الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
الموقع الجغرافي للسودان
تضاريس السودان
التقسيم الإداري للسودان
التوزيع القبلي للسودان
قناة جونجلي
أماكن معسكرات الفصائل

المبحث الثاني: جنوب السودان في فترة ما بعد الاستقلال

          قبيل إجراء الانتخابات النيابية الأولى في السودان، ظهر تكتلان سياسيان رئيسيان في الشمال، هما: حزب الأمة من الأنصار المهديين؛ والحزب الاتحادي الوطني، المدعوم من السيد علي محمد عثمان الميرغني وطائفته الختمية. وكان الحزب الاتحادي الوطني قد فاز في الانتخابات، التي جرت قبل الاستقلال في عام 1954، فأصبح زعيمه السياسي السيد إسماعيل الأزهري رئيساً للوزراء.

          بدأت المشاكل فور إعلان الأستقلال، وكان السبب الأساسي لهذه المشاكل أن الأحزاب، التي عملت سواء من أجل الاستقلال أو معارضة له، وجدت نفسها عقب نيل الاستقلال من دون هدف محدد، وأنها تتصارع في محاولة لتلبيه احتياجات البلد الحديث العهد باستقلاله.

          باستقلال السودان تحول قانون الحكم الذاتي، خلال الأيام الأثني عشر الأخيرة من شهر ديسمبر 1955، إلى دستور انتقالي مؤقت. ثم بدأ العمل في إعداد دستور نهائي، أحيطت محادثاته بجدل مستمر حول مطالبة الجنوب بارتباط فيدرالي، بينه وبين الشمال، بدلاً من الوحدة. كذلك بدأ الخلاف حول طبيعة النظام السياسي السوداني، وهل سيصبح جمهورية برلمانية أم رئاسية؟

          شُكلت حكومة جبهة وطنيه متحدة، من أجل وضع ميثاق وطني يصبح  إطاراً لمستقبل البلاد. برئاسة "إسماعيل الأزهري". ونقلت الأحزاب، التي شاركت في الحكومة خلافاتها إلى داخل الحكومة، مما أعاق أداءها. وظهرت بوادر انشقاق داخل الحزب الاتحادي الوطني عندما أعلن الزعيمان "عبدالرحمن المهدي" و "علي عثمان الميرغني" في بيان مشترك، قيام تحالف بين الأنصار والختمية. وعلى أثر ذلك، أسست طائفة الختمية "حزب الشعب الديموقراطي" بقيادة الشيخ علي عبدالرحمن.

          في يوليه 1956 سقطت حكومة الأزهري الائتلافية، وتشكلت حكومة ائتلافية أخرى بالمشاركة بين حزب الأمة وحزب الشعب الديموقراطي، برئاسة الأمين العام لحزب الأمة "عبدالله خليل".

          وفي عام 1958 نشأ نزاع داخل حزب الأمة، صاحب الأكثرية النيابية. فقد كان "عبدالله خليل" رئيس الوزراء، يرى أن استقرار السودان يتم إذا تحالف حزب الأمة مع حزب الشعب الديموقراطي، في حين كان "الصديق المهدي" زعيم طائفة الأنصار، يرى أن التحالف الأكثر تجانساً هو بين حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي برئاسة "إسماعيل الأزهري". كانت هناك شكوك لدى رئيس الوزراء، بأن "إسماعيل الأزهري" يناور مع جهات أجنبية تعرض استقلال السودان للخطر . ورأى "عبدالله خليل"، رئيس الوزراء، أن الخروج من هذا المأزق يكون بتولي القوات المسلحة للسلطة.

