إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / أزمة لوكيربي




الأمين خليفة فحيمة
سطح الطائرة ومقدمتها
عبدالباسط المقراحي
عضد مثبت في شجرة





الفصل الأول

الفصل الأول

بداية الأزمة وأبعادها القانونية

مؤشرات ومبررات الاتهام ضد ليبيا، من جانب الولايات المتحدة الأمريكية

        أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، يوم الخميس الموافق 14 نوفمبر 1991، اتهامها لكل من عبدالباسط علي محمد المقراحي (انظر صورة عبدالباسط المقراحي)، والأمين خليفة فحيمة (انظر صورة الأمين خليفة فحيمة)، وهما من رجال المخابرات الليبية، بأنهما قد زرعا قنبلة مؤقتة، بجهاز توقيت معقد، داخل حقيبة "سامسونيت" أعدت في مالطة، يوم 20 ديسمبر 1988. وتمكنا من إرسال حقيبة بلا راكب إلى فرانكفورت، ومنها إلى لندن، حيث شحنت الحقيبة على الطائرة الأمريكية، في الرحلة الرقم 103 التابعة لشركة (PANAM)، وبداخلها الشحنة المتفجرة مجهزة داخل جهاز تسجيل. فانفجرت الطائرة البوينج 747، فوق اسكتلندا (لوكيربي) يوم 21 ديسمبر 1988، خلال رحلتها من فرانكفورت، عبر لندن، إلى نيويورك. وراح ضحية الانفجار 270 فرداً، من 21 دولة (انظر صورة عضد مثبت في شجرة ، وصورة سطح الطائرة ومقدمتها ).

وجاء في التحليل الجنائي للحادث ما يلي:

1. وقع الانفجار في مخزن الحقائب الأمامي، في الطبقة الثانية من الحقائب، التي كانت موجودة في هذه الطبقة؛ ولم تُحمّل الطائرة في لندن، ولكن في مكان آخر، ويحتمل في فرانكفورت.

2. الانفجار نتج عن قنبلة مصنوعة يدوياً، تم إخفاؤها في جهاز تسجيل ماركة توشيبا، واستخدمت في العبوة الناسفة متفجرات بلاستيك عالية الانفجار، محتمل أن تكون مادة "سيمتكس". والمسجل مخفي في حقيبة ملابس "سامسونايت"، ولونها نحاسي، وتحتوي على بعض الملابس.

وقد عثر فريق التحقيق، على عدد من الأدلة، التي اتخذت ذريعة لتوجيه الاتهام إلى ليبيا، منها:

1. جهاز التوقيت

تم العثور على جزء صغير من لوحة دائرة مطبوعة، ملتصقة في قطعة قميص تمزق أثناء الانفجار، وأظهر التحقيق أن الدائرة المطبوعة، هي الدائرة نفسها الموجودة في جهاز توقيت عُثر عليه في فبراير 1988، مع أثنين من مواطني ليبيا في توجو. وأن هذه الأجهزة من صنع شركة سويسرية، لصالح جهة رسمية ليبية في نهاية عام 1985، ولم تُصَنّع أي أجهزة من هذا النوع لصالح جهة أخرى.

2. الملابس

تم العثور على قطعتي ملابس داخل الحقيبة، التي كانت تحمل القنبلة. وقد جرى التعرف على الشركة، التي صنّعت هاتين القطعتين في مالطة، وتعرّف صاحب الشركة على عبدالباسط المقراحي من صورة قدمت إليه، وذكر أنه يشبه الشخص، الذي أشترى الملابس، وقد أتضح من سجلات الزائرين إلى مالطة، أن المقراحي وصل من ليبيا إلى مالطة يوم 7 ديسمبر 1988، وتوجه إلى زيورخ يوم 9 ديسمبر 1988، ثم إلى طرابلس يوم 18 ديسمبر 1988، ثم مالطة يوم 20 ديسمبر 1988.

3. الحقيبة

اكتُشفت حقيبة غير مصاحبة لراكب بالكابينة، على رحلة الطيران الرقم 180 يوم 21 ديسمبر 1988، والمتجهة إلى فرانكفورت. ونُقلت الحقيبة بعد ذلك، إلى الطائرة الأمريكية الرحلة الرقم 103. وتبين من التحقيق أن الحقيبة، التي أدت إلى تفجير الطائرة هي الحقيبة نفسها، التي نُقلت من مالطة إلى الطائرة الأمريكية المنكوبة. وقد أكد أحد الشهود، أنه شاهد الأمين خليفة وبصحبته الحقيبة السامسونايت، داخل دائرة  الجمارك (كان الأمين خليفة يعمل مديرا لمكتب الخطوط الجوية الليبية في مطار لوقا بمالطة، خلال الفترة من أكتوبر 1982 حتى أكتوبر 1988، وهو الرجل الثاني المتهم، من قبل جهات التحقيق الأمريكية).

4. تحميل الحقيبة

أ. تم وضع الحقيبة السامسونايت، وإدخالها ضمن دورة التفتيش في مطار لوقا بمالطة، صباح يوم 21 ديسمبر، وعليها بطاقة تفيد بأنها ضمن الأمتعة، غير المصاحبة للركاب. وتم وضعها في كابينة الطائرة المالطية، الرحلة الرقم 180 المتوجهة إلى فرانكفورت، حيث ستنقل إلى الطائرة الأمريكية الرحلة الرقم 103، المتجهة إلى نيويورك.

ب. لم تُفحص الأمتعة في مطار مالطة، المتجهة إلى أوروبا بأشعة أكس، مما أتاح نقل الحقيبة بلا مشاكل، وتحميلها في مطار فرانكفورت على الطائرة الأمريكية.

ج. لم يشير التحقيق إلى تورط أشخاص آخرين من غير مواطني ليبيا، في هذه الجريمة.

مؤشرات ومبررات الاتهام ضد ليبيا، من جانب فرنسا

        فُجّرت الطائرة من نوع دي سي 10، التابعة لشركة (UTA) الفرنسية، يوم 19 سبتمبر 1989 فوق صحراء النيجر، خلال رحلة الطائرة من برازافيل إلى فرنسا. وراح ضحية الانفجار 170 فرداً، من جنسيات مختلفة.

        من وجهة النظر الغربية (فرنسا)، أن ليبيا موّلت تفجير الطائرة، بل تورطت فيها بواسطة جهاز المخابرات الليبي، رداً على دعم فرنسا لتشاد، خاصة خلال مرحلة المعارك التشادية الليبية وما نتج عنه من خسائر جسيمة في القوات الليبية (أفراد ـ معدات) ولذلك فقد توجهت الأنظار عقب انفجار الطائرة نحو ليبيا كدولة تمارس الإرهاب والإشارة إلى تورطها في هذا الحادث للانتقام من فرنسا.

        أستمر التحقيق في ملابسات هذا الحادث في المحاكم الفرنسية، حتى 30 أكتوبر 1991، حيث طلب القاضي الفرنسي إلقاء القبض على أربع شخصيات ليبية، والبحث عن شخصيتين، وكان القرار كالآتي:

  1. عبدالله السنوسي (زوج أخت القذافي وأحد كبار المسؤولين في جهاز المخابرات).
  2. عبدالله الرزاق (دبلوماسي في سفارة ليبيا في برازافيل، ويعمل لصالح جهاز المخابرات).
  3. إبراهيم نايلي (يعمل في جهاز المخابرات ويعاون عبدالله الرزاق في برازافيل).
  4. مصباح عرباس (يعمل في جهاز المخابرات).

أمّا الشخصيات المطلوب البحث عنها فهي:

  1. موسى كوسا (نائب وزير الخارجية الليبية وسبق له العمل في جهاز المخابرات).
  2. عبدالسلام الزاومه (أحد كبار رجال المخابرات).

        وطبقاً لقرار الاتهام، الذي أصدره قاضي التحقيقات الفرنسي، فإن عبدالله الرزاق سكرتير المكتب الشعبي الليبي في برازافيل، جَنّد ثلاثة من مواطني الكونغو، لوضع قنبلة في حقيبة ملابس على الطائرة، وقدم لهم القنبلة. ومتهمان من الثلاثة حالياً في السجن، أحدهما في الكونغو والآخر في زائير.

        وفرنسا، خلافاً لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا، لم تطالب بتسليم المتهمين الليبيين في حادث الطائرة (UTA) على الرغم من وجود قرائن قوية لدى قاضي التحقيقات، حول الدور الليبي في الحادث.

        وفقاً للقانون الفرنسي فان مجرد الاتهام الشخصي وحده، لا يعني بالضرورة أن الشخص مذنب، إنما يستتبع ذلك إجراءات الدعوة أمام المحاكم الفرنسية. وقد أرسلت ليبيا ملفاً للقاضي الفرنسي، على أنه خاص بالقضية. وأعلن قاضي التحقيقات الفرنسي، أن الملف لا يفيد بشيء، وأن به أوراقاً مزورة بدقة.

        هناك تقارير كثيرة توضح كيف تم الإعداد والتخطيط، لعملية تفجير الطائرة (UTA)، ولكن لم يصدر بعد بحث جنائي لهذه الحادثة، على الرغم من أن فرنسا جمعت، هي الأخرى حطام الطائرة وأعادت بنائها، وقامت بجهد أمني متقدم في دراسة لكل راكب، والخلفية الأمنية عنه، والتي توصلت من خلالها إلى الاتهام المبدئي للمسؤولين الليبيين من خلال تحميلهم لحقيبة بها قنبلة مع راكب من الكونغو، وجد ضمن الضحايا. وأن الآخران المسجونان في زائير والكونغو، طلبا مبالغ مالية من رجال المخابرات الليبية في مقابل السكوت، وتم إعطائهم المبالغ المطلوبة (شركاء للراكب الذي وجد ضمن قتلى الحادث).

الإطار القانوني لتسليم المُتْهَمين الليبيين

        من المسلم به أن الدول لا تسلم رعاياها المتهمين، إلى دولة أخرى. وهذه القاعدة مستقرة، منذ أن نشأت القواعد القانونية بصفة عامة. وإنما يثور موضوع التسليم، ومدى توافر شروطه، فقط إذا كان المتهم هاربا إلى دولة لا يتمتع بجنسيتها. وكذلك، فإن من القواعد المسلّم بها فقها وقانوناً، أن التسليم لا يجوز في الجرائم السياسية، وأن اتفاقية "طوكيو 1963" لا تلزم أي دولة بتسليم المتهم، كما لا تعطي أي دولة حق طلب تسلمه. وتركت الاتفاقية مسألة التسليم للقواعد العامة في القانون، وهي لا يجيز تسليم الرعايا، ولا تجيز التسليم في الجرائم السياسية.

        أمّا اتفاقية "لاهاي 1970"، فقد عالجت موضوع الاستيلاء غير القانوني على الطائرات، وانصبت نصوصها وموادها كلها على هذا الموضوع. وقد نصت المادة السادسة من هذه الاتفاقية، على عدة تدابير تتخذها الدولة التي يوجد المجرم أو المتهم في إقليمها وهي تدابير تنحصر في احتجاز المتهم وإجراء تحقيق ابتدائي وتمكين المتهم من الاتصال بحكومته ثم أخطار الدولة المعنية ومن الملاحظ أن هذه التدابير مشروطة ـ طبقا للاتفاقية ـ بعدة شروط:

1. أن الدولة لا تتخذ هذه التدابير، إلاّ عند اقتناعها بأن الظروف تبرر ذلك.

2. أن الدولة التي تتخذ التدابير تلتزم بقواعد الاختصاص الإقليمي، فلا تطبق إلاّ قوانينها الوطنية.

3. أن الاتفاقية ألزمت الدولة، التي هبطت فيها الطائرة أو يوجد على أرضها المتهم، باتخاذ واحد من إجرائين: أمّا تسليمه، وأمّا محاكمته. وللدولة أن تختار محاكمه المتهم، طبقاً لقانونها الوطني إذا رأت ألاّ تسلمه، أي أنها مطلقة الحرية في التسليم من عدمه. لكنها عند عدم التسليم تلتزم بالمحاكمة.

        من البديهي أن الدول لا ترفض التسليم دون سبب، لأن هناك من القواعد العامة ما يجب أن تلتزم به في هذا الخصوص، وهي لا تلجأ إلى رفض التسليم طبقاً للقواعد العامة، إلاّ إذا توافرت شروط أساسية، منها على سبيل المثال:

  1. عدم وجود معاهدة تقضي بتسليم المجرمين، بين الدولتين.
  2. عدم تسليم المجرم السياسي.
  3. منح المتهم حق اللجوء السياسي.
  4. تبعية المتهم للدولة، التي يوجد عليها.

        وهنا نجد أن تسليم الرعايا لدولة أجنبية، مبدأ ترفضه كل القواعد القانونية، الدولية والوطنية. ومصداقاً لهذا فان المادة (8/3) من اتفاقية لاهاي تقرر، أن هذه الجريمة من الجرائم التي يجوز التسليم فيها. وبهذا خرجت الجريمية عن النطاق السياسي وعن ضرورة وجودة معاهدة. الأمر الذي يعني التزام الدولة بتسليم المجرم للدولة الطالبة، ما لم يكن من رعاياها. إلاّ أن هناك قيداً مهماً وخطيراً جاء بالمادة المذكورة، مؤداه مراعاة الشروط المنصوص عليها في قوانين الدولة المطلوب منها عملية التسليم. وهذا يعني أن القانون الوطني هو الفيصل في عملية التسليم؛ فان أجازه تلتزم الدولة بالتسليم، وأن منعه فإن الدولة في حل من التسليم. وكل هذا إذا كان المتهم "أجنبياً"، موجوداً في الدولة المطلوب منها التسليم. فإن كان وطنياً، فإن كل دول العالم تحظر تسليم رعاياها للدولة الأجنبية.

        أمّا اتفاقية "مونتريال 1971" (انظر ملحق ميثاق مونتريال ضد التخريب) فقد جاءت في ست عشرة مادة، لتلافي أوجه النقص في اتفاقية "لاهاي"، حيث لم تقتصر على مواجهة فعل الاختطاف فقط، بل توسعت ليشمل مداها "الأفعال غير القانونية ضد سلامة الطيران المدني الدولي"، وهي أفعال تشمل "فعل التدمير" للطائرة، ولكن مسألة الاختصاص بالمحاكمة، ظلت كما هي، منعقدة للقوانين الوطنية.

        كذلك فان التنظيم الدولي قد أوكل اختصاص تنظيم شؤون الطيران إلى منظمة دولية متخصصة هي المنظمة الدولية للطيران المدني ـ 1947 والتي تصدت بالفعل لمكافحة ظاهرة العدوان على الطيران بالاتفاقيات الشهيرة. وقد عجزت هذه الاتفاقيات عن ردع ظاهرة الإجرام ضد الطيران، ولذلك لا يرجع إلى قصور من المنظمة، ولكن إلى رفض الدول عن التنازل عن اختصاصاتها القضائية، وتمسكها  بقوانينها الوطنية تحت مظلة السيادة.