الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

تقويم نتائج الانتفاضة على الموقف الأمريكي

          في إطار ما حققته الانتفاضة من نتائج، أسفر الموقف عن تحديات للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ومستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، أهمها:

أ.

أثبتت الانتفاضة فشل الاستراتيجية الأمريكية، القائمة على دعم إسرائيل، مادياً وعسكرياً، بما يحقق تفوقها، باعتبارها قاعدة لحماية المصالح الأمريكية والغربية، في المنطقة. فقد أثبتت أن الحجارة، التي يلقيها الفلسطينيون العزل، أقوى من المساعدات العسكرية، التي انتهجتها إسرائيل بمؤازرة من أمريكا.

ب.

أثبتت فشل الدبلوماسية الأمريكية، القائمة على المماطلة في إدانة إسرائيل، في تسوية المسألة الفلسطينية، بهدف استمرار فرض الأمر الواقع. فقد أكدت الانتفاضة استحالة استمرار الأمر الواقع.

ج.

أكدت الانتفاضة حيوية القضية الفلسطينية، وحقيقة هوية الشعب الفلسطيني، التي طالما أنكرتها إسرائيل والولايات المتحدة. فظهر واضحاً أن صميم المشكلة في الشرق الأوسط، ليس هو عدم اعتراف العرب بإسرائيل، بل هي ضرورة إعادة الأراضي المحتلة (الضفة الغربية ـ غزة) إلى أصحابها.

د.

سلطت الانتفاضة الضوء على التناقض الصّارخ في السياسة الأمريكية؛ فمن ناحية هي تساند مجاهدي الكونترا في نيكارجوا، ومجاهدي أفغانستان، بدعوى تحقيق الحرية والديمقراطية، وفي الوقت نفسه، تغمض عينيها، عن أبشع ما يرتكب من أعمال العنف والقمع الإسرائيلي. هي تبذل كل الجهود لمواجهة الإرهاب الدولي، والتصدي له بحسم، ولكنها تعلن تأييدها لأعمال العنف والقمع الإسرائيلي، التي وصفت "بالبربرية"، في مجلس الأمن.

هـ.

ألقت الانتفاضة الضوء على التناقض، بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية؛ فمن المصلحة الأمريكية، بصفتها القوة العظمى، أن تضغط على إسرائيل، وتفرض عليها قبول تسوية سلمية عادلة، ومن شأنها احتواء الأزمة، وتعزيز الدور الأمريكي بصفته وسيطاً.
وفى الوقت نفسه، فإن تأييد الولايات المتحدة العلني لإسرائيل، يعني تواطؤها مع الحكومة الإسرائيلية، وتأييدها لأعمال القمع، والممارسات العدوانية الإسرائيلية، وتشويه صورتها أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي.

و.

فرضت الانتفاضة ثلاث صعوبات أخرى، على الإدارة الأمريكية الحالية، هي:

 

1-

أنها مطالبة من قِبل الرأي العام الأمريكي، بضرورة قطع هذا الجمود، وعدم المبالاة تجاه ما يحدث في الأراضي المحتلة.

 

2-

من المتوقع، أن يؤثر موقف الإدارة السّلبي، وسكوتها على ما يرتكب من جرائم، على الرأي العام الأمريكي.

 

3-

تواجه الإدارة الأمريكية صعوبة، خاصة في حالة عجزها عن احتواء الانتفاضة، وعن اتخاذ موقف حاسم يليق بمركزها، قوة عظمى أوحد. وسيكون من السخرية أن تدعي الولايات المتحدة الرغبة والقدرة على نشر الأمن والسلام العالمي، بينما هي عاجزة عن استغلال علاقاتها المتميزة مع إسرائيل، في وقف القمع الإسرائيلي، أو حماية الشعب الفلسطيني الأعزل، ومن المؤكد أن يؤثر هذا، أيضاً، على دورها في المنطقة.

التقويم للموقف الأمريكي

          هناك عدد من الاعتبارات، التي تفرض على الولايات المتحدة ضرورة الاعتراف بالهوية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني، في تقرير المصير. قد تعجز الولايات المتحدة عن إقناع إسرائيل بهذا الحق والتسليم به، إلا أن هذا العجز لا ينبغي أن يمنع تحديد موقف أمريكي حاسم وواضح، في هذا الشأن.

          وتعكس الصّيغة المطروحة، من قبل الإدارة الأمريكية، التي تنص على حق الشعب الفلسطيني في "المساهمة" في تقرير المصير، حلولاً غير ملائمة، أو مقبولة. فهي تتعارض مع حق كل شعب في تقرير المصير، كما أنها تتجاهل الآمال القومية للشعب الفلسطيني.

          تواجه السياسة الأمريكية خياراً واضحاً، بين ما هو عملي ومنطقي، وبين ما هو متناقض وغير عقلاني. فإن جدية الولايات المتحدة في السعي لاحتواء الأزمة، وإحلال السلام، معناها حماية المصالح الأمريكية في المنطقة، وتعزيز موقفها أمام حلفائها الأوروبيين، على حين أن التلكؤ في الإجراءات الدبلوماسية، وخلق العراقيل (مثل الإصرار على التفاوض المباشر، بدلاً من عقد المؤتمر الدولي، الذي طالبت به الجهات العربية والفلسطينية والعالمية)، وإضاعة الوقت في الجولات المكوكية، والحلول طويلة المدى، يجعل من الصعب، بل من المستحيل، سياسياً، على أي من الحكومات العربية، المشاركة في أي جهود سلمية أمريكية.

          إن المواقف الأمريكية في مجلس الأمن، تؤكد أن التصريحات الأمريكية هي على خلاف دائم مع واقع سياساتها الحقيقي.

          والخلاصة أن الأبعاد الجديدة للانتفاضة الفلسطينية، وتفاعلها مع الأحداث العالمية، والمتغيرات الإقليمية المواكبة لها، فرضت على إسرائيل والسياسة الأمريكية واقعاً جديداً، ومصالح مختلفة والتزامات عاجلة، لابد من تحقيقها.

الانتفاضة على المستوى الدولي

          غيرت الانتفاضة جزءاً من صورة إسرائيل لدى العالم؛ وزعزعت كثيراً من الشرعية، التي كانت تتمتع بها في المجتمع الدولي.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة