إستراتيجية الحرب الخاصة

منذ أن تولت جبهة التحرير الوطني (الفيتكونج)، رسمياً، قيادة الكفاح الوطني لشعب فيتنام الجنوبية، عمدت إلى الهجوم على معسكرات جيش فيتنام الجنوبية، في محافظتَي فوك ثانه Phuoc Thanh ودارلاك Darlac، حيث كبّدته خسائر فادحة، وحققت مكاسب: عسكرية وسياسية، أزعجت الإدارة الأمريكية، التي سارعت إلى إستراتيجية مضادّة لحرب العصابات، أطلقت عليها اسم: الحرب الخاصة؛ تشنها الولايات المتحدة الأمريكية، مستخدمة الإمكانات والتقنية الأمريكية، من أموال وأسلحة وتجهيزات، وقوة بشرية. وضع أُسُس تلك الإستراتيجية الفريق الأول ماكسويل تايلور Maxwell D. Taylor، رئيس أركان الجيش الأمريكي ، ومساعده والت روستو Walt Rosto، عندما جاءا إلى سايجون، في أواسط أكتوبر 1961، وعرض على  المسؤولين النقاط الأساسية لخطتهما، كما يلي:

1. إيجاد مناطق غير مأهولة بالسكان، على طول خط العرض 17، الفاصل بين الشمال والجنوب، وعلى طول الحدود مع لاوس وكمبوديا؛ من خلال تدمير كلّ القرى الموجودة هناك، واستخدام الغازات السامة لتطهير الأدغال؛ وبذلك تُعْزَل المناطق المحررة، في جنوبي فيتنام، عن العالم الخارجي تماماً.

2. إنشاء نحو 16 ألف "قرية إستراتيجية"، (يأتي بيانها لاحقاً) يُحشد فيها ثُلثَا سكان الجنوب؛ وبهذا، يعزلون عن قوات المقاومة.

3. شن هجوم عسكري، يبيد قوات جبهة التحرير جميعها.

ولضمان تنفيذ هذه الخطة، أنشئت قيادة أمريكية في سايجون، برئاسة الفريق أول بول هاركنز Paul D. Harkins، الذي قدَّر أن قوات دييم، تفوق قوات الجبهة، وقتئذٍ، بما يناهز عشرة إلى واحد. وفي ضوء الخبرة البريطانية الناجحة، من قبل، في المالايو، رأى الفريق أول هاركنز، أن تزيد النسبة، لتصبح عشرين إلى واحد، في نهاية 1962؛ حتى يمكِن القضاء على مقاومة قوات الجبهة تماماً، خلال ستة أشهر.

وحددت الحرب الخاصة عدة أهداف: عسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية، كما يلي:

عسكرياً: جعْل القرى مواقع منيعة أو مسلحة Armed Stockades؛ لمواجهة القوات الثورية، وإجبارها على تغيير أسلوبها في القتال، بخوض معارك التحام ومواجهة مباشرة؛ وعزل الفيتكونج وإبعادهم عن التجمعات البشرية، وإرغامهم على القتال في ظروف وأوقات غير ملائمة، وحرمانهم أيَّ دعم، ليصبحوا، كما قال الخبراء الأمريكيون، مثل سمك، يموت خارج الماء؛ واستخدام القرى الإستراتيجية، مع المواقع العسكرية، في تكوين أحزمة أمْن لتقليص المناطق المحررة، والقضاء على قواعدها العسكرية.

إضافة إلى ذلك، اعتمد دييم، مع أخيه نهو Nhu، برنامجاً خاصاً، للتصدي لرجال العصابات؛ شجعهما عليه روبرت تومبسون Robert Thompson، وهو خبير بريطاني، تمرّس بالتصدي للعصابات الشيوعية، في المالايو Malaya. ولكن، غاب عنهما أن لكلِّ منطقة ظروفها، وأن تجربة المالايو، لا تصلح لفيتنام؛ فقد كان ثوار الأُوْلى من أعراق صينية، يكرههم السكان الأصليون؛ بينما كان الفلاحون الفيتناميون، وثوار الفيتكونج، ينتمون إلى عرق واحد. كذلك كانت المالايو تعاني نقصاً في الأرز، عرّض الثوار فيها للجوع الشديد؛ ما دفعهم إلى الاستسلام؛ بينما كانت فيتنام الجنوبية، تفيض بالحبوب والأرز.

سياسياً: إضعاف القوات الثورية وتأثيرها، وتدمير القواعد الثورية السياسية بين السكان، وتعزيز الإدارات الموالية في القرى، وتوسيع شبكة التجسس، وإعادة إحكام السيطرة على السكان المحليين.

اقتصادياً: السيطرة على الأيدي العامة واستغلالها، وكذلك السيطرة على المصادر الطبيعية في الريف، وتجفيف مصادر إمداد الفيتكونج.

اجتماعياً: دعم مواقع العملاء السريين والحرس المدني، المخلصين للولايات المتحدة الأمريكية، في إدارات القرى والمدن.

في يونيه 1960، كُلِّفت بعثة من الخبراء: السياسيين والعسكريين، برئاسة ستاليي Staliey، وضع خطط تفصيلية مقترحة، لتنفيذ الحرب الخاصة؛ انقسمت مرحلتَين:

الأولى: عرفت باسم خطة ستاليي ، ومدتها ثمانية عشر شهراً، حتى نهاية عام 1962. وتضمنت زيادة سريعة في جيش سايجون، ليرتفع عديده من 150 إلى 170 ألف جندي؛ والحرس الوطني من 86 ألفاً إلى مائة ألف، وضمه إلى الجيش؛ وقوات الشرطة من 45 إلى 90 ألفاً؛ وتطوير ميليشيات القرى، حسب الضرورة، بمساعدة جماعات، من المستشارين والخبراء والمدربين الأمريكيين، الذين تَكَوْثَروا في فيتنام.

الثانية: عرفت باسم خطة ستاليي - تايلور Staliey-Taylor. وقد وضعت إثر تدهور الأوضاع في فيتنام الجنوبية؛ وإعلان دييم، في أكتوبر، حالة الطوارئ. واعتمدها مجلس الأمن القومي الأمريكي، في 15 نوفمبر. وتضمنت إرسال مزيد من الخبراء والمستشارين الأمريكيين، وإعادة ترتيب الملاكات القيادية في فيتنام الجنوبية، وزيادة أعداد جيشها وتحديث أسلحته، وتنفيذ إجراءات مكثفة لتركيز الفلاحين في القرى الإستراتيجية. كذلك، وافق مجلس الأمن القومي على تدخّل القوات الأمريكية: الجوية والبحرية، في الصراع الدائر. وسرعان ما التقى السفير الأمريكي، فردريك نولتنج Frederick Nolting، الرئيس دييم؛ واتفقا على أن يأمر الرئيس الفيتنامي الجنوبي بتجنيد النساء وتدريبهن؛ ليدعمن جيش فيتنام الجنوبية.