهود الوساطة، لم تذهب أبعد من ذلك؛ إذ إن زعماء القبارصة اليونانيين كانوا غاضبين جداً لاستبعاد جالو بلازا، في تقريره، حق تقرير المصير والإينوسيس. وعلى الجانب الآخر، كان القبارصة الأتراك، من جهتهـم، يرون أن تقرير جالو بلازا منحازاً إلى اليونانيين. وقد رأت تركيا، أن نشر تقرير الوسيط الدولي، ألحق ضرراً، لا يمكن إصلاحه، بدوره كوسيط، ووضعه في موضع الحكم المنحاز إلى اليونانيين.

هكذا، فشل تقرير بلازا في إيجاد حل للمسألة القبرصية. وفي ما بعد، نشأ خلاف بين الأطراف المعنية، حول مسألة من يخلف جالو بلازا، وتلاشت جهود الوساطة.

بذل الأمين العام للأمم المتحدة، كورت فالدهايم، جهوداً شاقة، لإعادة تنشيط المحادثات، التي توقفت في 20 سبتمبر 1971، بين الجانبين، القبرصي اليوناني والقبرصي التركي. وقد اقترح في مذكرة تحمل تاريخ 18 أكتوبر 1971، تم توزيعها على الأطراف المعنيين، استئناف المحادثات، على أن تكون في شكل موسع، بمشاركة ممثله الشخصي في قبرص، وخبيرين دستوريين، أحدهما يمثل تركيا، والآخر يمثل اليونان. حظيت هذه الصيغة بالموافقة. وبدأت المحادثات الموسعة في 8 يونيه 1972.

وكان الخلاف الرئيسي بين الجانبين، يكمن في إصرار الجانب القبرصي اليوناني على الدولة الموحدة. أمّا القبارصة الأتراك، فلم يكونوا مستعدين للتراجع عن موقفهم من الحكم الذاتي الإقليمي، في دولة تحمل ضمانة ضد الإينوسيس. وهكذا، انتهت المحادثات بالاجتماع الأخير، الذي انعقد في 9 يوليه 1974، من دون إنجاز أي شيء يُذكر.

3. محادثات  فيينا

بعد توقف المحادثات الثنائية، إثر عودة مكاريوس إلى الجزيرة، في 7 ديسمبر 1974، وإعلان الجانب القبرصي التركي دولة قبرص التركية الفيدرالية ـ صدر قرار عن مجلس الأمن، دعا إلى التعجيل في استئناف المحادثات بين الطائفتين.

وبعد مناقشات تحضيرية، في نيقوسيا، تمت الموافقة على استئناف المحادثات في فيينا في 28 أبريل 1975، برعاية الأمين العام للأمم المتحدة.

استمرت الجولة الأولى من المحادثات، حتى 3 مايو 1975. وكانت مخصصة، في المقام الأول، لتبادل الآراء في شأن سلطات الحكومة المركزية ومهامها. وقد تشكلت لجنة، لتسهيل المزيد من البحث في هذه المسألة.

الجولة الثانية من المباحثات، انعقدت في 5 يونيه 1975. واستمرت يومين، كان خلالهما مسألة الحكومة المركزية، موضوعاً لمزيد من البحث المكثف. وفي هذه الجولة، اقترح الجانب التركي إنشاء حكومة انتقالية.

الجولة الثالثة من المحادثات، جرت في الفترة من 31 يوليه إلى 2 أغسطس 1975، وكانت على قدر كبير من الأهمية. فخلال هذه المرحلة، سُوِّيت مسألة انتقال السكان، إذ وافق الجانب اليوناني على انتقال الأتراك من الجنوب إلى الشمال، كما وافق الجانب التركي على السماح لليونانيين، المقيمين بالمناطق الخاضعة للسيطرة التركية، بالانتقال إلى المناطق، التي يسيطر عليها اليونانيون في الجنوب.

الجولة الرابعة من المحادثات، انعقدت في نيويورك، في الفترة  من 8 إلى 10 سبتمبر 1975. ورفض كليريديس متابعة المحادثات لأن الجانب التركي، لم يقدم اقتراحات فعلية حول مسألة الأراضي، فتأجل الاجتماع. واستمرت فترة التأجيل مدة خمسة أشهر.

الجولة الخامسة من المحادثات انعقدت في فيينا، في17 فبراير 1976، كنتيجة لاتفاق، توصل إليه وزيرا خارجية تركيا واليونان، في بروكسل، في 12 ديسمبر 1975. وخلال هذه الجولة، جرى نقاش مستفيض في شأن مسألتَي الأراضي والدستور. وقد تمت الموافقة، أيضاً، على أن يتبادل الجانبان اقتراحات خطية، خلال ستة أسابيع، وعبْر الممثل الخاص للأمم المتحدة في قبرص.

تعهد كليريديس، أن يقدم الاقتراحات القبرصية اليونانية، قبل عشرة أيام من تقديم القبارصة الأتراك اقتراحاتهم، وذلك كي يتسنى للقبارصة الأتراك دراسة تلك الاقتراحات، ووضع اقتراحات مضادة، إذا اقتضى الأمر. غير أنه عندما حان موعد تقديم الاقتراحات، حاول كليريديس التراجع عن تعهده السابق، في شأن مهلة الأيام العشرة، مبرراً ذلك بأنه أقدم على تلك الخطوة بمبادرة شخصية، ومن دون استشارة القيادة القبرصية اليونانية، في نيقوسيا.

ونتيجة للنـزاع، الذي شهده الجانب اليوناني، استقال كليريديس، وعيّن بدلاً منه تاسوس بابادوبلوس Tassos Papadopoullos، وهـو نائب قبرصي يونانـي. هذا الأمر، اقتضى تعيين مُحاور جديد عن القبارصة الأتراك، على المستوى نفسه للمُحاور اليوناني المعين. وظلت المحادثات معلقة.

واتفق دنكتاش ومكاريوس على عقد لقاء بينهما، لمناقشة جوانب المسألة القبرصية. فعقد اجتماعان في نيقوسيا: الأول في 27 يناير 1977، والثاني في 12 فبراير 1977. وفي الاجتماع الثاني، الذي حضره الأمين العام للأمم المتحدة كورت فالدهايم، تمت الموافقة على استئناف المحادثات، في فيينا، في نهاية مارس، برعاية الأمين العام للأمم المتحدة.

الجولة السادسة من محادثات فيينا، بدأت في 31 مارس 1977، واستمرت حتى 7 أبريل 1977. وأشار البيان الختامي، الصادر عن هذه المحادثات، إلى أنه لم يكن بالإمكان سد الفجوة الكبيرة بين الجانبين.

في منتصف يناير 1978، زار الأمين العام للأمم المتحدة قبرص. وفي حفل غذاء، أقامها في نيقوسيا، رتب اتفاقاً بين دنكتاش وكبريانو، على إجراءات للتفاوض، في الجلسة المقبلة من المحادثات. نص الاتفاق على أن يعد الجانب القبرصي التركي اقتراحات في شأن الجوانب الأساسية للمسألة، ويقدمها إلى الأمين العام للأمم المتحدة. وبعدئذٍ، يقوم الأمين العام باستشارة الفرقاء، حول الطريقة المثلى لاستئناف المحادثات

أعد الجانب القبرصي التركي اقتراحاته، وقدمها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، في فيينا، في 13 أبريل 1978. ووزعت، أيضاً، على الصحف مذكرة تفسيرية، حول الاقتراحات القبرصية التركية في شأن حل المسألة القبرصية ـ وبعد ثلاثة اجتماعات مع المستشارين، القانونيين والدستوريين، للمحاور القبرصي التركي، الذي قدم بنفسه الاقتراحات، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة بياناً، في 15 أبريل 1978، قال فيه "إن الاقتراحات القبرصية التركية، تتناول الجوانب الدستورية، الخاصة بالأراضي في المسألة القبرصية، بشكل ملموس وجوهري". ورفض كبريانو الاقتراحات القبرصية التركية برمتها، عندما قدمها إليه الأمين العام للأمم المتحدة، شخصياً، في 19أبريل 1978. وأعلن كبريانو أنه يرفض كلِّيَّة فلسفة ومفهوم الاقتراحات القبرصية التركية، ومن ثم، لا يمكن التعامل معها على أنها أساس لاستئناف المحادثات.

وبعد توقف جهود الأمين العام للأمم المتحدة، لإعادة تنشيط المحادثات بين الطائفتين، ظهرت مشاكل أخرى فرعية، أصبحت تهدد، من آن إلى آخر، عملية الوصول إلى حل نهائي. ومن هذه المشاكل:

أ. قضية المفقودين من كلا الجانبين.

ب. قضية المهجرين، التي تمثلت في نزوح القبارصة اليونانيين من الشمال إلى الجنوب، عقب الغزو التركي، ونزوح القبارصة الأتراك من الجنوب إلى الشمال، هرباً من العنف اليوناني.

وفي 26 سبتمبر 1978، أعلن كبريانو رغبته في البحث عن حل، من خلال الأمم المتحدة فقط، للحصول على قرار حازم من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ووضعه موضع التنفيذ، من خلال عقوبات تصدر عن مجلس الأمن.

بحثت الجمعية العامة للأمم المتحدة، القضية القبرصية، في أوائل نوفمبر 1978، واتخذت قراراً، دعا إلى استئناف فوري للمحادثات بين الطائفتين، على قدم المساواة. كما اجتمع مجلس الأمن، ودعا الأطراف المعنية إلى التجاوب والتعاون على تطبيق قرارات الأمم المتحدة، خلال مهلة زمنية محددة. وحث ممثلي الطائفتين على استئناف المفاوضات تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يقدم تقريراً حول المفاوضات والتقدم في تطبيق القرارات، في مهلة أقصاها 30 مايو 1979، أو قبل ذلك الموعد، إذا اقتضت التطورات.

وعلى الرغم من ذلك، بدأت المحادثات بين الطائفتين، في 15 يونيه 1979. ثم انقطعت، فجأة، بسبب اختلاف وجهات النظر في شأن ثنائية المناطق. واتجه القبارصة اليونانيون إلى تدويل النزاع القبرصي، فشاركوا، في مؤتمر عدم الانحياز، في كولومبو Colombo، وفي مؤتمر اتحاد البريد العالمي، في ريو دى جانيرو Rio de Janeiro، وأخيراً، في قمة عدم الانحياز، في هافانا Havana، تمهيداً للحصول على جلسة مناقشة للقضية القبرصية، في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

أسفرت جهود كورت فالدهايم، الأمين العام للأمم المتحدة، جهوده عن استئناف المحادثات، في 9 أغسطس 1980، بعد تأخير دام 14 شهراً. وأبدى كلٌّ من الطرفين عزمهما أن تكون المحادثات مجدية، بالنقاش البنّاء، والاهتمام الكامل بكافة جوانب المسألة القبرصية. إلاّ أن المحادثات سارت ببطء، من دون تقدم ملموس.

في 18 نوفمبر 1981، قدم فالدهايم، وثيقة تقييم، صادرة عن الأمم المتحدة، قبِلَها القبارصة اليونانيون، كأساس لمزيد من النقاش، وقبِلَها القبارصة الأتراك، كإطار للتفاوض.

وفي شهر فبراير 1983، استقال المحاور القبرصي اليوناني. وخلال تلك الفترة، كانت الحملة الانتخابية، قد بدأت في الجانب القبرصي اليوناني، الذي طلب الإبطاء في محادثات الطائفتين، وعدم تقديم أي مقترحات جوهرية، ريثما تظهر نتائج الانتخابات.

فاز كبريانو في الانتخابات، وأعطى الأولوية القصوى لتدويل القضية القبرصية. وذهب إلى أثينا، حيث اتفق مع باباندريو، رئيس وزراء اليونان، على خطة مشتركة لوضع هذه السياسة موضع التنفيذ، وذلك بالحصول على قرارات تدين الغزو التركي لقبرص.

في 9 مايو 1983، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً، يدين الغزو التركي. وفي وقت لاحق، استطلع خافيير بيريز دى كويلار الأمين العام للأمم المتحدة، آراء الجانبين، من خلال ممثله في نيقوسيا، في شأن بعض الخطوات، التي كان ينوي اتخاذها، بهدف توفير دفع جديد للمحادثات بين الطائفتين.

أيقن الجانب القبرصي التركي، أن المباحثات الثنائية، لا طائل فيها، وأن الجانب القبرصي اليوناني، لن يقبل، يوماً، بإيجاد تسوية للمسألة القبرصية، خاصة أن سياسة التشبث بالتدويل، التي فضلها كبريانو على الحوار بين الطائفتين، قد بلغت ذروتها نتيجة للقرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، في مايو 1983.

بعد إعلان القبارصة الأتراك لجمهوريتهم، في شمال قبرص، في 15 نوفمبر 1983م، أصدر مجلس الأمن الدولي، بناء على  طلب من القبارصة اليونانيين، القرار الرقم 541 ، لسنة 1983، في 18 نوفمبر 1983، الذي ينص على الآتي:

إن المجلس، وقد استمع إلى وزير خارجية حكومة قبرص،وإذ يبدي قلقه للإعلان، الذي أصدرته السلطات القبرصية التركية، والذي يشير إلى إنشاء دولة مستقلة في شمال قبرص،

·   وإذ يرى أن هذا الاعلان، لا يتوافق ومعاهدة 1960، المتعلقة بإقامة جمهورية في  قبرص، ومعاهدة الضمان، لعام 1960،

·   وإذ يرى، من ثَم، أن محاولة إنشاء جمهورية  قبرص الشمالية التركية، لا سند قانونياً لها، وأنها ستسهم في تفاقم الوضع في قبرص،

·   وإذ يؤكد من جديد قرارَيه الرقم 365 (1974)، والرقم 367 (1975)،

·   وإذ يدرك الحاجة إلى حل للمسألة القبرصية، قائم على مهمة الوساطة الحميدة، التي يقوم بها الأمين العام،

·   وإذ يؤكد مواصلة دعمه لقوة حفظ السلام، التابعة للأمم المتحدة في قبرص،

·   وإذ أخذ علماً ببيان الأمين العام، في 17 نوفمبر 1983:

1. يستنكر إعلان السلطات القبرصية التركية، ما يظهر أنه انفصال جزء من جمهورية قبرص.

2. يعد الإعلان، المشار إليه أعلاه، باطلاً، قانونياً، ويدعو إلى سحبه.

3. يدعو إلى تطبيق عادل، وفعّال، لقرارَيه الرقم 365 (1974)، والرقم 367 (1975).

4. يطالب الأمين العام بمتابعة وساطته الحميدة، من أجل التوصل إلى حل عادل، ودائم، في قبرص.

5. يناشد الأطراف، أن تتعاون بشكل كامل، مع الأمين العام، في وساطته الحميدة.

6. يناشد كافة الدول احترام سيادة جمهورية قبرص، وسلامة أراضيها، وحيادها.

7. يناشد كافة الدول عدم الاعتراف بأي دولة قبرصية، غير جمهورية قبرص.

8. يناشد كافة الدول، والطائفتين في قبرص، الامتناع عن أي عمل من شأنه تردّي الوضع.

9. يطالب الأمين العام للأمم المتحدة، بأن يبقى مجلس الأمن على اطّلاع كامل.

أيّد هذا القرار 13 صوتاً، وعارضه صوت واحد فقط، وامتنع عضو واحد عن التصويت.

في 15 ديسمبر 1983، مدّد مجلس الأمن فترة عمل قوات حفظ السلام الدولية في قبرص، ستة أشهر أخرى. ورفض القبارصة الأتراك القرار، لأنه كان يشير إلى حكومة قبرص، ولكنهم وافقوا على السماح لقوات حفظ السلام الدولية، بأن تعمل في جمهورية قبرص الشمالية التركية، بوصفها ضيف هذه الجمهورية.

وفي 16 مارس 1984، قدم الأمين العام للأمم المتحدة إلى كلا الطرفين، وثيقة من خمس نقاط (لإفساح المجال أمام لقاء على مستوى عالٍ، ولاستئناف الحوار بين الطائفتين)، حول الأمور التالية:

أ. لا يتم الإقدام على أي خطوة لتدويل المسألة القبرصية، وتوقف المبادرات القائمة حالياً.

ب. لا تجري أي متابعة لإعلان القبارصة الأتراك، في 15 نوفمبر 1983، وتوقف المبادرات القائمة حالياً.

ج. يقدم كلا الطرفين التزاماً إلى الأمين العام بعدم زيادة القوات المسلحة في الجزيرة، نوعاً وكمّاً. وسيوافقان أيضاً، على نظام للتفتيش والتدقيق، تطبقه قوات حفظ السلام.

د. تضع السلطات القبرصية التركية منطقة مرعش (باليونانية فاروشا Varosha) ، تحت تصرف الأمين العام، الذي سيضعها مؤقتا تحت إدارة الأمم المتحدة، كجزء من المنطقة العازلة، التي تسيطر عليها قوات حفظ السلام.

هـ. يوافق الطرفان على قبول دعوة من الأمين العام للأمم المتحدة، لعقد اجتماع على مستوى عالٍ، واستئناف الحوار بين الطائفتين.

في 15 يونيه 1984، مدد مجلس الأمن فترة عمل قوات حفظ السلام، لستة أشهر أخرى. ومرة ثانية، رفض القبارصة الأتراك القرار، لكنهم قبلوا قوات حفظ السلام في الشمال كضيف. في 6 و7 أغسطس 1984، دعا خافيير بيريز دى كويلار، ممثلي الطرفين إلى الاجتماع به، كل على حدة، للتحضير للقاء قمة بين الجانبين، على أساس نقاط عمل، ينظر إليها على أنها كل لا يتجزأ. وهي:

أ. إجراءات سياسية، لبناء الثقة.

ب. إقامة وتطوير هيكلية حكومية.

ج. تعديلات في الأراضي.

وشكّلت هذه النقاط الثلاث أساساً للمناقشات الجديدة، التي عرفت باسم "المحادثات من قرب".

بدأت الجولة الأولى من "المحادثات من قرب"، في 10 سبتمبر 1984، في نيويورك. ودامت عشرة أيام، التقى خلالها الجانبان، كل على حدة، الأمين العام، لتبادل وجهات النظر في شأن مسودة اتفاق للقاء القمة.

بدأت الجولة الثانية، في 15 أكتوبر 1984، في نيويورك، وانتهت في 26 أكتوبر. وتم فيها وضع مسوّدة جدول الأعمال.

بدأت الجولة الثالثة، في 26 نوفمبر 1984. ودُعي فيها كلا الطرفين لكي يعرض موقفه النهائي. ووافق الطرفان على المسوّدة النهائية. وأعلن الأمين العام أن موعد القمة، حدِّد في 17 يناير 1985.

في الجلسة الأولى من القمة، ألقى دى كويلار كلمة استهلالية قصيرة، ثم تبعه كبريانو بكلمة، أغفل فيها كل المبادئ والمعايير، التي بنيت عليها مسوّدة الاتفاق، وطلب بدء مفاوضات مجدية في شأنها. فأصاب الجميع بخيبة أمل. وقد لخصت جريدة "واشنطن بوست Washington Post الوضع، إذ قالت، في 21 يناير 1985: "قال مسؤولون في الأمم المتحدة، إن أجواء الاجتماع، أصبحت متجهمة ما أن بدأ كبريانو يعرض موقفاً، يتعارض، بشكل واسع، مع ما كان بيريز دى كويلار يفترض أنه أرضية مشتركة، تم إقرارها بين الجانبين، عبْر وساطته في الشتاء الماضي". وانتهت الجلسة الختامية من دون حلول أو قرارات، سوى اتفاق على الاستعداد لحوار جديد في شأن القضية.

في 29 مارس 1986، قدم الأمين العام للأمم المتحدة، دى كويلار، مسودة مشروعه للسلام في قبرص (اُنظر ملحق مشروع خافيير بيريز دى كويـلار)، وعرضها على الجانبين القبرصيين. وقام الجانب القبرصي بتسريبها إلى الصحافة. وقد أدى هذا الموقف القبرصي إلى فشل المشروع، لأنه لم يكن ينسجم تماما مع تطلعات القبارصة اليونانيين.

وفي 25 يوليه 1989، قدم دى كويلار إلى الجانبين القبرصيين "مجموعة متناسقة من الأفكار" وصفها بأنها "مادة للتفكير" مشيراً إلى أنها غير ملزمة. وقد أثارت "المجموعة" في حينه كثيراً من الانتقادات والتكهنات وتسببت في انقطاع المفاوضات التي كانت قائمة بين الرئيسين جورج فاسيليو Georgios Vassiliou ودنكتاش.


 



[1] المادة 182 من دستور عام 1960، تنص على أن البنود الرئيسية لا يمكن تعديلها بأي شكل. عدنان حطيط، `قبرص الوجه الآخر للقضية`، ص195.

[2] هذا القرار تأكيد حرفي للقرار الرقم 1514 الصادر من الأمم المتحدة في 14 ديسمبر 1960 تحت اسم (الإعلان الخاص بمنح الاستقلال للشعوب والبلدان المستعمرة.

[3] على سبيل المثال، أدلى الرئيس `دنكتاش` أثناء وجوده في الكويت في يناير 1987 لحضور مؤتمر القمة الإسلامية بصفة مراقب، بحديث لجريدة `الأنباء` الكويتية قال فيه `إن المملكة العربية السعودية لم تعترف بنا، لكنها تقدم لنا مساعدات مادية لبناء الطرق والمشاريع الإسكانية وما إلى ذلك`، كذلك قام السيد `كنعان أتاكول Kenan Atakul ` وزير الخارجية والدفاع في جمهورية قبرص الشمالية التركية بزيارة رسمية إلى بنجلاديش في يونيه 1987، قابل خلالها كبار المسؤولين هناك، ووصف نتائجها بأنها كانت طيبة للغاية، وقد تحدثت تقارير صحفية عديدة عن حصول جمهورية قبرص الشمالية التركية على بعض المساعدات من عدد آخر من الدول الإسلامية.