الفترة من 1958 ـ 1964: "الحكم العسكري الأول"

          تسلم الجيش السلطة، بقيادة الفريق "إبراهيم عبود"، في 17 نوفمبر 1958. وشكّل الجيش قيادة ثورية عليا من 12 ضابطاً، بينهم قائد الانقلاب "الفريق عبود". وأعلن عن تشكيل حكومة من ثمانية عسكريين وخمسة مدنيين، برئاسته. وركزت الحكومة العسكرية على معالجة القضايا الاقتصادية، وتثبيت أقدام الحكم، وضرب الحركات الانقلابية التي صاحبته، وإسكات التحركات السياسية من قِبل السياسيين القدامى، وتحركات النقابات والطلبة. وبذا أغفلت الحكومة مشكلة الجنوب.

واتخذت الحكومة العسكرية، فور استلامها الحكم، القرارات الآتية:

  1. حل جميع الأحزاب السياسية، وإلغاء الدستور المؤقت، وحل البرلمان.
  2. فرض حالة الطوارئ والأحكام العرفية، ومنح المجلس الأعلى للقوات المسلحة سلطات دستورية.
  3. منع التجمعات والمواكب والتظاهرات.
  4. إغلاق جميع الصحف.
  5. الاهتمام بنشر الدين الإسلامي، وجعل يوم الجمعة عطلة رسمية.
  6. قصر الصلاة للمسيحيين في الكنائس.
  7. طرد المبشرين والقساوسة الأجانب من مديريات الجنوب، لتدخلهم في السياسة.
  8. مطاردة المتمردين في الجنوب.
  9. التزام الحكومة بجميع المعاهدات القائمة، وبقاء المسؤولين في مناصبهم، وأن تظل جميع القوانين سارية المفعول.

          أدت مطاردة المتمردين في الجنوب إلى هروب أعداد كبيرة منهم، خاصة بعض الشخصيات السياسية، إلى الدول المجاورة. مثل أفريقيا الوسطى، وزائير، وأوغندا وإثيوبيا، حيث شُكِّلت أحزاب مناوئة للحكومة العسكرية. وأُعيد تشكيل "الاتحاد الوطني للمناطق المغلقة في السودان الأفريقي" "SAADNU" تحت اسم "الاتحاد الوطني الأفريقي السوداني" "SANU" .

حركة أنيانيا

          أخذت حركة أنيانيا شكلها التنظيمي عام 1962، حيث ظهرت في مسرح الأحداث. وبظهور هذه الحركة تطورت المشكلة لتأخذ شكلاً جديداً. فقد تشكلت الأنيانيا من المقاتلين المسرّحين عقب تمرد عام 1955، وبدأت عملياتها في شكل حرب عصابات. ومع غياب أو انحسار العمل السياسي بين الجنوبيين، وجدت الأنيانيا الميدان خالياً لتنفيذ الدور المخطط لها. وقُدمت لها المساعدات العسكرية من الدول المحيطة بجنوب السودان. وعلى الرغم من ذلك لم تنجح الحركة في السيطرة على الجنوب، ولم تنجح الحكومة في القضاء عليها.

الفترة من 1964 ـ 1969: "الحكم الديموقراطي الثاني"

          حكم الرئيس "إبراهيم عبود" ست سنوات، وفي مطلع 1964، حدثت تحركات كبيرة في جامعة الخرطوم، وعلى المستوى الشعبي. وتعدّ حركة أكتوبر 1964 ثورة شعبية، أدت إلى سقوط الحكومة العسكرية وتعيين السيد "سر الختم الخليفة" رئيساً للوزراء، وهو من المهتمين بشؤون الجنوب ووثيق الصلة به. وقد عُين وزير الداخلية من أبناء الجنوب.

          في 10  ديسمبر 1964، وافق رئيس مجلس الوزراء على مذكرة، قُدمت إليه من حزب سانو الجنوبي. وكان من أهم بنودها:

  1. العفو العام عن جميع اللاجئين الجنوبيين في الدول المجاورة، منذ عام 1955.
  2. الاعتراف بحزب سانو.

          بدأت المحادثات بين الشمال والجنوب، وتم الاتفاق على عقد مؤتمر مائدة مستديرة في جوبا. وحُسمت الخلافات بين الجنوبيين قبل انعقاد المؤتمر، في 11 مارس 1965.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة