إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الوحدة اليمنية والحرب الأهلية (1994)






المناطق القابلة للانفجار العسكري
المرحلة الأولى
المرحلة الثالثة
المرحلة الثانية
انتشار بعض قوات الشطرين
اليمن الجنوبي
اليمن الشمالي
جغرافية مسرح العمليات اليمني



القسم الرابع: التوصل إلى "وثيقة العهد والاتفاق"، والتوقيع عليها في المملكة الأردنية الهاشمية

القسم الرابع: التوصل إلى "وثيقة العهد والاتفاق"، والتوقيع عليها في المملكة الأردنية الهاشمية

الفترة من 18 يناير إلى 20 فبراير 1994

1. وثيقة العهد والاتفاق (انظر ملحق صورة طبق الأصل من وثيقة العهد والاتفاق، الموقعة في شباط" فبراير 1994م)

أ.  في 18 يناير 1994، توصّلت لجنة الحوار الوطني في اليمن، إلى اتفاق لتسوية الأزمة السياسية، بين الرئيس اليمني ونائبه. وبثت إذاعة عدن أن القوى السياسية الرئيسية في البلاد، وقعت بالأحرف الأولى، في احتفال رسمي في عدن، الاتفاق الذي يُنهي أعمال لجنة الحوار، المكلفة بتسوية الأزمة السياسية. وأوضحت أن رئيس الوزراء، حيدر أبو بكر العطاس، وقع وثيقة الاتفاق عن الحزب الاشتراكي، ووزير التخطيط والتنمية عبدالكريم الإيرياني، عن حزب المؤتمر الشعبي، ونائب رئيس الوزراء، عبدالوهاب الآنسي، عن حزب التجمع اليمني للإصلاح، ومسؤولين عن أحزاب المعارضة. وألّفت لجنة الحوار لجنة من أعضائها، كلفتها التحضير لاحتفال توقيع الاتفاق، بين الرئيس ونائبه. كما سُتوقع الوثيقة، التي سميت "وثيقة العهد والاتفاق"، في حضور ممثلين لجميع القوى السياسية في البلاد، ومندوبين من الدول التي توسطت لتسوية الأزمة. وأشير إلى أن هذه الوثيقة، تلبي في جزء منها مطالب الجنوبيين، خصوصاً تلك المتعلقة باللامركزية الإدارية، وإنشاء مجلس استشاري، ووضع ترتيبات لدمج القوات المسلحة.

وقد أكدت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ"، ما بثته إذاعة عدن. وقالت إن القوى السياسية الرئيسية في البلاد، أبرمت اتفاقاً لتسوية الأزمة المتفاقمة. ونصت الوثيقة على انسحاب القوات، المنتشرة على الحدود السابقة لشطري البلاد، "في مهلة أسبوع"؛ ودمج القوات المسلحة في غضون أربعة أشهر، وسحب الوحدات العسكرية المتمركزة في المدن، وعلى الطرق الرئيسية في البلاد، التي كان وجودها وراء أعمال استفزازية، بين الشماليين والجنوبيين. ودعت السلطات إلى تنظيم حمل السلاح، واعتقال منفذي الاعتداءات ذات الطابع السياسي، التي شهدتها البلاد منذ إعلان الوحدة.

ووصف العطاس توقيع الاتفاق بالأحرف الأولى، بأنه "حدث عظيم" لأنه "تضمن أُسساً حقيقية للوحدة، لم يتضمنها اتفاق الوحدة نفسه".

ب. تمثل الوثيقة رؤية شاملة لبناء مؤسسات الدولة اليمنية الموحدة، والقضايا التي أثيرت قبل التوقيع، وتمثل بعضها نقاط خلاف رئيسية، تركت دون حل، وظهرت آثارها فيما بعد، على جهود تطبيق الوثيقة. وهي على النحو التالي:

(1) مسألة الضمانات، التي يطالب الحزب الاشتراكي الاتفاق عليها، قبل التوقيع، بصورة مفصلة، وشكلت هذه الضمانات، ثلاثة جوانب هي:

(أ) تقديم ضمانات بالأمن الشخصي، لقيادات الحزب، خاصة الأمين العام للحزب، ورئيس الحكومة، عندما يعودون إلى صنعاء، لممارسة أعباء عملهم، ضمن أجهزة الدولة المختلفة.

(ب) ضمانات تتعلق بآليات تنفيذ المبادئ، التي تضمنتها الوثيقة.

(ج) معرفة حدود ودور بعض الأطراف الخارجية، التي ستُدعى للتوقيع على الوثيقة، وإلى أي مدى يمكن أن تشكل جزءاً من ضمان التطبيق الدقيق للوثيقة، في المستقبل.

(2) مكان التوقيع على الوثيقة، على الرغم من الاتفاق المبدئي، الذي انتهت إليه لجنة الحوار، بأن يكون التوقيع خارج اليمن، تفادياً لوقوع احتكاكات بين الأطراف العسكرية، والتجمعات الأمنية، التي ستكون مصاحبة لكل طرف. وتم اختيار المملكة الأردنية الهاشمية، بمشاركة جمهورية مصر العربية، والمملكة العربية السعودية، وجامعة الدول العربية، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي. ولكن المؤتمر الشعبي العام، تحفظ على هذه المقترحات، وسانده حزب التجمع اليمني للإصلاح، وعَدُّوا ذلك بمثابة شرط جديد، يطرحه الحزب الاشتراكي، للتهرب من التوقيع.

(3) امتد الخلاف إلى تحديد الأطراف المحلية، التي ستوقع على الوثيقة، وقد أيد التجمع اليمني للإصلاح، والمؤتمر الشعبي العام، أن يقتصر التوقيع الرسمي على أطراف الائتلاف الحاكم الثلاثة، في حين طالب الحزب الاشتراكي، باشراك المعارضة، والشخصيات التي شاركت في إعداد الوثيقة، ورفض هذا الطلب، بحجة أن التطبيق سيقتصر على من هم في السلطة فعلا، وليس من هم خارجها

(4) مسألة إمكانية تعديل الحكومة القائمة، برئاسة حيدر العطاس، كجزء من إجراءات تطبيق الوثيقة في المستقبل. وقد أيد الحزب الاشتراكي، فكرة توسيع الحكومة الائتلافية، من خلال ضم عدد من الشخصيات، والقيادات السياسية لأحزاب المعارضة، خاصة من الذين أسهموا في لجنة الحوار. ويرى الحزب أن هذا الإجراء، يؤمن أكبر مساحة ممكنة من التأييد السياسي لعملية التطبيق، بينما المؤتمر الشعبي والإصلاح، يرفضان ذلك تماماً.

(5) مسألة دور البرلمان في عملية التطبيق لبنود الوثيقة. وقد تبلورت تحفظات واسعة المدى، أبدتها قيادات البرلمان، ممثلة في الشيخ عبدالله حسين الأحمر. والمعروف أن البرلمان لم يتخذ موقفا رسميا مؤيدا للوثيقة. وتعود تحفظات البرلمان إلى أن الوثيقة، ستتضمن تحديداً لدور البرلمان، وهو ما يتعارض مع بعض نصوص مواد الدستور، كما تستهدف الوثيقة إنشاء مجلس للشورى في المستقبل، ومنحه صلاحيات تشريعية حال تشكيله.

ج. أثيرت جميع هذه الخلافات قبل التوقيع على الوثيقة، وبقيت دون حسم، إلاّ فيما يتعلق بمكان التوقيع، والأطراف المشاركة فيه، أما الخلافات الأخرى، المتعلقة بالضمانات الأمنية لقيادات الحزب الاشتراكي حال عودتها إلى صنعاء، وكذلك دور البرلمان في تطبيق بنود الوثيقة، ومسألة آلية التنفيذ، وتعديل الحكومة، وضم أطراف من غير أحزاب الائتلاف الثلاثة، فقد بقيت تشكل عقبات دون حل، وكان يجب حلها حتى تتضح معالم الطريق أمام عملية التطبيق، التي بدورها شكلت حدا فاصلا، لِما قبل الوثيقة، وما بعدها. ومن الناحية الفعلية، فإن هذه القضايا، شكلّت محتوى الصراع السياسي والعسكري فيما بعد، وأدت إلى انهيار الأسس والقواعد، التي بنيت عليها دولة الوحدة.

2. صرح ناطق باسم حزب المؤتمر الشعبي العام، قبل ساعات من إعلان الاتفاق، أن طائرة حربية من نوع ميج (MIG)، تابعة للقوات الجنوبية، أقلعت من قاعدة بدر الجوية قرب عدن، وقصفت لواء العمالقة الشمالي، المرابط في مقاطعة أبين في الجنوب، مما أوقع أضراراً مادية فادحة. إلاّ أن ناطقاً باسم قاعدة بدر، نفي الاتهام الشمالي، قائلاً إن الطائرة كانت تقوم بمهمة تدريبية روتينية، وأن عملاً كهذا لو حدث، هو بداية حرب، أو بداية كارثة حقيقية. ونشرت صحيفة عدن الجنوبية، أن القوات الشمالية نشرت 12 دبابة في منطقة حيفان في تعز، وأن لواء العمالقة، الذي تمركز في الجنوب عقب اتفاق الوحدة، يقوم بتحركات استفزازية. ونسبت مصادر إلى علي سالم البيض أنه أرسل قوات جنوبية، للدفاع عن حقول النفط الغنية.

3.  وفي 19 يناير 1994، أكد حزب المؤتمر الشعبي العام، التزامه بكل ما تضمنته وثيقة العهد والاتفاق، خاصة البند المتعلق بالإجراءات الأمنية والعسكرية، وتطبيق لا مركزية إدارية واسعة، وهي ما كانت نقطة خلاف رئيسية بين الشماليين والجنوبيين.

وفي 20 يناير 1994، أُعْلن عن موافقة الرئيس علي عبدالله صالح، ونائبه علي سالم البيض، تسوية الأزمة السياسية الناشئة بينهما، وعبرا عن استعدادهما للقاء، والتوقيع على وثيقة العهد والاتفاق، في أي مكان وزمان تحددهما اللجنة. ودعا الرئيس علي عبدالله صالح، في كلمة وجهها عبر التليفزيون اليمني، نائبه علي سالم البيض، إلى العودة إلى العاصمة صنعاء، وممارسة مهامه الرسمية.

4. وفي 21 يناير 1994، رحب الأردن، الذي اضطلع بدور رئيسي في الوساطة بين الزعيمين، باتفاق المصالحة. واقترح العاهل الأردني الملك حسين، على القادة اليمنيين، التوقيع على الاتفاق، في حفل يقام في الأردن.

وعلى الرغم من أن الكثير من المهتمين بالمشكلة اليمنية، سواء من الداخل، أو الخارج، ومنهم الولايات المتحدة الأمريكية، وهولندا، باركوا الاتفاق، إلا أن بعض المراقبين تفاءلوا بحذر، فقد نشرت صحيفة السفير اللبنانية، مقالاً، تحت عنوان (تجميد الأزمة)، رأت فيه، أن الأزمة السياسية في اليمن، ليست نتيجة لنقص الاتفاقات والوثائق، بل هي في الأساس نتيجة لعدم تنفيذ الاتفاقات والوثائق، التي قامت عليها دولة الوحدة في عام 1990. كما رأت أيضاً "أن الأزمة التي بدأت حدتها تخف، مع الإعلان عن التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق، قد لا تنتهي نهائياً"، وتنتهي الصحيفة إلى القول، بأن ما يزيد المخاوف من تجدد الأزمة، هو أن الاتفاق الأخير، يبدو نتيجة لضغوط خارجية، لا تريد أن تصل الأوضاع إلى الانفجار الكامل. وما حديث أحد المسؤولين، في المؤتمر الشعبي العام، عن النفط كسبب للتأزم الأخير، إلاّ الدليل على وجود هذه الضغوط، ووجود قرار بمنع التفجير في اليمن الآن.

5. وفي 23 يناير 1994، أكد الحزب الاشتراكي، استعداده لتحمل مسؤولياته، مع غيره من القوى السياسية، لتنفيذ الاتفاق. ودعا إلى الإسراع في اتخاذ ترتيبات التوقيع، وقال "إن القوى الطيبة التي اشتركت في الحوار، تقف أمام محك حقيقي، لنقل ما جاء بالوثيقة إلى واقع، من أجل بناء دولة الوحدة، التي لم تقم بعد".

وفي 26 يناير 1994، أكد الرئيس علي عبدالله صالح، عن قرب توقيع الوثيقة، إلاّ أن حزب المؤتمر، الذي يرأسه، عاد وهدد في 30 يناير، بعدم التوقيع على الوثيقة، إذا لم يوافق الحزب الاشتراكي، على عودة أمينه العام علي سالم البيض، وباقي قياداته، من عدن إلى صنعاء، بعد التوقيع فوراً، وزاد من هذا التهديد، ما حذر منه الرئيس علي عبدالله صالح، من عودة العقلية التآمرية، والانقلابات الدموية، والإرهاب الإيديولوجي، معتبراً، أن الأزمة الراهنة في اليمن، هي بسبب هذه العقلية.

وفي الوقت نفسه، رأى الحزب الاشتراكي، أن التوقيع على الوثيقة، لا يعني نهاية الأزمة، وأن عودة نائب الرئيس إلى صنعاء، ليست مرهونة بالتوقيع، وإنما بالتنفيذ، وتوفير الأمن للمسؤولين. وتقول مصادر سياسية في صنعاء، نقلاً عن الحزب الاشتراكي، أنه متخوف من خطة يكون أعدها حزب المؤتمر، مع الشريك الثالث في الائتلاف الحاكم، حزب الإصلاح، لاجتياح الجنوب، أو تصفية معظم قياداته، عن طرق الاغتيال. ويرى الاشتراكي أن الوضع خطير للغاية، وان النوايا غير سليمة، داعياً لإيجاد ضمانات لتنفيذ الاتفاق، عن طريق حضور عربي ودولي، لعملية التوقيع والمصالحة.

وشُكلت لجنة عسكرية، اشترك فيها أطراف النزاع، إضافة إلى الملحق العسكري الأمريكي، والملحق العسكري الفرنسي، وممثل عن الاتحاد الأوروبي، لتحديد حجم المخاطر العسكرية، وإمكانية احتوائها. وذلك في أعقاب الحديث عن تحركات لألوية عسكرية شمالية وجنوبية، في أكثر من مكان، فضلاً عن تحركات القبائل، التي تعتبر جيشاً قائماً بذاته.

6. وفي يوم 31 يناير 1994، صرح عضو، في اللجنة المكلفة، بتحديد موعد ومكان حفل توقيع وثيقة العهد والاتفاق، أن علي سالم البيض، وضع شروطاً جديدة للتوقيع. وقال إن الحزب الاشتراكي، يطالب بعد توقيع الاتفاق بالأحرف الأولى، البدء بتطبيق بنوده الرئيسية، قبل تسوية نهائية للأزمة السياسية. وأوضح المصدر نفسه، أن مسؤولي الحزب الاشتراكي، ومعظمهم في عدن على غرار البيض، لا يعتبرون أنفسهم مجبرين على العودة إلى صنعاء، بعد توقيع الاتفاق، حتى ولو كان ينص على ذلك. وأشار إلى أن ممثل الحرب الاشتراكي وزير الثقافة جارالله عمر، أبلغ اللجنة، أن البيض لن يعود إلى صنعاء قبل، تطبيق هذه البنود. وأشار المصدر إلى أن ممثلي المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح، رفضوا هذا المطلب، معتبرين أن الاتفاق ملزم، وأن تطبيقه يتطلب مساهمة سائر قادة التحالف الحكومي الثلاثي. وأضاف المصدر أن الحزب الاشتراكي، يطالب بأن يتم حفل التوقيع، بحضور ممثلين عن الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والصين، وكندا، وسوريا، والسعودية، إضافة إلى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، من أجل مزيد من الضمانات. لكن مصدراً قريباً من المؤتمر الشعبي، اعتبر أن هذا المطلب، يندرج في إطار المزايدة السياسية، والسعي لتدويل الأزمة اليمنية.

وقال بيان لجبهة المعارضة الوطنية اليمنية، إن أحزاب الائتلاف الحاكم، لم تستطع الاتفاق على توقيع الوثيقة، ودعت إلى اجتماع، في 2 فبراير 1994، لتحديد موعد ومكان التوقيع. وذكر البيان، أن العاجزين عن ترتيب اجتماع لتوقيع الاتفاق، هم أكثر عجزاً عن تنفيذ مضمون الاتفاق.

7. وفي الأول من فبراير 1994، نشرت صحيفة الدستور الأردنية، تحذيراً لنائب رئيس الوزراء اليمني، العميد مجاهد أبو شوارب، من أن عدم التوصل إلى تسوية للأزمة اليمنية، ربما أدى إلى حرب ضروس، بين الأطراف المتنازعة، تتجاوز دمار الحرب اللبنانية.

وقال أبو شوارب، إنه سيتوجه إلى العاصمة الأردنية، "إذا سارت الأمور على ما يرام، للمشاركة في وضع الترتيبات الضرورية، لمراسم التوقيع".

وروى عائدون من بلدة عتق، عاصمة إقليم شبوه الحيوي والغني بالنفط، أن الحزب الاشتراكي اليمني، يرسل مزيداً من الدبابات إلى الإقليم، وأن ما بين 80 و100 ناقلة ثقيلة، تنقل نحو 50 دبابة سوفيتية الصنع، ومدافع، وصواريخ، وصلت إلى المنطقة، على مسافة 160 كم شمال شرقي عدن، مما يخشى أن تصبح المنطقة الغنية بالنفط، مثار نزاع في حال انفصال شطري البلاد.

8. في 2 فبراير 1994

أ.  نشرت صحيفة "السفير" اللبنانية، تحليلاً إخبارياً تحت عنوان "اليمن: نفاق وحدوي"، رأت فيه أن المتفائلين عن قرب توقيع وثيقة "العهد والاتفاق"، يسقطون من حساباتهم، الجانب العملي والواقعي الذي يعيشه اليمن حالياً، والمتمثل في التحركات العسكرية، التي يقوم بها كل طرف في مكان وجوده، حتى باتت الأمور تسير هناك على نحو يوحي أن الحرب بين الجانبين، واقعة لا محالة.

ب. أكد رئيس الوزراء حيدر أبو بكر العطاس، في حديث نشرته صحيفة الأهرام المصرية، "أنه ما تزال هناك تباينات كبيرة أمام لجنة حوار القوى السياسية، يجب معالجتها وأشار إلى أن الرئيس علي عبدالله صالح، اتصل به بعد اعتراضه على حاجز عسكري في صنعاء، في (تشرين الأول) أكتوبر الماضي، وطلب منه الاستقالة من الحزب الاشتراكي، والانضمام إليه".

وعلى الرغم من استمرار محاولة تهدئة الصراع، وحل الأزمة، إلاّ أنه في نفس الوقت نفسه، نشطت الاستعدادات العسكرية، ولم تتوقف الحملات الكلامية، وتوجيه الاتهامات بين الطرفين، وقد أدى ذلك إلى تأجيل التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق، التي كان مقرراً لها، يوم الأحد 6 فبراير 1994، ثم تأجلت إلى 20 فبراير 1994.

9. في 11 فبراير 1994، أُعلن رسمياً في صنعاء، أن التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق اليمنية، التي ستضع حداً لأخطر أزمة، بين شمال البلاد وجنوبها، منذ توحدهما في (أيار) مايو 1990، سيجري في 20 (شباط) فبراير، في عمان.

وصرح أحمد جابر عفيف، الناطق باسم لجنة الحوار، التي وضعت النص، أن مراسم التوقيع ستقام في العاشر من شهر رمضان، الموافق 20 (شباط) فبراير، ونقل التليفزيون عنه، أن الموعد حدد بعد الاتفاق مع الأخوة اليمنيين، وأفاد مسؤول يمني، أن التوقيع سيجري في حضور الرئيس علي عبدالله صالح، ونائبه علي سالم البيض، ورئيس التجمع اليمني للإصلاح عبدالله الأحمر، وأن العاهل الأردني الملك حسين، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، سيحضران الاحتفال أيضاً.

10. وفي 14 فبراير 1994، أصدر رئيس الوزراء، وعضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني، حيدر أبو بكر العطاس، المعتكف في عدن، قراراً، عيّن بموجبه محمد علي أحمد، محافظاً لأبين التي تبعد 100 كم شرق عدن، وذلك خلفاً للعقيد يحيى الراعي (شمالي)، عضو اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام.

وفي اليوم التالي، ألغى مجلس الرئاسة في صنعاء، قرار رئيس الوزراء، وقالت إذاعة صنعاء، إن قرار العطاس غير دستوري، ونقلت الإذاعة اليمنية عن مسؤول في حزب الإصلاح، قوله: إن أقل ما يمكن أن يقال عن قرار العطاس، أنه انفصالي.

وفي 15 فبراير 1994، صرح علي سالم البيض، لمجلة "الشروق" الإماراتية، أن "الفيدرالية صيغة أرقى من الوحدة، من الناحية الحضارية، وإشاعة أوسع لروح الديموقراطية، وأنها تساعد على التنافس، وتقبل التنوع، وتعطي مجالاً للمبادرة، وأن الدول المتطورة في أوروبا، التي قطعت شوطاً طويلاً على النهج الديمقراطي والحداثة، مثل ألمانيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، هي دول فيدرالية". كما نفي علي سالم البيض، اتهامات مسؤولين شماليين، بأن اكتشاف النفط في المحافظات الجنوبية غداة الوحدة، التي أعلنت عام 1990، هو في أساس التوجهات الانفصالية.

11. أحداث في إطار تصعيد المواجهة العسكرية:

أ. في 3 فبراير 1994، أعلن الحزب الاشتراكي اليمني، في عدن، أن قواته صادرت، عند خط الحدود السابق بين شطري اليمن، شحنة من 40 صاروخاً مضاداً للطائرات، مرسلة من الشمال لتعزيز مواقع قوات صالح الشمالية. وأن الصواريخ، وهي من نوع "سـتريلا " (SAM-7)، الروسي الصنع، باتت في أيدي القوات الجنوبية. وندد الحزب الاشتراكي باستمرار التعزيزات العسكرية للقوات التابعة لحزب المؤتمر الشعبي. كما نفى تقارير نشرتها صحيفة شمالية، عن نشر قوات جنوبية، في منطقة حساسة على الحدود السابقة بين الشطرين، خصوصاً في منطقة شبوة.

نفى حزب المؤتمر الشعبي العام، أن تكون القوات الشمالية، نقلت صواريخ مضادة للطائرات، وأكد أن تصريحات الحزب الاشتراكي اليمني، ترمي إلى تغطية التحركات العسكرية التي قام بها، وتضليل الرأي العام، وصرف الانتباه عن رفضه توقيع وثيقة العهد والاتفاق، التي كان مقرراً إبرامها، يوم الأحد 6 فبراير 1994، في العاصمة الأردنية.

ب. وفي 4 فبراير 1994، كشف مصدر في حزب المؤتمر الشعبي العام، أن قوات العمالقة الشمالية، المتمركزة في محافظة أبين، احتجزت شاحنتين محملتين بأكثر من 600 بندقية آلية، وكانت الشاحنتان قادمتين من المنطقة الجنوبية، في طريقها إلى المناطق الشمالية، لتوزع هذه الأسلحة على بعض القبائل في الشمال. واتهمت مصادر المؤتمر الشعبي، الحزب الاشتراكي اليمني، بأنه يقوم بعملية تسليح للقبائل، بغرض خطف الأجانب، بما يخلق مناخات عدم الاستقرار، وإعطاء الانطباع العام، بأن الأمن غير متوافر في المحافظات الجنوبية، وقالت تلك المصادر أن التحقيقات، التي أجريت مع بعض خاطفي الأجانب، أظهرت أنهم تلقوا تعليمات من مسؤول كبير في الحزب الاشتراكي، زوّدهم بالمال والسلاح، للقيام بعمليات الخطف.

ج. وفي 5 فبراير 1994، تحدثت مصادر عسكرية مسؤولة في عدن، عن عودة الحشود العسكرية في مناطق الأطراف (سابقاً)، من قبل القوات الشمالية، والجنوبية. وأضافت أن اللجنة العسكرية، المكلفة بإعادة القوات إلى معسكراتها، فشلت في مهمتها، وعادت إلى صنعاء. وأكدت المصادر نفسها، أن الوضع الحالي، الذي تعيشه البلاد، ينذر بالخطر، إذا لم تبذل جهود كبيرة من الجميع لاحتوائه، مع الإسراع في توقيع وثيقة العهد والاتفاق.

د. وفي 6 فبراير 1994، أعلن مسؤول في وزارة الداخلية اليمنية، أن طائرة شحن أوغندية، كانت متجهة إلى عدن، احتجزت في مطار الحديدة، وهي تحمل كميات كبيرة من البطاريات، التي تستخدم في معدات عسكرية، وأجهزة اتصال، كانت ستدخل البلاد بطريقة غير مشروعة، من دون علم الجهات المختصة أو موافقتها، وقال إن السلطات تجري تحقيقاً، في ظروف هذه الشحنة وملابساتها.

ورد مسؤول في الحزب الاشتراكي، أن الطائرة دخلت اليمن بطريقة قانونية، ووصف اعتراض القوات الجوية اليمنية الشمالية لها، بأنه عمل من أعمال القرصنة، وأوضح أن الطائرة، استأجرتها شركة طيران اليمن الجنوبية "اليمدا"، وكانت تحمل شحنة من بطاريات السيارات المدنية، ودخلت البلاد بصورة قانونية.

هـ. وفي 8 فبراير 1994، وجه حزب المؤتمر الشعبي العام، اتهاماً للحزب الاشتراكي اليمني، بالتحضير لحرب أهلية في البلاد.

وتعليقاً على إعلان وزير الدفاع اليمني، هيثم قاسم "جنوبي"، بأن اعتراض الطائرة هو "عمل قرصنة"، ومطالبته بنقل الطائرة فوراً إلى عدن، ومحاكمة معترضوها، استغرب ناطق رسمي باسم المؤتمر الشعبي، أن يصدر مثل هذا التصريح، عن وزير الدفاع، الذي يفترض أن يكون معنياً بالحفاظ على السيادة الوطنية، خصوصاً أن الطائرة دخلت البلاد، من دون إذن السلطات المختصة. وأضاف، أن الطائرة كانت تنقل شحنة من المعدات، والأجهزة التجسسية، وأجهزة للتصنت. على المكالمات، بطريقة تضر بأمن البلاد، وتنتهك حقوق المواطن.

وأفادت الأجهزة الأمنية في الحديدة، أن الطائرة كانت تحمل 65748 بطارية كهربائية، معدة للاستخدام العسكري، و 15 جهاز إرسال، وثلاثة صناديق من قطع الغيار. وقدّر المصدر المسؤول في المؤتمر الشعبي، قيمة الحمولة التي ضبطت بـ 10.5 مليون جنية إسترليني (نحو 16 مليون دولار)، وأشار إلى أن الطائرة لا تزال متوقفة في الحديدة، بينما يستجوب طاقمها في "تفاصيل عملية النقل ومن يقف وراءها".

و. وفي 9 فبراير 1994، أفادت مصادر في هيئة الطيران المدني والأرصاد، في صنعاء، أنه سَمح للطائرة الأوغندية، التي أرغمت الأحد الماضي، الموافق 6 فبراير 1994، على الهبوط في مطار الحديدة، بالإقلاع، بعدما صادرت القوات المسلحة الشمالية، حمولتها المخصصة للقوات المسلحة الجنوبية.

ز. وفي 15 فبراير 1994، أكدت مصادر عسكرية، في عدن، أن الاستخبارات العسكرية في المدينة، اكتشفت أخيراً، وجود مخطط لإسقاط الطائرة المدنية، التي ستقل نائب رئيس مجلس الرئاسة، علي سالم البيض، ووفد الحزب، من عدن إلى عمان، لتوقيع "وثيقة العهد والاتفاق". واتهمت بعض عناصر الأمن المركزي، التابعين للمحافظات الشمالية، الموجودين في معسكر ردفان، المطل على مطار عدن، بالإعداد لتنفيذ مهمة ضرب طائرة البيض، عند إقلاعها من المطار. وأشارت إلى أن العميد صالح منصر السييلي، محافظ عدن، وعضو المكتب السياسي الاشتراكي، أمر بطرد أفراد الأمن المركزي الشماليين من عدن، وعودتهم إلى الشمال، وإلقاء القبض على الذين كانوا سينفذون، مهمة ضرب طائرة البيض.

ح. وفي 16 فبراير 1994، أتهم المؤتمر الشعبي العام، الحزب الاشتراكي اليمني، بقطع المياه والكهرباء، عن عناصر الأمن المركزي، الموجودة في عدن، كمقدمة لمواجهة دامية. وندد حزب المؤتمر الشعبي العام، بأوامر الحزب الاشتراكي اليمني، بسحب قوات الأمن المركزي الشمالية، المتهمة بالأعداد لاغتيال نائب الرئيس اليمني في عدن، وجاء في بيان أصدره الجزب، أن محافظ عدن صالح منصر السييلي، استدعى قائد وحدات الأمن المركزي، وأبلغه أن قيادة الحزب الاشتراكي، قررت إجلاء هذه الوحدات سريعاً عن قواعدها في معسكر ردفان، قرب مطار العاصمة الجنوبية.

12.التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق:

أ. في 17 فبراير 1994، أعلنت الرئاسة اليمنية في صنعاء، أن الرئيس علي عبدالله صالح، ونائبه علي سالم البيض، سيتوجهان في الساعات الـ48 المقبلة، إلى عمان، لتوقيع "وثيقة العهد والاتفاق". وأوضحت أن الرئيس اليمني سيسافر في 19 فبراير 1994، إلى العاصمة الأردنية، في حين علم مصدر قريب من البيض في عدن، أن زعيم الحزب الاشتراكي، سيقوم بزيارة قصيرة لمكة المكرمة، في المملكة العربية السعودية، لأداء مناسك العمرة، في طريقه إلى العاصمة الأردنية، وسيرافقه رئيس الوزراء اليمني حيدر أبو بكر العطاس، على أن يسبقهما الأمين العام المساعد للحزب، سالم صالح محمد، لتحضير احتفال توقيع الاتفاق بين الزعيمين.

وأكد مسؤولون أردنيون أن زعماء اليمن سيصلون إلى عمان، في غضون 48 ساعة، لتوقيع الاتفاق، وأن الدعوات وجهت إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، الدكتور عصمت عبدالمجيد، ووزير الدولة العماني للشؤون الخارجية، يوسف بن علوي، وكذلك السفراء العرب، لحضور الاحتفال.

ب. وفي 18 فبراير 1994، بثت الإذاعة اليمنية، أن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، غادر العاصمة صنعاء، متوجهاً إلى إريتريا، في طريقه إلى عمان، للتوقيع على "وثيقة العهد والاتفاق".

وأعرب مسؤول أمريكي في واشنطن، عن أمل إدارة الرئيس بيل كلينتون، في أن يوقع حزبا المؤتمر والاشتراكي اليمنيان، على الوثيقة بعد غد الأحد 20 فبراير 1994، في عمان، وقال إن واشنطن شجعت اليمنيين، بمختلف فئاتهم، على المحافظة على وحدتهم الوطنية، "وعملنا معهم عن كثب لتحقيق ذلك".

صرح الزعيم اليمني علي ناصر محمد، الذي قدم من دمشق إلى عمان، لحضور حفل التوقيع على "وثيقة العهد والاتفاق"، أن توقيع الوثيقة يمثل بداية حل شامل، يمكن أن يضع حداً للأزمة اليمنية. وقال إنه "ليس المهم اللقاء والتوقيع، بقدر ما يهمنا صفاء النيات، والإرادة، لتنفيذ هذه الوثيقة، عن طريق بناء دولة موحدة، وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. وأكد ثقته بأن القيادة اليمنية، "قادرة على تجاوز هذه الأزمة، طالما هي جادة وصادقة، بعيداً عن المناورة والتكتيك".

ج. وفي 19 فبراير 1994، أعلن مصدر رسمي أن الرئيس السوري، حافظ الأسد، استقبل نائب الرئيس اليمني علي سالم البيض، وبحث معه وثيقة العهد والاتفاق، وقال المتحدث باسم الرئاسة السورية، أن المحادثات تناولت أيضاً التطورات الأخيرة في اليمن.

د. كان يوم 20 فبراير 1994، هو اليوم الموعود بالنسبة لليمنيين وللعرب. فبعد أكثر من ستة أشهر من الأزمة، بين الرئيس اليمني ونائبه، التقى في العاصمة الردنية عمان، أكثر من ثلاثمائة شخصية يمنية سياسية، وحزبية، وقبلية، إضافة إلى حضور الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وأمين عام جامعة الدول العربية، عصمت عبد المجيد، ووزير الدولة العماني للشؤون الخارجية، يوسف بن علوي، ورئيس اليمن الجنوبي السابق، علي ناصر محمد، والسفراء العرب، والأجانب، المعتمدون في عمان. ووسط هذا الجمع الغفير، وقع الزعيمان اليمنيان علي عبدالله صالح، ونائبه علي سالم البيض، "وثيقة العهد والاتفاق"، في قصر رغدان الملكي، محاولين بذلك إسدال الستار عن أسوأ أزمة عرفتها اليمن، بعد توحيد شطريها، عام 1990، والتي اعتبرها العاهل الأردني الملك حسين، بداية جيدة على طريق مصالحة كل القضايا عربياً.

كما وقع الاتفاق، رئيس مجلس النواب عبدالله الأحمر، الأمين العام لحزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي كتب إلى جانب توقيعه "على شرط انتهاء الأزمة"، كما وقعها 34 شخصية يمنية تمثل لجنة الحوار.

ودعا العاهل الأردني الملك حسين، في كلمة ألقاها في افتتاح احتفال التوقيع على "وثيقة العهد والاتفاق"، الزعماء اليمنيين إلى العمل على تنفيذ الوثيقة، التي صاغها "نخبة من خيرة أبناء اليمن، والتي تعبّر عن وحدة حقيقية، ونجاح مبدأ التعدد في إطار الوحدة"، وقال: "هانتم تبدأون درباً صَعْباً للإصلاح الشامل، الذي يحتاج إلى كل جهد، ويحتاج إلى أنقى ما في الثورة من صور الطهر والأخوّة، حتى لا يبقى لنا بحر مظلم، أو خليج معتم، أو دم يسيل على كف شقيق من سيف شقيقه، على غير هُدى منه، أو بيّنه، مما يترتب عليه من تبعات".

وتعهد الرئيس اليمني، علي عبدالله صالح، بعد التوقيع على الوثيقة تطبيق بنودها، وشكر للعاهل الأردني الملك حسين، جهوده في سبيل المصالحة اليمنية، وقال "سنكون عند حسن ظن الجميع، وسنطوي صفحات الماضي، بكل مآسيها، وسنعدكم وعد الرجال الأوفياء، إننا سننتقل بالوثيقة إلى مرحلة التطبيق"، وشكر للولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي جهودها لتقريب وجهات النظر في اليمن.

ورأى نائب الرئيس اليمني، علي سالم البيض، في خطاب مرتجل، بعد حفلة التوقيع، أنها "مرحلة جديدة في طريق اليمن وسنواصلها، لا بأس هذه المرة حصل صراع من نوع آخر، لكنه حوار بالكلمات، واستبعدنا حوار العنف والطلقات، واحتكمنا إلى الاجتماع"، وقال إن صور الكثير من أعضاء الحزب الاشتراكي الذين قتلوا في تصفيات سياسية، لا تزال ماثلة أمامه، لكن الوطن أغلى منهم جميعاً، وعلينا أن نضع بلدنا فوق كل الاعتبارات والذاتيات، وخلص إلى أنه على الرغم من تحفظاتنا، أو إحساسنا، أن هناك صعوبات في التنفيذ بناء على خبرة الماضي، دعونا نتفاءل هذه المرة.

وقال رئيس التجمع اليمني للإصلاح عبدالله الأحمر، بعد حفل التوقيع على الوثيقة: "إن شاء الله بتوقيع الوثيقة تنتهي الخلافات والأزمة، ويعود جميع المسؤولون إلى مواقع أعمالهم، لتنفيذ ما جاء فيها، ونخدم بلدنا، ونخرجه من الأزمة الاقتصادية والسياسية".

وقال الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي، وعضو مجلس الرئاسة، سالم صالح محمد: "أنها المرة الأولى، التي لم يلجأ فيها اليمنيون إلى القتال، على رغم حدة الأزمة"، ولفت إلى أن الأمور ليست سهلة، ويخطئ من يعتقد عكس ذلك، فعوامل التخلف، توازي عوامل التقدم، وعوامل الانفجار، توازي عوامل السلام، لكن الشعب ملتف حول هذا الاتفاق.

وقال المشير عبدالله السلال رئيس اليمن سابقاً، إن الامتحان سيكون في تطبيق الاتفاق، و"المهم هو التنفيذ، لأنها إذا طبقت الوثيقة، سوف تنتهي كل الأزمات، وستعود لليمن وحدته"، وعزا الأزمة إلى "مخلفات الماضي، والرواسب، وبقاء الحساسيات على المناصب والكراسي، إنما اعتقد بعد تطبيق الوثيقة سيزول كل شيء".

وفي صنعاء، استقبل اليمنيون توقيع اتفاق المصالحة، بتفاؤل حذر، آملين في تحسين ظروف معيشتهم. ولاحظ مراقب سياسي مخضرم، أن "احتفال عمان، كان ينقصه على ما يبدو الحماس والصدق"، وقال مراقب آخر "إن الأمر كله بدا كما لو، كان نصاً معداً بممثلين، يلعبون أدواراً ليسوا مقتنعين بها".

13. من أهم التعليقات على توقيع وثيقة العهد والاتفاق:

أ. التعليق الأول:

نشرت صحيفة "السفير" اللبنانية، مقالاً لصاحبها طلال سلمان، نوه فيه بمجموعة من المفارقات:

·    الأولى: أن اليمنيين المزهوين عادة بذكائهم، والمتباهين دائماً بأن "الحكمة يمانية"، قد سقطوا في امتحان الانتقال من القبلية إلى الدولة، وكان السقوط شاملاً، لا فرق فيه، بين ماركسي ويميني، بين متدين وعلماني، بين مثقف وجاهل.

·    المفارقة الثانية: "لبنانية إلى حد كبير، فمن الطائف السعودية، إلى عمان الهاشمية، يبدو وكأن "الملكيين" هم الأنجح في إصلاح ذات البين بين "الجمهوريين" العرب، سواء كانت "الجمهورية" ديموقراطية اشتراكية، أم ليبرالية غربية، فإذا استبدلنا الطوائف بالقبائل، يبدو لقاء عمان، نسخة هاشمية من اتفاق الطائف السعودية حول لبنان. إنها قضية السلطة وكيف يتوزعها ويتقاسمها الأخوة ـ الأعداء، ويمتنعون بذلك عن الحرب حتى لا تذهب بها وبهم، وكما أنتج الطائف "ترويكا" لبنانية، فنقل الحرب من الشارع إلى قمة السلطة، يحاول لقاء عمان أن يمنع نزول الحرب في اليمن، من قمة السلطة إلى الشارع.

·    ومفارقة أخرى لعلها الأهم: هذه أول تجربة وحدوية عربية تحظى بمثل الرعاية الأمريكية والغربية المعلنة، التي حمت حتى اليوم "وحدة اليمن"، فلقد قالت واشنطن بصراحة: ممنوع الانفصال!

ب.التعليق الثاني:

نشرت صحيفة "النهار"، مقالاً تحت عنوان "وحدويات ... من اليمن"، رأى أن توقيع "وثيقة العهد والاتفاق"، جنّب البلاد حرباً أهلية: "الاسم الوحدوي" لحرب نظامية بين الشطرين، الشمالي والجنوبي. قد تكون الأزمات في عمر الوحدات أمراً طبيعياً، تخرج منه أقوى وأصلب. لكن في الحالة اليمنية، قد يكون التوقيع على الاتفاق، مجرد نجاح مؤقت على طريق انفصال آت.

ورأى الكاتب أن مشكلة الوحدة في اليمن، هي في عدم قدرة أي من الطرفين على "هضم" الآخر في مؤسسات، كان ينبغي أن تكون راسخة في أحد الشطرين، أقلها قبل الوحدة، وبهذا المعنى فإن الحل العسكري، لا يمكنه أن يؤمن توحيداً طالما أن مؤسسات التوحيد المدنية مفقودة.

ج.التعليق الثالث:

نشرت صحيفة "السفير"، مقالاً للسيد "جهاد الزين" تحت عنوان "مهنتي كملك" جاء فيه: أن تطورات الأشهر الأخيرة كشفت أن الوحدة لا تزال وحدة بين دولتين، احتفظت كل منهما بمقوماتها السلطوية الأساسية، حتى إذا لاحت بوادر خلاف جاد، عادتا دولتين كاملتين، مع العاصمة، والجيش، اللذين كان لكل منهما.

وينتهي كاتب المقال إلى القول "ولأن كانت المخاطر على وحدة اليمن، تدفع كل الحديث في هذا المجال، إلى منطق الاختيار بين السيئ والأسوأ، فإننا نتمنى إذا كان المستقبل غير مضمون، أن ينقسم اليمن إلى عدة (يمنات)، بدل البقاء على يمنين شمالية وجنوبية، فكثرة الأطراف تحمي الوحدة، أما ثنائية الانقسام فتُبقى اليمن دولتين".

د. التعليق الرابع:

نشرت صحيفة "السفير"، مقالاً تحت عنوان "اليمن: فشل التقاسم". جاء فيه: "من الطبيعي أن يكون الاعتراف بفشل تجربة الوحدة في اليمن، بعد أربع سنوات على قيامها، أمراً مؤلماً، لكن من السّذاجة، المكابرة والإصرار على ما يخالف الواقع، خاصة إذا هدد هذا الإصرار، بإغراق اليمن في صراع لا يعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل العام 1989، بل إلى تفتيت أشد، وربما حرب أهلية مفتوحة"، إنّ ما جرى في عام 1989، لم يكن توحيداً لذلك البلد، بقدر ما كان تقاسماً للنفوذ بين الجهات الحاكمة في شطريه.