الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
القوات الدولية في قانا
 
حزب الله في لبنان
المخيمات الفلسطينية
لبنان 96
موقف القوات المختلفة في لبنان
اُنظــــر كـــذلك
 
الليطاني الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1978، (الليطاني)
سلام الجليل الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1982، (سلام جليل)
الحرب الأهلية اللبنانية
الجمهورية اللبنانية

3. المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية

بدأت هذه المفاوضات، في مرحلتها الأولى، في واشنطن، في ديسمبر 1991، واستمرت حتى منتصف عام 1992، في ظل حكومة الليكود، من دون إحراز أي تقدم. ثم تلاها مفاوضات أخرى، في ظل حكومة العمل، بدأت من أغسطس 1992، واستمرت حتى أوائل عام 1995، من دون إحراز أي تقدم، كذلك، نتيجة لاختلاف وجهات النظر بين الطرفين. وفي عام 1995، وفي ضوء موافقة إسرائيل على مبدأ الانسحاب من بعض أراضي الجولان، بدأت في ولاية ميريلاند Maryland، في الولايات المتحدة الأمريكية، في 27 يونيه 1995، جولة جديدة من المباحثات بين الجانبين، السوري والإسرائيلي، للاتفاق على إجراءات الأمن في الجولان، حال انسحاب إسرائيل منها.

وعلى أثر الانفجارات، في كل من القدس وتل أبيب، في شهرَي فبراير ومارس 1996، أعلنت إسرائيل توقف المفاوضات بينها وبين سورية. ولم تُستَأنف المفاوضات مرة أخرى منذ توقفها، خاصة بعد وصول تكتل الليكود إلى الحكم في إسرائيل، في 18 يونيه 1996، الذي أعلن مبادئه، التي تتلخص في الآتي:

أ.

عدم الانسحاب من الجولان.

ب.

بدأ المفاوضات بين إسرائيل وسورية، من دون شروط مسبقة.

ج.

عدم الالتزام بما أتُّفق عليه في محاضر المباحثات السابقة، بين سورية وإسرائيل، خلال فترة حكم حزب العمل.

وترتب على هذا الإيقاف استمرار الاحتلال الإسرائيلي لجنوبي لبنان، لارتباط نجاح المفاوضات على الجانب السوري، ببدء مباحثات سلام بين إسرائيل ولبنان، لتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 425، في 19 مارس 1978.

4. المباحثات متعددة الأطراف

تزامن مع لجان مباحثات السلام الثنائية، التي عُقدت في واشنطن، في ديسمبر 1991، عقْد سلسلة أخرى من المباحثات، أطلق عليها اسم "المباحثات متعددة الأطراف". وقد بدأت أولى جلساتها، في موسكو، في يناير 1992، وتختص بدراسة خمسة موضوعات رئيسية، هي: ضبط التسلح، والتنمية، والبيئة، والمياه، واللاجئون. وحضرها من الجانب العربي، كل من مصر والأردن والفلسطينيين، إضافة إلى إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. ورفضت سورية ولبنان حضور هذه المباحثات. وكنتيجة مباشرة لبحث موضوع التنمية، بدأت سلسلة من المؤتمرات الاقتصادية، لدول الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، فعُقد المؤتمر الأول، في الدار البيضاء بالمغرب، في الفترة من 30 أكتوبر إلى الأول من نوفمبر 1994. وعُقد المؤتمر الثاني، في عمان بالأردن، في الفترة من 29 إلى 31 أكتوبر 1995. وعُقد الثالث في القاهرة، في الفترة من 12 إلى 14 نوفمبر 1996. وعُقد الرابع في الدوحة في دولة قَطَر، في الفترة من 17 إلى 19 نوفمبر 1997، ولم تحضره مصر، بسبب عدم حدوث تقدم في عملية السلام، بين إسرائيل والأطراف العربية.

ثالثاً: تأثير الأحداث والمتغيرات في الأوضاع اللبنانية

تعددت المؤثرات، سواء في لبنان الدولة، أو في أوضاع الفلسطينيين في لبنان، أو في علاقات الأطراف داخل لبنان نفسه، أو في العلاقات اللبنانية ـ السورية، واللبنانية ـ الإقليمية. وقد تباينت هذه المؤثرات، ما بين الشدة والليونة، وتصاعدت، في بعض الأوقات، وانخفضت في أوقات أخرى. ويمكن تلخيص هذه المؤثرات، كالآتي:

1. أوضاع الفلسطينيين في لبنان، وتأثيرهم في القضية اللبنانية

كان أهم ما أفرزته اتفاقية "أوسلو" على الساحة اللبنانية، هو تأثيران. الأول فلسطيني ـ فلسطيني، والآخر لبناني ـ فلسطيني.

أ. التأثير الأول:          

عبّر عنه الفلسطينيون في مخيمات اللاجئين في لبنان، برفع الأعلام السوداء، في مايو 1994، احتجاجاً على الاتفاق الإسرائيلي ـ الفلسطيني.

ب. التأثير الثاني:

فهو شعور الحكومة اللبنانية بالخطر، من أن ينتهي الاتفاق بالتوطين الدائم للاجئين الفلسطينيين (الزائدين عن الحصة المسموح بعودتها)، في أماكن وجودهم الحالية. لذلك، كان تصريح الرئيس إلياس الهراوي، وقتها، بأن لبنان سيطرد كافة اللاجئين الفلسطينيين، المقيمين على أرضه، إذا لم تؤدِّ اتفاقية السلام إلى حلول في شأنهم. ثم كان إعلان وزارة الخارجية اللبنانية اقتراح إعادة توطين الفلسطينيين المقيمين في لبنان، يتوجه 20% منهم، بموجبه، إلى مناطق الحكم الذاتي، ويعاد توطين 25% في أماكن أخرى في الشرق الأوسط، ثم توطين الباقي في مناطق تحتاج إلى عمالة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ودول كثيرة أخرى، في الشرق والغرب.

2. حقيقة أوضاع الفلسطينيين في لبنان، التي تقلق السلطات اللبنانية

طبقاً لإحصائيات 1994 ـ 1995، فإن تعداد الفلسطينيين في لبنان، هو 350000 فلسطينياً (يتمتع بالجنسية اللبنانية منهم 10 إلى 15 ألفاً فقط). ومن ثمّ، فإن تعداد الفلسطينيين، يمثل حوالي 8 ـ 9% من تعداد الشعب اللبناني نفسه "000 141 4 نسمة" ، مما يؤثر في التركيبة الطائفية، التي يحرص لبنان على الحفاظ عليها. لذلك، فهناك قيود شديدة على تصـاريح العمل والإقامة. كما تتعدد انتماءات الفلسطينيين أنفسهم، داخل لبنان. فاللاجئون في معسكر الرشيدية، قرب صور (أهم المخيـمات الفلسطينية)، يخضعون لسيطرة العناصر الموالية لياسر عرفات. وتسيطر الفصائل الفلسطينية، الموالية لسورية، على المخيمات شمال الليطاني.

أمّا الفلسطينيون في الجنوب، فهم مزيج غير متجانس، من الفصائل الموالية لعرفات أو لإيران، لذلك، يشتعل الصراع بينهم في أوقات متفرقة. ومن هذه الفصائل جماعات من منظمة حماس، التي أنشئت عام 1982، ثم أصدرت ميثاقها، في أغسطس 1988، الذي ينص على أن: "حماس جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين. وهي حلقة من حلقات الجهاد في مواجهة الغزوة الصهيونية، وترتبط بانطلاقة الشهيد عز الدين القسام وإخوته المجاهدين، من الإخوان المسلمين، عام 1936". أمّا مبادئ هذه المنظمة، فتتلخص في أن أرض فلسطين وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، وأن جهاد العدو، الذي وطئ أرض فلسطين، هو فرض على كل مسلم.

وقد تحققت المصالحة ما بين منظمة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية، من خلال اجتماع في الخرطوم، عام 1993، ثم اجتماع، القاهرة، عام 1995، الذي أقر عقد هدنة، وتوحيد الصفوف، في هذه المرحلة التاريخية، التي تمر بها القضية الفلسطينية.

أمّا الفصيل الآخر، فهي حركة الجهاد الإسلامي، التي تأسست عام 1979. وهي، طبقاً لميثاقها، تؤمن بالجهاد المسلح، كإستراتيجية للعمل السياسي. ولا تتمسك بتطبيق الشريعة الإسلامية، مثل حماس. وقد ذاع صيت هذه المنظمة في بداية اشتعال الانتفاضة الفلسطينية، عام 1987، ثم تلقت ضربات إسرائيلية قاسية، أدت إلى إضعافها، وانتقال أعضائها المؤثرين إلى الخارج، وبالتحديد إلى لبنان. وقد اغـتيل قائد هذه المنظمة، "فتحي الشقاقي"، في 26 أكتوبر 1995 في مالطة.

ولا شك أن معاناة لبنان إزاء وجود مثل هذه المنظمات على أرضه، والتي تتعاون مع منظمات لبنانية، أو خارجية أخرى، وتمنح إسرائيل الذرائع لضرب لبنان، كما تعوق استكمال سيطرة الجيش اللبناني على ربوع وطنه. جعل رئيس الوزراء اللبناني، "رفيق الحريري"، يوضح موقف لبنان من المقاومة الفلسطينية برمّتها، قبل شهر واحد من حادث قانا، حيث يقول: "هؤلاء اللاجئون، يجب أن يعودوا إلى فلسطين، ومن المفروض أن تتم المفاوضات، في إطار عملية السلام، من أجل إعادتهم إلى الأراضي، التي طردوا منها. إنما موضوع التوطين أو التجنيس هنا، مستحيل، لأن هذا يؤثر في التركيبة اللبنانية القائمة، خصوصاً من الناحيتين، الديموجرافية والسياسية، في البلد؛ إذ إن حصول هذا الأمر، يعني أننا نُدخل البلد في متاهات جديدة. ولهذا لن نفعله، لأن وضعنا، ليس كوضع بلد آخر. ومن موقع شعورنا بالمسؤولية، لا يمكننا الموافقة على هذا الأمر".

وهكذا، يمكن القول إن وجود الفلسطينيين في لبنان، يشكل عاملاً سلبياً، على المسار اللبناني بوجه عام. كمـا أن تمركز عناصر من المقاومة الفلسطينية (على الرغم من السيطرة على مداخل المعسكرات، وتجميع الأسلحة الثقيلة)، يشكل عبئاً على لبنان، ويؤدي إلى تصاعد الموقف العسكري على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، أو في الداخل، من خلال عمليات إغارة إسرائيل على مواقع فلسطينية داخل لبنان.

3. اتفاق يوليه 1993، بين إسرائيل وحزب الله

وقد جاء هذا الاتفاق بمساع أمريكية، قادها وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، "وارن كريستوفر "Warren Minor Christopher، لاحتواء الموقف في الجنوب اللبناني، حيث تصاعدت الاشتباكات، في بداية شهر يوليه. وقصفت ميليشيات حزب الله قرى الجليل الأعلى، في إسرائيل، بصواريخ "الكاتيوشا Katyusha"، مما أحدث فيها إصابات عديدة. كما ردَّت الطائرات والمدفعية الإسرائيلية بقصف قرى الجنوب اللبناني، مما أدى إلى قتل وإصابة حوالي 650 لبنانياً، في 9 يوليه 1993، وتصاعد التوتر الكامل على الجبهة اللبنانية ـ الإسرائيلية.

ولمّا كان المناخ السياسي، في هذا الوقت، يتصاعد في اتجاه السلام، بإصرار من مختلف الأطراف، وخوفاً من أن يؤثر تصاعد هذه الاشتباكات في العملية برمّتها. فقد تدخلت واشنطن بمبادرة "غير مكتوبة"، تتضمن إيقاف القتال، المتصاعد بين الجيش الإسرائيلي وميليشيات حزب الله. وأن يحترم كل طرف منهما إيقاف النيران. وأن يمتنع الطرفان، في أي وقت، من توجيه نيرانهما إلى القرى المدنية، أو السكان الآمنين، على جانبَي الحدود، وأن تزيد قوات الطوارئ الدولية من فعاليتها في مراقبة الموقف، والتدخل الفوري، لمنع تصاعد أي اشتباك.

وقد أدى هذا الاتفاق "الشفوي" إلى تهدئة الموقف، "نسبياً"، لفترة طويلة، تم خلالها الاتفاق الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ومعاهدة السلام الأردنية ـ الإسرائيلية.

4. الموقف السوري، وتأثيره في القضية اللبنانية

عندما انطلقت القوات السورية، لتكون في قلب لبنان، في أبريل عام 1976، بعد عام واحد من اشتعال الحرب الأهلية اللبنانية، كان ذلك استناداً إلى أهمية لبنان، بالنسبة إلى سورية، وللروابط ذات الطبيعة الخاصة بين البلدين. وكان هذا التدخل بقرار منفـرد من سورية، حاولت بعد ذلك تقنينه، من وجهة نظرها الخاصة، ورفضت أي آراء، تُفْرض عليها في هذا الصدد، سواء من أجل مصلحة لبنان، أو انطلاقاً من الثوابت العربية. وقد تعرض الوجود السوري في لبنان لكثير من التحديات، بوساطة إسرائيل، التي عملت على تفريغ مضمون الوجود السـوري في لبنان من تأثيره فيها، كما ركزت، إعلامياً، ومن خلال إجراءات عملية، في كشف الدور السوري، الذي كان يوجه ردود فعله، باستمرار، إلى عناصر فلسطينية أو لبنانية، ولكنه تجنب تماماً مواجهة إسرائيل.

ومن دون التعرض لأحـداث في تلك المرحلة، وعلى الرغم من تعـدد سلبيات الوجود السوري على أرض لبنان، إلاّ أن أحد الآثار الإيجابية لهذا الوجود، أنه أدى إلى إحداث توازن بين القوى اللبنانية المختلفة، المتصارعة إبّان الحرب الأهلية. وكان هذا التوازن هو الذي مكّن سورية من الحصول على تقنين وجودها هذا، في اتفاق الطائف، الذي أشار إلى أن الانسحاب السوري، "سيتم بالاتفاق بين حكومتَي البلدين". والسياسة السورية تجاه لبنان، تتحدد من خلال ثلاثة اتجاهات في العلاقات: بلبنان نفسه، وبإيران، وتجاه إسرائيل، كالآتي:

أ . العلاقات اللبنانية ـ السورية

وهي علاقات مركبة، لِما لها من أهمية إسـتراتيجية، وعمق إستراتيجي، وتداخل في العلاقات الاقتصادية. وكل ذلك يدعو سورية إلى التمسك بوجودها في لبنان، حتى تستقر الأوضـاع في هذا البلد تماماً. وقد تطورت تلك الإستراتيجية إلى جعل لبنان ورقة ضغط في مسار السلام السوري ـ الإسرائيلي، نتيجة أطماع إسرائيل في مياه نهرَي الليطاني والحصباني. كذلك نتيجة لتوجيه أعمال المقاومة ضد إسرائيل من الجنوب اللبناني، الذي تَعُدّه سورية أصلح مكان لهذا العمل، نظراً إلى طبيعته الجغرافية، وتركيبته السكانية وإلى صرف إسرائيل عن القيام بردود فعل في اتجاه سورية مباشرة، لو اشتعلت المقاومة في الجولان. لذلك، فقد حرصت دمشق على ربط المسار اللبناني بها ربطاً تاماً في أي محادثات سلام مقبِلة.

ب. العلاقات الإيرانية ـ السورية

أسفرت الحرب العراقية ـ الإيرانية عن تحالف سوري ـ إيراني، وتطور، بعد ذلك، إلى تحالف إستراتيجي، لتحقيق أهداف كل من سورية وإيران، في لبنان، وجعله مسرحا للحرب بالوكالة، لتحجيم نفوذ العراق، وتحقيق أهداف الثورة الإيرانية، التي استفادت كثيراً من علاقاتها بسورية، ‎11:46 م ‎11/‎11/‎20.

والأهداف الإستراتيجية لكل من سورية وإيران، التي تحققت من وجودهما في لبنان، تأتي من منظور المصالح الفردية، والمصالح المشتركة. فسورية تهتم بدورها الإقليمي، الذي يزداد تأثيراً بوجودها في لبنان، كورقة ضغط في الاتجاه العربي، والإسرائيلي والعالمي أيضاً ( لِما للبنان من أهمية، بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، خصوصاً فرنسا). كذلك تجد سورية في التحالف الإستراتيجي مع إيران، عمقاً وسنداً، وورقة ضغط على أطراف الصراع المختلفة. وفي مقابل هذا التحالف، فإن دمشق تقبل تأمين المصالح الإيرانية في لبنان، بما فيها جعل سورية ممراً للإمدادات ودعم الفصـائل الإيرانية، وحلفاء إيران في لبنان. كذلك تعمل على تخفيف المعارضة اللبنانية لحزب الله، وعلى توازن العلاقة بين منظمة أمل والحزب. كما توظف أعمال المقاومة، من خلال حزب الله، ضد إسرائيل.

أمّا إيران، فتعقد آمالاً كباراً على وجودها في لبنان، كمحطة مرحلية، تمكنت من النفاذ إليها، وتأمل بوساطتها النفاذ إلى قلب العالم العربي، لتحقيق أهداف الثورة الإيرانية. وهذا الوجود يعطيها دوراً إقليمياً في قلب الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ويحقق لإيران حدوداً مشتركة مع إسرائيل. ومن ثمّ، يجعلها ذات تأثير فاعل في موازين القوى، بل تضـع شروطـها في أي حلول مقبلة. كذلك، تضمن بهذا الوجود تأثيراً أكبر للمذهب الشيعي في لبنان، الذي تحاول إيران تقويته ودعمه، في مواجهة المذهب السُّني، حتى يمكنها قيادة العالم الإسلامي، طبقاً لأيديولوجيتها وأفكارها، التي قامت من أجلها الثورة الإيرانية. وتعلم إيران جيداً، أنه لولا جهود سورية، لَما نجحت في اختراق العالم العربي، ولَما كان العرب جميعا، بمن فيهم اللبنانيون، يقبلون الوجود الإيراني في المنطقة؛ إذ حاول شاه إيران السابق ربط الشيعة في لبنان، بالنظام الإيراني، ولكنه فشل فشلاً تاماً أمام مواقف الشيعة اللبنانيين، وتكوينهم مؤسسات وطنية، شيعية، لبنانية.

ولإحداث التوازن في العلاقات والمصالح، فقـد عملت سورية على احتواء حركة أمل، من خلال الدعم، العسكري والسياسي، وربطها بالقوى السياسية في لبنان، المرتبطة بالنظام السوري. في الوقت عينه، قامت إيران بإنشاء تنظيمات شيعية لبنانية، على غرار التنظيمات السياسية الثورية، داخل إيران نفسها. أهمـها "حزب الله"، الشيعي، اللبناني، كامتداد للحرس الثوري الإيراني. وتكلفت في سبيل ذلك ما يقرب من 200 مليون دولار، هي نفقة التدريب، وتكوين الكـوادر، وتجهيز المعسكرات، ونحو 200 مليون دولار، من أجل التجهيزات العسكرية والسياسية للحزب. ولا تزال إيران تنفق على حزب الله بسخاء، في سبيل ربط جزء كبير من شيعة لبنان، بإيران، وجعلهم امتداداً طبيعياً لنظام الحكم في طهران .

ولم يكن التنسيق، دائماً، يسير في اتجاهه الصحيح الهادئ. ولكن شابته فترات من الصراع، كما حدث في نهاية عام 1989، في المواجهة بين أمل وحزب الله، في إقليم التفاح، وكذلك فترات من الفتور. لكن المحصلة النهائية، هي أن كلتا الدولتين، سورية وإيران، كانتا على وفاق واتفاق في شأن الحفاظ على مصالحهما في لبنان.

ج. العلاقة الإسرائيلية ـ السورية

وهي امتداد للصراع، الذي لم ينتهِ بعد إلى أي اتفاقات سلمية، بين سورية وإسرائيل. وقد استخدم الطرفان الساحة اللبنانية مسـرحاً للحرب بينهما، ابتعاداً عن حدود المواجهة الطبيعية، في الجولان، التي قد تشعل الصراع من جديد. وقد أدّى ذلك إلى ما يشبه حرب الاستنزاف، التي تتفاوت حدّتها، طبقاً للمواقف المختلفة بين الدولتين.

وقد حدد كل طرف أدواته في هذا الصراع، سواء على المستوى السياسي أو العسكري، من دون النظر إلى مصالح لبنان الدولة، فجعل الطرفان، من التنظيمات، والميليشيات، والوجود العسكري، سواء السوري أو الإسرائيلي، أوراق ضغط لكل منهما على الآخر.

وفي هذا المجـال، فإن لبنان يعاني الأمرّين من تلك الضغوط، سواء من سورية، التي تصر على الوجود العسكري أو الضغوط السياسية، أو الاسـتغلال الاقتصادي، أو دعمها الميليشيات دعماً، لا يمكّن السلطة اللبنانية من اتخاذ مواقف حاسمة ضدها. كذلك من إسرائيل، من خلال السيطرة على جنوبي لبنان، واستمرار الاعتداءات المسلحة على السيادة اللبنانية. والمحصـلة النهائية، هي أن الصراع السوري ـ الإسرائيلي، سيطر على الساحة اللبنانية، وأضر بلبنان ضرراً شديداً، وكان الوجود العسكري السوري في لبنان، وسيطرة القرار السياسي السوري على القرار اللبناني، هو الأشد ضرراً. ويلخـص رئيس الوزراء، رفيق الحريري، هذا الموقف، في الحديث الصحفي، المنشور في جريدة "الأهرام" في نقطتين، هما:

(1)

إن لبنان بلد صغير، عانى الحرب. وفي اعتقادي، أن تباطؤ التفاوض على المسار اللبناني، مردّه إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، ارتأت أن تنجز التفاوض مع الفلسطينيين، ثم الأردنيين، وبعد ذلك السوريين، نظراً إلى المشكلات المعقدة بين إسرائيل وسورية. وهناك مشكلات بين لبنان وإسرائيل، ولكنها مختلفة تماماً. إذ إن إسرائيل تعتقد أن سورية، تمثل خطراً أمنياً إستراتيجياً عليها. أمّا لبنان، فلا يمثل إلاّ خطراً أمنياً، بسبب أعمال مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. ولبنان لا يمثل خطراً على إسرائيل. ونحن نعتقد أنه عندما يتم حل المشكلات بين سورية وإسرائيل، سيصبح من الطبيعي، أن يتحرك المسار اللبناني ـ الإسرائيلي.

(2)

هناك اتفاق بين لبنان وسورية، على أن يشمل الاتفاق السوري ـ الإسرائيلي مشكلة لبنان، فلا السوريين يوقعون اتفاق سلام قبل لبنان، ولا نحن نوقع اتفاقاً قبلهم.

5. الموقف الإسرائيلي من لبنان

ويبنى الموقف الإسرائيلي، انطلاقاً من عدة مرتكزات، يأتي في مقدمتها:

أ.

تأمين مستعمرات الجليل الأعـلى الإسرائيلية، ضـد أعمال المقاومة اللبنانية (التي لا تخضع لسيطرة الحكومة اللبنانية، ولكنها ميليشيات، أنشئت، وتموّل بعيداً عن السلطة اللبنانية الرسمية). وهي: حزب الله، وأمل، الشيعيتان، وحماس والجهاد الإسلامي، الفلسطينيتان، اللتان تموَّلان من إيران أيضاً.

ب.

تنفيذ أطماع إسرائيل في حصة من مياه نهر الليطاني. وقد تمكنت، فعلاً، من تحقيق ذلك، في ظل احتلالها وسيطرتها على الجنوب اللبناني، وذلك بوصل نهر الليطاني بالحصباني، الذي يصب في إسرائيل.

ج.

التأثير، سياسياً، في الوجود السوري في لبنان، والعمـل على تقليل تأثيره في إسرائيل نفسـها، وتحجيم الدور السياسي السوري في المنطقة.

د.

محاولة القضاء على النفوذ الإيراني في لبنان، ومن ثمّ، عدم تمكين إيران من إيجاد حدود "إيرانية ـ إسرائيلية"، من خلال منظمات تابعة لإيران.

ومن خلال تنفيذ إسرائيل تلك الأهداف، فإنها جعلت لبنان مسرحاً لعملياتها، سواء من خلال الحرب الشاملة ( سلام الجليل)، أو المحدودة (عملية الليطاني)، أو الإغارات العديدة ضد أهداف المقاومة الفلسطينية، في بيروت والمدن اللبنانية المختـلفة، أو من خلال القصف الجوي والمدفعي للجنوب اللبناني. ولم تَأْلٌ إسرائيل جهداً في إحراج القوات السورية، من خلال قصفها المباشر، أو التحرش بها، أو ضرب أهداف لبنانية، يتولى السوريون تأمينها. وفي معظم الأحوال، لم تردّ سورية الرد المناسب، بل لم تردّ، أصلاً، على تلك الاستفزازات. كما أن إسرائيل، لم تعِر أي اهـتمام، في أي وقت، لوجود قوات طوارئ دولية في جنوبي لبنان، "طبقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 425".

وعلى الجانب الآخر، فإن إسرائيل تعرضت لأعمال المقاومة اللبنانية الناجحة، العديد من المرات، سواء من قِبل حزب الله، أو المقاومة الفلسطينية، المتمركزة في الجنوب اللبناني. وتحمل هذه الأعمال "شرعية مقاومة الاحتلال"، التي وجهت، دائماً إلى القوات الإسرائيلية في الجنوب اللبناني، أو إلى جيش لبنان الجنوبي، التابع لإسرائيل، واستهدفت، أحياناً، المستعمرات الإسرائيلية في الجليل الأعلى (كان قصف المستعمرات الإسرائيلية يتزامن، باستمرار، ويتوافق مع عنف القصف الإسرائيلي، ضد القرى اللبنانية في الجنوب، وانتقاماً منه).

6. الموقف العربي، والمصري، من القضية اللبنانية

أثرت الأوضاع اللبنانية في العالم العربي برمّته، وخصوصاً أن القضية اللبنانية تصاعدت في فترة "التفرق العربي"، الناجم عن قمة بغداد، في الفترة من 27 ـ 31 مارس 1979، وقرارها "عزل مصـر"، الذي أفقد العرب نصف قوتهم. ومع ذلك، لم يترك العرب من جانب، ومصر من الجانب الآخر، حبل الأمور في لبنان على غاربها. وكان رأي مصر المعلن، في الثمانينيات، هو: "ارفعوا أيديكـم عن لبنان"، وكان يقصد بهذا الكلام إيقاف توجيه إستراتيجية "الحرب بالوكالة"، التي مارستها دول، عربية وأجنبية، على الساحة اللبنانية. ثم شارك الجميع في إنجاح مؤتمر الطائف، وإعادة إعمار لبنان. وتبذل مصر جهوداً كبيرة للحدّ من نشاط إسرائيل، المضاد للبنان، أو في اتجاه سورية على وجه الخصوص.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة