إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / ثورة 23 يوليه، في مصر




وثيقة التنازل عن العرش
وداع علي ماهر
محمد نجيب وعبدالناصر
محاصرة قصر عابدين
مع ضباط الكتيبة (13) مشاة
لقاء مع الإخوان المسلمين
مقر مجلس قيادة الثورة
مقر رأس التين بالإسكندرية
اللواء محمد نجيب وعلي ماهر
الملك فاروق والسفير البريطاني
الملك فاروق في احتفال
البيان الأول للثورة
اليخت الملكي المحروسة
الرسالة الموجهة للملك فاروق
اجتماع مجلس قيادة الثورة
تعليمات بعودة اليخت المحروسة
دبابة أمام قصر المنتزه
زيارة للوحدات العسكرية





الفصل الرابع

الفصل الرابع

تحديد موعد الحركة

        خلال وزارة علي ماهر (تولت في 27 يناير عام 1952 حتى 1 مارس 1952) نشطت عملية إصدار المنشورات؛ فأصدر تنظيم الضباط الأحرار منشوراً يدين فيه سياسة علي ماهر الرامية إلى تصفية الكفاح المسلح، ومطالبته بإلغاء الأحكام العرفية. وكان تنظيم الضباط الأحرار قد قرر، من قبل، تأجيل قيام الثورة عامين، على الأقل، عن موعد قيامها (انظر ملحق تشكيل وزارة علي ماهر وكذا وثائق استقالتها)

        وفي الأول من مارس 1952 استقال علي ماهر، وكُلِف أحمد نجيب الهلالي بتشكيل الوزارة. وقبل صدور خطاب تشكيل وزارته (أواخر فبراير)، زار جمال عبدالناصر وكمال الدين حسين خالد محيي الدين، في منزله بمصر الجديدة، من دون موعد سابق، وجلس جمال عبدالناصر متوتراً وأفضى لخالد بهواجسه قائلاً: "لابد من التحرك فوراً. لأن الهلالي سوف يعطل الدستور، ويحل البرلمان، وأنه سيحرف المعركة الوطنية إلى معركة ضد فساد الحكم، وسوف يؤجل المواجهة مع الإنجليز. ومن ثم فلابد أن نتحرك فوراً بعمل انقلاب قبل تولي نجيب الهلالي الحكم".

        إلا أن خالد محيي الدين طلب من جمال عبدالناصر استطلاع رأي الضباط قبل تقرير أي شئ. وذهب جمال عبدالناصر إلى مجموعة المدفعية، وصارحهم برأيه ولكن ضباط المدفعية أكدوا أن عددهم غير كاف للتحرك. وكذلك لم تتحمس مجموعة الفرسان لعمل انقلاب يؤدي إلى عودة الوفد للحكم.

        وعندما ألف الهلالي وزارته (انظر ملحق تشكيل وزارة أحمد نجيب الهلالي باشا) أصدر تنظيم الضابط الأحرار منشوراً جاء فيه:

        "توالت مؤامرات الاستعمار الأنجلو ـ أمريكي في الفترة الأخيرة في مصر لمحاولة القضاء على الحركة الوطنية، وصرف أنظار الشعب عن الكفاح المسلح ضد الاستعمار في القناة، إلى المشاكل الداخلية في القاهرة، فبعد أن أعلنت حكومة الوفد قطع المفاوضات وإلغاء المعاهدة، ورفض حلف الشرق الأوسط الرباعي الاستعماري، وتكوين الكتائب الوطنية، وبعد أن اشتدت جذوة الوطنية في البلاد حتى كادت مصر أن تصل إلى حقوقها كاملة، دبر الاستعمار وأذنابه انقلاب 26 يناير الماضي (حريق القاهرة)، وجاءت حكومة علي ماهر، وبدأت المفاوضات من جديد، وكان الاستعمار والخونة المصريون يؤملون كثيراً في علي ماهر، وفي تسليمه تسليماً كاملاً بمطالبهم بقبول الحلف الرباعي، وحل البرلمان واعتقال آلاف الوطنيين واستعمال الأحكام العرفية للتنكيل تنكيلاً واسعاً بالشعب، ولكن خاب رجاؤهم ولم يجبهم علي ماهر إلى كل مطالبهم فكان لابد من انقلاب جديد لتحقيق الأهداف الاستعمارية، لابد من انقلاب جديد وتحويل الحركة إلى الداخل، والقيام بحركة تطهير واسعة بحجة تقوية الصفوف قبل مجابهة الاستعمار. وهكذا وصل الهلالي إلى الحكم وأعلن بصراحة أن مهمة وزارته الرئيسية هي التطهير والقضاء على الفساد، وقد تناسى أن الفساد الأكبر مصدره الاستعمار، وأنه لا يمكن القضاء على الفساد الداخلي إلا إذا قضي على أسبابه ومصدره. إن من أهداف الضباط الأحرار الكفاح ضد الفساد بكل مظاهره، وضد الرشوة وضد المحسوبية، وضد استغلال النفوذ، لكننا لا يجب أن نتجه إلى ذلك إلا بعد القضاء على الاستعمار، وإن أي اتجاه غير ذلك هو خيانة وطنية".

        كان الاستعمار يؤمل في أن يتمكن الهلالي من القيام ببعض الإصلاحات الداخلية، في مواجهة الفساد، وتحسين الأوضاع بهدف إعطاء دفعة للنظام ككل، وتمكينه من مواصلة الحياة. لكن الهلالي فشل فشلاً ذريعاً. وفي هذه الأثناء، كانت منشورات الضباط الأحرار تتوالى بصورة لافتة للنظر (انظر ملحق منشورات الضباط الأحرار خلال فترة ما قبل الثورة)، وكان الجميع يعلمون بوجود "الضباط الأحرار"، وإزاء فشل الحكم في إصلاح نفسه من داخله، تطلع الإنجليز والأمريكيون إلى محاولة الاتصال "بالضباط الأحرار" وإقامة علاقة ما معهم، فهم إزاء حكم يتداعى، ومن الناحية الأخرى هناك تنظيم قائم ونشيط في القوات المسلحة ويمكنه أن يصل إلى السلطة، فلم لا يتصلون به ليضمنوا حماية مصالحهم، أو حتى قدراً منها؟.

ويذكر خالد محيي الدين في مذكراته

        "كان وجود جمال سالم معنا، في "لجنة القيادة"، قد أضاف عنصراً جديداً، فجمال سالم، بطبيعته، كان معجباً بأمريكا، وقضى هناك فترة للعلاج، على نفقة الدولة، بعد إصابته في حادث سقوط طائرة، وعاد، من أمريكا، معجباً ومبشراً بنظام الحياة فيها، وبدأ ينتقد الإشارة، في منشوراتنا، إلى الاستعمار الأنجلو ـ أمريكي، وطالب باستبعاد "الأمريكي"، والاكتفاء بمهاجمة الإنجليز، فلا فائدة لنا في مناصبة الأمريكان العداء، وسانده جمال عبدالناصر، في ذلك، ثم طالب بأن نرفض "الشيوعية"، باعتبارها خطراً يهدد مصر كذلك، ورفضتُ ذلك بشدة، وبصعوبة أقنعتهم بأن نستمر كما نحن، لكنني بدأت ألاحظ متغيرات مهمة في فكر جمال عبدالناصر، فقد بدأ، في أحاديثه معنا، ينتقد الشيوعية، ويقول إن نظريتها، القائلة بأن العوامل الاقتصادية هي المحرك الأساسي للأحداث السياسية، نظرية خاطئة، وأن الصراع السياسي، في جوهره، هو صراع على السلطة".

ويستطرد خالد محيي الدين

        عندما تحركنا، تحركاً فعلياً، من أجل الإعداد للانقلاب، كانت تساورني أنا، وعديد من ضباط الفرسان، مخاوف حقيقية من إمكانية تدخل القوات الإنجليزية ضدنا، وكنا نناقش هذا الأمر بجدية، وكان ثروت عكاشة هو أكثر من توقف عند هذا الموضوع، طالباً التأني في فعل أي شئ، خوفاً من أن نتحرك فتؤدي حركتنا إلى عودة الإنجليز لاحتلال كامل البلاد من جديد، لكن عبدالناصر كان يتلقى هذه المخاوف بهدوء غريب. وعندما اجتمعنا لإنجاز خطط التحرك الفعلي كنا في منزل حسن إبراهيم، وتحدثت طويلاً عن مخاوف ثروت عكاشة من تدخل الإنجليز، وكان جمال عبدالناصر هادئاً وعلق على كلامي بكلمة واحدة هي: "طيب". ثم قال إذا كان ثروت عكاشة قلقان بلاش يشتغل، ثم التفت إلى بغدادي وسأله: إيه أخبار علي صبري؟ كانت المرة الأولى التي أسمع فيها هذا الاسم، وسألت: من هو علي صبري؟ وأجاب بغدادي: إنه مدير مخابرات الطيران وهو معنا، وقد أخذ بعثة في أمريكا وهو على علاقة حسنة بالأمريكان، وإنه من خلال علاقته بالملحق الجوي، في السفارة الأمريكية، سمع منه تلميحات بأنه في حالة تحرك الجيش فإنهم سيطلبون من الإنجليز عدم التدخل، إذا كانت الحركة غير شيوعية ولا تهدد مصالحهم. وانتهز بغدادي الفرصة ليعود إلى المطالبة بعدم مهاجمة الأمريكان، وذلك أنه لا داعي لإثارة عداء الأمريكان، وعندما حاولت الرد عليه، قال جمال عبدالناصر: معلهش، بلاش حكاية الأمريكان دي حتى تنجح حركتنا، وبعدها نقول ما نريد، ونفعل ما نريد.

        ثم ألقى جمال عبدالناصر في الاجتماع بقنبلة جديدة فقال إن حسن عشماوي من قادة الإخوان عاود الاتصال به. وأبلغه أن الإنجليز يريدون التخلص من الملك فقد أصبح مكشوفاً ومكروهاً من الشعب، ولم يعد قادراً على ضمان مصالحهم، وأنهم يرون أن الشعب لن يقبل باستمرار هذا الملك المنحل والضعيف، ثم قال إن عشماوي أكد له أن الإنجليز طلبوا من الإخوان اغتيال الملك، لكن الإخوان رفضوا خوفاً من عواقب ذلك ضدهم. لقد كان حقاً يوم المفاجآت بالنسبة لي.

استمرار توزيع المنشورات

        تواصلت مسيرة الضباط الأحرار وفي كل يوم كانوا يقتربون من نقطة التصادم. ففي أوائل أبريل عام 1952 وزع مصطفي كمال صدقي وعبد القادر طه منشوراً هاجما فيه الملك فاروق وشبهاه بأنه مثل الخديوي توفيق الخائن، وشبها حريق القاهرة بمذبحة الإسكندرية أيام الثورة العرابية، وكان مصطفى كمال صدقي معروفاً لدى الملك، فقد كان لفترة من الوقت محسوباً من رجاله (ضمن الحرس الحديدي)، وقرر الملك قتل عبد القادر طه، واغتاله شخص يدعى علي حسنين.

        وأصدر تنظيم الضباط الأحرار في 18 أبريل منشوراً يتهم فيه حسين سري عامر صراحة بأنه مسؤول عن اغتيال عبد القادر طه، ويتهم مرتضى المراغي وزير الداخلية بالتستر على الجريمة. وفي هذه الأثناء حاول الوفد أن يمد يده داخل الجيش، فقد قُبض على ضابط وفدي هو حسن علام وهو يطبع منشورات لحساب الوفد في مدرسة المعادي للأسلحة والمهمات، وكان رد الحكم صاعقاً فقد حُدِدَتْ إقامة كل من فؤاد سراج الدين وعبدالفتاح حسن. وشعر الضباط الأحرار بأن الملك بدأ يشعر بحركتهم، ولابد من التحرك، وإلا فإن الملك سوف يوجه لهم ضربة قاصمة.

        وفي مايو 1952 عقد التنظيم اجتماعاً في بيت عبدالحكيم عامر بالعباسية، وكان بغدادي متغيباً عن الاجتماعات منذ مدة احتجاجاً على عدم تحرك التنظيم، لكنه حضر هذا الاجتماع قائلاً: لقد أتيت لأنكم قررتم عمل شئ. وفي هذا الاجتماع وضع التنظيم خطاً فاصلاً في العلاقة مع عبدالمنعم عبدالرؤوف، فقد عاود الإلحاح على ضرورة الارتباط بالإخوان، ولما رفضنا قال: "بالعربي أنا مرتبط بالإخوان ولن أتركهم"، وقرر التنظيم إبعاده. وتم تحديد موعد نهائي للتحرك في نوفمبر 1952.

        وكان السر في اختيار نوفمبر هو شائعات، تواترت للضباط الأحرار، مفادها أن النواب الوفديين ينوون اقتحام البرلمان، وعقد جلساتهم عنوة، إعمالاً لأحكام الدستور، معيدين بذلك تجربة سابقة في العشرينات. وكان الملك يدفع الأمور للتصادم بصورة خالية من أي ذكاء، فعندما عقدت الجمعية العمومية الطارئة لنادي الضباط، كان الضباط مشحونين تماماً ضد الملك، وبناء على اقتراح الضابط جمال علام (عضو حدتو، وعضو الضباط الأحرار) وقف المجتمعون خمس دقائق حداداً على الشهيد عبدالقادر طه، وكان ذلك تحدياً صارخاً للملك، ثم واصل الضباط التحدي فصدر قرار، بالإجماع برفض تمثيل سلاح الحدود في مجلس إدارة النادي. وهكذا وجه الضباط صفعتين للملك في وقت واحد.

        واستقال الهلالي في 28 يونيه 1952، وجاءت حكومة حسين سري (انظر ملحق وزارة حسين سري باشا أمر ملكي بتشكيل الوزارة وجواب حسين سري باشا) في 2 يوليه 1952، وتوقع الناس تكرار ما حدث في عام 1949، حيث أجرى "حسين سري" انتخابات انتهت بمجيء حكومة للوفد . وهكذا توالت الأحداث سريعاً، وفي أواخر يونيه 1952 صدرت الأوامر إلى الكتيبة الثالثة عشر مشاة[1]، بالتحرك من العريش إلى معسكر العباسية بالقاهرة، بعد انتهاء مدة خدمتها في سيناء. وكان من المفروض، وفقاً لتنقلات وحدات الجيش، أن تبقى الكتيبة في هذا المعسكر شهرين ريثما تستعد للتحرك إلى السودان، لحل محل كتيبة أخرى انتهت مدة خدمتها بالسودان. وكان العرف أن تقوم الكتيبة المنقولة إلى السودان بتسليم جميع معداتها عدا البنادق والرشاشات الخفيفة وذخيرة الخط الأول، وحينما تصل الكتيبة إلى الخرطوم تتسلم معدات الكتيبة، التي ستغيرها، وتعود الكتيبة الأخرى من السودان ببنادقها ورشاشاتها فقط. لذلك صدرت التعليمات لقيادة الكتيبة (13) من رئاسة الجيش بتسليم حملة الكتيبة، وعرباتها المجنزرة، ومدافعها، واحتياطي ذخيرتها.

        فيما يلي سرد للأحداث المهمة ابتداءً من يوم الخميس 10 يوليه 1952، وحتى الثلاثاء 22 يوليه 1952.

الخميس 10 يوليه 1952

        في هذا اليوم استقبل رئيس الوزراء الدكتور حافظ عفيفي باشا، رئيس الديوان، ومعه مذكرة بالقلم الأحمــر (بخط الملك، أو الشماشرجي عزيز) جاء فيها: يُعتبر حيدر باشا (القائد العام) معفياً من منصبه، إذا لم يعمل الآتي في خلال خمسة أيام: (أولاً) حل مجلس إدارة النادي (ثانياً) نقل (12) ضابطاً، ولما ذكر رئيس الديوان أنه لا يعرفهم تساءل حسين سري باشا كيف يمكن مناقشة موضوع عن مجهولين، كذلك اعترف حيدر باشا بأنه لا يعرف أسماء هؤلاء الضباط.

        كان حسين سري باشا على علم بحالة التذمر التي تسود الجيش وذلك عن طريق صهره محمد هاشم باشا الذي كان قد جمعته الصدفة قبل تشكيل الوزارة، بنحو شهر، باللواء محمد نجيب في منزل صديق للطرفين فأفضى بما علمه إلى حسين سري باشا، وعندما دعا الملك حسين سري باشا لتشكيل الوزارة، في الأول من يوليه، تكلم إليه عن خروج حيدر من منصبه ففهم سري أن الهدف هو التمهيد لإسناد منصب القائد العام للفريق حسين فريد، وكذلك منصب رئيس الأركان للواء حسين سري عامر، ولم يعط سري باشا وعدا الملك بل طلب مهلة، فلما شكل حسين سري باشا وزارته في اليوم التالي وضمنها اسم اللواء محمد نجيب وجد اسمه مشطوباً بعد عرضه على الملك، بل كرر سؤال رئيس الوزراء أكثر من مرة عما تم بشأن حيدر باشا الذي رفع مظلمة إلى الملك عن طريق رئيس الديوان.

الاثنين 14 يوليه 1952

        أعلن رئيس الوزراء أن الحالة الاقتصادية بلغت درجة لا يمكن إهمالها لحظة بعد اليوم، كما أعلن أن حكومته متمسكة بالأحكام العرفية لتهدئة الحالة، وتجنب أي احتكاك داخلي.

        في صباح هذا اليوم ذهب القائد العام الفريق محمد حيدر باشا إلى مجلس الوزراء، وأحاطه علماً بأنه نفذ رغبة الملك بحل مجلس إدارة نادي ضباط الجيش، فاعترض حسين سري باشا على تصرفه، ولفت نظره إلى أنه لم يطلب منه حل المجلس، بل طلب دراسة المذكرة الخاصة بالموضوع، فكان رد حيدر باشا بأن هذا اليوم الخامس الذي منحه الملك له لحل موضوع النادي، ومنذ هذه اللحظة بدأ رئيس الوزراء التفكير في الاستقالة بسبب تدخل موظفي القصر في شؤون الحكم.

الثلاثاء 15 يوليه

        استقبل رئيس الوزراء كبار قيادات الجيش وخطبهم ومما قاله: "كنا نعرف اهتمام جلالة القائد الأعلى بالقوات المسلحة في البر والبحر والجو، فأرجو منكم أن تعملوا على الاحتفاظ بالسمعة التي تتمتع بها القوات المحاربة، وأن تحققوا ما يعقده عليكم الوطن، من آمال" وأنهى خطابه بتوصيتهم بالتضافر والتعاون، مستنيرين بخبرة الفريق محمد حيدر باشا القائد العام للقوات المسلحة.

  • ويذكر صلاح نصر: "زارني جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر في منزلي في منتصف يوليه عام 1952 وناقشنا الموقف.. ووصلنا إلى ضرورة القيام بعمل إيجابي والتحرك للاستيلاء على السلطة. وسألني جمال عبدالناصر عن مدى استعداد الضباط.. قلت له: أننا جميعاً مستعدون للتحرك".
  • تأكد أن اللواء محمد نجيب أعد استقالته كتابة؛ بسبب حل مجلس إدارة النادي، الذي يرأسه والتفكير في نقله كما أشيع قائداً للمنطقة الجنوبية بمنقباد.

الأربعاء 16 يوليه 1952

        شكل اللواء علي نجيب قائد قسم المحروسة (المنطقة المركزية) لجنة لتسلم مفاتيح نادي الضباط بالزمالك تنفيذاً لقرار القائد العام، الأمر الذي أشاع بلبلة بين صفوف القوات المسلحة.

  • تأكدت الوزارة من مصادر مختلفة من أن حالة من التذمر والسخط والثورة تسود الجيش، بسبب حادث النادي، ونقل رئيسه بعيداً عن القاهرة، ففي المساء اتصل وزير الداخلية محمد هاشم باشا برئيس الأركان الفريق حسين فريد، باسم رئيس الوزراء، ووزير الحربية، وسأله عما إذا كانت قد صدرت أوامر بنقل اللواء محمد نجيب إلى منقباد، فأجاب بالنفي، فطلب منه هاشم باشا عدم اتخاذ أي إجراء كهذا، إلا بعد الرجوع إلى الوزير، وفي الوقت نفسه استدعى الوزير وكيل المخابرات الحربية (أميرالاي حسن النجار) إلى وزارة الداخلية، وكان في إجازة مرضية، فطلب منه البحث عن مدير المخابرات (لواء أحمد سيف اليزل) الذي حضر إلى منزل الوزير، بعد منتصف الليل، والذي أجاب بأن لا علم له بهذه الأوامر وأن لا صحة للأنباء القائلة بوجود تذمر بالجيش. قرر وزير الداخلية الاتصال رأساً باللواء محمد نجيب.
  • في المساء نفسه اجتمع بمنزل الصاغ محمد عبدالعزيز هندي عدد من الضباط الأحرار هم: [جمال عبدالناصر، وشمس بدران، وعبد القادر مهنا، وأحمد عبدالرحمن نصير، وجمال القاضي، وزغلول عبدالرحمن، وأقسموا، على المصحف، على الوفاء بما عاهدوا عليه أنفسهم من القيام بالثورة، وأن تكون الشريعة الإسلامية رائدهم، وبعد أن تردد جمال عبدالناصر لحظة (كما يقول الصاغ هندي) وافق وأقسم في النهاية.

الخميس 17 يوليه 1952

        اتصل محمد نجيب بإبراهيم عاطف، وكلفه بتنفيذ التعليمات بالتسليم، وكلفه كذلك بمقابلة شقيقه علي نجيب، بقسم القاهرة. وانتشر خبر محاولة حل مجلس الإدارة، بين جميع ضباط الجيش، بسرعة مذهلة، وقابله في النادي يوم 17 يوليه 1952 ومعه اللجنة السابق ذكرها عدا قائد الأسراب علي صبري وتم تسليم أعمال مجلس الإدارة لهذه اللجنة وبذلك تمت إجراءات حل مجلس إدارة نادي ضباط الجيش بتحد سافر من الملك.

        استعرض وزير الداخلية الفرقة البوليسية المدرعة، التي كان قد أمر بتشكيلها وزير الداخلية السابق محمد مرتضى المراغي باشا لقمع المظاهرات، واستوردت أجهزتها من الولايات المتحدة (ويقال أنها منحة منها) وذلك بدعوة من حكمدار العاصمة اللواء أحمد طلعت بك.

        في مساء 17 يوليه 1952 عقدت اللجنة القيادية للضباط الأحرار اجتماعاً عاجلاً، حضره الجميع عدا السادات، وصلاح سالم، وذلك بعد وصول معلومات عن نية الملك حل مجلس إدارة النادي، تحدياً لهم، وعلم كذلك، أن هناك أخباراً تسربت بأن الحكومة سوف تعتقل أي ضابط يعارض قرار الحل، وأقترح سرعة التحرك بالقيام بعدة اغتيالات لشخصيات عسكرية منها،  حسين سري عامر، وحسين فريد رئيس أركان حرب الجيش، وحسن حشمت قائد المدرعات، وكلهم رجال الملك وانصرف المجتمعون على أن يجهزوا أنفسهم لهذه العملية، واقتصر الاجتماع، في اليوم التالي، على مناقشة الخطة والإمكانيات، قبل التنفيذ.

        تم لقاء في ساعة متأخرة من الليل بين وزير الداخلية هاشم باشا، بتكليف من رئيس الوزراء، الذي كان بالإسكندرية، واللواء محمد نجيب، وفي رواية هاشم باشا أن المقابلة تمت يوم 17 ويقول "كانت الثانية بعد منتصف الليل "قلت لنجيب: هل تثق بي؟ قال نجيب: أثق بك. قلت: إذا طلع النهار فوجدت نفسك، أو أي ضابط آخر، قد نُقل، أو فُصل، فإني أرجوك أن لا تنفذوا النقل، ولا تتحركوا إلا إذا جلسنا جلسة أخرى كهذه".

        هذه رواية هاشم باشا وإن المقابلة تمت بعد منتصف يوم 16 أو 17، وإنه في صباح اليوم التالي اتصل تليفونياً برئيس الوزراء في الإسكندرية وأحاطه علماً بكل ما تم فرد حسين سري باشا بأنه سيحاول المحاولة الأخيرة بعرض الطلبات الآتية: فصل اللواء حسين سري عامر فوراً، تعيين اللواء محمد نجيب وزيراً للحربية، تكوين لجنة تطهير في الحربية.

الجمعة 18 يوليه 1952

        في صباح هذا اليوم زار جمال عبدالناصر، وخالد محيي الدين، ثروت عكاشة في منزله، بثكنات العباسية، ليحيطاه علماً بأن الرأي استقر على أن يكون تنفيذ الانقلاب يوم 5 أغسطس بالتحديد، وليس في نوفمبر، كما سبق أن تقرر، في حالة عدم اجتماع البرلمان، في موعده، في نوفمبر، ثم توجه الثلاثة إلى منزل حسين الشافعي، لإبلاغه بموعد الانقلاب، وصلى الجميع صلاة الجمعة، على صوت الراديو، في شرفة الفيلا!.

        بعد ذلك، اجتمعت لجنة القيادة وقد حضر هذا الاجتماع، لأول مرة، القائمقام يوسف منصور صديق، قائد ثاني كتيبة مدافع الماكينة الأولى، وبعد مناقشات طويلة، صُرف النظر كلية عن عمليات الاغتيال. واقترح جمال عبدالناصر وضع خطة تفصيلية لبدء التحرك الإيجابي بالسيطرة على القوات المسلحة. وحدد الهدف بالاستيلاء على المنطقة العسكرية (رئاسة الجيش)، وتحدد توقيتاً لذلك يوم 2 أو 3 أغسطس عام 1952.

        ويذكر اللواء محمد نجيب في مذكراته: "وكنت على ثقة تامة من أن الشعب والجيش معاً ينتظران حركة تغيير الأوضاع القائمة. وكان عجز الوزارات، التي شُكلت، بعد حريق القاهرة، حافزاً لنا على تحقيق خطتنا. كنا نلعب لعبة مكشوفة، الكل يلمس أن شيئاً ما يحدث في صفوف الجيش، يعبر عن ذلك انتظام منشورات الضباط الأحرار، ولكن التفاصيل، والأسماء، كانت، إلى حد ما، مجهولة".

        جرت، في مساء هذا اليوم، المقابلة بين هاشم باشا، وزير الداخلية، ممثلاً لرئيس الوزراء، واللواء محمد نجيب، الذي يرويها على النحو التالي:

        "جاء إلى البيت المدعو غرس الدين (وهو مخبر أو كاتب كان يعمل سابقاً مع وكيل الداخلية القيسي باشا، الذي تربطني به علاقة عائلية) وذلك عند الغروب وقال لي: إن هاشم باشا يريد مقابلتك بمنزله، فوافقت وذهبت، في الساعة نفسها، دون طبنجة، ودون احتياط، إلى الزمالك، فلم أجد أحداً سوى شرطي في الخارج، وفتح الباب شخص، لعله مخبر، وانتظرت في غرفة الصالون، حتى الساعة 1.45 صباحاً بسبب وجوده (أي الوزير) بمجلس الوزراء (مجلس الوزراء انتقل إلى الإسكندرية منذ شهر مايو)، واعتقدت أن هذه قد تكون مؤامرة لاغتيالي، ولم أحضر مسدسي، وجلست بجوار فازة نحاس، قد أضطر لاستخدامها في الدفاع".

        "حضر هاشم باشا، واعتذر، وسأل عن سبب تذمر رجال الجيش، فلم أرد أن أتوسع معه، ولكني أشرت إلى انتخابات النادي، وفشل حملة فلسطين، مما يعلمه الجميع وطلبت إصلاح الفساد، ومنـع التجـارة في الأسلحة، كما أشرت إلى أن الملك سحب إعانـة النادي، ولمَّحت له بأن سبق أن عُرض علي منصب وكيل وزارة الحربية (والمقصود كان إبعادي من الجيش). وسألني، (أي هاشم): ما رأيك في منصب وزير حربية. فضحكت. وقلت: إنني سأكون سبباً في إقالة الوزارة بعد 24 ساعة (حيث أنني وهاشم من رجال الحقوق؟)".

        "وكان رفضي في الحقيقة مستنداً إلى شعوري بأنهم يقومون بمناورة لإبعادي عن الجيش. وخلال هذا الحديث الذي امتد حتى الثانية بعد منتصف الليل، أبلغني هاشم باشا، بطريقة عابرة، أن هناك قائمة بأسماء (12) شخصاً عرفت الجهات المسؤولة أسماء ثمانية منهم، ثم لم يشأ أن يصرح بشيء. وأبديت له عدم الاكتراث بمثل هذا الحديث، مؤكداً له أن هناك شعوراً عاماً وجارفاً، في صفوف الجيش، ضد كثير من تصرفات رجال السرايَّ. وأثناء عودتي إلى منزلي في الزيتون، وكان ليل القاهرة هادئاً صافياً استرجعت ما دار من حديث. وأدركت أن الموقف خطير".

السبت 19 يوليه 1952

        يذكر اللواء محمد نجيب: "وفي صباح هذا اليوم، وقبل أن أخرج من المنزل، حضر الصاغ جلال ندا، الضابط السابق، الذي كان يعمل محرراً عسكرياً بدار أخبار اليوم، ومعه محمد حسنين هيكل رئيس تحرير آخر ساعة (وقتئذ)، لسؤالي عما تم في مقابلتي مع محمد هاشم باشا وزير الداخلية. واستبدت بي الدهشة عن سر معرفة المقابلة. وأثناء جلستنا، فوجئت بحضور جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر على غير موعد، ولما وضح، من حركتهما، أنهما يريدان أن يسرّا إليّ بشيء ما أخذتهما من الصالون إلى غرفة الطعام المجاورة، ولكن بعد أن طلب هيكل أن أقدمه لهما، وكان لقاءه الأول لهما، وفي هذه الجلسة تحدد موعد الثورة".

        "كان جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر يريدان أن تكون الحركة يوم 4 أغسطس لسببين:

        أولهما: اكتمال وصول الكتيبة 13 مشاة إلى القاهرة، في حركة التنقلات العادية.

        وثانيهما: هو أن يكون الضباط قد حصلوا على مرتباتهم في أول الشهر. ورفضت السببين، فإن القوات، التي كانت معنا، تعد كافية لإنجاز مهمتنا، وليس هناك مبرر للتأجيل من أجل استلام المرتبات. وحسمت الأمر بتوضيح الخطر، الذي يهددنا جميعاً، والذي لمح له وزير الداخلية، في جلستي معه الليلة الماضية. واتفقنا على أن تحركنا يجب أن يتم، خلال أيام محدودة، حتى نحقق عنصر المفاجأة". وفور سماع جمال عبدالناصر، وعبدالحكيم عامر، قصة قائمة الضباط الاثنى عشر، دُعيت لجنة القيادة إلى اجتماع لتقرير التحرك الفوري".

سباق مع الزمن

        وتقرر أن تكون الحركة ليلة 21 يوليه، ثم تأجلت يوماً، لإبلاغ أكبر عدد من الضباط الأحرار، وتجهيز الوحدات، وإبلاغ المناطق الخارجية. يقول البغدادي: أي حتى منتصف ليلة 22/23 يوليه، ليتم استكمال دراسة  الخطة التفصيلية للتنفيذ، وتحديد مهمة كل وحدة، من الوحدات العسكرية، التي ستساهم بدور في الانقلاب، ودور كل ضابط سيشترك بها. وكذا لإبلاغ جمال سالم، وصلاح سالم، ومحمد أنور السادات، الموجودين بمنطقة العريش ورفح، بالموعد الذي حددناه للتنفيذ، وحتى تتاح لهم الفرصة كذلك لإعداد أنفسهم، في منطقتهم، والتنبيه عليهم بعدم التحرك، إلا بعد أن نكون قد تحركنا في القاهرة، وحققنا، بنجاح، الخطوة الأولى. وأنه سيتم إخطارهم تليفونياً بذكر كلمة السر، والتي كنا قد اتفقنا عليها وهي كلمة (نصر)، وسافر إليهم حسن إبراهيم، يوم 19 يوليه، بالطائرة، ليطلعهم على الموقف، وما قررناه ودورهم. ولإبلاغ محمد أنور السادات، كذلك، بالنزول إلى القاهرة، قبل الموعد المحدد للتنفيذ، ليشترك معنا، عند التحرك، وليقوم بالدور الذي كان قد حُدد له في الخطة. وهو العمل على تعطيل شبكة التليفونات الموصلة بين القيادة العسكرية ووحدات الجيش المختلفة، ثم يعاد تشغيلها لصالحنا، والاستفادة بها".

        وفي هذا اليوم، 19 يوليه، اجتمعنا لمناقشة الخطوط الأساسية لخطة الانقلاب. وكان وجود (80.000) جندي بريطاني، في منطقة قناة السويس، يشغل بالنا وتفكيرنا باستمرار، خشية تدخلهم عسكرياً عندما نتحرك، ولكن لم يكن أمامنا من مفر غير قبول هذا الخطر، وإلا جمدنا موقفنا حتى يتم جلاؤهم عن بلادنا. وموعد جلائهم غير معروف ولا محدد. والموقف والظروف، التي يمر بها وطننا، لا تتحمل هذا التأجيل غير المحدد. ورأينا أن نضع في اعتبارنا، عند وضع خططنا التفصيلية، احتمال هذا التدخل منهم. وأن نحسب حسابه. وأن نعد أنفسنا له وذلك بالتصدي لهم بقوات عسكرية، عند مدخل القاهرة الشرقي، وأن نعمل على التعاون مع المنظمات الشعبية، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، لمقاومة هذا التدخل منهم، لو حدث".

الخطــــة

يقول البغدادي: "وكانت خطة الانقلاب قد بنيت أساساً على ثلاث مراحل (انظر ملحق خريطة المنطقة التي شبَّت فيها ثورة 23 يوليه)

1. المرحلة الأولى منها

هي العمل على السيطرة على القوات المسلحة، بالاستيلاء، أولاً، على مبنى القيادة العسكرية، بمنطقة كوبري القبة. وعلى أن يقوم باقتحامها والاستيلاء عليها بعض من أعضاء اللجنة التأسيسية وهم: جمال عبدالناصر، عبدالحكيم عامر، حسن إبراهيم، البغدادي. ويعاونهم في ذلك إحدى الوحدات العسكرية. ويعمل، في الوقت نفسه، على اعتقال بعض كبار ضباط الجيش والطيران، من قيادات الأسلحة المختلفة، حتى نضمن بذلك عدم إمكانية تحريك قوات عسكرية للتصدي لنا. ويقوم بتنفيذ عملية الاعتقال مجموعات من الضباط، محددة لهذا الغرض. وتقوم وحدات عسكرية، من سلاح المدفعية، بالسيطرة على مداخل القاهرة الشرقية، وكذا الطرق داخل مدينة القاهرة الموصلة إلى مبنى القيادة العسكرية بكوبري القبة. والطرق الموصلة، كذلك، إلى وحدات الجيش المختلفة، والتي تتمركز أساساً في شرق وجنوب القاهرة. ويعاون سلاح المدفعية في هذا وحدات من سلاح الفرسان بدباباتهم وسياراتهم المصفحة، والقيام كذلك بمحاصرة قصر عابدين، مقر الملك، وكان كمال الدين حسين مسؤولاً، مع عبدالمنعم أمين، عن تحريك قوات المدفعية، يعاونهما، في ذلك، مجموعة ضباط منهم: مصطفي مراد، أحمد أبو الفضل الجيزاوي، فتح الله رفعت، محسن عبدالخالق، محمد حمدي محمود. وأما سلاح الفرسان فكانت تقع مسؤولية تحركه على كل من: خالد محيي الدين، حسين الشافعي، ثروت عكاشة، وقد حدد دور وحدات المشاة كذلك في الخطة.

أما سلاح الطيران فكانت السيطرة ستتم على مطاراته الثلاثة الرئيسية حول القاهرة (ألماظة، مصر الجديدة، غرب القاهرة) ليلة 23 يوليه، وعلى أن يبدأ دور الطائرات، واستخدامها، في صباح يوم 23 يوليه، للطيران فوق القاهرة والإسكندرية، ومنع الملك فاروق من الهروب، عن طريق الجو، أو البحر، مع استخدام القوة، لو حاول ذلك.

وعلى القوات الجوية، كذلك، أن تقوم بعمليات استكشاف لتحركات أية قوات بريطانية، والتصدي لها، عند أي بادرة منها للعمل ضدنا، وهذه المسؤولية كانت تقع على عاتق البغدادي، و حسن إبراهيم، وبعض ضباط آخرين، منهم عمر الجمال، ومحمد شوكت، ووجيه أباظة، وصادق القرموطي، وحمدي أبو زيد، وغيرهم. ويُضاف إلى هذا، في الخطة، ضرورة قيام وحدات من المشاة بالسيطرة على محطة الإذاعة، وشبكة التليفونات، حتى يمكن لنا مخاطبة الشعب، عن طريق الإذاعة، بإلقاء بيان عن قيام الانقلاب وأهدافه. وحُدد موعد إذاعة البيان الساعة السابعة من صباح يوم 23 يوليه. أما عن شل شبكة التليفونات، فكانت تقع مسؤوليتها على عاتق محمد أنور السادات، أثناء المرحلة الأولى من الخطة.

وكانت هذه المرحلة من الخطة من أهم مراحلها الثلاث. ونجاحها يساعد على نجاح المرحلتين التاليتين لها. وبنجاحها سيتم لنا السيطرة على القوات المسلحة. وتلك السيطرة لها أهميتها القصوى.

2.  المرحلة الثانية

تتلخص في العمل على السيطرة على جهاز الحكومة المدني، وذلك عن طريق تعيين وزارة مدنية، نضمن ثقة الشعب فيها، وولاءها كذلك للانقلاب.

3.  المرحلة الثالثة

تتلخص في التخلص من الملك نفسه. وكان لابد من أن نعمل على إخفاء هذا الغرض الأخير، حتى آخر لحظة، قبل اتخاذ الخطوات التنفيذية لهذا، خوفاً من أن يكون ذلك مبرراً للقوات البريطانية للتدخل. أو أن يلجأ، هو نفسه، إليها، طالباً منها التدخل لحمايته. وما يترتب على هذا التدخل منها من أخطار، نحاول، بقدر استطاعتنا العمل على تفاديها، وتجنبها.

تلك كانت الخطوط العريضة والأساسية لتنفيذ الانقلاب، وقد وُضع لها خطة تفصيلية. وكان قد اُتفق على أن يقوم بوضعها كل من جمال عبدالناصر، وكمال الدين حسين، وعبدالحكيم عامر، وعلى أن نجتمع الساعة الثانية، بعد ظهر يوم 22 يوليه، في منزل خالد محيي الدين لاستعراضها، بصورتها النهائية. وحتى يلم كل منا بدوره، ودور الوحدات التابعة له. وعلى كل منا، بعد ذلك، أن يقوم بترتيب الدور المسؤول منه مع ضباطه ووحداته. وعلى ألا تصدر إليهم الأوامر النهائية، والتفصيلية، للبدء في التنفيذ، قبل الساعة الثامنة من مساء يوم 22 يوليه، ضماناً للسرية، وعدم تسرب أية معلومات عنها للمسؤولين، وحتى يكون الوقت المتبقي، على بداية التنفيذ، ساعات قليلة لا تسمح باتخاذ إجراءات تحريك قوات مضادة لإحباط مهمتنا، إن تسرب الخبر، وكان من الضروري وجود الضباط، الذين سيوكل إليهم تنفيذ الخطة، يوم 22 يوليه في الساعة الثامنة مساء. وفي مكان محدد حتى يمكن إبلاغهم بالقرار، ودورهم التفصيلي. لذا فقد سبق واتفقنا، مع جميع الضباط الأحرار، على ضرورة استعدادهم، وإعداد وحداتهم، ولكن من دون أن نذكر لهم أية تفصيلات عن نياتنا وأهدافنا. واقتصر الأمر على ضرورة وجودهم، بمنازلهم، ويومياً، قبل الساعة الثامنة مساءاً، وذلك ابتداءً من يوم 21 يوليه حتى يمكن الاتصال بهم.

الأحد 20 يوليه

        قدم حسين سري باشا استقالته، بعد 18 يوماً من الحكم، وقد سلم رئيس الوزراء كتاب الاستقالة، في بيته، إلى رئيس الديوان، الدكتور حافظ عفيفي باشا، وسبق تقديم الاستقالة، مقابلة رئيس الوزراء للقائد العام للجيش، الفريق محمد حيدر، وكان سري باشا قد صرح بأن الموقف خطير وتذمر الجيش قد يتحول إلى ثورة، ولكن لم تُقبـل الاستقالة، ولم يجـر ترشيح رئيس لتأليف وزارة جديدة، وقد هاجم الأستاذ عباس محمود العقاد مقابلة سري باشا للسفير الأمريكي والتفكير في عقد معاهدة مصرية أمريكية حتى لا تكون قيداً للأقوياء على الضعفاء.




[1]  كان تنظيم الضباط الأحرار مسيطراً على هذه الكتيبة عن طريق الصاغ صلاح نصر.. وكانت الكتيبة تضم أكبر عدد من الضباط الأحرار وتعتبر القوة الرئيسية التي اعتمد عليها التنظيم في الاستيلاء على السلطة مع كتيبة مدافع الماكينة بقيادة القائمقام يوسف منصور صديق.