الدعم الأمريكي ـ الغربي لفرنسا

نجحت فرنسا في إعادة فرض نفوذها في الهند الصينية، وخاصة في الجنوب، حيث كان النفوذ  الشيوعي ضعيفاً، تقاومه الجماعات الوطنية، والجماعات الدينية المناهضة للشيوعية. غير أنها لم تُحسِن استمالة تلك الجماعات؛ وإنما نفَّر سوء معاملتها كثيراً منهم، ودفعهم إلى الانحياز إلى الشيوعيين. وقد أفلح هوشي منه في التودد إليهم، وإثارة النعرة الوطنية فيهم، وضرورة التعاون على الخلاص من الاستعمار.

كانت فرنسا تظن، أن اعترافها بجمهورية فيتنام الديموقراطية، ولاية مستقلة، في إطار الاتحاد الفرنسي، هو كافٍ لاستتباب الأوضاع. ولكن الخلافات الحادة، في شأن تمام هذا الاستقلال، عجلت بوقوع الصدام بين الطرفين.

تولّى فو نجين جياب Vo Nguyen Giap قيادة الفيت منه العسكرية؛ وتولّى هوشي منه القيادة السياسية العليا. وكانا قد شكَّلا معاً هذه القوات، أول مرة، في جنوب الحدود الصينية، بالقرب من كاو بانج Cao Bang، تحت اسم رابطة استقلال فيتنام League for the Independence. ثم حملت اسم الفيت منه، وأشرفا على تسليحها وتدريبها على تكتيكات حروب العصابات، ونشرها في الشمال، وضم ما استطاعا ضمه إليها. وتمكنا من توسيع نطاقها في الجنوب، كذلك، وخاصة في الريف. وبناء على تحالف هوشي منه وشانج فا-كوي Chang Fa-Kwei، حاكم محافظة كوانجسي Kuangxi الصينية، المتاخمة للحدود الفيتنامية الشمالية، تولّى الأخير إمداد الفيت منه بالسلاح والعتاد والأموال، والقواعد في الصين؛ مقابل التبادل الاستخباراتي التجسسي على خصومه اليابانيين.

قررت فرنسا استدعاء الإمبراطور السابق، باو داي، من منفاه في هونج كونج، ليتولّى حكم ولاية فيتنام المستقلة؛ عسى أن يتمكن من اجتذاب الذين التفوا حول هوشي منه، ويوقف ازدياد انضمام أهالي الريف إليه. ولكن هذا التحرك الفرنسي، جاء بعد فوات الأوان؛ فقد كان الرأي العام، في معظم أنحاء فيتنام، قد آمن بمبادئ التحرر والاستقلال، التي رَوَّجَّها الفيت منه في أنحاء البلاد. ورأت في باو داي رجلاً ضعيفاً، وعميلاً للقوات الاستعمارية على حساب مصلحة وطنه.

يوليه 1945، عُقد مؤتمر بوتسدام Potsdam Conference، في ضاحية بوتسدام، ببرلين، بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وبريطانيا العظمى. وقرر المؤتمر أن تحتل بريطانيا فيتنام، وتنزع سلاح القوات اليابانية جنوب خط عرض 16. بينما تتولى الصين الوطنية المهمة نفسها شمال خط عرض 16.

أمّا هوشي منه، فاستدعى ستين رفيقاً، من كبار رفاقه، إلى تران تاو Tran Tao، إحدى قرى  محافظة ثاي نجوين Thai Nguyen، شمال هانوي، حيث أعلن تشكيل رابطة التحرير الوطني National Liberation Committee، برئاسته، وأمر بالثورة في أنحاء البلاد كلّها؛ عقب القاء القنبلة الذرية على هيروشيما ونجازاكي، في اليابان. فعمَّت ثورة أغسطس معظم أنحاء فيتنام، بما فيها سايجون. وقتلت كثيراً من رجال باو داي، من بينهم أخوه الأكبر. وأغار رجال العصابات على بعض النقاط اليابانية، واستولوا على أسلحة رجالها. ودخلت طلائع الفيت منه هانوي، في 16 أغسطس 1945، واستولت على المباني العامة، وأعلنت استيلاءها على السلطة. ووصل هوشي منه، في 24 أغسطس، إلى المدينة، ليرغم باو داي في 25 أغسطس، على التخلي عن العرش،  في هوي؛ ويستدعيه إلى هانوي، وعيَّنه مستشاراً خاصاً له، في 29 أغسطس؛ وليعلن، في 2 سبتمبر 1945، استقلال فيتنام؛ وقيام الجمهورية الديموقراطية الفيتنامية Democratic Republic of Vietnam (DRV)، برئاسته؛ وفي نوفمبر 1945، أعلن حلّ الحزب الشيوعي للهند الصينية.

في واشنطن، أعلن الجنرال شارل ديجول أن فرنسا لن تتخلى عن خيار الحرب؛ وهدفها استعادة السيطرة على الهند الصينية. وعين الأدميرال ثيرّى دارجنليو Thierry d’Argenlieu، مندوبا ساميا للهند الصينية، وحظر عليه قبول أي وساطة أجنبية؛ في التفاوض مع الفيت منه، بينما أرسل أحد أعضاء حكومته، وهو جين سيديل Jean Cédile، فهبط بمظلة، في جنوب فيتنام، للتفاوض سراً مع الفيت منه. وأردف ذلك بإرسال جين سنتيني Jean Sainteny؛ للتفاوض مع هوشي منه. وقد نجح في كسب ود هوشي منه، وأصبح صديقاً له. وبادر هوشي منه إلى إبلاغ واشنطن ترحيبه بوصول مليون جندي أمريكي، لا فرنسي، إلى بلاده. وأعلن فو نجين جياب، أن الولايات المتحدة الأمريكية "صديق عزيز"؛ لأنها "دولة ديموقراطية، لا أطماع لها في أراضي الغير". ونقلت الاستخبارات الأمريكية إلى الرئيس الأمريكي، هاري ترومان، أن الفيتناميين مصرون على استقلالهم، "ولو استدعى ذلك حياتهم جميعاً؛ فليس لديهم شئ يخسرونه". ولكن الولايات المتحدة الأمريكية، أصرت على الانحياز إلى الجانب الفرنسي. أمّا سايجون، فكانت تعيش حالة اضطراب وفوضى، واقتتال طوائفها المختلفة. ولكن القوات الفرنسية تمكنت من إخضاع المدينة تماماً، بعد عنف شديد، وموجة اعتقالات واسعة.