إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / موسوعة الحرب الفيتنامية






مناطق الاستشاريين الأمريكيين
مناطق استطلاع 1965
مناطق اعتراض أمريكية
مناطق اعتراض رئيسية
مواقع 1972
مواقع عملية ليا
ممرات التسلل في جنوب فيتنام
منطقة إكس ري
منطقة تاللي هو
وحدات الفيلق الجنوبي الثاني
هجوم الفرقة التاسعة
هجوم بين هوا
مطار تخبون
أكس ري 1967
نظام MSO- Skyspot
معارك 1950-1952
معارك 1950-1954
معارك 1965
معارك 1967
معارك 1969
معارك بحرية 1964
معارك دين بين فو
معارك فيتنامية يابانية
معركة أونج ثانه
معركة هندرا بورا
معركة سوي تري
معركة فوك لونج
مقترح الانسحاب الأول
مقترح الانسحاب الثاني
أقسام لاوس
الوحدات الجنوبية 1975
الهجوم الصيفي
الهجوم في وادي كيم سون
الأيام الأخيرة للحرب
المرحلة الأولى من مدينة الملتقى
المرحلة الثانية من مدينة الملتقى
الأسطول السابع، في بحر الصين
المقاومة 1957-1959
التحركات عند نهر راخ با راي
السيطرة الجوية الأمريكية
الكتيبة 716
الفيلق الثالث الجنوبي
الفيلقين الأول والثاني 1969
الفيلقين الثالث والرابع 1969
الفرق الشمالية 1975
الفرقة 25 مشاة1967
الفرقة الأولى مشاة 1967
الفرقة الأولى فرسان 1966
الفرقة التاسعة 1967
تمركز في 1965
تحركات الكتيبة الثانية
برنامج حارس البوابة
برنامج كريكت
تسلل الفيتكونج
جنوب لاوس 1965
جنوب لاوس مارس 1967
دلتا نهر الميكونج
جيرونيمو
سواحل فيتنام الجنوبية
طبوغرافية فيتنام
شبكة هوشي منه 1967
شبكة طرق هوشي منه، إلى جنوب لاوس
شبكة طرق هوشي منه، في 1964
طرق عملية هزيم الرعد
سقوط المنطقة العسكرية الثانية
سقوط بان مي ثوت
سقوط سايجون
سقوط كسوان لوك
عمليات 1966
عمليات النحاسة اللامعة
عمليات التقاطع الساحلي
عمليات الفرقة الأولى فرسان أبريل -أكتوبر
عمليات الفرقة الأولى فرسان يناير -أبريل
عمليات القوات الكورية
عمليات كريكت في لاوس
عملية لام سون 719
عملية أتليبورو1
عملية أتليبورو2
عملية والوا
عملية هيكوري
عملية هزيم الرعد
عملية اللورين
عملية العربة
عملية بول ريفير
عملية باريل رول
عملية بيرد
عملية جاكستاي
عملية جريلي
عملية Leaping Lena
عملية شلالات الأرز
عملية سام هوستون
عملية كان جيوك
عملية فرانسيس ماريون
عمليتا نهر هود وبنتون
عمليتا النمر الفولاذي وباريل رول
قواعد ثاي وفيتنام الجنوبية
قوة الواجب أوريجون
قيادات شمالية 1966



الفصل الثاني

استِعار المواجهات العسكرية، الفرنسية ـ الفيتنامية

قرر قادة الفيت منه التصدي للقوات الفرنسية، وتلك البريطانية المتعاونة معها. فقصفوا، في 24 سبتمبر 1945، سايجون قصفاً كثيفاً، بمدافع الهاون والرشاشات؛ فانقطعت عنها الكهرباء والمياه، وشلت الحياة فيها تماماً. وفرّ عشرون ألف مواطن فرنسي إلى الفنادق والثكنات الفرنسية. واندفع رجال الفيت منه المسلحون، عبْر طرقات المدينة، وأغاروا على المطار؛ وأحرقوا السوق المركزية؛ ودهموا السجن، وأطلقوا مئات السجناء الفيتناميين. وهجموا على ضاحية سيته هيرو Cité Hérault، حيث ذبحوا مائة وخمسين فرنسياً، واقتادوا أكثر من مائة رهينة.

إزاء ذلك، ترددت الولايات المتحدة الأمريكية في اتخاذ موقف ما، ولم تبدِ اعتراضاً، بعد أن علمت أن البريطانيين أعادوا تسليح الجنود اليابانيين، في جنوبي فيتنام، ثم سلموا معداتهم العسكرية الأمريكية إلى الوحدات الفرنسية، وبدأوا بالتراجع إلى الجنوب. باستثناء أنها أرسلت سبعة وكلاء، برئاسة المقدم بيتر ديوي  Peter Dewey، من مركز قيادة مكتب الخدمات الإستراتيجية؛ بهدف إطلاق أسرى الحرب الغربيين، والبحث عن المفقودين الأمريكيين. وقد انضم ديوي إلى العميد دوجلاس جراسي Douglas Gracey، قائد القوة البريطانية المكلفة نزع أسلحة اليابانيين. وقد اختلفا؛ فأمر جراسي بإخراجه من سايجون، ثم سقط ديوي قتيلا على أيدى أحد الفيتناميين، خطأً، في 26 سبتمبر 1945. ولم تفعل واشنطن شيئا؛ رداً على ذلك.

رداً على ما فعله الفيت منه، عيَّن شارل ديجول الجنرال جاك فيليب ليكلرك Jacques Philippe Leclerc (قائد فرقة الدبابات، الذي حرر باريس من القوات الألمانية عام 1944) قائداً للقوات الفرنسية في الهند الصينية، الذي نصحه الفريق الأول دوجلاس ماك آرثر Douglas Mac Arthur، القائد الأمريكي العام لقوات الشرق الأقصى، بضرورة التصدي للثوار بكلّ قوة، قائلاً له: "اجلب إلى المنطقة أكبر عدد ممكن من القوات".

في أكتوبر 1945، تمكنت قوات ليكلرك، البالغة 35 ألف جندي، من هزيمة قوات الفيت منه، التي كانت تحاصر سايجون؛ ثم انطلقت تمشط دلتا الميكونج، والمرتفعات الشمالية. عمد المنهزمون، خلال تراجعهم، إلى إحراق القرى، وتدمير الجسور في طريقها. وأمكن فرنسا السيطرة على سايجون، وتأسيس إدارة جديدة فيها، وأعادوا بناء مواقعهم في المرتفعات الوسطى.

أمّا في فيتنام الشمالية، فقد ظل هوشي منه يوطد الأوضاع، وينفذ برامج إصلاح ثورية، حسب المنهج الشيوعي. في تلك الأثناء، وحسب قرار مؤتمر بوتسدام Potsdam، عُبِّئ القوميون الصينيون لنزع سلاح اليابانيين، في الشمال. فوصل إلى هانوي، في نوفمبر 1945، مائتا ألف جندي، يقودهم الجنرال لو هان Lu Han. وأعملوا النهب والسلب، وصاروا أخطر، على الفيتناميين الشماليين، من الفرنسيين الغزاة أنفسهم. ففرَّ منها فونجين جياب، وكثير من رجاله؛ ما اضطر هوشي منه إلى تودُّد فرنسا؛ فأعلن إعجابه بها، والتزامه بالعهود والمواثيق السابقة، التي أبرمتها الحكومات السابقة معها، ودعاها إلى التفاوض؛ شريطة الاعتراف باستقلال فيتنام. وقد استجابت باريس له، بإرسال جان سنتني Jean Sainteny، ممثل الرئيس شارل ديجول. وفي الوقت نفسه، أرسل الجنرال ليكلرك سفنه الحربية إلى خليج تونكين، في فيتنام الشمالية؛ استعداداً للقصف، إنْ أخفقت المفاوضات. غير أنها نجحت، ووقِّعت، في 6 مارس 1946، وأسفرت عن استعداد فرنسا للاعتراف بفيتنام، دولة حرة، في إطار اتحاد فيدرالي فرنسي، يضم ، إلى جانب فيتنام، كلاً من كمبوديا ولاوس؛ على أن يصبح اتحاد الهند الصينية هذا عضواً في الاتحاد الفرنسي، طبقاً للدستور الفرنسي الصادر في صيف 1946؛ في مقابل سماح هوشي منه بوجود 25 ألف جندي فيها، طوال السنوات الخمس التالية، وإجراء استفتاء حول إعادة توحيد تونكين وأنام والهند الصينية. ما كان قبوله ذلك إلا اتقاء لخطر فرنسا؛ ريثما يتمكن من طرد القوات الصينية.

