الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
بطاريات صواريخ أرض/جو
مواقع بطاريات الصواريخ
 
بيروت خلال حرب الجليل
عمليةالسلام من أجل الجليل
مراحل وتطور أعمال القتال
الحجم والأوضاع الإبتدائية
اُنظــــر كـــذلك
 
الليطاني الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1978، (الليطاني)
مذبحة قانا الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1996، (مذبحة قانا)
الحرب الأهلية اللبنانية
الجمهورية اللبنانية

الخلاصة، والدروس المستفادة

          بدأ الغزو الإسرائيلي للبنان يومَي 4 و5 يونيه سنة 1982، بقصف من الطائرات الإسرائيلية، وذلك بحجة الرد على حادثة إطلاق النار على السفير الإسرائيلي في لندن، شلومو أرجوف. واستهدفت الهجمات الجوية معاقل منظمة التحرير الفلسطينية، المتاخمة للحدود الإسرائيلية. ووقع هجوم أيضاً في أقصى الشمال على ساحل البحر الأبيض المتوسط. ورد الفدائيون الفلسطينيون على ذلك، بقصف المستوطنات الإسرائيلية في الجليل.

          وفي اليوم السابع من يونيه، اتصل ضابط إسرائيلي، بواسطة جهاز لاسلكي، بقائد الكتيبة النرويجية، وأخبره أن الجيش الإسرائيلي، "قد" يخترق خطوط الأمم المتحدة في منطقته. وعقب ذلك مباشرة، تقدمت الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية، مخترقة المنطقة. وخلال بضع دقائق، تحوّل وقف إطلاق النار إلى مجرد خرافة، وكذلك قدرته قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوبي لبنان .

          كان الغزو الإسرائيلي للبنان أمراً متوقعاً على مدى العامين السابقين للغزو، فأعد الفلسطينيون خططاً مفصلة لمواجهته، ولكن الشيء الذي لم يتنبه له الفلسطينيون، هو مدى ضخامة حجم الهجوم . فلقد صرح أحد القادة الفلسطينيين في مدينة صور لمجلة "ميدل إيست Middle East" ، قبل بدء الغزو بأربع وعشرين ساعة، بقوله: إننا نشعر الآن بالثقة، استناداً إلى ما في أيدينا من أسلحة جديدة. ولن يكون الهجوم الإسرائيلي مهمة سهلة. واعتقادي أنهم يحتاجون، كي يتمكنوا من مواجهتنا، إلى حشد عدد ضخم من الطائرات، علاوة على 30 ألف جندي على الأقل. ولكن ما توقعه القادة الفلسطينيون، كان غير دقيق. فقد دفعت إسرائيل، في بداية الغزو، ما يقرب من 85 ألف جندي، ثم عزّزتهم حتى بلغ عديدهم 120 ألف جندي. وثبت أن ما لدى الفلسطينيين من أسلحة، لا يقارن بالتفوق النوعي والعددي للقوات الإسرائيلية. ويرجع الفضل في عدم جعل الغزو الإسرائيلي "مجرد نزهة قصيرة"، إلى استخدام الفلسطينيين لتكتيكات حرب العصابات، "تكتيكات القوات الخاصة"، التي تدربوا عليها. ووصل الإسرائيليون بسرعة إلى بيروت، ولكنهم لم "يمشطوا" كافة الأراضي التي عبروها. وتعين على أرييل شارون، وزير الدفاع الإسرائيلي، أن يعترف، بعد حوالي أسبوعين من بدء القتال، بأنه لا يزال هناك عشرة آلاف من رجال المقاومة الفلسطينية في الجنوب اللبناني .

          لقد كانت نية إسرائيل تتجه، بالأساس، نحو الاستيلاء على بيروت، والقضاء على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، متوقعة أن هذه العملية، يمكن أن تستغرق نحو أسبوع. ومن دون شك، كان من بين دوافع الغزو الإسرائيلي للبنان، السيطرة على نهر الليطاني، ذلك الحلم القديم. بيْد أن الدافع، الأهم من ذلك، إلى القيام بعملية الغزو، هو الاعتقاد أنه يتعين على إسرائيل، قبل أن يصبح في وسعها أن تقهر الضفة الغربية، وتفرض عليها الصيغة الإسرائيلية للحكم الذاتي، أن تدمر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وفي الوقت عينه، كسر هيمنة سورية على لبنان، وإقامة حكومة فيه، يسيطر عليها الموارنة، لتحرس المصالح الإسرائيلية هناك.

          وفي الوقت نفسه، كانت التحركات الإسرائيلية، تخدم أيضاً الأهداف الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وذلك بتوجيه ضربة قاصمة إلى كل من سورية ومنظمة التحرير الفلسطينية، الحليفين الرئيسيين للاتحاد السوفيتي.

          وعلى الرغم من نفي واشنطن أي تورط لها في تلك الخطط الإسرائيلية، فإن ثمة دليلاً واضحاً جلياً على أن العكس هو الصحيح، بل إن وزير الخارجية، ألكسندر هيج، كان أحد المشجعين الرئيسيين على ذلك الغزو. وتم التنسيق الكامل بينه وبين شارون والسفير الإسرائيلي، موشي أرينز، قبل الغزو بعدة أيام، في واشنطن . بل إن إرجاء إسرائيل شن هجومها إلى ما بعد إتمام الانسحاب من سيناء، جاء نزولاً على إرادة واشنطن.

          ولم يكن الفلسطينيون، وحدهم، هم الذين توقعوا ذلك الهجوم منذ شهور. إذ توقعه أيضاً الإسرائيليون المعنيون بهذا الأمر. فلقد تنبأت مقالة، نشرت في جريدة "هاآرتس" الإسرائيلية، في 28 أغسطس 1981، بأنه لا مجال لتحقيق رغبة إسرائيل في أن يسود الهدوء على جبهتها الشمالية، إلا من طريق دفع قوة عسكرية، براً، تطوق تلك المنطقة تماماً، ثم تطهرها. وتنبأت المقالة بأن شارون، سيسعى إلى الحصول على مساندة الولايات المتحدة الأمريكية لخططه هذه، وذلك لأنه يدرك أن ليس في مقدوره أن ينفذ مثل هذا المشروع، في مواجهة معارضة أمريكية قوية. وطرح الصحفي الإسرائيلي، ماكسيم جيلان، تحليلاً مماثلاً، في مارس 1982، قال فيه: "إن الإستراتيجية الإسرائيلية، تتمثل في زعزعة استقرار منظمة التحرير الفلسطينية، وغزو جنوبي لبنان حتى نهر الليطاني، وإقامة حكومة يسيطر عليها الكتائبيون اليمينيون، بقيادة بشير الجميل".

          وبعد بداية الغزو الإسرائيلي، وضح جلياً حجم التواطؤ الأمريكي، من خلال استخدام الفيتو الأمريكي ضد قرار مجلس الأمن، في 9 يونيه 1982، الذي طالب بفرض عقوبات على إسرائيل. وفي تصريح لوزير الخارجية الأمريكي، ألكسندر هيج، في 15 يونيه، قال: "أصبح غير واقعي المطالبة بانسحاب إسرائيلي غير مشروط". كما أشار ديفيد جونز، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، في اليوم نفسه، إلى أن الأمريكيين سعوا إلى انسحاب كافة القوات الأجنبية من لبنان، بما في ذلك القوات السورية وعناصر منظمة التحرير الفلسطينية. وازداد التواطؤ الأمريكي وضوحاً، في إثر وصول قطعتين بحريتين أمريكيتين إلى المنطقة، مع بداية الغزو، تمركزتا قبالة الساحل الإسرائيلي ـ اللبناني، وفي كريت، من أجل رصد تحركات البحرية السوفيتية.

          ومن الواضح، أن واشنطن كانت متورطة تماماً في هذا الغزو. ويؤيد ذلك قول شارون: "كنت أناقش مع الأمريكان احتمال أن عملية الغزو قد تحدث. وبحثتها، في عدة أوقات، مع ألكسندر هيج، حين قام بزيارة المنطقة. وبحثتها مع واينبرجر، حين زرت واشنطن، قبل الغزو. وبحثتها أكثر من مرة مع السفير حبيب" .

          كما أكد شارون في حديثه: "إن تحالفنا مع الأمريكان، يقوم على المصالح المشتركة، وهم يعلمون ذلك. إن إسرائيل ساهمت في أمن الولايات المتحدة الأمريكية بقدر لا يقلّ عن مساهمة الولايات المتحدة الأمريكية في أمن إسرائيل". وما يؤكد ذلك، أن وزير الخارجية، إسحاق شامير، صرح، خلال الغزو، "أن عملية السلام في الجليل، قد بدأت بموافقة تامة من واشنطن". وليس هناك شك، أن التواطؤ الأمريكي يعود، بالأساس، إلى اعتبارات سياسية، من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة. فعلى سبيل المثال، إن القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، سيؤدي إلى تحقيق رجحان لمصلحة "الكتائب" في لبنان، الحزب الذي تعتبره واشنطن موالياً للغرب وصديقاً لإسرائيل . كما أن هزيمة القوات السورية في لبنان، هي هزيمة للاتحاد السوفيتي، حليف سورية، بل سيؤدي القضاء على المنظمة أيضاً إلى شلل الدور الإيراني في لبنان .

          كما أن الولايات المتحدة وافقت، قبل الغزو، على بيع 50 طائرة F-16 ، بمبلغ 3 مليارات دولار، و11طائرةF-15، بمبلغ 510 ملايين دولار، لإسرائيل. كما وافق الكونجرس الأمريكي على تقديم معونات إضافية إلى إسرائيل، قوامها 125 مليون دولار. وبذا، وصل حجم إجمالي المعونات الأمريكية لإسرائيل إلى 910 ملايين دولار، تم تحويلها إلى هِبة، بعد أن كان من المقرر، أصلاً، اعتبار نصف ذلك المبلغ قرضاً.

          ومن الواضح، أن الولايات المتحدة الأمريكية، اشترطت على إسرائيل أن تنفذ هذه العملية في غضون أسبوع واحد، قبل تزايد الضغط الدولي. ولذا، نجد أن حماس واشنطن لتلك العملية، بدأ في الفتور، بعد مرور أكثر من عشرة أيام على بدء الهجوم، حينما أصبح من الواضح، أن الإسرائيليين قد أخفقوا في إنجاز المهمة في الموعد المحدد لها. وتحت ضغط من المجموعة الاقتصادية الأوروبية، ومن موسكو، ومن المملكة العربية السعودية، أصبحت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل مضطرين إلى قبول تحويل الأمور من ساحة الحرب إلى ساحة الدبلوماسية، واتخاذ خطوات لكبح إسرائيل دون مواصلة هجومها على بيروت. وإزاء إحساس واشنطن بتفاقم السخط، الدولي والإقليمي، على الغزو، اضطرت إلى الموافقة على تشكيل قوة حفظ السلام، من بعض القوى المتعددة الجنسيات، تشارك الولايات المتحدة الأمريكية فيها.

الدور العربي

          ارتكزت المغامرة الإسرائيلية في لبنان على أن العرب لن يتحركوا. ولم يُدهش الفلسطينيين عدم تحرك العرب، لأنهم كانوا يتوقعون ذلك. ومن ناحية أخرى، أخذت الصحافة العربية على الموقف السوري قبوله وقف إطلاق النار، بينما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تواصل القتال. وعلاوة على ذلك، فإن سورية تخلت عن عدة مناطق في لبنان.

          كان للمملكة العربية السعودية، منذ بداية الغزو، الثقل الأكبر في تحريك العملية الدبلوماسية، وفي الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، وصل إلى حدّ التهديد باتخاذ مواقف حازمة من واشنطن. بل كان لها دور إيجابي في دعم المنظمة الفلسطينية بالمعونات المادية، من طريق هيئة الصليب الأحمر الدولي. كما كان لها دور مهم في اجتماع اللجنة السداسية العربية، من أجل إيجاد حل دبلوماسي لمشكلة بيروت، ومنع إسرائيل من الهجوم عليها.

          على الرغم من القطيعة العربية لمصر، خلال تلك الفترة، إلاّ أن التحرك الدبلوماسي المصري والضغط الذي مارسته القاهرة لإقناع واشنطن بالضغط على إسرائيل، كان دوراً إيجابياً، ميز الدور المصري. كما كان لمصر دور مهم في مجلس الأمن، من خلال المشروعات المشتركة، التي قدمتها، بالتعاون مع فرنسا، وكان لها التأثير الإيجابي في الساحة الدولية. بل خرجت التصريحات من القاهرة بأن مساندة الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، بلا حدود، يمكن أن تؤدي إلى هزيمتها في المنطقة، وتفتح الباب للاتحاد السوفيتي، كي يعود إلى المنطقة. بل تساءلت إحدى الصحف عن سبب تحذير الولايات المتحدة الأمريكية الدائم للعرب من الخطر السوفيتي، وقالت: "إنه في الوقت الذي يطعن فيه الخنجر الإسرائيلي أعماق قلب العرب، وتقصف فيه الطائرات الأمريكية الآلاف من الفلسطينيين، فإننا لن نقبل مقولة أن الخطر يأتي من البحر الأسود" .

الموقف السوفيتي

          اتصف الموقف السوفيي بالصمت والسلبية المطلقة. وهذا ما دعا جريدة "لوفيجارو Le Figaro" الفرنسية إلى القول : "إن أقلّ ما يمكن أن يقال عن الكرملين، هو أنه التزم الصمت إزاء أحداث لبنان". بل إن وكالة "تاس" السوفيتية، أصدرت بياناً، اتهمت فيه واشنطن بالتواطؤ مع تل أبيب، وأدانت العدوان الإسرائيلي. ولكن البيان جاء خالياً من أي مساندة لسورية، ولو شفوية. بل إن موسكو فضلت اتّباع مبدأ "انتظر حتى ترى"، لذلك التزمت الصمت المشوب بالحذر. ومن ثم، كان هذا الموقف السوفيتي السلبي بالغ الغرابة، ويدعو إلى العجب.

          ولا شك أن الموقف السوفيتي، بالنسبة إلى الغزو الإسرائيلي للبنان، يمثل منعطفاً جديداً ومهماً في السياسة السوفيتية إزاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي. فللمرة الأولى منذ عام 1967، يترك الاتحاد السوفيتي الساحة العربية ـ الإسرائيلية للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، لكي تسوّيا الأوضاع في المنطقة بالشكل المناسب لهما، مع الاكتفاء باتخاذ موقف الإدانة اللفظية، وتخلّيه عن حلفائه في المنطقة، وهم سورية والفلسطينيون والقوى التقدمية اللبنانية. والجديد في الموقف السوفيتي، هنا، هو إسقاطه لسياسة الدعم النشيط للموقف العربي. وهذا يمكن تفسيره في ضوء عدة اعتبارات، منها موقف الأمة العربية من الغزو الإسرائيلي للبنان، والذي أثبت للاتحاد السوفيتي عدم جدّية الأمة العربية في مواجهة الخطر الإسرائيلي. أضف إلى ذلك أن الاتحاد السوفيتي، بدأ ينوء بالنفقات الباهظة لوجوده، العسكري والسياسي، في المنطقة العربية، منذ أوائل الخمسينيات وحتى السبعينيات، فآثر الخروج من المنطقة.

الدروس المستفادة من الحرب

          تعَدّ حرب لبنان، عام1982، من الحروب البارزة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، في ضوء ما شملته من دروس ونتائج، فيما يختص بأساليب القتال، واستخدام نُظُم حديثة من الأسلحة والذخائر.

الدروس المستفادة، من وجهة النظر الإسرائيلية

سلاح الجو الإسرائيلي

          إن إحدى الظواهر اللافتة للانتباه، والتي ميزت حرب لبنان، كانت في مجال سلاح الجو. وكانت كتابات المعلقين، التي رافقت إنجازات سلاح الجو الإسرائيلي، وتدميره بطاريات الصواريخ أرض ـ جو، هي الشيء الأبرز في حرب لبنان. ولم ينتبه أحد ـ لسبب أو آخر ـ إلى أن نجاح سلاح الجو كان له وجه آخر، وهو مدى مساهمة القوة الجوية الإسرائيلية في حسم المعركة البرية. وقد أبرزت حرب لبنان، أن التعاون القائم بين سلاح الجو والأسلحة البرية، لا يمكن أن يستمر بشكله الحالي، لأنه لا يتوافق مع ما يجري في ميدان القتال العصري. ففي حرب لبنان، لم يكن سلاح الجو قادراً على إعطاء القوات البرية ما تريد، إذ إنه استعد بصورة جيدة، في مجال تحقيق السيطرة الجوية، وتدمير الصواريخ المضادة للطائرات، لكنه لم يكن على استعداد لتقديم مساعدة متواصلة إلى القوات البرية وفق عقيدة الجيش الإسرائيلي القتالية. ومن ثم، فإن نظرية استخدام سلاح الجو خلال حرب لبنان، كانت نظرية قديمة.

          ومن دروس القوات الجوية المستفادة، ذلك النجاح الذي حققته الطائرات العمودية الهجومية، من نوع كوبرا وديفندر، والمسلحة بالصواريخ (تو TOW ). فقد استطاعت هذه الطائرات تدمير عشرات الدبابات السورية، من نوع T-72.كما دمرت العشرات من السيارات وأجهزة الرادار ومصادر النيران الأرضية والأسلحة المضادة للطائرات فاستطاعت شل تحركات العناصر الفلسطينية على الطريق الساحلي.

مشكلة التوازن الصحيح في بناء القوات

          أضاف ظهور الصواريخ المتنقلة، المضادة للطائرات، من نوع سام ـ 6 وسام-8 وسام ـ 9، بُعداً جديداً إلى القتال في الساحة الجوية، في ميدان القتال الحديث. إذ إن مفهوم "منطقة خالية" من أسلحة مضادة للطائرات، أصبح غير موجود، وهو المفهوم الذي يقيد استغلال الطائرات الهجومية، في مجال مساعدة القوات البرية. وفي هذا المجال، تعلم الجيش الإسرائيلي الدرس، وعزز قنوات التنسيق بين القوات البرية والجوية. وعمل على ترسيخ نظرية "مساعدة القوات البرية" (إسناد القريب) في مفهومها الجديد، والذي يتطلب تغييراً، عقلياً ونظرياً، بين قادة القوات البرية.

          وقد استفاد جيش الدفاع الإسرائيلي درساً مهماً، من هذه الحرب، هو "أهمية تحقيق التوازن الصحيح في بناء القوة"، خاصة التوازن بين الوحدات المدرعة ووحدات المشاة الآلية ووحدات المشاة، عند العمل في مناطق قتال ذات طبيعة طبوغرافية مختلفة، صحراوية أو جبلية، أو مبنية.

فائض في المعلومات، ونقص في الاستخبارات

          كشفت حرب لبنان عن خلل عام في نظام "استخبارات المعركة الحديثة"، وهو أن المستوى الآمر في ميدان القتال، يعاني فائضاً في المعلومات، لكنه يعاني نقصاً في الاستخبارات. فالمعلومات هي عملية جمع بيانات عن الوقائع والأحداث، ومصادر الجمع خلال الاجتياح كانت معيناً، لا ينضب. وقد نتج من ذلك، وجود جهاز متطور لجمع المعلومات من مصادرها المختلفة، المدنية والعسكرية. أمّا الاستخبارات، فمعناها فرز المعلومات وتحويلها إلى استخبارات (فرز، تصنيف، تحليل، وتوزيع). وكان جهاز الاستخبارات، خلال حرب لبنان، مضطرباً، ولم تصل المعلومات، بعد تحويلها إلى استخبارات، إلى المكان الصحيح، في الوقت الصحيح. ومن ثم، لم يمكّن هذا الجهاز القادة من اتخاذ القرارات المناسبة.

الحرب الإلكترونية

          أظهرت الحرب اللبنانية، أهمية تطوير استخدام وسائل الحرب الإلكترونية، سواء في مجال الاستطلاع أو الإجراءات المضادة (الإعاقة). وبرغم امتلاك إسرائيل تفوق كبير في هذا المجال إلا أن بعض الإجراءات الإلكترونية المضادة التي تعرضت لها وحداتها سواء من القوات السورية، أو أي مجالات أخرى قد أثرت على أعمال قتالها. مما دفع القيادة الإسرائيلية إلى البحث عن إجراءات ووسائل متطورة حتى تؤكد تفوقها في هذا المجال.

العقيدة القتالية

          لم تتعرض القوات الإسرائيلية لمواقف قتالية صعبة، كذلك لم تشترك قواتها في معارك كبرى ضد قوات نظامية حتى تضع الأساليب القتالية في موقف اختبار. لذلك، فإن العقيدة القتالية بالكامل لم يطرأ عليها أي تغييرات بسبب هذه الحرب.

وبصفة عامة، يمكن الخروج بالدروس التالية من حرب لبنان، عام 1982

          إن سلاح الجو الإسرائيلي، المسلح بطائرات أمريكية حديثة، والمزود بالمعدات الإلكترونية الحديثة والتسليح المتطور، يستطيع تدمير التكنولوجيا السوفيتية، في مجال صواريخ الدفاع الجوي. وكان أحد الدروس المهمة من هذه الحرب، هو إنتاج نظام الطائرات غير المرئية للرادار، والتي تجعل شبكة الصواريخ السوفيتية عديمة الجدوى، وأصبح بقدرة الغرب تهديد العمق السوفيتي.

          كما يعدّ مجال الحرب الإلكترونية، هو أبرز مجالات الاستخدام في الحرب الإسرائيلية ـ اللبنانية، إذ تتوافر لدى إسرائيل أسلحة متعددة في هذا المجال، أثبتت حرب لبنان قدراتها وفاعليتها. فقد أدت المعدات الأمريكية دوراً كبيراً في مجالات التشويش، خاصة منها تلك المضادة للرادار والصواريخ. وقد نجح الإسرائيليون في ذلك نجاحاً كبيراً، وخير دليل على ذلك عمليات تدمير صواريخ SAM السورية في سهل البقاع. فقد أمكن الأسلحة المتقدمة تكنولوجياً تدمير الصواريخ، أرض ـ جو، السوفيتية الصنع، والتي تعدّ من أحدث الأسلحة التي أنتجها الاتحاد السوفيتي.

          كذلك، فإن استخدام عمليات الإبرار، الجوي والبحري، طوال مراحل الحرب، كان له تأثير كبير في خلخلة الدفاعات الفلسطينية، بل الإسراع في تحقيق الهدف العسكري، وهو الوصول إلى بيروت.

          كذلك، أثبتت هذه الحرب أهمية التخطيط المبني على معلومات دقيقة، وتفصيلية، وشاملة، مع استمرار الحصول على المعلومات بكافة الوسائل المتاحة خلال مراحل القتال، لأن ذلك يعني القدرة على تنفيذ أعمال القتال بصورة دقيقة، مع تقليل الخسائر.

------------------------



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة