الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
بطاريات صواريخ أرض/جو
مواقع بطاريات الصواريخ
 
بيروت خلال حرب الجليل
عمليةالسلام من أجل الجليل
مراحل وتطور أعمال القتال
الحجم والأوضاع الإبتدائية
اُنظــــر كـــذلك
 
الليطاني الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1978، (الليطاني)
مذبحة قانا الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1996، (مذبحة قانا)
الحرب الأهلية اللبنانية
الجمهورية اللبنانية

انتخاب أمين الجميل رئيساً للجمهورية، وسياسته تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل

انتخاب أمين الجميل، وردود الفعل المختلفة

          انتُخب أمين الجميل رئيساً للبنان، في 21 سبتمبر 1982. ولم يرسل له مناحم بيجن برقية تهنئة، فالقدس كانت تعرف، أن أسلوب العلاقات بشقيق بشير، سيكون مختلفاً. وشعرَ بعضُ المسؤولين الإسرائيليين بالذنب لعدم إقامتهم علاقات بأمين، خلال الحرب؛ إذ كانوا يعتقدون أن بشيراً لن يرضى عن ذلك، لأن والدهما، بيار الجميل، قدم الرئيس الراحل، كرجل الحوار اللبناني ـ الإسرائيلي، في حين أن أميناً، كان مكلفاً بإقامة علاقات بالبلدان العربية. وأظهر أمين معرفة كبيرة بالحلول، التي كانت إسرائيل قد اتفقت عليها مع شقيقه، إذ كان يطّلع عليها دورياً، من خلال اجتماعات عائلية في بيت والدهما، في بكفيّا. وكان أمين على اطّلاع أيضاً على الاتفاقات، التي عقدت خلال آخر لقاء بين شارون وبشير، في 12 سبتمبر. وكان يعرف أن مناقشات قد تمت حول مستقبل جنوبي لبنان، ووجود جيش الدفاع الإسرائيلي في هذه المنطقة.

          والواقع، أن أميناً كان مختلفاً كثيراً عن شقيقه. فبعد تسلّمه مقاليد الحكم، لم يأتِ أبداً على ذكر إسرائيل في خُطبه. في حين تحدث كثيراً عن برقيات الدعم، التي بعث بها الرئيس حافظ الأسد، وشخصيات من الأوساط الإسلامية اللبنانية.

          كان أمين الجميل في وضع حرِج، بين القدس ودمشق. كان يقف على مسافة سواء، بين الكتائبيين الحذرين، الذين كانوا على يقين من أنه لن يخونهم، وبين مراكز السلطة الإسلامية، التي كان أمين يفكر في تأسيس نشاطه عليها. وفضلاً عن ذلك، كان هناك الولايات المتحدة الأمريكية، التي أصبح ممثلوها من أقرب مستشاريه، فكان لا يخطو خطوة واحدة من دونهم. وظهر وكأن الخطة الإسرائيلية، لم تؤدِّ إلى شيء.

          كانت أول تجربة للحكم على موقف أمين الجميل تجاه إسرائيل، ما طلبته واشنطن، وبموافقة من الأُسرة الدولية: "يجب على إسرائيل، فوراً، سحب قواتها من بيروت، لإفساح المجال أمام عودة قوات الفصل المتعددة الجنسيات إلى لبنان". وتحت الضغوط الخارجية، وبدعم من الرأي العام الإسرائيلي، انسحبت القوات الإسرائيلية، على عجَل، من العاصمة اللبنانية، ورابطت قوات الفصل المتعددة الجنسيات حول بيروت، من أجل مساعدة الجيش اللبناني على تطبيع الوضع، ونزع سلاح الميليشيات العديدة.

          وفي نهاية عام 1982، حاولت إسرائيل، مرة ثانية، جسّ النبض من أجل عقد اتفاق سلام مع لبنان، وذلك لسببين. أولهما معنوي. والثاني عسكري، كوجود الجيش الإسرائيلي في لبنان، مع إمكان تطبيع العلاقات بين البلدين. ولكن الجهود الإسرائيلية كان يتم تعليقها من قِبل الحكومة اللبنانية، بسبب الأوضاع السياسية اللبنانية. وحدث تقارب بين أمين الجميل والولايات المتحدة الأمريكية، من خلال مبعوثها، موريس درايبر، أدى إلى زيارة أمين واشنطن، حيث استقبل استقبال المنتصرين الحقيقيين في الحرب.

تطور المباحثات اللبنانية ـ الإسرائيلية

          بدءاً من شهر نوفمبر 1982، بدأت المباحثات بين الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية، بمشاركة من الولايات المتحدة الأمريكية. وانعقدت الاجتماعات، بالتبادل، في إسرائيل ولبنان. وطلبت إسرائيل انسحاب جميع القوات الأجنبية من لبنان، بما فيها القوات السورية والإسرائيلية، مع اتخاذ ترتيبات كافية في جنويي لبنان، لضمان عدم عودته، مرة أخرى، قاعدة لهجمات منظمة التحرير الفلسطينية على شمالي إسرائيل، مع إقامة علاقات طبيعية بين إسرائيل ولبنان، متضمنة حرية التنقل والسياحة والتجارة ومتعلقاتها الأخرى، والمحافظة على مكاتب التمثيل المتبادل بين الحكومتين. وطالبت إسرائيل بمنطقة أمنية، عمقها 45 كم

وأثناء المباحثات، سحبت إسرائيل مطلبها الخاص بالاحتفاظ بمراكز ملاحظة وإنذار داخل الأراضي اللبنانية. ونُوقشت الترتيبات لتنشيط دوريات مشتركة من الجانبين، وتم بحث طلعات الاستطلاع الجوي الإسرائيلية والدوريات البحرية، في أجواء لبنان وعلى سواحله. وطلبت إسرائيل استبقاء الرائد سعد حداد، ليكون قائداً للمنطقة الجنوبية من لبنان، وبالتحديد لمسافة 25 ميلاً شمال الحدود الإسرائيلية، وذلك في إطار الجيش اللبناني. وكان هذا المطلب يمثل مشكلة رئيسية في المباحثات مع الحكومة اللبنانية، التي رفضت الاعتراف بالرائد حداد، إذ تُعدّه خائناً، بينما رفضت إسرائيل التخلي عمّن ثبتت صداقته في الأوقات العصيبة.

وفي فبراير 1983، وصلت المناقشات الإسرائيلية ـ اللبنانية إلى طريق مسدود. واستمر أمين الجميل يرفض إقامة علاقات بإسرائيل، مماثلة لتلك التي تقام في زمن السلم، في الوقت الذي كان يعيش فيه أرييل شارون أيامه الأخيرة كوزير للدفاع، إذ كانت لجنة التحقيق في مجازر صبرا وشاتيلا على وشك تقديم تقريرها.

مواقف القوى المختلفة تجاه مشكلة لبنان

الموقف الأمريكي

 

تركّزت الإستراتيجية الأمريكية، خلال هذه الفترة، في الدعوة إلى حل المشكلة على مرحلتين:

 

المرحلة الأولى:

ضرورة التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل ولبنان، مع دعوة إسرائيل، بصورة أساسية، لسحب قواتها من كل الأراضي اللبنانية.

 

المرحلة الثانية:

يُعرض الاتفاق، بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية، على العالم كله، مع محاولة إقناع السوريين بضرورة التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل.

          وفي مايو 1983، تم التوصل إلى اتفاق إسرائيلي ـ لبناني، يحدد انسحاب جميع القوات الأجنبية من التراب اللبناني، وتنظيم ترتيبات بمختلف أشكال التعاون بين إسرائيل ولبنان، بما فيها بدء المفاوضات، بعد الاتفاق بستة أشهر، وذلك لإقامة علاقات طبيعية بين البلدين.

          ضمنت نصوص الاتفاق لإسرائيل رد الفعل ضد ـ ما تُسميه إسرائيل ـ قواعد الإرهاب في الجنوب اللبناني. كما شمل النشاط المشترك للدوريات الإسرائيلية ـ اللبنانية في لبنان، على الرغم من عدم السماح بتمركز القوات الإسرائيلية داخل البلاد. وترك الاتفاق العديد من الأسئلة من دون إجابة. وفي يونيه 1983، صدّق كل من الكنيست الإسرائيلي والبرلمان اللبناني على الاتفاق، وارتبط به موضوع انسحاب كل القوات الأجنبية من لبنان. وكان متصوَّراً أنه لو لم يتم الانسحاب، سيصبح الاتفاق باطلاً. وعلى الرغم من موافقة البرلمان اللبناني على الاتفاق، إلا أن الرئيس أمين الجميل أجّل إبرامه. وفي نهاية المطاف، وبضغط من سورية ألغي الاتفاق في عام 1984.

          وفي منتصف مارس 1983، جرت مباحثات أمريكية ـ إسرائيلية في شأن لبنان، حضرها من الجانب الإسرائيلي إسحاق شامير، ومن الجانب الأمريكي جورج شولتز. وفي نهاية هذه المباحثات، تولّد لدى الأمريكيين الشعور بأن إسرائيل، أصبحت على استعداد للتخلي عن مطالبها، مقابل منطقة أمنية، والاكتفاء بمقترحات واشنطن. ولم يرفض شامير عروض الأمريكيين، وأصبح عليه، الآن، مواجهة مشكلة أخرى: كيف سيقنع زملاءه في الحكومة بقبول مثل هذه المقترحات؟ ومنذ عودته إلى إسرائيل، اتُّهم بأنه "تخلَّى" عن إسرائيل، في واشنطن. (ولا يوجد في المصطلحات السياسية الإسرائيلية كلمة أسوأ من "التخلي". فما أن يُتّهم رجل السياسة بأنه "تخلى"، حتى يجد نفسه في وضع الدفاع). غير أن شامير أكد أنه لم ينحرف أبداً عن النهج الحكومي (أي سياسة حكومته المعلنة).

الموقف السوري

          أعلن السوريون مجدداً ـ أنهم سينسحبون من لبنان ، بعد معرفة تفاصيل مسوّدة الاتفاق اللبناني ـ الإسرائيلي . وخلال الاجتماع، الذي تم بين وزير الخارجية الأمريكي، جورج شولتز، والرئيس حافظ الأسد، شرح الوزير الأمريكي مضمون الاتفاق بين إسرائيل ولبنان، الذي ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية. وكان الرئيس حافظ الأسد يعلم جيداً تفاصيل الاتفاق، إذ قال: "إنه أسوأ من اتفاقات كامب ديفيد، إن الاتفاق يحدّ من السيادة اللبنانية، ويشكل خطراً على سورية والبلدان العربية الأخرى. وطبقاً لنص الاتفاق، لا يحق للبنان أن يحتفظ على أراضيه بأي سلاح مضادّ للطائرات، يزيد مداه على 45 كم. وهذا يعني، أن إسرائيل ستسيطر على الأجواء اللبنانية؛ فسلاح الجو اللبناني، لا يحق له التحليق فوق جنوبي لبنان، دون إذنٍ مسبق من السلطات الإسرائيلية. وإن كل القرارات، المتعلقة بجنوبي لبنان، يجب اتخاذها بصورة مشتركة بين الإسرائيليين واللبنانيين".

          هاجم الرئيس السوري، حافظ الأسد، فكرة "المنطقة الأمنية"، التي طالبت بها إسرائيل. ووصف هذا الاتفاق بأنه استسلام، ترفضه سورية والدول العربية. كما أعلن الأسد، بكل صراحة، أمام شولتز، أن فيليب حبيب خدعه، خلال الأسبوع الأول من حرب لبنان، إذ وعده، باسم بيجن، أن الوضع سيبقى على الأرض كما كان خلال الأسبوع الأول من المعارك. وبعد مرور عدة أيام على ذلك، هاجمت إسرائيل مواقع الصواريخ السورية في لبنان ودمرتها، وهكذا، أصبح حبيب حليفاً للعملية الإسرائيلية.

