إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الوحدة اليمنية والحرب الأهلية (1994)






المناطق القابلة للانفجار العسكري
المرحلة الأولى
المرحلة الثالثة
المرحلة الثانية
انتشار بعض قوات الشطرين
اليمن الجنوبي
اليمن الشمالي
جغرافية مسرح العمليات اليمني



القسم العاشر: انهيار دفاعات الجنوبيين وسقوط عدن والمكلا ومقتل صالح أبو بكر حسينون، وزير النفط الجنوبي، والحاكم العسكري لحضرموت

 

10. يوم 3 يوليه 1994

أ.  تدخل الحرب اليمنية اليوم شهرها الثالث، من دون ما يشير إلى توقف القتال، إذ استمرت المعارك أمس في المناطق المحيطة بعدن، وسط أنباء متضاربة عن نتائجها. وكان الشيء الوحيد الثابت، استمرار مأساة عدن المحرومة من المياه والكهرباء، مع ما يعنيه ذلك من موت للأطفال والمسنين، الذين يشربون من مياه الآبار الملوثة.

ب. واستمرت عدن تتعرض لقصف مركز، أوقع 17 قتيلاً، منهم تسعة كانوا يحفرون بئراً بحثاً عن مياه صالحة للشرب. وأعلنت مصادر رسمية في صنعاء، أن "الجنوبيين حصلوا على 30 طائرة حربية جديدة، بينها طائرتان من نوع ميج ـ 29 (MIG-29).

ج. وفي عدن دارت معارك عنيفة، على مشارف المدينة. وقال بيان جنوبي: "إن قوات (جمهورية اليمن الديموقراطية)، استطاعت بعد معركة ضارية بالدبابات والمدفعية، وبمشاركة فعالة من سلاحي البحر والجو، إبعاد القوات الشمالية التابعة لنظام صنعاء إلى مسافة 30 كم عن عدن، من جهتي الشمال والغرب (أي في جعولة ومنطقة صبر)".

وشهد مراسل صحفي، زار الجبهة عند نقطة صبر، وهي مدخل محافظة لحج، العديد من الدبابات الشمالية تحترق، وإلى جانبها عشرات القتلى من الجنود الشماليين. وقال أحد الضباط "إن قوات شمالية كبيرة معززة بالدبابات، وعربات الكاتيوشا، حاولت مساء أمس الاقتراب من منطقة دار سعد، على مشارف عدن. وأدى ذلك إلى معركة استمرت حتى الصباح". وأضاف أن "الطائرات الجنوبية، لعبت دوراً حاسماً، في صد الهجوم الشمالي".

تعرضت عدن لقصف شمالي بالمدفعية البعيدة المدى، طاول المطار وأحد المجمعات الاستهلاكية في مدينة خورمكسر، مما أسفر عن مقتل عشرة أشخاص، بينهم أربعة أطفال. واستمر انقطاع المياه عن المدينة تماماً، ما أدى إلى شل الحياة العامة. وأكد مسؤول في وزارة الصحة، أن عدن دخلت دائرة الخطر، وارتفع عدد الوفيات بين الطفال والمسنين، بسبب اللجوء إلى مياه الآبار، وهي في معظمها ملوثة.

د. وفي صنعاء أفادت مصادر عسكرية، أن "القوات الحكومية أجهزت على المدخل الشرقي لحي خورمكسر في مدينة عدن، بعد معركة كبيرة، خاضتها قوات العمالقة، انتهت في الساعات الأولى فجر أمس".

وقالت هذه المصادر، إن "مهمة اللواء الخامس المدّرع التابع للمتمردين، كانت منع قوات العمالقة من التحرك عبر الجهة الشرقية، على مشارف عدن (العلم، العريش، خورمكسر)، وبعد الإجهاز عليه، تمكنت قوات العمالقة من الوصول إلى منطقة خور مكسر، والاقتراب من مطار المدينة، الذي دمرته المدفعية الحكومية تدميراً كاملاً، وهي بصدد تطهير المنطقة من الجيوب المتبقية.

وتوقعت المصادر ذاتها، "أن تُحْكِم القوات الحكومية سيطرتها، على ما تبقى من مناطق مدينة عدن وأحيائها، خلال الساعات المقبلة، إذ تمكنت القوات الحكومية في المحور الغربي (عدن الصغرى)، من تطهير منطقة البريقة، والحبيلين، من بقية جيوب المقاومة في معسكري صلاح الدين، وسبأ، التابعين للمتمردين".

 

11. يوم 4 يوليه 1994

أ.  أعلنت صنعاء أن قواتها، دخلت مدينة المكلا في حضرموت، على بعد 700 كم شرق عدن، واحتلت جزءاً من المرفأ، وأنها تواصل تقدمها للسيطرة على المدينة. وقال مسؤول رفيع، في وزارة الدفاع الشمالية، إن القوات الحكومية "دخلت المكلا، بعد معارك عنيفة ضد الانفصاليين، في قرى بروم، ونوه المجاورتين"، وأن الشماليين واصلوا المعارك، للاستيلاء على المرفأ، "الذي يستخدمه الانفصاليون للتزود بالأسلحة". في حين نفى متحدث عسكرى جنوبي بشكل قاطع، دخول القوات الشمالية إلى المكلا، وقال: "إن هذه الأنباء تشكل جزءاً من (الحرب النفسية)، التي يشنها الشماليون".

كما تعرضت مدينة عدن، لقصف لم يسبق له مثيل، منذ بدء حصارها، في 11 (حزيران) يونيه 1994، فيما شنت القوات الشمالية، هجوماً للتقدم من خلال ضاحية دار سعد، الواقعة على شبه جزيرة صحراوية، داخل خليج عدن، للتقدم إلى وسط المدينة، على امتداد الطريق الرئيسية من الشمال.

ب. وفي وقت لاحق، أصدر مجلس الرئاسة في "جمهورية اليمن الديموقراطية" بياناً، في شأن خرق وقف إطلاق النار، أكد فيه أن القوات الجنوبية التزمت وقف إطلاق النار بدقة. "وحاولت القوات المعتدية القادمة من صنعاء، أن تستفز قواتنا بإطلاق الطلقات والقذائف مرات عدة، ولم تستجب قواتنا لمدة ست ساعات".

وتابع البيان أنه "في الساعة السادسة صباح اليوم (الأثنين) أطلق العدو الحاقد، وابلاً من القذائف على أحياء الشيخ عثمان، ودار سعد والمنصورة، واستمرت قواتنا في ضبط النفس حتى الساعة السادسة والثلث، وعندما تأكد لنا أن الحاقدين على عدن الباسلة، وعلى جمهورية اليمن الديموقراطية، بدأوا يشددون قصفهم على الآمنين، ويحشدون لهجوم جديد، صدرت الأوامر إلى قواتنا الصامدة بالرد على العدو، وصد الهجوم الغادر".

وأفاد مراسل وكالة "فرانس برس"، أن تبادل القصف المدفعي، استؤنف صباح اليوم، إثر هدوء استمر بضع ساعات. ولاحظ المراسل أن قصف القوات الشمالية، تركز خصوصاً على المطار، وشوهد الدخان يتصاعد من منشآت، على أطراف المدارج. وتعرضت الطرق، التي تربط المنشآت النفطية في عدن الصغرى بعدن، للقصف العنيف. وتسيطر القوات الشمالية على هذه الطرق عند قرية الحسوة، منذ أسبوعاً تقريباً.

وقد قتل 20 شخصاً على الأقل، وأصيب 75 بجروح، في القصف الشمالي. وأعلنت مصادر مستشفيات في عدن أرقام القتلى والجرحى، وقالت إن بين القتلى سبعة أطفال، وبين الجرحى 30 طفلاً.

ج. من جهة أخرى، أشار ناطق عسكري في عدن مساء الأحد 3 يوليه، إلى وقوع معارك عنيفة في محافظة حضرموت (في الجنوب الشرقي)، وأن هذه المعارك أسفرت عن وقوع 257 قتيلاً و309 جريح "في صفوف القوات المعادية". كما وقع 77 آخرون في الأسر. وقال، أيضاً، إن 7 دبابات هجومية، و 12 آلية لنقل الجند دمرت.

 

12. يوم 5 يوليه 1994

أ.  صرح مسؤول شمالي، أن مطار عدن، وأحياء عديدة في المدينة، أن القوات الجنوبية، باتت معزولة في حي كريتر. كما أكد أن القوات الحكومية، دخلت مدينة المكلا، وأنها سيطرت أيضاً على مطار الريان، الذي يبعد 20 كيلومتراً شرقي المكلا. وأضاف أن "القوات الشمالية تابعت تقدمها باتجاه مدينة سيئون" ثاني مدن حضرموت، التي تبعد 80 كم شمالي المكلا.

ب. زاد الوضع تدهوراً في اليمن، بعدما سجلت القوات الشمالية تقدماً في اتجاه عدن والمكلا، فيما نفت مصادر محايدة وشهود عيان، سقوط عدن. وقال مواطنون في المدينة، إن ما حدث هو تسلل للقوات الشمالية، إلى منطقة دار سعد المشرفة على عدن.

وعلى جبهة المكلا، اعترف مسؤول جنوبي، بحدوث اختراق في اتجاه المدينة، التي يقيم فيها حالياً السيد علي سالم البيض، لكن نفى هذا المسؤول نفياً قاطعاً، سقوط المكلا، مؤكداً أن القتال لا يزال في منطقة بعيدة عنها، وعن مطار الريان.

واعترف المسؤول نفسه أن الاختراق، الذي حصل على جبهة حضرموت ـ المكلا، ساهمت فيه قوات تابعة للتجمع اليمني للإصلاح، الذي يتزعمه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر. وكشف أن قوات الإصلاح، هاجمت القوات الجنوبية من الخلف، لتسهيل الاختراق.

 

13.

يوم 6 يوليه 1994

أ.  أكدت المصادر الأمريكية، سقوط مطاري عدن، والريان، ومدينة المكلا. وقالت إنها لا تعرف مكان علي سالم البيض، ونظّمت الحكومة اليمنية، زيارة لصحافيين أجانب إلى المكلا والريان. وأكد الصحافيون أن مدينة المكلا ومطار الريان أصبحا في أيدي القوات الحكومية. وشاهد الصحافيون على مدرج مطار الريان، طائرتين من نوع ميج 29، إحداهما سليمة والأخرى مصابة بأضرار، وذكر دبلوماسيين في صنعاء، أن المكلا سقطت يوم الاثنين الماضي 2 يوليه دون معركة كبيرة، وقالوا إن زعماء إسلاميين أقنعوا القوات المدافعة عن المدينة، بالانسحاب تجاه الشرق، كما أضاف المصدر، أن الجنوبيين هَرَّبُوا طائراتهم من الريان لاستخدامها من قاعدة جوية جديدة. ولم يحدد المصدر مكان القاعدة الجديدة، مشيراً أنه يعتقد أنها قرية القشن الساحلية، التي تبعد 275 كم شرق المكلا، ومطار في بلدة الغيضة التي تبعد 400 كم شرق المكلا.

ب. أكد وزير التنمية اليمنية، عبدالكريم الإيرياني، أن حقول ومنشآت النفط الأساسية، في حضرموت، أصبحت في أيدي القوات اليمنية، بعد سقوط المكلا، والريان، ولكنه أشار إلى أن القتال لا يزال مستمراً، في منطقة عدن القديمة، المعروفة بحي كريتر. وكشف الإيرياني، أن وزير النفط في الحكومة المعلنة في الجنوب، صالح بن حسينون، قد قتل في معركة المكلا، ودفن في الشحر مسقط رأسه، وقال إن عبدالرحمن الجفري، نائب رئيس مجلس الرئاسة الجنوبي، محاصر مع وزير الدفاع، في مبنى الوزارة، في عدن القديمة.

ج. تأكد سقوط مطار الريان، القريب من المكلا، في يد القوات الشمالية، في حين انتقل القتال إلى داخل عدن نفسها، خصوصاً إلى حي الشيخ عثمان، الذي امتلأ بالجثث. ولم يعرف شيء عن مصير السيد علي سالم البيض، الذي كان في المكلا، لكن مسؤولاً جنوبياً كبيراً صرح أن علي سالم البيض، المعروف بعناده، قرر قبل ثلاثة أيام قطع كل الاتصالات الهاتفية. وقال: "بدل أن نقضي وقتنا على التليفونات من دون فائدة، لنقضيه في القتال".

وبدا أن الأمين العام للحزب الاشتراكي، وجد أن لا فائدة من الاتصالات السياسية، خصوصاً أنها لم تؤد إلى وقف ثابت للنار، بل سمحت للقوات الشمالية متابعة تقدمها، وباتت داخل عدن والمكلا.

وأفادت أخر الأنباء، الواردة من جبهات القتال، أن قتالاً شديداً يدور في حي الشيخ عثمان، وأن حي خورمكسر في عدن، يتعرض لقصف شديد. وقال مسؤول في عدن، إن قتالاً شديداً يدور في مطار عدن، الذي هاجمه الشماليون مجدداً، بعدما أُخْرِجُوا منه أمس.

وفي واشنطن، اعتبرت مصادر أمريكية مطلعة، أنه إذا سقطت عدن في يد القوات الشمالية، فذلك لا يعني نهاية الأزمة اليمنية. وشددت على ضرورة تعاطي الأطراف المعنية، مع موضوعي المصالحة والحوار، والتوصل إلى حل سياسي للمشكلة، بمساعدة القوى الإقليمية في المنطقة.

د. وصرح السيد محسن بن قريد أبو بكر العولقي، نائب رئيس الوزراء ووزير التخطيط في "جمهورية اليمن الديموقراطية"، بأن بلاده "تمر في لحظات حاسمة الآن، وينبغي ألاّ يشعر الشمال بأنه انتصر، لأن قوات الغزو التي أرسلها، لا يمكن أن تحقق انتصارات عن طريق تدمير البشر، والمدن، فهذه ليست انتصارات. إن هذه مجرد معركة من المعارك الطويلة، والحرب لم تنته بعد. وحتى إذا سقطت عدن والمكلا، فإن الحرب لم تنته، والطريق لا يزال طويلاً. وإذا كان هناك درس تعلمناه من المحرقة التي يتعرض لها الجنوب، فهي أن لا أحد يلغي الآخر في اليمن، وأن المطلوب، أكثر من أي وقت، أن تتغير عقلية الهيمنة، إذ لا يمكن أن تقوم وحدة، أو تستمر بواسطة القوة. ينبغي أن يكون ذلك واضحاً".

 

14. يوم 7 يوليه 1994

أ.  بعد تسعة أسابيع على نشوب الحرب اليمنية، سقطت عدن عاصمة "جمهورية اليمن الديموقراطية"، في أيدي القوات الموالية للرئيس اليمني على عبدالله صالح. وقد غادر على سالم البيض، رئيس جمهورية اليمن الديموقراطية، مع مساعديه الكبار، إلى سلطنة عُمان. في حين دعت الولايات المتحدة الأمريكية صنعاء إلى المصالحة. وحسمت القوات الحكومية الموقف بدخولها إلى الأحياء الثلاثة في وسط عدن، وهي كريتر، والتواهي، والمكلا، بعد معارك عنيفة. وأعلن متحدث رسمي باسم الحكومة اليمنية أن "لا داعي لإعلان سقوط عدن رسمياً، باعتبار أن ما حدث شأن داخلي تمكنت فيه قوات الحكومة، من القضاء على المتمردين".

وفي جولة قام بها الصحافيون في حي كريتر، ومنطقة الميناء، والساحل المواجه للبحر، لم يشاهدوا آثاراً، لأي وجود باق للحكومة الجنوبية.

ب. وقبل أن تعود حال التوتر إلى عدن مساء اليوم، ساد المدينة هدوء ابتداء من العاشرة صباحاً، بعدما دخلت القوات الشمالية إلى خور مكسّر من الطريق البحري، ومن طريق المطار. وفي الساعة الثانية بعد الظهر، دخلت أول دبابة معسكر طارق، وأطلق طاقمها النار في الهواء علامة الانتصار. وواجهت القوات الشمالية مقاومة ضعيفة في خورمكسر، وفي محيط "فندق عدن"، حيث تصدت لها دبابتان وسيارة عليها رشاش. وبعد ذلك دخلت هذه القوات المعلا، وكريتر من دون مقاومة.

وأفاد شهود عيان أن منازل مسؤولين نهبت، بينها منزل السيد سالم صالح محمد، عضو مجلس الرئاسة، والأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي، ومنزل الدكتور ياسين سعيد نعمان، رئيس هيئة سكرتارية الحزب الاشتراكي. والاثنان خارج البلد حالياً. كذلك اقتحم مواطنون مبنى المؤسسة الاقتصادية، واستولوا على المواد الغذائية فيها. ولوحظ أن القوات التي دخلت عدن لم تكن كلها نظامية، إذ ضمت بعض العناصر الإسلامية، التابعة لحزب الإصلاح. وعلى الرغم من أن هذه القوات لم تجر أي اعتقالات، واكتفت بإقامة حواجز، للتدقيق في هويات المواطنين، فقد لوحظ أن المدنيين كانوا في حال من الذهول، وبعضهم كان غاضباً لأنه لم يدافع عن عدن، على رغم التحصينات القوية داخلها.

وفي المساء ظهرت دلائل على إمكان بدء مقاومة شعبية، للقوات الحكومية، إذ لوحظ أن اشتباكات عنيفة اندلعت في خورمكسر، والمعلا مع حلول الظلام. وقال شهود عيان، جرى الاتصال بهم هاتفياً، إن قتالاً من منزل إلى منزل يدور في المعلا، وخورمكسر، وأن جنوداً جنوبيين، ينتمون إلى لواء، كان يرابط في الشمال، في منطقة حرف سفيان، يشاركون في القتال، إلى جانب عناصر من الحزب الاشتراكي.

وفي لقاء مع أحد العسكريين الجنوبيين في عدن، قال: "إن قطع المياه عن عدن كان له الدور الأكبر في سقوط المدينة بهذه السهولة"، وذكر أن أفراد الجيش كانوا يتركون الجبهة ليبحثوا عن الماء لأولادهم وعائلاتهم، وقال إن الشماليون نجحوا في ذلك، كما صرح بأن هناك خيانات كثيرة حصلت، من قبل بعض القادة العسكريين في الجيش الجنوبي.

ج. أفاد ضباط شماليون، أن المقاومة انتهت الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلى، (4.00 بتوقيت غرينتش). كما أعلنوا أن ثلاثة آلاف جندي جنوبي أسروا، وأودعوا قاعدة العند شمال المدينة، وأن ستة زوارق حربية من البحرية الجنوبية، فرت من ميناء عدن، إلاّ أنه أمكن الاستيلاء على نحو عشر طائرات، من نوع ميج ـ 29 (MIG-29)، وميج ـ21 (MIG-21)، في المطار. وأعلن بيان صادر عن مجلس الرئاسة، انتهاء جميع الأعمال العسكرية، وأكد على تطبيق العفو العام عن جميع الجنوبيين، باستثناء ستة عشر من قادة التمرد.

طويت صفحة في تاريخ اليمن الحديث، بعدما سيطرت القوات الشمالية أمس، على عدن سيطرة كاملة، بعد حرب استمرت 62 يوماً، أعلنت خلالها "جمهورية اليمن الديموقراطية"، التي لم تحظ باعتراف أي دولة. ودخلت القوات الحكومية، كل أنحاء عدن، من دون أن تلقى مقاومة تذكر، فيما انتقل قادة "جمهورية اليمن الديموقراطية"، إلى الدول المجاورة.

وتحدثت مصادر شمالية عن انتقال السيد علي سالم البيض، إلى سلطنة عُمان، مع أربعة من الوزراء، فيما تأكد أن السيد عبدالرحمن الجفري، نائب رئيس مجلس الرئاسة، الذي بقي حتى اللحظة الأخيرة مع المدافعين عن عدن، انتقل بحراً صباح اليوم إلى جيبوتي، يرافقه العميد هيثم قاسم طاهر وزير الدفاع، والسيد محمد علي أحمد وزير الداخلية، والسيد سليمان ناصر مسعود، عضو مجلس الرئاسة، والسيد محمد سليمان ناصر، وزير الزراعة.

كما تأكد أمس، 6 يوليه، مقتل السيد صالح أبو بكر بن حسينون، وزير النفط، الذي كان يُعد اليد اليمنى للبيض. وصرحت مصادر جنوبية، أن بن حسينون وقع في كمين نصبه جنود شماليون، ومقاتلون من حزب التجمع اليمني للإصلاح، في منطقة الفوه، قرب المكلا، الاثنين الماضي 4 يوليه 1994. وأوضحت أن السيد محمد سعيد عبدالله محسن، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي، كان يرافقه في جولة على جبهات القتال، حيث كان ابن حسينون يدير القتال في منطقة الفوه. وقد فوجئ موكب وزير النفط الجنوبي بالكمين، إذ اعتقد أن تلك المنطقة آمنة. وحصل على الأثر اشتباك، وأبيدت القوة التي نصبت الكمين، وكان عدد أفرادها نحو 15 فرداً، وتردد أن "محسن" أصيب ببعض الجروح.

هـ. أفاد مصدر ديبلوماسي غربي في الخليج اليوم، أن الأمم المتحدة طلبت من دول عدة، بينها فرنسا، إجلاء القادة الجنوبيين من عدن لتجنب وقوع "مجزرة". وأضاف المصدر أن فرنسا تأتي في طليعة الدول، التي قد يعتمد عليها في هذا الإطار، لأنها تملك قاعدة عسكرية في جيبوتي القريبة من اليمن. وأوضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم طلب الأمم المتحدة.

وقال مصدر غربي إن القادة الجنوبيين: "عبروا عن رغبتهم في الاستسلام، وطلبوا من الأمم المتحدة بعض الضمانات، لمعاملة مشرفة لسكان عدن".

وكانت "وكالة الأنباء القطرية" الرسمية، ذكرت أن مفاوضات تجري حالياً بين طرفي النزاع، بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية، "لإجراء ترتيبات خروج من تبقى"، من القادة الجنوبيين من عدن. وصرحت مصادر يمنية أن عبدالرحمن الجفري، نائب رئيس مجلس الرئاسة في اليمن الجنوبية، كان آخر من غادر عدن، مع مجموعة من القياديين إلى جيبوتي.

و. أكدت مصادر إسلامية في اليمن، إصابة الشيخ طارق الفضلي بجروح في معارك عدن الأخيرة، وقالت إنه نقل إلى صنعاء للعلاج، وربما يحتاج إلى علاج في الخارج.

وقد شارك الفضلي في الحرب الجارية، على رأس مجموعة من "المجاهدين الجنوبيين"، في منطقة أبين، منذ بداية الحرب، في صف القوات الشمالية، وكان في صنعاء منذ أكثر من عام، تحت الإقامة الجبرية، بعدما اتهمته قيادات الحزب الاشتراكي، بالمشاركة في مخطط اغتيالات وتخريب ضد الحزب وقياداته. والفضلي أحد أبناء السلاطين السابقين في اليمن الجنوبية قبل الاستقلال، وله علاقة بأسامة بن لادن.

ز. صرح مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، أن القتال في اليمن بات منتهياً، وأن الشمال انتصر عسكرياً. وقال "في مؤتمر صحافي، أنه طيلة الأزمة كانت الحكومة الأمريكية واضحة في موقفها ولا تزال، وهي تعارض فرض الوحدة بالقوة، وتعارض الانفصال وسط المعركة. وأكد أن ما يهم الولايات المتحدة الأمريكية الآتي:

أولاً: سد الحاجات الإنسانية لسكان عدن، بسرعة وفاعلية.

ثانياً: أن تعمل الحكومة في صنعاء بسرعة، على تحقيق المصالحة السياسية، وإعادة السلام والاستقرار إلى اليمن. وسنراقب عن كثب جهودها لتحقيق المصالحة السياسية.

ثالثاً: ندعو الحكومة في صنعاء، إلى إعادة التأكيد لجيرانها، التزام اليمن الاستقرار الإقليمي، مع سلامة نيته.

وقال: "إن موقفنا مرتبط إلى حد كبير، بمدى تجاوب الحكومة في صنعاء"، مع ذلك.

ح. وعلى الرغم من إعلان صنعاء توقف المعارك، إلا أن القتال استمر في محافظتي حضرموت، والمهره، إذ أعلنت المصادر الرسمية لصنعاء، ومصادر أخرى عن الآتي:

(1) يوم 9 يوليه 1994، سيطرت القوات الشمالية على مدينة سيئون، ثاني مدن محافظة حضرموت "180 كم من مكلا"، وفي يوم 10 يوليه 1994، سيطر الشماليون على مطار مدينة الغيطه بمحافظة المهره، الواقعة في أقصى الشرق على الحدود مع عمان.

(2) استمر القتال في حضرموت، إذ صرح الشيخ أحمد العمودي، من حضر موت، يوم 22 يوليه، أن المحافظة تشهد منذ أيام قتالاً شديد بين قبائل جنوبية، وعناصر جاءت من الشمال لإخضاع المحافظة. وأعلن أن القتال مستمر في وادي دعن، وسيئون، وشيبام. وقال إنه يتحدث باسم قبائل سيبان وفوح، وإن ما بين 4 ـ 5 قتلى يسقطون يومياً، ودعا الجامعة العربية إلى التدخل، لوضع حد للمأساة، التي تعيشها حضرموت.

(3) أكدت مصادر موثوق بها في المكلا، حدوث اشتباكات يوم 23 يوليه 1994، في منطقة جهم شمال المحافظة، بين القوات الشمالية ورجال قبائل المنطقة، نتج عنها سقوط 23 قتيلاً، "18 من القوات الشمالية، وخمسة من رجال القبائل".

(4) وانتشرت عناصر الجماعات الإسلامية، التابعة لحزب الإصلاح في شوارع عدن، وقاموا بعمليات تفتيش للمنازل، بحجة البحث عن الأسلحة والمشروبات الكحولية. وروى شهود عيان، أن عدداً من المواطنين الذين وجدت في منازلهم مشروبات كحولية، تعرضوا للضرب.

ط. أعمال النهب والفوضى في عدن، بعد توقف القتال:

(1) استمرت أعمال النهب الواسعة داخل مدينة عدن. وقد عبر صحفي، تجول في عدن يوم الاثنين 11 يوليه 1994، عن الحالة التي وصلت إليها عدن، بقوله: إن عدن تبحث عن الماء قبل الغذاء، وتبحث عن الأمان بعد أن استبيحت ونهبت من قبل الجميع. ولا يستثنى أحد من ذلك، لا من القبائل، التي جاءت من الشمال بحثاً عن السلاح، الذي تكدس في المدينة بمئات الأطنان، ولا من العسكر، ولا من المواطنون الفقراء، الذين يبحثون عن المواد الغذائية.

(2) ذكر شهود عيان، أن مسلحين قاموا بعمليات نهب واسعة في المدينة، منذ سقوطها يوم الخميس 7 يوليه 1994، وقالوا: "إن ما حصل من عمليات نهب حقيقية لعدن، لم تسثنى أياً من القطاعات التجارية والإدارية، واستهدفت جميع المكاتب والمؤسسات والمستشفيات، ومكاتب المسؤولين. ومنازلهم، وأن العصابات لم تغفل أي مؤسسة باستثناء الكاتدرائية، ومأوى للمصابين بمرض الجزام والأيتام. وصرح المصدر، بأن مدينة عدن تراجعت خمسين عاماً نظراً لفداحة الأضرار، كما أشار أحد رجال الدين، أن مدينة عدن نهبت بأكملها.

(3) وصرح السيد عمر الجاوي، رئيس لجنة إنقاذ عدن، وهو في حالة انفعال شديد "لقد تحولنا إلى شعب من اللصوص دافعه الانتقام". وفي الوقت نفسه، صرح النائب الجنوبي، عثمان عبد الجبار رشيد، أن الكل شارك في نهب المدينة، وأن أعمال النهب في عدن نجمت إلى حدٍ ما، عن الفتوى التي أصدرها منذ أسابيع عبدالوهاب الديلمي، عضو اللجنة العامة لحزب التجمع والإصلاح، والتي رأى فيها أن محاربة الملحدين في الحزب الاشتراكي اليمني، مطابق للشريعة الإسلامية، ودعا إلى متابعة الجهاد ضد الاشتراكيين الكفار، وأباح في فتواه ممتلكاتهم. وأكد رشيد أنه يخشى أن يقود التطرف، إلى فرض قيود على الحريات والديموقراطية.

(4) صرح عبدالرحمن الجفري، أن ما يجري في المحافظات الجنوبية والشرقية، "ليس علمية توحيد، بل إنها عملية نهب لكل شيء، تشمل المال العام والخاص". وتحدث عن "انتهاك أعراض الناس"، وعن "بلوغ أعمال النهب محافظة المهرة النائية"، وقال: "إنه احتلال بكل معنى الكلمة، ونهب للثروات العامة، والخاصة، وشعبنا لن ينسى، ويجب ألا يعتقد أحد أنه يمكن أن ينسى ما حدث اليوم، من سلب، ونهب، وانتهاك للأعراض، بل سيتذكر كل ذلك جيلاً بعد جيل، إن هذه الأعمال التي تلت انتهاء الحرب، دقّت إسفيناً أخر في الوحدة اليمنية".

(5) ونتيجة لاستمرار أعمال النهب والجرائم، التي ترتكب في مدينة عدن، صدر بيان(انظر ملحق النص الحرفي لبيان مجلس الرئاسة في جمهورية اليمن الديموقراطية، الصادر يوم الأحد 17 يوليه 1994م.) مفاجئ عن مجلس الرئاسة، في جمهورية اليمن الديموقراطية، يوم الأحد 17 يوليه 1994، حمل تواقيع رئيسه علي سالم البيض، ونائبه عبدالرحمن الجفري، والأعضاء سالم صالح محمد، وعبدالقوي مكاوي، وسليمان ناصر مسعود. وناشد البيان، رؤساء وملوك الدول والمنظمات وعلماء الأمة الإسلامية، أن يُجْبَر نظام صنعاء، على وضع حد للجرائم في عدن، التي يرتكبها علناً وفي وضح النهار، ويستحق أن يصنف بموجبها، في عداد الأنظمة الإرهابية، التي تنتهك حقوق الإنسان، وتتمرد على الشرعية الدولية، وعلى كل الشرائع. كما طالب بإجبار صنعاء، على الرضوخ للشرعية الدولية، التي قررت عدم جواز فرض الحلول للمشاكل السياسية بالقوة، وحق تقرير المصير للشعوب، وانسحاب القوات، والدخول في مفاوضات غير مشروطة


 



[1]  سيرد التفصيل في القسم الحادي عشر المتعلق بتطورات الموقف السياسي خلال الفترة من 24 يونيه إلى 7 يوليه 1994.