إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في القرن الإفريقي





القرن الأفريقي

مناطق النزاع الإثيوبي ـ الإريتري
الهجوم الإثيوبي على الصومال
التوزيع الديموجرافي
الحدود السياسية لإثيوبيا
الحدود السياسية لإريتريا
الخريطة الإدارية لإريتريا
جمهورية الصومال الديموقراطية



المبحث الثاني عشر

المبحث الثاني عشر

تطورات الصراع في القرن الأفريقي

أولاً. تطورات الأوضاع في الصومال

1. أسباب استمرار تدهور الأوضاع داخل الصومال

ما إن انهارت الحكومة المركزية في الصومال، عقب أحداث يناير 1991، حتى انهارت جميع المؤسسات الرسمية في البلاد، التي افتقدت، منذئذٍ، حكومة مركزية، تسيطر على أجزائها كلّها. ودخلت الصومال، منذ ذلك الحين في دوامة صراع بين القبائل المختلفة، أو بالأحرى بين القيادات المتنافسة، التي رفعت شعارات الوحدة الوطنية بين الجماعات المختلفة؛ ولكنها، في الواقع، كانت تكريساً وتعظيماً للولاءات التحتية، وخصوصاً القبلية منها. وهو الأمر، الذي ساعد على تفاقم الصراع واتساعه؛ وحرم البلاد استقرارها، واستدام انهيارها، حتى الوقت الراهن. وقد جرى العديد من محاولات المصالحة الوطنية، انتهت كلّها إمّا إلى الفشل، أو أن نتائجها كانت متواضعة، ولم ترقَ إلى مستوى التسوية الحقيقية للصراع الصومالي؛ ومن ذلك، مثلاً: تأليف الحكومة الانتقالية الصومالية، والتوقيع على العديد من الاتفاقيات، والمشاركة في الكثير من المؤتمرات المتعلقة بالمصالحة.

أ. الأسباب الداخلية

(1) عجز الحكومة المؤقتة

الحكومة الصومالية المؤقتة، لم تتمكن من بسط سيادتها على سائر الأقاليم الصومالية؛ على الرغم من مرور عدة سنوات على تأليفها؛ بل إن سيطرتها لم تتعدَّ نطاق العاصمة، مقديشيو. ومن ثَم، فقد عجزت عن تكوين قوات شرطة، ترعى أمن المواطنين؛ ما أدى إلى ظهور العصابات، وتزايد حالات الاختطاف، للشخصيات العامة، ورجال الأعمال، مقابل فِدًى؛ إضافة إلى انتشار السلاح، على نطاق واسع، في الأسواق العامة. ولعلَّ هذا هو ما دفع المواطن إلى عدم الإحساس بالأمن، وحمل الشخصيات العامة، وذوي النفوذ، على استئجار بعض الأشخاص المسلحين، من أجل توفير الحماية لهم.

وإذا كان ذلك هو شأن المواطن العادي، فما بالك بالحكومة، التي تواجه ميليشيات مسلحة معارضة، أبرزها "المجلس الصومالي للمصالحة والتجديد"، الذي يرأسه حسين عيديد. وقد انطلقت بدايته الأولى من إثيوبيا المجاورة. ويضم بعض أمراء الحرب، من أمثال حسن محمد نور (الملقب بشاتي جدود)، حاكم بيداوا، زعيم جيش "الرحناوين"، الذي أعلن، في مارس 2002، دولة جديدة، تتمتع بالحكم الذاتي، في جنوب غربي الصومال، عرفت بهذا الاسم، وتتخذ من بيداوا عاصمة لها. ومحمد سعيد مرجان، وزير الدفاع في مجلس المعارضة، وغيرهما. ولقد أعلن هؤلاء القادة عدم اعترافهم بالحكومة الانتقالية، التي أُلِّفت بموجب اتفاق المصالحة في مؤتمر عرتة، في جيبوتي، أواخر عام 2000. ولم يعترفوا بالرئيس صلاد حسن. وهم يطالبون بعقد مؤتمر جديد للمصالحة الوطنية، تشارك فيه مختلف الفصائل الصومالية، على قدم المساواة؛ مع عدم الاعتراف بأيّ وضع مسبق؛ في إشارة إلى إلغاء الاستحقاقات كافة، المترتبة على مؤتمر عرتة. ويكمن خطر المعارضة في الدعم التسليحي الهائل، الذي تحصل عليه من إثيوبيا، وخاصة في الآونة الأخيرة؛ وبالتحديد في ثلاثة مجالات، هي:

·   التنسيق بين الفصائل المعارضة، والسعي لتجنّب الخلاف فيما بينها، كما حدث عندما أسهمت أديس أبابا في تشكيل مجلس المعارضة الأخير، والذي اتخذ من العاصمة الإثيوبية مقراً له.

·   تقديم الدعم المسلح لهذه الفصائل، في مواجهاتها العسكرية للحكومة. وقد ظهر ذلك بوضوح في المعارك الأخيرة التي دارت بين الجانبَين، جنوب العاصمة، في نهاية مايو 2002، حيث استخدمت المعارضة الأسلحة الثقيلة، بما فيها مدافع الهاون. وقد كشفت الجرائد الإثيوبية النقاب عن العملية التسليحية للمعارضة، حيث أشارت إلى أن قافلة من الحافلات محملة بالأسلحة، وصلت إلى مدينة بيداوا (جنوب غربي البلاد).

·   التدخل المباشر للقوات الإثيوبية في المعارك، الدائرة بين الحكومة الصومالية والمعارضة؛ وهو مشهد تكرر كثيراً، في الآونة الأخيرة.

(2) تنوع الصراعات وتفاقهما

لقي 15 شخصاً مصرعهم، وأصيب أكثر من 40 آخرين، في مواجهات بين كبرى الفصائل الصومالية، يوم الثلاثاء، 12 فبراير2002، في مدينة "بارطيرا" الواقعة جنوب غربي البلاد؛ وذلك في واحدة من أعنف المواجهات، التي شهدتها، منذ 8 سنوات. وذكرت مصادر صومالية، أن تلك المواجهات، اندلعت بين "تحالف الدوحة"، بزعامة العقيد "بري هرالي"، الذي يسيطر على مدينة "كسمايو" الساحلية، الواقعة على بعد 500 كم جنوب العاصمة؛ والمجلس الصومالي للإصلاح والمصالحة، بقيادة الجنرال "محمد سعيد مروجن". وأشارت المصادر إلى أن سبب وقوع النزاع، يرجع إلى مبادرة الأخير إلى جمع آلاف من الميليشيات القبلية، في جنوبي البلاد، بهدف تدريبهم، والسيطرة على مدينة كسمايو. وقد تحركت ميليشيات الأول المتعاونة مع الحكومة الانتقالية، قبل أسبوعَين، نحو منطقة "بيداوا"؛ لتدمير معسكرات الجنرال مورجن، تحت شعار: "الهجوم أفضل وسيلة للدفاع". وهي المعسكرات التي كان أنشأها بهدف مناوءة الحكومة الانتقالية، من خلال السيطرة على المناطق الجنوبية، مثل: "كسمايو" و"مركة" وغيرهما من المدن الساحلية؛ وهو ما قد يؤدي إلى حدوث نكسة كبيرة لمشروع الحكومة، الهادف إلى بسط السيطرة على المناطق الصومالية كلّها، من خلال إداراتها وقبائلها.

من جهة أخرى. أفاد مصدر حكومي، أن وحدات من الجيش الإثيوبي، بدأت تحركات جديدة في البلاد، حيث تشهد كلّ من مدينة "بلد حواء"، و"لوق ودولو"، نشاطاً عسكرياً إثيوبياً مكثفاً، في خطوة، وصفت بأنها تستهدف ردع الميليشيات، التابعة لـ"تحالف الدوحة"، وفتح الطريق أمام تحالف المجلس الصومالي للإصلاح والمصالحة، المتعاون مع حكومة أديس أبابا. 

وفي تطور جديد، يعبِّر عن اطِّراد حركات المعارضة المسلحة، فقد اندلعت اشتباكات دامية، بين ميليشيات تابعة لـ"اتحاد المحاكم الإسلامية"، وأخرى تابعة لـ"التحالف من أجل السلام ومكافحة الإرهاب"، الذي يضم وزراء في الحكومة الصومالية؛ وذلك للمرة الأولى، داخل العاصمة، مقديشيو، منذ شهور. وأسفر عنها مقتل نحو 30 شخصاً، وإصابة العشرات، منهم مدنيون. وتتخذ الحكومة الانتقالية موقف الصمت حيال تلك الاشتباكات. وتأتي الاشتباكات على خلفية اتهامات متبادلة بين الجانبَين، إذ يقول اتحاد المحاكم الإسلامية، إن تحالف "مكافحة الإرهاب"، يسعى إلى محاربة واغتيال العلماء وتسليمهم إلى دول أجنبية. ويرى المتهَم أن المتهِم يريد السيطرة على البلاد، وإقامة حكم إسلامي "متشدد"، على غرار نظام طالبان، الذي كان يحكم أفغانستان.

وجاءت الاشتباكات الدامية، بعد يومَين من إعلان تأليف "تحالف السلام ومكافحة الإرهاب"، الذي يضم عدداً من وزراء الحكومة الانتقالية، من بينهم: وزير الأمن، "محمد قانيري أفرح"؛ ووزير التجارة، "موسى سودي"؛ ووزير الأوقاف، "عمر فنيش" (وكلّهم زعماء حرب سابقون، في العاصمة؛ وأصبحوا أعضاء في الحكومة والبرلمان). ويضم التحالف كذلك جماعة من زعماء الميليشيات في العاصمة، والمعارضين لاتحاد المحاكم الإسلامية، التي تزايد نفوذها، في الآونة الأخيرة. وجاء في بيان، أصدره التحالف، أن مهمته "القضاء على الإرهاب، وإعادة السلام إلى العاصمة". وكان الصراع قائماً بين قادة المحاكم الإسلامية وعدد من زعماء الحرب الصوماليين، على خلفية القبض على عدد من الإسلاميين، الذين سُلِّموا إلى دول أجنبية. ويتهم قادة المحاكم الإسلامية الوزراء، المنضمين إلى تحالف مكافحة الإرهاب، بالتورط في اغتيال إسلاميين، وتسليم آخرين إلى جهات أجنبية. ووصف رئيس المحاكم الإسلامية، "شريف شيخ أحمد"، تحالف مكافحة الإرهاب، بأنه "تحالف شيطاني، يسعى إلى محاربة العلماء، والمد الإسلامي في البلاد"؛ متهماً زعماء الحرب، الأعضاء في التحالف الجديد، "باغتيال إسلاميين، وتسليم آخرين إلى دول أجنبية، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب".

ويمتلك اتحاد المحاكم الإسلامية، الذي أنشئ عام 2003، أجهزة: أمنية وقضائية، في العاصمة؛ أسهمت، إلى حدّ بعيد، في إعادة الأمن إلى أجزاء من العاصمة المقسمة، ويهيمن عليها منتمون إلى التيارات الإسلامية المختلفة. لكن زعماء الحرب الصوماليين، ينظرون إليها على أنها تهديد لنفوذهم التقليدي في الساحة الصومالية. على الجانب الآخر، يتهم زعماء الحرب الصوماليون قادةَ المحاكم الإسلامية بسعيهم للسيطرة على البلاد، وإقامةِ حكم إسلامي، على غرار نظام طالبان؛ وإيواءِ منشقين ينتمون إلى تنظيم القاعدة. وتتخذ الحكومة الانتقالية موقف الصمت، حيال التطورات الأخيرة في العاصمة؛ على الرغم من أن وزراء مهمين، دخلوا الصراع المسلح مع الإسلاميين في شوارع مقديشيو (اُنظر ملحق دور المحاكم الإسلامية في الصومال).

وكان وجهاء المدينة، قد أقنعوا المحاكم الشرعية بسحب قواتها. وكان نحو 500 عنصر من الميليشيات الإسلامية، تمركزوا، يوم 6 يونيه 2006، على بعد نحو عشرة كيلومترات من جوهر،، التي كان يسيطر عليها "التحالف من أجل السلام ومكافحة الإرهاب"، والذي كان يضم أمراء الحرب. وقد تراجعت قوات المحاكم مسافة عشرين كلم تقريباً؛ بناء على طلب الوجهاء، بهدف التخفيف من حدة التوتر. وتمركزت الميليشيات الإسلامية في مواقع جديدة، عند مشارف مدينة بلعد، الواقعة بين العاصمة، مقديشو، ومدينة جوهر. ويوم الإثنَين 5 يونيه 2006، أعلنت المحاكم الإسلامية استيلاءها على مقديشو، بعد قتال ضار، استمر أربعة أشهر، ضد ميليشيات تحالف زعماء الحرب. 

وقد أفاد شهود عيان، ومصادر مقربة من اتحاد المحاكم الإسلامية، في الصومال، أن الميليشيات التابعة للاتحاد، استولت على مدينة جوهر، آخر معاقل تحالف زعماء الحرب، الذين كانوا يتحصنون بها، بعد طردهم من العاصمة.

ومن جانب آخر، أعلن محمد قنيري أفرح، وزير الأمن القومي السابق في الصومال، وأقوى زعماء تحالف مكافحة الإرهاب، نهاية التحالف، في أعقاب الهزائم، التي أنزلها به اتحاد المحاكم الإسلامية. كما قدم اعتذاره إلى الشعب الصومالي عن مقتل مدنيين، خلال المواجهات الدامية. وعزا تراجع التحالف من أجل الأمن ومكافحة الإرهاب إلى كون غالبية الصوماليين، كرهوا زعماء الحرب.

(3) الفوضى

هذا الوضع الداخلي، أسهم في حدوث حالة من الفوضى في البلاد، كان من أبرز مظاهرها انقسام الصومال أربعة أجزاء:

·   الأول: مقديشيو التي تسيطر عليها الحكومة المؤقتة، إلا قليلاً. وفي ظل تصاعد دور وعمليات المحاكم الإسلامية، فقد أصبحت العاصمة خارج سيطرة الحكومة.

·   الثاني: "دولة بونت لاند"، في الشمال الشرقي؛ وعاصمتها جروي (تأسست عام 1998). ويرأسها جامع علي جامع، الذي تولى الحكم خلفاً لمؤسس "الدولة" عبد الله يوسف. وهي ترى أنها لا تسعى إلى الانفصال بقدر رغبتها في التمتع بقدر أكبر من الحكم الذاتي. وقد نجحت الحكومة الانتقالية في التوصل إلى اتفاق مع جامع، أوائل يوليه 2002، برعاية جيبوتي، في شأن التعاون بين الجانبَين، في مختلف المجالات. كما اتُّفِق على حضور جامع مؤتمر المصالحة الوطنية، الذي كان سيعقد برعاية منظمة الهيئة الحكومية للتنمية "إيجاد"؛ وكان محدداً له أوائل سبتمبر 2002.

·   الثالث: "جمهورية أرض الصومال"، في شمال غربي البلاد، والتي أسسها الراحل إبراهيم عقال، عام 1991، وعاصمتها هرجيسا. وقد أعلنت الانفصال التام عن البلاد؛ لكن لم يعترف بها أحد، حتى الآن. ويتولى رئاستها، الآن، طاهر ريال، خلفاً لعقال، بعد وفاته.

·   الرابع: "جمهورية جنوب غربي الصومال". وتتخذ من بيداوا عاصمة لها. وقد أُعْلِنَت في مارس 2002. ويرأسها محمد حسن نور، الذي يرأس جيش الرحناوين؛ وقد اضطلعت إثيوبيا بدور كبير في إعلان نشوء هذا الكيان الجديد. وقد شهدت تلك الجمهورية خلافات، بين نور وبعض مساعديه، الذين طالبوه بالتخلي عن قيادة جيش الرحناوين، بعدما صار رئيساً للكيان الجديد. الأمر الذي دفع أديس أبابا، مؤخراً، إلى دعوة الأطراف المتنازعة للحضور إليها، من أجل تسوية الخلافات.

(4) استمرار الانقسامات الداخلية

لقد كان من مظاهر استمرار الانقسامات الحادة، بين جميع القوى، داخل الصومال، ما يلي:

(أ) صعوبة نزع أسلحة الميليشيات المسلحة، وتشكيل قوة الأمن الوطنية؛ إذ إن الأمر، ليس بهذه السهولة. وذلك ما عبّر عنه رئيس الحكومة، قبَيل اجتماع مجلس الأمن، في الثالث عشر من يناير 2006، الذي خُصّص لمناقشة الوضع في الصومال؛ إذ أعلن أن مشكلة نزع أسلحة الميليشيات وتسريحها، تشكل أهم عقبة، وخاصة أن فصائل المعارضة، ترفض ذلك. ومن هنا، يمكن فهْم أسباب عدم سيطرة النظام السياسي المنتخب، إلا على نطاق ضيق، حول العاصمة.

(ب) عدم توفير التمويل اللازم لإعادة إصلاح البنية الأساسية في البلاد، التي تحتاج إلى خطة دولية لتحسين المرافق الأساسية، التي قدرت نفقاتها الإجمالية بنحو 10 مليارات دولار؛ وهو مبلغ صعب جمعه.

(5) التطورات: المحلية والإقليمية

شهدت البيئة السياسية في الصومال، خلال الفترة الأولى من الألفية الثالثة، عدداً من التطورات: المحلية والإقليمية والدولية، كان لها انعكاساتها المهمة على مجمل الأوضاع، داخل الصومال. ومن أهم تلك التطورات ما يلي:

في محاولة للتقريب بين الفصائل المتناحرة في الصومال، فقد اتفقت تلك الفصائل، في نيروبي، في 29 يناير2004، على تأليف برلمان انتقالي، على أساس قبلي، يتكون من 275 مقعداً، مقسمة بواقع 61 مقعداً لكلّ قبيلة من القبائل الأربع الرئيسية في البلاد؛ وهي: "الدر" و"الدارود" و"الهوية" و"الرحناوين (دِجيل ومِرِفلي)"؛ والنسبة الباقية للفصائل الصغيرة. وسيختار نواب البرلمان، المزمع تأليفه، رئيس الصومال، الذي سيختار رئيساً للحكومة. وكان هناك 50 شخصاً، يرغبون في الترشح لمنصب الرئيس؛ إلا أنه كانت هناك خلافات بين كلّ قبيلة في شأن من له الحق في اختيار النواب: الزعماء السياسيون أم أمراء الحرب؟ وهو الأمر الذي عاق الوصول إلى تسوية فعلية للأزمة الصومالية. 

(أ) أزمة الدويلات والكيانات الانفصالية، والمشكلات المجتمعية

إضافة إلى التحدي، الذي فرضته المعارضة الصومالية للحكومة الانتقالية، فقد شهد الواقع السياسي تجزئة الصومال دويلات وكيانات سياسية، تمتعت بقدر كبير من الاستقلال، سواء في مواجهة بعضها بعضاً، أو في مواجهة الحكومة المركزية الانتقالية. ويمكن الإشارة إلى بعض تلك الكيانات، كالتالي:

·   جمهورية أرض الصومال، التي أُعلنت في 18 مايو 1991، في الجزء الشمالي الغربي من الصومال. واتخذت من هرغسيا عاصمة لها. واستحدثت حكومتها وبرلمانها وجيشها. وأصدرت جواز سفر خاصاً بسكانها، في سبتمبر 2000. كما تميزت تلك الجمهورية بقدر كبير من الاستقرار النسبي، بالمقارنة بباقي الأقاليم الصومالية، وخاصة بعد نجاحها في نزع أسلحة الميليشيات العسكرية.

·   بلاد بونت (بونت لاند)، شمال شرقي الصومال. وتاريخياً، كانت تلك المنطقة جزءاً من الصومال الإيطالي. واستقل هذا الجزء عن إيطاليا، في يوليه 1960. وتناهز مساحتها 200 ألف كم2، تمثل 33% من الأراضي الصومالية. ويقطن بها نحو مليونَين ونصف المليون نسمة، حسب تعداد تقديري، أُجري عام 1998. ويدين كلّ سكانها بالإسلام، وفق المذهب الشافعي.

وقد قرر مجلس الأعيان في بونت لاند إعلان الحكم الذاتي، في أغسطس 1998؛ وانتخاب زعيم الجبهة الديموقراطية لإنقاذ وخلاص الصومال، العقيد عبدالله يوسف أحمد، رئيساً لها؛ و66 نائباً لبرلمانها؛ وتأليف محكمة عليا، برئاسة يوسف حاجى نور. كما أقر المجلس ميثاقاً مؤقتاً، لمدة ثلاث سنوات انتقالية. ونص الميثاق على أن يعهد رئيس البلاد إلى لجنة خاصة بوضع الدستور الدائم؛ إضافة إلى إحصاء سكاني في أقاليم البلاد الخمسة: مدق، نوغال، بارى، سناج، صول؛ والإقليمان الأخيران، تدعي جمهورية أرض الصومال، المجاورة، أنهما جزء من أراضيها. كما نص الميثاق على إجراء انتخابات رئاسية، قبل انتهاء المرحلة الانتقالية؛ إلا أن الرئيس عبدالله يوسف، لم ينجح في إجراء تلك الانتخابات في الموعد المحدد؛ كما رفض التخلي عن سلطاته؛ ما أدى إلى صراع شديد بينه وبين رئيس المحكمة العليا؛ إضافة إلى انقسام مجلس الأعيان بين جناح مؤيد للتمديد ليوسف، مدة ثلاث سنوات أخرى؛ وجناح آخر، رفض التجديد.

ونشأت حالة من ازدواجية السلطة، بسبب تجديد الجناح الأول لولاية يوسف؛ ومبادرة الجناح الثاني إلى انتخاب جامع علي جامع رئيساً جديداً للبلاد، في 14نوفمبر2001. وهو ما أدى إلى اصطراع الجناحَين صراعاً مسلحاً، أسفر عنه استيلاء يوسف، في مايو 2002، على مدينة بوصاصو، وطرد جامع منها. ثم سيطرة يوسف على أقاليم بونت لاند الخمسة، في أغسطس 2002، بعد سلسلة من المواجهات العسكرية الواسعة.

·   إعلان جيش الرحناوين للمقاومة، الذراع العسكرية لجبهة المقاومة الرحناوينية، التي يتزعمها العقيد حسن محمد نور ( المعروف بـ "شاتي جدود")، والمدعوم عسكرياً من إثيوبيا، إعلانه، في أبريل 2002، إنشاء كيان جديد، يتمتع بالحكم الذاتي، في جنوب غربي الصومال تحت اسم كيان جنوب غربي الصومال. وعاصمته بيداوة، وسط جنوبي الصومال، وعلى بعد 250 كم جنوب غربي مقديشو. وكان هذا الإعلان تنفيذاً لقرار، اتخذه 52 عضواً في اللجنة المركزية للفصيل المذكور، و70 وجيهاً، من وجهاء منطقتَي باى وباكول، اللتَين يسكنهما الرحناوينيون. وتولى حسن محمد نور رئاسة الكيان. وقد أسهمت إثيوبيا إسهاماً كبيراً في تأسيس هذا الكيان، الذي سرعان ما شهد خلافات حادة، بين رئيسه وبعض مساعديه، الذين طالبوه بالتخلي عن قيادته للجيش، بعد أن صار رئيساً للكيان الجديد.

(ب) تزايد الميول الانفصالية

تواصلاً مع شيوع الظاهرة الانفصالية، بادرت جماعة، من السياسيين والعلماء وشيوخ القبائل الصومالية، في منتصف أكتوبر 2002، إلى تأليف حكومة إقليمية جديدة، في منطقة جالكعيو، شمال شرقي الصومال. حملت تسمية إدارة جالكعيو؛ نسبة إلى مدينة جالكعيو، عاصمة إقليم مدج، الذي يضم عشائر من قبيلتَي الهاويه والدارود. وقد تمتعت تلك الحكومة بقدر من الاستقلال النسبي، في مواجهة الكيانات الصومالية الأخرى؛ حتى إنها أنشأت، مثلاً، علاقات ديبلوماسية بإدارة بونت لاند.

(ج) تنصير الصوماليين

من المشكلات المجتمعية، التي تواجه الشعب الصومالي، وتتخذ أبعاداً: دينية وسياسية، أن هناك جهوداً حثيثة لتنصير اللاجئين الصوماليين، في دول مختلفة، تحت غطاء المساعدات الإنسانية؛ بل هناك العديد من المنظمات، العاملة في الصومال، من أجل تنصير المسلمين. وقد حاول بعضها إثبات وجود طائفة نصرانية، في مؤتمر المصالحة، حيث تقدمت منظمة مسيحية، تطلق على نفسها اسم: «المجتمع المسيحي» بطلب تمثيل المسيحيين الصوماليين في المؤتمر، المنعقد في مدينة الدوريت الكينية، في فبراير 2003م؛ لكن اللجنة المنظمة، رفضت الطلب. وفي طلب رئيس منظمة «المجتمع المسيحي الصومالي»، أحمد عبد أحمد، أعرب عن رغبته في الاعتراف بالمنضمين إليها أقلية، لها حقوقها: السياسية والاجتماعية، في البلاد؛ وأنهم مواطنون، كغيرهم من الأكثرية المسلمة، في الصومال. ونوّه بأن أتباع المنظمة، التي تأسست عام1960، يقدرون بنحو 13 ألفاً، يقيمون بداخل الصومال وخارجها.

وقد نفت رابطة العلماء في الصومال، في بيان لها، صدر بتاريخ 17 فبراير 2003، وجود أقلية نصرانية في المجتمع الصومالي؛ واصفة هؤلاء بأنهم «مرتدون، يجب تطبيق أحكام الشريعة عليهم». وأضاف بيان العلماء، أن ما حدث هو استفزاز لمشاعر المسلمين في الصومال. وطالب الأطراف الصومالية، المشاركة في مؤتمر المصالحة، بعدم السماح «للمرتدين» بالمشاركة فيه، وإنزال عقوبة الإعدام بهم، إذا عادوا إلى البلاد، أو وجـدوا فيها؛ كما تنص الـشريعة الإسـلاميـة.

(د) مشكلة استقدام قوات أجنبية

كان البرلمان الصومالي، قد أقر، في 14 يونيه 2006، طلب الحكومة المؤقتة استقدام قوات أجنبية، لحفظ السلام في البلاد؛ وهو ما يعارضه "اتحاد المحاكم الإسلامية". وجاءت موافقة البرلمان، بعد ساعات من استيلاء ميليشيات المحاكم، التي تسيطر على العاصمة، مقديشو، وجزء كبير من جنوبي الصومال، على مدينة جوهر (90 كم شمال العاصمة)؛ وهي آخر معاقل زعماء الحرب، المنتمين إلى تحالف زعماء الحرب. وكان اتحاد المحاكم الإسلامية، قد تعهد بقتال أيّ قوات أجنبية، توجَد على أرض الصومال.

وكان المجلس الأعلى لاتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال، قد حذر من أن إقرار البرلمان استدعاء قوات أجنبية، سيؤدي إلى شيوع حالة من الفوضى في البلاد؛ مهدداً، في الوقت نفسه، بخوض حرب مقاومة لتلك القوات، حال وصولها. وفي مؤتمر صحفي، في مقديشو، في 11 يونيه 2006، قال الشيخ شريف شيخ أحمد، رئيس المجلس: "لا يوجد مبرر للمطالبة بقوة حفظ السلام في البلاد... لقد تم إزاحة زعماء الحرب، الذين كانوا عقبة أمام السلام في الصومال". وفي حديث، وجهه إلى أعضاء البرلمان المنقسمين حول هذه المسألة، قال رئيس المجلس: "إن استدعاء قوات أجنبية، يقود البلاد إلى فوضى جديدة"؛ مستدلاً على ذلك بفشل تدخّل القوات الأمريكية في الصومال، عام 1993. ورأى أن دخول قوات أجنبية إلى الصومال "استعمار جديد لهذا الشعب المسلم... لن نقبل هذا. وسنقاوم كلّ قوة أجنبية، تدخل في بلادنا". كما شدد شيخ أحمد على أن "السلام رهن بالتفاوض بين الصوماليين أنفسهم، بعد انهزام أمراء الحرب": وإذا لم تكن هناك أهداف أخرى للحكومة، فلا داعي للمطالبة بقوات أجنبية في البلاد.

وبدأ البرلمان الصومالي، في مدينة بيداوا، مباحثات لمناقشة مشروع قرار، تقدمت به الحكومة الصومالية، يجيز لها استدعاء قوات تابعة للاتحاد الإفريقي. وكان التصويت عليه، في 14 يونيه 2006. ويقول مشروع القرار، إن الهدف من وجود قوات أجنبية، هو حفظ الأمن، ونزع سلاح ميليشيات "اتحاد المحاكم الإسلامية"، المسيطرة على العاصمة، مقديشو؛ وميليشيات "التحالف من أجل السلام ومكافحة الإرهاب"، الذي تدعمه واشنطن؛ وذلك بهدف وقف المعارك الدائرة بينهما. ووصلت قوات "اتحاد المحاكم الإسلامية" إلى مقديشو، في 5 يونيه 2006، بعد أسابيع، من قتال عنيف ضد أمراء الحرب، أسفر عنها سقوط نحو 300 قتيل؛ إضافة إلى مئات المصابين.

(هـ) تعاظم النزعة القبلية

تتحكم "القبلية" في العملية السياسية في الصومال، وخاصة بعد انهيار الدولة، منذ 15 عاماً؛ فتتداخل المصالح والمشاكل وتتشابك؛ حتى إن الحكومة، والبرلمان، وموظفي الدولة،، يقسَّمون، ويصنَّفون، بدِقة، وفق التوازنات القبلية المعقدة. ورأى مراقبون ومحللون، أن أحد أسباب نجاح المحاكم الإسلامية، هو أخذها في الحسبان العامل القبلي؛ فتجمع تيارات إسلامية مختلفة، تتباين مشاربها الفكرية؛ كما تضم جماعة كبيرة من الوطنيين ورجال الأعمال؛ إضافة إلى سياسيين سابقين؛ وهو ما يجعل تكرار سيناريو "طالبان" في الصومال أمراً مستبعداً، خلافاً لما يُرَوِّجه الإعلام الغربي. وثمة محللون، بينهم سياسيون أمريكيون، يرون أن المخاوف الأمريكية من صعود المحاكم غير مبررة؛ بل إنها مختلقة، بهدف تسخيرها للأغراض السياسية.