إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في جنوبي السودان





موقع منطقة إبيي
المناطق الحدودية المختلف حولها

مناطق النفط جنوب السودان
أماكن معسكرات الفصائل
الموقع الجغرافي للسودان
التوزيع القبلي
التقسيم الإداري للسودان
التقسيم الإداري لجنوب السودان
تضاريس السودان
قناة جونجلي



المبحث السابع

المبحث الثاني عشر

تطور الصراع عام 1999

أولاً: الصراع المسلح

1. في جنوب السودان

وفي تطوّر جديد في جنوب السودان أكدّت صحيفة الرأي العام السودانية أن تنظيمي ميلشيا مواليين للحكومة تلقيا الأمر بمغادرة مدينة جوبا (عاصمة جنوب السودان) على إثر مواجهات اندلعت بينهما.

ونقلت الصحيفة عن قائد المنطقة العسكرية الاستوائية أن قرار الطرد اتخذ بعد اشتباكات عنيفة اندلعت يوم 10 يناير 1999، عندما ألقى رجال أحد التنظيمين قنبلة يدوية على مقر التنظيم الآخر فقتلوا وجرحوا عدداً من عناصره.

وينتمي التنظيمان إلى "قوات الدفاع عن جنوب السودان" التي تضم سبع ميلشيات جنوبية مسلّحة وقّعت على اتفاق سلام مع حكومة الخرطوم في أبريل 1997.

وبعد اتصالات أجراها مبعوث الأمم المتحدة توم إيريك فرالسن أعلن يوم 15 يناير 1999 في نيروبي أن حكومة الخرطوم مدّدت وقف النار لثلاثة أشهر في منطقة بحر الغزال، وسبق إعلان المسؤول الدولي تأكيد الناطق باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان في نيروبي أيضاً الموافقة على وقف العمليات العسكرية ثلاثة أشهر أخرى للمساعدة في جهود الإغاثة الإنسانية في جنوب البلاد الذي يعاني المجاعة.

وأوضح الناطق باسم الحركة أن وقف النار سيستمر في منطقتي بحر الغزال وغرب أعالي النيل، وسيوسع للمرة الأولى ليشمل ولاية وسط أعالي النيل.

وفي محاولة لوضع حدّ للاقتتال الذي استمر بين الفصائل الجنوبية السودانية. أكدت مصادر رسمية في جبهة الإنقاذ الديمقراطية الجنوبية. التي يقودها "رياك مشار" رئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية: أن ممثلين عنها توصلوا إلى اتفاق لوقف إطلاق نار شامل مع ممثلين للجيش الشعبي لتحرير السودان الذي يقوده العقيد "جون قرنق"، وذلك في 7 مارس 1999.

وقالت هذه المصادر في تصريحات صحافية: إن محادثات جرت على مدى أسبوع في بحر الغزال (جنوبي البلاد) بين الطرفين أدت إلى اتفاق سيؤدي إلى تهيئة الأجواء في المحادثات المرتقبة بين الجيش الشّعبي والحكومة السودانية في أبريل 1999 في العاصمة الكينية نيروبي تحت رعاية دول منظمة الإيقاد.

وقال مصدر مسؤول من جبهة الإنقاذ: إن الاتفاق الذي وقعه الطرفان وسط احتفال شعبي كبير، نصّ على إعادة توطين النازحين بسبب الحرب، والانحياز لمصلحة الجنوب في القضايا الخلافية. وأضاف المصدر: إن المتمردين أشادوا باتفاقية الخرطوم لعام 1997 الموقعة بين الإنقاذ والحكومة، وقانون التوالي السياسيّ، إلاّ أنهم تحفظوا على إسلامية الدستور، واتفق الطرفان على سريان الاتفاق مع بداية مفاوضات نيروبي.

وقررت الحكومة السودانية تكوين لجنة خاصة لدراسة مقررات الاتفاق.

وفي بيان للحركة الشعبية لتحرير السودان يوم 29 مارس 1999 أن الجيش الشعبي لتحرير السودان الفرقة 13 بجنوب النيل الأزرق تمكنت من إلحاق هزيمة ماحقة بقوات النظام التي كانت تحاصر منطقة (أولو).

وتابع البيان: إن قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان تمكّنت من شن هجوم مضاد في يومي 26 و27 مارس 1999 وأنزلت فيه خسائر فادحة في المعدات والأرواح. وحدد البيان خسائر القوات الحكومية بثلاثة وثمانين رجلاً بينهم تسعة ضباط، ومائتا جريح وعدد من الآليات والأسلحة وكميات كبيرة ومتنوعة من الذخيرة.

ومن جهة أخرى أصدر الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية بياناً أكّد فيه أن القوات المسلحة تسيطر على زمام الأمور في كل الاتجاهات. وأشار الناطق إلى ما أعلنته قوات قرنق عن مهاجمتها القوات الحكومية في منطقة (أولو) فقال: إن معارك دارت لمدة يومين تكبّد فيها العدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد وفشلوا في تحقيق أهدافهم. وكانت تقارير توالت من كسلا قد ذكرت أن قوات المعارضة قطعت الطريق في أول عيد الأضحى أمام أربع من الحافلات المتجهة من بورسودان إلى الخرطوم، وتمكنت من الفرار باثنتين من الحافلات وتركت الثالثة بالقرب من الحدود، بعد أن تعذر عليهم إدخالها إلى الداخل وتركت الرابعة على الطريق العام.

وكانت وزارة الخارجية السودانية قد أصدرت بياناً غاضباً يوم 3 أبريل 1999 استنكرت فيه بشدة إعدام حركة التمرد لأربعة أسرى سودانيين من بينهم موظف في الهلال الأحمر السوداني. وقالت: إنها تدين هذا السلوك وتطالب بالتحقيق وتسليم جثث الضحايا.

إلاّ أن الجيش الشعبي لتحرير السودان نفى مسؤوليته عن مقتل الأسرى وقال: إنهم قتلوا في تبادل لإطلاق النار مع قوات الحكومة التي كانت تحاول إطلاق سراحهم.

وأعلن الرئيس السوداني عمر البشير وهو يخاطب الدورة السابعة للمجلس الوطني (البرلمان) التي بدأت أعمالها يوم 5 أبريل 99، وقفاً شاملاً لإطلاق النار في مسارح العمليات العسكرية بسائر ولايات جنوب البلاد حفاظاً على أرواح المواطنين وممتلكاتهم وكذلك الموظفين الدوليين العاملين في منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية.

وقال البشير: إن سريان وقف إطلاق النار سيبدأ في الخامس عشر من أبريل الحالي، مع انتهاء الوقف الجزئي لإطلاق النار السابق الذي استمر ثلاثة أشهر.

وفي بيان للحركة الشعبية لتحرير السودان أعلن المتحدث باسمها أن قوات الجيش الشعبي تمكنت خلال معركة استمرت من 11 أبريل 1999 إلى الساعة العاشرة من مساء 12 من الشهر نفسه من الاستيلاء على حامية سماعة (عرديب) (غرب السودان) وقتل 107 من ضباط القوات الحكومية وجنودها، وجرح أكثر من 300 شخص بالإضافة إلى أسر سبعة جنود.

وقال المتحدث باسم الحركة: إن قوات الجيش الشعبي دمرت خلال المعركة ثلاث دبابات واستولت على دبابة في حالة جيدة، وعلى خمس شاحنات تعرضت لأضرار يمكن إصلاحها، ودمّرت مدفعين من نوع هاوتزر المحمول على عربات، ومدفعين من عيار 107 مم المحمول على عربات مدفع رباعي من عيار 14.5 مم محمول على عربة.

وكشف الناطق باسم الحركة أن 13 شخصاً من صفوفها قتلوا وجرح 74 آخرون.

وفي يوم 27 مايو 1999، أكّد مصدر عسكري في الخرطوم أن القوات المسلحة السودانية أحبطت محاولة اختطاف سفينة محمّلة بالحبوب في ولاية الوحدة في جنوب السودان قام بها القائد الجنوبي الموالي للحكومة "تيتو بييل"، الذي انتقل إلى صفوف المتمردين في مطلع مايو 1999.

وأكّد المصدر العسكري في تصريح لوكالات الأنباء أن بييل الذي كان يتولى مركزاً قيادياً في قوات دفاع جنوب السودان التي تضم الفصائل الجنوبية التي وقّعت اتفاق سلام مع الخرطوم في أبريل 1997، فرّ في الثالث من مايو 1999 ثم خطف ـ هو ورجاله ـ في الحادي عشر من مايو سفينة محملة بالذرة البيضاء في منطقة (لير) وأبحر في اتجاه مدينة بانفليل التي يسيطر عليها المتمردون الجنوبيون.

وقال المصدر إن الجيش التقط محادثة لاسلكية بين بييل وزعيم المتمردين جون قرنق الذي طلب منه إحضار السفينة إلى شامبي في ولاية البحيرات التي يسيطر عليها المتمردون جنوب ولاية الوحدة.

وأضاف المصدر أن الجيش تمكّن بمساندة قوات صديقة ـ لم يحددها ـ من استعادة السفينة قبل خروجها من ولاية الوحدة.

ومن ناحية أخرى قال المتحدث باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان:

إن قوات الحركة أعلنت عن إلحاق خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات بالتشكيل الحكومي المسمى "وثية الأمجاد" الذي هاجم قوات الحركة في منطقة "جلود باشا" غرب جبال النوبة في العشرين من مايو 99.

وقال: إن قوات الحركة ردته وأجبرته على الانسحاب. وتابع المتحدث إن قوات الحركة هاجمت مجدداً في 24 وحتى 26 مايو قوات الحكومة وأجبرتها على التراجع نهائياً يوم 4 يونيه 1999، بعد أن كبدتها أكثر من ثلاثين قتيلاً وأعداداً كبيرة من الجرحى.

وفي يوم 28 يونيه 1999 ذكرت بعض الصحف السودانية أن الجيش والميلشيات الجنوبية السودانية الموالية للحكومة استعادت قرية (أكوبو) في ولاية جونجلي الاتحادية.

وأكد حاكم الولاية للصحف أن هذه القوات استعادت القرية يوم 27 يونيه 1999 بعد معارك شديدة استمرت يومين، بعد أن سقطت في أيدي الجيش الشعبي في مارس الماضي.

ومن جهة أخرى تصاعدت المواجهات بين الفصائل الجنوبية في ولاية الوحدة الجنوبية التي تعرف بولاية البترول، حيث أعلنت قوات دفاع الجنوب، في بيان لها؛ أنها تمكنت في الثالث والرابع من يوليه 1999 من استعادة كافة مواقعها بمحافظة (اللير) الواقعة على بعد أربعين كم من "بانتيو" "وديكونا" حيث تقع أهم آبار إنتاج البترول بولاية الوحدة.

وقال بيان قوات الدفاع: "إن المعارك مستمرة في الولاية وأن هذه العمليات قصد منها تأمين الولاية ضد قوات الخارج (ماتيب) وأن قوات الدفاع ستظل دوماً في خندق واحد مع القوات المسلحة دفاعاً عن مكتسبات اتفاقية الخرطوم للسلام، وأن هذه القوات ستواصل عملياتها لاستعادة كافة مواقعها التي طردها منها (ماتيب) في شهر فبراير الماضي".

وفي 14 يوليه 1999 تفجّر القتال مرة أخرى في ولاية أعالي النيل في جنوب السودان بين قوة دفاع جنوب السودان التي تضم ستة فصائل من المتمردين السابقين الذين سالموا الحكومة في عام 1997 وبين فصيل منشق هو قوة دفاع جنوب السودان المتحد. وقد بدأ القتال بمنطقة "لونجيسوك" وقال المتحدث باسم قوة الدفاع المتحد: إن قوة دفاع جنوب السودان هاجمت مواقع قوة الدفاع المتحد، ولكنها أجبرت على التقهقر في اليوم التالي. وقال: إن أربعة من مقاتلي قوة دفاع جنوب السودان والجيش الشعبي قتلوا، وأسر ستة، في حين جرح ستة من مقاتلي قوة الدفاع المتحد.

وتسهيلاً لانسياب العمليات الإغاثية في المناطق المتأثرة بالحرب في السودان أعلنت وزارة الخارجية السودانية في بيان لها: أن الحكومة قررت ـ من جانب واحد ـ وقفاً شاملاً لإطلاق النار في مسارح العمليات بالبلاد بدءاً من منتصف ليل الخميس الموافق الخامس من أغسطس 1999 وحتى تاريخ الخامس عشر من أكتوبر.

ومن جهة أخرى نفت الحكومة السودانية امتلاكها لأسلحة كيماوية وأكدت عدم صحة تصريحات المتحدث باسم برنامج الغذاء العالمي في نيروبي التي اتهم فيها السودان باستخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الشعبي لتحرير السودان في الجنوب.

ومن جانبه اتهم نائب وزير الإعلام السوداني منظمة (إن. بي. إيه) النرويجية الإنسانية العاملة في جنوب السودان، بأنها وراء ترويج الاتهامات المتعلقة بالأسلحة المحرمة عبر التأثير على مسؤولي الأمم المتحدة بهدف تحقيق أغراض الجيش الشعبي لتحرير السودان على الحكومة السودانية.

ويذكر أن الأمم المتحدة علّقت جميع أنشطتها في جنوب السودان وأعلنت يوم 3 أغسطس 1999 فتح تحقيق إثر إصابة ثلاثة من المتعاونين معها في مدينة (لاينيا) في ولاية الاستوائية بعد إقامتهم فيها.

وفي الخرطوم أعلن مصدر مطلع يوم 12 سبتمبر 1999، أن اللواء كاربينو كوانين بول قائد الجيش الشعبي لتحرير السودان ـ فصيل بحر الغزل ـ المنشق عن حركة قرنق قتل في غرب ولاية الوحدة ـ وكان كاربينو هو الذي بدأ الجولة الحالية من الحرب في جنوب السودان عام 1983، وانضم إليه جون قرنق الذي أصبح قائداً للتمرد، وزعيماً للحركة الشعبية لتحرير السودان.

وأكد مصدر جنوبي أن كاربينو تعرض لكمين مسلح أثناء رحلة داخلية في ولاية الوحدة. وقال: إن فاولينو ماتيب المنشق على رياك مشار (مساعد رئيس الجمهورية) ـ وجه الدعوة لكاربينو لزيارته، وأن قوات تابعة لماتيب قتلته.

وأكد المتحدث باسم جبهة الإنقاذ أن أحد الضباط المقربين من فاولينو ماتيب نفّذ عملية الاغتيال، عندما هاجم بقواته المنزل الذي استضافت فيه قوات فاولينو اللواء كاربينو عقب فراره من نيروبي مطلع عام 1999.

ومن جانبه رد قائد بارز في قوات فاولينو باتهام جبهة الإنقاذ بالتواطؤ مع بيتر فاديت المنشق عن فاولينو، لاغتيال كاربينو. وأن فاديت خطط لاغتيال فاولينو تنفيذاً لمخطط أجنبي تشارك فيه المخابرات المركزية الأمريكية، وبعض المنظمات في الجنوب، وقيادات محلية من جبهة الإنقاذ الديمقراطية.

2. على الحدود الإريترية

وفي إطار خطة التجمع الوطني الديمقراطي لتسهيل مهمة الانتفاضة في السودان هاجمت قوة من جيش الأمة للتحرير التابعة للقيادة العسكرية المشتركة للتجمع الطريق الرابط بين الخرطوم وكسلا وبورسودان في أول أيام عيد الأضحى الموافق 27 مارس 1999 لمدة ساعتين.

وذكر بيان صادر عن التجمع أن القوة استولت على سيارتين تابعتين لإحدى شركات الجبهة الإسلامية الحاكمة، كما قامت القوة بتفتيش جميع الناقلات.

وأضاف البيان: إن لغماً انفجر في إحدى السيارات أدى إلى جرح أحد جنود القوة. كما تمكنت هذه القوة من نزع 25 لغماً وإبطال مفعولها.

وفي السياق نفسه أعلنت قوات التجمع الوطني أنها تمكنت يوم 11 أبريل 1999 من الاستيلاء على حامية (دار العمدة) الواقعة على طريق بورسودان الخرطوم بين كسلا وخشم القرية.

وذكر بيان صادر عن القيادة العسكرية المشتركة لقوات التجمع؛ أن قوات التجمع تمكنت من فصل طريق بورسودان ـ الخرطوم واحتلاله في المحور الواقع بين كسلا وخشم القرية طيلة ساعات اليوم. ووصف البيان العملية بأنها "الإنذار الأخير" للحكم السوداني ولكل من يستخدم الطريق.

وذكر البيان: أن قوات التجمع قضت على القوات الحكومية التي كانت تتكون من فصيلة مدعمة وأسرت أربعة أفراد.

وذكر بيان آخر صادر عن القيادة العسكرية المشتركة أن القوات الحكومية هاجمت في اليوم نفسه على مواقع قوات لواء السودان الجديد التابعة للقيادة العسكرية المشتركة في منطقة جنوب (تهداي) وغرب (توقان) مستخدمة المدفعية والدبابات.

وأضاف البيان: إن قوات التجمع تمكنت من رد القوات الحكومية وتنفيذ هجوم مضاد في اليوم نفسه وألحقت هزيمة بالقوات الحكومية واستولت على دبابات من نوع تي 62 ومعدات عسكرية أخرى، وأنزلت بها خسائر فادحة في الأرواح والمعدّات.

وبينما يستعد التجمع الوطني الديمقراطي لعقد واحد من أهم اجتماعاته يوم 7 يونيه 1999 في العاصمة الإريترية أسمرة، شنت قوات الحكومة هجوماً واسعاً على منطقة توقان استخدمت فيه الطائرات والدبابات.

وقال بيان للقيادة العسكرية المشتركة للتجمع: إن قوات المعارضة صّدت الهجوم وتكبدت قوات الحكومة خسائر فادحة وخلّفت وراءها أكثر من أربعين قتيلاً.

ووصف معارضون هذا الهجوم بأنه محاولة لإظهار القوة والتأثير على القرار المصيريّ المتوقع أن تصدره اجتماعات هيئة القيادة حول الحل السلمي في العاصمة الإريترية أسمرة يوم 7 يونيه 1999.

وقال بيان القيادة العسكرية المشتركة إن المعركة استمرت 11 ساعة حيث بدأت صباح الخميس الثالث من يونيه وانتهت عند الساعة السادسة من مساء اليوم نفسه.

ووصف البيان هذه الهزيمة للنظام؛ بأنها تطور هو الأول من نوعه، ومؤشر خطير يؤكد تدني معنويات قوات النظام؛ ونتيجة لذلك أقدمت قواتهم على عصيان الأوامر الحكومية وأخلت حاميتي كديون وهميمات المجاورة لحامية توقان شمال مدينة كسلا الحدودية في رفض صريح للتعليمات العسكرية من قياداتها في كسلا والخرطوم وقد سيطرت قوات التجمع على الحاميتين.

ومن ناحية أخرى أعلنت القيادة العسكرية المشتركة للتجمع الوطني الديمقراطي السوداني المعارض يوم 10 يونيه 1999 أن قواتها تمكنت من الاستيلاء على حامية (تلباي) الاستراتيجية بالقرب من منطقة (مرساي/ هشكوريب) واستولت على معدات عسكرية.

ومن جهة أخرى أعلن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية أن القوات المسلحة أبادت أكثر من 80% من قوات التمرد التي تسللت إلى مواقع الجبهة الشرقية للبلاد من فلول التمرد والعمالة.

ورغم الاتفاق الذي أبرمته أسمرة مع الجانب السوداني في شهر يوليه 1999 القاضي بقفل الحدود أمام المعارضة من كلا الطرفين، أعلنت القوات المسلحة السودانية أنها تمكنت من صدّ هجوم نفذهُ الجيش الشعبي لتحرير السودان، وقال المتحدث باسم القوات المسلحة في تصريحات صحافية: إن المتمردين نفذوا خلال الفترة من العاشر وحتى الثاني عشر من أغسطس 1999 هجوماً مكثفاً على منطقة (دليبانه) في شرق السودان. وأضاف: إن هذا العدوان يأتي في سياق الأهداف المرسومة للمتمردين لإحراج القوات المسلحة، وإعطاء الرأي العام العالمي والإقليمي إحساساً بأن الحكومة لم تلتزم بوقف إطلاق النار، على الرغم من التزام القوات المسلحة بالوقف الشامل الذي أعلنته الحكومة يوم 5 أغسطس 1999 في كافة مسارح العمليات في البلاد.

3. على الحدود الإثيوبية

وجاء في بيان للتجمع الوطني الذي يضمّ أحزاب المعارضة الشمالية والجنوبية في السودان، أن قواته قتلت ستة جنود حكوميين وأصابت 17 آخرين بجروح يوم 11 مارس 1999 في هجوم في ولاية النيل الأزرق شرق البلاد عند الحدود مع إثيوبيا.

وأكدّ الناطق باسم قوات التحالف السودانية (الجناح العسكري للتجمع) أن الضحايا سقطوا في هجوم مضاد شنّته قوات المعارضة ردّاً على هجوم فاشل شَنّته القوات الحكومية في منطقة أبو قداف في ولاية النيل الأزرق.

وتنفيذاً لخطة التجمع الوطني في الجبهة الشرقية من أجل تشتيت القوات الحكومية واستنزافها، نفّذ أحد فصائل جيش الأمة للتحرير ـ الجناح العسكريّ لحزب الأمة ـ المنضوي تحت القيادة العسكرية المشتركة للتجمع ـ عملية عسكرية على بعد 30 كم من مدينة الفاو الواقعة غربي ولاية القضارف الحدودية.

وذكر بيان صادر عن القيادة العسكرية أن الفصيل استولى خلال العملية على سيارة لاندكروزر تابعة لديوان الضرائب، وعلى بندقيتين من نوع كلاشينكوف، وأسر الفصيل أربعة أفراد.

وفي يوم 15 سبتمبر 1999 اتهمت قوات التحالف السودانية المعارضة، حكومة الخرطوم بحشد قواتها تمهيداً لشن هجوم جديد في المناطق التي تخضع لسيطرة قوات المعارضة في شرق السودان بعد فشل الهجوم الذي نفذته نهاية الأسبوع الماضي. لاستعادة منطقتي توقان وقرورة ومناطق النيل الأزرق.

وقال الناطق الرسمي باسم قوات التحالف: "استولينا على مناطق جديدة على بعد عشرة كيلومترات شرق خزان الروصيرص الذي يمد العاصمة الخرطوم بالطاقة الكهربائية".

ثانياً: الموقفان الإقليمي والدولي

1. الموقف الإقليمي

أ. جامعة الدول العربية

اختتم الدكتور عصمت عبدالمجيد الأمين العام لجامعة الدول العربية يوم 18 فبراير 1999 زيارة للعاصمة السودانية الخرطوم استغرقت يومين التقى خلالها الرئيس السوداني، وأجرى محادثات مع وزير الخارجية.

وعقد الأمين العام ووزير الخارجية السوداني مؤتمراً صحافياً، أعلن فيه: "أن الجامعة تؤيد كل تحرّك يقوم به السودان لحلّ مشكلة الجنوب وأن الجامعة على استعداد لأداء أي دور إذا طلب منها ذلك.

وفي يوم 25 فبراير 1999 طلبت الخرطوم من الجامعة العربية إدراج بند بعنوان "المخططات التآمرية الأجنبية التي تستهدف السودان" على جدول أعمال مجلس وزراء الجامعة العربية المقرر عقده في 17 و18 مارس 1999 بهدف الحصول على مساندة الجامعة ودعمها. وأكدت الخرطوم ـ في مذكرة رسمية وجهتها إلى الأمانة العامة للجامعة ـ وجود مؤامرات ومخططات تآمرية أجنبية تستهدف سيادة السودان ووحدة ترابه الوطني، وانتماءه وتوجهه العربي.

وأضافت المذكرة أن هذه المخططات تمثلت في شكل "اعتداءات متوالية من بعض الدول المجاورة مثل أوغندا وإريتريا اللتين تحتضنان المعارضة المسلحة التي أعلنت الحرب على السودان. وأضافت أن هذه الدول تمدّ يد العون والدعم السياسيّ واللوجستي لرموز المعارضة المتمردة والمسلحة ضد الحكومة الشرعية.

وقالت المذكرة: إن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تعتصم بمواقف المجابهة، والعمل على تغيير نظام الحكم في السودان.

وطالبت الخرطوم الدول العربية باتخاذ موقف واضح رافض لهذه المخططات ومساندة السودان. في مطالبته مجلس الأمن إرسال بعثة لتقصّي الحقائق في شأن قصف مصنع الشفاء للأدوية شمال الخرطوم، الذي ما زال يراوح مكانه في أروقة مجلس الأمن.

وفي 12 أغسطس 1999 أصدرت الأمانة العامة للجامعة العربية بياناً أعربت فيه عن ارتياحها الكامل لقرار جمهورية السودان بوقف إطلاق النار حقناً لدماء أبناء الشعب السوداني وتوفيراً للأجواء المناسبة لتحقيق الوفاق الوطني.

ب. دول الإيقاد

وتحت رعاية دول الإيقاد في يوم 19 يوليه 1999 استأنفت الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان التي يتزعمها جون قرنق في نيروبي المفاوضات الهادفة إلى إنهاء الحرب الأهلية التي تجتاح جنوب البلاد منذ 16 عاماً.

واختتمت المحادثات دون التوصل إلى اتفاق على تجديد وقف النار للسماح بنقل مساعدات إلى المناطق التي تعاني المجاعة وهو تطور وصفه برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة بأنه مثير للانزعاج.

وعقب المفاوضات عقد ممثلو الحكومة مؤتمراً صحفياً في العاصمة الكينية أكدوا فيه أنهم رفضوا عرضاً من الجيش الشعبي بتمديد وقف النار في منطقة بحر الغزال لأسباب إنسانية، مشيرين إلى أنهم لن يقبلوا إلا باتفاق يشمل الجنوب بأكمله.

ورفض ممثلو الجيش الشعبي عرضاً مقابلاً تقدمت به الحكومة وأعلن الناطق باسم الجيش الشعبيّ. ـ في مؤتمر صحفي ـ أنه لا يمكن التوصل لاتفاق شامل لوقف النار إلا بعد الاتفاق على القضايا المثيرة للخلاف في محادثات السلام.

وتبادلت حكومة الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان الاتهامات حول مسؤولية فشل مفاوضات السلام التي جرت على مدار خمسة أيام في نيروبي وأنهت أعمالها يوم 23/7/1999 دون تحقيق تقدم حسبما كان متوقعاً.

وفي اجتماع مجلس الوزراء السوداني يوم 25 يوليه 1999 بدا المجلس رافضاً لنتائج مفاوضات السلام في نيروبي، حيث أعلن المجلس تمسكه بتحقيق السلام من الداخل وبتفعيل الجهود في هذا الاتجاه لتحقيق السلام الشامل في البلاد، واستكمال خطوات تنفيذ اتفاقية الخرطوم للسلام 1997 والاستمرار في تعزيز جهود التفاوض والحوار.

ج. مصر

وفي القاهرة استقبل نائب رئيس الوزراء المصري ووزير الخارجية يوم 14 يناير 1999 العقيد "جون قرنق" رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان غداة وصوله إلى مصر قادماً من ليبيا حيث أبلغها نتائج محادثاته في طرابلس مع العقيد "معمر القذافي" حول وقف الحرب الدائرة في جنوب السودان.

وفي اللقاء تعهد جون قرنق بالحفاظ على وحدة السودان والسعي المخلص لترسيخ وحدة وادي النيل.

وفي 15 يناير 1999 عقد قرنق جلسة محادثات ثانية مع مسؤولين مصريين أبلغهم خلالها أنه لا يثق في الحكومة الحالية في الخرطوم التي حمّلها مسؤولية خرق اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة.

وفي القاهرة أكّد مدير إدارة شؤون السودان بوزارة الخارجية المصرية موقف مصر الثابت والواضح تجاه القضية السودانية مشيراً إلى أن مصر تتمسك بتسوية المشكلات الراهنة، ووضع حلول جذرية لجميع المشكلات المطروحة، والحفاظ على استقرار السودان ووحدة أراضيه.

جاء ذلك في تصريحات صحفية للمسؤول المصري قبل مغادرته القاهرة يوم 8 مارس 1999 إلى النرويج للمشاركة في اجتماعات لجنة أصدقاء الإيقاد.

وفي إطار سعي القيادة المصرية لإيجاد حل للمشكلة السودانية استقبل وزير الخارجية المصري بمكتبه يوم 25 مارس 1999 رموز المعارضة السودانية، وعقب الاجتماع أوضح الوزير أن لقاءه مع وفد المعارضة يرتبط بلقائه السابق ـ على هامش المجلس الوزاريّ الأفريقي ـ مع نظيره السوداني، وأشار إلى أن الحديث مع قيادات المعارضة دار حول ما يجري بالسودان، والتفاعل مع المشكلات الخطيرة القائمة هناك.

وكشفت مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع أن مصر طرحت مبادرة من أربعة بنود للتوفيق بين الأطراف السودانية، وأكدت المصادر أنه يتم التشاور بين القاهرة ومختلف الأطراف السودانية بهدف إيجاد أرضية مشتركة والتوصل إلى صيغة يمكن ـ من خلالها ـ بدء حوار. بينما أبدت القاهرة استعدادها لاستضافة اللقاءات، وتوفير كل أشكال الدعم للسودانيين بهدف إنجاح هذا الحوار.

وعلم من مصادر مطلعة أن الصيغة التي طرحتها القاهرة تنص على الآتي:

(1) تمسك جميع الأطراف بالسودان الموحّد.

(2) ضرورة اعتماد الحوار الديمقراطي وسيلة وحيدة لحل المشكلات القائمة. ووقف العمليات المسلحة.

(3) الحفاظ على التعددية التي يتسم بها السودان واحترامها.

(4) الإقرار بمبدأ عدالة توزيع الثروة، وتداول السلطة، ومشاركة جميع الفعاليات السودانية فيها، ما دامت تسعى إلى تحقيق مصلحة الشعب السودانيّ.

وفي النصف الثاني من عام 1998 نجحت مصر ـ خلال استضافتها مؤتمراً للمعارضة ـ في الحصول على تفويض بأهمية دورها حيال المشكلة السودانية، وتلت ذلك خطوة انضمام مصر إلى لجنة شركاء الإيقاد المعنية ببحث قضية السودان، التي تضم أطرافاً أفريقية وأمريكية وأوروبية.

وفي اجتماع تأسيسيّ للمؤتمر الوطني (التنظيم الحاكم) في الخرطوم يوم 13 أبريل 1999 رفض الرئيس السوداني عمر البشير والدكتور حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر، المبادرة المصرية وقال الترابي: إن المعارضة أرسلت بوساطات مصرية أوراقاً تدعو فيها إلى حكومة ائتلافية، وإلى وفاق يقوم على توزيع كراسي السلطة، ولم ترسل مع أوراقها مبعوثاً. وأضاف الترابي: إن القضية عندنا ليست تقاسم كراسي سلطة، ولا وفاقاً ولا حكومة ائتلافية بيننا وبين المعارضة، وأن وجهتنا مختلفة والخلاف بيننا جوهري، وأن طريق الإنقاذ هو الإسلام والدين، وإن المعارضة تركت الله وخلافها أصولي مع الإسلام والمسيحية.

في شهر مارس 1999م، كان وزير الخارجية المصري قد التقى الصادق المهدي رئيس حزب الأمة، ومحمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي ورئيس التجمع الوطني، ومبعوثاً شخصياً للعقيد جون قرنق، وفاروق أبو عيسى المتحدث باسم التجمع.

وفي وقت لاحق طلب الرئيس السوداني عمر البشير من مصر إبعاد عناصر المعارضة السودانية من أراضيها، إلاّ أن هذا الطلب قوبل بالرفض من الجانب المصري، حيث أعلن وزير الخارجية المصري: أن مصر مفتوحة دائماً لجميع الأخوة السودانيين على مرّ التاريخ، وفقاً للعلاقات المتميزة بين البلدين. ووصف الوزير العلاقات بين السودانيين ومصر بأنها علاقات خاصة.

وعلى هامش القمة الأفريقية في الجزائر التقى الرئيسان المصري حسني مبارك والسوداني عمر البشير في يوم 12 يوليه 1999.

وعقب اللقاء صرح الرئيس المصري: أنه تحدث مع الرئيس السوداني في موضوعات؛ الأمن، والممتلكات المصرية، ومؤتمر المصالحة للقوى السودانية المقترح عقده في القاهرة.

ووصف البشير لقاءه مع مبارك بأنه كان طيباً وتناول سبل تحقيق السلام والوفاق الوطني في السودان، والجدير بالذكر أن هذا اللقاء هو الأول من نوعه منذ عام 1996.

وعقب اللقاء أعلن وزير الخارجية السوداني ـ في تصريحات صحافية ـ أن الرئيسين وجها وزيري خارجية البلدين بالإسراع في إكمال تطبيع العلاقات الثنائية، وأن لقاءهما أعطى دفعة قوية لعودة هذه العلاقات لوضعها الطبيعي، وأن المرحلة القادمة ستشهد تنفيذ مزيد مما تم الاتفاق عليه.

وفي يوم 18 يوليه 1999 اجتمع وزير الخارجية المصريّ عمرو موسى مع الصادق المهدي رئيس حزب الأمة المعارض، ومحمد عثمان الميرغني رئيس التجمع الوطني.

وذكرت وكالات الأنباء أن موسى أطلع زعيمي المعارضة على نتائج مباحثاته مع وزير الخارجية السوداني على هامش القمة الأفريقية في الجزائر، والترتيبات التي تقوم بها أطراف عربية، من بينها مصر وليبيا، لعقد مؤتمر بين الحكومة والمعارضة السودانية.

كما شملت المشاورات بين موسى والمهدي والميرغني نتائج اجتماعات المعارضة السودانية بالقاهرة الأسبوع الماضي، وكذلك تطورات الوضع بالسودان في الجنوب والمساعي التي تبذل لوضح حدّ للحرب الأهلية هناك.

وفي الوقت الذي أعلن فيه عن فشل محادثات السلام بين الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان في العاصمة الكينية يوم 23 يوليه 1999 كشفت مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع في القاهرة عن جهود مكثفة تبذلها مصر تهدف إلى التعجيل بعقد مؤتمر قومي للمصالحة بين الحكومة والمعارضة. غير أن المصادر لمحت إلى عقبات وخلافات ليست يسيرة، ما زالت تقف حجر عثرة أمام هذه الجهود وتحقيق هذه المصالحة. وأشارت إلى أن مناخاً بعدم الثقة ما زال يسود بين الأطراف، وبالتالي تعمل القاهرة بالتنسيق مع أطراف عربية من أجل تحسين هذا المناخ.

وقالت مصادر دبلوماسية مصرية مطلعة: إن اتصالاً هاتفياً بين وزيري الخارجية المصري والسوداني جرى يوم 3 أغسطس 1999 وتركز على الجهود المبذولة لعقد مؤتمر للوفاق الوطني وبدء حوار بين الحكومة السودانية والمعارضة.

وفي أوائل شهر أغسطس 1999 التقى الرئيس حسني مبارك والعقيد معمر القذافي في مدينة مرسى مطروح المصرية، وعقب اللقاء أعلن عن توحيد المبادرتين المصرية والليبية بشأن السودان، وتشكيل لجنة مصرية ـ ليبية مشتركة يرأس الجانب المصري منها السفير فؤاد يوسف، ويرأس الجانب الليبي سليمان الشحومي الكاتب العام لأمانة اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي (وكيل وزارة الخارجية).

وفي 17 أغسطس 1999 وصلت اللجنة للخرطوم وبدأت اتصالاتها بالمسؤولين السودانيين حيث التقت وزير الخارجية وكبار المسؤولين في المؤتمر الوطني (التنظيم الحاكم) وتكونت اللجنة من ثمانية أشخاص أربعة من كل جانب.

وبعد أن أعلن المؤتمر الوطني السوداني الحاكم قبوله المبادرة المصرية ـ الليبية أعلن يوم 24 أغسطس 1999 الأسس التي سيستند إليها في حواره لتحقيق الوفاق مع المعارضة، وتسمية ممثليه في هذا الحوار.

وتمثلت تلك الأسس في أن الجانب الحكومي سيتمسك بالتوجه الحضاري الذي طرحته ثورة الإنقاذ المتمثل بإعلان الشريعة الإسلامية أصّلاً للتشريع.

كما أكد المؤتمر رفضه قيام أي دولة علمانية في البلاد، مع الاعتراف بالتعددية، وحقوق غير المسلمين، والوضع الخاص بالجنوب السوداني، واعتماد العرف واحداً من أصول التشريع.

وحول مستقبل الجنوب أكد أمين الدائرة السياسية في المؤتمر في مؤتمر صحافي: تمسك المؤتمر بالاستفتاء وفاء وعهداً، ولن يكون فيه تنازل رغم التمسك بالوحدة، ودعوة دول الجوار لتدعيم الوحدة.

وقال: إن القضايا التي يمكن أن يبدي فيها المؤتمر مرونة خلال الحوار هي: التفاوض حول الانتخابات، وقوانينها، والجهاز النيابي، وطريقة الحكم، والقضاء.

وفي يوم 25 أغسطس 1999 اجتمعت في القاهرة اللجنة المصرية ـ الليبية المشتركة بأطراف المعارضة السودانية المتمثلة في التجمع الوطني الديمقراطي لاطلاعهم على نتائج زيارة اللجنة للسودان.

ووصفت مصادر دبلوماسية مصرية نتائج اجتماع اللجنة ومهمتها بالخرطوم بأنها حققت خطوة إيجابية مهمة على صعيد تهيئة الأجواء لمصالحة وطنية، وعقد ملتقى للحوار والوفاق الوطني بين مختلف الأطراف. وقد تحدد يوم 13 أغسطس 1999 موعداً للاجتماع الأول للجنة التحضيرية للحوار الوطني في القاهرة.

وقالت المصادر: إن الحكومة السودانية قبلت مبادرة اللجنة المصرية ـ الليبية التي تضمنت خمس نقاط مهمة على رأسها: احترام وحدة السودان، ووقف كامل للعمليات العسكرية، والحملات الإعلانية بين الطرفين، والإقرار بالتعددية الثقافية والعرقية والدينية، واحترام الديمقراطية والحريات السياسية، وعقد حوار (ملتقى) بين الحكومة والمعارضة بعد وضع أجندة مسبقة له تتضمن القضايا التي يرغب كل طرف في بحثها.

وفي يوم 25 أغسطس 1999 التقى وزير الخارجية المصري أعضاء اللجنة وعقب الاجتماع أعرب الجانبان المصري والليبي عن تفاؤلهما بنجاح جهود اللجنة وأثنيا على تجاوب الأطراف السودانية مع مهمتها.

وفي إطار المشاورات المستمرة والحوار المتواصل حول تطورات القضية السودانية، التقى نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة واستصلاح الأراضي المصري يوم 31 أغسطس 1999 الدكتور "جون قرنق" رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان. وتم خلال اللقاء بحث الموقف العام في السودان من كل جوانبه، وكذلك المبادرة المصرية ـ الليبية لإحلال الوفاق الوطني في السودان.

وعقب اللقاء نفت المصادر الدبلوماسية المصرية أن يكون قرنق قد تراجع عن الحوار سبيلاً إلى التسوية السياسية للمشكلات القائمة بين الحكومة والمعارضة. كما نفت مصادر معارضة سودانية مطلعة ما تردد عن رفض الحركة الشعبية لتحرير السودان للمبادرة المصرية ـ الليبية. وقالت المصادر: إن الحركة وافقت على المبادرة كاملة، وأشارت إلى أن الحركة تحفظت فقط على رد الحكومة على المبادرة.

وأعلن قرنق في مؤتمر صحافي يوم 1 سبتمبر 1999، قبيل مغادرته القاهرة، مساندة الحركة للمبادرة المصرية ـ الليبية، المشتركة. وقال: إن الحركة أيدت النقاط الثماني التي وردت في إعلان طرابلس لتكون أسساً للتفاوض مع حكومة الخرطوم. لكنه أشار إلى أن الحكومة لم تتخذ ـ حتى الآن ـ أي إجراء لإيجاد مناخ ملائم يفيد الأجواء في مفاوضات مباشرة. (اُنظر ملحق نص إعلان طرابلس)

وقد صدر بيان عن الحركة حدد ستة شروط للحوار مع النظام السوداني؛ تتضمن تجميد كل المواد في دستور 1998 المقيدة للحريات العامة ولحقوق الإنسان، وإلغاء حالة الطوارئ التي فرضت على البلاد منذ 1989، وإلغاء كل صلاحيات أجهزة الأمن المسؤولة عن بيوت الأشباح والاعتقالات والإعدامات. كما تضمنت شروط الحركة إلغاء الحظر المفروض على الأحزاب المعارضة والاتحادات العمالية. وكذلك إطلاق سراح كل السجناء والمعتقلين السياسيين، وإلغاء محاكم النظام العام، وضمان حرية الكلام والحركة.

وفي يوم 6 سبتمبر 1999 أكد وزير الخارجية المصري في طرابلس أن بلاده ملتزمة إزاء مساعي تحقيق المصالحة السودانية؛ "لأن السودان جار وشقيق وشعب مهم لنا، ويهمنا أن تنتهي المشكلة السودانية في إطار المصالحة الوطنية.

وعلى هامش اجتماعات الدورة 112 لمجلس الجامعة العربية التقى عمرو موسى وزير الخارجية المصري يوم 13 سبتمبر 1999 ونظيره السوداني وبحث معه الخطوات المقبلة التي يمكن اتخاذها للتنسيق مع دول الإيقاد. وفي اللقاء أكد الوزير السوداني على أهمية الدور المصري لحلّ المشكلة السودانية، مشيراً إلى أن الوصول إلى حل سيقلل من خطر التدخل الأجنبي.

وفي الفترة من 16 إلى 19 سبتمبر 1999 استضافت القاهرة ورشة فكرية نظمها حزب الأمة السوداني المعارض. وتمثلت محاور الورشة في الموضوعات التالية: مفهوم الحل السياسي الشامل ومبادئه، إجراءات تهيئة المناخ الملائم للحوار والتفاوض، وآليات التفاوض، وتدابير الفترة الانتقالية، وبناء الدولة السودانية على أسس جديدة وعادلة، والوضع الدستوري والقانوني الراهن والبديل المقترح، وأسس المساءلة الشاملة على الجرائم الدستورية وانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب والفساد.

وعقب تعرض خط أنابيب البترول السوداني للتفجير، وإعلان المعارضة مسؤوليتها عن الحادث كشف مصدر دبلوماسي سوداني في القاهرة يوم 25 سبتمبر 1999 أن الحكومة السودانية بصدد إرسال مذكرة عاجلة إلى مصر تطالبها بتسليمها المسؤول العسكري البارز في التجمع عبدالرحمن سعيد الذي أعلن مسؤوليته عن تفجير أنبوب النفط في السودان يوم 19 سبتمبر 1999.

وأعربت مصر عن إدانتها لهذا العمل ووصفته بأنه مرفوض، وهو ما أكّده وزير الخارجية. وأكدت المصادر الدبلوماسية أن بيان التجمع الوطني المعارض الذي أعلن فيه مسؤوليته عن الحادث لم يثبت أنه صدر في القاهرة، وليس هناك ما يثبت مسؤولية المعارضين المقيمين في القاهرة عن الحادث.

كما أن القاهرة طلبت من بعض رموز المعارضة السودانية وقف أي عمليات من شأنها التأثير على هذا الحوار، خاصة ما يتعلق باستهداف منشآت اقتصادية مثل النفط. ودعت القاهرة رموز المعارضة الذين يقيمون في أراضيها إلى التزام آداب الضيافة وقوانينها، وحذّرت من أي تجاوزات أو انتهاكات لقوانينها الداخلية؛ بما يؤثر على علاقاتها مع السودان.

واتخذت القاهرة هذه الخطوة بعد أن أعلنت قيادات للمعارضة مسؤوليتها عن حادث تفجير خط أنبوب النفط.

وفي 27 سبتمبر 1999 التقى مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون السودان سفير السودان لدى القاهرة، ومنسّق العلاقات المصرية ـ الليبية. وتركز اللقاء على كيفية احتواء حادث تفجير أنبوب النفط حتى لا يؤثر في جهود البلدين التي تهدف للإعداد للحوار لتحقق المصالحة والوفاق. وتم هذا اللقاء بصورة مفاجئة واستغرق عدة ساعات.

وكشفت مصادر رفيعة المستوى في القاهرة عن رسالة بعث بها وزير الخارجية المصري إلى نظيره السوداني يوم 30 سبتمبر 1999 أكد فيها: "رفض مصر التام وإدانتها حادث تفجير خط أنبوب النفط السوداني بوصفه عملاً تخريبياً يمس مصالح الشعب السوداني ومستقبله، ولا يمكن لمصر أن توافق عليه.

وقالت مصادر دبلوماسية مصرية مطلعة: إن مباحثات وجهوداً مكثفة بذلتها القاهرة في أواخر سبتمبر، خاصة منذ حادث تفجير أنبوب النفط السوداني في 19 سبتمبر 1999، أثمرت إلى تجميد مذكرات ملاحقة المعارضين السودانيين المتهمين بالتفجير. وأشارت المصادر إلى نجاح القاهرة في إقناع الحكومة السودانية بأهمية التجاوب مع مساعيها لتسوية مرضية لهذه الأزمة بما يضمن عدم تكرارها من جانب، وحصول مصر على تعهدات المعارضة بتجميد نهائي لكل عملياتها، مقابل وقف الحكومة إجراءات الملاحقة القضائية ضد بعض رموزها.

وتلازم ذلك مع تشديد مصري على المعارضة برفضها إساءة استغلال أراضيها وإقامتها لديها، ودللت على جديتها في ذلك بإبعادها للفريق عبدالرحمن سعيد قائد قوات المعارضة الذي ظل يقيم لاجئاً سياسياً منذ تسع سنوات؛ لاعترافه في حديث تليفزيوني، بمسؤوليته عن حادث تفجير أنبوب النفط. كما أبعدت عبدالعزيز خالد قائد قوات التحالف الذي غادر مع رفيقه إلى أسمرة.

وكشفت مصادر عربية واسعة الاطلاع في القاهرة أن وزارة الخارجية المصرية طلبت رسمياً، عبر رسالة خطية، من "محمد عثمان الميرغني" يوم 9 أكتوبر 1999 إنهاء اعتكافه في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية والعودة للقاهرة للمشاركة في الجهود المبذولة في إطار المبادرة المصرية ـ الليبية المشتركة لتقريب وجهات النظر بين الحكومة السودانية وفصائل المعارضة السودانية المنضوية تحت لواء تجمع المعارضة الوطني الديمقراطي.

وفي يوم 19 أكتوبر 1999 استضافت القاهرة اجتماع هيئة قيادة التجمع الوطني السوداني المعارض. وتحدّث في الجلسة الافتتاحية رئيس الجانب المصري في المبادرة المصرية ـ الليبية المشتركة مؤكداً أهمية الوحدة والسلام في السودان وحرص مصر وليبيا على استقرار السودان ورفاهية شعبه.

وفي إطار المشاورات والتنسيق التقى وزير الخارجية المصري "عمرو موسى" يوم 19 أكتوبر 1999 رئيس الجانب الليبي في المبادرة. كما أجرى موسى اتصالاً هاتفياً مع نظيره الليبي "عمر المنتصر"، وبحث معه تطورات الجهود المصرية ـ الليبية، والتنسيق المستمر بين البلدين بشأن تحقيق الوفاق الوطني بين الأطراف السودانية.

في صباح 24 أكتوبر 1999 استقبل وزير الخارجية المصري في القاهرة نظيره السوداني وعقدا جلسة مباحثات استغرقت أكثر من ساعة وخلال مؤتمر صحافي مشترك، أكد الجانبان أنه لا تعارض بين مبادرة الإيقاد والمبادرة المصرية ـ الليبية المشتركة. وقال الوزير المصري: إن المباحثات تناولت تقويماً عاماً لنتائج اجتماع التجمع الوطني المعارض بالقاهرة. وكذا الاجتماعات الأخرى القادمة، وأكد الوزير السوداني من جانبه، التزام بلاده بإحلال السلام في السودان عبر المبادرتين، والحرص على التكافل والتنسيق بينهما حتى يتم التوصل إلى سلام شامل وكامل في السودان.

وقال الوزير: إن هناك فهماً خاطئاً للمبادرة المشتركة التي لا تنتقص من دور الإيقاد، ولا تصطدم معها، وإنما جاءت لتكملها، حيث جاءت الإيقاد لتتعامل مع مشكلة الجنوب فقط وسوف تستمر في ذلك جاءت المبادرة المشتركة تتضمن ما يحقق مطالب الشماليين والجنوبيين.

وقال الوزير المصري: ليس هناك رفض أمريكي لهذه المبادرة ولم تتلق مصر أي شئ بهذا الخصوص. وأضاف: إن إعطاء واشنطن الأولوية للإيقاد لا يعني إلغاء المبادرة المصرية ـ الليبية.

وقد أكدت مصادر دبلوماسية مطلعة في القاهرة للصحافيين يوم 27 أكتوبر 1999 أن الموقف الأمريكي أياً كانت طبيعته حيال المبادرة المصرية ـ الليبية بشأن السودان لن يثني مصر أو ليبيا عن استمرار مبادرتهما التي تنطلق من مصالح وعلاقات تاريخية مصيرية تجاه السودان، وحرص البلدين على وحدته وسلامة أراضيه واستقراره.

وأضافت المصادر ذاتها: "أما مبادرة الإيقاد التي تتشبث بها واشنطن، ولها الحق فيما تتخذه من مواقف، شريطة عدم النيل من أي مبادرة أخرى ـ فإنها تقتصر على الحوار والمفاوضات بين حركة قرنق والحكومة، وتتجاهل المعارضة الشمالية، ولذلك عجزت على مدى السنوات الماضية رغم عشرات الجولات من المفاوضات، في التوصل إلى حلول جذرية سواء لمشكلات السودان، أو للوضع بالجنوب بصفة خاصة.

وقد حفلت القرارات التي اتخذها الرئيس البشير في ديسمبر 1999 بإعلان حالة الطوارئ، وحل البرلمان الذي كان يرأسه الدكتور "حسن الترابي" باهتمام مصري ـ ليبي، كبير تبلور في الزيارة الخاطفة التي قام بها يوم 14 ديسمبر 1999 الرئيس المصري "حسني مبارك" إلى ليبيا، ومباحثاته مع العقيد "معمر القذافي" حول التطورات الأخيرة وانعكاساتها على المبادرة المصرية ـ الليبية.

وكان الرئيس السوداني "عمر البشير" طمأن الرئيس المصري على استقرار الأوضاع في السودان، موضحاً أن ما اتخذه من قرارات يأتي في إطار إجراءات تصحيحية لإصلاح الوضع الدّاخلي، وتمهيد الطريق لمسيرة الوفاق الوطني.

وبشكل هادئ ألقت القاهرة بكل ثقلها وراء البشير، حيث كان الرئيس المصري مبارك من أوائل زعماء المنطقة الذين اتصلوا بالبشير للاطمئنان على استقرار الأوضاع في السودان، بعد الانقلاب الأبيض الذي نفذه في اللحظات الأخيرة ضد صديق الأمس، وخصم اليوم، "الترابي". وربما كان إعلان وزير الخارجية المصري يوم 13 ديسمبر 1999 عن دعم مصر الكامل ومساندتها للرئيس السوداني رسالة مباشرة إلى الترابي بأن القاهرة انحازت لغريمه الرئيس البشير في صراعهما على السلطة.

وذكرت بعض المصادر الصحفية أن القاهرة بدأت يوم 15 ديسمبر 1999 اتصالات غير معلنة مع واشنطن بهدف إبلاغها أن ما يجري في السودان لم يعد صراعاً على السلطة في ظل سيطرة الرئيس البشير على مقاليد الأمور، خاصة أن كل الشواهد تعزز من هذه السيطرة، حيث لم تجر أية عمليات اعتقال عشوائية، كما أن العاصمة السودانية لم تشهد أي حادث دموي، منذ صدور القرارات الرئاسية وإعلان حالة الطوارئ وحل البرلمان.

وقد رحبت مصر بزيارة الرئيس السوداني "عمر البشير" الذي وصلها يوم 22 ديسمبر 1999 وقد وصفها وزير الخارجية بأنها مهمة للغاية سواء على صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين، أو ما يتعلق بالمسألة السودانية، خاصة في ظل الظروف التي يمر بها السودان سواء في الأوضاع بالخرطوم، أو المشكلات مع بعض جيرانه.

وفي شأن مسألة منطقة حلايب المتنازع عليها بين البلدين، اتفق الرئيسان على حلّها في إطار تكاملي أخوي يشكل رافداً من حركة التكامل الشامل بين البلدين.

كما اتفق الرئيسان على تنفيذ عدد من المشروعات الاستراتيجية الكبرى التي تحقق الأمن الغذائي للبلدين الشقيقين، ويسهم فائض إنتاجها في تحقيق الأمن الغذائي العربي والأفريقي.

كما قرر الرئيسان السعي المتدرج المتسارع في رفع القيود على حركة الأفراد والسلع بما يفضي إلى خلق سوق مشتركة، دعماً للجهد المبذول لإقامة السوق العربية المشتركة.

واتفق الجانبان على تشكيل لجنة وزارية مشتركة برئاسة وزيري خارجية البلدين تتولى متابعة العلاقات المصرية ـ السودانية ومتابعة تنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه.

وبخصوص المبادرة المصرية ـ الليبية المشتركة لتحقيق الوفاق الوطني والحل السياسي الشامل في السودان؛ اتفق الرئيسان على أنها تمثل إطاراً مناسباً لتوجيه الجهود نحو تحقيق التسوية السلمية في السودان. وفي هذا الصدد، عبر الرئيس البشير عن كامل استعداده لاتخاذ الخطوات التي تهيئ الأجواء المواتية لتحقيق الوفاق الوطني.

وفي ختام المباحثات رحّب الرئيس المصري "حسني مبارك" بالدعوة التي وجهها إليه الرئيس السوداني "عمر البشير" لزيارة السودان.

وقد وافقت مصر على طلب السودان بعودة سفيرها إلى الخرطوم، حيث قال وزير الخارجية المصري للصحافيين يوم 24 ديسمبر 1999 إن القاهرة سوف تعين سفيرها الجديد إلى الخرطوم في أقرب وقت وتوقع أن يتم ذلك في غضون أسبوع أو أسبوعين.

وفي يوم 25 ديسمبر 1999 استقبل وزير الخارجية المصري زعيم حزب الأمة السوداني المعارض "الصادق المهدي"، حيث تناول الجانبان كيفية تفعيل حل سياسي شامل والخطوات التالية، وعقد المؤتمر الذي ستطرح خلاله كل القضايا السودانية، وأسباب النزاع لوضع حلول ومعالجة جذرية لها.

وفي إطار التطورات السريعة للوضع السوداني كشف وزير الخارجية المصري للصحافيين عن اتصالات تجريها القاهرة مع "جون قرنق" زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان في إطار جهودها مع جميع الأطراف لإجراء حوار بين حزب الأمة وحركة قرنق لإزالة سوء الفهم بين الجانبين فيما يتعلق باتفاق جيبوتي الذي وقعه حزب الأمة مع الحكومة السودانية أخيراً.

وقال وزير الخارجية المصري للصحافيين يوم 26 ديسمبر 99: إن هناك بدايات للتفهم الأمريكي بشأن المبادرة المصرية ـ الليبية، حيَال السودان، الأمر الذي يدل إلى تطوّر في موقف واشنطن، مؤكداً أن الولايات المتحدة لا تتحدث ولا تعمل على تقسيم السودان، وتحرص على وحدة أراضيه.

ومتابعة من الإدارة المصرية لجهودها في حل الأزمة السودانية التقى "عمرو موسى" وزير الخارجية المصري يوم 28 ديسمبر 1999 بالسيد "محمد عثمان الميرغني" رئيس التجمع السوداني وأجرى معه مباحثات وصفتها مصادر دبلوماسية مصرية بأنها مهمة للغاية، ناقش فيها الجانبان مستقبل الأوضاع في السودان في ضوء قرارات الرئيس عمر البشير الأخيرة التي لاقت ارتياحاً مصرياً وعربياً ودولياً ووصفتها القاهرة بأنها إجراءات تصحيحية.

كما ناقشا إمكانية دفع الحوار بين المعارضة والحكومة خاصة بعد زيارة الفريق البشير للقاهرة وفي ظل مباحثات أجراها وزير الخارجية المصري مع كل من الصادق المهدي رئيس حزب الأمة ومشاورات هاتفية مع الدكتور "جون قرنق" رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان.

د. ليبيا

وفي إطار الجهود الليبية لإيجاد حلّ لمشكلة السودان، وسعياً لدعم الاستقرار فيه، استقبل العقيد معمر القذّافي يوم 15 يناير 1999 وزير الخارجية السوداني.

كما أكدت ليبيا أن زعيم الحركة الشعبية جون قرنق اجتمع في طرابلس مع وفد سوداني ضم وزير الخارجية ومساعد رئيس الجمهورية، رئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية الدكتور رياك مشار.

وفي يوم 27 مايو 1999 اجتمع الرئيس الليبي مع محمد عثمان الميرغني رئيس التجمع الديمقراطي المعارض والوفد المرافق له في مدينة (سرت) الليبية الساحلية. وقال التلفزيون الليبي: إن الاجتماع جاء في إطار الجهود الليبية لتحقيق مصالحة بين الحكومة السودانية وأحزاب المعارضة، وحلّ المشكلات بينهما بطريقة سلمية وتجنيب السودان مخاطر الحرب الأهلية.

وتزامنت زيارة الميرغني لطرابلس مع زيارة أخرى لعلي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية لليبيا.

وقالت مصادر مطلعة أن هناك محاولات تجريها القيادة الليبية لعقد لقاء بين مسؤولين في الحكومة السودانية وقيادات وسيطة من الحزب الاتحادي المعارض. بعد أن أخفقت المحاولات للقاء بين الميرغني ونائب الرئيس السوداني في طرابلس.

وفي يوم 18 يونيه 1999 وصل العقيد "معمر القذافي" إلى الخرطوم في زيارة تأتي تتويجاً للجهود الليبية لتحقيق المصالحة بين الحكم السوداني ومعارضيه في الخارج والداخل.

هـ. دولة قطر

استضافت دولة قطر الرئيسين عمر البشير والإريتري أسياس أفورقي في اجتماع بالدوحة يوم 2 مايو 1999 برعاية أمير قطر.

وحضر الاجتماع الثلاثي الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني ولي العهد القطري والشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وزير الخارجية، وحضره من الجانب السوداني وزير رئاسة الجمهورية ووزير دولة برئاسة الجمهورية، ووزير دولة بوزارة العلاقات الخارجية.

وضم الجانب الإريتري علي سعيد عبدالله وزير الصناعة والتجارة، ومدير الإدارة العربية بوزارة الخارجية.

وفي ختام الاجتماع وقّع الرئيسان السوداني والإريتري على اتفاق على تنقية الأجواء وحل الخلافات القائمة بين بلديهما، وذلك في إطار الوساطة التي تقوم بها دولة قطر وفق مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين في الدوحة في العاشر من شهر نوفمبر 1998.

ووصفت بعض المصادر الوساطة القطرية بأنها كانت موفقة جداً، لأنها أتت في الوقت الذي تشعر فيه الخرطوم وأسمرة بضائقة خانقة تتمثل في الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية في البلدين. كما أن الخرطوم تعاني وضعاً اقتصادياً خطيراً، في الوقت الذي تستعد فيه المعارضة لخوض الحرب في موسم الأمطار، بينما تشعر أسمرة بخطر حقيقي جراء الضغط العسكري الحالي من جارتها إثيوبيا.

وقد كانت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قد قطعت في ديسمبر 1994. ويستضيف السودان المعارضة الإريترية، في حين لجأ المعارضون السودانيين إلى أسمرة. وتتهم الخرطوم أسمرة بتقديم الدعم للجيش الشعبي لتحرير السودان.

و. المملكة العربية السعودية

أعلن وزير الخارجية السوداني "مصطفي عثمان إسماعيل" يوم 10 نوفمبر 1999 أن المملكة العربية السعودية اقترحت استضافة اجتماع للفرقاء السودانيين من الحكومة والمعارضة، بهدف تقريب وجهات النظر بينهم. وأضاف الوزير: إن الاقتراح السعودي لا يشكل مبادرة مستقلة أو منفصلة عن المساعي الجارية حالياً (المبادرة المصرية ـ الليبية، ومبادرة دول الإيقاد الأفريقية).

وقالت مصادر سعودية: إن المملكة العربية السعودية وافقت على أن يجتمع السودانيون في أرضها لمناقشة مشكلاتهم وأكدت أنهم إذا احتاجوا تدخلاً منها فإنها تتدخل للمساعدة في حل عقبة أو مشكلة ما، لكنها لن تتوسط بالمعنى السائد للوساطة، وشبهت المصادر هذا الاجتماع باجتماع الطائف بين الفرقاء اللبنانيين قبيل عشر سنوات.

وذكرت مصادر سودانية: أن الحكومة وافقت على المبادرة كما عرض الأمر على الترابي رئيس البرلمان الذي أبدى موافقة أيضاً. وعرض الأمر على أحزاب المعارضة السودانية الرئيسية في الداخل فوافق عليها الحزب الاتحادي الديمقراطي بالداخل، أما حزب الأمة ففضل أن يتلقى المبادرة من السعودية مباشرة. وذكر ممثلو حزب الأمة في الداخل أنهم عرضوا الأمر على زعيم الحزب الصادق المهدي في الخارج، وأن رأيه مماثل لرأي الحزب بالداخل.

ز. إريتريا

واستمراراً للاتهامات المتبادلة بين الحكومتين الإريترية والسودانية، اتهم الناطق باسم القوات المسلحة السودانية إريتريا بحشد قواتها على الحدود المشتركة مع السودان بهدف شن هجمات على قطاع البحر الأحمر، وقال في تصريحات للصحافيين يوم 14 يناير 1999: إن القوات السودانية تراقب بدقة التطورات الجارية في هذا الشأن. وأنها على أهبة الاستعداد لصدّ أي هجوم وفي أي اتجاه كان. وأوضح أن القيادة العسكرية السودانية كانت تتوقع الهجوم الإريتري في ديسمبر 1998.

وفي إطار علاقات الإدارة الإريترية بالمعارضين السودانيين استضافت قيادة الجبهة الشعبية الديمقراطية والعدالة الحاكمة في إريتريا يوم 9 مايو 1999 قيادة حزب الأمة السوداني المعارض، حيث تم استعراض تطورات القضية السودانية ومبادرات الحل السياسي.

وكشفت مصادر مطلعة؛ أن افتتاح اجتماعات المعارضة السودانية في أسمرة تزامن مع زيارة سرية قام بها وفد رسمي سوداني إلى العاصمة الإريترية ضم وزير الإعلام ووزير الدولة للإعلام استغرقت يوماً واحداً، عقد خلالها الوفد اجتماعات مع المسؤولين الإريتريين.

ووصفت مصادر إريترية مهمة الوفد الحكومي السوداني بأنها: سياسية ـ أمنية، تصب في إطار الجهود لتحسين العلاقات بين البلدين.

وفي يوم 13 يونيه 1999 اختتمت المعارضة السودانية اجتماعاتها في أسمرة بتأكيد التزامها بالحل السياسي للأزمة السودانية. وأكد التجمع الوطني في نهاية اجتماعاته أن هيئة قيادته هي السلطة العليا، المنوط بها الإشراف على الحل السياسي وشكلت لهذا الغرض لجنة لصياغة الموقف التفاوضي للتجمع، على أن تقدم اللجنة تقريرها إلى اجتماع هيئة قيادة التجمع المقبل.

وفي البيان الذي أصدره التجمع في ختام اجتماعاته، حسم الجدل الذي دار في أروقته حول الحوار مع الحكومة ولقاء جنيف الذي عقد في شهر مايو 1999 بين الصادق المهدي وحسن الترابي.

وطالب التجمع في بيانه الحكومة السودانية بإجراء عدد من التدابير شرطاً لتوفير مناخ ملائم للحوار، وتجميد أي مواد في الدستور تقيد الحريات العامة، أو تسمح بذلك، وفق الملاحظات التي أوردها المؤتمر الخاص لحقوق الإنسان في السودان في تقريره المعتمد بلجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وقانون الطوارئ والصلاحيات الاستثنائية في قانون الأمن العام، وإلغاء قانون التوالي، ورفع الوصاية عن النشاط السياسيّ والنقابي. وكفالة حرية التنقل والتعبير والتنظيم، وإطلاق سراح المعتقلين وإسقاط الأحكام عن المحاكمين سياسياً، وإعادة الممتلكات المصادرة.

وأكد البيان الختامي حق الشعب السوداني في استثمار موارده، وفي مقدمتها البترول، في مناخ يمكنه من الاستفادة من عائداته، ولكن النظام الحالي يحول عائدات ثرواتنا الوطنية ومواردها لتغذية الحرب الأهلية وقمع الشعب وبناء دولة الحزب الواحد، وزعزعة الاستقرار الوطني والإقليمي.

وقال البيان: لذا فإن مناطق استخراج البترول وتصديره تظل أهدافاً عسكرية مشروعة، كما دعا الاجتماع لاستمرار التضامن لكشف انتهاكات حقوق الإنسان ووقف قصف مناطق السكان المدنيين، وأدانتهما من قبل المجتمع الدولي وتقديم المساعدات اللازمة.

واستجابة من أسمرة للاتفاق الذي أبرمته مع الجانب السوداني في يوليه 1999 نشرت صحيفة (الرأي العام) اليومية المستقلة في الخرطوم يوم 14 أغسطس 1999، استناداً إلى مصادر لها في القاهرة، جاء فيها: إن الرئيس الإريتري "أسياس أفورقي" خيّر المعارضين السودانيين المقيمين في إريتريا بين الخروج من بلاده، أو البقاء فيها لاجئين. ونقلت الصحيفة عن مصدر حكومي ـ لم تذكر اسمه ـ أنَ الخطوة الإريترية مهمة في طريق المصالحة السياسية والاقتصادية الشاملة بين البلدين، وأن ما قام به الرئيس الإريتري، يأتي في سياق استجابة للاتفاق بين الخرطوم وأسمرة على إنهاء العمل العسكري وقفل الحدود أمام المعارضة من كلا الطرفين.

ورداً على اتهامات الحكومة السودانية للسلطات الإريترية بحشد قواتها على الحدود السودانية، وصفت أسمرة يوم 7 أكتوبر 1999 الاتهامات السودانية الموجهة إليها بأنها منافية للواقع ولا أساس لها من الصحة. وقال وزير الخارجية الإريترية للصحافيين: إن الخرطوم تتحمل وحدها مسؤولية فشل اتفاق الدوحة المُبرم بين البلدين، مضيفاً أن اتفاق الدوحة كان محاولة تكتيكية من قبل نظام الخرطوم وأن الإدارة السودانية فشلت في تنفيذ نصوص اتفاق الدوحة وبنوده وهذا يرجع إلى عدم احترامها للعهود والمواثيق المبرمة.

وفي تطور لافت طالبت إريتريا في بيان لوزارة الخارجية يوم 26 أكتوبر 1999 بتعزيز مبادرة دول الإيقاد الخاصة بحل المشكلة السودانية عوضاً عما أسمته (محاولات بديلة) مشيرة إلى المبادرة المصرية ـ الليبية المشتركة. وقد اتهم بيان أسمرة المبادرة المشتركة بأنها هشة وتتعارض مع مبادرة الإيقاد.

وقد أبدت القاهرة أسفها للبيان الإريتري وقالت مصادر دبلوماسية مطلعة: إن البيان يثير علامات الاستفهام، خاصة أنه صدر بعد انتهاء جولة لوزيرة الخارجية الأمريكية في عدد من الدول الأفريقية لم تكن من بينها إريتريا.

ح. إثيوبيا

اعتذرت الحكومة الإثيوبية عن عقد لقاء بين الرئيس السوداني عمر البشير والصادق المهدي زعيم حزب الأمة المعارض كان مقرراً أن يتم يوم 19 نوفمبر 1999 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بيد أن حزب الأمة أكد وجود اتفاق مبدئي لعقد لقاء بين المهدي والبشير، يجري الترتيب لزمان انعقاده ومكانه في القريب العاجل.

وذكرت مصادر إثيوبية أن الحكومة اعتذرت عن عدم الترتيب لعقد اللقاء لكونها لم تبلغ بنية الطرفين بذلك.

ط. جيبوتي

في خطوة مفاجئة، قد تكون فاتحة لاتفاق شامل بين الحكومة السودانية والمعارضة وبمبادرة من الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي، التقى في جيبوتي يوم 25 نوفمبر 1999 الرئيس السوداني عمر حسن البشير والصادق المهدي رئيس الوزراء السابق، زعيم حزب الأمة المعارض. وفي الاجتماع توصل الطرفان إلى اتفاق سياسيّ أُطلق عليه اسم "نداء الوطن" وقد حدد الاتفاق أسس الحل السياسيّ الشامل ومبادئه في السودان، ودعا إلى إقامة نظام ديمقراطي تعددي وفيدرالي، مع حكم رئاسي.

وعن آليات الحل السياسيّ؛ أشار الاتفاق، الذي وصف بأنه: إعلان مبادئ، إلى الحوار والتفاهم السوداني ـ السوداني، ودفع جهود السلام والحل الشامل عبر مبادرتي "الإيقاد"، و"المصرية ـ الليبية المشتركة"، على أن يشكل الاتفاق الموقع في جيبوتي أساس الحوار.  

وجاء في الاتفاق: تتبنى أطراف النزاع المبادئ المذكورة، لإنهاء الحرب الأهلية، وعقد اتفاقية سلام عادل، تُبنى على أن تكون المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات كما ينص الاتفاق على أن: "لا تنال أي مجموعة وطنية امتيازاً بسبب انتمائها الديني أو الثقافي أو العرقي".

واستناداً على الاتفاق؛ فإن القوى السياسية السودانية تلتزم بإقامة نظام ديمقراطي تعددي ويرى الاتفاق: أن النظام الديمقراطي الملائم للسودان هو النظام الرئاسي الفيدرالي، مع مراعاة التعددية الدينية والثقافية في البلاد، بما يحقق التعايش، ويضمن المبادئ الموجهة للدستور.

وقد فجر اتفاق جيبوتي أزمة هددت بانقسام بين المعارضة السودانية. وقال فاروق أبو عيسى؛ المتحدث باسم التجمع الوطني السوداني المعارض: إن الاتفاق يتعلق بحزب الأمة وأحد أجنحة النظام، ولم نستشر بشأنه وبالتالي لسنا طرفاً فيه.

وأعلن مجلس الوزراء السوداني ترحيبه بالاتفاق ووصف المجلس في اجتماعه يوم 28 نوفمبر 1999 الاتفاق بأنه: "خطوة تتسق ومنهج ثورة الإنقاذ الوطني ومساعيها لتحقيق الوفاق والاستقرار في البلاد".

وقد اتهم ممثل الحركة الشعبية لتحرير السودان في مصر ومنطقة الخليج أروب نيال، حزب الأمة بأنه يعمِل داخل التجمع بأجندة خفيّة. وقال: "إن الاتفاق الذي وقعه حزب الأمة مع الحكومة في جيبوتي أخيراً، لا يَعني الحركة الشعبية، وتعّده اتفاقاً جزئياً قائماً على المصلحة الحزبية". ووصف الاتفاق بأنه خرق واضح لمقررات القضايا المصيرية في أسمرة عام 1995، وكذلك مبادئ الإيقاد. وقال: إن حزب الأمة استغل الوضع العسكري للتجمع، من خلال قوات الحركة الشعبية، وليس لحل المشكلة السودانية، إنما هو اتفاق لمصلحة حزب الأمة وحده.

أما حزب الأمة فقد عقد اجتماعاً لكل كوادره على رأسهم المكتب التنفيذي، والمكتب الاستشاريّ في القاهرة مساء يوم 28 نوفمبر 1999 وتم تدارس الاتفاق الذي وقع عليه في جيبوتي حزب الأمة والحكومة، وأعلن أعضاء الحزب موافقتهم وتأييدهم للاتفاق بالإجماع، وأكّدوا مباركة كل الخطوات التي يتخذها رئيس الحزب في هذا الاتجاه.

ويرى المراقبون والمحللون أن هذا الاتفاق يعدّ مهماً لعدد من الأسباب منها:

(1) يعني الاتفاق ضمناً أن الدستور السوداني الحالي يجب أن يخضع لإعادة صياغة؛ وبذلك الحكومة الحالية مجرد حكومة انتقالية.

(2) يمثل الاتفاق إجماعاً داخل الائتلاف السوداني الحاكم المكون من القادة الأصوليين والعسكريين. ويذكر أن التنافس من وراء الكواليس بين البشير والترابي كان عاملاً أدّى إلى تأخير أي اتفاق. ولكن خطوة البشير الأخيرة ألزمت النظام بأكمله بالتغيير، كما أنه وضع نفسه في موقع المحاور الأساسي للمعارضة في المراحل الحاسمة المقبلة.

(3) حدد الاتفاق، وبتفصيل مدهش أحياناً ـ الأسس التي سيقوم عليها مستقبلاً النظام السياسيّ في البلاد. فقد نصّ الاتفاق على التزام قوي بحقوق الإنسان. كما وردت في المواثيق الدولية، والتزام واضح بتطبيق نظام سياسيّ تعددي.

وأكد الاتفاق أيضاً على الفيدرالية والمساواة بين المواطنين بصرف النظر عن العرق والدين واللغة والجنس. إذا تمت صياغة دستور سوداني قائم على هذه المبادئ، فإن البلاد ستظهر مجدداً جمهورية ديمقراطية حديثة يمكن مقارنتها بجنوب أفريقيا.

ولم يتطرق الاتفاق إلى النظام الاقتصادي المرتقب، إذ لم يرد ما يشير إلى اقتصاد السوق، والملكية الخاصة، غير أن النظام السياسيّ المطروح لن يعمل في ظل عدم وجود نظام اقتصادي حديث قائم على أساس اقتصاد السوق.

وأظهر الاتفاق، بصورة واضحة، أن النظام الحاكم الحالي هو الذي قدّم معظم التنازلات، حيث إن موافقة البشير على التعامل مع الصادق المهدي رئيس الوزراء الأسبق، على أساس متكافئ تعكس مدى يأس النظام الحاكم، ومع ذلك فإن المهدي من جانبه، قدّم عدداً من التنازلات، فقد تغاضي عن موقفه السابق تجاه قيام "لجنة الحقيقة والمصالحة" على غرار ما حدث في جنوب أفريقيا، لفحص سجل الحكومات التي تعاقبت على الحكم في السودان منذ استقلاله عام 1956.

ي. أوغندا

اتهمت السلطات الأوغندية سفارة السودان في نيروبي بالوقوف وراء سلسلة من الاعتداءات بالمتفجرات والقنابل اليدوية أدت إلى مقتل 55 شخصاً وجرح 183 آخرين منذ 1997 في أوغندا.

وقال الكولونيل هنري توموكوندي مسؤول الاستخبارات العسكرية في الجيش الأوغندي خلال مؤتمر صحافي يوم 16 يونيه 1999 في كمبالا: إن السفارة في نيروبي هي المركز الرئيس لتنسيق هذه الاعتداءات.

ونفى السكرتير الأول في السفارة السودانية في نيروبي هذه الاتهامات التي وصفها بأنها: "خاطئة تماماً ولا أساس لها".

وكانت حكومة كمبالا رفضت مراراً محاولات الخرطوم لتطبيع العلاقات المقطوعة بين البلدين منذ أبريل 1995.

وتتهم الخرطوم أوغندا بدعم الجيش الشعبي لتحرير السودان بزعامة جون قرنق.

أما كمبالا فتتهم الخرطوم بدعم حركات التمرد الأوغندية عبر السماح لها بإقامة قواعد في الأراضي السودانية. وأعلن وزير الأمن الأوغندي خلال المؤتمر الصحافي أنه تم أخيراً توقيف 77 من المشتبه بهم ـ بينهم أشخاص شاركوا، في تنظيم اعتداءات، وأعضاء مجموعتين متمردتين تقاتلان ضد القوات الحكومية الأوغندية في غرب البلاد وشرقها.

وقال الوزير الأوغندي: إن النتائج التي توصلنا إليها تؤكد أن هناك مجموعتين تدعمان الإرهاب وهما تحالف القوى الديمقراطية، وجبهة إغاثة أوغندا.

وفي أوائل يوليه 1999 أعلنت القوات المسلحة السودانية أن هناك مخططاً لشن هجوم على جنوب السودان بهدف الاستيلاء على مدينة جوبا عاصمة الجنوب السوداني، تنفذه أوغندا.

وقالت مصادر في القوات المسلحة في تصريحات للصحافيين يوم 6 يوليه 1999 "إن حشد القوات المنفذة اكتمل في أوغندا وتتكون، بالإضافة إلى قوات حركة التمرد، من مرتزقة من أوغندا وبوروندي ورواندا وتنزانيا".

وأضافت المصادر: "إنّ القوة المعادية تم إمدادها بمركبات المشاة والدبابات والمدفعيات والعتاد الكافي من الأسلحة والذخائر وتم تجهيز قوة قوامها ثلاثة ألوية مشاة بالإضافة إلى طائرات عمودية مسلحة".

وأكدت المصادر: أن عمليات حشد القوات المعادية ودفعها داخل الأراضي السودانية بدأ منذ 24 يونيه 1999 واكتمل حشد سبع كتائب شرق الاستوائية وخمس كتائب غرب الاستوائية (جنوب السودان) وقد زار الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني تلك القوات في 30 يونيه الماضي.

وأشارت المصادر إلى أن هذا المخطط مدعوم من أمريكا وهو يستهدف عزل مدينة جوبا وإسقاطها بهجوم عبر محاور شرق الاستوائية وغربها، مع تنفيذ هجمات لتشتيت جهود القوات السودانية في مناطق بحر الغزال ومناطق إنتاج البترول.

على صعيد آخر كشفت الجهات السودانية المعنية يوم 19 يوليه 1999 المزيد من التفاصيل حول الهجوم الأوغندي المرتقب والمدعوم من الاستخبارات الأمريكية وقالت صحيفة الأنباء السودانية: إن المخطط عملية عسكرية جديدة تحمل اسم "السلاحف" تنطلق من أوغندا بجيش مزوّد بأحدث الأسلحة والتقنيات الإدارية والقنابل المتطورة تحت الإشراف المباشر للاستخبارات الأمريكية.

وأضافت الصحيفة: إن عملية السلاحف لا تتجاوز 22 ساعة في الهجوم و4 ساعات مقاومة لاحتلال مدينتي جويا وتوريت في الاستوائية متزامناً مع هجوم ثانٍ على كل من واو، في بحر الغزال، وملكال في أعالي النيل، وبورسودان ميناء البلاد الرئيس على البحر الأحمر، والذي لم تحدد الصحيفة المكان الذي ستنطلق منه القوات المهاجمة له.

وفي 7 ديسمبر 1999 استضافت العاصمة الأوغندية كمبالا اجتماعات المعارضة السودانية حيث وصلت فصائل التجمع الوطني السوداني المعارض الذي كان معظمها ممثلاً على المستوى القيادي، باستثناء حزب الأمة الذي غاب عن قيادته الصادق المهدي ومثّله في قيادة الحزب عمر نور الدائم، بينما تغيّب أيضاً مبارك المهدي الأمين العام للتجمع. كما انضم وفد المعارضة من الداخل للاجتماعات.

وقد أدّت الخلافات التي شهدها الاجتماع الذي اختتم أعماله يوم 11 ديسمبر 1999 إلى ظهور (بيانين ختامين)، وتضارب في التصريحات بين القبول والرفض للمبادرة المصرية ـ الليبية، وبين الإدانة الشديدة والتبرؤ من اتفاق جيبوتي الذي وقعه حزب الأمة (أحد فصائل التجمع الوطني الديمقراطي) مع الحكومة السودانية في 25 نوفمبر 1999.

وأشار أحد البيانين إلى رفض اتفاق جيبوتي المسمى (نداء الوطن) ووجه صوت لوم للأمين العام للتجمع الوطني (مبارك المهدي) لاتباعه سلسلة خطوات، وصفها التجمع في البيان، بأنها خروج على مبادئه ومقرراته.

وطلبت هيئة القيادة في التجمع، في البيان نفسه، من محمد عثمان الميرغني رئيس التجمع يعاونه وفد من التجمع بالداخل البحث مع زعيم حزب الأمة في السلبيات الناجمة عن اتفاق جيبوتي، ووجهت التحية ـ في فقرة أخرى ـ لقوات التجمع الوطني الديمقراطي في جبهات القتال كلها. وهما فقرتان لا وجود لهما في صيغة البيان الآخر.

وأكد بيان هيئة القيادة أن الاجتماع توصل إلى صيغة متكاملة حول الموقف التفاوضي في شأن التنسيق بين المبادرتين (الإيقاد، والمصرية ـ الليبية المشتركة) ودعا الدول المعنية بتسريع الخطى للوصول إلى صيغة تنسّق بين المبادرتين.

وأشار البيان إلى تطلع هيئة القيادة بأن تجد رغبتا دولتي المبادرة (مصر، وليبيا) في تحقيق السلام في السودان؛ تعبيراً عملياً عنها في مبادرة الإيقاد، غير أن المتحدث باسم الجيش الشعبي لتحرير السودان كان قد أكّد في ختام التجمع أن قادة المعارضة رفضوا في اجتماعهم المبادرة المصرية ـ الليبية، وأوضح أن التجمع سيعمل في إطار مبادرة الإيقاد؛ وهو ما يعدّ متناقضاً مع نص البيانين اللذين صدرا عن اجتماع كمبالا.

وتمسّك التجمع ـ في بيانه الختامي ـ بأن تنفّذ حكومة الخرطوم الإجراءات الأساسية لبدء الحوار الوطني، وهي الاعتراف بالتجمع كياناً تنظيميّاً ووعاء سياسيّاً معارضاً يعبّر عن الفعاليات المنضوية تحت لوائه، وأن يحدد النظام في الخرطوم الجهة الرسمية المخوّل لها التفاوض معه، وعليه أيضاً أن يحدد أهداف مشروعه التفاوضي بكل وضوح، وأن ينفذ التدابير اللازمة لتهيئة المناخ؛ وفي مقدمتها إلغاء مواد في دستور عام 1998، تقيّد الحريات العامة. ورفع القيود عن النشاط الحزبي والسياسيّ والنقابي. وإعادة المفصولين من الخدمة بحجّة الصالح العام، وإطلاق سراح كافة المعتقلين سياسياً وإعادة الممتلكات المصادرة.

كما جدّد التجمع الوطني الديمقراطي تأكيده بأنّ الحل السلمي السياسيّ الشّامل يعتمد على فتح الطريق للتصدي لجذور الأزمة السودانية الممتدة منذ الاستقلال إلى الآن، على ألاّ يكون الحل جزئياً أو ثنائياً، ولا يستهدف اقتسام السلطة أو المشاركة فيها، وأن مرجعيته الأساسية هي: قرارات مؤتمر القضايا المصيرية في أسمرة (يونيه 1995) ثم يأتي بعدها: إعلان مبادئ الإيقاد لعام 1994، وقرارات هيئة القيادة ذات الصلة بالحل السياسي في مارس 1998، ويونيه 1999، وديسمبر 1998، وإعلان طرابلس 1999.

وعبّرت القيادة عن ضرورة إشراك التجمع الوطني في مفاوضات الإيقاد. ووقفت هيئة القيادة على التحضيرات للمؤتمر الثاني للتجمع وقررت عقده بالعاصمة الإريترية أسمرة في يوم السبت 25 مارس 2000 على أن يسبقه في الرابع من الشهر نفسه اجتماع لهيئة القيادة للوقوف على إجراءات التحضير لذلك المؤتمر.

وفي محاولة لتحسين العلاقات بين السودان وجيرانه، توجّه الرئيس السوداني "عمر البشير" إلى العاصمة الكينية نيروبي في يوم 7 ديسمبر 1999 للالتقاء بالرئيس الأوغندي "يوري موسيفيني" في إطار وساطة يقوم بها الرئيس الأمريكي الأسبق "جيمي كارتر". وفي اليوم التالي وقّع الرئيسان على اتفاق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين البلدين. كما تعاهد الطرفان على التخلّي عن استعمال القوة لحل خلافاتهما. وتعهدا بوقف الدعم لحركات التمرد المسلحة في البلدين، ونزع أسلحتها، والعمل على حلها، واحترام سيادة أراضي كل من البلدين، ودعم الجهود من أجل دفع السّلام.

2. الموقف الدولي

أ. الأمم المتحدة

وبعد تفاقم مشكلة الجوع بسبب الحرب والجفاف والتصحر. وجه السودان والأمم المتحدة نداء إلى العالم يوم 9 فبراير 1999 لتوفير مبلغ 198.4 مليون دولار لمقابلة احتياجات أربعة ملايين مواطن سوداني يعانون الجوع. وقال وزير الدولة السوداني بوزارة التخطيط الاجتماعي وممثل برنامج الغذاء العالمي: ـ في مؤتمر صحفي مشترك ـ إن برنامج الغذاء العالمي يحتاج إلى 173 ألف طن متري من الطعام العاجل للمشردين من ضحايا الحرب في جنوب البلاد معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السنّ، وتحتاج اليونسيف إلى مبلغ 40.4 مليون دولار لدعم الخدمات الصحية وشئون التعليم ورعاية الأطفال، ويحتاج برنامج الأمم المتحدة إلى 9.5 مليون دولار لإعانة 136 ألف مواطن، ويحتاج برنامج الأمم المتحدة للتنمية إلى 500 ألف دولار لإعادة التعمير، واستيعاب المشردين في الخرطوم وأعالي النيل، ويحتاج صندوق الأمم المتحدة للسكان 1.01 مليون دولار لدعم الأسر.

وفي الأسبوع الأول من مارس 1999 زار السودان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الأطفال في مناطق النزاعات، وفي يوم 6 مارس 1999 عقد مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع وزير الخارجية السوداني، وفي المؤتمر أعلن الوزير السوداني أن حركة قرنق اختطفت سبعة أشخاص يعملون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر في منطقة بانتيو بجنوب السودان، وناشد المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الطوعية، إدانة الحادث والضغط على زعيم التمرد للإفراج عن المختطفين.

واتهم الوزير عدداً من المنظمات بدعم حركة قرنق وقال إن الحكومة لديها دلائل قوية تؤكد ذلك.

وفي 10 مارس 1999 اجتمع مسؤولون من عشرين دولة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في أوسلو لعقد مباحثات حول الحرب في جنوب السودان.

وفي ـ بيان مشترك ـ "أعرب المشاركون عن قلقهم من أن التدفق الحالي للمعونات من الدول المانحة إلى السودان سيكون صعباً استمراره على الأجل الطويل إذا لم تتسارع خطى الجهود السياسية نحو السلام".

واتفقت الدول المشاركة في الاجتماع على العمل من أجل إقامة أمانة جديدة في نيروبي إلى جانب الأمانة الموجودة في جيبوتي للمساعدة في دعم جهود السلام.

وقالت الأمم المتحدة: إنها تواجه نقصاً في الأغذية في النصف الثاني من عام 1999؛ بسبب نقص التمويل.

وفي يوم 12 مارس 1999 أصدر المدير التنفيذي لليونسيف بياناً أعلن فيه أن المنظمة سَلمت الحكومة السودانية أدلة على وجود ممارسات للرق، وأنها دعت الحكومة للتعاون إزاء تنفيذ مقترحات دولية جديدة لمحاولة وضع نهاية لهذه الممارسات.

وكان رد الحكومة السودانية على البيان: أن استدعت وزارة الخارجية السودانية ممثل منظمة اليونسيف في السودان، ونقلت إليه موقف حكومة السودان الرافض لما ورد في بيان المدير التنفيذي للمنظمة الذي أدعت فيه توافر أدلة قاطعة على وجود ممارسات رق مستمرة في السودان.

وفي يوم 3 أغسطس 1999 أكّد "كلاوديو فيو" أحد المسؤولين في منظمة (إن ـ بي ـ إيه) النرويجية الإنسانية العاملة في جنوب السودان، أن الطيران السوداني ألقى عناصر كيماوية على مواقع للمتمردين في جنوب السودان.

وأضاف: إن فريقاً من العلماء جمع عدداً من الشهادات والأدلة المادية عن استخدام عناصر سامة ضد مدينتي (لاينيا) و(كايا) في ولاية الاستوائية خلال عمليات قصف تمت بين 21 و23 يوليه الماضي.

ولم تسفر هذه العمليات الجوية عن سقوط ضحايا، ولكن أطباء المنظمة الذين أرسلوا إلى المدنيين سجلوا حالات تقيوء دم وإجهاض عارض.

وأكّد المسؤول النرويجي: أن تحليلات مركزة ستجرى على العينات الطبّية والعينات الترابية لتحديد طبيعة العناصر المستخدمة.

وبناء على تصريحات المنظمة النرويجية، علّقت الأمم المتحدة جميع أنشطتها الإنسانية في المنطقة وأعلنت فتح تحقيق إثر إصابة ثلاثة من المتعاونين معها بتوعك بعد إقامتهم في لاينيا.

ويوم 5 أغسطس 1999 دانت الولايات المتحدة الحظر الذي فرضته الحكومة السودانية على رحلات الإغاثة الجوية في منطقة غرب أعالي النيل في الجزء الجنوبي من البلاد.

ب. الاتحاد الأوروبي

أعلن ممثلون للاتحاد الأوروبي أنهم: لاحظوا بعض التحسن الذي طرأ على الأوضاع في السودان نتيجة لبعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السودانية، ومن بينها إجازة الدستور الدائم.

وقال "تونانين هيكي" (فنلندي) رئيس الوفد الزائر في مؤتمر صحافي عقده يوم 10 نوفمبر 1999 عقب الاجتماع الأول مع المسؤولين في وزارة الخارجية السودانية: إن المباحثات ركزت حول حقوق الإنسان وتحقيق السلام والديمقراطية في السودان، وأضاف: "إننا ننتظر من الحكومة تطبيق ما أعلنته من إجراءات في كافة المجالات السياسية والاجتماعية، والالتزام بحريات الرأي والتعبير، والتعددية السياسية والدينية، لأن كفاية حقوق الإنسان وإفراز الديمقراطية من المسائل الأساسية في تحديد علاقة الاتحاد الأوروبي مع جميع الدول".

ج. الولايات المتحدة الأمريكية

وفي اليوم الأول من شهر سبتمبر 1999 أكّد مسؤول في الإدارة الأمريكية أن اتصالات تجرى مع المسؤولين في الحكومة البولندية؛ للتأكيد من المعلومات التي أفادت أن عشرين دبابة من نوع تي 55 كانت جزءاً من صفقة دبابات بولندية إلى اليمن، وصلت إلى السودان.

وطالب أمين المؤتمر الوطني (التنظيم الحاكم) بولاية الخرطوم الحكومة بعدم منح إذن دخول للمبعوث الأمريكي. وقال: إذا وافقت الإدارة الأمريكية على تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في قصف مصنع الشفاء، يمكن أن توافق الحكومة السودانية على دخول المبعوث الأمريكي للأراضي السودانية.

وفي 28 سبتمبر 1999 ذكرت مصادر دبلوماسية مصرية إن الولايات المتحدة أبلغت الإدارة المصرية أنها تؤيد جهود المصالحة المصرية الليبية لتحقيق المصالحة الداخلية في السودان بين الحكومة والمعارضة، إضافة إلى ما تقدم به مجموعة (الإيقاد) من جهود تسير في نفس الاتجاه.

وذكرت مصادر عربية مطلعة في القاهرة أن وزارة الخارجية الأمريكية طلبت من السلطات المصرية وبصورة رسمية إشراك هاري جونستون المبعوث الأمريكي الخاص بالسودان في الاجتماعات التنظيمية التي ستعقدها الفصائل السودانية المنضوية تحت لواء التجمع الوطني الديمقراطي في كل من القاهرة وكمبالا على التوالي التي ستبدأ في 16 أكتوبر 1999.

وقد أبدت القاهرة تحفظاً على حضور المبعوث الأمريكي لهذه الاجتماعات، لأنها ذات طابع تنظيمي. كما أن الحكومة السودانية نفسها لم تحدد موقفها من التعامل مع هذا المبعوث.

وأوضحت بعض المصادر أن السلطات الليبية رفضت بشدة أي اتجاه لإشراك المبعوث الأمريكي في أي اجتماعات خاصة بالمعارضة السودانية ووصفت ذلك بأنه تدخل مرفوض في الشؤون الداخلية للسودان.

وفي يوم 23 أكتوبر 1999 اجتمعت وزيرة الخارجية الأمريكية "مادلين أولبرايت" مع "جون قرنق" زعيم الجيش الشعبي لتحرير السودان في العاصمة الكينية نيروبي، وفي الاجتماع بحث الجانبان احتمال تقديم الولايات المتحدة الأمريكية معونات غذائية لقوات قرنق والجهود الرامية إلى إنهاء الحرب في السودان.

وأبدت الوزيرة الأمريكية استعداد بلادها للتوسط بين الحكومة والجيش الشّعبي لتحرير السودان. كما أنها أكدت أن واشنطن تدعم جهود الدول الأعضاء في الإيقاد لتحقيق السلام في السودان، ولا تدعم أي جهود أخرى يقترحها البعض مثل مصر وليبيا.

وقد تباينت مواقف السياسيين الشماليين والجنوبيين تجاه تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية التي أعلنت فيها تأييدها لمبادرة الإيقاد وتحفظها حيال المبادرة المصرية ـ الليبية المشتركة. فقد أوضح نائب رئيس المجلس الوطني أن رفض أمريكا للمبادرة المشتركة يأتي من الرفض الأمريكي المجمل لليبيا، وأن الانحياز الأمريكي للإيقاد هو انحياز لفصل جنوب السودان.

وفي القاهرة التقى المبعوث الأمريكي للسودان هاري جونستون بوزير الخارجية المصري يوم 28 أكتوبر 1999. وبعد اللقاء وصفه المبعوث الأمريكي بأنه كان مفيداً مشيراً إلى أنه حمل إلى الوزير المصري رسالة من وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت مؤكداً أن بلاده تقدّر الدور التاريخي الخاص لمصر في السودان.

وبعد الاجتماع أعلن المبعوث الأمريكي للصحافيين أن بلاده مهتمة بالتوصل إلى تسوية سياسية شاملة ودائمة تكون كفيلة بالحفاظ على وحدة السودان. وأكد ضرورة الأخذ بوجهات نظر كاملة الأطراف من خلال مبادرة الإيقاد، مشيراً إلى أهمية التوصل إلى تسوية دائمة تأخذ في الحسبان حق تقرير المصير لجنوب السودان، والقضايا الوطنية الأخرى مثل الديموقراطية ودور الدين والدولة.

وفي خطوة مفاجئة وقع الرئيس الأمريكي "بيل كلينتون" يوم 29 نوفمبر 1999 مشروع قرار يقضي بانتهاج سياسة أكثر تشدداً تجاه الحكومة السودانية، وذلك بتسليم المساعدات الغذائية بصورة مباشرة لقوات الجيش الشعبي لتحرير السودان في الجنوب.

ويهدف أنصار هذه الخطة، داخل وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأمريكيين، إلى تعزيز العمليات العسكرية للمعارضة الجنوبية، ولعزل النظام السوداني الذي تتهمه واشنطن بدعم الإرهاب الدّولي. ويرى معارضو هذا الاتجاه، بمن في ذلك بعض مسؤولي الإدارة الأمريكية، ووكالات الغوث: أن إعطاء المساعدات الغذائية للمعارضة مباشرة، يُعدّ مثالاً آخر لسياسة التدخل التي تقحم الولايات المتحدة في الحرب الأهلية، تماماً كما فعلت إدارة الرئيس الأسبق رونالد ريجان التي ساعدت جماعات حرب العصابات المناوئة للشيوعية في أفريقيا، وأمريكا الجنوبية.

ويعتقد "بيتر بيل" مدير منظمة (كير) العالمية التي تقدم عوناً غذائياً لشمال السودان وجنوبه على السواء، بأن الإدارة الأمريكية يجب أن تبذل المزيد من الجهود في دعم محادثات السلام بدلاً من محاولات تعزيز موقف الجيش الشعبي لتحرير السودان.

وقد أعلن السودان يوم 1 ديسمبر 1999 رفضه للقرار الأمريكي، ووصفه بأنه يهدد الأمن القومي السوداني.

وفي نوفمبر 1999 أبلغ المبعوث الأمريكي للسلام في السودان هاري جونستون قادة المعارضة السودانية أن حكومته ستوجه دعوة لهم لزيارة بلاده لمزيد من التشاور حول القضية السودانية.

وقالت مصادر حضرت اجتماعات التجمع في كمبالا في الفترة من السابع إلى الحادي عشر من ديسمبر 1999، أن "محمد عثمان الميرغني"، رئيس التجمع، عرض الدعوة الأمريكية على المجتمعين، لكنها قوبلت باعتراضات شديدة.

وبعد الإجراءات التي أتخذها الرئيس البشير في السودان في 12 ديسمبر 1999 بإعلان حالة الطوارئ وحل البرلمان، قال مسؤول في الإدارة الأمريكية للصحافيين: إن الولايات المتحدة الأمريكية تتابع وتراجع وتراقب ما اتخذه الرئيس السوداني من قرارات وتقوّم ما حدث وما سيحدث خلال الأيام القليلة المقبلة، وتأثير ذلك على السياسة الخارجية للسودان، وعلى علاقة الولايات المتحدة وسياستها نحو السودان، وأشار إلى أن الأمور ستضح خلال أيام.

د. كندا

ومساهمة من الحكومة الكندية في حل مشكلة الحرب في السودان أعلن وزير الخارجية الكندي في 26 أكتوبر 1999 أن بلاده دعت أطراف النزاع في السودان إلى إجراء مفاوضات في كندا من أجل إطلاق عملية سلام متينة وسريعة في ظل احترام الجهود التي تبذلها مجموعة الإيقاد المؤلفة من سبع دول أفريقية.

وقال وزير الخارجية الكندي: إن الدعوة وجهت إلى وزير الخارجية السوداني وقائد الجيش الشّعبي لتحرير السودان جون قرنق ولكن لم يحدد بعد موعد هذه المفاوضات.

وكان الوزير الكندي قد اجتمع في وقت سابق من عام 1999 مع وزير خارجية السودان الذي رفض الاتهامات فيما يتعلق بحقوق الإنسان في بلاده. وقال الوزير الكندي: نتيجة للمناقشات وافق المسؤولون السودانيون على قبول تحقيق كندي في هذا الأمر وسننفّذ عرضهم. وقال مسؤولون: إن قراراً اتخذ لتعيين وسيط كندي لدعم الجهود الحالية لإنهاء الحرب الأهلية في السودان.

وقال مسؤولون: إن الحكومة الكندية ستجري محادثات مع شركة "تاليسمان أنرجي" التي تعرضت أخيراً لانتقادات من وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت لمشاركتها بحصة قدرها 25% في مشروع نفطي في جنوب السودان.

وقال مسؤولو إغاثة،: إن كندا ستقدم 300 ألف دولار كندي للأمانة التي تتولى تنظيم محادثات السلام.

هـ. بريطانيا

نظّم مجلس تطوير التفاهم العربي ـ البريطاني مساء 23 يونيه 1999 في لندن ندوة حول "السياسة البريطانية في الشرق الأوسط". وفي الندوة أكدّ جيفري هون وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط: أن السّلام في السودان أمر ممكن وسيجعل منه أولوية لعمله خلال الفترة المقبلة. وقال: "إن السلام في السودان أولوية سنكرس لها جهودنا وسندعم الخطوات التي ستؤدي إلى توصل الأطراف المتنازعة للجلوس حول طاولة الحوار" مؤكداً حرص بريطانيا على وحدة التراب السوداني.

وقال: " كان بإمكاني أن أعلن اليوم أمامكم عن اقتراب دولتينا (بريطانيا والسودان) من تبادل السفراء؛ إلا أنني فضلت أن أترك ذلك إلى وقت لاحق، بينما أؤكد لكم إننا حققنا تقدماً، ويبقى استكمال الإجراءات الأخيرة.

كما أشاد في هذا الصدد بالدور الذي أدّاه سلفه وزير الدولة الراحل ديريك فاتشيت لوقف إطلاق النار في مناطق جنوب السودان التي كانت تعاني المجاعة. وشدّد على أهمية الوساطة الإقليمية التي قد تطلع بها الدول المجاورة، مثلما تفعل مصر وليبيا في دفع الأطراف المتنازعة في السودان لإيجاد حلّ سلميّ.

وفي 24 نوفمبر 1999 عقد روبن كوك وزير الخارجية البريطاني ونظيره المصري عمرو موسى لقاء صحافياً مشتركاً في مقر وزارة الخارجية في لندن. أشار كوك إلى أنه بحث مع موسى المبادرة المصرية ـ الليبية التي تهدف إلى إقرار السلم في السودان. وأكد أن بلاده تدعم المبادرة والمقترحات المصرية فيها.

و. فرنسا

أكدّ الوزير الفرنسي المفوّض لشؤون التعاون في ختام لقاء مع وزير الخارجية السوداني في باريس يوم 8 يونيه 1999، أن الوقت قد حان لعودة السودان بشكل كامل إلى صفوف المجموعة الدولية.

ووعد بالعمل لصالح السودان لدى الاتحاد الأوروبي إذا ما واصل الوضع الداخلي فيه تطوره على صعيد الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وأشاد الوزير الفرنسي بتطور الوضع الداخلي في السودان الذي سيساعد استمراره على رفع العقوبات التي قررها مجلس الأمن الدولي في حقه في أبريل 1996.