الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

4. الثورة الفلسطينية الكبرى

خلّف عزالدين القسام ـ رحمه الله ـ تجربة جهادية رائعة، قضاها في مواجهات مسلحة متواصلة ضد اليهود والإنجليز، خلال الفترة من 1932 ـ 1935.

وبعد مقتل عزالدين القسام، فجّر أتباعه شرارة الثورة الكبرى في فلسطين كلها، وذلك عندما قتلوا بقيادة الشيخ فرحان السعدي يهوديين، وجرح ثالث في عملية "عنبتا ـ نور الشمس"، التي هزت البلاد، وولدت عاماً من التوتر.

تصاعد الهياج في منطقة، يافا فحدث اشتباك في 19 أبريل 1936 بين العرب واليهود، أدى إلى قتل 16 يهودياً وجرح 75 آخرين، واستشهاد 6 من الفلسطينيين، وجَرْح 71 آخرين.

على إثر الأحداث السابقة، تشكّلت لجانٌ في المدن الفلسطينية للدفاع والمواجهة، وبلغ عددها 22 لجنة. وأُعلن عن بدء الإضراب الشامل، واتسع مداه ليشمل كل المناطق في يوم 22 أبريل 1936.

بعد ذلك حدثت مواجهات عنيفة مع البريطانيين واليهود، ثم اتخذت شكلاً مسلحاً. وبدأت مرحلة العمليات العسكرية، وشملت نسف الجسور، وقطع الأسلاك الكهربائية، وتخريب الطرق، ونسف أنابيب البترول. وبلغ عدد العمليات العسكرية، 50 عملية يومياً.

واكتسبت الثورة بعداً عربياً وإسلامياً، بمشاركة مجاهدين من مصر وسورية والعراق ولبنان والأردن.

وقد وقعت خلال فترة الثورة "1936 ـ 1939"، معارك كبيرة، من أهمها معركة "عصيرة الشمالية" في 17 أغسطس 1936، ومعركة "وادي عرعرة" في 20 أغسطس 1936، ومعركة "بلعا" في 3 سبتمبر 1936، ومعركة نابلس" في 24 سبتمبر 1936، ومعركة "بيت أمرين" في 29 سبتمبر 1936. وبلغ مجموع العمليات، التي نفذها المجاهدون خلال عام 1936، حوالي 4000 عملية. وكانت الخسائر جسيمة جداً في صفوف البريطانيين واليهود، ولكنهم تكتموا عليها، ولم يعترفوا إلاّ بمقتل 80 من اليهود، وجرح 288 آخرين، ومقتل 35 من البريطانيين، وجرح 164 آخرين، بينما قُتل من المسلمين 184 شخصاً، وجرح 752، ومن المسيحيين قتل تسعة، وجرح 51.

بعد ذلك توقف الإضراب، الذي دام 178 يوماً، ووضع السلاح بعد نداء من الزعماء العرب، يدعو للتهدئة لفتح المجال لحل الأمور، بالطرق السياسية مع الحكومة البريطانية.

لكن الأمر لم يدم طويلاً، حيث اندلعت الثورة مجدداً في 2 أكتوبر 1937، بعد أن نقضت حكومة الانتداب البريطاني وعودها، وشنت حملة اعتقالات، ضد الذين حركوا ثورة 1936.

كانت الثورة هذه، المرة، أشد قوة وإحكاماً من ثورة 1936، وبدأ العمل أكثر تنظيماً. وتميزت الثورة بأن مسرح عملياتها كان أكثر تركزه في شمال فلسطين، وذلك بسبب إمدادات السّلاح، التي كانت تأتي من لبنان. وقُدر عدد المجاهدين في هذه الثورة، بعشرة آلاف مقاتل، منهم حوالي ثلاثة آلاف مجاهد متفرغون كلياً وموزعون في الجبال، وقد استشهد أكثر من نصفهم. كما كان هناك أكثر من ألف من المجاهدين السريين في المدن، وكان هؤلاء ينفذون عملياتهم بسرية تامة، ويعيشون بين الناس حياة طبيعية.

تميزت هذه الثورة بقدرتها على تفعيل المواجهات المنظمة، ودفع الشارع الفلسطيني كله للمشاركة في فعالياتها، وذلك عن طريق تنفيذ التوجيهات الصادرة من قبل المجاهدين، التي كان يهدف البريطانيون من ورائها، كشف المجاهدين والقبض عليهم.

واعترفت بريطانيا بقوة الثورة، وذلك في تصريح لوزير المستعمرات "مالكولم مكدونالد" حيث قال عقب زيارته للبلاد، أثناء الثورة الكبرى: "إن فلسطين هي بلد في العالم".

بعد ذلك حشدت بريطانيا قوة تقدر بـ 42 ألف جندي، إضافة إلى 20 ألف شرطي، و 18 ألفا من حرس المستعمرات، تقودهم أشهر قادة بريطانيا العسكريين، من أمثال: "ديل" و",يفل" و"مونتجمري"، وغيرهم.

ثم لجأت إلى سياسة البطش والتنكيل، وأعدمت المئات، واعتقلت أكثر من 50 ألفاً، ونسفت المنازل والحوانيت، وأنشأت سوراً من الأسلاك الشائكة يفصل فلسطين عن سورية ولبنان.

ونتيجة لذلك، ولعوامل أخرى داخلية، أهمها الخلافات، التي نشبت بين الفلسطينيين، توقفت الثورة الكبرى، مخلّفة تجربة جهادية مميزة.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة