إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في جنوبي السودان





موقع منطقة إبيي
المناطق الحدودية المختلف حولها

مناطق النفط جنوب السودان
أماكن معسكرات الفصائل
الموقع الجغرافي للسودان
التوزيع القبلي
التقسيم الإداري للسودان
التقسيم الإداري لجنوب السودان
تضاريس السودان
قناة جونجلي



المبحث الثاني

المبحث السادس

تطور مشكلة الجنوب الفترة 1994 – 1997

أولاً: مبادرة المنظمة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف "الإيقاد"

بعد فشل مباحثات أبوجا الثانية بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1993،  ظهر اتجاه قوي لدى دول المنظمة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف، المعروفة باسم "إيقاد"، للتدخل المباشر،  بهدف تحقيق معالجة سريعة لقضية الحرب في جنوب السودان، خوفاً من امتداد آثارها السلبية على التوازنات الداخلية لهذه الدول. فكلفت القمة، التي عُقدت في أديس أبابا في 6 سبتمبر 1993، رؤساء دول إثيوبيا، وإريتريا، وكينيا، وأوغندا، معالجة النزاع السوداني، والعمل على إجراء مفاوضات سلام، وإجراء اتصالات مع الأطراف المعنية بهدف التوصل إلى جدول أعمال للمحادثات، ثم المساعدة في التوصل إلى صيغة اتفاق سلمي.

وفي ذلك الوقت تحدد هدف السودان من طرح مشكلة جنوبه أمام "الإيقاد"، في منع فرض عقوبات دولية ضده، والتخفيف من حالة الحصار السياسي والاقتصادي، التي يعانيها على المستوى الدولي، وإبعاد شبح التدخل الدولي، الذي بدا وشيكاً نهاية العام 1993، بعد فشل محادثات أبوجا.  فضلاً عن حث دول الإيقاد بعدم تقديم معونات لحركة جون قرنق، أو تبني مواقفها السياسية.

وقد جرت الجولة الأولى من مفاوضات نيروبي تحت إشراف "الإيقاد"، في مارس 1994، وثار خلالها جدل واسع حول الخلافات الرئيسية، مثل طبيعة العلاقة بين الدين والدولة، وشكل العلاقة بين الشمال والجنوب، والهيكل التنظيمي، الذي سيكون عليه الجنوب. وانتهت هذه الجولة دون الاتفاق على شئ، سوى ضرورة الترتيب لجولة مفاوضات أخرى. وقد أظهرت هذه النتيجة مدى التباين في الرؤى، إزاء الحلول المطروحة لإنهاء الحرب في الجنوب، وإصرار كل طرف على التمسك بمنطلقاته الفكرية. كما تأكد أن وقف إطلاق النار في ذلك الوقت، وبصورة نهائية، كان يلقى اعتراضاً من الحكومة السودانية، التي كانت ترى إعطاء الأولوية للحل الشامل، من منطلق أن وقف إطلاق النار سيأتي حتماً ضمن التسوية العامة للمشكلة. (اُنظر ملحق "نص إعلان مبادئ مبادرة الإيقاد")

انعقدت الجولة الثانية في مايو من العام نفسه وانفضت دون مناقشة أي من القضايا الرئيسية. وكانت محصلتها الوحيدة، التوقيع على اتفاقية لتوصيل مواد الإغاثة والمساعدات الإنسانية إلى المواطنين المتضررين من الحرب في جنوب السودان. وحدد الاتفاق الطرق والمحطات الواقعة داخل إطار الاتفاق، وفق كثافة السكان وطرق ووسائل توصيل الإغاثة.

عقب انتهاء هذه الجولة، تقدمت دول "الإيقاد" بمشروع إعلان مبادئ، ركزت بنوده على ضرورة الحل بالتفاوض ورفض الحسم العسكري، والأخذ في الاعتبار شمولية تسوية المشكلة، وأسمت المشروع "وثيقة أساس التفاوض". على أن تطرح الآراء للنقاش في الجولة الثالثة. واحتوت "وثيقة أساس التفاوض" على البنـود التالية:

1. يتطلب أي حل شامل للمشكلة السودانية، قبول أطراف النزاع والتزامها الموقف القائل بأن تاريخ النزاع السوداني وطبيعته يؤكدان، أن الحل العسكري لن يأتي بسلام واستقرار دائمين للبلاد، وأن الحل السلمي السياسي العادل، يجب أن يكون الهدف المشترك للأطراف.

2. ضرورة تأكيد حق أهل جنوب السودان في تحديد مستقبلهم، من خلال استفتاء.

3. يجب أن تُعطى جميع الأطراف المتنازعة أولوية للمحافظة على وحدة السودان، شريطة إدخال المبادئ الآتية في صلب التركيبة السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد:

أ. السودان بلد متعدد الأعراق والديانات والثقافات، والاعتراف الكامل بهذا التعدد واستيعابه أمر يجب تأكيده.

ب. ضمان المساواة السياسية والاجتماعية التامة، بين المواطنين في القانون.

ج. ضمان حقوق الحكم الذاتي على أساس فيدرالي، أو حكم ذاتي لمختلف السودانيين.

د. ضرورة إقامة دولة علمانية وديموقراطية في البلاد، وضمان حرية الاعتقاد والعبادة والدين    الكامل لكل المواطنين، مع فصل الدين عن الدولة. وأن تكون مصادر قوانين الأسرة، الدين والأعراف.

هـ. ضرورة القسمة العادلة والمناسبة للثروة بين السودانيين.

و. أن تكون حقوق الإنسان المعترف بها عالمياً، جزء لا يتجزأ من هذه يتضمنها دستور السودان وقوانينه.

ز. أن يضمن الدستور استقلال القضاء.

4. في غياب اتفاق على المبادئ الواردة سابقاً، يكون لشعب جنوب السودان الخيار في تقرير مستقبله بعد أجراء استفتاء.

5. يتم الاتفاق بين الأطراف المعنية على إجراءات انتقالية، تشمل تحديد مدة الفترة الانتقالية ومهماتها.

6. تتفاوض الأطراف على اتفاق لوقف النار، يسري كجزء من تسوية شاملة للنزاع السوداني.

رأت "الإيقاد" أن إعلان المبادئ في ضوء النقاط السابقة، يمثل ضمانة كافية لوحدة السودان، وقاعدة هامة للتفاوض والوصول إلى حل سلمي يضع حداً للحرب الأهلية. غير أن المفاوضات اللاحقة في الجولة الثالثة التي عقدت في يوليه 1994، وكان مقرراً فيها دراسة بنود "إعلان المبادئ"، فشلت في التوصل إلى صيغة اتفاق حول السلام في جنوب السودان، وقصرت مناقشتها حول موضوعيّ تقرير المصير، والعلاقة بين الدين والدولة.

وفي ختام جولة المفاوضات الرابعة، التي شهدتها نيروبي في سبتمبر 1994، تأكد فشل دول الإيقاد في الوساطة، ورُفض إعلان المبادئ، خاصة من جانب الخرطوم. وبفشل هذه الجهود، بدت مشكلة جنوب السودان على أعتاب الدخول في مرحلة جديدة، سواء من حيث احتمالات التدويل، أو البحث عن وسيط آخر يُحظى بموافقة الحكومة والجنوبيين معاً.

ثانياً: مؤتمر أسمرة (15 ـ 23 يونيه 1995)

عقد التجمع الوطني الديموقراطي مؤتمراً  في أسمرة، عاصمة إريتريا، في 15 يونيه 1995، أُطلق عليه "مؤتمر القضايا المصيرية". وناقش المؤتمر أوضاع السودان السياسية، وكيفية إسقاط النظام الحاكم في الخرطوم. كما ناقش العديد من القضايا الحيوية. وأحدثت قراراته ردود فعل واسعة.

اختار المؤتمر"محمد عثمان الميرغني"، زعيم الحزب الاتحادي الديموقراطي، رئيساً لهيئة القيادة ورئيس تنظيم القيادة الشرعية للجيش، والفريق متقاعد " فتحي أحمد على " نائباً له. وتضم هيئة القيادة في عضويتها قادة الأحزاب المشاركة في التجمع، وهم الدكتور "عمر نور الدائم" الأمين العام لحزب الأمة، والعقيد "جون قرنق" قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان، والعميد "عبدالعزيز خالد" قائد قوات التحالف السودانية، والبابا "جيمس سرور" رئيس تجمع الأحزاب الجنوبية"، والتيجاني الطيب" عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، و"محمد طاهر أبو بكر" رئيس جبهة "البجا"، و"هاشم محمد أحمد" رئيس التجمع النقابي.

وشُكّل المكتب التنفيذي، الذي يتولى العمل اليومي للتجمع، من "مبارك المهدي" أميناً عاماً مكلفاً بمتابعة الشؤون العسكرية والاتصال الداخلي، ونواب للامين العام، هم "فاروق أبو عيسى"، وكلف بمهمة الناطق الرسمي وشؤون التنظيم والإدارة والشؤون الدستورية، والدكتور"منصور خالد"، الذي كُلف بملف العلاقات الخارجية والشؤون الإنسانية، وممثل للحزب الاتحادي الديموقراطي، يكون مسؤولاً عن المال والأعلام، إضافة إلى السياسي الجنوبي المعروف "بونا ملوال".

القضايا المصيرية التي ناقشها المؤتمر

1. قضية تقرير المصير

أقر المؤتمر مبدأ تقرير المصير كحق أساسي للشعوب، وأنه ممارسة تطرح حلاً لإنهاء الحرب الأهلية في السودان، وتُسَهّل استعادة الديموقراطية والسلام. وأعطى هذا الحق للجنوب، لكنه أوضح ضرورة استطلاع رأي سكان ثلث مناطق، تسميها الحركة الشعبية لتحرير السودان، "مناطق مهمشة"، وتطالب بأن تضم إلى الجنوب في تقرير المصير.

واتُفق على أن تتخذ قوى التجمع الوطني الديموقراطي، موقفاً موحداً إزاء الخيارات، التي ستُطرح للاستفتاء في الجنوب، وتتمثل في: الوحدة "فيدرالية أو كونفدرالية" أو الاستقلال.

2. العلاقة بين الدين والسياسة

ثار حول هذا الأمر جدل كثير، وقرر المؤتمر أن المساواة في البلاد تقوم على أساس المواطنة، واحترام المعتقدات، والتسامح بين الأديان. ونص على أنه "لا يجوز لأي حزب سياسي أن يُؤسس على أساس ديني" وأن يُشكل هذا المبدأ جزءاً أساسياً من دستور السودان، وأن تعترف الدولة بتعدد الأديان والمعتقدات، وأن تمنع الإكراه أو أي فعل أو إجراء يحرص على إثارة النعرات الدينية أو الكراهية العنصرية.

3. شكل الحكم خلال الفترة الانتقالية

حُددت الفترة الانتقالية بأربع سنوات، تبدأ من تاريخ مباشرة الحكومة الانتقالية لسلطاتها، واتُفق أن يكون الحكم لا مركزي، وأن تُحدد السلطات بين المركز والكيانات الشمالية، والمركز والكيان الجنوبي، الذي يعني المديريات الجنوبية بوضعها الذي كانت عليه في أول يناير 1956.

وفيما يتعلق بتوزيع السلطات بين المركز والكيانات الشمالية، تحدد للمركز 24 سلطة، مقابل 17 سلطة للكيانات الشمالية، و4 سلطات مشتركة هي: "حماية البيئة، والتعداد القومي، والإحصاء القومي، واستثمار المياه". أما بالنسبة للسلطات مع الجنوب فقد حُددت 17 سلطة للمركز، و22 سلطة للكيان الجنوبي، وتسع سلطات مشتركة هي: "حماية البيئة، والتجارة بين الكيانات، والتخطيط في المناطق المتأثرة بالحرب، والتعليم العالي، وتصديق وترخيص المهن الخاصة، وترجمة القوانين والوثائق، وتحديد أماكن إنشاء المحاكم الاتحادية، والتعداد القومي، والإحصاء القومي".

وأعطيت ترتيبات خاصة للكيان الجنوبي وهي:

أ. حق السلطة في استقطاب العون المادي والمالي من الخارج، وعقد اتفاقيات ثقافية واقتصادية مع الدول الخارجية.

ب. أن تبقى قوات الحركة الشعبية في المناطق التي تحتلها تحت قياداتها الحالية، وتخضع لسلطات حكومة الكيان الجنوبي، وفقاً لترتيبات أمنية وعسكرية خلال الفترة الانتقالية.

ج. أن يتم التشاور بين حكومة الكيان الجنوبي والحكومة المركزية، حول إنشاء مجلس الأمن القومي وواجباته ومهامه، بعد الوصول إلى اتفاق حول تحديد مفهوم الأمن القومي، والتهديدات الموجهة إليه.

وحُدد للكيان الجنوبي المؤسسات الدستورية الآتية:

أ. الجهاز التشريعي، ويكون بالتعيين خلال الفترة الانتقالية.

ب. الجهاز التنفيذي، ويتكون من رئيس ومجلس وزراء وسكرتارية.

ج. القضاء.

4. آليات إسقاط النظام الحاكم

حسم المؤتمر مشروعية العمل العسكري، جنباً إلى جنب مع الأساليب السياسية الأخرى. واحتل الخيار العسكري حيزاً كبيراً من الحوار. وطرح "جون قرنق" اقتراحاً بإنشاء "لواء السودان الجديد"، كآلية عسكرية تنطوي تحته كل فصائل المعارضة، ليكون وسيلة المواجهة ضد الحكومة السودانية. ولكن الاقتراح وجد معارضة من بعض أحزاب الشمال، التي فضلت التريث بدلاً عن اللجوء إلى هذه الآلية العنيفة، وتجنب إراقة الدماء في مواجهة مع الجيش السوداني.

وأقر المؤتمر في النهاية الجمع بين الأسلوبين السياسي والعسكري، لإسقاط الحكومة، وحدد خطة التحرك العسكري ومراحلها، وهي الخطة التي بدأ تنفيذ مرحلتها الأولى في سبتمبر 1996، ثم المرحلة الثانية منها في يناير 1997.

5. أقر المؤتمر عدداً من القوانين والبرامج، التي تحدد شكل السودان في المستقبل، مثل:

أ. برنامج آثار اقتصادي للفترة الانتقالية.

ب. إزالة آثار الجبهة الإسلامية.

ج. قانون تنظيم الأحزاب، وميثاق العمل النقابي.

د. مشروع قانون لتنظيم الصحافة والأعلام.

هـ. برنامج للسياسة الخارجية وسياسات التعاون الإقليمي والدولي.

و. مشروع للدستور.

واجه الاتفاق عدداً من المعوقات المتمثلة في حق تقرير المصير، وشكل الحكم اللامركزي،  ودور قوات الحركة المسماة بالجيش الشعبي، وعدم كفاية الفترة الانتقالية التي حُددت بأربع سنوات، وغموض ترسيم حدود السودان طبقاً لحدود يناير 1956، حيث يوجد خلاف حول إضافة مركز "أبيي" الداخل إدارياً في حدود كردفان، ورغبة مواطني منطقة أبيي في الانضمام إلى إقليم ولاية بحر الغزال. كذلك يوجد غموض في شأن مستقبل جبال النوبة وجبال الأنقسنا. (اُنظر ملحق نص البيان الختامي لمقررات أسمرة)

ثالثاً: مؤتمر لندن (29 ـ30 نوفمبر 1995)

عُقد "مؤتمر لندن" بمجلس اللوردات، يومي 29 و30 نوفمبر، بدعوة من البارونة "كوكس".  واتخذ المؤتمر شعاراً له "السلام والديموقراطية في السودان". وهدف المؤتمر إلى محاولة تطوير ما تم الاتفاق عليه، في اجتماعات الهيئة الحكومية المشتركة للتنمية ومكافحة التصحر "الإيقاد"، وكذلك ما تم  التوصل إليه في مؤتمر المعارضة السودانية في أسمرة، خاصة ذلك القرار القائل بأن مستقبل السودان الموحد مرهون بالتوصل إلى تسوية سلمية للنزاع المسلح في الجنوب، على أساس التنمية المتوازنة، والمشاركة العادلة في السلطة، وحق تقرير المصير، بعد فترة انتقالية يتم خلالها تصحيح أوضاع أهالي الجنوب.

حضر المؤتمر قوى شمالية وجنوبية، وأصدر أحد عشر قراراً، أهمها:

1. مناشدة دول الإيقاد تكثيف تعاونها مع المعارضة السودانية، لإيجاد حل لأزمات السودان المزمنة.

2. المطالبة بفرض حظر دولي على بيع الأسلحة والنفط لحكومة الخرطوم، نظراً لانتهاكها حقوق الإنسان.

رابعاً: اتفاق السلام الأول بين الحكومة السودانية، وفصيليِّ مشار وكاربينو

تم عقد اتفاق للسلام بين الحكومة، وكل من حركة تحرير جنوب السودان، والحركة الشعبية لتحرير السودان (مجموعة بحر الغزال)، وذلك في الفترة من 8 ـ10 أبريل 1996 في نيروبي، للاتفاق على وضع حد للقتال الدائر في السودان. واتفقت الأطراف على الالتزام بالمبادئ الآتية:

1. اللجوء للحل السلمي والسياسي لمشكلات السودان.

2. الحفاظ على وحدة السودان بحدوده المعروفة، وصيانة كيانه ضد التهديدات والأخطار الداخلية والخارجية. وعلى كل الأطراف بذل كافه الجهود لتحقيق السلام والعدل، وسيادة قيم الحق والفضيلة.

3. بعد تحقق كامل للسلام والاستقرار، يُخصص قدر معقول من التنمية الاجتماعية في جنوب البلاد، وفي نهاية الفترة الانتقالية، يجري استفتاء بين مواطني الولايات الجنوبية لتحقيق التطلعات السياسية للمواطنين.

4. اعترافاً بالتطور الدستوري، وتطبيق النظام الاتحادي، والممارسة السياسية المؤسسة على قيم المشاركة الديموقراطية الشعبية، تعمل كل الأطراف على دفع العمل في هذه المجالات، في ضوء الظروف والمتغيرات.

5. المواطنة هي منشأ الحقوق والواجبات في البلاد، في سبيل سيادة العدالة والمساواة والحرية وحقوق الإنسان.

6. الشريعة والعرف هما مصدرا التشريع، ويجوز للولايات سن تشريعات مكملّة للقانون الاتحادي في المسائل ذات الخصوصية في تلك الولايات.

7. تعترف الأطراف بالتنوع الثقافي في السودان، ويحفزّ السودانيون  للتعبير بحرية عن قيم هذا التنوع.

8. تلتزم كل الأطراف بحرية التدين والمعتقد، ويُهيأ المناخ المناسب لممارسة العبادات ونشر الدعوة والتبشير والوعظ، ولا يجوز إكراه أي مواطن لاعتناق أي دين أو عقيدة.

9. التنمية الاجتماعية لها أسبقية قصوى في البلاد، وعلى الحكومة وضع الخطط لبناء الثقة بين المواطنين للقضاء على الفقر والجهل. وتسعى الولايات أيضا لبسط المعرفة وتحقيق الاكتفاء.

10. توزيع السلطات والموارد على نحو عادلٍ لمصلحة المواطنين في البلاد، وتضع الأطراف التفاصيل الخاصة بذلك.

11. ينشأ مجلس تنسيق في الولايات الجنوبية، للمساهمة في التنفيذ الأكمل لهذه الاتفاقية.

12. تعمل الأطراف سوياً لاستقرار الأوضاع، وتحسين الوضع المعيشي في المناطق المتأثرة بالحرب، وفق بنود الاتفاقية اللاحقة. ويتحملون معاً عبء تنفيذ الترتيبات الأمنية، وإعادة التعمير والتنمية، والحفاظ على الحقوق والواجبات.

13. يتفاعل السودان مع الشعوب الأفريقية والعربية والمجتمع الدولي، من منطلق ذاتيته السودانية، وتحقيقاً لمصلحة السودان.

14. تجري تعبئه المواطنين عامة، ومواطني الجنوب خاصة، للوقوف خلف هذه الاتفاقية.

خامساً: اجتماع نيروبي (يوليه 1996)

عقد اجتماع بين الحكومة وممثلو أبناء جبال النوبة في نيروبي، في الأسبوع الأخير من شهر يوليه 1996. وتوصل المؤتمر إلى اتفاق اشتمل على الآتي:

1. الاعتراف بوجود قضية مزمنة في جبال النوبة، هي التي أدت إلى نشوب النزاع المسلح في المنطقة منذ عام 1984.

2. يؤكد الأطراف التزامهم بوحدة السودان، بحدوده الجغرافية والسياسية المرسّمة منذ الاستقلال في عام 1956.

3. يؤكد الأطراف على ضرورة وقفة إقليمية وطرح إقليمي، في إطار السودان الموحد، كوسيلة مثلى لحل مشكلة الجبال، بعيداً عن طرح الحركة الشعبية لتحرير السودان فصيل جون قرنق.

4. وافق الأطراف على اعتبار الميثاق السياسي للسلام إطاراً عاماً، لحل ومعالجة كافة المشاكل والقضايا ذات الطابع القومي.

5. الشريعة والعرف هما مصدر التشريع، ويجوز للولاية سن تشريعات مكمله للقانون الفيدرالي في المسائل ذات الطبيعة الخاصة بالولاية.

6. المواطنة هي الأساس في الحقوق والواجبات، التي تتضمن الحرية والمساواة والعدل وحقوق الإنسان.

7. تلتزم الأطراف بحرية التدين والمعتقد. ويهيأ المناخ المناسب لممارسة التعبد ونشر الدعوة والتبشير والوعظ، ولا يجوز إكراه أي مواطن لاعتناق أي دين أو معتقد.

8. يؤكد الأطراف على الطرح الفيدرالي، باعتباره وسيلة حكم من شأنها أن تَكْفلَ لأبناء المنطقة حقهم في المشاركة في إدارة شؤون منطقتهم وتنميتها، علاوة على مشاركتهم في السلطة الفيدرالية بشكل متوازن.

9. تُوزّع السلطات والموارد على نحو عادلٍ بين الولاية والمركز، وتضع الأطراف التفاصيل الخاصة بذلك.

10. إزالة كافة أنواع الظلم والغبن الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. ويشمل ذلك أي أراضٍ زراعية أو غيرها خصصت بصورة غير عادلة؛ وعلى رأس ذلك إعادة توزيع المشاريع الزراعية، بما يُراعي حرمة القرى وحقوق السكان المحليين، ويُتيح فرصة أكبر وأولوية لأبناء المنطقة في استثمار أراضيهم وتنميتها.

11. العمل على إنهاء أشكال التخلف والأمية والجهل، التي كانت سبباً نتج عنه الظلم والغبن. والعمل على تطبيق برنامج تنمية خاص بالمنطقة، بما يحقق أغراض التنمية المتوازنة، بين هذه المنطقة ونظائرها من مناطق السودان الأخرى. كما يحقق أيضاً رفاهية أهل المنطقة.

12. تلتزم الحكومة بتطبيق برنامج خاص لإعادة التعمير والتوطين، لمعالجة كافة الإفرازات والآثار السلبية الناجمة عن الحرب. علاوة على برنامج طوارئ لمواجهة القضايا الإنسانية الطارئة، مثل الإغاثة وغيرها، حسب ما يقتضيه ظروف وجودها.

13. الاعتراف بالثقافات المحلية وتطويرها، وإتاحة فرص متوازنة لإظهارها والتعبير عنها، ضمن الثقافات الأخرى للشعب السوداني، في كافة منابر التعبير الولائية منها والفيدرالية.

14. أضرت الحرب بالإنسان والبيئة في منطقة جبال النوبة بشكل بالغ، وتلتزم الأطراف بمعالجة الآثار السلبية الناجمة عن الحرب طيلة الاثنى عشر عاماً الماضية.

15. أمّنت الأطراف على وحدة السودان، ونددت بالانفصال والنعرات القبلية. وأكدت التزام الأطراف بتأمين الحق الديموقراطي لمواطني جبال النوبة في نيل حقهم الإقليمي العادل والوطني، المتساوي والمتوازن، في إطار السودان الموحد، دون أي تأثير أو ضغوط داخلية أو خارجية في ظل أي متغيرات سياسية.

16. هناك قضايا خارجية دائرة حول الاختلاف والنزاع المسلح، وهي موضع اتفاق بين الطرفين تمت معالجتها بوثيقة منفصلة خارج إطار هذا الإعلان.

17. يعمل الأطراف سوياً على إعداد برنامج تفصيلي، لوضع المبادئ العامة الواردة في هذا الإعلان موضع التنفيذ، بما يقتضيه ذلك العمل من جهد مشترك للتعبئة لهذه المبادئ، ووصولاً إلى السلام الشامل والاستقرار.

سادساً: ميثاق السلام الثاني (أبريل 1997)

عقدت الحكومة اجتماعاً في شهر أبريل 1997، مع ستة من الفصائل الجنوبية المنشقة على جون قرنق، وهي:

·   حركة استقلال السودان، برئاسة (رياك مشار).

·   الجيش الشعبي لتحرير السودان (مجموعة بحر الغزال)، برئاسة كاربينو كوانين.

·   المجموعة الاستوائية بقيادة (دكتور أوشين).

·   مجموعة بور، برئاسة (أروك طون أروك).

·   مجموعة جبال النوبة، بقيادة (محمد هارون كافي).

·   الحركة المستقلة لجنوب السودان، بقيادة (كوانج ماكواي).

واشتملت الاتفاقية على ستة فصول، تعالج أمرين اثنين، هما:

الأمر الأول: يختص بالمسائل الدستورية والقانونية وضمانات الحريات، ونصّ على الآتي:

1. تقسيم السلطة: وزعّت السلطات بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات، بحيث احتفظت الحكومة الاتحادية بالسلطات السياسية، والعلاقات الخارجية، والدفاع، والأمن، والتخطيط الاقتصادي، والإشراف الكلي على مسيرة الدولة، بينما خولت للولايات سلطات تنفيذية واسعة في مجالات التنمية الزراعية والصناعية، والخدمات التعليمية والصحية والسياحية، والإشراف على حسن الإدارة والأمن، والنظام العام. وأصبحت هذه السلطات أصيلة، لكل من الحكومتين الاتحادية والولائية، تحت مظلة الدستور والقانون.

2. تقسيم الثروة: بينما خصصت للولايات موارد كبيرة مالية وضريبية ذات طبيعة محلية أو ولائية أو استثمارية، احتفظت الحكومة الاتحادية بالضرائب الاتحادية والجمارك، وبإدارة الثروات القومية وثروات باطن الأرض، على أن ينشأ صندوق قومي لتوزيع الإيرادات الاتحادية، وتُخصص نسبة منه للولايات الأقل نمواً، ونسبة أخرى للولايات التي توجد بها المنشأة القومية.

3. الشريعة الإسلامية والعرف مصدران للتشريع، ويجوز للولايات ذات الخصوصية سن تشريع مكِّمل للتشريع القومي في مجالات الخصوصية.

4. ضمانات الحقوق والحريات: نصّت الاتفاقية على ضمان حريات التعبير، والانتقال، والاعتقاد، والتفكير، والصحافة، والتنظيم، وفق القانون، كما نصّت على حرمة الإنسان، وتحريم انتهاك حقوقه المضمنة في المواثيق، بسبب الجنس أو اللون أو الدين. ونصّت كذلك على ضمان حقوق الإنسان المضمنة في المواثيق الدولية، التي صادقت عليها حكومة السودان … وقد جعلت الاتفاقيةُ المحكمةَ حارسةً للدستور، وحامية للحقوق، ومفسرة للنصوص. وكفلت للأفراد المتضررين، حق الترافع لنيل حقوقهم الدستورية بواسطة المحكمة الدستورية.

5. نصت الاتفاقية أيضا على ديموقراطية المشاركة، وكفلت لكل مواطني البلاد الحق في حضور المؤتمرات للتعبير عن آرائهم أو أفكارهم، دون تعصب أو شمولية؛ وكفلت حق تطوير نظام المشاركة الديموقراطية.

6. نصت الاتفاقية على ضرورة زيادة مشاركة مواطني الولايات الجنوبية، في المؤسسات والأجهزة الاتحادية، وفق معايير الأمانة والتجرد بما يحقق العدالة والتوازن بين أبناء الوطن.

الأمر الثاني: وهو ما عالجت به الاتفاقية فترة الانتقال، إلى حين إجراء الاستفتاء، وذلك بالترتيبات الآتية:

1. نصت الاتفاقية على أن تكون بداية الفترة الانتقالية، من تاريخ إنشاء مجلس تنسيقي للولايات الجنوبية ولمدة أربع سنوات، تتم فيها معالجات أساسية لإعادة تعمير المناطق التي دمرتها الحرب، وإعادة النازحين والعائدين إليها وتأهيلهم. كما يتم خلالها بناء النظام السياسي الديموقراطي في الولايات الجنوبية، مع إجراء تعداد للسكان، فضلاً عن إجراء الاستفتاء.

2. نصت الاتفاقية على إنشاء مجلس للتنسيق في الولايات الجنوبية في الفترة الانتقالية، تكون مهامه التنسيق بين الولايات والإشراف العام على مسيرة الحكم، والتخطيط للتنمية في الجنوب وفق الخطة القومية، والإشراف على برامج السلام وتنسيق الجهود التشريعية بالولايات الجنوبية العشر. ويتبع المجلس لرئاسة الجمهورية، ويتولى مهام المجلس الأعلى للسلام.

3. وضعت الاتفاقية ترتيبات أمنية لمقابلة احتياجات الفصائل الموقعة على الاتفاقية، وأن تظل هذه الفصائل تحت قيادة قادتها أثناء الفترة الانتقالية، إلى أن تُشكل لجنة فنية عسكرية لتنسيق العمل بينها وبين القوات السودانية لإغراض الإمداد والتأهيل وغيره …وستكلف هذه اللجنة بمتابعة وقف إطلاق النار، ومهام التعاون العسكري.

4. ونصت أيضاً على إعداد لجان فور التوقيع على الاتفاقية، لمراقبة إجراءات إعادة ضم الذين حملوا السلاح.

5. نصت الاتفاقية أيضاً على أجراء الاستفتاء في نهاية الفترة الانتقالية، تُكفل فيه حرية الرأي للفصائل الجنوبية التي تشكل القوة الرئيسية في الاستفتاء. وسوف يُنفذ خيار الوحدة أو الانفصال، طبقاً لقرار الناخبين.

سابعاً: اجتماع نيروبي (29 أكتوبر ـ 7 نوفمبر 1997)

عقدت الحكومة السودانية اجتماعاً مع جون قرنق في نيروبي، في الفترة من 7 أكتوبر إلى 7 نوفمبر من عام 1997، وحضر المؤتمر:

1. وفد الحكومة السودانية، مكوناً من ستة أعضاء.

2. وفد حركة قرنق، مكوناً من ستة أعضاء.

3. شاركت كل من إريتريا، وأوغندا، وإثيوبيا، وكينيا بوفد يضم وزراء الخارجية لهذه الدول، وسفراءها المعتمدين لدى كينيا.

4. الدول المشاركة في المؤتمر كمراقبين:

أ. إيطاليا: ويمثلها سفيرها في نيروبي

ب. الولايات المتحدة الأمريكية: ويمثلها سفيرها في الخرطوم

ج. كندا: ويمثلها أحد أعضاء سفارتها في نيروبي

د. هولندا: ويمثلها سفيرها في نيروبي

هـ. السويد: ويمثلها سفيرها في نيروبي

و. النرويج: ويمثلها سفيرها في نيروبي

ز. المملكة المتحدة: ويمثلها سفيرها في الخرطوم

ح. روسيا: ويمثلها أحد أعضاء سفارتها في نيروبي

ط. زيمبابوي: ويمثلها أحد أعضاء سفارتها في نيروبي

ولم يتوصل المؤتمر إلى اتفاق لحل وجهات الخلاف، خاصة فيما يختص بشكل نظام الحكم في جنوب السودان. وانتهى المؤتمر بتوصية لعقد اجتماع آخر في أبريل 1998.