إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي






إندونيسيا
ليبيا
مدينة أريحا
إيطاليا
مشروع التقسيم
المملكة الأردنية الهاشمية
الأماكن المقدسة
الهند
الباكستان
الجمهورية اللبنانية
الجمهورية العربية السورية
الجزائر
الشرق الأوسط
العراق
القدس القديمة
تونس
تركيا
جمهورية مصر العربية
دولة الكويت
Jerusalem's Holy places
فرنسا



القسم الخامس

القسم الخامس

ردود الفعل على مشروع الرئيس بورقيبة

       أثارت تصريحات الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، في خصوص قضية فلسطين، ومشروعه، الذي أعلنه في 21 أبريل 1965، الكثير من ردود الفعل العربية، الرسمية والشعبية. كما أثارت ردود فعل لدى إسرائيل وكثير من دول العالم. وكذلك أثار خطابه في أبناء فلسطين، بمنطقة أريحا، ضجة في الأوساط والقوى السياسية الشعبية في المشرق العربي.

أولاً: ردود الفعل الفلسطينية

       أصدرت منظمة التحرير الفلسطينية بياناً، بتاريخ 23 أبريل 1965، شجبت فيه تصريحات الرئيس بورقيبة في 22 أبريل، التي يقترح فيها حلاً للقضية الفلسطينية، على أساس بقاء الوجود الإسرائيلي. وأعلنت تمسكها التام بحقوق الشعب الفلسطيني كاملة غير منقوصة.

        وفى يوم 24 أبريل، تظاهر عدد من طلبة فلسطين في القاهرة، أمام السفارة التونسية، وقدَّموا احتجاجاً، أعلنوا فيه "براءتهم" من الرئيس بورقيبة، ورفضهم "لأن يكون متكلماً عن قضيتهم، ورفضهم لأنصاف الحلول والمساومات لتصفية قضية فلسطين".

       وفى 24 أبريل 1965، صدر بيان الهيئة العربية العليا لفلسطين، الذي ترفض فيه أنصاف الحلول للقضية الفلسطينية. وقد جاء في البيان ما يلي:

        "لقد دأبت "الهيئة العربية العليا لفلسطين"، على تحذير الشعب العربي الفلسطيني من الدسائس والمؤامرات، التي تحكيها الدول الاستعمارية، الضالعة، مع الصهيونية العالمية، من تصفية قضية فلسطين، والقضاء على شعبها بشتى السُّبٌل ومختلف الأساليب. وأصدرت الهيئة، في هذا الشأن، البيانات والنداءات المتكررة، محذرة من نتائج المؤامرات والدسائس، داعية إلى إحباطها. وكان آخرها البيان، الذي أصدرته بتاريخ 29 آذار (مارس) 1965، وأشارت فيه إلى الأصوات الشاذة، التي أخذت ترتفع، في الآونة الأخيرة، منادية بوجوب الاعتراف بالأمر الواقع، وتقدير الظروف القائمة، تلك الأصوات التي تهدف إلى إيجاد جو، تسوده القناعة بضرورة الالتجاء إلى ما يسمى بالحلول "العملية الواقعية" للقضية الفلسطينية، في الوقت نفسه، الذي آخذت فيه الدعوة إلى حلول مماثلة، تنطلق من بعض العواصم الغربية، على لسان المسؤولين من المستعمرين الصهيونيين.

       غير أن التصريحات، التي أدلى بها غير مسؤول عربي، في الأسبوع الأخير، إلى الصحف والمجلات الأجنبية، قد بلورت وكشفت، بشكل واضح، دوافع وأبعاد وأهداف هذه التصريحات، التي دعت إلى القبول بقرارات الأمم المتحدة، الخاصة بتقسيم فلسطين، مما حدا بالهيئة العربية العليا على الانكباب على دراستها دراسة موضوعية وافية، من جميع جوانبها، وتقدير نتائجها، وتحديد مدى خطرها على المصير العربي عامة، والفلسطيني بشكل خاص.

       ولقد قابل الشعب العربي الفلسطيني بالسخط والنقمة هذه التصريحات المشبوهة وعدّها طعنة غادرة جديدة، توجه إلى صميم حقوقه ومستقبله، واعتداء فاضحاً على حقه في تقرير مصيره، واستنكر صدورها عن بعض المسؤولين العرب، خاصة بعدما أُعلن، في مؤتمرَي القمة العربيين، في العام الماضي، عزم الدول العربية على الالتزام بخطة موحدة لتحرير فلسطين، وتمكين شعبها من إنشاء كيانه وجيشه، طليعة لعملية تحرير عربية موحدة.

       وإن سياسة الهيئة العربية العليا، في هذا المجال، واضحة كل الوضوح، إذ إنها ترى أن المحافظة على الوحدة المقدسة للتراب الفلسطيني، والعمل على تحرير الجزء المقتطع من الوطن المغتصب، هما المبرر لوجودها، والسبب الوحيد، الذي دفع البعض إلى إيذائها والتضييق عليها لخفوت صوتها، سعياً وراء تنفيذ خطة مبيتة لتصفية فلسطين، وتوطين شعبها بعيداً عن وطنه، بعد التمهيد الطويل، الذي خطط لتجميدها، وشل حركة شعبها عن التأهب والحركة وحرية العمل.

       وتجدد الهيئة العربية إعلانها أن الدعوة إلى القبول بقرارات الأمم المتحدة، الخاصة بتقسيم فلسطين، وإلى التفاوض مع العدو الصهيوني المغتصب، هي اعتراف بشرعية الوجود الصهيوني العدواني في فلسطين المحتلة، وقبول بالأمر الواقع، القائم على الظلم، الذي بذلت الأمة العربية الغالي من دماء أبنائها، والوفير من أموالها، في سبيل اجتثاثه من جذوره، وتنكُّر سافر للتضحيات الجسام، التي قدَّمها الشعب العربي الفلسطيني، طوال أربعين عاماً من أجل الحفاظ على خط الدفاع العربي الأول، وصون وحدة فلسطين الجغرافية. وهي وخيانة للأمة العربية، التي تؤمن بأن قضية فلسطين، هي قضية مصيرها ووجودها.

       كما تؤكد الهيئة العربية العليا، أن الشعب العربي الفلسطيني، هو وحدة صاحب الرأي الأول والأخير، في كل ما يتعلق بمصير قضيته ومستقبل وطنه، وأنه يرفض رفضاً باتاً فرض الوصاية علية من أي أحد، كائناً من كان. كما يرفض كافة أنصاف الحلول، من تقسيم وتوطين، وتدويل وتعويض، واقتطاع أي شبر من أرض فلسطين العربية. ولا يرضى من تحرير وطنه بديلاً. ويرى أن السبيل الوحيد إلى تحقيق ذلك، هو سبيل الكفاح العملي، الذي يضطلع فيه الشعب الفلسطيني بالدور الرئيسي.

       وتعلن الهيئة العربية العليا، أن الظروف الحرجة، التي تمر بها القضية الفلسطينية، في الوقت الحاضر، تدعو الفلسطينيين، أكثر من أي وقت مضى، إلى جمع صفوفهم، وتوحيد كلمتهم، ونبذ خلافاتهم، والمبادرة إلى تشكيل كيان فلسطيني شعبي، تنتظم فيه جميع فئات هذا الشعب، ويتمتع بالقدرة على الوقوف سداً منيعاً في وجه تيارات المؤامرات، وتطويق جميع المحاولات، الرامية إلى العبث بمقدراته، ويعمل على تنسيق جهوده مع الشعب العربي، في جميع أقطاره، لتحرير فلسطين.

       وتطالب الهيئة العربية كل مسؤول في الدول العربية بالمبادرة إلى إعلان رأيه الصريح، في شأن هذه التصريحات، المريبة للشعب العربي الفلسطيني، حتى يكون على بيّنة من أمره، وإلى تحديد موقفه الواضح من موضوع تحرير فلسطين، حتى يتمكن هذا الشعب، في ضوء ذلك، من تقدير الظروف، وتقرير المواقف، التي سيتخذها دفاعاً عن حقوقه ومصيره ومستقبله.

       وتهيب الهيئة العربية بالأمة العربية، التي تعلق عليها أكبر الآمال، أن تقف وقفة رجل واحد مع الشعب العربي الفلسطيني، في هذه المحنة الخطيرة، التي تعد محكاً لقدرة العرب على خوض معركة المصير الواحد".

       ونشرت جريدة "الأهرام"، في عددها الصادر في 25 إبريل 1965، تصريحاً للشقيري، قال فيه: "إنه نظراً إلى التصريحات الأخيرة، التي أدلى بها الرئيس بورقيبة، والتي احتوت، بمجموعها، مغايرة صريحة لقرارات مؤتمرَي القمة، في القاهرة والأسكندرية، لا حاجة، في الوقت الحاضر، لافتتاح مكتب في تونس. ونعد كل تونسي يعيش فوق أرض تونس، ممثلاً للشعب الفلسطيني في كفاحه ونضاله".

رد الفعل الفلسطيني في لجنة ممثلي الملوك والرؤساء العرب

       اجتمعت اللجنة في يوم 28 إبريل 1965، في أعقاب سلسة من التصريحات، أدلى بها رئيس الجمهورية التونسية، الحبيب بورقيبة، حول حل قضية فلسطين، وكان آخرها حديثه إلى أعضاء المكتب القومي للطلبة الدستوريين، المنشور في جريدة "العمل" التونسية، في عددها الصادر في 23 أبريل، والذي دعا فيه إلى مفاوضة إسرائيل، على أساس احترام مبدأ وجودها. وقد وافقت اللجنة على وضع تصريحات الرئيس التونسي، بورقيبة، على رأس جدول الأعمال، بناء على طلب منظمة التحرير الفلسطينية. وقدَّم السيد أحمد الشقيري، رئيس المنظمة، مذكرة شرح فيها رأي المنظمة في تصريحات بورقيبة، وطالب بإسقاط عضويته وعضوية حكومته من مؤتمرات القمة، والمؤسسات التابعة لها، ودعوة مجلس الجامعة العربية لدورة استثنائية، لإقرار فصل تونس من الجامعة العربية، ومجلس الدفاع المشترك، وجميع الهيئات واللجان المتفرعة عنها، مع تحية الشعب التونسي، لكفاحه من أجل تحرير وطنه، ولمشاعره وإرادته القومية، بالنسبة إلى تحرير فلسطين. كما طلب أحمد الشقيري دراسة هذه المقترحات في جلسة علنية، "لأن الأمر يتصل بأكبر قضية عربية في عصرنا الحاضر، ومن حق الأمة العربية أن تعرف كل شيء عنها".

وفي 29 أبريل، أصدرت لجنة ممثلي الملوك والرؤساء العرب بياناً إجماعياً، تضمن النقاط التالية:

1. التمسك التام بقرارات مؤتمرَي القمة العربيين ومؤتمر رؤساء الحكومات العربية، والالتزام الكامل بجميع ما تنطوي علية من واجبات ومسؤوليات. وكذلك، تأكيد الدعم المتواصل، تعبيراً عن إرادة الشعب العربي، لكل من القيادة العربية الموحدة، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وجيش التحرير الفلسطيني، وفي تنفيذ المشروع العربي لاستثمار مياه نهر الأردن وروافده، والاستعداد التام لمواجهة جميع الاحتمالات، وبذل التضحيات في سبيل تحرير فلسطين تحريراً كاملاً.

2. رفض أي دعوة إلى الاعتراف أو المصالحة أو التعايش مع إسرائيل، واعتبار مثل هذه الدعوة "خروجاً على الإجماع العربي في قضية فلسطين، وعلى ميثاق الجامعة، ونقضاً للخطط، التي أجمع عليها ملوك ورؤساء وحكومات الدول العربية، وباركتها الأمة العربية".

3. دعوة مجلس رؤساء الحكومات العربية للاجتماع، في 24 مايو 1965، "للنظر في الموقف العربي، واتخاذ القرارات الكفيلة بدعم وحدة العمل في قضية فلسطين، وإحباط المؤتمرات العدوانية ضدها، وكفالة اطِّراد التقدم، الذي أحرزه العرب في المجالين، القومي والدولي".

       وقد انسحب أحمد الشقيري، رئيس منظمة تحرير فلسطين، من اجتماع لجنة ممثلي الملوك والرؤساء العرب، لأن اقتراحه بإسقاط عضوية تونس من جامعة الدول العربية، لم يؤخذ في الحسبان. إلاّ أنه عاد، بعد ذلك، إلى الجلسة، بعد أن سجل في المحضر، أنه سيعلن تنحِّيه عن تحمل تبعات العمل في المنظمة، "إذا سارت الأمور بهذه الطريقة".

       وذكرت جريدة "الأهرام"، أن اللجنة، لم تناقش اقتراح أحمد الشقيري، لأنه ليس من حقها بتّ  موضوع العضوية، إذ إن ذلك من اختصاص مجلس جامعة الدول العربية. وذكرت أن اللجنة، قررت أن تطلب من الحكومات العربية، أن تقطع علاقاتها مع ألمانيا الغربية، فور اعترافها بإسرائيل.

       وفى مساء يوم 29 أبريل 1965، أذاع أحمد الشقيري بياناً، من إذاعة "صوت فلسطين"، قال فيه: إن المنظمة، لا توافق على بيان الممثلين الشخصيين للملوك والرؤساء العرب، الذي صدر اليوم. وإن هذا البيان أثار تساؤلاً في نفسه عن جدوى المنظمة، ما دامت مرتبطة بالمجال العربي الرسمي. وقال إن رفضه البيان، يعود إلى أن بورقيبة، قد دعا إلى الصلح مع إسرائيل، "وهذا ما لم يفعله عربي من قبل وما اعتقد أن عربياً سيفعله من بعد". وإن بورقيبة نادى بالمفاوضة مع إسرائيل، وهو أمر رفضه شعب فلسطين، ومعه الأمة العربية، منذ عام 1919. كما أنه دعا إلى التعايش والتعاون مع إسرائيل، وعد تحرير فلسطين عملاً عدوانياً، وحرباً غير مشروعة شبّهها بالعدوان الثلاثي على مصر سنة 1956.

رد الفعل الفلسطيني، في الدورة الثانية لمجلس رؤساء الحكومات العربية

       وفى 26 مايو 1965، انعقد المؤتمر الثاني لمجلس رؤساء الحكومات العربية، وتخلفت تونس عن الحضور، بسبب وضع "تصريحات الرئيس التونسي" على جدول الأعمال، طبقاً لما جاء في مذكرة تونسية إلى الأمانة العامة للجامعة. وقد تضمن جدول الأعمال "جميع المسائل السياسية والعسكرية والفنية والمالية والاقتصادية، التي تهم الدول العربية". وأولاها موقف الرئيس بورقيبة وتصريحاته المتكررة في صدد القضية الفلسطينية، والتحرشات الإسرائيلية بمواقع العمل في مشروعات استثمار نهر الأردن وروافده، في الأراضي العربية.

       وفى اجتماع بتاريخ 27 مايو، بحث المجلس عدداً من "مشروعات بقرارات" تتعلق بالموقف من تصريحات الرئيس بورقيبة. وقد تراوحت هذه المشروعات بين مشروع منظمة التحرير، القاضي بإسقاط عضوية تونس من كل من الجامعة العربية ومؤتمرات القمة، إلى مشروع سوري بإسقاط عضوية تونس من مؤتمر القمة، إلى مشروع سوداني بتأكيد قرارات مؤتمرات القمة السابقة، الخاصة بقضية فلسطين، مع التنديد بموقف الرئيس التونسي منها، ورفض أي صلح مع إسرائيل.

       وقد تواصلت مناقشة صيغة القرار، الخاص بتصريحات الرئيس بورقيبة، خلال اجتماعات المجلس في جلسات يوم 28 مايو، إلى أن تقررت الموافقة على مشروع القرار المقدم من وفد السودان. وقد كان من نتيجة ذلك، أن انسحب أحمد الشقيري من الاجتماع، معلناً أن القرار المتخذ غير كافٍ لمقابلة موقف الرئيس بورقيبة، وأعلن اعتذاره عن الاستمرار في تمثيل فلسطين، ومنظمة التحرير الفلسطينية.

المؤتمر الوطني الفلسطيني الثاني

       عقد المجلس الوطني الفلسطيني دور انعقاده الثاني في القاهـرة، خلال الفترة من 31 مايـو حتى 4 يونيه 1965، وحضره الرئيس جمال عبدالناصر. وأصدر المجلس مجموعة من القرارات السياسية، كان أهمها القرارات الخاصة بتصريحات الحبيب بورقيبة، والتي تتلخص في الآتي:

1 . يعلن المجلس الوطني الفلسطيني، أن تصريحات الحبيب بورقيبة خيانة عظمى للقضية الفلسطينية، وخروج على الاجتماع العربي، وافتئات على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وقد بادر هذا الشعب، في كل مكان، إلى الإعراب عن بالغ سخطه واستنكاره لهذه التصريحات، بمختلف الوسائل. وأن المجلس الوطني الفلسطيني، يرفض هذه التصريحات، جملة وتفصيلاً.

2. يؤيد المجلس الوطني الفلسطيني، تأييداً تاماً، رئيس اللجنة التنفيذية، الأستاذ أحمد الشقيري، في موقفه من تصريحات الحبيب بورقيبة، ذلك الموقف الذي اتخذه أمام لجنة ممثلي الملوك والرؤساء، وأمام مجلس رؤساء الوزراء العرب. وسجل المجلس تقديره لهذا الموقف الحازم.

3 . يؤكد المجلس ثقته بوعي الشعب التونسي الشقيق، وإدراكه حقيقة القضية الفلسطينية، واستعداده للقيام بدوره في سبيل تحرير فلسطين.

4. يشكر المجلس دولة الكويت، للقرار الوطني الذي أصدرته بقطع المعونة عن تونس، نظراً إلى موقف الرئيس بورقيبة من قضية فلسطين.

       وقد ألقى أحمد الشقيري خطاباً في هذا المؤتمر، الذي افتتحه الرئيس جمال عبدالناصر، في قاعة الاجتماعات الكبرى، بجامعة القاهرة، مساء 31/5/1965، قال فيه: "إننا رفضنا مقترحات الرئيس بورقيبة، ورفضتها معنا الدول العربية". وأضاف "أن شعب فلسطين يرفض التقسيم أو التوطين، يرفض التعايش السلمي مع إسرائيل أو الصلح معها، ليس عن عاطفة، ولكن عن تفكير هادئ". وأضاف "أن بورقيبة يطالبنا بأن نكون على الحياد، ولا نتدخل في الخلافات بين الدول العربية". وقال "إننا نريد أن نكون على الحياد حقاً في الخلافات العربية. لكن لا يمكننا أن نكون على الحياد، بالنسبة إلى قضية فلسطين. وإننا مع الدول التي تكون مع فلسطين. وإن كل ملك أو رئيس دولة، لا يؤيد قضية فلسطين، فإننا لا نسير معه".

برقية الهيئة العربية العليا لفلسطين، إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية

       وفى 28 أبريل 1965، أرسلت الهيئة العربية العليا لفلسطين برقية إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، حول عقد اجتماع عربي على أعلى المستويات. وفي ما يلي نص البرقية:

        "إن الشعب العربي الفلسطيني، صاحب الحق الأصيل في تقرير مصيره، بات يشعر بقلق شديد، وخطر بالغ على مستقبل قضية القدس، نتيجة للتصريحات الصادرة، أخيراً، عن غير مسؤول عربي، والتي تثير الشكوك حول خطة مدبرة لتصفية قضية فلسطين. ويكرر استنكاره الشديد، ورفضه القاطع لجميع أنصاف الحلول، كالتقسيم والتوطين، والتدويل والتعويض، ويطالب بعقد اجتماع عربي على أعلى المستويات، لوضع ميثاق قومي علني صريح، خاص بتحرير فلسطين، تلزم به جميع الدول العربية، ولرسم خطة موحدة لتنفيذ هذا الميثاق. ويطالب بإطلاق يده لإنشاء كيانه الشعبي الحقيقي، الذي يجمع كافة قواه المناضلة، وينطلق باسمه، عن جدارة، لإحباط مؤامرة التصفية، وتعبئة طاقاته للقيام بدور الطليعة في معركة التحرير".

ثانياً: ردود الفعل في الجمهورية العربية المتحدة

       وفى أعقاب ما أذيع من تصريحات للرئيس التونسي، بورقيبة، حول فلسطين، أمام أعضاء المكتب القومي للطلبة التونسيين، والتي دعا فيها عرب فلسطين إلى التفاوض مع إسرائيل، على أساس تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وقبول الوجود الإسرائيلي في فلسطين، ظهرت "الأهرام"، في عددها الصادر في 23 أبريل، لتعلن "موقف" القاهرة من "المؤامرة". وقالت إن تصريحات بورقيبة الأخيرة، "تقطع كل حيرة"، وتوضح، للمرة الأولى، أن الرئيس التونسي، بورقيبة "يتحرك وفق خطة مرسومة، جرى تنسيقها،  ووضعها، بواسطة قوى الاستعمار الغربي، تآمراً على قضية المصير العربي كله". وذكرت "الأهرام" أن القاهرة، أصبحت ترى "أن الأمر لا يمكن السكوت عليه"، وأنها قررت طلب إدراج "موضوع هذه التصريحات ودلالاتها وآثارها" في جدول أعمال مؤتمر رؤساء الحكومات العربية، الذي سيعقد في شهر مايو في القاهرة. وأضافت أن الدوائر في القاهرة، تعتقد أن نتيجة بحث هذه التصريحات في المؤتمر، "سوف يتوقف عليها كل سياسة مؤتمرات القمة". وأنه ما لم يتضح الموقف في هذا المؤتمر، بطريقة قاطعة، "فإن القاهرة سوف تجد حتماً عليها أن تصل إلى قرار في شأن اشتراكها في مؤتمر القمة العربي، المنتظر عقده في المغرب، في شهر سبتمبر القادم، فإن هذا المؤتمر، لا يصبح له، باشتراك بورقيبة فيه، أي قيمة". وقالت "الأهرام": "إنه إذا جاز الحكم على أساس التصريحات المنقولة عن الرئيس التونسي، فإن المكان الذي اختار الوقوف فيه، لا يسمح للجمهورية العربية المتحدة، بأن تشترك معه في مداولات سياسية، تمس الحاضر العربي والمستقبل العربي، ولا يسمح لها أيضاً، بأن تترك أي سر من أسرارها الدفاعية يصل إليه، خصوصاً في مرحلة حرجة حاسمة كالمرحلة الحالية.

       ونشرت "الأهرام"، في عددها الصادر في 25 أبريل 1965، نص برقية بعث بها السيد حافظ محمود، نقيب الصحفيين في الجمهورية العربية المتحدة، إلى الرئيس التونسي، طالبه فيها، باسم النقابة، "تصحيح الآراء الخاطئة"، التي صدرت عنه في قضية فلسطين. "وهي الآراء التي رفضها الضمير العربي، لما فيها من إساءة، لا إلى شعب فلسطين فقط، بل وبالذات إلى شعب تونس الحر بين أشقائه الأحرار". كما أشارت إلى بيان، أصدره السيد مصطفى البرادعي، نقيب المحامين في الجمهورية العربية المتحدة، استنكر فيه، باسم النقابة، تصريحات الرئيس بورقيبة، وأعرب عن أسف الشعب العربي "أن يكون بين حكامه من يجرؤ على مثل هذه النوايا، والتي يجب أن يوضع لها حد زاجر". كما نشرت "الأهرام"، في عددها نفسه، بياناً للبابا، كيرلس السادس، بابا الأسكندرية وسائر أفريقيا، بمناسبة عيد القيامة المجيد، أعلن فيه أن الحل الوحيد لقضية فلسطين، هو إعادة أرض فلسطين إلى أصحابها الأصليين. وقال إنه على العالم المسيحي، "الذي تدفعه الأهواء السياسية إلى تأييد إسرائيل"، أن يدرك التعاليم السامية والسماوية، التي نادى بها السيد المسيح، من أنه "ما من دولة قامت بحد السيف، إلاّ هوت بحد السيف".

       وفى 27 أبريل 1965، ناقش مجلس الأمة تصريحات بورقيبة الأخيرة، وطالب عدد كبير من الأعضاء، بطرد حكومة تونس من الجامعة العربية، ومن مؤتمرات القمة، وبسحب السفير العربي من تونس.

       وألقى السيد محمود رياض، وزير الخارجية، بياناً مسهباً بتصريحات بورقيبة، قال في نهايته، "إن الرئيس التونسي، لا يستطيع الجمع بين صفته كعربي، وصفته كوسيط في هذه القضية المقدسة، خاصة أن الوسطاء، حتى الآن، في هذه القضية، كانوا من الدول التي عملت على إقامة إسرائيل". كما أعلن أن الحكومة، قررت سحب سفيرها من تونس.

       وأصدر مجلس الأمة قراراً جماعياً، في نهاية الجلسة، طلب فيه من الحكومة "ضرورة العمل على تحديد موقف عربي حازم من رئيس الجمهورية التونسية، وكل خروج على إجماع العرب، وما يتعاهدون عليه من خطط للعمل القومي".

       وفى 28 أبريل، خرجت تظاهرات في القاهرة، استنكاراً لتصريحات الرئيس بورقيبة، وحاصرت سفارة تونس وحاولت إحراق منزل السفير التونسي. إلا أنها رُدت عن ذلك، بعد اشتباكها بقوات الشرطة، مما أدى إلى وقوع خمسين إصابة من المتظاهرين ورجال الشرطة.

خطاب الرئيس عبدالناصر في مناسبة عيد العمال

       وفى عيد العمال، الأول من مايو 1965، ألقى الرئيس عبدالناصر خطاباً سياسياً، تحدث فيه عن مبادرة الولايات المتحدة الأمريكية الجديدة بتسليح إسرائيل، وقال "إن الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت وراء إنشاء إسرائيل، تشجعها اليوم على العدوان، وتحقيق مطامعها التوسعية من طريق تزويدها بالسلاح. ورفض حجة الغرب في تسليح إسرائيل، التي تقوم على أساس توازن القوى بينها وبين الدول العربية مجتمعة". وقال "سنظل دوماً في مركز التفوق على إسرائيل، لأن العرب يملكون القوة البشرية، التي تمكنهم من تجنيد مليونين أو ثلاثة ملايين من الجنود، إلاّ أن ذلك يحتاج إلى القوة الذاتية، القائمة على العمل". ثم تحدث عن تصريحات الرئيس بورقيبة، الخاصة بفلسطين، والتي كانت "صدمة عنيفة للأمة العربية، في الوقت الذي تمر فيه قضية فلسطين بمرحلة حاسمة". وأشار إلى ارتباط بورقيبة بقرارات مؤتمرَي القمة، الأول والثاني، اللذين حددا الهدف العربي النهائي بتحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني. وقال "إن تصريحات بورقيبة ومقترحاته، تعني التعايش السلمي مع إسرائيل، وإن هذا الكلام يضعف قضية فلسطين، على الرغم من أن الشعب العربي كله، قد رفضه". وأضاف "أن اقتراح بورقيبة التفاوض مع إسرائيل، والتعايش معها، قد قوبل بالتهليل في الغرب، وفي إسرائيل، لأن ذلك هو تماماً ما تريده إسرائيل والغرب". وقال "إن منطق بورقيبة وكلامه، لا يخدمان القضية العربية، ولكنهما يخدمان فقط قضية إسرائيل وقضية الاستعمار. وأن قضية فلسطين، هي قضية الشعب العربي كله، وأنه سيأتي اليوم، الذي سيجند فيه العرب مليونين أو ثلاثة ملايين، ليحرروا فلسطين، ويستعيدوا حقوق شعب فلسطين، مهما كانت كمية السلاح، التي تمنحها الدول الغربية لإسرائيل" (انظر ملحق خطاب الرئيس جمال عبد الناصر في عيد العمال).

       وفى 16 مايو 1965، نشرت جريدة "الأهرام" تفاصيل المؤتمرات، التي عقدت في الجمهورية العربية المتحدة وقطاع غزة، بمناسبة يوم 15 مايو، الذي وصفه كمال رفعت، نائب رئيس الوزراء، بأنه "يوم اليقظة العربية، لا النكبة الفلسطينية". كما وصف تصريحات بورقيبة بأنها محاولة صريحة، لتثبيت أقدام الاستعمار في الشمال الأفريقي، بل محاولة أكثر صراحة لتسليم الوطن العربي كله إلى "استعمار جديد". وتحدث السيد حسن صبري الخولي، الممثل الشخصي للرئيس عبدالناصر، فقال "إن بداية نكبة فلسطين، تعود إلى اليوم الأول لانعقاد مؤتمر بال الصهيوني في عام 1897". وقال "إن اتفاق عشر دول عربية على قطع العلاقات مع حكومة ألمانيا الغربية، لمناصرة حرية شعب فلسطين وعودته، هو انتصار لا يمكن أن تؤثر فيه الخيانة أو الرجعية أو المساومات البورقيبية". وقد عقدت "إدارة المدرعات" بالقوات المسلحة، ندوة قومية، في مناسبة هذه الذكرى، حضرها عدد كبير من القادة وضباط الصف والجنود.

البيان المشترك للقيادة السياسية الموحدة

       وفى 25 مايو، صدر بيان القيادة السياسية الموحدة للجمهورية العراقية والجمهورية العربية المتحدة، أثر انتهاء اجتماعاتها في القاهرة، في حضور كل من الرئيس عبد السلام عارف والرئيس جمال عبدالناصر. وقد تضمن البيان تقدير "القيادة" لموقف دول عدم الانحياز، والدول التي ارتضت الوقوف، في قضية فلسطين، "إلى جانب العدالة والحق". كما تضمن استنكار "موقف الرئيس التونسي، بورقيبة، الذي يخدم الاستعمار والصهيونية". ونص البيان، كذلك، على تمسك "القيادة" بقرارات مؤتمر القمة العربي الثاني، "في ما يختص بخطة العمل العربي الجماعي في تحرير فلسطين، التي قررت أن الهدف العربي القومي هو القضاء على إسرائيل، والهدف العاجل، هو تعزيز الدفاع العربي، على وجه يؤمن للأقطار العربية، التي تجري فيها روافد نهر الأردن، حرية العمل العربي في الأرض العربية". كما نص على اعتبار شعب فلسطين "طليعة النضال في منظمة التحرير الفلسطينية، وتزويدها بكافة الإمكانيات المادية والمعنوية[1].

خطاب الرئيس جمال عبدالناصر في المؤتمر الوطني الفلسطيني الثاني (انظر ملحق خطاب الرئيس عبد الناصر في المؤتمر الوطني الفلسطيني الثاني)

ألقى الرئيس عبدالناصر، في 31 مايو 1965، خطاباً سياسياً جامعاً، اقتصره على فلسطين، وذلك في جلسة افتتاح المؤتمر الوطني الفلسطيني الثاني، المنعقد في القاهرة. فتحدث، أولاً، عن مشاعر الضيق والمرارة والشك واليأس، التي تنتاب كثيراً من المواطنين الفلسطينيين والعرب، بسبب التناقضات القائمة في الوسط العربي، ونتيجة استغلال الاستعمار لهذه المتناقضات وتغذيتها. وذكر الرئيس عبدالناصر، في خصوص موضوع بورقيبة، النقاط الرئيسية التالية:

1. ضِيق كثير من الفلسطينيين من عدم تناسب القرار، الذي صدر عن رؤساء الحكومات العربية، رداً على تصريح الرئيس بورقيبة.

2. دعا الدول العربية إلي مقاطعة الرئيس التونسي، لأن موقفه يُعد هجومًا على القيادة العربية الموحدة وتشكيكًا فيها.

3. إن الفلسطينيين أصبحوا هدفًا لحملات مستمرة من داخل العالم العربي وخارجه.

4. أعرب عن إحساسه بوجود تناقضات، تتعلق بقضية فلسطين، ووجوب تحديد المواقف المختلفة تجاهها.

5. إن الصحف والإذاعات، قد خلقت جوًا من البلبلة للفكر العربي تجاه قضية فلسطين، بغرض المزايدة والكسب.

6. بسبب سوء عرْض قضية فلسطين، ممّن يبيعون الوطن العربي للاستعمار والصهيونية، ساعد ذلك على إحداث جو من اليأس في الحاضر والمستقبل.

7. إن بورقيبة يتخذ خطًا، يخدم الصهيونية والاستعمار، وما على الشعب العربي إلا النضال والكفاح من أجل آماله، وإفساد خطط الصهيونية.


 



[1]  أُنشئت هذه القيادة بين العراق و الجمهورية العربية المتحدة بموجب الاتفاق المعقود بين البلدين في 16 أكتوبر 1964. والبيان المذكور صدر إثر الاجتماعات الأولى لهذه القيادة، التي عقدت في القاهرة، في الفترة من 19 حتى 25 مايو 1965، في حضور وفد الجمهورية العربية المتحدة، برئاسة الرئيس جمال عبدالناصر ووفد الجمهورية العراقية، برئاسة المشير عبد السلام عارف.