إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي






إندونيسيا
ليبيا
مدينة أريحا
إيطاليا
مشروع التقسيم
المملكة الأردنية الهاشمية
الأماكن المقدسة
الهند
الباكستان
الجمهورية اللبنانية
الجمهورية العربية السورية
الجزائر
الشرق الأوسط
العراق
القدس القديمة
تونس
تركيا
جمهورية مصر العربية
دولة الكويت
Jerusalem's Holy places
فرنسا



القسم الثالث

مشروع دالاس (1955)

        بتاريخ 26 أغسطس 1956، ألقى دالاس خطاباً، حدد فيه سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، دون لَبس أو إبهام. فقضية فلسطين في نظر دالاس، هي قضية لاجئين، ينبغي حلها من طريق التوطين، وهي قضية الخوف المتبادل والحدود. وفي صدد قضية اللاجئين، قال دالاس: "لإنهاء مأساة 900 ألف لاجئ فلسطيني، لا بد لهؤلاء المشردين من أن يستعيدوا حياتهم الكريمة، من طريق التوطين وبالعودة إلى الحد الممكن. ولهذا الغرض، يجب استصلاح أراضٍ جديدة، يستطيع اللاجئون أن يقيموا فيها بيوتاً دائمة لأنفسهم، وأن يعيلوا أنفسهم، من طريق عملهم هم. وعلى إسرائيل، أن تقدِّم التعويضات إلى اللاجئين. فإذا كانت عاجزة عن تقديم التعويضات الكافية، فيمكن منحها قرضاً مالياً، لتمكينها من ذلك، الأمر الذي يساعد كثيراً من اللاجئين على تهيئة حياة أفضل لأنفسهم. وإن الرئيس أيزنهاور على استعداد لأن يوصي بإسهام الولايات المتحدة الأمريكية إسهاماً بالغاً في مثل هذا القرض. كما أنه على استعداد أيضاً لأن يوصي بإسهام الولايات المتحدة الأمريكية في تنفيذ مشاريع التنمية المالية، ومشاريع الري، التي من شأنها أن تيسر عمليات توطين اللاجئين". ويمكن تلخيص النقاط الثلاث الرئيسية، التي يجب حلها لتحقيق التسوية، حسب رأي دالاس، في الآتي:

أولاً: وضع حد لبؤس مليون لاجئ فلسطيني. مما يستدعى تأمين حياة كريمة لهم، من طريق العودة إلى وطنهم الأول، وتوطينهم في المناطق العربية الموجودين فيها. ومن أجل تحقيق التوطين، اقترح دالاس استصلاح المزيد من الأراضي، من خلال مشاريع الري،  ليتمكن اللاجئون من العمل والاستقرار. ومن أجل تحقيق هذه الأفكار، اقترح دالاس على إسرائيل دفع تعويضات إلى الاجئين، يتم تمويلها من خلال قرض دولي، تشارك فيه الولايات المتحدة الأمريكية بصورة أساسية.

ثانياً: التغلب على الشعور بالخوف، الذي يسيطر على دول المنطقة، ما يجعلها عاجزة عن الإحساس بالأمن والاطمئنان. وشدد دالاس على أن التغلب على هذا الخوف، والوصول إلى الشعور بالأمان، لا يمكن أن يتحققا بجهود دول المنطقة وحدها، بل يتطلبان إجراءات جماعية، هدفها ردع أي عدوان بشكل قوي وحاسم. وعلى هذا الأساس، عبّر دالاس عن استعداد الولايات المتحدة الأمريكية للدخول في معاهدات، هدفها منع أي عمل، من قبل أي من الطرفين، من شأنه تغيير الحدود بين إسرائيل وجيرانها بالقوة، إضافة إلى كبح مثل هذا العمل.

ثالثاً: من أجل ضمان الحدود، يجب أن يكون هناك اتفاق مسبق حول طبيعة هذه الحدود. وبما أن الخطوط، التي تفصل إسرائيل عن الدول العربية، ناتجة عن اتفاقات لجنة الهدنة، عام 1949، ولا تشكل حدودا دائمة، فإن مسألة الحدود تصبح من أهم المسائل، التي يجب حلها، من أجل الوصول إلى تسوية سلمية بين الدول العربية وإسرائيل.

