سقوط فيتنام في أيدي الفرنسيين

سقط نابليون الثالث، عام 1870، إثر انتصار بروسياPrussia   على جيوشه. وأصبحت باريس ميدان حرب، بين الجمهوريين والملكيين. وطالب الفرنسيون بحشد الجهود لتحرير الألزاس Alsace واللورين Lorraine من قبضة ألمانيا؛ بدلاً من صرفها في مد نفوذ فرنسا عبْر البحار. وفي عام 1873، أُخرجت القوات الفرنسية من تونكين. ثم أبرم القائد الفرنسي، بول لويس فيلاستر Paul Louis Philastre، اتفاقية مع تو دوك، في هوي؛ أكدت سيطرة غير مشروطة لفرنسا على جميع أنحاء الهند الصينية؛ وفتح النهر الأحمر أمام التجارة؛ وسمحت للفرنسيين بإنشاء قنصليات لهم في ثلاث مدن فيتنامية؛ واستعداد فرنسا لمساعدة الإمبراطور على الدفاع عن بلاده ضد أيّ هجوم أجنبي. وهكذا، تخلَّى الإمبراطور عن جنوبي فيتنام، في مقابل الحفاظ على سيطرته على وسطها وشماليها. وكان اعترافه بسيطرة فرنسا على الهند الصينية، سبباً لتأزُّم المفاوضات الفرنسية ـ الفيتنامية، على مدى سبعين سنة مقبلة.

انقسم برلمان فرنسا، في شأن سياستها الخارجية، قسمَين:

تزعم أحدهما جورج كليمانسو Georges Clemenceau، الملقب بالنمر، والذي سيقود القوات الفرنسية في الحرب العالمية الأولى. ورأى أن على فرنسا، أن تتخلى تماماً عن سياستها الاستعمارية التوسعية، التي نزفت مواردها، وبددت إمكاناتها؛ وأن تهتم بإعادة علاقتها بأوروبا وتحسينها. وقد أيده على ذلك نواب حزب المحافظين جميعاً.

وتمثل الآخر في ورثة فكر الثورة الفرنسية، الذين رأوا ضرورة إخضاع فيتنام كلّها لنفوذ فرنسا. وترأسهم جولي فيري Jules Ferry، رئيس الوزراء الفرنسي، الذي قال إن على فرنسا، أن تتوسع عبْر البحار، رافعة شعار: "نشر المدنية والحضارة في الشعوب الضعيفة"؛ و"السياسة الاستعمارية وليدة السياسة الصناعية".

وانتهى الانقسام، بعد خمس سنوات، إلى غلبة الفريق الأخير، وفرض رأيه؛ ليعيَّن شارل ماري لو مير دو فيلر Charles Larie Le Myre de Vilers، عام 1879، أول حاكم مدني للهند الصينية. وقد استهل عمله بتوجيه سريتَين، بقيادة النقيب هنري ريفيير Henri Rivière، إلى فيتنام الشمالية. فوصل إلى هانوي، وقصف قلعتها، وهزم رجالها؛ فانتحر حاكمها، هونج ديو Hong Dieu، شنقاً. وواصل هنري ريفيير تقدُّمه، فاحتل المنطقة بين هانوي والبحر، واستولى على مناجم الفحم في هونجي Hongay؛ للحيلولة دون استيلاء البريطانيين عليها. غير أنه لم يتمكن من الحؤول دون مكمن فيها، أودى به؛ وطاف رجال المقاومة برأسه، من قرية إلى قرية.

انتهز الأسطول الفرنسي، بقيادة فرانسوا هاموند Francois Hammond، تناحر ثلاثة أمراء على العرش، بعد وفاة تو دوك، عام 1883، ليدنو من مصب نهر بيرفوم Perfume  بالقرب من هوي، وينذر الفيتناميين، إنْ لم يستسلموا، خلال 24 ساعة، أنهم سيلاقون ما لا يتخيلونه من المصائب؛ بل سيُمْحَى اسم فيتنام من التاريخ. ولم ينتظر ردهم، وإنما طفق يقصفهم، حتى أجبرهم على توقيع اتفاقية، تنص على فرض الحماية الفرنسية على فيتنام كلّها، باستثناء منطقة الهند الصينية، التي هي، بالفعل، مستعمرة فرنسية. ومن ثَم، بدأت فرنسا تفرض موظفيها على مراكز السلطة الفيتنامية، بما فيها قصر الإمبراطور. وتولَّت تنظيم التجارة الفيتنامية، وإدارة شؤونها الخارجية، وجمع الرسوم. واختفى اسم فيتنام من الوثائق: الفرنسية والغربية. وقسمت، إدارياً، ثلاث مناطق: تونكين، وأنام، والهند الصينية. وأصبح مواطنو فيتنام كلّهم، يطلق عليهم اسم الأناميين Annamites.