موقف الاتحاد السوفيتي

          من الواضح أن السوفيت بدأوا، بعد الاجتياح الإسرائيلي التحرك بشكل أكثر إيجابية، إذ أرسلوا كميات كبيرة من المعدات إلى سورية من أجل تعزيز خطوطها الأمامية في وادي البقاع، في مواجهة القوات الإسرائيلية. وفي فبراير1983، أقام الروس موقعين كبيرين لصواريخ أرض / جو (سام ـ 5)، يصل مداها إلى 300 كم، أي أنها يمكن أن تصل، فوق جزء من البحر الأبيض المتوسط، أمام الساحل اللبناني، حيث ينتشر الأسطول الأمريكي السادس. وكان تشغيل الصواريخ وحمايتها يتم بواسطة القوات السوفيتية. وقد فُسر هذا الأمر على أنه إجابة سوفيتية على التدمير الكثيف لبطاريات الصواريخ أرض / جو السوفيتية، الموجودة في البقاع الغربي، وفى بعض المواقع داخل الأراضي السورية، التي تشكل عمقاً لهذه البطاريات، خلال حرب لبنان، وكرد فعل سوفيتي لتمركز مشاة الأسطول الأمريكي في بيروت، ضمن القوات الدولية المتعددة الجنسيات. بل إن بعضهم رأى في ذلك إنشاء قاعدة لقوات الانتشار السريع السوفيتية في الشرق الأوسط.

          كما أدّت سورية، مدعمة من الاتحاد السوفيتي، دوراً كبيراً، في تشجيع معارضة أي رغبة من جانب عرفات في الترخيص للملك حسين في التفاوض مع إسرائيل.

موقف كلٍّ من سورية والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من الانسحاب

          على الرغم من الضغوط الدولية والعربية على سورية، إلا أن أنها كرست جهودها في إيقاع اللوم على الاتفاق الإسرائيلي ـ اللبناني، بل إن الرئيس الأسد أكد أن الاتفاقية تهدد أمن سورية. كان ذلك يعني أن القوات السورية لن تنسحب من لبنان. وكان تصور الرئيس الأسد، أن استمرار النزف الإسرائيلي، بإيقاع الخسائر، واستمرار التعبئة والأعباء الاقتصادية، التي يشكلها لبنان على إسرائيل، من شأنهما أن يزيدا من الضغط السياسي داخل إسرائيل، لكي تنسحب من لبنان دون ارتباط ذلك بانسحاب سورية.

          ومارست الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطها، ونشطت المملكة العربية السعودية، وبعض الدول العربية، للحصول على موافقة سورية على الانسحاب. وزار وزير الخارجية الأمريكي، شولتز، المنطقة عدة مرات، وبصفة خاصة سورية، التي كانت مصممة على إلغاء الاتفاق اللبناني ـ الإسرائيلي. وفي الوقت عينه، تعالت الصيحات في إسرائيل، ضد تشغيل قواتها في حراسة المنطقة بين القوى اللبنانية المتنازعة، والتي تؤدي إلى إحداث خسائر في القوات الإسرائيلية. وتحت هذا الضغط، أعادت إسرائيل انتشار قواتها على طول نهر الأولي. ووجدت نفسها تحت ضغط دولي، أمريكي ولبناني وأوروبي، من أجل تنفيذ الانسحاب من لبنان.

          وعلى أي حال، فقد دفعت الخسائر التي حلت بالقوات الإسرائيلية، التي تسللت، ثانية، إلى داخل منطقة بيروت ومناطق أخرى بلبنان، إضافة إلى العبء الاقتصادي، الحكومة الإسرائيلية إلى أن تقرر منفردة، إعادة تنظيم أوضاع القوات، بما يقلل الأعباء التي تتحملها هذه القوات، وتضمن لها التأمين المناسب . وبدا واضحاً أن أمل تحقيق الموافقة السورية على الانسحاب معدوم. ووجدت إسرائيل نفسها، في منتصف عام 1983، تواجه موقفاً يصعُب حله، فالمسيحيون مشتبكون في قتال مميت مع الدروز. ومختلف العناصر المسلحة، انقسموا في معركة مهلكة في شمالي لبنان. والسوريون يقاتلون قوات الميليشيات في المناطق المسيحية. ومنظمة التحرير الفلسطينية ممزقة نتيجة ثورة داخلية. والمفارز الليبية والإيرانية، تزيد من حجم الاضطراب داخل وادي البقاع.

          ووسط هذا الصراع، جاء تفجير مركز القيادة الأمريكي في بيروت، في 23 أكتوبر 1983، حيث سُحبت جثث مشاة البحرية الأمريكية، وجثث موظفي سفارة الولايات المتحدة في بيروت، من تحت أنقاض المبنى، الذي دمره الانفجار، الذي قتل 16 موظفاً وعسكرياً أمريكياً. كانت النتائج رهيبة، بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إذ قُتل اثنان من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بالشرق الأوسط، كما قُتل أيضاً مدير أجهزة الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. وبدأت الأصوات تعلو داخل واشنطن، مطالبة بإجلاء الألف والخمسمائة جندي المرابطين في لبنان.

          وقد تأكد للولايات المتحدة الأمريكية، أنه من المستحيل حل النزاع العربي ـ الإسرائيلي من طريق استبعاد سورية عن هذه العملية. ولقد أعلن الأسد، بكل وضوح، أمام جورج شولتز، ما أثبتته التجربة من أن الحلول الجزئية، لا يمكنها أن تخفف حدّة النزاع أبداً في المنطقة، وأن الحل الوحيد المقبول، هو، إذاً، اتفاق، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة .

          إن الطريق المسدود، الذي وجدت إسرائيل نفسها فيه في لبنان، أدى إلى انسحابها، من جانب واحد، إلى خط جبهة جديد. وهذا ما كان يتناقض مع الموقف الإسرائيلي السابق، أنها لن تنسحب من الأراضي المحتلة في لبنان، ما لم يبدأ السوريون انسحابهم منه.

          وخلال صيف 1983، كانت الولايات المتحدة الأمريكية موجودة في لبنان، في حين بدأت إسرائيل بتنفيذ الانسحاب من الأراضي اللبنانية. وخلال تلك الفترة، أصبح مشاة البحرية الأمريكية هدفاً لعمليات دامية، شنتها بعض الطوائف اللبنانية. وانسحب الجيش الإسرائيلي من الشوف، الذي كان مسرحاً لصراعات دامية بين المسيحيين والدروز. وواجهت الحكومة الأمريكية صعوبات في العثور على مفاوض في القدس. وشيئاً فشيئاً، أخذ مناحم بيجن يغيب سياسياً، حتى إن أكثر مستشاريه ولاء، لم يستطيعوا إخفاء انزوائه. وكان أول إشارة إلى الغياب السياسي لبيجن، هو قراره بإلغاء زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وتفسير ذلك بسيط؛ فمع فشل بيجن في لبنان، أصبح ذا مزاج قاتم. لقد أدرك أن التحالف مع مسيحيي لبنان، كان مجرد وهم، ولم تتحقق تصفية منظمة التحرير الفلسطينية، ولم تستبعد أخطار إنشاء دولة فلسطينية. وإضافة إلى ذلك، حدثت انقسامات ونزاعات داخلية في المجتمع الإسرائيلي بسبب العديد من ضحايا الحرب في لبنان. كل هذه المعطيات، أدت بهذا الرجل إلى مواجهة الواقع، والقول بكل ما بقي له من قوة: "لن أذهب أبعد من ذلك". وقدم مناحم بيجن استقالته إلى رئيس دولة إسرائيل، حاييم هرتسوج، في 16 سبتمبر 1983، وانتهى عهد من الصراع داخل لبنان … مملوء بالدماء والحروب.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة