إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
  

583 ـ عيسى عليه السلام

هو السيد المسيح عيسى بن مريم صلوات الله عليه، وهو آخر أنبياء بني إسرائيل، اسمه (عيسى) ولقبه (المسيح) ويكنى (ابن مريم) نسبة إلى أمه مريم بنت عمران، لأنه ولد من غير أب، وهو بالعبرية (يشوع) ومعناه المخلّص، وفي الإنجيل يدعى (يسوع) بالسين المهملة بدلاً من الشين المعجمة. وهو عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول العذراء الطاهرة، العفيفة، المبرأة من الفاحشة. قال تعالى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ سورة التحريم: الآية 12.

كان والد مريم (عمران) رجلاً عظيماً وعالماً جليلاً من علماء بني إسرائيل. وكانت زوجته حنة بنت فاقوذ (أمّ مريم) لا تحبل، فنذرت إن حملت لتجعلنّ ولدها محرراً لله تعالى (أي خالصاً حبيساً) لخدمة بيت المقدس، فاستجاب الله دعاءها فحملت بمريم عليها السلام، فلما ولدت تبينت أن الجنين كان أنثى، وكانت ترجو أن يكون ذكراً ليخدم في بيت الله، فتوجهت بالدعاء إلى الله تعالى كالمعتذرة أو كالآسفة:   فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم سورة آل عمران: الآية 36.

توفى عمران وكانت (مريم) طفلة صغيرة، فكلفها زوج خالتها زكريا ـ عليه السلام. نشأت مريم نشأة طهر وعفاف وبُعدٍ عن الآثام والمحرمات محروسة بعناية الله ورعايته، وكانت الملائكة تأتيها فتخبرها بمقامها السامي الرفيع عند الله، وتبشرها باصطفاء الله لها من بين سائر النساء وتطهيرها من الأرجاس والأوناس وتبشرها كذلك بمولود كريم يكون له شأن عظيم، وتحثها على الاجتهاد في العبادة والقنوت لله. قال تعالى: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ سورة آل عمران: 42 ـ 43.

وقال تعالى: إِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ سورة آل عمران: 45 ـ 46.

لما بلغت مريم مبلغ النساء نزل عليها جبريل وأعلمها أنه مرسل من عند الله ليبشرها بأن الله سيهب لها غلاماً زكياً وأنه يسمى المسيح عيسى بن مريم وأنه سيكون وجيهاً في الدنيا والآخرة وأنه من المقربين، ويكلم الناس في المهد وكهلاً وأن الله سيعلمه الكتاب والحكمة والتوراة وينزل عليه الإنجيل، وأنه سيكون آية للناس على قدرة الله تعالى ورحمة منه لعباده، إذ سيكون خلاصهم بعد أن تجاوز اليهود حدود الله وعاثوا في الأرض فساداً، فيجئ لهدايتهم وردهم عن ضلالتهم. وقد جاء أمر الحمل عجيباً دالاً على قدرة الله تعالى.

ولما أتمت مريم أيام حملها وهي في (بيت لحم) اشتد بها المخاض فألجأها إلى جذع نخلة يابسة، فاحتضنت الجذع لشدة الوجع وولدت (عيسى) عليه السلام على بعد بضعة كيلو مترات من بيت المقدس، وكان ميلاد المسيح يوم الثلاثاء 24 ديسمبر. أي قبل ميلاد الرسول محمّد صلى الله عليه وسلم بما يزيد على 600 عام.

حملت مريم وليدها الصغير وأتت به قومها تحمله على يدها ففزعوا وأخذوا يظنون بها الظنون، وهنا سكتت مريم وأشارت إلى وليدها الرضيع ليكلمهم وليجيبهم على أسئلتهم التي وجهوها إليها والتهم التي ألصقوها بها. قال تعالى قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلاَمُ عَليَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا سورة مريم: الآيات 30 ـ 33.

نشأ المسيح نشأة محمودة وكان غيوراً على الدين منذ صغره، حريصاً على تفهم حكمه وأسراره، وكان يجالس العلماء ويناقشهم، وتمرّس في صباه في بيئة علم وحكمة ودين.

لما بلغ عيسى ـ عليه السلام ـ من العمر ثلاثين عاماً فقام يدعو الناس إلى دين الحق الذي أوحاه الله إليه في مجتمع يهودي دخلت فيه انحرافات كثيرة، وخرافات وأباطيل، بسبب تمردهم وطغيانهم وتحريفهم للشريعة الربانية التي أنزلها الله على موسى عليه السلام. فجاء عيسى بن مريم ليردهم إلى الجادة ويصحح ما دخل إلى شريعتهم من تحريف وتبديل. واختار عيسى اثني عشر رجلاً فتتلمذوا له وتعلموا منه.

وقد أجرى الله على يد (عيسى بن مريم) المعجزات الباهرات تصديقاً لنبوته وتأييداً لرسالته، ومن ذلك أنه يخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله. ومن ذلك أنه يبرئ الأكمة والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، وأنه ينبئهم بما يأكلون ويدخرون في بيوتهم. وكان يبيّن لهم أن هذه الآيات كافية للدلالة على صدقه وحملهم على الإيمان به، كما بيّن لهم أنه مصدّق للتوراة مؤمن بما فيها وحاثّ على اتباعها.

كان عيسى ـ عليه السلام ـ مجتهداً في رسالته، غير مُتَوَان في دعوته. رغم أنه كان وحيداً فريداً ليست له عصبة أو قبيلة تؤازره. لكنه لم يحفل بغضب الناس عليه، فقد تكفل الله بحفظه وعصمه من الجاحدين برسالته. ولما ضاق اليهود به ذرعاً صوروه لرجال السياسة مثيراً للفتن، متطلعاً للمُلك. كما ضاق الكهنة بفضحه لريائهم وخبثهم؛ فعقدوا العزم على قتله. فأرسل الوالي جنداً للقبض على المسيح الذي علم بمكرهم وكيدهم. وأخيراً وجدوه مع مجموعة من تلاميذه. ولما لم يبق إلا القبض عليه أنقذه الله من أيديهم بأن أخفاه عن أعينهم وألقى شبهه على شخص آخر، فصار شديد الشبه به وحسبوه هو. فأخذوه وصلبوه وقتلوه، ونجى الله المسيح من شرهم. وشاع في الناس أن المسيح صُلب وقُتل، ولكن الله تعالى دحض دعواهم فقال   وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا سورة النساء: 157 ـ 158.

وبيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن عيسى ـ عليه السلام ـ سينزل في آخر الزمان ويحكم بين الناس بالعدل متبعاً في ذلك شريعة نبينا محمّد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وانه سيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام، وأنه سيؤمن به أهل الكتاب ـ أي اليهود والنصارى- جميعاً قبل موته. يقول الله تعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا سورة النساء: 159.

وورد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه أبو هريرة ـ رضي الله عنه: أنه قال (والذي نفسي بيده ليوشكّن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً وإماماً عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد) رواه البخاري ومسلم. .