حملة هوشي منه Ho Chi Minh Campaign وسقوط الجنوب:

ترك سقوط مرتفعات تاي نجوين في يد القوات الشمالية والفيتكونج آثاره المباشرة في الأطراف الرئيسية في الصراع، ومهد الطريق للهجوم الثوري النهائي.

أولاً: أعادت القيادة الثورية الفيتنامية النظر في مخططها الإستراتيجي الأصلي؛ بهدف تسريع وتيرة الحركة الهجومية؛ والاستفادة، ما أمكن، من الوقت. وقرر المكتب السياسي للحزب، في اجتماع مشترك مع اللجنة العسكرية الحزبية، في أواخر مارس، اتخاذ الخطوات التالية:

1. العمل على إحباط خطط الجيش الجنوبي لتعزيز دفاعاته حول سايجون ودلتا الميكونج.

2. تنفيذ الخطة العسكرية الاحتياطية لتحرير سايجون عام 1975، بدلاً من عام 1976.

3. تشكيل مجلس أعلى للجبهة (القتالية) ، برئاسة فام فان دونج ، رئيس الحكومة في هانوي.

4. إرسال عضوَي المكتب السياسي: لي دوك ثوLe Duk Tho ، من هانوي؛ وفام فان هونج  Pham Van Dong، من الجنوب؛ للمشاركة في قيادة الحملة.

5. تعبئة الشعب كلِّه في مسيرة التحرير، تحت شعار: "الهجوم الزاحف، والعنيف؛ ومفاجأة العدوّ والانتصار عليه".

وتنفيذاً لهذه القرارات، أشرف لي دوك ثو على تشكيل قيادة حملة، سميت حملة هوشي منه. وضمت الجنرال فان تين دونج Van Tien Dung، وقائداً عسكرياً؛ وفان هونج مفوضاً سياسياً؛ وتران فان ترا Tran Van Tra، ولي ديك آن، وترونج تان، ودين ثين، نواباً للقائد العسكري؛ ولي كوانج هو نائباً للمفوض السياسي؛ ولي هين رئيساً لأركان العملية. وضمت القيادة قائد المدفعية، زوان توي؛ وقائد القوات الخاصة، نجوين ديم؛ ونائب مدير الاستطلاع، لي فو؛ ونائب مدير التدريب، ترونج ماو؛ ونائب قائد القوات المدرعة، لي كين.

وكلِّف لي ديك آن قيادة قوات الاتجاه الجنوبي الغربي، وترونج تان قيادة قوات الاتجاه الشرقي. وكانت الفرقتان: 320 و316، هما عماد الجيش الثالث؛ وعُهِدَ إلى العميد فولانج بقيادته، والعقيد نجوين هيب مفوضاً سياسياً له. وكلِّف الجيش الثاني مساعدة قوات تاي نجوين، في المعركة، التي خاضتها، في 14 أبريل، لاحتلال مدينة فان رانج Phan Rang، التي تشكل عقدة الدفاع الأمامي للحزام العسكري المحيط بالعاصمة. وفي 6 أبريل، تمكنت القوات الشمالية من تحرير المدينة، والاستيلاء على كمية كبيرة من الأسلحة والتجهيزات، أهمها أربعون طائرة بحالة جيدة . ثم جاء دور مدينة كسوان لوكْXuan Loc ، التي تقع على بعد نحو 60 كم إلى الشمال الشرقي من سايجون، على الطريق الرقم 1، حيث توقع نجوين فان ثيو أن يؤدي صمود قواته إلى دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقديم مزيد من الدعم: العسكري والاقتصادي، لنظامه المنهار.

في 9 أبريل 1975، أقامت الفرقتان 341 و3 د مشاة، مواقع حواجز طرق، في تقاطعات سوي داو جياي Suoi Dau Giay، التي ربطت الطريق الرقم 20، مع مدينة كسوان لوك Xuan Loc. ثم بدأت قصفاً مركزاً لقاعدة بين هوا الجوية، مقر قيادة الفيلق الثالث الجنوبي، وقاعدة لونج بنه اللوجستية. ثم انضمت الفرقة الشمالية السابعة إلى الفرقتين الآنفتين، فشكلت قوة فيلق، شدد الهجوم على الفوج 52 د الجنوبي، الذي أنيط به الدفاع عن كسوان لوك، من جهتها الشمالية الغربية. طلب الفوج الآنف نجدات سريعة، فأرسلت القيادة الجنوبية قوة واجب مدرعة، سرعان ما فتك بها الشماليون. فأرسلت اللواء المحمول جواً، فهاجمه الشماليون جنوب المدينة. ولكنه، بمساندة الطائرات، تمكن من الصمود، وإنزال الخسائر الفادحة بالشماليين. ولكنهم تمكنوا من دخول المدينة، واستولوا على كثير من منشآتها. ثم هاجموا الفوج 48 الجنوبي، في غرب المدينة، وعزلوه تماماً عن الفرقة 18 الجنوبية، وعن مركز القيادة. وعندئذ قرر الفيلق الثالث الجنوبي الانسحاب من كسوان لوك، بطول الطريق الرقم 2؛ (انظر خريطة سقوط كسوان لوك).

17 أبريل 1975: سقوط بنوم بنه Phnom penh، في أيدي الخمير الحمر Khmer Rouge.

وفي 21 أبريل، سقطت كسوان لوك، بعد 12 يوماً من القتال العنيف، الذي كان المعركة الأخيرة، من الناحية الفعلية، في الحرب الفيتنامية. ثم تمكن الشماليون من احتلال مدينة لونج ثانه Long Thanh، التي مثلت، مع كسوان لوك نقطتي حماية للخط الدفاعي، الممتد من بين هوا Bien Hoa وبا ريا   Ba Ria وفونج تاو Vung Tau.

ثانياً: أمّا قيادة سايجون، وعلى الرغم من الضربة العسكرية القاتلة، التي أسفرت عن تعطيل وشلل نحو ثلث قواتها المقاتلة، وخسارة نحو أربعين بالمائة من التجهيزات القتالية الحديثة والقواعد والمستودعات العسكرية، وسقوط اثنتَي عشرة مقاطعة وثمانية ملايين مواطن ـ فإنها كانت على ثقة بأن القوات الشمالية والفيتكونج، لن تتمكن من التقدم لاحتلال المزيد؛ لأنها لا تمتلك القوات الكافية للاضطلاع بالمهمة الدفاعية (عن الأرض المحررة)، والهجومية (على الأراضي الباقية). وقد أسهمت المعلومات، التي قدَّمها الأمريكيون إلى حكومة سايجون، في رسوخ هذا الاعتقاد.

في ضوء ذلك، أعدت القيادة العامة، في سايجون، خطة للدفاع الإستراتيجي، تشمل المناطق الواقعة جنوب مدينة فان رانجPhan Rang . وعُهِد إلى الجنرال كاو مين، رئيس الأركان، بالإشراف على تنفيذها؛ وتكوين قيادة متقدمة في مدينة فان رانج، على رأسها الجنرال نجوين نفي؛ ومطالبة القوات المسلحة بالدفاع عن تلك الخطوط الدفاعية حتى آخر قطرة دم.

أمّا الأمريكيون، فقد أرسلوا رئيس أركان القوات البرية، الفريق الأول فريد أوياند Fred Weyand، على جناح السرعة، إلى سايجون؛ للمساعدة على إعداد الخطة الدفاعية المذكورة. فأوصى بالمزيد من العتاد والأسلحة الأمريكية، عبْر جسرَين: جوي وبحري. كما أكد الرئيس جيرالد فورد للرئيس الجنوبي، أن الولايات المتحدة الأمريكية، لن تتخلى عن جمهوريته، وستقف بإصرار وقوة إلى جانبها؛ في وقت لم يتمكن من الحصول على موافقة الكونجرس على مبالغ إضافية لحكومة سايجون، في شهرَي مارس وأبريل.

اطَّردت الاشتباكات، وسقطت مدينة فان رانج في أيدي الشماليين والفيتكونج، ومدينة سوان لون، ولونج ثانه. واستمرت المعركة نحو أسبوع، استُدرج خلاله معظم الاحتياطي الجنوبي المتحرك (مدرعات ومظليين وصاعقة). ثم ضيقت قوات الشماليين والفيتكونج عليه الحصار، من الشمال والجنوب، مع الحامية الأصلية؛ وبذلك، عُزل نحو ثلث قوات نجوين فان ثيو المتبقية. ومضت قوات الشماليين والفيتكونج، إثر ذلك، في زحفها، غرباً، نحو مدينة بيين هوا، الواقعة على بعد 30 كم فقط إلى الشمال الشرقي من سايجون؛ ما اضطر نجوين فان ثيو، في 21 أبريل 1975، إلى تقديم استقالته من منصبه، ومغادرة البلاد، مع أمواله، إلى فورموزا. وعند استقالته، وصف الموقف الأمريكي بأنه "لاإنساني"، وأنه "موقف دولة كبرى، تتهرب من مسؤولياتها". وأكد أنه حصل من الرئيس ريتشارد نيكسون على تعهد رسمي، بتدخُّل واشنطن، عسكرياً، إذا حدث هجوم شيوعي جديد؛ وأن تستمر في تقديم المساعدات: العسكرية والاقتصادية، لحكومته، التي لن تعترف إلا بها حكومة للجنوب. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية، كانت لا تستطيع، ولا تريد التورط، من جديد، في فيتنام؛ ولذلك رفض الكونجرس تخصيص مبلغ 972 مليون دولار، مساعدات عسكرية لفيتنام؛ واكتفى بتقديم مساعدات إنسانية، بمبلغ 250 مليون دولار فقط.

وسقطت إثرها مدينة هام تان، القريبة من الساحل على بعد 120 كم إلى الشرق من سايجون.

تمكّن ثوار الفيتكونج، في خضم نشاطهم العسكري، من إنجاز المراحل الأولية من أهم مشروعَين إستراتيجيَّين لوجستيَّين، كان لهما الدور البارز في إنجاح عملية تحرير الجنوب؛ إذ اشتُرط إنجازهما عام 1975، تمهيداً للهجوم النهائي عام 1976.

المشروع الأول: شق طريق طويل، يربط بين الطريق 9 والمنطقة الشرقية في جنوبي فيتنام؛ ويمر بشرق جبال ترونج سون، في وسط البلاد. وقد عمل في هذا الطريق ثلاثون ألْف جندي وعامل.

المشروع الثاني: مد خط إمداد نفطي، طوله 5 آلاف كم، عبْر الأنهار والجبال، يبدأ من كوانج تري؛ ويمر على تاي نجوين، في وسط فيتنام، ويصل إلى لوك نينه؛ ترافقه خطوط هاتفية.

ترك نجوين فان ثيو السلطة في يد نائبه، فان هيونج، الذي حاول أن يشكل حكومة جديدة، تفاوض الشماليين والفيتكونج؛ ولكنه أخفق في ذلك، لعدم ثقة الثوار به؛ ما اضطره، في 28 أبريل 1975، إلى تقديم استقالته. فعهدت الجمعية الوطنية بالرئاسة إلى الجنرال مينه الكبير. وإثر سقوط بيين هوا، أطبق الشماليون والفيتكونج، بنيران المدفعية، على مطار سايجون، المسمى مطار تان سون هوث. وفرّ جميع الأمريكيين العاملين، في العاصمة، في 60 طائرة عمودية، تحت حماية مشاة البحرية والطائرات الأمريكية المقاتلة، العاملة على ظهر حاملات طائرات الأسطول السابع، المرابطة على مقربة من سواحل فيتنام الجنوبية؛ لتأمين ترحيل بقايا الأمريكيين ورجال السفارة الأمريكية.