إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / أزمة تخصيب الوقود النووي الإيراني




مفاعل بوشهر النووي
المفاعلات النووية من الفضاء


المفاعلات النووية الإيرانية



أزمة تخصيب الوقود النووي الإيراني

المبحث الأول

خلفية تاريخية عن البرنامج النووي الإيراني

أولا: مراحل بناء البرنامج النووي الإيراني

يرجع تاريخ بناء البرنامج النووي الإيراني إلى العام1960، حين كانت إيران على علاقة قوية بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث أنشأ الشاه "محمد رضا بهلوي" منظمة الطاقة النووية الإيرانية" بدعم وتخطيط من الولايات المتحدة الأمريكية، كما ألحق بها "مركز طهران للبحوث النووية"، وقامت إيران بتدريب الكوادر العلمية التي ستعمل في هذا المجال في المراكز المتخصصة في الولايات المتحدة الأمريكية.

عام 1967، وبعد استكمال إنشاء المركز ألحق بجامعة طهران، مع بقاء إشراف "منظمة الطاقة النووية الإيرانية". عليه في الوقت نفسه قامت الولايات المتحدة بتشجيع البرنامج النووي الإيراني، من خلال إهداء المركز مفاعل أبحاث نووية بقدرة 5 ميجا وات، وكان لهذا المفاعل البحثي القدرة على إنتاج 600 جرام من البلوتونيوم سنوياً وذلك من وقوده النووي المستهلك.

في أول يوليه 1968 وقعت إيران على معاهدة الحد من تجارب الأسلحة النووية وإنتاجها، وأصبح التوقيع ناقذاً من 5 مارس1970، وقد جاء في نص القرار، في الفقرة الرابعة منه، "أن إيران لها الحق في تطوير وإنتاج واستعمال الطاقة النووية الذي وقعته إيران للأغراض السلمية دون تمييز يذكر، وامتلاك الأجهزة والمواد والمعلومات التكنولوجية والعلمية".

وبهذا فقد كانت إيران من أوائل دول المنطقة التي وقعت على تلك المعاهدة ولم يسبقها في ذلك سوى سورية والعراق، اللتان وقعتا على الاتفاقية قبل إيران بعام واحد.

واستناداً إلى تلك المعاهدة تمكنت إيران من استيراد ما تحتاجه من مختلف المصادر لبناء مفاعلات نووية وللأغراض التي حددتها في الاتفاق الذي وقعت عليه، كما اتخذت من هذا التوقيع مسوغاً لتطور التكنولوجيا النووية.

بدا التفكير الإيراني الجاد في امتلاك مفاعلات طاقة كبيرة منذ أوائل العام 1972 في نطاق رؤية إستراتجية للشاه تهدف إلى تطوير قدرات إيران العسكرية والعلمية بما يحقق لها القيام بدور القوة المهيمنة في الخليج، ومنع أي دولة من ملء الفراغ الناشئ عن الانسحاب البريطاني من الخليج الذي تحقق العام1971.

في عام 1974، ومع ارتفاع أسعار النفط نتيجة نصر أكتوبر 1973، أعلن شاه إيران عن خطة لامتلاك قدرة 23 ألف ميجاوات من الطاقة النووية من خلال بناء 20 مفاعلاً، تتكلف حوالي 30 مليار دولار، وأعلن في الوقت نفسه تبعية منظمة الطاقة النووية الإيرانية إلى القصر الإمبراطوري مباشرة.

لتنفيذ هذه الإستراتيجية، وقعت إيران مع الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقاً لتوريد 8 مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة، وتزويدها بما تحتاجه من الوقود النووي، كما حصلت إيران على أربعة أنظمة ليزر أمريكية تستخدم في تخصيب اليورانيوم.

كما وقعت مع فرنسا اتفاقا لتوريد مفاعلين لإنتاج الماء الثقيل، يمكن زيادتهما إلى 6 مفاعلات، على أن تتكفل فرنسا بتزويد المفاعلات بما تتطلبه من وقود نووي لمدة 10 سنوات.

في الوقت نفسه تعاقدت إيران مع شركة "كرافت ويرك المتحدة" "Kraft werk union" الألمانية الجنسية التابعة لمؤسسة سيمونز لإقامة مفاعلين لإنتاج الطاقة في منطقة بوشهر "Bushehr"، وتزويدهما بحاجتهما من الوقود، كما دخلت إيران في سلسلة من المشاورات وعقد الاتفاقيات مع الدول الأخرى المعروفة بتقدمها في مجال الأبحاث الذرية مثل الأرجنتين والهند وأستراليا والدنمارك وجنوب إفريقيا.

ولم تثر أي أزمات وقتها على المشروعات النووية الإيرانية لإنتاج الكهرباء من الطاقة الذرية، على الرغم من امتلاكها ثروة نفطية ضخمة، والسبب في ذلك هو التحالف الأمريكي ـ الإيراني في عهد الشاه السابق.

وأمام هذه النشاط غير المسبوق في منطقة الشرق الأوسط، عملت إيران على إزالة الشكوك في نواياها، فبادرت في العام نفسه (1974) بالاشتراك مع مصر التي حققت نصر اكتوبر1973، في مواجهة إسرائيل التي تمتلك أسلحة ذرية، إلى تقديم مبادرة إلى الأمم المتحدة، تنص على إنشاء منطقة خالية من الأسلحة الذرية في منطقة الشرق الأوسط.

في أواخر عهد الشاه (النصف الثاني من عقد السبعينيات من القرن العشرين)، تقهقر البرنامج النووي الإيراني نتيجة لإجهاد الميزانية الإيرانية بالعديد من المشروعات الكبرى وصفقات التسليح، ومن ثم اضطرت الحكومة إلى التقليل من توقعاتها بالنسبة لإنتاج الطاقة الكهروذرية، ونقلت تبعية هيئة الطاقة الذرية من القصر الإمبراطوري إلى وزارة الطاقة، وتقرر الاكتفاء بالعمل على استكمال المشروعات المستهلة بالفعل دون الدخول في مشروعات جديدة.

عند قيام الثورة الإيرانية العام 1979، كانت شركة سيمونز الألمانية قد أنجزت نسبة 75% من إنشاءات مفاعل بوشهر ـ1، ولم يكن ينقصه غير القلب الحرج فقط، كما كانت قد أنجزت نسبة حوالي 60% في مفاعل بوشهرـ2، وعلى الرغم من هذه الإنجازات. فقد أغلقت الثورة الملف النووي مؤقتاً، سواء بإرادتها، أو من خلال إعلان عدائها للغرب، ثم اشتعلت الحرب العراقية ـ الإيرانية، في 21 سبتمبر1980، فكانت هذه المفاعلات هدفاً للطائرات العراقية، وقصفتها ست مرات، ما أدى إلى توقف الإنشاءات تماماً.

في صيف عام 1982، وبعد تحقيق إيران بعض النجاحات في حربها مع العراق، عاودت الاتصالات بشركة سيمونز كي تعود لاستكمال المفاعلين، ولكن هذه المباحثات فشلت. وقررت الحكومة الإيرانية العام 1984 وقف استئناف العمل في المفاعلين الذريين إلى حين انتهاء الحرب بينها وبين العراق.

شرعت الحكومة الإيرانية من عام 1985 في تفعيل برنامجها النووي، حيث افتتحت معهداً للبحوث الذرية في جامعة أصفهان، ونشط الإعلام الإيراني في بث رسائل تدعو علماء الذرة الإيرانيين العاملين في الخارج، كذلك الدارسين للطبيعة النووية، كما تدعو العلماء الأجانب في هذا المجال إلى مؤتمر في طهران، على نفقة الحكومة الإيرانية.

وقد عقد هذا المؤتمر بالفعل في مارس 1986 في طهران، وكان الهدف منه "تنمية العلوم الذرية الأساسية في إيران، والتوصل إلى الاستفادة من التكنولوجيا النووية". وفي الوقت نفسه تضاعف النشاط البحثي النووي، خاصة مركز "كلية أمير الأكبر Amir Kabir College" بجامعة طهران.وباستغلال المفاعل البحثي الذي سبق الحصول عليه من الولايات المتحدة الأمريكية.

ولما فشلت الحكومة الإيرانية في استمالة الغرب إلى استئناف العمل في برنامجها النووي، وقعت اتفاقاً مع روسيا عام 1992 للتعاون في ميدان الطاقة النووية، ودخل هذا الاتفاق حيّز التنفيذ منذ عام 1995، حين قرر الجانبان استكمال منشات مفاعلي بوشهر بطاقة 1000 ميجا وات لكل منهما، يليهما مفاعلان أصغر طاقة كل منهما 440 ميجا وات.

وذلك إلى جانب التعاون في استخراج خامات اليورانيوم الموجودة بوفرة في الأراضي الإيرانية ومعالجتها، كذلك بناء برنامج طموح لتأهيل الكوادر الإيرانية في المعاهد الروسية. وقد أدي هذا الاتفاق إلى غضب شديد في الولايات المتحدة الأمريكية.

1. موقف الولايات المتحدة من تطور البرنامج النووي الإيراني

حاولت الولايات المتحدة عرقلة البرنامج النووي الإيراني، فهددت العام 1991 بفرض عقوبات اقتصادية على كل الدول التي تتعاون مع إيران في المجال النووي. وأصدرت العام 1992 في أعقاب انتصارها في حرب الخليج الثانية قانوناً يحظر تصدير أي معدات نووية أو مزدوجة الاستخدام لإيران والعراق.

ثم أصدرت قانون "داماتو" عام 1995، الذي يفرض عقوبات على أي شركة تستثمر أكثر من 40 مليون دولار في تطوير صناعة النفط في إيران. ومع أن روسيا قررت المضي في الوفاء بالتزاماتها تجاه إيران، إلا أنها تأثرت بعض الشيء بالضغوط الأمريكية والإسرائيلية، فجنحت إلى عدم التعاون مع إيران في تكنولوجيا إعادة معالجة الوقود المستنفذ.

2. بداية نشوب أزمة تخصيب الوقود النووي الإيراني

في العام 2003 انكشف للعالم من عدة مصادر ـ كان من بينها تسريبات من المعارضة الإيرانية ذاتها ـ قيام إيران بإدارة أنشطة نووية سرية بعيداً عن أعين الوكالة الدولة للطاقة الذرية، وإنها أنشأت معملاً لتخصيب اليورانيوم في ناتانز خارج ضمانات الوكالة الدولة للطاقة الذرية، وآخر قرب آراك لإنتاج الماء الثقيل، لتندلع الأزمة التي ما زالت مستعرة حتى الآن. حيث تعددت العقوبات على إيران، بينما هي تصر على استكمال برامجها دون اهتمام بتلك العقوبات.

ثانياً: مفهوم تخصيب الوقود النووي

يقصد بتخصيب الوقود النووي، العملية التي يُعالج عنصر اليورانيوم "Uranium" من الصورة التي يوجد بها في الطبيعة، ليصبح عنصراً ذا قدرة خاصة للاستخدامات السلمية والعسكرية، وهذه المعالجة تتم في عمليات شديدة التعقيد، وباستخدام تقنيات عالية، لا تمتلكها إلا الدول المتقدمة.

1. عنصر اليورانيوم

عنصر فلزي ثقيل، فضي البياض، إشعاعي النشاط، قابل للسحب والتطريق والصقل، موصل رديء للحرارة والكهرباء، خاماه الرئيسيان هما البتشبلند "pitchblende" والكارنونيت "carnontite"، وهما يوجدان بكثرة في العديد من الدول منها إيران، وكندا وزائير وتشيكوسلوفاكيا، اكتشف عام 1789، وسُمي على اسم الكوكب السيار أورانوس "Uranus"، الذي اكتشف قبله بفترة قصيرة، ولكن هذا العنصر لم يعزل إلا عام 1841.

يتأكسد عنصر اليورانيوم عند تعرضه للهواء، وينحل في الأحماض، ويتفاعل مع الماء، ويستخدم في إنتاج الطاقة النووية. رمزه الذري 92، وزنه الذري 238.03، نقطة انصهاره 1132.3 ْ، نقطة غليانه 3818 ْ، ثقله النوعي 19.05، تكافؤه 3؛ 4؛ 5؛ 6.

يتألف اليورانيوم ـ طبيعياً ـ من ثلاثة نظائر isotopes، هي:

أ. اليورانيوم 238، وهو الأكثر انتشارا في الطبيعة، وتصل نسبة وجوده إلى 99,27% من خام اليورانيوم، وكتلته الذرية أكبر بعض الشيء من أنواع اليورانيوم الأخرى.

ب. اليورانيوم 235، وهو عنصر اليورانيوم الرئيسي القابل للانشطار، وهو الأكثر استخداماً في عمليات التخصيب ويوجد في الطبيعة بنسبة محدودة تصل إلى 0.72%.

ج. اليورانيوم 234، وهو الأقل في الطبيعة وتصل نسبته إلى خامات اليورانيوم الأخرى إلى 0.006%.

وعناصر اليورانيوم الثلاثة موجودة في إيران، وتجري إجراء عمليات التخصيب من خلالها.

2. عملية تخصيب اليورانيوم

من الصعوبة بمكان الفصل بين خام اليورانيوم 235، واليورانيوم 238 عن بعضهما من خلال عملية ميكانيكية، ولكن الفصل يمكن من خلال عملية التخصيب نفسها، حيث إن الوزن الذري لذرات اليورانيوم 235 هو الأخف وزناً، وعلى ذلك يكون التركيز على جمع عنصر اليورانيوم 235 في بداية عملية التخصيب والتعامل معه بوصفه مادة أساسية قابلة للانشطار، مع العمل على تركيز المادة بنسب معينة لكي تصبح صالحة للاستخدام وقوداً نووياً ـ أو في صنع القلب المضغوط المتفجر في الأسلحة النووية.

ولتوليد الطاقة الكهروذرية الأولية ينبغي زيادة تركيز اليورانيوم 235، إلى ما بين 3 - 5%، ولتشغيل مفاعلات الطاقة الحديثة فينبغي زيادة النسبة إلى 20%، أما في صنع سلاح نووي فلابد من زيادة التركيز إلى أكثر من 80%.

توجد وسيلتان لإنتاج اليورانيوم المخصب، يستخدم فيها خام اليورانيوم المعروف باسم "الكعكة الصفراء"  لتحويله إلى غاز سادس فلوريد اليورانيوم "uf6" قبل التخصيب، والذي يدخل إلى طريقتين للمعالجة وزيادة نسبة التركيز، وهما:

أ. الطريقة الأولى: "طريقة النفاذ"

عندما يضخ اليورانيوم في صورته الغازية عبر حاجز مُنفذ، تجتاز ذرات اليورانيوم 235 الأخف وزناً الحاجز بسرعة أكبر من ذرات اليورانيوم 238 الأثقل وزناً (والأمر هنا يشبه حبات الرمل الدقيقة التي تمر من "غربال" بسرعة أكبر من الحبات الأكبر)، ويتعين تكرار هذه العملية التي تحتاج إلى ضغوط شديدة، حوالى 1400 مرة للحصول على اليورانيوم 235 بنسبة تركيز 3% من سادس فلوريد اليورانيوم.

ب. الطريقة الثانية: الطرد المركزي

وهي تختلف عن الطريقة الأولى، باستبدال الضغط بالحركة، حيث يُضخ اليورانيوم في صورته الغازية، في أسطوانة تدور بسرعات أعلى من سرعة الصوت، فتدفع الذرات الأثقل وزناً (اليورانيوم 238) نحو الخارج، وتتراكم على جدار الأسطوانة، في حين تتجمع الذرات الأخف وزناً (اليورانيوم 235) حول المركز، حيث تجمع، وتعاد العملية عدة مرات لزيادة التركيز.

ويلزم 1500 جهاز طرد مركزي، تدور بلا توقف لعدة شهور، من أجل إنتاج 20 كجم من اليورانيوم، عالي التخصيب لإنتاج رأس نووية بدائية واحدة.

تستخدم إيران طريقة "الطرد المركزي" في تخصيب اليورانيوم، وكانت تمتلك 164 جهاز طرد مركزي عام 2003، تضاعفت عام 2008، وأعلن الرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد" تشغيل 6000 جهاز طرد مركزي حتى عام 2011، ويأمل في تشغيل 50 ألف جهاز مركزي مستقبلاً. حصلت إيران على تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم بالعديد من الطرق المشروعة وغير المشروعة، ولجأت ـ باستمرار ـ إلى السوق السوداء للحصول على المواد والأجهزة والتكنولوجيا النووية، خاصة من روسيا والصين وأوكرانيا وكوريا الشمالية وكازاخستان، إضافة إلى شبكة عملاء العالم الباكستاني "عبد القدير خان"، كما لجأت إلى إنشاء وإعداد منشآت نووية بعيداً عن الرقابة الدولية، في ناتانز ـ أصفهان ـ قم ـ طهران، وغيرها.

تمتد العلاقات في هذا المجال بين إيران، وبلدان أو شركات أو معاهد أو شبكات سرية، أو حتى أفراد هذه الشبكات، من أجل التعاون في مجالات تعدين اليورانيوم، وتصنيعه، وتخصيبه، وإنتاج الماء الثقيل، وتطوير تكنولوجيا التخصيب بالليزر، وإنتاج مكونات أجهزة الطرد المركزي وأجهزة التخصيب.

تلجأ إيران إلى سياسات التسويف واكتساب الوقت بالمراوغة، لكي تتمكن من استكمال برنامجها النووي، وزيادة قدرتها على تخصيب اليورانيوم، وتستغل الموقف الدولي ـ خاصة التورط الأمريكي في العراق وأفغانستان ـ من أجل زيادة قدرتها النووية ووضع العالم أمام أمر واقع، وإجباره على الاعتراف بأن إيران أصبحت ضمن أعضاء النادي الذري الدولي، وهو ما أعلنه الرئيس "محمود أحمدي نجاد" عام 2007.

3. مقترح تبادل اليورانيوم منخفض التخصيب أحد الحلول لمسألة البرنامج الإيراني

في مجال البحث عن حلول لمسألة تخصيب اليورانيوم الإيراني، وبعد رفض إيران مقترحاً روسيا في مجال تبادل اليورانيوم المخصب، اقترحت كل من تركيا والبرازيل توقيع اتفاق تبادل اليورانيوم الإيراني منخفض التخصيب بنسبة3.5% بيورانيوم مخصب بنسبة 20% من إنتاج روسي وفرنسي لتشغيل المفاعلات الكهروذرية الإيرانية، وهذا الاتفاق وقع بين إيران وتركيا والبرازيل، في 17 مايو 2010. ورأت فيه إيران تنازلاً كبيراً من جانبها، لاسيما أنها وضعت في السابق شروطاً عدة للاستجابة لأي إتفاق لتبادل اليورانيوم، أهمها أن يتم على مراحل، وأن تحدد إيران الكمية الخاضعة للتبادل وأن يجري ذلك على أراضها.

فضلاً عن ذلك، فإن المرونة التي أبدتها إيران في الاتفاق الجديد بموافقتها على أن يكون تبادل اليورانيوم خارج أراضيها، أدت إلى اعتراف العالم ضمنياً بامتلاك إيران لدورة الوقود النووي، بما فيها أنشطة تخصيب اليورانيوم، وهو ما يضفي شرعية على جهودها في مواصلة برنامجها النووي، مستظلة بمظلة دولية مكونة من تركيا والبرازيل، اللتين أكدتا أن الاتفاق الجديد يمثل نقلة تاريخية، ويثبت شفافية أهداف إيران بخصوص امتلاك برنامج نووي.

لذلك، كانت إيران حريصة أن تتضمن رسالتها إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لنيل موافقتها على هذا التبادل، تأكيدها مواصلة عمليات التخصيب، إذ تعتقده حقاً شرعياً للدول الموقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة الذرية،كلها دون تفريق بينها.

ولما كانت الكمية المقرر تبادلها على الأراضي التركية تقدر بحوالي 1200 كجم يورانيوم منخفض التخصيب في مقابل 120 كجم يورانيوم مخصب بنسبة20%، فقد عملت إيران على تكثيف قدرتها في عمليات تخصيب اليورانيوم منذ أكتوبر 2009، وحتى مايو 2010، ليصبح لديها 2000 كجم من اليورانيوم منخفض التخصيب، وذلك يعني أن إيران ـ فيما لو وافقت على تنفيذ التبادل ـ سيتبقي لديها800 كجم، تزيد مع استمرار التسارع في عمليات التخصيب.

في الوقت نفسه أعلن الرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد"، تحقيق القدرة على إنتاج اليورانيوم بتركيز 20% لتشغيل مفاعل بوشهر الكهروذري. (اُنظر ملحق اتفاق تبادل اليورانيوم "تركيا ـ إيران ـ البرازيل) (وصورة مفاعل بوشهر الإيراني)

4. ردود الفعل حول الاتفاق

على الرغم من توقيع الاتفاق، وإشادة بعض الأطراف بما جاء فيه، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى لسان وزيرة خارجيتها "هيلارى كلينتون"، ذكرت أن الاتفاق يهدف لجعل إيران تكسب الوقت، وجعل العالم أكثر عرضه للخطر، وانتقدت كلينتون التحركات الدبلوماسية التي قادتها البرازيل وتركيا.

كذلك أصرت مجموعة الدول الغربية المضي قدماً في بحث العقوبات الدولية الجديدة على إيران مقللة من أهمية الاتفاق. وقد اتخذت روسيا موقفاً متقارباً مع الموقف الأوروبي، بما يشير إلى وجود حالة من التوتر والاحتقان في العلاقات الإيرانية ـ الروسية، لاسيما أن إيران في هذا الاتفاق فضلت أن تكون تركيا ـ لا روسيا التي نبعت بفكرة منها هي أرض التبادل.

5. اليورانيوم المستنفذ منتج جانبي لعمليات تخصيب اليورانيوم الطبيعي

سمي اليورانيوم المستنفذ بهذا الاسم؛ لأنه نفاية ناتجة من عملية تخصيب اليورانيوم بغرض تركيز النظائر ذات القابلية للانشطار (اليورانيوم 235)، لذلك فإن المتبقي من اليورانيوم الطبيعي غالباً ما يكون من اليورانيوم 238، ذي النشاط الأضعف، إلى جانب احتواء اليورانيوم المستنفذ على آثار من العناصر المشعة الأخرى مثل الثوريوم والبروتكتينيوم.

إن اليورانيوم المستنفذ يُعرف علمياً بأنه سادس فلوريد اليورانيوم المستنفذ، وهو يتبقى في أعقاب عملية التخصيب في شكل مادة صلبة وقابلة للتبخر، شديدة السمية، إلى جانب أنه مادة ذات نشاط إشعاعي.

يعالج اليورانيوم المستنفذ بالتسخين في الهواء عند درجة 500 درجة مئوية، حيث يتأكسد مكوناً أيروسولات سامة، إلى جانب اكتسابه صلابة قوية جداً، تجعله قابلاً للاستخدامات المدنية والعسكرية، فيستخدم مدنياً في صناعة بعض أجزاء الطائرات، وواقياً من الإشعاعات، أما عسكرياً فيستخدم في صناعة المقذوفات المضادة للدروع، كذلك في صناعة الدروع نفسها لكي تزداد صلابة.

استخدم اليورانيوم المستنفذ في حربي الخليج الثانية والثالثة، ونتج عنه تأثيرات ضارة بالبيئة إلى درجة كبيرة، وتضر كثيراً بصحة الإنسان والحيوان والنبات.

ثالثاً: المنشآت النووية الإيرانية القائمة حالياً

يتسم البرنامج النووي الإيراني بالغموض، وتفرض عليه السلطات الإيرانية سياجاً من السرية، وتغلفه بأنواع من الخداع، وتحاول تعليل المواقف عند اكتشاف منشآت جديدة، وتحاول اكتساب الوقت من أجل التقدم في مشروعات التخصيب، وفرض أمر واقع على العالم. (اُنظر صورة المفاعلات النووية الإيرانية من الفضاء) و(خريطة مواقع المفاعلات النووية الإيرانية)

عبر عن ذلك كبير المفاوضين الإيرانيين السابق "حسن روحاني"، عندما أشار إلى أن الوضع سيتغير، وسيتعين على العالم مستقبلاً الاعتراف لإيران بالقدرة على امتلاك دورة الوقود النووي. فالعالم لم يرغب في امتلاك باكستان القنبلة الذرية أو امتلاك البرازيل دورة الوقود النووي، لكنه مضطر للتعامل مع هذه الحقائق.

في السياق ذاته، أشار قرار مجلس الأمن الرقم 1737 الصادر في 23 ديسمبر 2006 في مقدمته، إلى أنه بعد أكثر من ثلاث سنوات من جهود وكالة الطاقة الذرية من أجل استجلاء جميع جوانب برنامج إيران النووي، لا تزال التغيرات الحالية في المعلومات مثار قلق، وأن الوكالة غير قادرة على إحراز تقدم في جهودها الرامية إلى تقديم تأكيدات بشأن عدم وجود مواد وأنشطة نووية غير معلنة في إيران".

أما إشارة القرار إلى "أكثر من ثلاث سنوات"، فهي تعبير عن اكتشاف الوكالة لمعمل تخصيب اليورانيوم في ناتانز عام 2003 ومعمل آخر للماء الثقيل قرب أراك.

1. مكونات البرنامج النووي الإيراني

أ. منظمة الطاقة الذرية الإيرانية

تقوم بالتخطيط وإدارة البرنامج النووي الإيراني، وتوفير متطلباته، ووضع برامج إخفائه وإدارة الأزمة مع وكالة الطاقة الذرية العالمية.. وتتلقى تعليماتها من القيادة السياسية الإيرانية مباشرة، مقرها طهران، ويفرض على نشاطها تعتيماً كاملاً.

ب. مناجم استخراج اليورانيوم الخام

تتكئ إيران على إمكاناتها الذاتية في استخراج الخام من أراضيها، ولديها حوالي 10 مناجم للخام بطاقة حوالي 50 ألف طن في مناطق (يزد ـ خراسان ـ سيستان ـ بلدخستان ـ بندر عباس ـ بادار ـ هورفورجان)، وتقوم باستمرار بأعمال الاستكشاف لزيادة حجم الاحتياطي من اليورانيوم كما أنشأت إيران، مصنعين لمعالجة اليورانيوم الخام في شاجاند ـ وبيلكانيو.

ج. مفاعلات الطاقة الكهروذرية

(1) تم استكمال بناء مفاعل الطاقة في بوشهر بإمكانات روسية بعد أن رفضت ألمانيا استكماله وتبلغ طاقته 1000 ميجاوات بتكاليف حوالي 800 مليون دولار (تمثل 18% من الخطة الإيرانية لإنتاج الطاقة حتى عام 2020، حيث تطمح إيران في إنشاء مفاعلات أخرى لإنتاج 6000 ميجاوات في أنحاء متفرقة من إيران إلى جانب تصريحات من الرئيس الإيراني أنه يهدف لإقامة 20 مفاعلاً لتوليد الطاقة، وهو مقارب للرقم الذي كان قد أعلنه الشاه السابق العام 1974.

(3) كان من المقرر أن يبدأ تشغيل المفاعل في نهاية العام 2010، إلا أن أجهزة الحاسب الآلي الخاصة بالمنشآت النووية الإيرانية تعرضت لفيروس "ستوكس نت"، الذي أضر بجميع البرامج النووية الإيرانية لذلك تأجل بدء تشغيل المفاعل إلى أوائل العام 2011.

(3) يشير بعض المحللين إلى أن إسرائيل وراء تطوير هذا الفيروس، وتوجيهه نحو المنشآت النووية الإيرانية، خاصة مفاعل ناتانز، ومفاعل بوشهر، ووفقاً لبعض التقارير، فإن فرق أبحاث الكترونية فحصت الفيروس، واكتشفت أنه يحتوي على مقطع في نص البرمجة، يشير إلى أن مصمميه أطلقوا عليه كلمة "ميرتوس" التي تشير إلى شخصية تراثية يهودية.

د. محطة ناتانز لتخصيب اليورانيوم

(1) تعد أحد أهم مكونات البرنامج النووي الإيراني، أنشئت خلال عقد التسعينيات، اكتشفتها وكالة الطاقة الذرية العالمية العام 2003، ما أدى إلى إثارة أزمة البرنامج النووي الإيراني. وقد أوقف العمل بهذه المحطة مؤقتاً بعد اكتشافها، ثم أعيد تشغيلها بعد ذلك.

(2) يشار إلى أن هذه المحطة يمكنها أن تستوعب 50 ألف جهاز طرد مركزي، وهو ما يسمح بإنتاج كمية من اليورانيوم تكفي لإنتاج 20 سلاحا نووياً كل عام، فيما لو عملت بطاقتها الكاملة ويشار أيضاً إلى أن هذه المحطة تستوعب في الوقت الحالي 6 آلاف جهاز طرد مركزي، ما مكنها من إنتاج حوالي ألفي كجم من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5% حتى منتصف العام 2010.

(3) يخدم محطة ناتانز المنشآت التالية([1])

(أ) شركة أكا كلاي للكهرباء (كلا للكهرباء)، وتوفر الطاقة الكهربية المطلوبة لتشغيل أجهزة الطرد المركزي.

(ب) شركة بارس تراس، وهي تشارك في برنامج الطرد المركزي بالمحطة.

(ج) شركة فارايانر للتقنيات وتشارك في برنامج الطرد المركزي.

(د) مؤسسة الصناعات الدفاعية التابع للقوات المسلحة الإيرانية، وتشارك في برامج الطرد المركزي.

(هـ) المجمع الصناعي (Th of tit v) التابع لمؤسسة الصناعات الدفاعية، ويشترك اشتراكاً مباشراً في عمليات الطرد المركزي.

(و) شركة "Abzar boresh kaveh co." لإنتاج مكونات أجهزة الطرد المركزي.

(ز) شركة Baryagani tajarat tavanmad saccal companies and saccal system companies..

وهذه الشركة منوط بها الحصول على الأجزاء والمواد المحظورة للبرنامج النووي، وتتولى جلبها بطرق غير مشروعة أو من خلال السوق السوداء.

هـ. مراكز الأبحاث النووية

(1) مركز الأبحاث النووي "آراك"  أو "Ir-40" في منطقة أمير جاد غرب طهران، ويتبع لجامعة طهران، وهو بقدرة 10 ميجا وات (صفقة مع الأرجنتين). وقد أجرت وكالة الطاقة الذرية العالمية تفتيشاً على هذا المركز في 4 فبراير2009 وظهر لها أنه أنتج حوالي 42 طناً من اليورانيوم في صورة uf6. وتقوم شركة مصباح للطاقة بإمداد هذا المركز بحاجاته كاملة.

(2) يتبع مركز آراك أيضاً، مفاعل نووي تجريبي بقدرة 5 ميجا وات لفصل اليورانيوم كان استيراده من الصين عام 1987، وساعد العلماء الإيرانيين في تعرف العمليات المعقدة في مجال التخصيب.

(3) مركز أصفهان لبحوث وإنتاج الوقود النووي ومركز أصفهان للتكنولوجيا النووية (مفاعلان أبحاث بقدرة 27 ميجاوات) أحدهما ورد من الصين العام 1991، والأخر فرنسي تم الحصول عليه عن طريق باكستان. والأول يعمل بنظام الماء الثقيل ويستخدم في الأبحاث النووية العسكرية، ويعمل في مجال تخصيب اليورانيوم، وهما جزء من شركة إنتاج وشراء الوقود التابعة للمنظمة الإيرانية للطاقة الذرية.

(4) مركز كاراج النووي (للأبحاث الزراعية والطبية)، ويستخدم في تخصيب اليورانيوم من خلال الفصل الكهرومغناطيسي للنظائر اشتُرِيت معداته من بلجيكا والصين العام 1992 وجرى تطويره بعد ذلك، وعمل به عدد من الخبراء الصينيين.

(5) معمل ابن هشام لبحوث الليزر وتخصيب اليورانيوم، وقد أنشئ العام 1992 في طهران.

(6) مركز الطاقة الذرية في مدينة "معلم كلايه" شمال إيران، وهو مركز أبحاث مشترك بين إيران وعلماء من دول آسيا الوسطي المنفصلة عن الاتحاد السوفيتي القديم، وهو تحت سيطرة الحرس الثوري الإيراني، ويخضع لسرية كاملة، ويثير شكوك الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

(7) مركز رودان للبحوث النووية بالقرب من مدينة فاس بمنطقة شيراز (محدود الإمكانات).

(8) مركز جورجان "شمال شرق قزوين" لتخصيب اليورانيوم، ويتكون من مركزَي بحوث بتعاون صيني.

(9) شركة تاماس "Tamas" لاستخلاص اليورانيوم، ولها أربعة فروع في مناطق مختلفة من إيران، أحدهما لتركيز اليورانيوم وآخر لمعالجة اليورانيوم وتخصيبه ومعالجة نفاياته.

و. مفاعلات نووية اكتشفت حديثاً، وغير متوفر عنها معلومات كاملة

(1) مفاعل "قم النووي لتخصيب اليورانيوم، اكتشف نهاية العام 2009 وكانت إيران تضعه تحت نطاق كامل من السرية.

(2) يشير بعض المحللين إلى أن إيران تمتلك مفاعلات أخرى سرية لم تكشف عنها حتى الآن، وهو ما يثير الشكوك حول توجه البرنامج النووي الإيراني.

2. المؤسسات الإيرانية المشاركة في صنع وسائل توصيل الأسلحة النووية

تخطط إيران لبرنامج موازٍ تماماً لبرنامجها النووي يهدف  إلى إيجاد  وسائل توصيل السلاح النووي في حالة تصنيعه، وهذا البرنامج يشمل أنواعاً متطورة من الصواريخ والذخائر والطائرات، وقد حرص مجلس الأمن في قراراته، على وضع قيود على التعامل مع المؤسسات المشاركة فيه، وهي:

(1) مجموعة شهيد همت الصناعية، وهي تابعة لمؤسسة الصناعات الفضائية الجوية.

(2) مجموعة الفجر الصناعية التابعة لمؤسسة الصناعات الفضائية الجوية.

(3) مجموعة شهيد باقري الصناعية التابعة لمؤسسة الصناعات الفضائية الجوية.

(4) مؤسسات الصناعات الدفاعية التابعة للقوات المسلحة والحرس الثوري الإيراني.

(5) مجموعة صناعات الذخائر الميتالوجيا التي تسيطر على المجمع الصناعي "th of tirv".

(6) شركة سنام للإلكترونيات "Electro sanam company" المنتجة للصواريخ.

(7) مصانع الأدوات الدقيقة (أدوات القياس) التي تغذي الصناعات الفضائية بما تحتاجه من آلات دقيقة.

(8) شركة واجهة لمؤسسة الصناعات الفضائية الجوية (إنتاج رؤوس الصواريخ).

(9) صناعات تعدين خراسان لصناعة الذخائر البالسيتية.

(10) شركة نيرو لصناعة البطاريات التي تنتج بطاريات القذائف.

مما سبق نستخلص الآتي:

أ. أن البرنامج النووي الإيراني لتخصيب اليورانيوم يمتد عبر أراضي إيران كاملة، وهي مساحة واسعة تبلغ 1.64 مليون كم2.

ب. أن مراكز الأبحاث لا تقتصر على موضوعات البحث العلمي، ولكنها منتجة لعناصر البرنامج النووي الإيراني.

ج. أن إيران تمكنت من بناء كوادر علمية متخصصة إلى جانب التوسع في الاستعانة بالخبرات الأجنبية في هذا المجال.

د. تنوع تكوين البرنامج النووي، بمعني أن إيران لم ترتبط بدولة معينة واحدة في بناء برنامجها النووي، ولكنها استخدمت كل الطرق المشروعة وغير المشروعة لبناء هذا البرنامج.

هـ. أن القيادة السياسية الإيرانية مصرة على استكمال برامج تخصيب اليورانيوم وتعمل على كسب الوقت حتى تحقق غايتها المطلوبة في بناء برامجها النووية.

و. يتحمل الشعب الإيراني الكثير معاناة كبيرة مقابل إصرار الحكومة على تنفيذ برامجها، فهو يتحمل الحصار الاقتصادي الخارجي، بما يحمله من نقص بعض الحاجات الرئيسة، كما يتحمل تبعات الإنفاق الباهظ على البرنامج النووي، على حساب الحاجات الرئيسة للشعب، وفي مقدمتها الوقود، على الرغم من أن إيران إحدى الدول الكبرى في إنتاج النفط.



[1] هذه المنشآت وردت في قرارات مجلس الأمن الدولي أرقام 1696، 1737، 1747.