إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مشكلة الصحراء الغربية (البوليساريو)





أماكن الاستعمار الفرنسي والإسباني
الحدود المغربية "المغرب الكبير"
الحرب الجزائرية ـ المغربية

ولايات المغرب العربي
الأهمية الاقتصادية للصحراء الغربية
المدن ومراكز التوطن الرئيسية
التقسيم الإداري والجغرافي
الدولة البربرية بشمال أفريقيا
الحدود التقريبية للمغرب العربي
الفتوحات الإسلامية من 22 – 64 هـ
الفتوحات الإسلامية من 69 – 92 هـ
توزيع المجموعات القبلية
تقسيم الصحراء الغربية
حدود موريتانيا والصحراء الغربية



الأكــــراد

المبحث الثامن

موقف جبهة البوليساريو والاتحاد الأوروبي

أولاً: مواقف جبهة البوليساريو ووضعها الداخلي

شهدت الفترة، منذ عام 2000، تراجعاً ملحوظاً في التأييد الدولي لموقف الجبهة، وتنامياً في تأييد الموقف المغربي. وتعزو وسائل الإعلام ذلك، إلى نشاط الدبلوماسية المغربية، في هذه الفترة، ولا سيما في قارتي إفريقيا، وأمريكا اللاتينية. ففي يناير 2000، جمدت حكومة الهندوراس اعترافها بالجمهورية الصحراوية، وبنت ذلك على أساس انتظار نتائج الاستفتاء المزمع إجراؤه. وأوضحت أنها تولي الإجراءات، التي تبناها مجلس الأمن، اهتماماً كبيراً. ويزيد هذا القرار موقف الجبهة ضعفاً على ضعف، إثر قرارات سابقة، صادرة عن بيرو، والسلفادور، وجواتيمالا، خلال عامي 1998 و 1999.

وكان حضور وزير خارجية المغرب، محمد بن عيسى، حفلة تنصيب الرئيس الأرجنتيني الجديد، فرصة طيبة لمقابلة عدد من رؤساء الدول، لها أثر كبير في تنشيط علاقات المغرب بتلك الدول.

وتلقت الجبهة، في الشهر نفسه (يناير)، ضربة أخرى موجعة، حين رفض الاتحاد الأوروبي مشاركتها في مؤتمر القاهرة الإفريقي ـ الأوروبي.

وطفقت المغرب تعزز موقفها. ففي أبريل 2000، استقبل عاهل المغرب رئيس مجلس الشيوخ الشيلي، الذي حمل رسالة من حكومة دولته، تؤكد دعمها لجهود المغرب، الرامية إلى حل القضية في إطار الأمم المتحدة، إلى أن تفصل المنظمة الدولية في الأمر. وأذاعت وسائل الإعلام، أن عدداً من الدول اللاتينية، جمدت اعترافها بالجمهورية الصحراوية؛ وهي: كولومبيا، ونيكاراجوا، وباراجواي، وكوستاريكا. ولم يبق من دول أمريكا اللاتينية سوى المكسيك وفنزويلا، تحتفظان بعلاقات شكلية بالجمهورية الصحراوية .

وحققت المملكة المغربية مكاسب، في إفريقيا، كذلك، حينما نجحت في إقناع 28 دولة، بعدم الاعتراف بالجمهورية؛ وهذا العدد، يمثل ثلثي الدول في القارة.

وفي يونيه 2000، أعلنت الهند سحب اعترافها بالجمهورية الصحراوية؛ ذلك الاعتراف الذي أعلنته عام 1985، متأسية ببعض الدول، ذات التوجهات الاشتراكية، والواقعة تحت تأثير النفوذ السوفيتي. ويعد قرار الهند ضربة موجعة للجبهة، ذات تأثير سلبي كبير؛ إذ إن الهند، من أهم دول العالم الثالث، ولها ثقل كبير في كتلة عدم الانحياز.

وفي سبتمبر 2000، قررت نيجيريا فتح سفارة للجمهورية الصحراوية، في أبوجا. وعلق مسؤول مغربي، على ذلك، بأنه "تحصيل حاصل، ولا يغير في الأمر شيئاً"؛ إذ إن نيجيريا كانت تعترف بالجمهورية، منذ بداية الثمانينيات؛ على الرغم من أن رئيسها السابق، "أوباسانجو"، لم يبد تعاطفاً مع ما طرحه الانفصاليون، في لقاءاته المسؤولين المغاربة، سواء في أبوجا، أو في نيويورك، منذ أن كان عضواً في لجنة الحكماء الخمسة، المنبثقة من منظمة الوحدة الإفريقية، للتحضير للاستفتاء؛ قبل أن يحال الملف إلى الأمم المتحدة. وكان يعبر، دوماً، عن رغبته في المساهمة، في إيجاد حل سلمي للنزاع الصحراوي، يسهم في عودة المغرب إلى صفوف منظمة الوحدة الإفريقية.

وكانت نيجيريا تؤكد، على لسان وزير خارجيتها، حيادها، ودعمها لوحدة تراب الدول الإفريقية. ويرى بعض المراقبين، أن القرار النيجيري، جاء تعويضاً لجبهة البوليساريو عن سحب الهند اعترافها بجمهوريتها. ولكن نيجيريا تراجعت عن قرارها، بعد شهر واحد، في أكتوبر 2000، إثر زيارة وزير خارجيتها، ووزير خارجية جنوب إفريقيا، إلى المغرب، حيث استقبلهما العاهل المغربي، في الدار البيضاء.

أما الدول الأوروبية، فلم تعترف واحدة منها، رسمياً، بالجمهورية. غير أنها تبدي اهتماماً كبيراً بالقضية، من خلال لقاءات مسؤوليها مسؤولي المغرب؛ فوزير خارجية المغرب، ناقش قضية الصحراء، ضمن قضايا أخرى، مع المسؤولين في السويد، في يونيه 2000. وأجرى مباحثات مع جماعة من أعضاء لجنة الشؤون الخارجية، في البرلمان السويدي، شارحاً الجهود المتعددة، التي يبذلها المغرب، من أجل الوصول إلى حل في مسألة الاستفتاء، وتحديد الهوية. وأبدى النواب السويديون اهتمامهم بتسوية قضية الصحراء، وتحقيق الاستقرار في المنطقة. ودعوا إلى ضرورة مواصلة الحوار، بين أطراف النزاع؛ لتجاوز العقبات، التي تعترضهم.

ولم تتمكن النائبة المناصرة لجبهة البوليساريو، في مجلس العموم البريطاني، تيس كينغهام، من جمع توقيعات عدد كبير من زملائها؛ للموافقة على ملتمس، يطالب الحكومة بالضغط على المغرب، لقبول مقترحات كوفي أنان، الأمين العام للأمم المتحدة، والخاصة بتنظيم الاستفتاء؛ إذ لم يوقعه سوى ثمانية أعضاء، ينتمون إلى القلة اليسارية، في حزب العمال. وكان قد أذيع أن ثمانين عضواً، وقعوا الملتمس. وزعمت الجبهة، أن 111 عضواً وقعوه؛ ما يعد كسباً دبلوماسياً كبيراً لها؛ على الرغم من أنه يبقى رقماً صغيراً، بالنسبة إلى جملة أعضاء المجلس، البالغ عددهم 659 عضواً. ولكن الوثائق البرلمانية، أبانت عدد الموقعين .

ومما تحسن الإشارة إليه، أن ملتمسات المشروعات المبكرة، توضع في مكتب خاص بها، فيالمجلس. ويلجأ إليها النواب، لإثارة الانتباه إلى قضية ما، داخلية أو خارجية. وتعرض على النواب، في شكل مذكرة، يوقعونها، إذا اقتنعوا بفحواها؛ وتلغى، إذا مر عليها يوم من غير أن تحظى بتوقيع جديد؛ وهذا ما أصاب ملتمس النائبة المذكورة.

ومثلما شهدت الجبهة تراجعاً دولياً، في الاعتراف بها، شهدت، كذلك، تراجعاً في صفوفها، وانشقاقات داخلية. وشهدت عودة طوعية مستمرة، من قادتها وأفرادها، إلى المغرب، حيث ينتقدون الأوضاع في مخيماتها. فنشر في 6 مايو 2000، انتقاد أحد شيوخها العائدين، بعد قضائه 26 سنة في معسكرات الجبهة. وجاء فيه أن قيادة الجبهة، تبطش بسكان المخيمات، وتتخذهم رهائن، للحصول على المساعدات الإنسانية الدولية. وندد باستشراء الفساد داخل المخيمات، وانتفاء العدالة. وذكر أنه حاول، مراراً، إسداء النصح إلى زعيم الجبهة؛ لكنه رفض نصحه. وأعلن استعداده للذهاب مع الصحفيين؛ ليكشف لهم عن حقائق الوضع هناك، إظهاراً للحق.

ووصف الشيخ المنشق الجبهة، بالبناء، الذي بني على أساس من رمال متحركة؛ وقد بدأ بالتآكّل. وقال إن ما يسمى بـ "جيش"، لدى الجبهة، أصبح غير موجود؛ لأن مقاتليها القدامى خذلتهم قيادتهم، التي انصرفت إلى جمع الثروات؛ وأغلب هؤلاء المقاتلين لا يجدون ما يمسك رمقهم. وقال إن سنوات الحرب، خلفت الكثير من المعوقين واليتامى، محاصرين داخل منطقة النخيلة، بعد أن حرمتهم قيادة الجبهة من المساعدات الإنسانية. كما تحدث عن الانشقاق، داخل صفوف تلك القيادة.

وتحدث، كذلك، ثلاثة قياديين سابقين، في الجبهة، عائدين إلى المغرب، في مؤتمر، عقدوه في الرباط، في 26 مايو 2000، عن وجود خلافات داخل قيادتها، في مباحثات بيكر. وذكروا أن الخلافات تتنامى، بين محمد عبدالعزيز، والحبيب أيوب؛ والبشير مصطفى السيد، الرجل الثاني في الجبهة؛ ومحمد سالم ولد السالك، وزير دفاعها السابق.

وزعم أحد هؤلاء القياديين، وكان يرأس جهاز أمن الجبهة، إلى حين عودته إلى المغرب، أن مئات الأشخاص، راحوا ضحية انتهاكات لحقوق الإنسان، وعمليات تعذيب، وقتل، ترتكب في عشرات السجون؛ في جنوب غرب الصحراء الجزائرية.

وتسعى جمعية الصحراء المغربية، غير الحكومية، إلى رفع دعوى قضائية على مسؤولين في الجبهة، لدى المحاكم الأسبانية، بتهمة ارتكاب جرائم إنسانية، في حق مواطنين صحراويين مغاربة، احتجزوا في معسكرات الجبهة، في تندوف، والحمادة، والرشيد (جنوب غرب الجزائر). ومن بين التهم، التي سيواجهها بعض قادة الجبهة، خطف ألف طفل صحراوي، وإرسالهم، من دون علم ذويهم، إلى معسكرات تجنيد، في كوبا، وانقطاع أخبارهم؛ ووفاة أكثر من 500، في معتقلات الجبهة؛ إلى آخر قائمة التهم، التي يؤازرها محامون، مغاربة وأسبان.

واختيرت المحاكم الأسبانية، لأن معظم القياديين المعنيين بالأمر، يقيمون بأسبانيا. إلى جانب فضحهم، أمام الرأي العام الأسباني، الذي تؤيد نسبة كبيرة منه، أطروحات الجبهة، كما يقول أعضاء الجمعية.

وطالبت النساء الصحراويات، العائدات إلى المغرب، من جهة ثانية، منظمات حقوق الإنسان الدولية، بالعمل على رفع الحصار، المفروض على أبنائهن، في مخيمات تندوف.

ومما يشار إليه، في هذا الصدد، أن هناك مساعي حثيثة، منذ مطلع عام 2000، لمعالجة قضية الأسرى بين الجانبَين. ففي 26 فبراير 2000، تسلّم المغرب، من طريق الصليب الأحمر الدولي، 187 أسيراً، من معتقلي الحرب لدى الجبهة. وكان قد رفض، قبل شهرَين، تسلمهم إلاّ بوساطة الصليب الأحمر، وليس من الجبهة مباشرة، حين أعلنت إطلاقهم. ومن ثم، طلب الأمين العام من المغرب تسلم الأسرى؛ وكانت آخر دفعة، تسلمها، قبل سنتَين، تضم نحو 200 أسيرٍ .

ويبذل الصليب الأحمر مساعي حثيثة، لإطلاق 1685 عسكرياً مغربياً، أسرى لدى الجبهة، في معسكرات تندوف، منذ أكثر من عشرين عاماً. وتسعى منظمة الصليب الأحمر، مع مجلس الأمن، والأمين العام للأمم المتحدة، والسلطات الجزائرية، والجبهة، وفرع المنظمة الإقليمي في تونس، إلى تسوية وضع الأسرى، الذين يعيشون حالة، نفسية وصحية، سيئة، بسبب طول فترة الأسر، وقسوة الظروف؛ ويعد هؤلاء الأسرى من أقدم السجناء في العالم.

ويرى مسؤولو الصليب الأحمر، ضرورة فصل ملف الأسرى، عن مسار مخطط التسوية المتعثر؛ واحترام معاهدة جنيف، التي تنص على إطلاق أسرى الحرب، فور بدء سريان وقف إطلاق النار؛ وهو ما يفترض أن يكون قد حدث، منذ عام 1991. ويبدي الملك محمد السادس اهتماماً كبيراً بموضوع الأسرى، وتسويته عاجلاً، ولا سيما أن المغرب، قد بادر، منذ سنوات، إلى إطلاق كل أسرى الطرف الآخر .

لم يشهد عام 2000 أحداثاً، ولا خرقاً لوقف إطلاق النار، إلاّ في أحيان نادرة، مثل ما جاء في أخبار يوم 9 مارس 2000، من أن إجراءات الأمن، قد عُزِّزت في العيون، بعد أن رشق شبان بالحجارة سيارة عسكرية، وسيارة أخرى تابعة لبعثة الأمم المتحدة، كانت خالية. وذُكر أن الشبان، وعددهم عشرة، تفرقوا حال وصول أول وحدة أمنية؛ ولم تدم أحداث شغبهم سوى عشرين دقيقة .

وفي مطلع عام 2001، عادت نذر الحرب إلى المنطقة، قبيل انطلاقة سباق السيارات، المسمى "رالي باريس ـ داكار"؛ إذ أعلن محمد عبدالعزيز، الأمين العام للجبهة، أنها ستعاود حمل السلاح، عندما يعبر المتبارون، في سباق باريس ـ داكار، الصحراء الغربية. كما أعلن المغرب، أنه سيدافع، بكل قوة، عن سيادته على كامل ترابه الوطني؛ وسيحمي سيادته الترابية على الأقاليم الصحراوية.

وقال محمد عبدالعزيز، في مقابلة، نشرتها جريدة "الوطن" الجزائرية: "إننا نؤكد، علناً، أننا نعتبر أنفسنا في حل من كل تعهداتنا، باحترام وقف إطلاق النار، في اليوم، الذي يعبر فيه السباق المنطقة". وأضاف: "سنلجأ إلى السلاح، دفاعاً عن حقنا المشروع، في تقرير المصير. وسنحمل السلاح، مجدداً، على جميع الجبهات، ضد القوات المغربية" .

ولّد تهديد الجبهة موقفاً دولياً رافضاً. وحذرت الأمم المتحدة، في 5 يناير 2001، الجبهة، من أي محاولة لاستئناف العمليات العسكرية. وقال الممثل الخاص للأمم المتحدة في الصحراء: "إن الأمر سيشكل انتهاكاً فاضحاً، لوقف إطلاق النار، المطبق منذ عام 1991". وأوضح أنه لا يوجد أي سبب للاعتقاد، أن مرور تظاهرة رياضية، عبر الصحراء، يعني اعترافاً بالسيادة عليها، من قبل أي طرف؛ مؤكداً أن أي عمل معاد، ومناوئ، من قبل أي الأطراف، سيشكل خرقاً كبيراً لوقف إطلاق النار. ولن يساهم في سوى عرقلة الجهود، القائمة حالياً، من أجل إيجاد تسوية سريعة، ودائمة، ومقبولة، من الطرفَين" .

وحرصت السلطات الفرنسية، على عدم إبداء قلقها، إزاء تهديدات الجبهة. وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية، إنها تستبعد استئناف الأعمال العسكرية، في المنطقة. وإن رالي باريس ـ دكار مناسبة، تجتذب الأضواء الإعلامية، من كل أنحاء العالم. وقد يرى البعض، أنها فرصة للتذكير، بأن جبهة البوليساريو، ما زالت موجودة؛ وأن لها مواقفها إزاء عدد من القضايا.

ويذهب بعض المحللين إلى أن الفرنسيين، يهدفون من مرور السباق عبر الصحراء، إلى تثبيت ما عرف بالحل الثالث؛ وهو تثبيت السيادة المغربية على الصحراء، من دون الرجوع إلى الاستفتاء.

وكانت الجبهة قد وجهت، عبر بيان، وزعه ممثلها في فرنسا، في 6 يناير، نداء عاجلاً إلى المنظمين والمتسابقين وعائلاتهم، لتجنّب التوغل في مناطق الصحراء الغربية، التي يحتلها المغرب؛ نظراً إلى الأخطار، التي تهدد سلامتهم وحياتهم. وقال إن المغرب، ومنظمي الرالي، وكل الذين يشجعون هذه المغامرة، سيتحملون، وحدهم، مسؤولية العواقب، التي قد تترتب على ذلك .

وجاء، في أنباء يوم 8 يناير 2001، أنه لم يسجل أي خرق لوقف إطلاق النار، في الأقاليم الصحراوية الجنوبية. وأفاد منظمو الرالي، أنه لم تقع حوادث، على طول الطريق، الذي قطعه 2676 متسابقاً، من كلميم إلى السمارة، التي تبعد نحو 60 كم من الحدود الموريتانية.

وأفاد متحدث، باسم منظمي السباق، أن المتسابقين مصرون على استكمال خطة السباق، كما خطط له مع سلطات البلدان، التي سيمر بها؛ مقللاً من تهديدات الجبهة.

وقلّل من تهديدات الجبهة، كذلك، أحد مسؤوليها السابقين، في المكتب السياسي؛ وكان يعمل ملحقاً عسكرياً في سفارتها، في الجزائر، قبل التحاقه بالمغرب. وأبان أن الجبهة، لا تستطيع أن تضع تهديداتها موضع التنفيذ؛ نظراً إلى تفكك بنْيتها العسكرية، وهروب الكثير من قادتها، نحو المغرب.

ولم ترد إشارة، بعد ذلك، إلى انتهاك وقف إطلاق النار؛ إلاّ ما أشار إليه تقرير الأمين العام، في آخر أبريل 2001، من أن الجبهة، لم تسمح لقوات الأمم المتحدة، بالانتشار في مناطق واقعة تحت نفوذها، في ضواحي تندوف .

ويزداد موقف الجبهة تصدعاً، كلما خبا الأمل في مخطط التسوية، وتضاءل إمكان إجراء الاستفتاء، الذي لا ترى الجبهة بديلاً منه. وعلق مندوب الجبهة لدى الأمم المتحدة، على تقرير الأمين العام، بقوله: "لا جديد في هذا الملف. لا تقدم جوهرياً، ولا تقدم سطحياً. وما زلنا في إطار المناورة والمماطلة المغربية، للبحث عن بديل من الاستفتاء. نعتبر ذلك حلماً، وإضاعة وقت، وجهوداً دبلوماسية وسياسية. ومن جهتنا، لن نقبل بديلاً من الاستفتاء، أو بديلاً من تقرير المصير في الصحراء". وأضاف "أن الخطر الكبير، هو في فشل الاستفتاء، وفشل الحل السياسي البديل؛ فعندئذٍ العودة إلى نقطة الصفر، وإلى الحرب" . ويقول، محذراً: "إذا تبنّى مجلس الأمن هذه الاقتراحات، فهذا يعني وداع جبهة البوليساريو، للتعاون مع هذا الشكل الجديد للأمم المتحدة" .

وجدَّدت الجبهة رفضها للاتفاق، على لسان ممثلها في لندن؛ وذلك في ندوة، في مجلس العموم البريطاني، مساء الاثنين، 16 يوليه 2001؛ إذ قال إن المشروع، لا يمكن قبوله؛ لأنه يؤدي إلى تكريس الضم المغربي للصحراء، ويهدد بإمكان عودة العمليات القتالية.

وقال إن الاستفتاء المقترح، بعد خمس سنوات من الحكم الذاتي، سيعطي آلاف المستوطنين المغاربة حق التصويت؛ ويقدر عدد هؤلاء بثلاثة أضعاف عدد الصحراويين. وأوضح أن بوليساريو، لا تزال تدرس الموقف، الذي ستتخذه من الدعوة، المتوقع أن يوجهها بيكر إلى أطراف النزاع، لحضور اجتماعات جديدة، في هيوستن. وقال إن الجبهة، المتمسكة برفضها "الاتفاق ـ الإطار"، تدرس مقاطعة اجتماعات هيوستن والمشاركة فيها.

ولما سئل عن البديل، في ظل استمرار تعذر إجراء الاستفتاء، أجاب: القضية هي: هل مخطط التسوية قابل للتطبيق؟ وما هي الأمور، التي تعترض تطبيقه؟ فإذا كان المغرب هو السبب، فعلى الأمم المتحدة إعلان ذلك. أما إذا كان المطلوب نقاش سبل تطبيق الاستفتاء، فنحن مستعدون لدرس الاقتراحات في هذا الشأن، والمساعدة على بحث حلول لها؛ لكننا لا نريد أن نساوم في الحقوق والمبادئ. وأشاد بموقف الجزائر الرافض للاتفاق.

يشار إلى أن هذه الندوة، نظمها اللورد ريدسديك، من مناصري بوليساريو، وتحدث فيها، داعياً الحكومة البريطانية، إلى عدم التخلي عن دعم حق تقرير المصير للصحراويين. وقال إنه يؤيد ضغوطاً على حكومة حزب العمال، لإرغامها على عدم تغيير موقفها. لكن مسؤولة، في وزارة الخارجية البريطانية، حضرت الندوة، أكدت أن الحكومة لم تغيِّر موقفها؛ وأن تأييدها لمشروع الاتفاق ـ الإطار، لا يعني التخلي عن خطة الاستفتاء؛ لأنه ينص على إجراء استفتاء، لتقرير المصير، بعد خمس سنوات من ممارسة الحكم الذاتي.

وتحدثت في الندوة, كذلك، تيس كينجهام، النائبة السابقة في البرلمان البريطاني، المعروفة بمناصرتها "البوليساريو"، والمسؤولة عن جمعية حملة الصحراء الغربية، المؤيدة للجبهة، فوصفت الاتفاق ـ الإطار، بأنه "هراء". وأضافت: "من يعتقد أن بوليساريو يمكن أن تقبله، لا بدّ أن يكون قد جاء من عالم آخر. هذا المشروع، لا يمكن قبوله". وكررت ما قاله ممثل الجبهة، عن سبب رفض المشروع؛ وهو أنه يعطي آلاف المغاربة حق التصويت. وانتقدت الأمم المتحدة؛ لأنها لا تريد ممارسة ضغط على المغرب، لقبول الاستفتاء" .

وبعد قرار مجلس الأمن، في يونيه 2001، كرر رئيس جبهة البوليساريو رفضه القديم للاتفاق، بحجة أنه مقترح مغربي؛ معلِناً أن وفده يشارك في المشاورات، من أجل البحث عن سلام، يبنى على احترام القانون والشرعية الدوليَّين؛ وأنه يحمل اقتراحات بكيفية تنظيم الاستفتاء، استناداً إلى اتفاقات هيوستن .

وقال، في حوار صحافي: "إن ما يسمى بالاتفاق ـ الإطار، يعَد خروجاً تاماً، وتناقضاً مطلقاً مع نص ميثاق الأمم المتحدة وروحه، ومع التقاليد والممارسات الدولية. وهو بعيد كل البعد، عن أن يكون اتفاقاً، بل هو مجرد ورقة مغربية؛ إنه مقترح، يهدف إلى تحويل الأمم المتحدة، من محررة للشعوب، إلى عصا في يد الغازي، ليسيطر بها على المظلوم، وسلاح في يد المستعمر، ليثبت احتلاله".

وسئل عن مطالب الجبهة، في مفاوضات وايومينج؛ وهل سترفض الاتفاق ـ الإطار كلَّه، أو ستقبل التفاوض فيه؟ فأجاب بأنهم يرفضون الاتفاق كله؛ لأنه يفتقد أقلّ شروط الحياد؛ بل يفترض السيادة المغربية، مسبقاً؛ ويتنكر لكل الجهود، التي بذلت، حتى الآن؛ ويلغي كل الاتفاقات، التي وقّعها الطرفان؛ فضلاً عن أنه ينافي مهمة بعثة الأمم المتحدة. إن انحيازه الواضح، جعله غير مقبول قاعدة للتفاوض؛ فلا يمكن تعديله، ولا تصحيحه، ولا الخوض فيه.

وأبان أنهم قدموا اقتراحاً، لإزالة العراقيل أمام مخطط التسوية. ويتصل الاقتراح بكيفية حل مشكلة الطعون، وإدراج الصحراويين، الذين لديهم أدلة قاطعة، تحدد هويتهم، ولم يدرجوا في القوائم، التي نشرتها الأمم المتحدة.

وينحي باللائمة، على الدول المؤثرة في السياسة الدولية، مثل دول أوروبا، والولايات المتحدة؛ لأنها لم تمارس الضغط الكافي، على المغرب، لتنفيذ ما اتُّفق عليه في مخطط السلام، واتفاقات هيوستن. وسئل رئيس جبهة البوليساريو، عن استئناف الحرب، الذي لوحت به الجبهة، منذ شهرَين، عند صدور قرار مجلس الأمن، في حال المضي قدماً في إقرار الاتفاق ـ الإطار، فقال: "إنه كلما اتسعت زاوية الانحراف عن الشرعية الدولية، ازدادت أخطار الرجوع إلى الحرب".

ورفضت الجبهة الوطنية، رسمياً، مقترحات بيكر، في بيان، أصدرته أمانتها، في 15 سبتمبر، أكدت فيه رفضها المقترحات، ووصفتها بأنها مضيعة للوقت؛ كما دعا البيان الصحراويين إلى مواصلة المقاومة، بكل أشكالها، وهو ما قد ينظر إليه خروجاً على اتفاق وقف إطلاق النار، المستتب بين الجانبين، منذ العام 1991.

وجاء رد الفعل المغربي، غير رسمي، عبر الوزير السابق، محمد العربي المساري، الذي قال، في مقابلة مع إذاعة الـ B.B.C.: "إن قرار بوليساريو تعبير عن موقف الجزائر من القضية لا غير... وإن بلاده جاهزة، لمواجهة أي عمل عسكري، تشنه الجبهة على الأهداف المغربية"؛ لكنه أكد أن المغرب مستعدة للعيش في سلام، مع جارتها الجزائر، التي تشاركها عضوية اتحاد المغرب العربي.

وجدت جبهة البوليساريو في مشروع (الاتفاق/ الإطار) مع المغرب تثبيتاً للسيادة المغربية على إقليم الصحراء الغربية، ولذلك رفضت المشروع مستندة على العوامل الرئيسية التالية:

1. من وجهة نظر الشرعية الدولية فإن ما يُسمى بمشروع (الاتفاق/ الإطار) الذي يرغبه المغرب، ويقود إلى الوصول إلى "استفتاء تأكيدي" للاحتلال، وينتزع من الشعب الصحراوي حقه في تقرير المصير، وجعله مجتمعاً تابعاً لقوات الاحتلال، ما يتعارض بوضوح مع المبادئ الأساسية في ميثاق الأمم المتحدة، وخاصة مع تصفية الاستعمار.

2. من وجهة النظر السياسية فإن مشروع (الاتفاق/ الإطار) ـ بعكس مخطط التسوية ـ لم يحظ بقبول الطرفين بل قبلته المغرب وحدها، ولذلك فإن مشروع (الاتفاق/ الإطار) أحادي الجانب.

3. لقد درس مجلس الأمن الدولي في يونيه 2001، وفي أبريل 2002، في ضوء طلب بعض أعضائه مشروع (الاتفاق/ الإطار)، إلا أنه لم يوافق على ذلك المشروع، إضافة إلى عدم حصول المشروع على موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وفي إطار ما سبق رأت جبهة البوليساريو أنه نظراً لغياب عامل الشرعية، وعدم موافقة الأطراف المعنية بمشكلة الصحراء الغربية، وعدم قبول المجتمع الدولي للمشروع، أن ذلك المسعى الدولي لم يكن فقط غير مقبول بل مرفوض أساساً. كما أكدت جبهة البوليساريو أهمية إيجاد حل لقضية اللاجئين، ومواجهة معاناة ما بقي من الشعب الصحراوي في المناطق التي عدتها محتلة، لاستمرار حملات الاعتقال والاختفاء والممارسات المنافية للقانون الدولي، حيث تصر السلطات المغربية على منع المراقبين الدوليين من الناشطين في مجال حقوق الإنسان، ورغم أن جبهة البوليساريو أطلقت سراح ما يربو على 1000 أسير مغربي، فإن المغرب لم يفعل المثل، ولم تعلن حتى الآن عن مصير المفقودين الصحراويين (وجهة نظر جبهة البوليساريو).

أعلن زعيم جبهة البوليساريو (محمد عبدالعزيز) في 12 يونيه 2005، في مؤتمر صحفي عقده في العاصمة الجزائرية أن الجبهة تريد حلاً سلمياً ينهي أطول الصراعات الأفريقية، مؤكداً أنه لن يسلك طريق العنف، بل سيواصل الكفاح من خلال الوسائل السلمية، كما طالب محمد عبدالعزيز المجتمع الدولي إلى التحقيق في الاعتقالات التي قامت بها القوات المغربية ضد مؤيدي جبهة البوليساريو الذين تظاهروا في الرباط.

ثانياً: الاتحاد الأوروبي، وقضية الصحراء

لم يقتصر الجمود والتوتر، اللذَان أوجدتهما مشكلة الصحراء الغربية، على الدول المغاربية، فرادى أو مجتمعة، بل تعداها، إلى الاتحاد الأوروبي نفسه. فترى مجلة "المشاهد" اللندنية، العدد الرقم 18 ـ الصادر في يوليه 1996، أن الاتحاد الأوروبي قد عبّر عن قلقه، للمغرب، من جراء تأجيل الاستفتاء، واقتراحات المغرب، في شأن تعديل السجل الانتخابي، ولجان تحديد الهوية؛ وأن ذلك يتعارض، في نظر الاتحاد الأوروبي، مع إجراءات خطة السلام ومبادئه. وزعمت المجلة البريطانية، المشار إليها، أن الاتحاد الأوروبي، هدد بفرض عقوبات، إذا ما واصل المغرب عدم الالتزام، وأن الاتحاد الأوروبي جمد بعض الاتفاقيات، التي أبرمت مع المغرب، في انتظار إجراء الاستفتاء، وطالب بمراقبين خارجيين، لمراقبة عملية التصويت. غير أن الدول الأوروبية كانت، وما زالت ترى في المغرب شريكاً إستراتيجياً، يمكن أن يساعد، على مكافحة ما تواجهه تلك الدول، من تهديدات وتحديات، يلجأ إليها المتشددون الإسلاميون، في المغرب العربي .

كما أجرى الاشتراكيون الأوروبيون، مع نظرائهم المغاربة، حواراً في البرلمان الأوروبي، الذي دعا اثنَين من المغاربة، بصفتهما ممثلَين للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في المغرب، إلى زيارة عمل، إلى مقر البرلمان في ستراسبورج، في 20 يونيه 1995، حيث قدم الجانب المغربي عرضاً لتطورات ملف الصحراء الغربية، وقضايا حقوق الإنسان في المغرب؛ وارتباط هذه القضايا بآفاق العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، في ضوء توقيع اتفاقيتَين للمشاركة والصيد البحري. وقدَّم ممثَلا المغرب في هذا الحوار، عرضاً لتطورات ملف الصحراء الغربية، منذ أن عرض على الأمم المتحدة. فأوضح الجانب المغربي طبيعة المشكلة، التي وصفها بأنها ليست إلاّ استرجاع المغرب لأراضيه، التي كانت تحت الاحتلال الأسباني والاستعمار الفرنسي، من سنة 1956 حتى سنة 1975.

كذلك، عبّرت مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية، في مجلس الأمن، في ذلك الوقت، عن رأيها، عقب المصادقة على قرار مجلس الأمن، بتعليق مسألة تحديد الهوية ـ بأن المغرب والبوليساريو، يتقاسمان مسؤولية المأزق، الذي وصل إليه المخطط الدولي.

أما النائب الأول لرئيس الحكومة الأسبانية، الباريس لاسكويس، فذكر، في 29 مايو 1996، أمام البرلمان الأسباني، أنه يجب أن يكون هناك تقرير لمصير الشعب الصحراوي، من طريق الاستفتاء الحر، والنزيه، وبضمانات دولية. كما عبّرت مسؤولة في وزارة الخارجية الأسبانية، عن أسفها لقرار مجلس الأمن؛ لأنها تعتبر أن قضية الصحراء، وهي قضية قضاء على استعمار، في حاجة إلى تطبيق المخطط الدولي، لا إلى توقّفه.

وعلى الرغم من أن الدول الغربية، لم تعترف بالجمهورية الصحراوية، كما سبق الإشارة إليه؛ إلاّ أن للجبهة، ممثلين في معظم العواصم الأوروبية. وازداد اهتمام الأوروبيين والولايات المتحدة بالموضوع. فأعلن الاتحاد الأوروبي تأييده لاقتراحات الحل السياسي. وأعرب المفوض الأعلى للشؤون الخارجية، في الاتحاد، عن أمله أن تُقبل هذه الاقتراحات، وتُنفذ . وكان وفد الاتحاد الأوروبي، قد زار الجزائر، برئاسة وزيرة خارجية السويد، في أبريل 2001، لمناقشة عدة موضوعات، من بينها قضية الصحراء. وقبْلها، في يناير، كان رئيس اللجنة الأوروبية قد زار الدول المغاربية الثلاث، مناقشاً هذا الموضوع .

كما تصدرت قضية الصحراء، وتطوير العلاقات الثنائية، المحادثات، التي أجراها وزير خارجية المغرب، مع المسؤولين السويديين، وبعض منظمات المجتمع المدني، على هامش زيارة العمل التي قادته إلى إستوكهولم بدعوة من أنا ليند، وزيرة خارجية السويد.

وقال بيان صادر عن سفارة المغرب في استوكهولم: إن الوزير المغربي أجرى مباحثات، مع مجموعة من أعضاء لجنة الشؤون الخارجية، في البرلمان السويدي، خصصت لبحث تطور العلاقات السويدية ـ المغربية، وقضية الصحراء، والوضع في المغرب العربي، ومسلسل برشلونة.

وقدم الوزير المغربي، خلال الاجتماع، عرضاً مفصلاً، حول تطور قضية الصحراء، والمراحل المتعددة، التي مر بها مسلسل التسوية، مبرزاً المجهودات المتعددة، التي قام بها المغرب، من أجل التوصل إلى تسوية، تضمن حقوق جميع الصحراويين، بدون استثناء، خاصة في ما يتعلق بتحديد هويتهم، والمشاركة في الاستفتاء. وبعدها، تحدث الوزير المغربي عن السياق الجيو ـ سياسي لقضية الصحراء، قائلاً إنها تعوق، حتى الآن، إقامة مغرب عربي موحد، في وقت مطلوب فيه بناء هذا التجمع الإقليمي لمواكبة مسلسل برشلونة.

وعبر مجموعة من النواب السويديين، عن اهتمامهم بتسوية قضية الصحراء، وتحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة، وأبدوا ملاحظات، تتعلق بضرورة مواصلة الحوار، بين أطراف النزاع، لجهة تجاوز العراقيل الحالية.

وقالت وزيرة الخارجية السويدية: "يجب علينا أن نجد وسائل جديدة، لتطوير وتنويع مبادلاتنا". وأضافت: "نحن مطالبون بإيجاد مبادرات جديدة، لتنشيط الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وبلدان الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط". كما دعا الوزير المغربي، إلى إقامة تبادل منتظم، بين المنظمات الحكومية، وغير الحكومية، يرسخ التعارف والتفاهم، بين المجتمعين المغربي والسويدي؛ على صعيد آخر، استُقبل الوزير المغربي، من قبل الأمين العام لمركز "أولوف بالم" الدولي، وهي مؤسسة، تُعنى بحقوق الإنسان والتنمية، في العالم. وتناولت مباحثاتهما قضية الصحراء، وغيرها من الموضوعات.

وفي مايو 2001، زار وفد أوروبي آخر المنطقة، برئاسة الأسباني، مدير قسم المغرب في البرلمان الأوروبي، الذي أعرب عن قلقه، إزاء الأخطار المحتملة، التي قد تترتب على تجميد مسار السلام، في الصحراء الغربية. وقال، في ختام زيارة الوفد مخيمات اللاجئين الصحراويين، في تندوف: "لقد سجلت، خلال محادثاتي مع المسؤولين الصحراويين، مدى خطر الوضع في الصحراء". ثم تحدث، في تصريحات، بثتها وكالة الأنباء الجزائرية، عن مبدأ حق الشعب الصحراوي في تقرير مستقبله، بحُريَّة، طبقاً لاتفاقات السلام، ولاحظ إرادة للحوار، ومرونة كبيرة، عدَّهما برهاناً على النضج السياسي، المتميز جداً، للمسؤولين الصحراويين؛ وليسا ضعفاً. وشدد على ضرورة تنشيط التضامن المادي، مع الشعب الصحراوي؛ نظراً إلى الصعوبات السياسية، التي تعرقل تطبيق اتفاقات السلام. وقال: "إن على الاتحاد الأوروبي، أن يقرر زيادة المساعدات الإنسانية" .

وكان هذا النائب الأسباني، قد كتب: "إنه لا توجد إلاّ حظوظ ضئيلة، لكي يتم تنظيم استفتاء". ولمح إلى حل، على غرار ما وقع في أمريكا الوسطى، يضع المسلحون، بموجبه، أسلحتهم، ويندمجوا في الحياة السياسية للمغرب؛ أسوة بما فعلته هناك المعارضة، التي تحولت إلى أحزاب سياسية، تمارس معارضتها داخل البرلمانات. وقال إن تلك هي الطريقة الوحيدة، لكي يضمن الحاملون للسلاح، اليوم، مكاناً لهم في خريطة الغد .

وفي أبريل 2001، زار وفد من الكونجرس الأمريكي، مؤلف من اثني عشر عضواً، الصحراء الغربية. واجتمع مع زعماء قبائل صحراوية وشيوخها، ومنشقين عن جبهة "بوليساريو"، طالبوا بالتدخل، من أجل فك الحصار عن الصحراويين، في مخيمات تندوف. وفي هذه الأثناء، كان وزير الداخلية الفرنسي السابق، يزور المغرب، مؤيداً إقامة حكم ذاتي داخلي في الإقليم .

وأعلن رئيس وزراء فرنسا، "جوسبان"، أنه نظراً إلى الجهود القائمة، على صعيد قضية الصحراء، فإنه لا يسعنا سوى دعم جهود أنان، ومبعوثه جيمس بيكر. كما صرح الرئيس الفرنسي، "شيراك"، أن التطورات، التي شهدتها قضية الصحراء الغربية، أخيراً، تسير في الاتجاه الصحيح . هذا الموقف الفرنسي، أغضب جبهة البوليساريو، فنددت بفرنسا، علناً، في مايو 2000، واتهمتها بدعم الموقف المغربي. وندد بها زعيم الجبهة، محمد عبدالعزيز، مرة أخرى، في مقابلة مع جريدة "الموندو" الأسبانية، قائلاً: "إن فرنسا، أدت دوراً غادراً، وحاسماً، في انحراف عملية الأمم المتحدة، التي كانت تنص على إجراء استفتاء". وقال: "إن اقتراح أنان، هو فرنسي ـ مغربي، بتغطية من الأمم المتحدة. ويشكل إعلان حرب، على حق الشعب الصحراوي، في تقرير مصيره" .

ولا يمكن إغفال الموقف الأسباني، الذي يراهن على الإفادة من نزاع الصحراء، في ممارسة ضغط أشد على المغرب، في قضيتَي الصيد، ومستقبل مدينتَي سبتة ومليلة المحتلتَين. إلاّ أن المصادر المغربية، تؤكد أن التوجه الأوروبي، الذي تقوده فرنسا خاصة، يرمي إلى تسريع وتيرة الحل، للإبقاء على مظاهر النفوذ الأوروبي، في منطقة شمال إفريقيا، ولا سيما بعد اتساع حجم المنافسة، الأوروبية والأمريكية، في المنطقة .

ولم يغب الدور الغربي في الصراع، عن ذهن المتابع للقضية. فبينما يرى الأموي، وهو زعيم اتحاد عمالي مغربي، أن الولايات المتحدة الأمريكية، كانت وراء خلق هذا النزاع، عقب حرب أكتوبر، لأهداف استعمارية وصهيونية ؛ يرى مراقبون غربيون، أن الموضوع كله رهين النظرة الأمريكية، إلى مستقبل التوازن في منطقة شمال إفريقيا؛ وثمة خلافات، على ما يبدو، داخل الإدارة الأمريكية الجديدة، في التعاطي مع ملف الصحراء؛ وهو ما يفسر إقدام النواب، في الكونجرس، على الضغط على الرئيس السابق "بوش"، لإرجاء تثبيت الحل الثالث. في حين أن أصدقاء المغرب في الإدارة الجمهورية، يرون الوقت ملائماً لفرض الحل، في سياق الحفاظ على توازن علاقات واشنطن، بكلٍّ من المغرب والجزائر .

وهناك من يرى، أن الحل الثالث، إنما هو حل أمريكي خالص؛ وما تعيين جيمس بيكر ممثلاً شخصياً للأمين العام، إلاّ إدخال للقضية إلى المرحلة الأمريكية؛ إذ هو الذي نجح في حشد ثمانٍ وعشرين دولة للعراق، في حرب الخليج، التي خرجت منها الولايات المتحدة بنصيب الأسد. كما نجح في جمع أطراف النزاع العربي ـ الإسرائيلي، في مدريد، التي يرتضيها العرب أساساً لأي سلام شامل، وعادل . وهو بهذه المواصفات، يستطيع أن يضع الحل الثالث موضع التنفيذ. ويؤكد هذا، تصريح الناطق باسم الخارجية الأمريكية، الذي يفهم منه أن الأمريكيين قد تصيّدوا الفرصة، التي تتيح لهم تحريك الأمور، في نطاق هجمتهم، التي يشنونها، بحيوية فائقة، على القارة الإفريقية، منذ سنين؛ وهي هجمة في ذروة تبلورها، الآن، بالمنافسة القوية لفرنسا والاتحاد الأوروبي، في السيطرة على أسواق دول المغرب الثلاث .

ولا بدّ من الإشارة، إلى أن هناك تقارباً، بين الولايات المتحدة الأمريكية والجزائر، منذ اعتلاء بوتفليقة سدة الحكم، عام 1999؛ والذي أولى السياسة الخارجية اهتماماً كبيراً. وظلت العلاقات تتنامى بين البلدين، في مجالات، أهمها الاستثمارات النفطية، التي تجاوزت أربعة مليارات دولار؛ ووجهت ضربة قاضية إلى الاستثمارات الفرنسية؛ ويتوقع أن يصل حجمها، عام 2004، إلى ثمانية مليارات دولار.

وفي المجال العسكري، شهد التعاون بين البلدَين، قفزات بعيدة المدى؛ إذ جرت مناورات، بين البحرية الأمريكية والبحرية الجزائرية، في البحر الأبيض المتوسط؛ فضلاً عن تدريب مئات من الضباط الجزائريين، في أمريكا؛ وكانوا من قبل يتدربون في فرنسا. وأصبحت الولايات المتحدة أهم مصدر لتزويد الجزائر بالسلاح .

وتعرف الولايات المتحدة الأمريكية، من الجهة الأخرى، غنى المغرب بالفوسفات. كما تسعى إلى بلوغ دول المغرب، في علاقاتها بإسرائيل، المدى الذي بلغته موريتانيا. ومن ثم، فهي تضع، نصب عينيها، كل هذه المستجدات والمصالح، في أثناء تعاملها مع ملف الصحراء.

ويصب، في خانة الاهتمام الغربي بالموضوع، الندوة المهمة، التي نظمتها جامعة برشلونة المستقلة، تحت عنوان "مستقبل نزاع الصحراء الغربية وتنمية المغرب الكبير"، في مطلع أكتوبر 2001، ودعت إليها شخصيات مغربية، وجزائرية، ومسؤولين في جبهة البوليساريو، إلى جانب أكاديميين، أوروبيين وأمريكيين . (اُنظر ملحق حوار بعيد عن الأضواء في برشلونة، بين شخصيات مغربية، وجزائرية، ومسؤولين في جبهة البوليساريو، حول الحل الثالث لقضية الصحراء).

ثالثاً: الولايات المتحدة الأمريكية وحل وسط لمشكلة الصحراء الغربية

يُعد اجتماع برلين بين أطراف مشكلة الصحراء الغربية، الذي عقد في 28 سبتمبر 2000، في إطار الجولة الثالثة من المباحثات، فرصة مناسبة لدراسة الخيارات الممكنة، كذلك بدأت تتضح معالم الضغوط الخارجية وخاصة الفرنسية والأمريكية لدفع الأطراف لبحث حل سياسي للمشكلة، كذلك كانت المشكلة أحد المحاور الأساسية للمباحثات التي تمت أثناء زيارة العاهل المغربي للولايات المتحدة الأمريكية في منتصف يونيه 2000، إضافة إلى أن قرار مجلس الأمن في 31 مايو 2000 بشأن البحث عن حل سياسي كان بمبادرة فرنسية ـ أمريكية، حيث نجحتا في إصدار قرار مجلس الأمن الرقم 1309 في 25 يوليه 2000، ومن ثم أعلن المغرب عن استعداده للمشروع في بدء حوار مع جبهة البوليساريو بهدف بلورة حل دائم ونهائي يأخذ في الاعتبار مصالح المغرب العليا ووحدة أراضيه، وذلك في إطار احترام مبادئ الديموقراطية واللامركزية التي يعمل المغرب على تطبيقها وتطويرها بدءاً بجهة الصحراء.

قام "إدوارد ووكر" مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية المكلف بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا بزيارة للمنطقة في 8 ديسمبر 2000 وفي ذات الوقت قام نائبه "ألن كيستويد" بزيارة مخيمات تندوف، وتحددت أهداف الزيارة في التباحث حول سبل حل مشكلة الصحراء الغربية، ولقد شملت هذه المباحثات كل من المغرب والجزائر وجبهة البوليساريو، إضافة إلى فرنسا وبريطانيا وروسيا بوصفهم أعضاء في مجلس الأمن، ولكن لم يكن هناك مبادرة أمريكية، حيث كانت هناك عملية انتقال للسلطة الرئاسية وتشكل إدارة أمريكية جديدة في ذلك الوقت.

ورغم أنّ التحرك الأمريكي تجاه مشكلة الصحراء الغربية كان في توقيت حساس بالنسبة لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وحالة التوتر التي شهدتها مشكلة الصحراء الغربية، إلا أن تلك الزيارة التي قام بها "ووكر" لم تكن إجراء بروتوكولاً عادياً، بل حملت في طياتها سعي الإدارة الأمريكية للضغط على أطراف المشكلة للتفاهم حول مشروع حل سياسي والخروج من حالة التصادم والتعنت الحاد القائمة.

أعلنت المغرب عن قبولها الحوار حول حل سياسي في إطار السيادة المغربية، رغم اندراج ذلك الحل في سياق التوجهات الأمريكية ـ أي سياق البحث عن حل سياسي، ولقد أدى ذلك إلى تبني "كوفي أنان" لرأي "جيمس بيكر" القاضي بضرورة إعلان المغرب لموقف واضح يتوافق مع قرار مجلس الأمن بشأن إيجاد حل سياسي، أو أن تقوم بعثة المينورسو بدراسة طلبات الطعن بوتيرة أسرع عما سبق، وبذلك لم يجد المغرب خياراً سوى الحل السياسي للمشكلة، وهو ما يوضح أن المغرب واجهت ضغوطاً خارجية، وخاصة بعد التهديد غير المباشر الذي ورد في تقرير الأمين العام، الذي أكد فيه على سرعة بحث الطعون الخاصة بالهوية لسكان الصحراء الغربية بوتيرة سريعة، إلا أن المغرب أعلن أن مشكلة الطعون ليست مشكلة تقنية بل هي مشكلة سياسية.

جوهر المبادرة الأمريكية هو دفع المغرب لتبني مقترح يقضي إلى حكم ذاتي فعلي، وفي المقابل الضغط على الجزائر وجبهة البوليساريو لقبول هذا العرض، بالإضافة إلى التحرك لضمان موافقة مجلس الأمن لهذا المسار، ومن الواضح أن هناك إرادة أمريكية/ غربية لتجاوز خطة الاستفتاء وإقرار حل سياسي، قد يطول التفاوض عليه، بما يحقق الرغبة الغربية والأمريكية وخاصة في توظيف المشكلة للتدخل في شؤون المنطقة، وربطها بمشاريع الإلحاق والتبعية.

ولقد تنامت المساعي الأمريكية لحل مشكلة الصحراء، واحتواء الخلافات القائمة حالياً بين المغرب والجزائر، ولقد وضح ذلك من خلال إعلان المبعوث الأمريكي السيناتور "ريتشارد لوجار" رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ضرورة بدء المفاوضات بين المغرب والجزائر برعاية الأمم المتحدة حول مشكلة الصحراء الغربية، ولقد قامت تصريحات "لوجار" الذي أشرف على إطلاق سراح الأسرى المغاربة (404 أسير كانت لدى جبهة البوليساريو).