اتجاه الهجوم الإستراتيجي

تحولت عملية تحرير جنوبي فيتنام، التي استغرقت عامَين كاملَين، من التوجيه العام إلى التحديد الخاص. وخضعت لآلية تنفيذ دقيقة، شاركت في صياغتها كافة الهيئات: السياسية والعسكرية والفنية:

أ.  فقد اتخذت اللجنة المركزية للحزب قرار اعتماد الحرب الثورية، لتحطيم اتجاه الفتنمة (لمرحلة ما بعد اتفاقية باريس)، واستبدلت به خطاً هجومياً إستراتيجياً، والتنسيق بين صور النضال: السياسي والدبلوماسي والعسكري؛ بهدف تحرير سكان الجنوب.

ب. وضعت اللجنة العسكرية (في اللجنة المركزية) الإجراءات: العسكرية والتعبوية، الخاصة بالحرب الثورية، والتي شملت التنظيم والتسليح والتدريب، والتعبئة الفكرية للوحدات العسكرية، والجبهات القتالية.

ج. بعد موافقة المكتب السياسي على قرارات اللجنة العسكرية الحزبية، أصدر التعليمات إلى القيادة العليا للجيش الشعبي الفيتنامي، بإعداد الخطط العسكرية الإستراتيجية. وقد شارك في ذلك قادة الجبهات العسكرية والجيوش والفيالق والمؤسسات العسكرية المركزية.

د.  أعدت هيئة الأركان العامة الخطط الميدانية (الإستراتيجية والتكتيكية)، على مستوى الجبهات والمناطق العسكرية، بمشاركة الإدارة السياسية العليا، والإدارة العامة للخطوط الخلفية.

هـ. في أكتوبر 1974، ناقش المكتب السياسي واللجنة العسكرية الحزبية، في اجتماع مشترك، الخطط الإستراتيجية، التي أعدتها الأركان العامة، بحضور الجهات المعنية، فاعتُمدت، وأصبحت جاهزة للتنفيذ.

للوصول إلى قلب النظام الجنوبي وإسقاطه، كان أمام الإستراتيجيين الفيتناميين ثلاث طرق إستراتيجية:

الأول، طريق ساحلي، يمر بالمنطقة المنزوعة السلاح، ويصل مباشرة إلى الجنوب.

الثاني، طريق جبلي، يمر عبر الأراضي اللاوسية، ومن هناك يسير مع نهر الميكونج، نحو سايجون.

الثالث، يتطلب اختراق المرتفعات الفيتنامية الوسطى، ثم الانطلاق نحو السهول الجنوبية.

وقد اختارت القيادة الفيتنامية الشمالية مرتفعات تاي نجوين الوسطى، اتجاهاً رئيسياً للعمليات العسكرية، بناء على اقتراح هيئة الأركان العامة؛ لميزتَين مهمتَين، ينفرد بهما هذا الخيار:

أولاهما: أنه بعد السيطرة على تلك المرتفعات، يتاح للقيادة خياران لتطوير الهجوم، إما جنوباً على الطريق 14، أو شرقاً على الطرق 19 و7 و21.

ثانيتهما: من الناحية الطبوغرافية، فإن تعاريج الأرض في تلك المنطقة انسيابية، وغير معقدة؛ كما أن مرتفعاتها، تسمح بشق الطرق ونقل الإمدادات. وفي الوقت نفسه، تسمح بأعمال التمويه؛ إضافة إلى عامل ثالث، هو أن منطقة المرتفعات الوسطى، شكلت درعاً، يحمي السهول الوسطى؛ وسقوطها يعني تعريض النظام العسكري السايجوني للقطع من أضعف حلقاته؛ فضلاً عن انتعاش الحركة الثورية في المنطقة، سياسياً وعسكرياً، وقدراتها على إحداث تقطيعات جزئية في النظام العسكري هناك.

بينما الطرق الأخرى، لا تسمح إلا بخيار واحد محصور؛ فالجبال اللاوسية أكثر وعورة وتعقيداً، والحركة على الطريق الساحلي، وطريق الميكونج، مكشوفة تماماً أمام القوات المعادية.

في ديسمبر 1974، عقدت اجتماعات خاصة بالهجوم المقرر على ثاي نجوين، حضرتها قيادات الجبهات والمناطق العسكرية، والمسؤولون الحزبيون للمناطق: الوسطى والجنوبية؛ لإعداد الخطة النهائية لحملة ثاي نجوين، التي وافق عليها المكتب السياسي، وأحالها إلى المكتب الدائم للجنة العسكرية الحزبية، برئاسة الجنرال فو نجين جياب، والتي اضطلعت بقيادة الحملة، ورمزت إليها باسم: "العملية 275"؛ بينما رُمز إلى الجنرال فو نجين جياب باسم: "تين".

كُلف الجنرال فان تين دونج Van Tien Doong (رئيس الأركان، في حينه) قيادة العملية، وحمل الاسم الرمزي: "توان"؛ وأُطلق على قيادة العملية اسم: "الجماعة أ ـ 75" . وتقرر أن يحافظ على السرية الكاملة للعملية، لكي تحقق المفاجأة الكاملة للقوات المعادية. ضمت قيادة العملية اللواء دين ثين، رئيس هيئة الإمداد العامة؛ والعميد لي هين، نائب رئيس الأركان؛ والعميد فو لانج، قائد جبهة ثاي نجوين؛ إلى جانب الجنرال فان تين دونج.

كانت الإجراءات الأولى: التمهيدية والاحتياطية، التي نفذت، كالتالي:

- تخصيص قائد جبهة ثاي نجوين مع أركانه، بمتابعة المتغيرات على الأرض، وإعداد التقارير اللازمة.

- الطلب من رئيس الأركان توقيع المراسلات: التقليدية والدبلوماسية، للشهرَين المقبلَين، بما فيها أعياد الجيوش: السوفيتي والألماني والمنغولي؛ وذلك تمويهاً لغيابه.

- بدأ الجنرال فان تين دونج حركته، في 25 يناير 1975، بزيارة قيادة الجيش الأول، في تين بين، الذي يرابط على المناطق الحدودية مع الجنوب، ويقوده العميد فونج تين.

- زيارة الجنرال فان تين دونج، بعدها، الجيش الثاني، الذي يضم الفِرق: 320 و10 و968 و316؛ ويرابط في جبهة ثاي نجوين، الواقعة ضمن المنطقة العسكرية الرابعة، التي يقودها العميد نام ترونج.

حسب خطط، التي أقرتها القيادتان: السياسية والعسكرية، كان هناك ثلاث مهامّ رئيسية لحملة ثاي نجوين: احتلال مدينتَي بون مي توت وتو هوا، واستكمال تحرير المنطقة الخامسة، وإخضاع المنطقة الساحلية للمراقبة التامة. شكل الجنرال فان تين دونج  القيادة الميدانية لجبهة ثاي نجوين، من اللواء هوانج ثاو قائداً؛ والعقيد نجوين هيب مفوضاً سياسياً؛ والعميد فولانج، والعقيدَين: فام هام ونجوين لانج، نواباً للقائد؛ والعقيد في هام نائباً للمفوض السياسي.

كانت الخطوة الثالثة الاستيثاق من حشد القوات والمعدات والتجهيزات والأسلحة كافة، وتأمين الإمدادات والتموين؛ لتصبح قوات قيادة الجبهة، تفوق قوات عدوّها، في الجبهة نفسها، بنسبة 5.5 إلى 1% في المشاة، و2 إلى 1% في بقية الأسلحة.

ساهم، في دعم موقف الشماليين والفيتكونج، زعزعة الأوضاع في واشنطن؛ فقد استقال الرئيس ريتشارد نيكسون، في 4 أغسطس 1974. وكان من أخر القرارات، التي كان عليه توقيعها، مرسوم بتخصيص سقف قيمته بليون دولار واحد للمساعدات العسكرية لسايجون، في الأشهر الإحدى عشر التالية. وبعد رحيله بشهرين، صوت النواب على تخفيض قيمة هذه المساعدات إلى سبعمائة مليون دولار فقط، على أن يكون 40 بالمائة من هذه المساعدات أموالاً سائلة، والباقي في صورة معدات ومؤن، ظلت تنتظر أن تُشحن في البواخر، أو لم تُرسل مطلقاً.