       وهكذا، يتضح أن التكتيك الأمريكي البارز في المشروع، يهدف إلى نزع الصبغة السياسية عن النزاع العربي- الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، وإعادة طرح المشكلة على أسُس تكنوقراطية، قابلة للحل بالوسائل التقنية المتقدمة. أي تحويل المشكلة، وتجزئتها إلى: التنمية المائية في المنطقة، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين، وتأمين القروض المالية اللازمة، وترسيم الحدود، وتوقيع معاهدات لضمان هذه الحدود.

ردود الفعل الإسرائيلية على المشروع:

في 11 سبتمبر 1955، حددت إسرائيل موقفها من مشروع دالاس، في تصريح أدلى به رئيس وزرائها، ديفيد بن جوريون، حين قال:

  1. إن حكومته مستعدة لمناقشة موضوع إدخال بعض التعديلات المتبادلة على الحدود مع جيرانها العرب، ولكنها غير مستعدة لتقديم أي تنازلات من طرف واحد، في ما يتعلق بالأرض، خاصة في منطقة النقب.
  2. مع أن مشروع دالاس، قد جعل تعيين الحدود شرطاً يجب تحقيقه، قبل عقد المعاهدات الدفاعية، ترى إسرائيل أن عقد مثل هذه المعاهدات مسألة ملحّة جداً.
  3. إن خطوط الهدنة الحالية، مهما كانت نواقصها وسيئاتها، فهي حدود تم الاتفاق عليها بين الطرفين، في حين أن أي محاولة للوصول إلى اتفاق حول تعديل هذه الخطوط، في المستقبل القريب، لا بد أن يثير مشاكل معقدة، لا طائل فيها.
  4. منطقة النقب مهمة جداً، بالنسبة إلى إسرائيل، لسببين: ثرواتها المعدنية، وأهميتها الكبرى لميناء إيلات، الذي يعطي إسرائيل موطئ قدم على البحر الأحمر.

ردود الفعل العربية على مشروع دالاس:

أمّا على الجانب العربي، فقد أعلن رئيس الوزراء السوري، سعيد الغزي، في المجلس النيابي، بتاريخ 26 سبتمبر 1955، رفض سورية لكل الخطط والمحاولات، الرامية  إلى عقد سلام مع إسرائيل، بما في ذلك اقتراحات دالاس. ولم تحدد أي دولة عربية أخرى موقفها الرسمي من هذا المشروع. إلاّ أن القاهرة، هاجمت المشروع، ورأت فيه محاولة لوضع العرب تحت رحمة إسرائيل.

مشروع أنتوني إيدن (1955)

       بتاريخ 9 نوفمبر 1955، أعلن رئيس الوزراء البريطاني، السير أنتوني إيدن، استعداده (مع مساهمة دول أخرى) لتقديم الضمانات الرسمية اللازمة إلى إسرائيل والدول العربية، إذا ما تم التوصل إلى اتفاق، هدفه موضوع الحدود بين الطرفين. وقد ارتكز مشروع أنتوني إيدن على النقاط التالية:

أولاً: على الجانبين، العربي والإسرائيلي، أن يقدِّما تنازلات متبادلة.

ثانياً: السعي إلى الاتفاق على "صيغة تسوية" بين الموقف العربي، الذي يطالب بالعودة إلى حدود التقسيم عام 1947، والموقف الإسرائيلي، الذي يتمسك بخطوط الهدنة، كحدود دائمة.

ردود فعل إسرائيل على مشروع إيدن:

أكّد بن جوريون، في خطاب ألقاه في الكنيست، بتاريخ 15 نوفمبر 1955، رفض إسرائيل للمشروع، لأنه أشار إلى قرارات الأمم المتحدة، حين قال: "إن غزو الدول العربية لأرض إسرائيل، في حرب 1948، قد جعل كافة قرارات هيئة الأمم المتحدة حول فلسطين لاغية وباطلة، بلا أي إمكانية لإعادتها إلى الحياة".

ردود الفعل العربية على مشروع إيدن:

لم تصدر أي تعليقات رسمية من الجانب العربي، باستثناء التصريح الصحافي، الذي أدلى به جمال عبدالناصر، في 28 نوفمبر 1955، حين قال: "إن عودة إيدن إلى قرارات الأمم المتحدة لعام 1947، تشير إلى أن حقوق الفلسطينيين، لم يتم التخلي عنها، كما كان يظن البعض، من قبل الدول الكبرى، وأن الوقت قد حان لإعادة إحياء تلك القرارات، التي أهملت لمدة ثماني سنوات". كما ذكر عبد الناصر في تصريحه، أن إيدن لم يتقدم بأي مقترحات محددة، بل رجع إلى قرارات هيئة الأمم المتحدة من جديد، مما يشكل، من وجهة نظر مصر، اعترافاً بحقوق الشعب العربي الفلسطيني، الذي اُغتصب وطنه، عندما كان خاضعاً للانتداب البريطاني.

مشروع إسرائيلي جديد (1956)

       في الوقت الذي تخلت فيه بريطانيا عن مشروعها، الذي رفضته إسرائيل، وأيدته مصر، أبدت إسرائيــل بعض مظاهر الاستعداد لتقديم تنازلات، ضمن مقترحات نقلها، آنذاك، موشي شاريت[6] Moshe Sharett ، أثناء زيارته واشنطن، وخلال محادثاته مع دالاس بتاريخ 21 نوفمبر و 6 ديسمبر 1956. وقد نشرت تفاصيل المقترحات الإسرائيلية في واشنطن، بتاريخ 19 ديسمبر 1956. وكانت على النحو التالي:

أولاً: موافقة إسرائيل على تعديلات متبادلة في خطوط الهدنة، بهدف تحسين الأوضاع الأمنية والمواصلات، مع رفضها للتفاوض على أساس خط التقسيم لعام 1947.

ثانياً: استعداد إسرائيل للنظر في موضوع منح الدول العربية حقوق الترانزيت، التي تسهِّل حركة التجارة بين الشمال والجنوب (أي بين مصر ولبنان) من جهة، وبين (مصر والأردن)، عبْر النقب، من جهة أخرى. وذلك مقابل منح الدول العربية إسرائيل حقوقاً مماثلة ومشابهة، كحقوق النقل البري والجوي.

ثالثاً: استعداد إسرائيل لمنح الأردن تسهيلات حرة في ميناء (حيفا)، وحقوق الترانزيت الضرورية من أجل الوصول إلى الأردن من طريق البر.

رابعاً: استعداد إسرائيل لجمع الأموال اللازمة، من أجل تعويض اللاجئين الفلسطينيين، وقبولها القرض الذي عرضته الولايات المتحدة الأمريكية، للمساهمة في إعادة إسكانهم وتوطينهم.

خامساً: قبول إسرائيل مشروع تطوير نهر الأردن، الذي اقترحه جونستون، الذي يشركها مع الدول العربية في الاستفادة من مياه نهرَي الأردن واليرموك.

المشروع الكندي (1957)

       بتاريخ 26 فبراير 1957، طرح ليستر بيرسون Lester Pearson، وزير الخارجية الكندية، مشروعاً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل تثبيت الوضع في المنطقة ـ وليس لتسويته. وكان الدافع إلى هذا المشروع، طبقاً لما صرح به وزير الخارجية الكندي، أن المنظمة الدولية، قد وصلت إلى نقطة "اللارجوع"، بالنسبة إلى النزاع العربي ـ الإسرائيلي، الذي هو آخذٌ في التصاعد، بسبب المواقف المتناقضة بين الأطراف المعنية.

وقد ركز المشروع الكندي على النقاط التالية:

أولاً: تتعهد كل من مصر وإسرائيل التقيد، بدقة، ببنود اتفاقيات الهدنة، المعقودة في عام 1949.

ثانياً: إنشاء إدارة مدنية، تابعة لهيئة الأمم في غزة، بالتعاون مع كل من مصر وإسرائيل.

ثالثاً: يتولى كل من الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، والمنظمة الدولية، وقائد قوات الطوارئ الدولية التابعة لها، اتخاذ الترتيبات اللازمة مع الحكومات المعنية، من أجل وضع قوات الطوارئ على خطوط الهدنة.

رابعاً: انسحاب القوات الإسرائيلية من شرم الشيخ، على أن يتبع انسحابها دخول قوات الطوارئ الدولية إليها، للمساعدة على الحفاظ على السلام.

المشروع الأسترالي (1957)

       بتاريخ 21 أكتوبر 1957، اقترح روبرت جوردون منزيس Robert Gordon Menzies ، رئيس وزراء أستراليا، النقاط التالية، كأساس لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي:

  1. تسوية نهائية ومضمونة للحدود العربية - الإسرائيلية.
  2. تسوية قضية اللاجئين.
  3. تقديم مساعدات اقتصادية دولية، غير مشروطة عسكرياً، إلى الدول التي تحتاج إليها  في الشرق الأوسط.
  4. تشجيع التبادل التجاري السلمي بين الطرفين، العربي والإسرائيلي.
  5. الاعتراف بالجوانب المدنية والاقتصادية "لحلف بغداد"، وتوسيعها.
  6. النظر إلى مشكلة النفط وتموينه على أساس التعاون والضمانات الدولية، وليس على أساس التنافس الدولي فقط.
  7. إقامة هيئة استشارية دولية، تقدِّم النصائح إلى دول الشرق الأوسط، حول مشاكلها المالية والاقتصادية.

مشروع أيزنهاور (1957، 1958)

       على إثر تأزم الوضع السياسي في منطقة الشرق الأوسط، بعد العدوان الثلاثي على مصر، عام 1956 تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية، في 5 يناير 1957، بمشروع أيزنهاور المعروف، الذي ربط بين مقاومة الشيوعية والتنمية الاقتصادية. وكما ارتبط مشروع جونستون، بصورة غير مباشرة، بحلف بغداد، فإن مشروع أيزنهاور يطرح المسألة بصورة أكثر مباشرة ووضوحاً. فقد دعا مشروع أيزنهاور إلى تقديم المساعدات المالية إلى الدول العربية، من أجل التنمية الاقتصادية، مع الربط بين هذه المساعدات ومقاومة الشيوعية.

       ولكن بعد فشل المشروع، وبعد حوادث النصف الأول من عام 1958 (الحرب الأهلية في لبنان، الوحدة السورية ـ المصرية، انقلاب بغداد وسقوط حلف بغداد)، تقدم أيزنهاور بمشروع آخر، إلى الدورة الاستثنائية الخاصة، التي عقدتها الجمعية العامة، في شأن الشرق الأوسط، وقد أَسْمَى أيزنهاور مشروعه الجديد "مخططاً لسلام الشرق الأدنى"، وضمّنه ستة مقترحات. ولم يشر ، في خطابه، إلى قضية فلسطين أو قضية اللاجئين، بل شدد على ضرورة إنشاء "مؤسسة تنمية عربية على أساس إقليمي". وذكر أنه "بمساعدة الأمم المتحدة، تتاح، الآن، فرصة فريدة لبلدان الشرق الأوسط، لتجعل مصالح أمنها ومصالحها السياسية والاقتصادية تتقدم بحرية".

مشروع داج همرشولد (1959)

       في الخامس عشر من يونيه 1959، أصدرت الأمانة العامة للأمم المتحدة وثيقة رسمية، تحمل رقم أ /4121، موجهة إلى الجمعية العامة، في دورة انعقادها العادية الرابعة عشرة. ولم تكن هذه الوثيقة، التي تقدَّم بها همرشولد، تنفيذاً لتعهده للجمعية العامة، بأن يضع دراسة عن قضية اللاجئين، قدر ما هي امتداد وتتمة للمشروع، الذي قدَّمه الرئيس الأمريكي أيزنهاور عام 1958، أثناء الدورة الاستثنائية الخاصة، التي عقدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، على أثر الحوادث في لبنان والأردن والعراق. وقد انبثق بيان أيزنهاور، وتقرير همرشولد في وثيقته، من رغبة في معالجة أزمات الشرق الأوسط (وهى غير مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالقضية الفلسطينية)، بالأساليب والوسائل الاقتصادية.

       ويقسّم تقرير همرشولد منطقة الشرق الأوسط إلى ثلاثة أقسام:

1.   إسرائيل والبلدان العربية، التي تنتج كميات وافرة من النفط.

2.   والبلدان العربية، التي لا تنتج النفط بكميات وافرة.

3.   والبلدان العربية التي ليس لديها نفط.

       ويخلص التقرير إلى أن إسرائيل، تستطيع أن تحصل، من الخارج، بأساليبها الخاصة، على الأموال اللازمة لنموها الاقتصادي نمواً، يأخذ في الحسبان سكانها الحاليين والمهاجرين، المتوقع أن يتدفقوا إليها. أمّا البلدان العربية، التي تنتج كميات وافرة من النفط، فيذهب همرشولد إلى القول، إنها تستطيع أن تحصل من عائدات النفط على جميع ما تحتاج إليه من مال، لتحقيق نموها الاقتصادي، بل إنها قادرة على تمويل البلدان الأخرى في المنطقة أيضاً، من وفر عائدات النفط.

       أمّا البلدان العربية، التي لا تنتج مقادير وافرة من النفط، مثل الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسورية)، أو ينعدم لديها النفط، مثل لبنان والأردن، وهي، في الوقت نفسه، تفتقر إلى الأموال اللازمة لتنميتها، فهي بالتحديد البلاد، التي تقيم فيها الكثرة الساحقة من اللاجئين الفلسطينيين. ومن الواضح أن واضع التقرير، يربط ربطاً وثيقاً بين تنمية تلك البلدان العربية الثلاث بالذات، وإنفاق الأموال الطائلة لهذا الغرض، وبين دمج الفلسطينيين في "اقتصادياتها". ويتضـح من ذلك، أن همرشـولد، لا يتطلع، في تقريره، إلى اندماج اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة من وطنهم. وأنـه، من ثم، لا يخطط لعودتهم إلى ديارهم. كما أن تقرير همرشولد، يتجاهل كلياً حقوق اللاجئين بالتعويض. إضافة إلى ذلك، يخلط همرشولد في تقريره بين حق العودة والتوطين، ويساوي بينهما أحياناً في الأهمية.

       ففي الفقرة الثالثة من تقريره يقول: "بعد النظر الدقيق في مسألة اللاجئين الفلسطينيين، من جميع وجوهها، إني أوصي باستمرار وكالة الإغاثة، ريثما يتم ما قالت عنه الجمعية العامة من "إعادة إدماج اللاجئين في حياة الشرق الأدنى الاقتصادية، إمّا بالعودة، أو بالتوطين. طبعاً الأمر يعود لاختيار اللاجئين أنفسهم".

       وقد علق الدكتور عبد الله اليافي[7]، في جريدته "السياسة"، في عددها الصادر بتاريخ 23 يونيه 1959، على مشروع همرشولد بقوله: "فلا هي الرحمة باللاجئين العرب، ولا الشفقة على عيالهم وأطفالهم، ولا الرغبة في وضع حد لشقائهم وبؤسهم، هي التي حركت بعض الدول الغربية الكبرى، عندما فكرت في مشروع الاستيطان. كلا إن الذي دفع هذه الدول إلى المطالبة باستيطان اللاجئين في البلدان العربية، هي رغبتها في تصفية القضية الفلسطينية تصفية نهائية، بإسدال ستار النسيان على جميع مقررات الأمم المتحدة، وما أكثر هذه المقررات، التي أوصت وطالبت بعودة هؤلاء اللاجئين العرب إلى ديارهم!".

الموقف الفلسطيني من مشروع همرشولد

       عقد في بيروت، بتاريخ 26 يونيه 1959، مؤتمر عربي فلسطيني، حضره مندوبون وممثلون عن جميع مخيمات الفلسطينيين، ومختلف أماكن إقامتهم بالأراضي اللبنانية، وجميع هيئاتهم ومنظماتهم، بما في ذلك الهيئة العربية العليا لفلسطين، واللجنة العليا للاجئين الفلسطينيين في لبنان، والشباب العربي الفلسطيني، والمكتب العربي الفلسطيني، والكشاف العربي الفلسطيني وسواها، في دار الهيئة العربية ببيروت، للتداول في تقرير داج همرشولد، وقد اتخذ المؤتمر القررات التالية:

  1. يعلن الفلسطينيون في لبنان التمسك بحقهم الطبيعي في العودة إلى وطنهم وبلادهم، ويؤكدون أن الحل الوحيد، هو القضاء على إسرائيل، واسترداد فلسطين، وعودة أهلها إليها.
  2. يعلن الفلسطينيون رفضهم لمشروع همرشولد، الخاص باندماجهم في اقتصاديات الشرق الأوسط، ورفضهم لكل مشروع، يحُول دون حقهم الطبيعي في وطنهم.
  3. يرى الفلسطينيون قبول تقرير همرشولد، وكافة المشاريع المشابهة له، والمنطوية على الإسكان والتوطين والتعويضات، هو خيانة وطنية لفلسطين والقومية العربية، ويحذرون من قبولها.
  4. ويهيب عرب فلسطين بالحكومات العربية جميعها بذل الجهود والمساعي، اللازمة لإحباط توصيات السكرتير العام للأمم المتحدة ومقترحاته.
  5. يرحب عرب فلسطين  بقرار اللجنة السياسية التابعة للجامعة العربية، بعقد اجتماع عربي على مستوى عالٍ، لبحث قضية فلسطين، ويحثون الحكومات العربية على الإسراع في تنفيذ هذا القرار، ويهيبون بالدول التي لم تبدِ رأيها في هذا الصدد، حتى الآن، أن تبادر بالموافقة على ذلك.
  6. نظراً إلى تفاقم الأخطار على قضية فلسطين، خاصة بعد صدور تقرير همرشولد، الذي يرمى إلى تذويب عرب فلسطين، وتجاهل حقوقهم في التعويض، ويخلط بين حق العودة والتوطين، يؤيد عرب فلسطين الجهود المبذولة لإحياء الكيان الفلسطيني، ويطلبون من الدول العربية الإسراع في تنفيذ هذا القرار على نحو يمكِّن الفلسطينيين من المساهمة الجدية العملية في إنقاذ بلادهم.
  7. تشكيل لجنة خاصة، لإجراء الدارسات العملية والفنية لتقرير همرشولد، ورفعها إلى المؤتمر.
  8. لمناسبة وصول السكرتير العام للأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط، يعلن الفلسطينيون يوم الأربعاء، الأول من يوليه 1959، يوم إضراب عام، ومقاطعة خدمات وكالة الغوث، والصيام عن الطعام، إعراباً عن استنكارهم لتقريره، وتمسكهم بحقوقهم القومية.
  9. عقد مؤتمر عام للفلسطينيين في لبنان يوم الأحد، 12 يوليه 1959، لمواصلة البحث في تقرير همرشولد، وتوفير الأسباب والوسائل الضرورية، لتمكين عرب فلسطين من الكفاح والنضال في سبيل وطنهم.
  10. إبلاغ هذه المقررات إلى ممثلي الدول العربية في لبنان، لرفعها إلى حكوماتهم وإلى المراجع الدولية المختصة.

       وبتاريخ 12 يوليه 1959، انعقد المؤتمر العربي الفلسطيني في بيروت. وكان مؤلَّفاً من مندوبين عن جميع الهيئات والمنظمات واللجان الفلسطينية في لبنان، دون استثناء. وكرر المؤتمر، من جديد، رفض عرب فلسطين لتوصيات همرشولد، في شأن إدماج الفلسطينيين في الحياة الاقتصادية للشرق الأوسط، وتأكيد رفضهم القاطع لجميع مشاريع التوطين والإسكان والتهجير والامتصاص، وغيرها من المشاريع والبرامج المماثلة، التي ترمي إلى تصفية قضية فلسطين.

مشروع جونسون (1961)

       كلفت الحكومة الأمريكية، عام 1961، الدكتور "جوزيف جونسون"، رئيس مؤسسة "كارنجي" للسلام العالمي، بإجراء دراسة جديدة عن مشكلة اللاجئين. وفى 2 أكتوبر 1962، اقترح "جونسون" مشروع حل، تضمن ما يلي:

أولاً: يُعطى كل رب أسرة من اللاجئين، فرصة الاختيار الحر، وبمعزل عن أي ضغط، من أي مصدر كان، بين العودة إلى فلسطين أو التعويض.

ثانياً: ينبغي أن يكون كل لاجئ على علم تام بالأمور التالية:

أ.  طبيعة الفرص المتاحة له للاندماج في حياة المجتمع الإسرائيلي، إذا هو اختار العودة. ب. قدر أو قيمة التعويضات، التي سيتلقاها، كبديل، إذا هو اختار البقاء حيث هو.

ثالثاً: يتم حساب التعويضات على أساس قيمة الممتلكات، كما كانت عام 1947- 1948، مضافاً إليها الفوائد المستحقة.

رابعاً: تسهم الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما فيها إسرائيل، في توفير الأموال اللازمة لدفع التعويضات.

خامساً: من حق إسرائيل أن تجري كشفاً "أمنياً" على كل لاجئ يختار العودة إلى أرضه.

سادساً: يستفيد اللاجئون، الذين لم يكن لهم ممتلكات في فلسطين، من تعويض مالي مقطوع لمساعدتهم على الاندماج في المجتمعات، التي يختارون التوطين فيها.

سابعاً: يحق لكل حكومة الانسحاب من هذا المشروع، إذا رأت أن فيه تهديداً لمصالحها الحيوية.

ثامناً: يتم تطبيق المشروع بصورة تدريجية. كما أن التخلي عنه، في منتصف الطريق، لن يترك اللاجئين في وضع أسوأ مما كانوا عليه قبل الشروع في تنفيذه.

المشروع التونسي (1965): أنظر القسم الرابع .

مشروع أشكول (1965): انظر القسم الخامس .




[1]  في 14 أبريل 1948، صدر قرار مجلس الأمن الرقم 46، يدعو إلى وقف العمليات العسكرية في فلسطين.

[2]  تقرر أن تعرض لجنة من الجمعية العامة، مكونة من الصين وفرنسا واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية  والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، اقتراحاً بأسماء الدول الثلاث، التي ستتكون منها ``لجنة التوفيق``، على الجمعية العامة، لموافقتها قبل نهاية القسم الأول من دورتها الحالية. واقترحت اللجنة، فرنسا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، لتكوين ``لجنة التوفيق والمصالحة``. وقد أقرت الجمعية الاقتراح.

[3]  كان من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، في منطقة الشرق الأوسط، قبل قيام ثورة 23 يوليه 1952. ثم أصبح، خلال فترة إدارة الرئيس أيزنهاور، عام 1953، المستشار الشخصي لوزير الخارجية، جون فوستر دالاس.

[4]  عمل وزيراً للبحرية، عامَي 1953، 1954، ثم نائباً لوزير الدفاع، حتى يوليه 1955، ثم خلف جورج همفري، كوزير للخزانة، عام 1957.

[5]  ممثل الحكومة الإسرائيلية، في المباحثات، التي أجراها أندرسون.

[6]  وُلد في روسيا، 15 أكتوبر 1894، وتوفـي عام 1965. هاجر إلى فلسطين عام 1906، وأصبح، في عام 1933، عضواً بارزاً في الوكالة اليهودية، وأحد المساعدين المقربين إلى ديفيد بن جوريون. من حزب الماباي. تولى وزارة الخارجية، من  مايو 1948 إلى يناير 1954. وتولى رئاسة الوزارة ووزارة الخارجية، من يناير 1954 إلى نوفمبر 1955. ثم عيِّن وزيراً للخارجية من نوفمبر 1955 إلى يونيه 1956. راجع: مايكل بريشر، ``نظام السياسة الخارجية لإسرائيل``، إعداد مركز البحوث والمعلومات، لندن، جامعة أكسفورد، 1972، ص 892.

[7]  رجل سياسي لبناني، درس الحقوق، وشغل منصب رئيس الوزراء، في لبنان، عدة مرات.