إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الحرب الباردة









المبحث الخامس

المبحث الخامس

انتقال الصراع في الحرب الباردة إلى الشرق الأوسط

       منذ بدأت الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي في عام 1947، تقوم استراتيجية الغرب، على فكرة حصار الاتحاد السوفيتي والدول التابعة له داخل نطاق الأحلاف والتكتلات المعادية للشيوعية والموالية للغرب، وبذلك أصبحت سياسة إنشاء الأحلاف مكوِّنة للخط الرئيسي في سياسة الغرب في قيام توازن للقوى في مصلحته عن طريق هذه الأحلاف التي تسمح بإحاطة الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية وعزلهما، وفي ضوء هذه السياسة قام حلف شمال الأطلسي وحلف جنوب شرق آسيا.

       وقد كان طبيعياً ومنطقياً لسياسة الغرب النظر إلى منطقة الشرق الأوسط، بحكم موقعها الجغرافي ومواردها الاقتصادية وخاصة البترول، منطقة تخدم سياسة توازن القوى المرسومة، وتشكل حلقة رئيسية فيها. ولذلك كان توازن القوى يتطلب من القوى الغربية:

1. السيطرة على هذه المنطقة وإخضاعها لنفوذها ضماناً للمحافظة على مصالحها الاقتصادية وأهمها البترول.

2. إنشاء حلف يضم دول المنطقة لتكمل حلقة الحصار المضروبة حول الاتحاد السوفيتي. وسعى الغرب إلى وسائل معينة لتحقيــق أهداف إستراتيجيتـه في الشرق الأوسـط كان أهمها:

أ.       تحطيم القوى القومية الموجودة في المنطقة والتي تمثل أكبر خطر يهدد مشروعاته.

ب.     منح الاستقلال لدول المنطقة في الإطار الذي لا يتعارض والمصالح الغربية حتى لا تسبب هذه الدول إزعاجاً مستمراً للغرب وتقف في طريقه.

ج.      إدخال إسرائيل منذ عام 1948، عاملاً أساسيًا في توازن القوى داخل منطقة الشرق الأوسـط، والعمل من طريقها إما إلى ازدياد الخلافات العربية، إذا ما اقتضت المصلحـة ذلك، أو التظاهر بالوحدة، إذا حتمت ذلك الظروف، ولكن المطلوب في كلا الحالتين، ألا تجور قوة عربية على أخرى، وألا يتوافر الاستقرار في هذا الجزء من العالم.

العقبات التي واجهها الغرب:

       ولم يكن من السهل على الغرب تحقيق ما تقدم من أهداف لأنه واجه عدة عقبات رئيسية نستطيع أن نحددها فيما يلي:

1. قيام حركات التحرر من جانب الشعوب العربية للتخلص الكامل من سيطرة الاستعمار البريطاني والفرنسي، إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية، وقيام الأمم المتحدة، وكان التيار القومي الذي اكتسح المنطقة جارفاً، وأقوى من أن تتجاهله بريطانيا وفرنسا، وولد هذا، بالضرورة، الشعور بعدم الثقة في أي مشروعات يقدمها الغرب وارتبط ذلك بشعور من التحدي والعناد، ظهرت آثاره في أن الاستعمار الذي تمثله بريطانيا وفرنسا، أصبح العدو الأول لشعوب تلك الدول، ولم يكن من الممكن، إقناع الشعوب العربية بأن هناك عدواً آخر ـ وهو الاتحاد السوفيتي ـ يهددها، وأن من مصالحها التحالف مع الغرب عليه.

2. قيام ثورة 23 يوليو 1952 في مصر وأثرها في قضيتين رئيسيتين:

الأولى: بعث القومية العربية بين شعوب المنطقة، وأصبحت اتجاهاً قومياً واضح المعالم يتطلع إلى تحرير الوطن العربي من كافة ما يقيده، ويستهدف تحقيق الوحدة العربية في إطار من الاستقلال الكامل عن كل ما يحد حرية العمل المصري.

الثانية: أن مصر اتخذت منذ قيام الثورة اتجاهاً جديداً في سياستها الخارجية يقوم على الحياد الإيجابي بين المعسكرين، على أساس عدم وجود مصلحة لدول الشرق الأوسط في الدخول في ميدان الصراع الدولي، وفي الانضمام إلى إحدى الكتلتين، وجاء مؤتمر باندونج ليؤكد تصميم مصر على انتهاج هذه السياسة ونجاح تطبيقها، وكان لذلك صداه بين الشعوب العربية التي رأت للمرة الأولى اتجاهاً سياسياً ذاتياً يبرز في المنطقة، وبدأت تدرك مدى ملاءمة هذا الاتجاه السياسي لأوضاعها وتحقيقه لمصالحها.

3. المشكلات السياسية القائمة في المنطقة وعلى رأسها إسرائيل، وقد خلقها الغرب، وتولى بعد ذلك تأييدها ومدها بأسباب الحياة. وأدى ذلك إلى ازدياد حدة الصراع بين الشعوب العربية والغرب، وصارت المعركة محتدمة بين القومية العربية وقوى الاستعمار وازداد الشعور العدائي للغرب.

4. المشكلات الأخرى مع الغرب، وكان على رأسها الاستعمار الفرنسي في شمال أفريقيا، والاستعمار البريطاني في الجنوب العربي، والقواعد العسكرية في المنطقة، والاحتكارات الغربية القائمة، ومشكلة قناة السويس والتي تمثلت في الرفض التحكمي لمطالب الحكومة المصرية المعتدلة.

توقيع الحكومة البريطانية معاهدة الجلاء:

       كانت الحكومة البريطانية قد اضطرت إلى التوقيع على معاهدة الجلاء عن مصر في 19 أكتوبر 1954، فاستولى الفزع على إسرائيل، حتى أن موسى شاريت رئيس وزرائها ووزير خارجيتها صرح في الكنيست الإسرائيلي "بأن معاهدة الجلاء عن مصر معناها أن بريطانيا تتخلى عن إسرائيل وتتركها لمصيرها المحتوم، إذ لن يصبح لها مكان بين دول الشرق الأوسط. وأنحى كذلك باللائمة على الولايات المتحدة الأمريكية لأنها شجعت الاتفاق".

       وبدأت إسرائيل سلسلة من الاعتداءات اتسم بعضها بالغزو المسلح. كالهجوم على غزة في 28 فبراير 1955، وعلى خان يونس في 31 أغسطس، وعلى الكونتلا في 28 أكتوبر وعلى الصبحة في 2 نوفمبر 1955.

       وأمام تلك الاعتداءات المتكررة، رأت مصر أن تطرق كل باب لتزويد جيشها بالسلاح، ورأى الرئيس جمال عبد الناصر أن يبدأ بطلب السلاح من الدول الغربية. طلبه من إنجلترا فأخذت تراوغ كعادتها وتشترط الشروط، وتطالب مصر بأن تنضم إلى حلف بغداد، وطلبه من الولايات المتحدة الأمريكية فلم يتلق أي جواب.

       وعرضت حكومة الاتحاد السوفيتي مساعدتها على مصر، مساعدة غير مشروطة ولا مقيدة، بأن تمدها بالسلاح، إما من طريقها مباشرة، أو من طريق تشيكوسلوفاكيا، وتمت مع الأخيرة صفقة الأسلحة في أكتوبر 1955، وحطمت مصر بذلك احتكار السلاح.

       ولقد كان لهذا النبأ أثره البالغ في واشنطن ولندن، ووقف هارولد ماكميلان ـ وزير خارجية بريطانيا آنذاك ـ في الاحتفال بافتتاح المجلس الدائم لحلف بغداد يقول: "إن أهم نتيجة لصفقة الأسلحة التي عقدتها مصر مع الاتحاد السوفيتي هي أن بريطانيا أصبحت تشعر أكثر من ذي قبل أن من واجبها أن تؤيد أصدقاءها وتمد لهم يد المعونة".

السد العالي والحرب الباردة:

       كانت مصر منذ عام 1953 تخطط للتنمية الإنتاجية وزيادة الدخل القومي، وكان السؤال الذي واجه حكومة مصر إذ ذاك هو كيف يمكن، اقتصادياً، سد احتياجات السكان الذين يتزايدون سنوياً بنسبة تراوح بين 2.5-3%، فاتجهت إلى مشروع بناء السد العالي، ورأت أن تبدأ بالاتصال بالبنك الدولي الذي أنشئ لمثل هذا الغرض، لتمويل المشروع. إلا أن القائمين بالأمـر في البنك أخذوا يضعون العراقيل، ويتلمسون الأسباب للتهرب من المعاونة في تمويل المشـروع، وقالوا "إن تمويل المشروع يحتاج لتذليل بعض العقبات أولها أن على مصر أن تنهى خلافاتها مع إسرائيل وبريطانيا، وكذلك حل مشكلة مياه النيل مع السودان".

       وفي يونيه 1956 زار مصر وزير خارجية الاتحاد السوفيتي لكي يعرض على الرئيس جمال عبد الناصر مساعدة حكومته لمصر في جميع الميادين، وادعى أن كل المعاونات الروسية ستكون دون قيد أو شرط، وأن تكون القروض طويلة الأجل، لا ترهق مصر ولا تقيدها بأي قيد سياسي أو مذهبي، بل كل ما يهدف إليه الاتحاد السوفيتي هو مساعدة دولة ناهضة، تحافظ على كرامتها وتعتز باستقلالها.

       وأعلنت مصر أنها "ترغب في الاتفاق مع الغرب على تمويل مشروع السد العالي، بعد أن وصلت إلى اتفاق مع السودان، وأن الأمر الآن يتوقف على نية الدول الغربية". وفي الوقت الذي صدر فيه هذا التصريح باستعداد مصر لقبول عرض الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي، كان أعضاء الكونجرس الأمريكي يوجهون أفظع النقد لمشروع المعاونة الغربية لمصر.

       وفي 19 يوليه 1956 أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في بيان أنها تنسحب من مشروع التمويل المتفق عليه، وهو بيان تعمد فيه دالاس أن يجرح الاقتصاد المصري، ويشكك في مركز مصر المالي، ويدعي فيه أن "التطورات التي حدثت خلال السبعة أشهر الأخيرة لا تشجع على نجـاح مشروع السد العالي".

       وفي اليوم التالي 20 يوليه 1956، حذت إنجلترا حذو الولايات المتحدة كما كان متفقاً بينهما. وفي مساء اليوم نفسه أعلن مدير البنك الدولي أن البنك لم يعد في قدرته المضي في القرض بعد انسحاب كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا.

       وردت مصر على ذلك بأن أعلن رئيس الجمهورية في 26 يوليه 1956، تأميم شركة قناة السويس، وانتقال جميع ما للشركة من أموال وحقوق، وما عليها من التزامات إلى الدولة، وحل جميع الهيئات واللجان القائمة وقتئذ على أدائها، وتعويض المساهمين. وأن تشكل هيئة مستقلة تتولى إدارة مرفق المرور بالقناة، كما نص القرار على تجميد أموال الشركة وحقوقها في مصر والخارج، وحظر على البنوك والهيئات والأفراد صرف أي مبلغ منها، وأصبح على جميع موظفي الشركة المؤممة ومستخدميها وعمالها أن يستمروا في أداء أعمالهم.

       كان أول رد فعل لذلك القرار المصري أن الحكومة البريطانية قررت تجميد ما كانت تملكه شركة قناة السويس من أموال واستثمارات في بريطانيا، وكان الهدف من ذلك القرار الحيلولة دون استيلاء هيئة قناة السويس المصرية الجديدة على تلك الأموال والاستثمارات، تنفيذاً لقرار التأميم. أما موقف الولايات المتحدة، فقد أصدرت قراراً من جانبها بتجميد رؤوس الأموال المصرية عندها.

مؤتمر المنتفعين:

       تقرر عقد مؤتمر للمنتفعين بقناة السويس في 16 أغسطس 1956 في لندن، وبلغ عدد الدول التي دعيت إليه أربعًا وعشرين دولة، ثمان منها هي الدول الموقعة على الاتفاقية الصادرة في 29 أكتوبر 1888 "اتفاقية القسطنطينية"، وهي مصر وفرنسا وإيطاليا وهولندا وأسبانيا وتركيا وبريطانيا وروسيا، وست عشرة دولة أخرى وقع عليها الاختيار، ولكن مصر أعلنت أنها لن تشترك في المؤتمر.

       وقد تمخض مؤتمر لندن عن انقسام في الرأي، إذ رأت ثماني عشرة دولة تكوين لجنة دولية لإدارة القناة، وعارضت في ذلك الهند وإندونيسيا وسيلان والاتحاد السوفيتي، مؤيدة حق مصر في التأميم والإشراف على قناتها بوصفها دولة ذات سيادة، وهدد المندوب الروسي "شبيلوف" مندوبي الدول بأن الإجراءات العسكرية التي قد تتخذها بريطانيا وفرنسا ستؤدي إلى تهديد السلام ليس في الشرق الأوسط فحسب بل في خارج الحدود".

       وتقرر عرض القضية على مجلس الأمن الذي بدأ مناقشتها في 5 أكتوبر 1956، وقد استنكر أغلب أعضاء المجلس فكرة الالتجاء إلى القوة، وقرر الأسس التي يجب أن تكون هادياً في مشكلة قناة السويس، وفوض مجلس الأمن السكرتير العام للأمم المتحدة داج همرشولد، أمر حل القضية بالطرق السلمية، واقترحت مصر عقد الاجتماع في جنيف، وتركت تحديد موعده لكل من فرنسا وبريطانيا.

       جرت اتصالات كثيرة بين الحكومتين البريطانية والفرنسية والولايات المتحدة لإقناع الأخيرة بأن خطر الشيوعية أصبح يتمثل في مصر ويتسرب منها إلى شمال إفريقيا. وعندما دقت ساعة الصفر للعدوان الثلاثي، في 29 أكتوبر 1956 رفضت الولايات المتحدة تأييد الهجوم، وفي الوقت نفسه هدد الاتحاد السوفيتي بضرب المعتدين بالصواريخ إذا لم يتوقف العدوان. وفشل العدوان، وانتصرت مصر في النهاية. وقد وصف الرئيس جمال عبد الناصر هذا الانتصار بقوله: "رفع الاستعمار يده، وانسحب ذليلاً، وقد تدلت أذناه وكسر أنفه، وتمرغت كبرياؤه في تراب بورسعيد، وخرجنا من المعركة وقد ازدادت الأرض صلابة تحت أقدامنا، وبدأنا ننطلق بكل قوتنا إلى المعركة الأصيلة، معركة البناء".

       وقد أثار ذلك العدوان أخطر أزمة عالمية منذ الحرب الكورية، وأثر أثراُ بالغاً في اقتصاد بعض الدول الكبرى ولا سيما في البترول. فأدى وقف نقل البترول من طريق قناة السويس، ومن طريق أنابيب البترول التي خربها العرب في الأراضـي السورية واللبنانية، إلى حرمان أوروبا من ثلاثة أرباع ما تحتاج إليه من البترول وهدد الاقتصاد الأوروبي. وقد حاولت الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينيـة مد أوروبا بما تقتضيه الظروف من زيت البترول، ولكن كانت الولايات المتحدة من جانبها قد تضررت من إغلاق قناة السويس لأنها تستورد زيت البترول كذلك من البلاد العربية، ولها شركات تعمل في هذا الميدان في الظهران بالمملكة العربية السعودية وغيرها من البلاد العربية.

       وازداد موقف إنجلترا وفرنسا وإسرائيل حرجًا، إذ أحست حكوماتها بالعزلة السياسية، وخصوصاً بعد أن اضطرت الولايات المتحدة أن تعمل ـ ولو مؤقتاً ـ بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي ضد حلفائها؛ حتى تم جلاء المعتدين عن الأراضي المصرية.

الاقتراحات السوفيتية ومشروع أيزنهاور:

       لم تقدم الولايات المتحدة أي عون مباشر إلى حليفاتها في المغامرة العسكرية ضد مصر. ولقد أيدت كذلك المطالبة بسحب القوات الأجنبية من الأراضي المصرية. وكان السبب في موقف الولايات المتحدة هذا أنها كانت راغبة في أن تحل محل بريطانيا وفرنسا في الشرق الأوسط. يضاف إلى هذا أن واضعي السياسات الأمريكية كانوا يعرفون أن تضامن بلادهم الصريح مع الدول المعتدية سيؤدى إلى تحطيم مكانتها في آسيا وأفريقيا. ومع ذلك فقد دعمت الولايات المتحدة حليفاتها بصورة غير مباشرة، أملاً منها بأن تتمكن الدول المعتدية من هدم حركة التحرر الوطني. وقد عمل الوفد الأمريكي في الأمم المتحدة، على إحباط قرار يدمغ بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بالعدوان. يضاف إلى هذا أن حكومة واشنطن رفضت الاقتراح السوفيتي باتخاذ عمل مشترك ضد المعتدين.

       وأقر الكونجرس الأمريكي في يناير 1957 ما سمي بمشروع أيزنهاور لملء الفراغ، أو مبدأ أيزنهاور (انظر ملحق مبدأ أيزنهاور). وخوَّل المجلس الرئيس أيزنهاور الصلاحيات لإرسال أية قوات إلى أي بلد في الشرق الأوسط للتصدي لما سمي بالشيوعية الدولية. ورصدت اعتمادات سنوية قيمتها مائتا مليون دولار لتقديم المعونة الاقتصادية إلى حكومات الشرق الأوسط الراغبة في مقاومة "النشاط الهدام" أي لإخماد الحركة المناهضة للإمبريالية.

       ومثل مشروع أيزنهاور تدخلاً مقنعاً في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسـط. وحمل في طياته التهديد بتوتر الوضع من جديد في المنطقة.

       وبذل الاتحاد السوفيتي قصارى جهوده للحيلولة دون وقوع هذا التطور. ودعت الحكومة السوفيتية في فبراير 1957، الدول الغربية لتوقيع التزام مشترك بتسوية مشكلات الشرق الأوسط بالوسائل السلمية دون غيرها، تلك الوسائل المرتكزة إلى احترام سيادة دوله، وإزالة القواعد العسكرية الأجنبيـة من أراضيها، وعدم إقحامها في أية أحلاف عسكرية، ومنع توريد الأسلحة إليها، وتقديم المعونات الاقتصادية الخالية من الشروط السياسية إليها.

       وكان هدف الاقتراح السوفيتي تشجيع التنمية والتطور في الشرق الأوسط، وتحويله إلى منطقة سلام في العالم. ومع ذلك فقد رفضت الحكومات الغربية البرنامج السوفيتي، الذي كان يمهد الطريـق إلى إيجاد تسوية مقبولة. ورفضت هذه الدول كذلك التوقيع على إعلان مشترك ينص على عدم استخدام القوة في حل مشكلات الشرق الأوسط، على النحو الذي اقترحته المذكرة السوفيتية في التاسع عشر من أبريل 1957. وكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها برفضها هذا، تأمل كما كانت تأمل دائماً في فرض الشكل الذي تريده للمنطقة بالقوة.

المحاولات الأمريكية لاقتحام الشرق الأوسط:

       حزمت الحكومة الأمريكية أمرها على ضمان السيطرة على دول الشرق الأوسط باتفاقيات غير متكافئة تستند إلى مشروع أيزنهاور. ولكن عدداً من الدول العربية، بينها سورية ومصر رفضت قبول التعاون العسكري مع الولايات المتحدة. وشرعت واشنطن، رغبة منها في تحطيم مقاومة سورية في إعداد عملية تدخل مسلح ضدها. وتم حشد جيش قوامه خمسون ألف جندي وخمسمائة دبابة على الحدود السورية ـ التركية. وشرعت إسرائيل بتحريض من الولايات المتحدة في افتعال حوادث على حدود سورية. وعاد خطر الحرب إلى الظهور بصورة قوية في الشرق الأوسط.

       وقام الاتحاد السوفيتي بالتصدي للمحاولات الأمريكية، حيث وجه في الثالث من سبتمبر 1957 نداء إلى الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية بالامتناع عن استخدام القوة أو التدخـل في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط، مذكراً إياها بمصير مغامرة السويس. وساعد هذا الموقف على إحباط المخططات التي يضعها التحالف المضاد لسورية كما شجع الدول العربيـة في تصميمها على دعم سورية.

       وتمكن الاتحاد السوفيتي على الرغم من المناورات الدبلوماسية الغربية من وضع الشكوى السوريـة على جدول أعمال الدورة الثانية عشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة. وأيد المندوب السوفيتي خلال المناقشة الاقتراح السوري بإيفاد لجنة للتحقيق في الوضع على الحدود التركية، كما دعا الأمم المتحدة إلى اليقظة بالنسبة إلى ما تتبعه الدول الغربية من أساليب التهديـد والابتزاز والتشهير في الشرق الأوسط. وهكذا أوقفت المحاولات الأمريكية والغربية عن مهاجمة سورية.

التدخل الإنجليزي ـ الأمريكي في لبنان والأردن:

       لم تتعظ الولايات المتحدة وبريطانيا من المغامرات الفاشلة لهما في مصر وسورية. فقد شرعتا في عام 1958 في تدخلات جديدة في الشرق الأوسط، وخلقتا خطراً جديداً مباشراً مهددًا بنشـوب حرب عالمية جديدة.

       فقد قامت في لبنان حركة جماهيرية ضد حكم كميل شمعون الذي كان قد عقد اتفاقاً مع الولايات المتحدة على أساس مبدأ أيزنهاور عدّه الشعب ضاراً بمصالحه الوطنية. وتولت الحركة الجماهيرية في شهر مايو 1958 قيام ثورة مسلحة تطالب باستبعاد كميل شمعون من الحكم، وبصدور بيان رسمي يعلن امتناع البلاد عن الاشتراك في أية أحلاف عسكرية أو خلافه. وأرسلت الولايات المتحدة سفن الأسطول السادس إلى المياه الإقليمية اللبنانية، وأوعزت إلى كميل شمعون بأن يتقدم بشكوى إلى الأمم المتحدة، يتهم فيها الجمهورية العربية المتحدة بالتدخل الهدام المزعـوم في لبنان. وكان القصد من هذه المناورة تأمين غطاء الأمم المتحدة للتدخل الأمريكي. وعندما بحثت الشكوى اللبنانية في مجلس الأمن، دافع المندوبين الأمريكي، والبريطاني، عن الاتهام اللبناني الموجـه إلى الجمهورية العربية المتحدة بالنشاط الهدام وطلبا حماية لبنان من هذا العدوان اللامباشر.

       وتصدى المندوب السوفيتي لهذه المحاولات ولم يسمح للمحاولات الأمريكية والغربية باستخدام مجلس الأمن لخدمة أهدافهم. وأُقر اقتراح توفيقي تقدمت به السويد، نص على إيفاد مجموعة من مراقبي الأمم المتحدة إلى لبنان، ليتثبتوا مما إذا كان الثوار فيه قد تلقوا معونة من الخـارج. وعندما رفض المراقبون الدوليون تأييد قصة تدخل الجمهورية العربية المتحدة في شؤون لبنان، راحت الولايات المتحدة وبريطانيا تحاولان إلقاء الشكوك حول النتائج التي توصلوا إليها. وراح دالاس وزير الخارجية الأمريكية يعلن جهاراً أن الولايات المتحدة سترسل قواتها إلى لبنان.

       وأعطت الثورة المناهضة للغرب في العراق المبرر إلى الولايات المتحدة الأمريكية للشروع في تدخل مسلح جنباً إلى جنب مع بريطانيا. ففي 15 يوليه 1958 هبطت قوة من مشاة البحرية الأمريكية في لبنان. كما هبطت في العاصمة الأردنية عمان يومي 17و 18 يوليه 1958 قوة من المظليين الإنجليز. وما لبث الأردن أن عقد في 25 يوليه 1958 اتفاقاً مع بريطانيا يسمح لها باستخدام القواعد العسكرية في تلك البلاد.

       وفي 16 يوليه 1958 طلبت الولايات المتحدة الأمريكية من مجلس الأمن إرسال قوة دولية لكي تحل محل القوات الأمريكية، غير أن الاتحاد السوفيتي استخدم حق الفيتو ضد هذا الاقتراح، كما طالب خروتشوف بعقد لقاء بينه وبين أيزنهاور لمناقشة المشكلة، إلا أن أيزنهاور رفض بدوره اقتراح خروتشوف واستقر الأمر في النهاية على عرض الموضوع على الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد أوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الطارئة التي دعا إلى عقدها الاتحاد السوفيتي في أغسطس 1958 بتشكيل قوة دولية للحفاظ على السلام في لبنان وأعلنت رفضها للتدخل الأمريكي في لبنان، ودعت إلى انسحاب القوات الأجنبية من لبنان والأردن.

       لقد اقتصر الموقف السوفيتي تجاه التدخل الأمريكي على مجرد التنديد وتصريحات الاستنكار. فقد أصدرت الحكومة السوفيتية في 18 يوليه 1958 بياناً نددت فيه بالتدخل الأمريكي والبريطاني في كل من لبنان والأردن ورأت فيه بمثابة محاولة لإعادة فرض السيطرة الاستعمارية على دول المنطقة وللقضاء على الثورة العراقية. كما أعلن السوفيت أن الشعوب العربية لن تقف بمفردها في مواجهة الأعمال الإجرامية للقوى الاستعمارية، الأمريكية والبريطانية، كذلك وجه البيان تحذيراً إلى الحكومتين، الأمريكية والبريطانية، وحملهما مسؤولية العواقب الوخيمـة التي قد تترتب على عدوانهما على كل من لبنان والأردن، كما طالبهما بسحب قواتهما من المنطقة، ثم أكد البيان في نهايته على أن الاتحاد السوفيتي لن يقف موقف اللامبالاة تجاه تلك الاعتداءات التي لا مبرر لها على منطقة ملاصقة لحدوده، وأنه سيتخذ الإجراءات التي تمليها اعتبارات الأمن القومي للاتحاد السوفيتي ومتطلبات الحفاظ على السلام العالمي. كذلك فقد وجهت رسائل تحمل نفس المضمون في اليوم التالي إلى رؤساء حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.

       وبينما كان السوفيت يقفون موقف المتفرج تجاه تلك الأحداث، قام الأمريكيون بدور نشيط في محاولة لاحتواء الأزمة اللبنانية، فقد أعلن أيزنهاور في 17 يوليه 1958 عن اعتزامه إرسال روبرت ميرفي مبعوثًا شخصيًا له للتوسط في إيجاد حل للأزمة، وبالفعل فقد قام ميرفي بمحاولات لرأب الصدع بين كميل شمعون وزعماء المعارضة الموالين للتيار الناصري، وخـلال تلك المفاوضات أدرك المبعوث الأمريكي مدى تعقد الأمور في لبنان، وأنه لم يعد أمام السياسة الأمريكية سوى البحث عن مخرج للقوات الأمريكية من لبنان، دون إراقة ماء الوجه، فقد ثبت أن مبدأ أيزنهاور ليس أكثر من مجرد ورقة تهديد، ومن ثم بدأت الولايات المتحدة في الضغط على شمعون لقبول حل وسط لإنهاء الأزمة. وفي 31 يوليه 1958 رُشح فؤاد شهاب ـ قائد الجيش ـ لمنصب الرئاسة في لبنان.

       وقد اتُفق على أن تجرى الانتخابات الرئاسية في لبنان بشكل يضمن نجاح اللواء فؤاد شهاب، وفور انتهاء مباحثات ميرفي مع شمعون في بيروت قام ريموند هير بإبلاغ عبد الناصر بضرورة تأييد اللواء شهاب المرشح لمنصب الرئاسة. وقد وافق عبد الناصر على اعتبار أن اللواء شهاب كان ذا نزعة استقلالية، ويرفض الانصياع للقوى المسيحية في لبنان.

       ومنذ ذلك الحين أوقفت شحنات الأسلحة عبر الأراضي السورية إلى قوى المعارضة اللبنانية. وفي النهايـة انتُخب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للبنان، كما اتُفق على أن يصبح أحد زعماء المعارضة المسلمين رئيساً للوزراء، كما حصل لبنان على منحة أمريكية قيمتها عشرة ملايين دولار لإعادة بناء ما تهدم أثناء القتال. ومن ناحية أخرى فقد اتفق مندوبو الجامعة العربية، لبنان، الأردن والجمهورية العربية المتحدة على أن يطلبوا من الأمين العام للأمم المتحدة تسهيل عملية انسحاب القوات الأجنبية من لبنان، الأمر الذي تم بالفعل بحلول شهر نوفمبر 1958. وهكذا انتهت الأزمة اللبنانية، وعاد الهدوء مرة أخرى إلى ربوع لبنان، الذي أعلن رئيسه عن تبنيه لسياسة متوازنة، وتخليه عن مبدأ أيزنهاور، وانتهاجه لسياسة حيادية في المجال الخارجي.

انقلاب عبد الكريم قاسم:

       في أعقاب الإعلان عن قيام الجمهورية العربية المتحدة، وتصاعد نفوذ الشيوعيين في سورية، تزايدت مخاوف الحكومة العراقية الموالية للغرب إزاء تلك التطورات، ولا سيما أن حكومة نوري السعيد في العراق كانت تسعى منذ زمن طويل إلى تحقيق هدفها الكبير المتمثل في إنشاء دولة الهلال الخصيب تحت زعامة العراق، ومن ثم فقد أخذت الحكومة العراقية تعمل على الضغط على سورية لعزلها عن مصر واستمالتها إلى جانب العراق.

       وقد واكب تلك التطورات قيام بريطانيا باتصالات مع حكومة العراق؛ لبحث مدى إمكانية استخدام القوات العراقية للضغط على سورية عبر الحدود الأردنية- السورية لحملها على إيقاف مساندتها لقوى المعارضة اللبنانية، على أن يتم ذلك بدعوى مساندة العراق لنظام الملك حسين في إطار الاتحاد العربي الهاشمي الذي كان يربط بين الدولتين.

       وقد جاءت تلك التحركات من جانب بريطانيا لتبرهن على أنها لا زالت لديها القدرة على المشاركة في تقرير أوضاع المنطقة، إلا أن الولايات المتحدة لم تكن لتقبل بتلك المشاركة البريطانية، فقررت إيفاد مبعوث إلى الحكومة العراقية لإبلاغها بأن الأسلحة الأمريكية التي حصل عليها العراق في إطار حلف بغداد، لا يمكنه استخدامها خارج العراق إلا بموافقة الحكومة الأمريكية، وأن الحكومة الأمريكية لا توافق على ذلك في الوقت الحاضر.

       وقبل وصول المبعوث الأمريكي إلى العراق كانت الأمور قد تلاحقت بصورة سريعة، إذ كانت حكومة نوري السعيد قد أصدرت أوامرها بالفعل إلى وحدات من الجيش العراقي بالتحرك صـوب الأردن للضغط على سورية عبر الحدود الأردنية- السورية لزعزعة أركان النظام السوري، إلا أن اثنين من الضباط العراقيين والمكلفين بقيادة تلك القوة رفضا الامتثال لأوامر الحكومة العراقية وقاما بانقلاب عسكري ضد النظام الملكي في العراق في 14 يوليـه 1958، إذ اقتُحم القصر الملكي وقُتل الملك فيصل الثاني ملك العراق، كما قُتل رئيس وزرائه نوري السعيد، وأُعلن قيام الجمهورية. وقد كان هذان الضابطان همـا عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف.

       وفي محاولة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية للتقرب إلى النظام الثوري الجديد في العراق قام روبرت ميرفي بزيارة العراق ـ بعد انتهاء الأزمة اللبنانية ـ إذ أبلغه عبد الكريم قاسم بان الثورة تعـد عملاً داخلياً، وإزاء ذلك تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية بعدم التدخل ضد النظام الثوري في العراق، وأعلنت اعترافها بحكومة عبد الكريم قاسم الجديدة. ومن ناحية أخرى اعترف الاتحاد السوفيتي ومجموعة الدول الاشتراكية بالنظام الجمهوري الجديد في العراق.

       وما أن استقرت الأمور للنظام الجديد خلال الأسابيع القليلة التي أعقبت الانقلاب حتى تغيرت توجهات العراق السياسية تغيراً جذرياً، فبدأ يتطلع إلى تحسين علاقاته مع الاتحاد السوفيتي، كما شجع عبد الكريم قاسم نشاط الحزب الشيوعي العراقي، إضافة إلى تبنى الحكومة الجديدة بعض السياسات ذات الصبغة الاشتراكية، مثل تخفيض أسعار بعض السلع الرئيسية، وتقييد الملكية الخاصة.

       كذلك انعكست آثار تلك التحولات على التجارة الخارجية للعراق، فازداد حجم المبادلات التجارية مع الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية ودول أوروبا الشرقية، بعدما كانت بريطانيا مهيمنة على تجارة العراق الخارجية، كذلك حصل العراق على معونة اقتصادية سوفيتية بلغت قيمتها حوالي خمسمائة مليون دولار موزعة على ستة أعوام، بهدف تنمية القطاع الصناعي، كما أسهم الخبراء السوفيت في بناء خط سكك حديدية يربط بين بغداد والبصرة، وقد موَّل الاتحاد السوفيتي المشروع بما قيمته حوالي 180 مليون دولار، كما بلغت قيمة المساعدات العسكرية السوفيتية للعراق منذ قيام الثورة، وحتى عام 1960 حوالي 120 مليون دولار.

       وفي مارس 1959 أعلن العراق تخليه عن تأييد مبدأ أيزنهاور، وانسحابه من حلف بغداد، كما أعلن إنهاء العمل باتفاقيات المساعدة، العسكرية والاقتصادية، مع الولايات المتحدة. وقد أدى انسحـاب العراق من حلف بغداد إلى إضعاف الترتيبات الدفاعية الإقليمية الغربية في المنطقة، الأمر الذي حدا بالولايات المتحدة إلى إبرام سلسلة من الاتفاقيات الثنائية مع كل من إيران وتركيا وباكستان، وقد حصلت الولايات المتحدة بمقتضى تلك الاتفاقيات على حق إقامة قواعد عسكرية في تلك الدول، وحق تمركز قواتها فيها عند الضرورة.

       ومن ناحية أخرى طالب العراق بريطانيا بسحب سرب الطائرات التابع للسلاح الجـوى الملكي البريطاني من قاعدة الحبانية، ثم أعلن العراق في نهاية الأمر قطع علاقاته الدبلوماسية مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، بعد اتهامه إياهما بالتآمر مع تركيا لزعزعة استقرار النظام العراقي.

       وهكذا نجد أن مبدأ أيزنهاور قد أدخل منطقة الشرق الأوسط كلها في دائرة اهتمام السياسة الأمريكية إذ أن تلك المنطقة تمثل مصلحة حيوية للأمن القومي الأمريكي، ولمصالح العالم الغربي كله. وذلك بعدما كان الاهتمام منصباً من قبل على بعض أجزاء منطقة الشرق الأوسط كتركيا واليونان ودول الحزام الشمالي[1] في إطار ما عرف بمبدأ ترومان وسياسة الاحتواء.

       كما زاد مبدأ أيزنهاور من الالتزامات والتعهدات الأمريكية تجاه حلفاء الغرب في المنطقة، إذ لم يقتصر على مجرد تقديم الدعم الاقتصادي وإنما تعدى ذلك إلى الإعلان عن استعداد الولايات المتحدة للجوء إلى استخدام القوة المسلحة، وأسلوب التدخل العسكري لدعم الأنظمة الحاكمة المواليـة لها في المنطقة، في مواجهة أي عدوان أو تهديد شيوعي تتعرض له.

       وقد أدت تلك العوامل ـ وعلى الأخص عندما خرج جون فوستر دالاس من منصبه وزيرًا للخارجية عام 1959 ـ إلى تجدد المحاولات لتقريب مسافة الخلاف بين الجانبين، وتهيأت فرصة لاجتماع الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور مع الرئيس السوفيتي نيكيتا خروتشوف ـ رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي ـ في كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر 1959، واتفقا على عقد مؤتمر قمة في باريس في مايو 1960.

       ولم ينجح مؤتمر القمة، الذي عُقد في 16 مايو 1960، في الوصول إلى اتفاق، فقد رفض الرئيس أيزنهاور أن تعتذر الولايات المتحدة الأمريكية عن حادث طائرة التجسس الأمريكية U2 التي أُسقطت فوق الأراضي الروسية في الأول من مايو 1960، وتمسك خروتشوف بتقديم ذلك الاعتذار، وأن يسجل في وثائق المؤتمر. وغادر خروتشوف المؤتمر دون الوصول إلى حل مناسب، وادعى الغربيون أن ذلك كان بتأثير العناصر المتطرفة في الاتحاد السوفيتي، والعناصر العسكرية في الصين.

       ومع ذلك فقد كان من المستبعد ـ حتى لو لم تحدث أزمة طائرة التجسس ـ أن تنجح سياسة القمة في التقريب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ولا سيما أن مدة رئاسة الرئيس أيزنهاور كانت على وشك الانتهاء.



[1]  دول الحزام الشمالي هي تركيا، باكستان والعراق.