إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الحرب الأهلية اللبنانية






مواقع المخيمات الفلسطينية
مواقع المخيمات الفلسطينية
لبنان - التوزيع الطائفي
الجمهورية اللبنانية
تعداد الفلسطينيين بلبنان
جنوب لبنان



المبحث الرابع

المبحث الرابع

دور جامعة الدول العربية في الحرب الأهلية اللبنانية

1. رؤية الجامعة العربية إلى الحرب الأهلية اللبنانية

دفع تفجر الأوضاع اللبنانية الجامعة العربية، إلى البحث عن صيغة قانونية لتعريب الأزمة، بعد أن تجاوز خطرها لبنان، ليؤثر تأثيراً مباشراً في السلام والأمن العربيين. وظلت الأمانة العامة للجامعة العربية ترقب تطور الأحداث، وتحوم حول الأزمة، حتى جاءت مبادرة الكويت إلى دعوة وزراء الخارجية العرب لاجتماع طارئ، وموافقة لبنان على الدعوة. وعندئذٍ، وجدت الأمانة العامة المبررات القانونية، لمناقشة "الأزمة اللبنانية"، وهي سابقة في تاريخ الجامعة العربية. وأيّاً كانت مبررات الاجتماع الطارئ، فإن نتائجه أكدت، من جديد، خصوصية الواقع اللبناني، بتوازناته الدقيقة، وأنه على الرغم من التدخلات، العربية والأجنبية، المعلنة والواضحة، فإن "الحل الأفضل، لن يكون إلاّ حلاً لبنانياً"، نظراً إلى عجز وزراء الخارجية العرب عن الاقتراب من جوهر الأزمة اللبنانية، واكتفائهم بمناقشة انعكاساتها على الساحة العربية. وقد أثار ذلك، من جديد، علاقة لبنان "الحساسة" بالجامعة العربية، منذ إنشائها، حين اضطرت الدول العربية، التي وقعت بروتوكول الإسكندرية، في 7 أكتوبر 1944، قبَيل إنشاء الجامعة، إلى تأكيد "احترامها لاستقلال لبنان وسيادته، بحدوده، الحاضرة. وهو ما سبق لحكومات هذه الدول أن اعترفت به، بعد أن انتهج سياسة استقلالية، أعلنتها حكومته، في بيانها الوزاري، الذي نالت عليه موافقة المجلس النيابي".

وعلى الرغم من مناصرة الجامعة العربية لقضية استقلال لبنان وسيادته، فقد ظل بعض القوى السياسية اللبنانية، تتشكك في فكرة الانضمام إلى الجامعة، بدعوى الحفاظ على التوازن الطائفي. بل عارضت توقيع لبنان معاهدة الدفاع المشترك، كما رفضت فكرة إنشاء تنظيم خاص للمغتربين العرب في دول المهجر، وتنظيم صفوفهم، للاستفادة منهم في خدمة القضايا العربية. وخلال الأزمة اللبنانية، ما بين مايو وأكتوبر 1958، تحاشى مجلس الجامعة العربية، المنعقد في بنغازي، في يونيه 1958، التدخل في جوهر الأزمة، لتعقيداتها، واكتفى بتوجيه نداء إلى أبناء لبنان، حكاماً وقادة وشعباً، يناشدهم فيه جمع الكلمة، وتوحيد الصفوف، ونبذ العنف، واستقبال بعثة صداقة وأخوّة، حاملة رسالة العروبة والودّ والسلام، مستهدفة العمل على وقف الاضطرابات والقلاقل، وتسوية الخلافات بالسبُل الدستورية السليمة. وبانتهاء الأزمة، تحت شعار "لا غالب، ولا مغلوب"، ومع تزايد تيار العمل العربي المشترك، ازداد دور لبنان في الشؤون العربية، حتى إنه بادر إلى تشكيل بعثة دائمة لدى الجامعة، عام 1960، واضطلع بدور الوسيط في كثير من القضايا بين دولها.

وبوقوع العدوان الإسرائيلي، عام 1967، وجد لبنان نفسه، طرفاً في مواجهة إسرائيل، نظراً إلى وجود المقاومة الفلسطينية على أرضه، الذي جعله هدفاً تكتيكياً للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، التي بلغت، في أوائل عام 1975، حدّاً، جعل الحكومة تطلب عقد دورة خاصة لمجلس الدفاع العربي المشترك، لاتخاذ "التدابير اللازمة لمواجهة الموقف. وقد أقر المجلس، إثر اجتماعه، يومَي 5 و6 فبراير 1975، بياناً، أعلن فيه اتخاذ "التدابير اللازمة، الكفيلة بمواجهة الموقف. والتزام الدول العربية كلها بالتضامن مع لبنان، في دفاعه عن أراضيه وسيادته الوطنية، ودعم موقفه الصامد ضد العدوان الإسرائيلي، وذلك وفق ما حددته الحكومة اللبنانية". كما أعلن البيان استعداد الدول العربية لبذل المزيد من التضحيات، لكفالة أمن لبنان وسلامته، وأمن الوطن العربي واستقراره، وللإسهام في تعزيز الأمن والسلام الدوليين، على أُسُس عادلة، ودائمة.

ونجم عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على جنوبي لبنان، تزايد هجرة سكانه إلى داخل البلاد، مما أدى إلى تفاقم الوضع، الاجتماعي والسياسي. ولقد سبق هذا وواكبه تفجر الصراعات الاجتماعية، لأسباب عديدة منها: الهوة الكبيرة بين الأغلبية الفقيرة والأقلية الغنية، ووجود مناطق شديدة التخلف في لبنان، وظهور ملامح تشير إلى اختلال التوازن التقليدي بين الطوائف المختلفة.

2. مبادرة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية

ومع تفجر الأوضاع اللبنانية، أصدرت الأمانة العامة بياناً، في 21 سبتمبر 1975، وصفت فيه أحداث لبنان بأنها تجاوزت كل تصور، ولا يستطيع أحد تبريرها. ورأت الأمانة العامة، أن ثمة أخطاراً تهدد الوطن العربي، يمكِن تلخيصها في ما يلي:

  1. تعرُّض لبنان للتقسيم، تنفيذاً لما تردَّد عن وجود مخططات مشبوهة، لإنشاء دويلات عنصرية صغيرة، مجاورة لإسرائيل.
  2. استدراج الدول العربية إلى صراعات فيما بينها، تهدد التضامن العربي وتضعفه.
  3. إتاحة الفرصة لإسرائيل، لتحقيق جزء من سياستها التوسعية التقليدية، بضمها جنوبي لبنان، والاستيلاء على منابع نهر الليطاني.
  4. التأكيد للرأي العام العالمي، أن النظرية التي تنادي بها منظمة التحرير الفلسطينية، والتي وجدت صدى لدى بعض قطاعات من الرأي العام، بإنشاء دولة فلسطينية، يتعايش فيها اليهود والمسلمون والمسيحيون، هي غير قابلة للتطبيق عملياً، بدليل ما يحدث في لبنان.

وإزاء هذه الأخطار المرتقبة، التي لا تهدد لبنان فحسب، بل يمكِن أن تؤثر تأثيراً مباشراً في الوطن العربي كله ـ واصلت الأمانة العامة تحركها، دبلوماسياً، بإجراء اتصالات مع سفير لبنان والسفراء العرب إلى القاهرة، ومع وزراء الخارجية العرب، ورؤساء الوفود العربية، في مقر الأمم المتحدة، في نيويورك، لبحث الوسائل المجدية لتطويق الأحداث في لبنان، ووقف المذابح الدموية فيه. وقد اقترح الأمين العام على وزراء الخارجية العرب عقد اجتماع على هيئة مجلس الجامعة، وإصدار بيان، يناشد لبنان المحافظة على وحدته الوطنية. إلا أن رد بيروت على هذه الاتصالات، كان رداً سلبياً، برفض تعريب القضية، على أساس أن الحل سيكون لبنانياً.

لم تفتر جهود الأمانة العامة، بل أخذت تبحث عن صيغة قانونية، لأداء دور في معالجة الموقف المتدهور. وعندما انطلق نداء البطريرك الماروني، خريش، يطلب، في برقية له، تدخّل الجامعة العربية، كثفت الأمانة العامة اتصالاتها. ولكن برقية البطريرك الماروني، التي أعلن عنها، ولم تصِل، لأسباب مجهولة، لم تكن مبرراً قانونياً كافياً لتدخّل الجامعة. وظل الحال على ما هو عليه، حتى جاءت مبادرة الكويت، في 8 أكتوبر 1975، إلى طلب عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب (انظر ملحق بيان مجلس الوزراء الكويتي حول الدعوة الى عقد اجتماع لمجلس وزراء الخارجية العرب للبحث في أحداث لبنان). فوجدت الأمانة العامة في هذه الدعوة، وموافقة لبنان عليها، الصيغة القانونية المنشودة، لتشارك في إيجاد حل للقضية اللبنانية.

3. الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب

رحبت الأمانة العامة للجامعة العربية بمبادرة الكويت. وصرح الأمين العام بأن دعوة الكويت، هو عمل عربي مهم. ودعا إلى تضافر كل الجهود، لإعادة الأمن والاستقرار إلى لبنان، من خلال الحفاظ على وحدته الوطنية. وجاءت موافقة الحكومة اللبنانية على الدعوة الكويتية، في برقية رئيسها، الذي أعلن الموافقة على هذه الدعوة، في المكان والزمان، اللذين تقررهما الجامعة العربية. بينما رفضت الأحزاب والقوى الوطنية التقدمية اللبنانية، في بيان أصدرته في 14 أكتوبر 1975 (انظر ملحق تصريح ناطق باسم الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية في لبنان حول الاجتماع الطارئ لمجلس وزراء الخارجية العرب)، أي تعريب للنزاع اللبناني. وطالب البيان الدول العربية ببذل جهودها، من أجل الإسهام في تسوية النزاع، في الإطار الداخلي اللبناني.

لم تلتفت الأمانة العامة إلى أصوات المعارضة أو الرفض، سواء من جانب بعض الحكومات العربية، أو المقاومة الفلسطينية، أو القوى السياسية اللبنانية. وبناء على اتصالاتها مع سفير لبنان إلى القاهرة، لمناقشة أسلوب معالجة الأزمة اللبنانية، حُدِّد ميعاد الاجتماع الطارئ في منتصف أكتوبر 1975. ولم تنتظر الأمانة العامة أي ردود من الدول الأعضاء، نظراً إلى أن الدولتَين، الداعية، وهي الكويت، والدولة المعنية، وهي لبنان، قد وافقتا على الاجتماع.

وفي الموعد المحدد، عقد الاجتماع الطارئ، في حضور 13 وزيراً للخارجية، وخمسة سفراء، كرؤساء وفود 18 دولة عربية. وتولى وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات العربية، رئاسة الاجتماع. وتغيب عنه ليبيا وسورية ومنظمة التحرير الفلسطينية. وبينما اكتفت ليبيا بعدم تلبية الدعوة، فإن سورية أعلنت، رسمياً (انظر ملحق تصريح ناطق رسمي سوري حول امتناع سورية من حضور الاجتماع الطارئ لمجلس وزراء الخارجية العرب)، عدم اشتراكها، وادّعت أنه من الأفضل، أن ينصب الاهتمام على مناقشة اتفاقية سيناء، التي تشكل الخلفية لأحداث لبنان. كما أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية (انظر ملحق تصريح السيد فاروق القدومي، رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية، حول رفض المنظمة حضور الاجتماع الطارئ لمجلس وزراء الخارجية العرب للبحث في الوضع الراهن في لبنان)، أن الاجتماع هو محاولة لإبعاد الاهتمام عن اتفاقية سيناء، ولإقحام العرب في معركة جانبية، وأكدت أن عدم حضورها، كان بدافع حرصها على تجنّب الدخول في معارك، جانبية وثانوية.

بدأت الاجتماعات بجلسة علنية، تحدث فيها الأمين العام للجامعة، وأكد الحقائق التالية:

  1. إن هذا الاجتماع هو تجسيد لحقيقة أساسية، وهي أن كل ما يمس أمن الشعب العربي وسلامته، في أي جزء من أجزاء الوطن العربي، إنما يمس أمن الأمة العربية وسلامتها. ومن هذا المنطلق، كان كل المبادرات العربية، بهدف مساعدة لبنان على أن يستعيد أمنه وصيانة وحدته الوطنية.
  2. إن على العرب أن يتظافروا، من أجل عودة الأمن والوحدة إلى لبنان؛ ذلك أن إسرائيل، رأت في ما يجري في لبنان، انهياراً لفكرة التعايش السمح بين الطوائف المختلفة، داخل دولة واحدة، وهي، لذلك، تسعى إلى تعميق الخلاف.
  3. إن على اللبنانيين أن يقطعوا الأيدي، التي تعمل في الظلام، من الخارج، لأن لبنان، في النهاية، ملك لشعبه، مسلمين ومسيحيين، ولأن حل المشكلة اللبنانية، يقع، أساساً، على عاتق اللبنانيين أنفسهم، وأنه لا جدوى من إصدار القرارات لحل المشكلة اللبنانية، إذا لم تحظَ بقبول اللبنانيين واستعدادهم لتنفيذها.

وألقى وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس الاجتماع، كلمة، دعا فيها كل الأطراف اللبنانيين إلى أن يضعوا السلاح جانباً، ويقبِلوا على الحوار، لحل المشاكل التي تثير الخلاف بينهم، مهما اختلفت مناهجهم، الفكرية والعقائدية.

ثم ألقى وزير الخارجية الكويتي كلمته، التي عبّر فيها، باسم حكومته، عن تقديرها لاستجابة الدول العربية حضور الاجتماع.

وفي بداية الجلسة المغلقة، ألقى وزير الخارجية اللبنانية، كلمة، شرح فيها الموقف في لبنان، وما اتخذته السلطات اللبنانية من إجراءات لتهدئة الأوضاع، وإعادة الأمن إلى حالته الطبيعية. ولكنه لم يحدد أي مطالب. وكان الحذر سمة واضحة في أسلوب الوزير اللبناني. كما تحدث وزير الخارجية المصري، داعياً إلى وقف كل صور التدخل في شؤون لبنان. وأوضح الوزير المصري وجهة نظر مصر، مؤكداً حرصها على وحدة لبنان، وسلامة أراضيه، ومساندة الشعب اللبناني على الخروج من مِحنته الحالية.

ثم تناوب وزراء الخارجية إبداء وجهات النظر، المتعلقة بالمشكلة. فقال وزير الخارجية العراقي، إن مشكلة لبنان هي مشكلة داخلية. وإن الاجتماع، يجب ألاّ يتجه إلى التدخل في هذه القضية الداخلية، وإنما يجب أن يتجه إلى الجانب القومي منها. كما اقترح الوزير السعودي تشكيل لجنة رباعية، من وزراء خارجية كلٍّ من لبنان والكويت ودولة الإمارات والأمين العام للجامعة العربية، لبلورة المقترحات، التي ترِد من رؤساء الوفود العربية، في شأن حل المشكلة اللبنانية. وقد أعدت اللجنة بيان وزراء الخارجية العرب إلى الشعب اللبناني، الذي أقروه الوزراء في جلستهم الثانية والختامية، في اليوم التالي (16 أكتوبر) (انظر ملحق بيان صادر عن الاجتماع الطارئ لمجلس وزراء الخارجية العرب حول الموقف في لبنان). ناشدوا فيه الأطراف المتصارعين في لبنان ضبط النفس، والتحلي بالحكمة والروية، وإنهاء الاقتتال. وأكد وزراء الخارجية العرب حرص دولهم على سيادة لبنان ووحدة أراضيه وشعبه، وأن أي عدوان عليه، هو عدوان على الدول العربية كلها. وأشار البيان إلى أن الدفاع عن لبنان ضد أي عدوان إسرائيلي، هو مسؤولية عربية جماعية، طبقاً لأحكام ميثاق الجامعة العربية. وناشد البيان الدول العربية، أن تواصل، مجتمعة ومنفردة، تقديم العون إلى لبنان. وطلب وزراء الخارجية من الأمين العام للجامعة، أن يظل على اتصال وثيق مع الحكومة اللبنانية، وباقي الدول الأعضاء، وأن يدعو إلى اجتماع عربي، على أي مستوى، يرى لبنان عقده ضرورياً أو مفيداً.

4. نتائج الاجتماع الطارئ، وردود الفعل

يمكن إلقاء الضوء على نتائج الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية، وردود الفعل إزاءها، في نقطتَين رئيسيتَين. أولاهما، تتعلق بالضغوط المختلفة، التي تعرض لها الاجتماع. وثانيتهما، تتعلق بمسألة تعريب الأزمة اللبنانية.

والملاحظ أن اجتماع وزراء الخارجية العرب، قد سبقه، وواكبه، وأعقبه حملات إعلامية عنيفة، خاصة من جانب أجهزة الإعلام، السورية والفلسطينية، والأحزاب والتجمعات التقدمية اللبنانية. استهدفت، أساساً، تغيير جدول أعمال المؤتمر، شكلاً ومضموناً.

وثمة ضغوط أخرى، وإن كانت تختلف، في اتجاهاتها، عن الضغوط السورية والفلسطينية، تعرّض لها وزراء الخارجية العرب، عشية اجتماعهم الطارئ؛ إذ حاول بعض القوى تصعيد التوتر المسلح في بيروت، وحول المخيمات الفلسطينية بالذات، للتأثير في مناخ الاجتماع، وإعطاء انطباع خاطئ، أن الصراع الدائر في لبنان، هو صراع لبناني ـ فلسطيني محض، استجابة لبعض القوى، الراغبة في طرح المشكلة اللبنانية ـ الفلسطينية، بكل أبعادها وأخطارها، على مجلس الجامعة العربية.

أما الخط السياسي الرئيسي في البيان الختامي للاجتماع، فقد تضمن نداء متوازناً لكل الأطراف، دون محاولة الوصول إلى عمق المشكلة، وتحديد الأطراف التي تهدد أمن لبنان. وكان طبيعياً، أن يعلن وزير خارجية لبنان عن رضاء حكومته الكامل عن نتائج الاجتماع، التي جاءت، على حدّ تعبيره، متوازنة، ومتماشية مع الأطراف المحيطة بلبنان، داخلياً وعربياً ودولياً. كما صرح الأمين العام للجامعة، أنه ليس في الإمكان أكثر مما كان. فلبنان لا يعاني مشكلة دامية فحسب، وإنما هو يواجِه، كذلك، تهديداً خارجياً باستغلال الموقف. ولذلك، فقد أعلنت الدول العربية استعدادها للوقوف ضد أي محاولة لاستغلال الموقف اللبناني من الخارج.

وهكذا، أكد مجلس الجامعة العربية، من جديد، ما قرره مجلس الدفاع العربي، في فبراير 1975، حول مسؤولية الدول العربية في التضامن مع لبنان، في دفاعه عن أراضيه وسيادته الوطنية. أمّا جوهر الأزمة، فقد تأكد، من خلال البيان الختامي، قناعة بأن حل الأزمة اللبنانية، لا يمكن أن يكون إلا حلاً لبنانياً، وهو ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من البيان، رهنت أمر العودة إلى مثل هذا الاجتماع، برغبة لبنان نفسه.

5. مبادرة الأمين العام لجامعة الدول العربية

تواصلت جهود الأمانة العامة، وتكثفت، إثر الغزو الإسرائيلي للبنان، في بداية صيف عام 1982، لمواجهة نتائج هذا الغزو، والتصدي لأخطاره. ومتابعة لهذه الجهود، زار الأمين العام للجامعة العربية لبنان، في 3 أغسطس 1984، حيث اجتمع إلى رئيس الجمهورية اللبنانية.

ونتيجة لاجتماع العمل الطارئ، الذي عقده الأمين العام، في أغسطس 1984، أصدر قراراً بتشكيل فريق عمل مختص بجنوبي لبنان، في الأمانة العامة للجامعة العربية، برئاسة الأمين العام المساعد للشؤون العربية، وعضوية ممثلين لمختلف إدارات الأمانة العامة ذات العلاقة. وناط الأمين العام بهذا الفريق مهمة متابعة الوضع في لبنان من جميع نواحيه، واقتراح خطوات التحرك اللازمة.

وبناء على مبادرة الأمين العام هذه، بدأ تحرك مخطط لدعم قضية الجنوب والأراضي اللبنانية المحتلة، شمل المستويَين، العربي والدولي، ومن جميع الجوانب، الدبلوماسية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية.

ففي إطار التحرك على المستوى العربي:

  1. وجّه الأمين العام رسائل إلى الملوك والرؤساء ووزراء الخارجية العرب، تلفت إلى التطورات النوعية الخطيرة، التي يشهدها جنوبي لبنان، نتيجة الاحتلال الإسرائيلي، نظراً إلى ما له من أثر في تصعيد الحرب الأهلية، وتناشد القيادات العليا للأمة العربية اتخاذ موقف عربي موحد، سريع، في شأنها. كما وجّه رسائل إلى جميع وزراء الخارجية العرب، تدعو إلى ضرورة عودة السفراء العرب إلى بيروت، دعماً لجهود حكومة الوفاق الوطني في إعادة معالم الحياة الطبيعية إلى العاصمة اللبنانية. وبالفعل، استجاب الملوك والرؤساء ووزراء الخارجية العرب، لمبادرة الأمين العام.
  2. واتخذ المجلس، الاقتصادي والاجتماعي، في دورته السابعة والثلاثين (في عمان 27 ـ 30 أغسطس 1984) (انظر ملحق قرارات الدورة السابعة والثلاثين للمجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي)، واستكمالاً للجهود، التي كانت بذلتها الأمانة العامة، وللقرارات السابقة، قراراً ناشد فيه الدول العربية فتح أسواقها أمام المنتجات الزراعية، ذات المنشأ اللبناني المؤكد، دعماً لصمود الشعب اللبناني في مواجَهة العدوان الإسرائيلي، ودعوة السلطات اللبنانية إلى اتخاذ الإجراءات الإضافية اللازمة للحيلولة دون تسرب المنتجات الإسرائيلية عبر أراضيها.
  3. وبادرت الأمانة العامة إلى إدراج موضوع جنوبي لبنان والأراضي اللبنانية المحتلة، في جدول أعمال مجلس الجامعة، في دورته الثانية والثمانين (تونس 24 ـ 25 سبتمبر 1984). واتخذ المجلس، في هذا الشأن، قراراً مطولاً (انظر ملحق مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان)،أكد فيه سيادة لبنان وحقوقه الوطنية الثابتة. ودعا الأمين العام للجامعة إلى متابعة مساعيه، لتنفيذ القرارات العربية، الرامية إلى دعم الصمود اللبناني في الجنوب.
  4. ووجّه الأمين العام رسائل إلى المجالس الوزارية العربية، وإلى المنظمات العربية المتخصصة، والاتحادات العربية ذات العلاقة، تشرح الوضع الخطير في جنوبي لبنان، وتطلب إدراج قضيته في جداول أعمال اجتماعاتها، واتخاذ القرارات والإجراءات، الكفيلة بدعم صمود الجنوب، ومساندة مقاومته الوطنية، وكذلك، التحرك الفوري، في شأن هذة القضية، على الصعيدَين، العربي والدولي، كلٌّ في نطاق اختصاصه.
  5. وقد استجابت المجالس الوزارية العربية، والمنظمات العربية المتخصصة، التي عقدت اجتماعاتها خلال هذه الفترة، لدعوة الأمين العام، فأدرجت موضوع جنوبي لبنان في جداول أعمالها، واتخذت عدداً من القرارات والإجراءات المهمة، في هذا الخصوص.

فعلى سبيل المثال، واستجابة لمبادرة الأمين العام، وفي ضوء الرسائل التي وجّهها، قرر "مجلس إدارة منظمة العمل العربية"، في دورته السابعة عشرة (بغداد 29 سبتمبر ـ 3 أكتوبر 1984)، تكليف المدير العام لمكتب العمل العربي، إجراء الاتصالات العاجلة مع أطراف الإنتاج في الجمهورية اللبنانية، تمهيداً لإقرار برنامج للتعاون الفني، لدعم جنوبي لبنان، إضافة إلى التحرك مع المنظمات، الإقليمية والدولية، لإدانة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب.

وتنفيذاً لهذا القرار:

  1. أبدى المدير العام لمكتب العمل العربي استعداده لزيارة لبنان، للاتصال مع أطراف الإنتاج مباشرة، والوقوف على حاجاتهم.
  2. كما طلب المكتب من وزارة العمل اللبنانية موافاته بالاقتراحات، حول البرنامج المقترح لدعم الجنوب. وقد تلقى المكتب، بالفعل، في 26 ديسمبر 1984، المشروع اللبناني المقترح لبرنامج التعاون الفني لدعم الجنوب، الذي كان سيعرض على الدورة الثالثة عشرة للمؤتمر العام لمنظمة العمل العربية، في مارس 1985.
  3. واتخذ مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب، في دورته الخامسة (تونس 4 و5 ديسمبر 1984)، قراراً، أعرب فيه عن تقديره لمبادرة الأمين العام للجامعة، في شأن جنوبي لبنان، وقرر تقديم معونة نقدية عاجلة إلى الحكومة اللبنانية، لمواجَهة بعض النفقات الاستثنائية، لإغاثة المنكوبين من أبناء الجنوب، ودعوة المكتب التنفيذي لتحديد مبالغ المعونة، في حدود موجودات الصندوق العربي للعمل الاجتماعي، ودراسة سُبُل تأمين المساعدات للجنوب اللبناني. وتنفيذاً لقرار مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب، اتخذ المكتب التنفيذي للمجلس قراراً بصرف مبلغ ثلاثمائة ألف دولار، كمعونة عاجلة للحكومة اللبنانية، لإغاثة المنكوبين من أبناء الجنوب، وتكليف الأمانة الفنية الاتصال مع الجهات اللبنانية، لتحديد الجهة، التي سيحوَّل إليها المال ولإعداد دراسة حول كيفية إيصال المساعدات إلى الجنوب اللبناني، مستقبلاً.
  4. وبحث مجلس وزراء الداخلية العرب موضوع جنوبي لبنان، والأراضي اللبنانية المحتلة، في دورته الثالثة (تونس 1 ـ 3 ديسمبر 1984)، وأصدر في شأنه بياناً، ناشد فيه الدول العربية مساندة الدولة اللبنانية، على جهودها الهادفة إلى سحب قوات الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة، ودعم الحُكم اللبناني في مسيرته الإنقاذية.
  5. وكانت الأمانة العامة قد بادرت إلى إدراج موضوع جنوبي لبنان، والأراضي اللبنانية المحتلة، في جدول أعمال مجلس وزراء الإعلام العرب، في دورته العشرين (تونس 15 و16 أكتوبر 1984) (انظر ملحق قرارات مجلس وزراء الإعلام العربي في دور انعقاده العادي العشرين). واتخذ المجلس، في هذا الشأن، قراراً بتكثيف العمل الإعلامي، على المستويَين، العربي والدولي، من أجل تبيان التطورات الخطيرة، التي يشهدها الجنوب والبقاع الغربي، نتيجة مخططات الاحتلال الإسرائيلي وممارساته، فضلاً عن تعزيز جهود الحكومة اللبنانية، الرامية إلى إنهاء الاحتلال، وتقديم الدعم إلى الدولة اللبنانية، لتثبيت مسيرة الإنقاذ.

وفي إطار التحرك على المستوى الدولي، شملت مبادرة الأمين العام عدداً من رؤساء الدول الكبرى، وأهم المنظمات، الإقليمية والدولية، ذات العلاقة، والبعثات الخارجية للجامعة ومجالس السفراء العرب.

وكان موضوع جنوبي لبنان، والأراضي اللبنانية المحتلة، موضوعاً رئيسياً في الاتصالات الدولية المباشرة، التي أجراها الأمين العام للأمانة العامة، إذ:

  1. زار الأمين العام، في 4 سبتمبر 1984، أيرلندا، لكونها رئيسة الجماعة الأوروبية، خلال الدورة، التي تواصلت حتى نهاية عام 1984. وأجرى خلال زيارته مباحثات مع كلٍّ من رئيس الوزراء ووزير الخارجية، ركز، خلالها، في أخطار استمرار الاحتلال الإسرائيلي للجنوب والأراضي اللبنانية الأخرى، وفي تصاعد مخططات الممارسات الإسرائيلية ضد الجنوب، أرضاً وسكاناً ومياهاً. وطالب الجماعة الأوروبية بمساعدة لبنان على تحرير أراضيه، واتخاذ الإجراءات الرادعة لإسرائيل.
  2. أمّا رئيس وزراء أيرلندا ووزير خارجيتها، فأوضحا رأي الحكومة الأيرلندية، في ضرورة انسحاب إسرائيل من لبنان، وضرورة طرح موضوع تحويل المياه اللبنانية على مجلس الأمن الدولي، والتركيز في فضح السياسة الإسرائيلية أمام الرأي العام العالمي. كما أكدا أن أيرلندا، كرئيسة للجماعة الأوروبية، آنذاك، سوف تعمل على مساندة لبنان، خلال اجتماعات وزراء خارجية دول الجماعة.
  3. طرح الأمين العام قضية الجنوب اللبناني، والأراضي اللبنانية المحتلة، في المحادثات، التي أجراها مع مستشار النمسا، فريد سينوفاتس Fred Sinowatz، إبّان زيارته النمسا، في 23 و24 أكتوبر 1984. وأكد مستشار النمسا للأمين العام، أن بلاده تؤيد وجهة النظر العربية، في صدد هذا الموضوع، وأنها ستواصل العمل من أجْل انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان، بما يمهد لتهدئة الحرب الأهلية.
  4. زار الأمين العام إيطاليا، حيث قابل المسؤولين فيها، وفي مقدمتهم السيد بتينو كراكسيBettino Craxi، رئيس الوزراء الإيطالي. وأكد الأمين العام، أن الجماعة الأوروبية مطالبة باتخاذ موقف حازم لمواجَهة إسرائيل، وحمْلها على الانسحاب اللامشروط من لبنان، وأنه في إمكان الجماعة تقديم مساعدة فاعلة، في نطاق قوات الأمم المتحدة، التي ستتركز في الجنوب اللبناني، وأن مشاركتها في تهدئة الأوضاع، سوف تساعد على تأكيد الوحدة والشرعية اللبنانيتَين. وركز رئيس الوزراء الإيطالي في أن إيطاليا موافقة على دعم لبنان، من خلال دعم المشاركة الأوروبية، ضمن قوات الأمم المتحدة، وأنها تؤكد تأييد الجماعة الأوروبية ضمان وحدة لبنان واستقلاله، ودعم حكومته الشرعية.
  5. قابل الأمين العام، أثناء زيارته إيطاليا، المسؤولين في الفاتيكان، وفي مقدمتهم وزير خارجيتها. وطالب الفاتيكان بتقديم الدعم إلى الحكومة اللبنانية. وركز وزير خارجية الفاتيكان في دعم الموقف، اللبناني والعربي، المنادي بضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل، وتكليف القوات الدولية بمهمة مراقبة الشريط الحدودي، بين لبنان وإسرائيل.
  6. بحث وفد من الأمانة العامة للجامعة (الإدارة العامة السياسية الدولية)، موضوع جنوبي لبنان، مع وفد وزارة الخارجية البلجيكية، في 10 أكتوبر 1984.
  7. بادرت الأمانة العامة للجامعة العربية إلى طرح موضوع الجنوب اللبناني، والأراضي اللبنانية المحتلة، في اجتماع وزراء خارجية دول عدم الانحياز، المطلة على البحر الأبيض المتوسط (مالطة 10 ـ 11 سبتمبر 1984). وبناء على هذه المبادرة، اتخذ الاجتماع الوزاري قراراً قوياً، دان فيه الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته وممارساته في الجنوب.

وتنفيذاً لقرار مجلس الجامعة، في دورته الثانية والثمانين (تونس 24 و25 سبتمبر 1984)، وبناءً على الاتصالات، التي أجرتها الأمانة العامة، ركز وزراء خارجية الدول العربية، والدول الصديقة، في الدورة التاسعة والثلاثين للجمعية العامة للأمم المتحدة، في الأوضاع الخطيرة في الجنوب اللبناني، والأراضي اللبنانية المحتلة، لِما لها من آثار في الأمن اللبناني، وفي احتدام الحرب الأهلية، وضرورة العمل الفوري على إيقاف المخططات والممارسات الإسرائيلية، وإنهاء الاحتلال.

وأصدرت الأمانة العامة توجيهاً عاجلاً إلى بعثاتها الخارجية، أن تُولِي موضوع جنوبي لبنان، والأراضي اللبنانية المحتلة، اهتماماً خاصاً، وأن تدرجه في رأس أنشطتها، الإعلامية والدبلوماسية، وأن تبدأ التحرك، من الفور، بالتعاون مع مجالس السفراء العرب، في إطار مخطط شامل، على الساحتَين، الأمريكية والأوروبية.

ولم تقتصر جهود الأمانة العامة، في مناصرة قضية الجنوب اللبناني، على تنفيذ ما اتخذته مجالس وزراء الإعلام العرب في دوراتها السابقة، بل طرحت القضية على جدول أعمال "الاجتماع الأول لعمداء السلك الدبلوماسي العربي في أوروبا الغربية"، الذي عُقد في باريس، في أواخر سبتمبر 1984. وعرضت تحركاتها في مواجَهة الوضع الخطير، الناشئ، في جنوبي لبنان، عن الإجراءات الإسرائيلية، المتمثلة في عزله عن سائر البلاد، وبدء الاستيلاء على مياه أنهاره، وتصاعد الممارسات الإسرائيلية القمعية، في محاولة لضرب الجنوب والمقاومة، وتصعيد الحرب الأهلية.

وفي إطار هذه المساعي الدولية، سواء على مستوى الأمانة العامة للجامعة، أو الدول العربية، يمكِن الإشارة إلى قرارَين من قرارات الجماعة الأوروبية، في شأن الجنوب اللبناني والأراضي اللبنانية المحتلة:

  1. قرار البرلمان الأوروبي، في 25 أكتوبر 1984، وإن خلا من الدعوة إلى الانسحاب الإسرائيلي، إلا أنه حمّل إسرائيل، صراحة، مسؤولية تدهور الأوضاع في الجنوب اللبناني، والأراضي اللبنانية المحتلة. وطالبها باحترام اتفاقية جنيف لعام 1949، في إدارتها المناطق المحتلة. كما طالب باحترام سيادة استقلال لبنان ووحدة أراضيه.
  2. قرار دول السوق الأوروبية المشتركة، في ختام اجتماعات قمة "دبلن"، في 3 و4 ديسمبر 1984، الذي أمل أن تفضي مفاوضات الناقورة إلى انسحاب إسرائيل من لبنان، وفق نداء مجلس الأمن. وجدد تمسكه بسيادة لبنان الكاملة واستقلاله ووحدة أراضيه.