إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / موسوعة الحرب الفيتنامية






مناطق الاستشاريين الأمريكيين
مناطق استطلاع 1965
مناطق اعتراض أمريكية
مناطق اعتراض رئيسية
مواقع 1972
مواقع عملية ليا
ممرات التسلل في جنوب فيتنام
منطقة إكس ري
منطقة تاللي هو
وحدات الفيلق الجنوبي الثاني
هجوم الفرقة التاسعة
هجوم بين هوا
مطار تخبون
أكس ري 1967
نظام MSO- Skyspot
معارك 1950-1952
معارك 1950-1954
معارك 1965
معارك 1967
معارك 1969
معارك بحرية 1964
معارك دين بين فو
معارك فيتنامية يابانية
معركة أونج ثانه
معركة هندرا بورا
معركة سوي تري
معركة فوك لونج
مقترح الانسحاب الأول
مقترح الانسحاب الثاني
أقسام لاوس
الوحدات الجنوبية 1975
الهجوم الصيفي
الهجوم في وادي كيم سون
الأيام الأخيرة للحرب
المرحلة الأولى من مدينة الملتقى
المرحلة الثانية من مدينة الملتقى
الأسطول السابع، في بحر الصين
المقاومة 1957-1959
التحركات عند نهر راخ با راي
السيطرة الجوية الأمريكية
الكتيبة 716
الفيلق الثالث الجنوبي
الفيلقين الأول والثاني 1969
الفيلقين الثالث والرابع 1969
الفرق الشمالية 1975
الفرقة 25 مشاة1967
الفرقة الأولى مشاة 1967
الفرقة الأولى فرسان 1966
الفرقة التاسعة 1967
تمركز في 1965
تحركات الكتيبة الثانية
برنامج حارس البوابة
برنامج كريكت
تسلل الفيتكونج
جنوب لاوس 1965
جنوب لاوس مارس 1967
دلتا نهر الميكونج
جيرونيمو
سواحل فيتنام الجنوبية
طبوغرافية فيتنام
شبكة هوشي منه 1967
شبكة طرق هوشي منه، إلى جنوب لاوس
شبكة طرق هوشي منه، في 1964
طرق عملية هزيم الرعد
سقوط المنطقة العسكرية الثانية
سقوط بان مي ثوت
سقوط سايجون
سقوط كسوان لوك
عمليات 1966
عمليات النحاسة اللامعة
عمليات التقاطع الساحلي
عمليات الفرقة الأولى فرسان أبريل -أكتوبر
عمليات الفرقة الأولى فرسان يناير -أبريل
عمليات القوات الكورية
عمليات كريكت في لاوس
عملية لام سون 719
عملية أتليبورو1
عملية أتليبورو2
عملية والوا
عملية هيكوري
عملية هزيم الرعد
عملية اللورين
عملية العربة
عملية بول ريفير
عملية باريل رول
عملية بيرد
عملية جاكستاي
عملية جريلي
عملية Leaping Lena
عملية شلالات الأرز
عملية سام هوستون
عملية كان جيوك
عملية فرانسيس ماريون
عمليتا نهر هود وبنتون
عمليتا النمر الفولاذي وباريل رول
قواعد ثاي وفيتنام الجنوبية
قوة الواجب أوريجون
قيادات شمالية 1966



الفصل الخامس

مواجهات مع الفيتكونج

بدأت القوات الأمريكية ـ السايجونية، في مارس، الإعداد لعملية كبرى، باسم دين هونج. وقد تسربت أخبارها إلى الفيتكونج ، فسابقوها إلى هجوم، شمل أربعة أقاليم في محافظة بن تري. وسارعت القيادة الأمريكية إلى نجدة قواتها في المنطقة بلواء مجهز. ودارت معارك طاحنة، شاركت فيها الجماهير قوات الفيتكونج؛ وأدت دوراً بارزاً في عرقلة تقدم الوحدات السايجونية.

أسفرت تلك المعارك عن الخسائر التالية للقوات الأمريكية ـ السايجونية:

- تدمير وإعطاب 20 طائرة.

- سقوط 2500 جندي، بين قتيل وجريح.

- تدمير 51 موقعاً وبرج مراقبة.

- سقوط 17 قرية عادية.

- تدمير 320 قرية إستراتيجية.

حاولت القيادة الأمريكية ـ السايجونية الثأر، بعملية أخرى كبرى، في محافظة كوانج نام، سميت حملة "كويت تانج 202"، استغرقت، من 27 أبريل إلى 27 مايو. استخدمت فيها مائة طائرة: حربية وعمودية، وخمسة آلاف جندي. لكنها فشلت في تحقيق أهدافها، وخسرت:

- 39 طائرة.

- 480 جندياً، بين قتيل وجريح.

وشجعت هذه النتائج قوات الفيتكونج على الهجوم، بدلاً من الدفاع. فتخطّى الوضع العسكري في ميادين القتال، خلال عام 1964، قتال القط والفأر، كما ذكرت إحدى الجرائد الأمريكية، إلى قتال الأسد والنمر. وطالت أيدي الفيتكونج المدن والمطارات والموانئ، وغدا الأمريكيون هدفاً ممكناً لضرباتهم. وكان من أبرز هجماتهم، في النصف الأول من العام:

في فبراير: هجوم على معسكر تدريب خاص، في المرتفعات الوسطى؛ أسفر عن إصابة مائة جندي أمريكي، من أصل مائتَين، كانوا موجودين، عند الهجوم.

في أبريل: هجوم على قطاع فينه Vinh العسكري، في راخ جيا. جُبِه بمقاومة شرسة؛ ولكنه أسفر عن تدمير طائرتَين عموديتَين، والاستيلاء على ألْف قطعة سلاح، وسقوط نحو 1500 جندي؛ بين قتيل وجريح.

حاولت القيادة الأمريكية، طوال العام، الحصول على مدد جديد من الدول الحليفة، لتوسيع دائرة الحرب. فعقدت، في أبريل، مؤتمراً لوزراء خارجية حلف سياتو. كذلك، ناشد وزير الخارجية، دبن راسك، دول حلف الناتو، في مايو، دعم المجهود الحربي في فيتنام؛ لكن ذلك لم يؤدِّ إلى تحسين الوضع العسكري. كذلك، لم تثمر التغييرات في المراكز العسكرية، التي كان أبرزها تعيين الفريق الأول وليم وستمورلاند  William C. Westmoreland على رأس القيادة الأمريكية في سايجون.

ومع النصف الثاني من أبريل 1964، كان التخطيط لمزيد من الهجمات على الشمال، قد نضج، من خلال برامج عديدة للوزير دين راسك؛ وكبير المخططين وليم بوندي William Bundy؛ والفريق الأول إيرل هويلر Earle G., Wheeler، رئيس هيئة أركان حرب الجيش، لمراجعة الخطط، مع السفير هنري كابوت لودج، في اجتماع، تُدرَس فيه الإستراتيجية الأمريكية، في سايجون، يومَي 19 و20 أبريل 1964. وأسفر عن تحديد 94 هدفاً مطلوب تدميرها، في فيتنام الشمالية، في عملية ثلاثية المراحل: تكثيف غارات برنامج 34 أ، السِّرِّية الحالية؛ والمساندة الأمريكية لعمليات القصف الجوي: السِّرِّية والمكشوفة؛ والاستعراضات البحرية، والقصف من البحر، اللذان تنفذهما الولايات المتحدة الأمريكية وفيتنام الجنوبية.

وعندما أحس الجنرال نجوين خانه بأفول نجمه، وبدأ يتخلى عن فكرة تدعيم حكومته بما يمكّنها من هزيمة الفيتكونج في الجنوب، أبلغ السفير هنري كابوت لودج، في 4 مايو 1964، أنه يقترح إعلان الحرب، فوراً، على فيتنام الشمالية؛ وأن تبدأ الولايات المتحدة الأمريكية القصف، وترسل عشرة آلاف من القوات الخاصة إلى الجنوب، "لتغطية كلِّ الحدود الكمبودية ـ اللاوسية". غير أن السفير الأمريكي تجاهل المقترحات.

وصدرت التعليمات إلى وزير الدفاع الأمريكي، روبرت مكنمارا كي يبلغ الجنرال خانه، في أثناء زيارته سايجون، في 13 مايو 1964، أن الولايات المتحدة الأمريكية، في الوقت الذي "لا تستبعد" قصف الشمال، "فإن مثل تلك الأعمال يجب أن يكون مكملاً، وليس بديلاً من العمليات الناجحة، المعادية للعصيان في الجنوب"؛ وأننا "لا ننوي تقديم مساندة عسكرية، ولا الاضطلاع بالهدف العسكري، الذي يزيح السيطرة الشيوعية عن فيتنام الشمالية". ولكن ذلك الموقف الحذر، واجه، في 17 مايو، أزمة مفاجئة، نجمت عن هجوم الباثيت لاو على سهل الجرار، والذي هدد بانهيار حكومة الرئيس سوفانا فوما، الموالية لواشنطن، ومعها "الأساس السياسي لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية، قِبل لاوس". وسرعان ما اختصت الحكومة الأمريكية بالعمليات الجوية اللاوسية قوات الباثيت لاو؛ بتكثيف ضربات الطائرات T-28؛ واستئناف طائرات السلاحَين الأمريكيَّين: الجوي والبحري، في 21 مايو، عمليات الاستطلاع المنخفضة، فوق المناطق، التي يسيطر عليها الباثيت لاو، والفيتناميون الشماليون.

وفي واشنطن، وضع وليم بوندي، ومساعداه: ماكنتون ووليم سوليفان   William H. Sullivan، في هونولولو، في مقر قيادة الأدميرال هاري فيلت   Harry D., Felt، القائد العام لقوات المحيط الهادي، في 23 مايو، برنامج قصف تدريجي، ينفذ في 30 يوماً، ينتهي إلى القصف الشامل للشمال. ورفع هذا البرنامج، في مذكرة رسمية، إلى مجلس الأمن القومي، ثم إلى الرئيس جونسون. ووافقت عليه، في 17 أبريل 1964، هيئة رؤساء الأركان. حُدد فيه عدد الطائرات، وكمية القنابل اللازمة لكلِّ مرحلة من الضربات؛ والأهداف في فيتنام الشمالية، والخسائر التي يجب أن تلحق بها؛ وتوزيع القوات الجوية لشن الغارات. ولكن، لم ينفذ البرنامج، وأجّله الرئيس جونسون تسعة أشهر أخرى.

كذلك، وضعت خطة عملية لاحقة، عرفت باسم العملية 32 – 64، تتحسب ردود فعل الصين وفيتنام الشمالية، والقوات الأمريكية البرية، التي يحتمل أن يحتاج إليها الموقف، لمواجهة النتائج المتوقعة. وعدّلت هيئة الأركان المشتركة خطة القصف، على أساس دراسة جدوى أكبر للأهداف. وقدّرت أن المرحلة الأولى من الأهداف، التي ترتبط بالتسلل، مثل: الجسور، ومخازن الأسلحة والوقود، يمكِن تدميرها، في 12 يوماً فقط، إذا استخدمت كلّ القوات الموجودة في غرب المحيط الهادي. أمّا الجانب السياسي من البرنامج، فقد حرصت توصيات وليم بوندي، ودين راسك، على تدبير الأدلة على التسلل من جانب الشمال، لتفسير التصعيد وتعليله.

وقد أُلحِق بالبرنامج تقديرات لردود الفعل المحتملة: السوفيتية، والصينية، والفيتنامية الشمالية. وتضمنت اقتراحاً بتدعيم جيش فيتنام الجنوبية، من خلال نقل قوات أمريكية برية إليها، أو إبرارها، بحراً، بجوار شواطئها، إذا كان رد فعل هانوي، هو تكثيف نشاط الفيتكونج في الجنوب.

وبعد اجتماعات، يومَي 24 و25 مايو، قررت اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي الأمريكي، المكونة من الوزيرَين: دين راسك وروبرت مكنمارا؛ وجون ماكون John McCone، مدير الاستخبارات المركزية؛ وماكجورج بوندي، مساعد الرئيس للأمن القومي؛ قررت أن ترفع إلى الرئيس جونسون توصيةً بتنفيذ تدريجي للبرنامج، يُسْتَهَلّ بإرسال مبعوث كندي إلى هانوي؛ لثها على إيقاف دعمها لثوار الجنوب، هو بلير سيبورن J. Blair Seaborn، كبير منوبي كندا في لجنة الإشراف الدولية على تنفيذ بنود اتفاقيات جنيف، والسعي إلى قرار مشترك، في الكونجرس.

وفي 4 يونيه 1964، أمر الرئيس الأمريكي بزيادة المخزون في مدينة كورات Korat التايلاندية، جنوب حدود لاوس؛ لمساندة العمليات القتالية المحتملة، التي تنفذها فِرق المشاة الأمريكية؛ وإعطاء "الأولوية لمخزن الجيش في أوكيناوا، لتخزين المعدات، التي لا تنقل من طريق الجو"، والتي ستحتاج إليها فِرقة مشاة أخرى، تنقل إلى قاعدة الجزيرة، بناء على أمر مفاجئ.

وفي 5 يونيه، سربت مصادر وزارة الدفاع الأمريكية أخباراً إلى الصحافة، تؤكد عزم الولايات المتحدة الأمريكية على مساندة حلفائها، والدفاع عن التزاماتها، وفقاً لمعاهدة جنوب شرقي آسيا؛ وهو ما نشرته "النيويورك تايمز"، خلال يونيه، في عدد من المقالات. وركزت الحكومة الأمريكية، كذلك، خلال يونيه ويوليه، في نشر تحركات قواتها العسكرية. كما أن زيادة مخزونات الجيش الحربية، في كورات، في تايلاند، قد "أُمعِن في تغطيتها، على نطاق واسع، في الصحافة".

في أواسط  1964، عمدت قيادة فيتنام الشمالية إلى تنظيم تسلل وحدات قوية، من رجالها، للانتشار في الأراضي التي يسيطر عليها الفيتكونج، في فيتنام الجنوبية، ولاوس ؛ لقيادة الهجوم على القوات الأمريكية والسايجونية، ومعاونة الثوار في لاوس، في قتال القوات الملكية هناك. ومن أجل تيسير الإمداد بمئات الألوف من أطنان الأسلحة، والذخيرة، والطعام، وسائر المستلزمات الحيوية للمعارك الكبرى. وضعت القيادة الشمالية خطة واسعة؛ لتحويل شبكة هوشي منه، وتفريعاتها، إلى نظام لوجستي حديث متطور). وأشرف على التنفيذ العقيد مهندس دونج سي نجوين   Dong Si Nguyen، الذي سيتولى وزارة الإنشاءات، فيما بعد. فاستخدم كتائب هندسية، مزودة بأحدث المعدات السوفيتية والصينية لبناء الطرق والجسور؛ لتتحمل الشاحنات والمدرعات الثقيلة. وشيد دفاعات حصينة مضادة للطائرات، على طول الطرق. وبنى تحت الأرض ثكنات، ومستشفيات، ومخازن، ومحطات تزويد وقود.

في أوائل يونيه 1964، طلب الرئيس الأمريكي، جونسون، من والت روستو، إعداد خطاب، يتناول سياسته في جنوب شرقي آسيا، ويتخذ "طابعاً هجومياً". بيد أنه سرعان ما تخلى عن ذلك، مستبدلاً به "المؤتمرات الصحفية، وخُطَب غيره من المسؤولين، لتوضيح الرأي الرسمي". كما أكد الوزير دين راسك، في خطابه، في كلية وليامز، في 14 يونيه، تصميم الولايات المتحدة الأمريكية على مساندة حلفائها في جنوب شرقي آسيا؛ لكنه تجنَّب أيَّ تحدٍّ مباشر لهانوى وبكين، أو أيَّ إشارة إلى نية زيادة التزاماتها العسكرية. وهو نفسه ما أكده الرئيس جونسون، في مؤتمر صحفي، في 23 من الشهر عينه.

وفي 7 يونيه 1964، وجَّه الرئيس جونسون سؤالاً رسمياً إلى الاستخبارات المركزية، قائلاً: "هل ستسقط بقية جنوب شرقي آسيا، بالضرورة، إذا ما وقعت لاوس وفيتنام الجنوبية تحت سيطرة فيتنام الشمالية؟". وردت الاستخبارات، في 9 يونيه، بمذكرة، قائلة: "من المحتمل ألا يستسلم أيُّ بلد، باستثناء كمبوديا، للشيوعية، بسرعة، نتيجة لسقوط لاوس وفيتنام الجنوبية. غير أن استمرار انتشارها في المنطقة، لا يمكن أن يتوقف. كما أن فقدان فيتنام الجنوبية ولاوس، سيضر بمركز الولايات المتحدة الأمريكية، في الشرق الأقصى؛ وسيزيد من نفوذ الصين، بوصفها قائداً للشيوعية الدولية، دون الاتحاد السوفيتي الأكثر اعتدالاً. غير أنه أشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، ما دامت تستطيع الاحتفاظ بقواعدها في جزر، مثل: أوكيناوا، وجوام، والفيليبين، واليابان، فإنه يمكِن أن يكون لديها من القوة العسكرية، في آسيا، ما يكفي لمنع الصين وفيتنام الشمالية من العدوان العسكري المكشوف على جنوب شرقي القارة؛ بل يمكنها الاحتفاظ ببعض القوة، التي تستطيع أن تؤثر في وضعه النهائي، حتى لو سقطت فيتنام الجنوبية ولاوس، نتيجة انتصار شيوعي حاسم.

وهكذا تحدّى ردّ وكالة الاستخبارات المركزية نظرية الدومينو Domino Theory، التي يؤمن بها، على نطاق واسع، المسؤولون في الحكومة الأمريكية. وهي نظرية تقول، إن كلَّ بلدان جنوب شرقي آسيا، من كمبوديا حتى ماليزيا، ستسقط، تلقائياً، في المعسكر الشيوعي، إذا سقطت فيتنام الجنوبية، لكونها قطب الرحى. كما سيُضارّ مركز الولايات المتحدة الأمريكية، في بقية الشرق الأقصى، من إندونيسيا، عبْر الفيليبين، إلى اليابان وكوريا، ضِراراً فادحاً.  ويبدو أن رؤساء الأركان، ووالت روستو، والفريق ماكسويل تايلور Maxwell Taylor ، وحدهم، قد قبِلوا نظرية الدومينو بحَرفيتها. كما يبدو أن الرئيس جونسون، ومعظم مستشاريه المدنيين، كانوا ينظرون إلى الصراع على فيتنام الجنوبية، في إطار هذه النظرية، نظرات متفاوتة.

لكن خلْف تلك البديهيات في السياسة الخارجية، إزاء نتائج الدومينو، وحركات التحرر، واحتواء الصين، كان لدى الرئيس جونسون، ومساعديه، قناعتهم بأن الولايات المتحدة الأمريكية، هي أقوى دولة في العالم؛ وأن النتيجة في فيتنام الجنوبية، ستكشف عن إرادتها وقدْرتها على شق طريقها في الشؤون العالمية. وأعرب والت روستو، مساعد وزير الخارجية الأمريكي، عن تلك القناعة، في مذكرة إلى الوزير دين راسك جاء فيها: "إنني أعرف جيداً مخاوف من يقفون في جانبنا؛ ولكن ربما كان هناك اتجاه إلى التقليل من المخاوف والتعقيدات، في الجانب الآخر، وكذلك إساءة تقدير للتأثير المحدود، والواقعي، في نتيجة الحقيقة البينة، أننا أقوى دولة في العالم، إذا ما تصرفنا بمقتضاها".

وبناء على ذلك، نفذت الحكومة، في منتصف يونيه، ركناً آخر من برنامج 23 مايو؛ صاغه، للمرة الأولى، السفير هنري كابوت لودج، على أساس "الترغيب والتهديد". وفي 18 يونيه، وجّه باريل سيبورن، المندوب الكندي في لجنة الرقابة الدولية، دعوة سِرية إلى رئيس وزراء فيتنام الشمالية، فام فان دونج، في هانوي. وسعت واشنطن لأن تنقل إليه، من خلال باريل سيبورن، المعنى التهديدي المحدد لإرسال القوى العسكرية التمهيدية إلى جنوب شرقي آسيا، والتي كانت تروِّجها ترويجاً غامضاً وسط الرأي العام. وفي مايو الماضي، كان السفير هنري كابوت لودج، قد طالب بضربات جوية، غير رسمية لبعض الأهداف، في الشمال، تمهيداً لوصول باريل سيبورن؛ إذ كان الفيتكونج، قد ارتكبوا بعض الأعمال الإرهابية، في الجنوب، "لها القيمة نفسها". لكن الرئيس لم يرَ، في يونيه، أن يستجيب لسفيره مطلبه.

أكدباريل سيبورن لرئيس الوزراء، دونج، أنه إذا كانت مطامع الولايات المتحدة الأمريكية في جنوب شرقي آسيا محدودة، وأهدافها "سلمية، في الأساس؛ فإن صبرها، لا يمكن أن يكون بلا حدود". كما أنها تدرك إدراكاً كاملاً مدى سيطرة هانوي على الفيتكونج؛ وأن إذكاء الحرب، سيلحق التخريب الأفدح بجمهورية فيتنام الديموقراطية نفسها.

وفي اجتماع مجلس الأمن القومي الأمريكي، في 3 يونيه 1964، في البيت الأبيض، وافق الرئيس جونسون على العمل المتواصل، من أجل أن يفوض الكونجرس إليه اتخاذ قرار الحرب. وفي 10 يونيه، كان هناك تأييد حازم، من جانب معظم أجهزة صنع السياسة الخارجية في الحكومة، للحصول على القرار. إلا أن الرئيس تراجع، في أواخر يونيه 1964، خوفاً من الأحوال السياسية المرتقبة، ومشكلات الانتخابات، وبروز مشكلة فيتنام، عن التصعيد الواسع النطاق، وعن السعي إلى الحصول على قرار الكونجرس.

وانتهت تحت ضربات الفيتكونج، إلى الإخفاق، جهود واشنطن في تحقيق بعض الاستقرار السياسي في سايجون، والاستمرار في التصدي العسكري للعصابات. وفي غمار الخوف والتوتر، أخلف الجنرال نجوين خانه وعداً، كان قد قطعه على نفسه للسفير هنري كابوت لودج، والوزير دين راسك، في اجتماع مايو، بأن يشاور واشنطن، قبل أن يفصح عن نيته في إعلان الحرب على الشمال، وبدء حملة للقصف الجوي.

ففي 19 يوليه 1964، بدأ حملة "اكتساح الشمال" بالخطب الرنانة، والشعارات في "اجتماع للوحدة"، في سايجون. وفي اليوم نفسه، أفشى مارشال الجوّ نجو دين كاوكي، الذي كان، حينئذٍ، رئيساً للقوات الجوية لفيتنام الجنوبية، "السر للصحفيين"، أن خطة مشتركة لشن هجمات: برية وجوية، في لاوس، كانت الولايات المتحدة الأمريكية وحكومة سايجون، تنويان تنفيذها، سراً، منذ يونيه، بموافقة الرئيس جونسون.

وفي اجتماع عاصف، في 23 يوليه، مع الفريق الأول ماكسويل تايلور، الذي كان قد حل محل هنري كابوت لودج سفيراً لواشنطن في سايجون، أكد الجنرال خانه، أن مجندين من فيتنام الشمالية، قد أُسروا مع عصابات الفيتكونج، في القتال في المحافظات الشمالية. وقال: لا بدّ أن تدرك الولايات المتحدة الأمريكية، أن الحرب قد دخلت مرحلة جديدة، تتطلب إجراءات جديدة.

وخلال اجتماع عاصف آخر، في 24 يوليه، استفتى الجنرال نجوين خانه في استقالته السفير ماكسويل تايلور؛ فأذكرها عليه، وأبرق إلى واشنطن طالباً منها أن تبادر إلى التخطيط السِّرِّي المشترك مع الفيتناميين الجنوبيين، من أجل قصف الشمال.وسرعان ما فوضت وزارة الخارجية الأمريكية إلى السفير تايلور، "أن يبلغ الجنرال نجوين خانه أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، قد أعدت هجمات على الشمال، يمكن أن تبدأ، مثلاً، إذا تعاظم الضغط من جانب جماعات الفيتناميين الجنوبيين المعارضة. ويجب أن يحتفظ بذلك سِراً".

وبعد اجتماع مجلس الأمن القومي، في 25 يونيه 1964، لمناقشة هذه التطورات الدقيقة، في سايجون، اقترح رؤساء الأركان ضربات جوية، تنفذها طائرات، لا تحمل إشارات، ويقودها طيارون غير أمريكيين، لأهداف عديدة في فيتنام الشمالية، بما في ذلك القواعد الساحلية لأسطول هانوي، لزوارق الطوربيد.

وأرسل مذكرة رؤساء الأركان إلى الوزير دين راسك مساعده، جون ماكنتون، في 30 يوليه، اليوم نفسه الذي بدأت فيه سلسلة من الأحداث، أفقدت خطة رؤساء الأركان ضرورتها، حتى لو كان الرئيس راغباً فيها.