البداية

أمّا بداية التدخل العسكري الأمريكي المباشر في المنطقة، فتمثلت في الاحتلال العسكري الأمريكي للفيليبين، عام 1898، خلفاً للاستعمار الأسباني، والتي تحولت، تدريجاً، إلى واحدة من أهم القواعد الأمريكية وأشدها خطراً، إلى أن تمكّن اليابانيون من الاستيلاء عليها، بعد معارك عنيفة. ثم تضاعف الاهتمام الأمريكي بمنطقة الهند الصينية، في أثناء الحرب العالمية الثانية؛ لتضييق الخناق على اليابانيين. وعقب هزيمة هؤلاء، وصلت إلى هانوي أول بعثة من الضباط الأمريكيين، في أغسطس 1945؛ لاستقبال بعثات دول الحلفاء الخاصة باستسلام القوات اليابانية. ثم توالت وفود البعثات الأمريكية: العسكرية والاستخباراتية. لم يساور واشنطن شك في أن هوشي منه Ho Chi Minh، هو أقوى شخصية في الهند الصينية؛ كما أيقنت بأنه شيوعي قح، لن يتخلى عن آرائه ومعتقداته، ولن يؤْثِرها بولائه على السوفيت. ولذا، حينما قررت، عام 1950، دعم مجهودات فرنسا، في التصدي لحركات المقاومة في فيتنام، كلّفت جهاز استخباراتها CIA  مهمة إظهاره، أمام الرأي العام: الأمريكي والعالمي، دمية في يد موسكو، أو الصين. ولكن، ثبت استحالة تنفيذ هذه المهمة، على كثافة الجهود المبذولة فيها؛ وحتم المحللون بأن موسكو تثق بولاء فيتنام لها، بل إن هانوي تخولها تقرير سياستها الخاصة.

في ذلك الوقت، حاول هوشي منه، بعد أن بسط سلطته الثورية، كسب تأييد الحلفاء لحكومته، على أنها الحكومة الشرعية؛ فأنشأ جمعية الصداقة الأمريكية ـ الفيتنامية، آملاً أن تفي الحكومة الأمريكية بوعودها السابقة، أثناء الحرب العالمية الثانية، بمساعدة الشعوب المستعمَرة على تقرير مصيرها. لكن الولايات المتحدة الأمريكية، قابلت ذلك بكلّ فتور، بل سرعان ما أظهرت عداءها لحكومة هوشي منه؛ بصفتها جزءاً من الشيوعية العالمية. وشرعت تُضْعِف الشيوعيين الفيتناميين، من خلال مساعدة الحزب القومي، الموالي للصين؛ ودعم الإمبراطور المخلوع، باو داي؛ ومناصرة الكومنتانج الصيني على صراعه مع الحزب الشيوعي الصيني، الذي كان قد تمكّن عام 1949، من السيطرة على البلاد، وبسط سلطته على الصين كلّها باستثناء جزيرة  فورموزا (تايوان)، التي انتقلت إليها حكومة شانج كاي شيكChiang Kai-shek ، التي صنعتها الإدارة الأمريكية، وزرعتها هناك.