استكملت المحادثات، في مايو 1946، في مؤتمر فونتننبلو Fontainebleau، جنوبي باريس، الذي استمر ثمانية أسابيع، ولم يسفر إلا عن مسودة اتفاق، تدعم المطالب الاقتصادية الفرنسية، في شمالي فيتنام؛ ولا تقرر شيئاً، يتعلق بالهند الصينية (فيتنام الجنوبية)؛ على الرغم من إصرار هوشي منه على حسم وضعها، وجعْلها جزءاً لا يتجزأ من فيتنام. ولكن في الوقت نفسه، أعلن الأدميرال ثيرّى دارجنليو، المندوب السامي الفرنسي، حكومة منفصلة للهند الصينية؛ ما يعني نقض اتفاقية مارس الآنفة. ومن ثم، أيقن هوشي منه، أن الفرنسيين، لايريدون منح فيتنام استقلالها. واتفق مع صديقه، فو نجين جياب، وهو وزير داخليته، على ضرورة الاستعداد للحرب. ومن ثَم، شرع الوزير يرفع عديد قوات الفيت منه النظامية، من 30 ألف جندي إلى 60 ألفاً، تدعمهم ميليشيا إقليمية، تسمى تو في Tu Ve؛ وميليشيا قروية، تسمى دو كيش Du Kich. واندلع الاشتباك العنيف بين الطرفَين في هانوي، في 20 و21 نوفمبر 1946، في ميناء هايفونج Haiphong، حيث احتجزت الميليشيا الفيتنامية قارب تفتيش فرنسياً، كان قد اعتَقل بعض الصينيين. واقتحمت الدبابات الفرنسية شوارع المدينة، وردت الميليشيا الفيتنامية بقذائف الهاون.

استند الجنرال إتين فالوي Etienne Valluy، قائد القوات الفرنسية الجديد في فيتنام، إلى سماح رئيس الوزراء الفرنسي، جورج بيدو Georges Bidault، له باستخدام المدفعية ضد الميليشيات الفيتنامية، فسارع إلى مطالبة هوشي منه بإخلاء هايفونج من الميليشيات الفيتنامية، والاعتراف بالسيطرة الفرنسية على هانوي. ومن دون انتظار الرد، اجتاحت الميناء، صبيحة 23 نوفمبر 1946، الوحدات المدرعة، ووحدات المشاة الفرنسية؛ تدعمها الطائرات الفرنسية، والمدمرة الفرنسية سوفرون Suffren. ولم يوقف القتال إلا تدخّل الجنود الأمريكيين، بعد سقوط 20 ألف قتيل فيتنامي، حسب الرواية الفيتنامية؛ بينما أكدت المصادر الفرنسية، أن القتلى، لم يزيدوا على ستة آلاف. وفي 17 ديسمبر، دخل الفرنسيون هايفونج. وأبرق إتين فالوي إلى هوشي منه، يطالبه بنزع سلاح الميليشيات الفيتنامية في هانوي. اجتاحت الاضطرابات هانوي، في 19 ديسمبر. وأغارت الميليشيات الفيتنامية على منازل الفرنسيين، وقتلت الكثيرين منهم؛ وقصفت محطة الكهرباء؛ وزرعت الألغام في شوارع المدينة، انفجر أحدها بسيارة الحاكم الفرنسي في تونكين، جان سنتني Jean Sainteny، وأصابه بجرح بالغ؛ كما أسفرت الاشتباكات عن احتراق كثير من المباني المهمة والأشجار. واستعد هوشي منه للهروب من هانوي، بعد أن أسس قاعدة ريفية؛ ليدير المقاومة منها. إلا أن فو نجين جياب، دخل المدينة بقواته، التي انضمت إلى الميليشيات، وأذاع نداء إلى جميع الجنود والميليشيات، في كافة أنحاء فيتنام، بالقتال والصمود؛ لإخراج الفرنسيين.

خاض الفيتناميون، في هايفونج، حرب شوارع. وكانت أسلحتهم بنادق فرنسية قديمة، ورشاشات أمريكية قديمة، ورشاشات آلية، من نوع برن Bren Automatics، بريطانية الصنع؛ وبنادق يابانية صغيرة (Carbines)؛ والرماح والسيوف والمناجل؛ وقنابل يدوية، محلية الصنع، تسمى فان دنه فونج Phan Dinh Phung؛ في مواجهة الدبابات الفرنسية، والمدفعية، والرشاشات الآلية. وسدوا الطرق بحواجز، من الأسِرَّة والأمتعة والأثاث والملابس؛ لعرقلة تقدُّم الدبابات. غير أن الميليشيات الفيتنامية؛ إزاء وطأة الهجمات الفرنسية، اضطرت إلى التقهقر إلى المناطق الريفية، في فيت باك Viet Bac. وفرّ هوشي منه إلى مدينة هادونج Hadong، على بعد ستة أميال جنوب هانوي، حيث استغاث دول الحلفاء من الاعتداءات الفرنسية.

استمرت المواجهات شهرَين كاملَين، فرّت الميليشيات الفيتنامية، في نهايتهما، عبْر نفق أرضي؛ لتحاصر عدة مدن، في الشمال، مثل: هوي، وفينه Vinh، ونام دنه Nam Dinh، وهايفونج، وتقطع الاتصالات بها تماماً. وتمكنت من حصر كتيبة فرنسية، من 750 رجلاً، في هوي، 47 يوماً متواصلة. وقبل وصول النجدة الفرنسية، دمر الفيتناميون الجسور، وبثوا الألغام في الطرق، ودمروا معظم المباني، قبل تقهقرهم عن المدينة. إذ إن قواتهم، التي ناهزت 60 ألف جندي، ومائة ألف من رجال العصابات والميليشيات ـ لم تستطع الثبات أمام القوات الفرنسية، البالغة 115 ألف جندي، بمن فيهم الجنود الفيتناميون الموالون لفرنسا. وتمكن الفرنسيون، في مارس 1947، من إعادة فتح معظم الطرق الرئيسية؛ وسيطروا على هانوي، ودلتا النهر الأحمر؛ وسلسلة نقاط حصينة، على امتداد الطريق الرقم 4، على الحدود الصينية، بدءاً من لانج سون Lang Son، جنوباً، إلى كاو بانج   Cao Bang، ومدينة سون لا Son La، في الشمال.

هكذا في الفترة بين 1947 ـ 1950، لم تستطع المقاومة الفيتنامية الصمود جديا أمام القوات الفرنسية الضخمة، حديثة السلاح والعتاد، المتمتعة بتأييد ودعم قوى من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب. أوهن القوات الفيتنامية تراجعها عن المدن الرئيسية والمواقع الإستراتيجية، والطرق المهمة؛ وفرارها إلى الجبال الشمالية والمناطق الحدودية مع الصين، حيث كثفت غاراتها على الجنوب . وزادها وهناً تأخُّر الاعتراف والدعم السوفيتيَّين الموعودَين؛ وتنكُّر الحزب الشيوعي الفرنسي لها، وإعلان زعيمه موريس ثوريه Maurice Thorez، أنه لا يمكنه فعل شيء، يحوّل موقف فرنسا في الهند الصينية؛ ونقْض الأمريكيين عهودهم بمناصرة الشعوب المغلوبة على أمرها. ولذا، تسرب اليأس والخذلان في نفوس قادة فيتنام الشمالية، وعلى رأسهم هوشي منه. في الوقت نفسه، عرض الإمبراطور باو داي، في يونيه، من مقر إقامته في هونج كونج، التفاوض مع فرنسا لتحقيق وحدة فيتنام واستقلالها.

بدأت فرنسا، في سبتمبر 1947، إعداد حملة عسكرية شرسة، بقيادة الجنرال إتين فالوي ةtienne Valluy، رئيس الأركان؛ سُمِّيت "الهجوم الشتوي". وضمت ستين ألف جندي، في ست كتائب مشاة، وثلاث كتائب مدرعة، وكتيبتَين محمولتين جواً، وأربع كتائب مدفعية، وكتيبة مهندسين، وثلاثمائة دبابة، منها دبابات برمائية، والمجموعة الرابعة مقاتلات Fourth Fighter المكونة من أربعين طائرة، وعشرات القطع النهرية، وكميات ضخمة من الأسلحة والمعدات: الأمريكية والبريطانية.

وتكهن المراقبون الأمريكيون، في الهند الصينية، بفشل الهجوم الفرنسي الوشيك. وقدروا أنه سيخفق في استعادة الاستقرار، وقد يُزْرِي بالهيبة الأمريكية في آسيا؛ فطالبوا حكومتهم بالتدخل الفوري، لمنعه. وسرعان ما أبلغ السفير الأمريكي في باريس، جيفرسون كافري Jefferson Caffery، إلى وزارة الخارجية الفرنسية قلق وزير الخارجية الأمريكي، جورج مارشال، وتحذيره من أن هذا الهجوم، سيكون له تأثير سلبي في الرأي العام الأمريكي، وفي الكونجرس، الذي سيعيد النظر في مسألة الدعم المالي لأوروبا، وخاصة فرنسا. إلا أن السلطات الفرنسية، أكدت له أن ما سيحدث، ليس هجوماً ضخماً؛ وإنما هجمات محدودة؛ للسيطرة على محطات البث الإذاعي، ومخابئ الأسلحة التابعة لقوات الفيت منه؛ والقضاء على ثغرات الحدود، التي تُهرَّب خلالها الأسلحة الصينية. كما أكدت أن الخسائر المتوقعة، لن تزيد على خمسين قتيلاً. ولم تكن هذه هي الحقيقة، وإنما كان الهدف الفرنسي هو قطع طرق تدفق الأسلحة عبر الحدود الصينية، وقتل قادة الفيت منه أو أَسْرِهم، وتدمير قواتها النظامية (التي ذكرت التقارير أنها تم تنظيمها في سرايا مستقلة، ضمت كل سرية مائة رجل، فضلاً عن قائدها وأفراد اتصالاتها. وقسمت إلى ثلاث فصائل قتالية، كل فصيلة من ثلاث مجموعات، لكل مجموعة قائد، برتبة رقيب Sergeant، وثلاثة مساعدين معهم بنادق آلية، ومساعد رابع يحمل قنابل يدوية).

كان ميدان الهجوم شمال هانوي وشمالها الغربي، بالقرب من ثاي نجوين Thai Nguyen، وباكان Backan، وشييم هوا Chiem Hoa، وتوين كوانج Tuyen Quang. وبدأ بعملية، سميت "عملية ليا" Operation Lea، حيث تقدمت طلائع القوات الفرنسية، في 7 أكتوبر 1947، من الشمال إلى الجنوب نحو منطقة مراكز قيادة الفيت منه، في باكان Backan، عقب إسقاط 1137 جندي مظلات عليها. واستولت على المخازن الكبرى للطعام والذخيرة، ومحطة الإذاعة. ولاذ القادة العسكريون ورجال الحكومة بالفرار. ثم اندفع رتل فرنسي مدرع، تسانده المدفعية وسلاح المهندسين، شمالاً، من قلعة لانج سون Lang Son، على امتداد الطريق الرقم 4، إلى مدينة كاو بانج Cao Bang. وتقدمت كتيبتا مشاة، بمحاذاة النهر الأحمر، عبْر توين كوانج Tuyen Quang، ثم بمحاذاة نهر جام Gam، إلى شييم هوا Chiem Hoa. (انظر خريطة مواقع عملية ليا). واستمرت هذه المرحلة من الهجوم إلى 8 نوفمبر؛ وأسفرت، كما أعلن الفرنسيون، عن ثمانية آلاف قتيل من الفيتناميين.

بدأت المرحلة الثانية من الهجوم، في 20 نوفمبر، وامتدت إلى 22 ديسمبر؛ إذ اندفعت 18 كتيبة من هاي دونج Hai Duong ، إلى الجزء الشمالي من دلتا النهر الأحمر، في شرق هانوي وشمالها الشرقي، حيث قاتلت في جنوب فيت باك Viet Bac، فوجَين من الفيت منه قتالاً عنيفاً. وتقدمت تشكيلات أخرى نحو شمال هانوي مباشرة. وفي الوقت نفسه، تمكنت كتيبتان من رجال القبائل، في جبل تاي T΄ai، وهم من المعادين للشيوعيين، من طرد وحدات الفيت منه من الجبال، بين النهرَين: الأحمر والأسود.

عُدَّت هذه العملية أهم عمل عسكري في تاريخ فرنسا. أسفرت عن 9500 قتيل من الفيت منه؛ واحتلال القوات الفرنسية تاي نجوين، وتوين كوانج، والمدن والقرى في غرب إقليم الفيت باك وشماله. في وقت تواصلت مفاوضات باو داي مع المندوب السامي الفرنسي، في الهند الصينية، إيميل بوللار Emile Bollaert؛ ما أسفر عن اعتراف باستقلال محدود.

اقترنت مرحلة تراجع الفيتناميين هذه، بإعداد معسكرات التدريب، وتوحيد القيادة المركزية العسكرية، والاستعداد للمقاومة الشاملة؛ فضلاً عن مواصلة حروب العصابات، في الجنوب. ومن ثَم، بدأت، في نوفمبر وديسمبر 1947، موجات هجوم فيتنامية مفاجئة، في المدن والقرى والغابات. أحرزت نجاحاً، جعل الفرنسيين في موقف الدفاع؛ إذ اقتصرت جهودهم على حماية أنفسهم، وتأمين خطوط إمداداتهم الطويلة. وتكبدوا خسائر هائلة: بشرية ومادية، اضطرتهم إلى التقهقر، في يناير 1948، إلى دلتا النهر الأحمر. وبلغت 3300 قتيل، وأربعة آلاف جريح، و18 طائرة، و38 قطعة نهرية، و255 دبابة وآلية، ونحو ثمانية آلاف قطعة سلاح. وقُدَّرت نفقات الهجوم بنحو 34 مليون دولار، شهرياً. وكانت تلك أكبر هزيمة، منيت بها القوات الفرنسية، منذ عودتها إلى الهند الصينية، عقب الحرب العالمية الثانية؛ حتى إن أكثر المراقبين الأمريكيين، حتموا بأن فرنسا، لن يكون في مقدورها شن هجوم آخر مماثل.

في أبريل 1948، ازداد الفيت منه قوة؛ إذ احتشدوا في 32 كتيبة نظامية، و137 كتيبة إقليمية، ضمت جميعها 300 ألف جندي (من الملاحظ أن عدد هذه الكتائب قد ازداد، في يونيه 1951، إلى 117 كتيبة نظامية، بينما تناقص عدد الكتائب الإقليمية إلى 37 فقط) ؛ في مواجهة 115 ألف جندي فرنسي، يدعمهم 300 ألف جندي فيتنامي جنوبي. وكان معظم أسلحة الثوار غنائم من القوات الفرنسية. ولم تتوافر لهم الأسلحة والإمدادات، إلاّ بعد استيلاء الشيوعيين على الحكم في الصين الشعبية. فاستفحلت عملياتهم، عامَي 1948 و1949، خلف خطوط القوات الفرنسية، بل في مراكزها ومواقعها، المنتشرة في مختلف الجبهات؛ ما أجبرها على إخلاء معظم تلك المواقع. وجعل الإدارة الأمريكية تبدأ تمويل الحرب الفرنسية، بصورة كاملة.

حملت فرنسا الإمبراطور السابق، المَنْفي، باو داي، على العودة إلى بلاده؛ غير أنه أصر على البقاء في أوروبا، ريثما تتمكن القوات الفرنسية من إقرار الأوضاع تماماً في فيتنام. فاستعاضت منه باريس بحكومة، في هانوي، رأسها أحد ساسة فيتنام الموالين لها، هو نجوين فان كسوان Nguyen Van Xuan، الذي عاش معظم حياته في باريس؛ وهي حكومة لم تلقَ أيَّ تأييد.

وما لبث وزير الخارجية الأمريكي، دين أتشيسون، أن لام في فبراير 1949، الحكومة الفرنسية لوماً شديداً، على تقاعسها عن تهيئة الأوضاع، جدياً، لعودة باو داي؛ واجتزائها بحكومة هشة، يسخر منها الجميع، في فيتنام. وحذَّر من أن بقاء الأوضاع على هذا النحو، ينذر بانتصار الشيوعيين، واستيلائهم على السلطة. ومن ثم، بادر الرئيس الفرنسي، فنسون أوريو Vincent Auriol، إلى إبرام اتفاقية الإليزيه Elysée Agreements، في مارس 1949، مع الإمبراطور المنفي، باو داي، والتي نصت على تعهد فرنسا بتوحيد فيتنام كلّها، سياسياً؛ لتضم الهند الصينية، وأنام، وتونكين، في "دولة فيتنام"، تحت حكم باو داي، وسيطرة فرنسا على الشؤون العسكرية، والعلاقات الخارجية لهذه الدولة.

لم تُرْضِ الاتفاقية دين أتشيسون، الذي انتقد عليها عجزها عن كسب تأييد الفيتناميين؛ بل رفض الاعتراف بحكومة باو داي. ولم يرغم الأمريكيين، في أواسط 1949، على التخلي عن تشددهم، إلا استشراء المد الشيوعي في العالم، ولا سيما سقوط الصين في يده، واقتراب قواتها الشيوعية من سواحل تونكين، والتعاون العسكري بينها وبين الفيت منه؛ فضلاً عن ضغط المسؤولين الفرنسيين على نظرائهم الأمريكيين، وتأكيدهم أن "الولايات المتحدة الأمريكية، لا تقدر جيداً دور فرنسا في قتال الشيوعية العالمية؛ وأن عليها أن تقدم العون والدعم الكاملَين لها". وهكذا، باتت واشنطن أمام خيارت ثلاثة: التزام الحياد، أو الاعتراف بحكومة باو داي، أو التعامل مع هوشي منه. وقد آثرت الخيار الثاني، وانبرت تستحث الدول الآسيوية الأخرى، مثل الهند، على أن تحذو حذوها.