الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
الموقع الجغرافي للسودان
تضاريس السودان
التقسيم الإداري للسودان
التوزيع القبلي للسودان
قناة جونجلي
أماكن معسكرات الفصائل

الفصل الرابع
تطور الصراع، وانعكاساته على الموقفين، الإقليمي والدولي
خلال الفترة (1997 ـ 2001)

المبحث الثاني عشر
الصراع خلال عام 1997

أولاً: الصراع المسلح

1. في جنوب السودان

          أعلن مصدر عسكري في منطقة الاستوائية (جنوب السودان) أن القوات المسلحة السودانية تمكنت في اليوم الأول من أغسطس 1997، من تدمير معسكر للجيش الشعبي لتحرير السودان شمال غربي محافظة (بحركاكا) شمال جوبا وأن قوات المعارضة فرت مخلفة 400 قتيل إضافة إلى الجرحى.

          وقال المصدر: إن القوات المسلحة استولت على دبابتين من طراز تي 55 ودمرت أخريين، كما استولت مدفع هاون رباعي وأسلحة وذخائر مختلفة.

          وقالت وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا): إن القوات المسلحة وقوات الدفاع الشعبي وكوماندوز من قبيلة المنداري شنت هجوما على هذا المعسكر الأسبوع الماضي واستشهد من جانب القوات المسلحة ضابطان برتبة ملازم و20 مجاهداً.

          وفي 29 أغسطس 1997، أكد الجيش الشعبي لتحرير السودان أن قوات المعارضة نجحت هذا الأسبوع من الاستيلاء على ثلاث قرى في جنوب غرب جبال النوبة، هي كراكايا واندرولو والوجيشيتي وهي قرى قريبة من كادروقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان. وقال الناطق الرسمي باسم الحركة: "بهذا الهجوم تكون قوات الجيش الشعبي قد استعادت المبادرة في كردفان الجنوبية بعد ثلاث سنوات من الوضع الدفاعي.

          وفي 8 نوفمبر 1997، أعلنت القوات المسلحة السودانية أنها تمكنت من دحر محاولة هجوم للمتمردين على مدينة (توريت) الواقعة شرقي الاستوائي، وأنها استولت على دبابتين لم تحدد نوعهما، وألحقت بالمتمردين خسائر فادحة في الأرواح والعتاد وأجبرتهم على الفرار. واتهم بيان أصدرته القوات المسلحة إحدى دول الجوار بالتورط في هذا الهجوم حيث إن ثلاثة من أطقم إحدى الدبابتين ينتمون إلى الدولة المعنية وقال البيان إن الثلاثة قتلوا في المعركة إلى جانب أعداد كبيرة من المتمردين.

          وكانت هذه المنطقة قد شهدت عملية مماثلة في يوليه الماضي من قبل القوات المسلحة، وصفها قادة القوات المسلحة بأنها كانت عملية استطلاع بالقوة، ولم تكن محاولة للتوجه إلى مدينة (ياي) كما أعلن المتمردون.

2. في الحدود الإريترية

          في 19 أكتوبر 1997، أعلنت المعارضة السودانية أنها استولت اليوم على حامية مديسيسة الإستراتيجية الواقعة على بعد 45 كيلومترا جنوب بمدينة كسلا في شرق السودان وأكد بيان من قوات التحالف السودانية أن المعارضة تمكنت من الاستيلاء على الحامية بعد محاولة هجوم فاشلة شنتها القوات الحكومية ليلة السبت 18 أكتوبر 1997، على مواقعها. وأضاف البيان :إن قوات التجمع الوطني شنت هجوما مضادا أسفر عن انسحاب القوة المتمركزة في الحامية باتجاه مدينة كسلا دون قتال".

          وفي يوم 11 ديسمبر 1997، أصدرت القوات المسلحة السودانية بيانا قالت فيه: "إن قوة من المعارضة الشمالية تقدر بحوالي عشرين فردا تسللت في الثالثة من صباح الاثنين الموافق 8 ديسمبر 1997، للطريق القومي للخرطوم ـ بورسودان بين منطقتي الحاجز والملوية في ولاية كسلا، واستولت على ست شاحنات، واتجهت نحو الحدود الإريترية وفور وصول المعلومة تحركت القوات المسلحة المرابطة بالمنطقة وتمكنت من دحر المعتدين بعد معركة ضارية استمرت ساعة، واستعادت أربع شاحنات منها وتمكن المهاجمون من الهرب عبر شاحنتين كانا يقودهما إريتريان، وعرض التليفزيون السوداني مشاهد من الاحتفالات التي نظمتها الولاية احتفالا باستقبال أفراد القوات المسلحة الذين شاركوا في العملية.

          وعرض خمسة أشخاص بينهم ثلاثة بملابس عسكرية واثنان بملابس مدينة وهم مكتوفو الأيدي على متن شاحنات سارت بهم في شوارع المدينة في حراسة مشددة. وكان والي كسلا، وعدد من وزراء حكومته، وجمع من المواطنين، في استقبال القوة العسكرية عند مدخل المدينة الشرقي. وقال الوالي - وهو يخاطب المواطنين الذي تجمعوا لاستقبال القوة: إن الخونة والمارقين الذي تم أسرهم سيحاكمون وتنزل عليهم عقوبة صارمة تتوازى مع الجرم الذي اقترفوه والإيذاء الذي أوقعوه بالمواطنين الأبرياء العُزّل". وندد الوالي بعمليات ترويع الآمنين التي تقودها فلول العمالة والارتزاق.

          وتفادت القوات المسلحة في بيانها، والوالي في حديثه، الإشارة إلى إريتريا أو الجهة التي تسلل منها المهاجمون، بعد ما كانت البيانات الحكومية في السابق تتهم إريتريا صراحة في مثل هذه الحالات.

ثانياً: الموقفان الإقليمي والدولي

1. الموقف الإقليمي

أ. مصر

          في 5 أغسطس 1997 استقبل الرئيس المصري محمد حسني مبارك الصادق المهدي زعيم حزب الأمة المعارض ومحمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديموقراطي في حضرة اثنين من كبار أعوانه الوزير عمرو موسى والسيد عمر سليمان.

          ووصف المهدي الاجتماع بأنه كان الأول من نوعه من حيث الشكل والمضمون. وقال: لقد سبق هذا الاجتماع إعداد واسع شارك فيه كل قادة التجمع الوطني الديموقراطي. واستعرض الاجتماع الظروف المأساوية التي نكبت السودان، والمجهودات القائمة لتحقيق أهداف الشعب السوداني، وهي: السلام والديموقراطية والاستقرار الإقليمي واستطرد المهدي: أن الاجتماع بحث معاناة الشعب السوداني والمطلوب لاحتوائها من إغاثة إنسانية وتسهيلات قنصلية، وإغاثة تعليمية للأخذ بيد الشباب الذي يعاني التشريد والحرمان من التعليم بسبب تعطيل التعليم العالي إلى أجل غير مسمى.

          وفي إطار سعي المعارضة السودانية من أجل مشاركة مصر في أي جهد إلى حل المشكلة السودانية، استقبل عمرو موسى وزير الخارجية المصري يوم 13/8/1997 في مكتبه بالقاهرة السيد محمد عثمان الميرغني رئيس تحالف التجمع الوطني الديموقراطية السوداني المعارض في الخارج.

          في 9 سبتمبر 1997، استقبل الأمين العام للحزب الوطني الحاكم في مصر ونائب رئيس الوزراء المصري وزير الزراعة الدكتور يوسف والي، السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة السوداني المعارض. وتناول اللقاء الأوضاع في المنطقة العربية والأفريقية وتطورات القضية السودانية.

          وقال مدير مكتب حزب الأمة بمنطقة الشرق الأوسط، صلاح جلال، الذي حضر اللقاء: إن الطرفين اتفقا على ضرورة مواصلة الحوار، والتنسيق المشترك لمصلحة الشعبين الشقيقين، في كل من مصر والسودان. وقال جلال: إن الاجتماع كان جيداً، تطابقت فيه وجهات النظر وتم خلاله الاتفاق الكامل على الرؤية المستقبلية بما يصون مصلحة الشعب السوداني ووحدة الأرضي السودانية، وتوفير حياة كريمة لشعبه ودعم كل وسائل الاستقرار.

          وفي محاولة لتحسين العلاقات السودانية ـ المصرية التقى الرئيس المصري حسن مبارك الفريق يوم 29 أكتوبر 1997، الزبير محمد صالح النائب الأول للرئيس السوداني عمر البشير بحضور الدكتور أسامة الباز مستشار الرئيس مبارك للشؤون السياسية، ووصف الباز اللقاء بأنه بادرة لتعزيز العلاقات بين البلدين. وقال: إننا ننظر للعلاقات المصرية ـ السودانية، وعلاقتنا بالشعب بالسوداني نظرة خاصة؛ لأنها علاقة بالغة الخصوصية. وأضاف الباز: نأمل ان تسفر الفترة المقبلة عن تقدم ملموس ومحسوس في هذا المجال. وأشار الباز إلى أنه ليست هناك مشكلات في عقد لقاء بين قيادتي البلدين.

          ومن جانبه أكد د. مصطفى عثمان إسماعيل، وزير الدولة السوداني، أن بلاده تعمل على تحسين العلاقات مع مصر ووصف الوزير العلاقات المصرية السودانية بأنه (أزلية) وإذا اعترضها بعض المشكلات فلابد من الحوار؛ لأنه الأصل في هذه العلاقات المميزة. وأن زيارة الزبير للقاهرة تأتي في هذا الإطار. وأوضح المسؤول السوداني أن النائب الأول للبشير طرح كافة القضايا الموجودة الآن على الساحة السودانية، كما استمعنا إلى توجيهات الرئيس مبارك وإشاراته وتوصياته، ووجدناه متفهما لقضايا السودان. وأضاف: إننا سننقل ما سمعنها من الرئيس مبارك للقيادة السودانية في الخرطوم. وعبّر عن أمله في أن تعالج هذه القضايا وأن تعود العلاقات بين البلدين إلى وضعها الطبيعي.

          وبعد تأجيل، لأكثر من ثلاث مرات، التقى الرئيس حسني مبارك يوم 30 نوفمبر 1997، العقيد جون قرنق، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان، الذي وصل إلى القاهرة في أول زيارة له منذ توليه زعامة هذا التنظيم في عام 1983م. وهي الأولى منذ أن تسلم الفريق البشير السلطة في يونيه 1989.

          ولم يصدر رد فعل رسمي من الخرطوم، لكن مصادر دبلوماسية سودانية رسمية في القاهرة قالت: إن زيارة قرنق في هذا القوت الذي يشهد تحسنا في العلاقات بين الخرطوم والقاهرة، لن تعرقل تحسن العلاقات، وإن العكس هو الذي سيحدث؛ لأن زيارته تخدم اتجاه تحسين العلاقات، مشيرة إلى أن لمصر رؤية ودورا في عملية السلام في السودان. وهذه اللقاءات تمكنها من بذل جهد لتحقيق السلام.

          وأوضح قرنق، عقب استقبال الرئيس المصري له، بأنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار حتى يتم إيجاد الحلول المناسبة حول أسس قيام سودان جديد. وأوضح قرنق أن هناك اقتراحا من قبل الحركة لانضمام مصر والكويت والسعودية وجنوب أفريقيا وماليزيا أصدقاء لدول الإيقاد للمساهمة في حل القضية السودانية، مشيراً إلى أن مساعي الرئيس نيلسون مانديلا كانت امتداد لمباحثات نيروبي وليست مبادرة جديدة.

          ويرى المراقبون أن زيارة قرنق للقاهرة في ظل كل هذه الظروف والمعطيات قد تفتح الطريق لحوارات ثلاثية، بين أطراف ثلاثة ورابعها الحركة نفسها؛ فهناك مصر صاحبة الدعوة وأساسها والتي لديها الكثير الذي تود فهمه وقوله لجون لقرنق، وهناك في الخرطوم من ينتظر نتائج زيارة قرنق للقاهرة أملا في أن تحقق شيئا عن طريق الحوار وصولا إلى السلام. واستكمالا لمشواره الذي بدا مع أعوان قرنق السابقين الدكتور رياك مشار وكاربينو، والآخرين. وهناك المعارضة الشمالية ممثلة في قادتها الذين يودون، بلا شك، معرفة تفاصيل أكثر عن محادثات نيروبي بين حركة قرنق ونظام الإنقاذ خاصة الجوانب المتعلقة بطروحات قرنق المتعلقة بأمرين مهمين، هما:

 

1-

الكونفيدرالية التي طرحها وفد الحركة في محادثات نيوربي الأخيرة دون تكون مطروحة أصلا داخل التجمع الوطني المعارض، الذي أعلن أن جون قرنق ذهب لمفاوضات نيروبي باسمه، ووفقا لمقررات ميثاق أسمرا ومبادئه.

 

2-

موضوع الخريطة الموسعة، التي طرحها قرنق لجنوب السودان المراد فصله عن الشمال ولو تحت مسمى الكونفدرالية التي ضمت الجنوب السوداني مناطق - فضلا عن تبعيتها التاريخية الجغرافي لشمال السودان، فإن معظمها يعد ضمن مراكز نفوذ الحزبين الرئيسيين ـ الأمة والاتحادي ـ وهو أمر يجعل من حركة قرنق وكأنها تتحالف مع الحزبين داخل التجمع، ولكنها تخطط للاستيلاء على مناطق نفوذها والتحدث باسم هذه المناطق وتتبنى قضاياها التنموية تحت مسمى المناطق المهمشة، ذلك التهميش والتخلف الاقتصادي الذي لا مسؤولية لحكم الإنقاذ فيه بل المتهم الحقيقي فيه هو الحرب في الجنوب، والأحزاب، والأنظمة العسكرية من عهد عبود إلى عهد النميري وصولا إلى عهد الإنقاذ الحالي.

          وتعد زيارة قرنق للقاهرة كبيرة الأهمية وعلى نتائجها ونجاحها أو إخفاقها ستحدد أمور عدة، في مقدمتها مستقبل السودان كله، وعلاقة قرنق بالقاهرة، وعلاقاته بشركائه في التجمع وعلاقات الحزبين الكبيرين بحكومة الإنقاذ، التي ترى في أي خلاف بين قرنق والتجمع فرصة لاستقطاب أحد الطرفين ـ التجمع بحزبيه الكبيرين ـ وعزله عن قرنق أو قرنق ذات وعزله عن التجمع وإلحاق بمشروع السلام.

          وفي 19 ديسمبر 1997، اختتم المؤتمر الأول لأسرة وادي النيل حول العلاقات المصرية ـ السودانية جلساته، وأصدر بيانه الختامي في القاهرة عقب الجلسة الختامية، التي حضرها وزير التعاليم العالي والبحث العلمي مفيد شهاب ووزيرة شؤون البيئة الدكتورة نادية مكرم عبيد. وفي البيان طالب المؤتمر بضرورة أن تحتل العلاقات المصرية، السودانية المكانة الأولى في اهتمامات السياسات الخارجية للبلدين وكافة المجالات.

          وأكد المؤتمر في بيانه الختامي: بأن العلاقات بين البلدين ينبغي ان تلتزم التزاما تاماً مبادئ ثابتة تحقق الانضباط لتلك العلاقات وتشيع الثقة.

          كما طالب البيان أن يعتمد أسلوب الحوار الموضوعي القائم على الاحترام والندية قوبل التباين في المواقف بما يكفل للعلاقات الاستقرار والاستمرار لتحقيق المصالح المشركة .

          وأوصى المؤتمر باستئناف التعاون التعليمي الجامعي، من خلال جامعة القاهرة فرع الخرطوم، وفقا لصيغة جديدة تراعي تغير الظروف، وتبنى على تقويم موضوعي أمين للتجربة السابقة للفرع. وأن يشارك في التعليم أكاديميون سودانيون ومصريون.

          ودعا البيان إلى العمل على إنشاء جامعة باسم وادي النيل، وتأسيس مركز بحوث العلاقات السودانية ـ المصرية في كل من البلدين. والعمل على إنشاء بنك وادي النيل لتمويل المشروعات التنموية الإنتاجية والخدمية والتجارية على أن يؤدي فيه القطاع الخاص الدور الرئيسي.

          وكذلك، إنشاء اتحاد العلاقات مع دول البحر الأحمر ودول حوض النيل، بما يحقق الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقتين. ونادى بأنه كلما تأخرت اتسعت الفجوة واصبح من العسير تطهير المجرى.

          وقد قرر المؤتمر رفع توصياته إلى القيادات السياسية في كل من مصر والسودان في وقت لاحق بعد إعداد التوصيات بالتفصيل مدعمة بدارسات لدوى المشروعات المطروحة لدعم علاقات البلدين.

          والجدير بالذكر أن أسرة وادي النيل مؤسسة شعبية مشتركة بين البلدين وتضم الأسرة قيادات عديدة من البلدين. فمن مصر: الدكتور مفيد شهاب وزير التعليم العالي والبحث العالمي؛ والدكتور صوفي أبوطالب، رئيس مجلس الشعب السابق؛ والدكتور صبحي عبد الحكيم، رئيس الأسرة ورئس مجلس الشورى السابق. ومن السودان: الصادق المهدي.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة