الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
القوات الدولية في قانا
 
حزب الله في لبنان
المخيمات الفلسطينية
لبنان 96
موقف القوات المختلفة في لبنان
اُنظــــر كـــذلك
 
الليطاني الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1978، (الليطاني)
سلام الجليل الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1982، (سلام جليل)
الحرب الأهلية اللبنانية
الجمهورية اللبنانية

4. نتائج عملية "عناقيد الغضب"، والدروس المستفادة منها

أ. النتائج والدروس المستفادة للجانب الإسرائيلي

ارتكب الإسرائيليون، في عدوانهم على لبنان، عدداً من الجرائم البربرية، ضد المدنيين اللبنانيين، وصلت إلى الذروة بقصف قرية قانا، التي أدت إلى استشهاد أكثر من مائة مواطن لبناني. وقد جرى كل ذلك بدعوى تأمين الحماية لسكان المستعمرات الإسرائيلية الشمالية ـ منطقة الجليل ـ وهي الحجة نفسها، التي استخدمت في تبرير الاجتياح الإسرائيلي للبنان، عام 1982، الذي وصل إلى حد اقتحام العاصمة بيروت.

وجاء العدوان الإسرائيلي، هذه المرة، بقرار من حكومة حزب العمل اليسارية، وقبيل بضعة أسابيع من إجراء الانتخابات الإسرائيلية، بعد أن عجزت عن إنجاز اتفاق سلام، على صعيد عملية التسوية مع سورية أو لبنان، يمكن أن تقدمه في برنامجها الانتخابي. ونظراً إلى التردد والمراوغة الإسرائيليتين في إتمام التسوية على المسارات المختلفة، بما فيها فلسطين، فقد جرت بعض العمليات الاستشهادية، التي تدخل في إطار الكفاح المسلح المشروع، للحصول على الحقوق الوطنية المشروعة، وهي العمليات، التي قامت بها حركة المقاومة الإسلامية حماس، في أواخر فبراير وأوائل مارس 1996. الأمر الذي أفقد المواطن الإسرائيلي كل إحساس بالأمن، فشعرت الحكومة الإسرائيلية بحرج موقفها الانتخابي. وبدلاً من البحث عن صيغة، لتنشيط عملية التسوية، والوصول إلى سلام شامل، وعادل، يمنح الأمن لجميع الأطراف، انساقت الحكومة الإسرائيلية وراء الاتهامات اليمينية بالضعف والتردد والتفريط في أمن إسرائيل. ولم تفهم فحوى رسالة مؤتمر صانعي السلام، الذي عقد في شرم الشيخ، وفهمت تماماً الضوء الأخضر الأمريكي، في مؤتمر المتابعة، الذي عقد في واشنطن، بعد ذلك، حين نجحت الإدارة الأمريكية  في تحويله إلى مؤتمر مواجهة ما أسمته "الإرهاب الأصولي". وكان هذا المؤتمر الضوء الأخضر، لبدء العدوان الإسرائيلي على لبنان.

وقد حققت إسرائيل عدداً من النتائج، وخرجت بدروس مستفادة، يمكن إجمالها في الآتي:

(1) النتائج

بينما كانت المحادثات الإسرائيلية ـ السورية، تسير قُدُماً نحو تحقيق السلام، إذا بإسرائيل توقف هذه المسيرة، وتبادر إلى الاعتداء على لبنان. بل تتمادى في اعتداءاتها،التي بلغت قلب العاصمة اللبنانية، بيروت، وبعلبك، وطالت قوات سورية أيضاً. وقد أدركت إسرائيل، وأدرك شيمون بيريز، بعد عدة أيام من القصف المستمر، أن سياسة التأديب بالعصا الغليظة، لم تستطع أن تحقق الأهداف، المعلنة والخفية، بعد أن أسفرت عملية "عناقيد الغضب" عن لا شيء، سوى إثارة الغضب، في الشرق والغرب على السواء، فضلاً عن مذبحة مخزية، سببت لإسرائيل الكثير من الأضرار بحساباتها الإستراتيجية. ولم يستطع  بيريز، أن يحصل على اتفاق يقضي على حزب الله، أو ينزع سلاحه، أو يحمل سورية، على القضاء على المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي، بل على العكس فإن الاتفاق خوّل لحزب الله حق الدفاع عن أرضه وعن نفسه، ووضعه مع إسرائيل في مستوى واحد، بإلزامها عدم ضرب المدنيين، أو استخدام المناطق السكنية، لشن هجمات عسكرية.

ولا بد أن بيريز، قد أيقن، بعد هذا العدوان، أنه كشف عن وجهه، وطمس صفحات كتابه، "الشرق الأوسط الجديد"، ومزق تعويذة مخططه تمزيقاً، ووئدت فكرته عن السوق الشرق أوسطية. فعندما تطارد الطائرات الإسرائيلية، بصواريخها، سيارات الإسعاف، وتقتل الأطفال الجرحى، يطرح السؤال: ماذا بقي من السلام؟

بل إن مراسلاً غربياً، أكد، في برقية له، أن أباً لبنانياً، لم يستطع دفْن أطفاله، لأن طائرات إسرائيل، كانت تحلّق في السماء وتمطر الإحياء والمنازل بصواريخ الموت.  والأدهى من ذلك، أن شيمون بيريز، أجرى مكالمة مع صديقه، الروائي الإسرائيلي، عاموس عوز، ليبرر له الجريمة، بأنه يلاحق المقاومة اللبنانية، لتدمير حزب الله. ولكن الحقيقة، أن الانتخابات الإسرائيلية، دفعت شيمون بيريز، إلى إظهار التشدد تجاه العرب، ولو أن ذلك عاد بنتيجة عكسية؛ فمواصلة عمليات التحرش والهجوم على الأراضي اللبنانية، أعطت المقاومة اللبنانية حقها المشروع في الدفاع عن أرضها، ومن ثم، تتمادى إسرائيل في عمليات القصف الوحشي.

بعد العرض السابق، يمكن أن نصل إلى أهم النتائج، التي حققها العدوان، بالنسبة إلى إسرائيل:

  • إن إسرائيل، لم تحقق أهدافها. والدليل على ذلك، أن صواريخ الكاتيوشا، ظلت تدوي في مستعمرات الشمال الإسرائيلي، التي هجِّر معظم سكانها، فبلدة كريات شمونة، البالغ عدد سكانها 20 ألفاً، لم يبقَ فيها سوى 50 فرداً.
  • إن الحرب دخلت في تعقيدات، لم يُحسب حسابها من قبْل، مثل مذبحتَي قانا والنبطية، اللتين كشفتا إسرائيل أمام الرأي العام العالمي، وتحولت عملية ترحيل اللبنانيين من الجنوب، والتي حاول بيريز إظهارها على أنها لحماية هؤلاء السكان، إلى عملية "ترانسفير" نازي، تُعَدّ من جرائم الحرب المحظورة.
  • والحرب التي أرادها بيريز مادة لدعايته الانتخابية، انقلبت نتائجها عليه؛ فالمواطنون العرب في إسرائيل، الذين كانوا، حسب مخطط بيريز، مؤيدين مضمونين له في الانتخابات، انقلبوا عليه. وأكثر من ذلك، فلقد أصبحت المؤسسة العسكرية تواجه انتقادات حادّة، لعجزها عن وقف الكاتيوشا، وأصبحت قيادة الجيش تلقي على جهاز الاستخبارات مسؤولية فشل "عناقيد الغضب"، في لبنان؛ فنائب وزير الدفاع، اضطر إلى الاعتراف، قائلاً: "كنا نعرف أن لدى حزب الله صواريخ كثيرة. لكننا لم نعتقد أنه سيواصل القصف بهذه الكثافة".  وأضاف "أن جيش الدفاع، لم يتمكن حتى من تحديد مواقع ذخيرة حزب الله، ولا من ضرب خطوط إمداده. وعلى الرغم من الجهود، التي بذلها الجيش، مستخدماً وسائـل متطورة جداً، ولا سيما الرادارات الأمريكية، التي تحدد مواقع انطلاق الكاتيوشا، فإن الصواريخ، ظلت تنهال بالعشرات على شمالي إسرائيل، ليل نهار".
  • تحققت الوحدة الوطنية بين طوائف لبنان، وسقطت أحلام نسف هذه الوحدة، وفشلت محاولات إعادة نيران الحرب الأهلية.
  • عدم تحقيق الطموحات الإسرائيلية إلى نزع سلاح المقاومة، الشرعية، في لبنان.
  • خسرت إسرائيل السلام؛ إذ زرع عدوانها الكراهية والعداوة بينها وبين العرب.

ولكن هناك بعض المحللين، الذين يدافعون عن شيمون بيريز، وكيف أنه استطاع، من خلال العدوان، أن يحصل على مكاسب عديدة، منها:

  • حصل على اتفاق صريح بوقف عمليات المقاومة، المنطلقة من جنوبي لبنان، ضد شمالي إسرائيل. وكبح جماح حزب الله، بالتحديد، في ظل ضمانات لبنانية ـ سورية، وأمريكية، وفرنسية، وبمباركة عربية.
  • قبل الاتفاق وبعده، استطاع تنشيط ذراع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، بالتجاوب مع كبار جنرالاتها في تدمير الجنوب اللبناني، مدنياً وعسكرياً، سياسياً ونفسياً، وفي تصفية كل من يرفع شعار المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وفي كسب جولة من جولات التحدي والمبارزة، بين جيش إسرائيل، الذي لا ينهزم، والمقاومة الوطنية، التي لا تستسلم، بل هي تنتحر ملغومة بالبارود.
  • تمكن، عملياً ونظرياً، من إحراج سورية سياسياً وعسكرياً وإعلامياً؛ إذ استباحت طائراته سماء لبنان في أكثر من خمسمائة غارة. بينما لدمشق أكثر من ثلاثين ألف جندي في لبنان، اكتفوا بمشاهدة ما يجري. وذلك من أجل تطويع التشدد السوري، خلال المفاوضات القادمة.
  • استطاع أن يحاصر النفوذ الإيراني في لبنان، من طريق ضرب حزب الله، المدعوم من طهران، ثم من طريق إدخال سورية، حليفة إيران، طرفاً في مفاوضات إبرام اتفاق وقف إطلاق النار، القاضي بمنع نشاط حزب الله ضد شمالي إسرائيل. وهو أمر، إن تحقق، فإنه سيترك علامات، بل خدوشاً، في العلاقات السورية ـ الإيرانية، ذات الخصوصية المعروفة.
  • استطاع أن يحصل على مكاسب إستراتيجية من حليفته، الولايات المتحدة الأمريكية، بعد عدة أيام من وقف إطلاق النار.

(2) الدروس المستفادة

لم تكن الدروس المستفادة، التي أفرزها العدوان الإسرائيلي، ببعيدة عن نظر أطراف الصراع المختلفة، ولكنها مشاهد تتكرر باستمرار، ومن خلال الأطراف نفسها، تقريباً. ودروس هذا العدوان تضفي أبعاداً جديدة، يمكن أن نلخصها في الآتي:

  • موضوعية الدور الفرنسي ـ الأوروبي وإيجابيته، في مواجهة الانحياز الأمريكي المطلق إلى إسرائيل.
  • إن العرب يمكنهم الكثير، إذا ما نسقوا خطواتهم، ونظموا مواقفهم، ولا سيما أن هناك العديد من القوى الدولية، التي تنتظر مثل هذا التنسيق، لكي تعمل بشكل يساند الحقوق العربية.
  • عجز منطق القوة عن تحقيق أهداف، لا صلة لها بالأمن والاستقرار. وتكفي الإشارة إلى أن صواريخ الكاتيوشا، ظلت تضرب شمالي إسرائيل، حتى اللحظات الأخيرة، التي سبقت سريان اتفاق وقف إطلاق النار، الأمر الذي يعني فشل حملة بيريز على المدنيين اللبنانيين.
  • إن الحكومة الإسرائيلية، لا تعرف سوى منطق القوة. فشنت هذه الحرب، لأسباب انتخابية داخلية آملة أن يتحسن وضعها الانتخابي، بتقديم وهم الأمن الغاضب.

ب. النتائج، بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية

ومنذ بدء العدوان، في الحادي عشر من أبريل 1996، بسطت الولايات المتحدة الأمريكية حمايتها السياسية على العدوان الإسرائيلي. وهددت باستخدام حق الاعتراض (الفيتو)، في مجلس الأمن، ضد أي مشروع قرار، يطالب إسرائيل بوقف عدوانها، أو يحمل شبه إدانة لهذا العدوان. وهو الأمر الذي أجهض مشروع الدول غير المنحازة، ووضع العقبات أمام المشروع الفرنسي. وبدا واضحاً الصدام في الرؤية، بين الموقف الأمريكي، من ناحية، والمواقف الفرنسية والروسية والصينية، من ناحية أخرى، ولا سيما بعد أن رفضت واشنطن المشروع الفرنسي، وصاغت مشروعاً مضاداً، سعى إلى إلغاء قرار مجلس الأمن الرقم 425، بالدعوة إلى مفاوضات جديدة، بين إسرائيل ولبنان، للنظر في شأن الانسحاب من الجنوب اللبناني. وبدت فرنسا أكثر تفهماً لمواقف لبنان والدول العربية، على النحو الذي انعكس في وجود وزير الخارجية الفرنسي في المنطقة، بتكليف من الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، وتبلور قناتين للوساطة: الأولى فرنسية، في اتجاه بيروت ودمشق. والثانية أمريكية، في اتجاه تل أبيب.

وقد وضح من هذا العدوان، أن الولايات المتحدة الأمريكية أبعد ما تكون عن اتخاذ مواقف معتدلة، تجاه الأطراف المختلفة، إذ إنها اختارت طريق الانحياز المطلق إلى إسرائيل، وقررت تتويجه بمعاهدة تحالف، تدافع، بموجبها، القوات الأمريكية عن إسرائيل، إذا تعرضت لأي هجوم.

وأدركت واشنطن فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها، وذلك من خلال الجولة، التي قام بها كريستوفر، على امتداد ستة أيام، بين العواصم المختلفة، في المنطقة. وأيقن كريستوفر، أن السياسة الشرق أوسطية، قد تحولت إلى ما يشبه الثوب المهلهل المملوء بالثقوب.

كما أدرك كلينتون، أيضاً، أن سياسة التأييد لإسرائيل، أدت إلى التشكيك في مصداقية واشنطن وسياستها في المنطقة.  بل إن كريستوفر، شعر أن ثمة أطرافاً أخرى، أصبح لها ثقل، وبدأت تتدخل في المنطقة، وأن وجود كل من وزيرَي الخارجية، الفرنسي والروسي، داخل المنطقة، قد أفرغ المبادرة الأمريكية من مضمونها. وشعر أنه لن يستطع أن يملي  هذه المبادرة على العرب، ومن ثم، كان لا بد أن يستمع إلى وجهة نظر الأطراف الأخرى، حتى لا تفشل مهمته. بل إن دخول فرنسا في اللجنة الخماسية، أغلق الباب أمام الولايات المتحدة الأمريكية، دون فرض سيطرتها على مهمة هذه اللجنة ونشاطها.

ج. النتائج على مستوى دول المنطقة

ومن الواضح، أن عدوان إسرائيل، أدى إلى تصاعد المواقف في المنطقة، ومن ثم، أصبح هناك ركائز أساسية من أجل استمرار هذا التصاعد. وهي:

  • بروز جيل جديد من المنظمات الثورية، الراغبة في تدمير نمط التسويات، السياسية والعسكرية، القادرة على شن أعمال فدائية ضد إسرائيل، وخاصة من داخل الأراضي اللبنانية والفلسطينية، وأبرز هذه المنظمات: حزب الله ومنظمة حماس. وهذه المنظمات، لا تستطيع، قطعاً، أن تتصدى لإسرائيل، عسكرياً، أو أن تهزم آلة الحرب الإسرائيلية، بقدراتها الهائلة أو أن تحطم نمط التسويات القائم. ولكنها تستطيع أن توجد مناخاً سياسياً ومعنوياً، قد يفضي إلى تحطيم هذا النمط.
  • إن الدول العربية، ولا سيما تلك التي وقعت معاهدات سلام مع إسرائيل، أصبحت غير قادرة على ردع العدوان الإسرائيلي، عند تكراره؛ فإسرائيل، التي تتمتع بآلة حرب جبارة، لن يكون لديها مانع من تكرار أعمال العدوان، إلاّ إذا واجهت مخاوف حقيقية من ردع إستراتيجي.


الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة