|
الانتفاضة وانعكاساتها على الرأي العام الغربي
توتر العلاقات الإسرائيلية الأوروبية
أدى افتضاح الصّورة الحقيقية للاحتلال الإسرائيلي، إلى تعاطف الرأي العام العالمي والأوربي، بصفة خاصة، مع الشعب الفلسطيني. وقد أدانت معظم الدول الأوربية، بخاصة فرنسا، وإنجلترا، وهولندا، ورومانيا، وألمانيا الغربية، أعمال العنف الإسرائيلي، وأكدت على ضرورة الإسراع، بعقد مؤتمر دولي لتسوية الموقف.
وقد ترجمت دول أوربا الغربية موقفها هذا، في صورة بيان أصدره وزراء المجموعة الأوروبية، في بون، في 9 فبراير 1988، طالب بوقف الإجراءات الإسرائيلية القمعية، ووصفها بأنها انتهاك للقانون الدولي، وحقوق الإنسان.
كذلك، رفض البرلمان الأوربي، للمرة الثانية، الموافقة على اتفاق تجاري، بين دول السوق وإسرائيل؛ احتجاجاً على أعمال القمع، التي تمارسها في الأراضي المحتلة.
إن محاولات جيش الاحتلال الإسرائيلي، قمع الانتفاضة، لم تفلح، بل لم يستطع الجيش حتى تحجيمها. فالانتفاضة مستمرة، في جذب أنظار العالم للقضية الفلسطينية. وجرت محاولات لتوجيه قوة الانتفاضة، إلى قنوات سياسية، تؤدي إلى تسوية النزاع مع إسرائيل. وعند دراسة الانتفاضة ونتائجها المستقبلية، وجد المجتمع الدولي أنه يواجه بعض التساؤلات، التي أهمها:
هل تستطيع إسرائيل إضعاف هذه الثورة الفلسطينية، والتحكم في المعارضة الداخلية، التي نتجت عنها، وتحجيم نموها السياسي؟
هل ستتأكد وتستمر زعامة منظمة التحرير الفلسطينية، لسكان الأراضي المحتلة؟ وهل ستظهر زعامات فلسطينية جديدة، تكون على استعداد لممارسة مزيد من الواقعية؟
هل سيستمر العالم العربي، في إعطاء الانتفاضة أولوية مطلقة، في اهتماماته بقضية السلام؟ وهل دارت المشكلة دورة كاملة لتعود سيرتها الأولى؟
إن الانتفاضة جزء أساسي من مشكلة الشرق الأوسط، التي تواجه كل إدارة أمريكية، ولكن هناك عوامل أخرى في المنطقة، وحقائق، وتطورات يجب أن تتعامل معها تلك الإدارات، وهي أن الفلسطينيين قد تخلصوا، من عقدة التحرك تجاه إسرائيل من أجل التسوية. ومما لا شك فيه أن الانتفاضة بلورت هذا الموقف الأخير. ولا يوجد من يستطيع أن ينكر مبدأ شرعية الحقوق الفلسطينية، وضرورة اشتراك الفلسطينيين في مفاوضات السلام. فمن دون موافقتهم على النتائج النهائية للمفاوضات، لن يكون هناك سلام، كما أن الدول العربية المعتدلة، لعبت دوراً أساسياً، في إضفاء الاعتدال على تفكير أطراف الصراع، وحثهم على التحرك في اتجاه السلام، وهو الاتجاه، الذي يجب أن تشجعه واشنطن بكل الطرق.
إنّ الموقف الإسرائيلي منقسم، بشأن القضايا الأساسية. فهناك فريق من الإسرائيليين يعترف بأن الأمن الإسرائيلي، لن يتحقق، من دون حل عادل للقضية الفلسطينية، وهذا معناه حل الصراع سلمياً، بحيث يمكن لدول المنطقة قبول الوجود الإسرائيلي، وعلى إسرائيل أن تكون مستعدة للتعامل مع السؤال الصعب، حول كيفية إقرار السلام، وهذا يتضمن البعد الإقليمي وقضية التخلي عن الأرض!
وفيما يتعلق بالدور الروسي، في قضية السلام في الشرق الأوسط، فإن الروس قد بدؤوا يلعبون دوراً أكثر إيجابية في هذا الصدد، وأظهروا وعياً بالمواقف المركبة، التي تواكب عملية السلام.
وتظل الأحداث الدائرة تستوقف الانتباه العالمي، وتُعد نقطة تحول تاريخية في اتجاه السلام القائم على العدل، والتكافؤ الشامل.
إن جميع الأطراف يجب أن تكون على استعداد للتفاوض، على أساس القرار الرقم 242، وعلى أساس مبدأ الأرض مقابل السلام؛ والتفاوض معناه أن تأخذ وتعطي، لا أن تأخذ فقط. إن الحقوق الفلسطينية يجب أن تكون على رأس قائمة نقاط التفاوض. وعلى إسرائيل، أيضاً، أن تحرص على أن تكون مقبولة من جيرانها بوجودها بينهم، بصفة طبيعية. ومن خلال عملية التفاوض، سيتضح للجميع، أن أمن إسرائيل لن يستتب، إلا إذا نظرت، بعين الاعتبار، للمطالب الفلسطينية المشروعة، وبالعكس لا يمكن الاستجابة لمطالب الفلسطينيين إذا لم يضع الإسرائيليون الأمن المتبادل أمام أعينهم.
الانتفاضة وعملية السلام
أكدت الانتفاضة، للعالم، استحالة استمرار الوضع الراهن، وأظهرت للمجتمع الدولي الظروف القاسية، التي يعيش في ظلها الشعب الفلسطيني، في الأرض المحتلة، بل أثارت اهتمام الأغلبية العظمى، داخل إسرائيل ذاتها، بقضية الأرض المحتلة، وضاعفت من الخسائر المادية والمعنوية للجيش الإسرائيلي. كما أجبرت العالم على التفكير في الفلسطينيين، الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي الظالم، ونبهته إلى أن الصراع، ليس حول بقاء إسرائيل، وإنما هو حول استقلال الشعب الفلسطيني وحريته، ولم يبق من الممكن تحطيم الوطنية الفلسطينية، أو تجاهلها. إن الفلسطينيين لا يمكن أن يكونوا ضحايا الحرب، ثم يأتي السلام، الذي يفرض عليهم من الخارج، من دون اشتراكهم في صنعه.
وقد أثبتت الانتفاضة أن المجتمع الفلسطيني حي، ويستطيع أن يقاوم أبشع صور الاحتلال من خلال وحدته الداخلية، وتضامنه خارجياً مع فلسطينيي الشتات، كما أنها أوجدت نوعاً من الضغط على الزعامة الفلسطينية، خارج الأرض المحتلة، من أجل الاتفاق على الحركة السياسية الكبرى، من دون أن يؤدي ذلك إلى تدمير وحدة منظمة التحرير، كما كان يحدث في الماضي.
إن الانتفاضة حركة تحرر وطنية، لا بد أن يكون لها دورها الوطني، في إقرار السلام العادل، الذي يحقق المصالح والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني المناضل.
ومن المؤكد أن حكومتَي إسرائيل والولايات المتحدة، لا يمكن أن تستمرا في التصرف، كما لو كان السلام ديناً في عنق العرب، تجاه إسرائيل، لأنهم بذلك سيحطمون أي أمل في إنجاز السلام، إذا استمروا في اعتباره التزاماً فلسطينياً، وحقاً إسرائيلياً. إن السلام هو قدر يتقاسمه الطرفان سوياً، أو يفقدانه سوياً. وفي الواقع، فإنّ حل الصراع العربي الإسرائيلي أصبح ممكناً لأول مرة منذ عام 1948. فالانتفاضة واستجابة منظمة التحرير الإيجابية لأحداثها، جعلت ذلك ممكناً، وإذا استمرت إسرائيل، في اعتبار الانتفاضة عملاً مزعجاً، يجب القضاء عليه، فإن الصراع العربي الإسرائيلي، قد ينقلب إلى صورته الأولى. أي صراعاً عربياً صهيونياً، على فلسطين.
|