الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
الموقع الجغرافي للسودان
تضاريس السودان
التقسيم الإداري للسودان
التوزيع القبلي للسودان
قناة جونجلي
أماكن معسكرات الفصائل

ثانياً: الموقفان الدولي والإقليمي

1. الموقف الإقليمي

أ. منظمة الإيقاد

          عقدت منظمة الإيقاد قمتها السادسة في جيبوتي يومي 15 و16/3/1998 وفي بيانها الختامي، دعت القمة إلى وقف إطلاق النار بين طرفي النزاع في جنوب السودان من أجل العمل على تدعيم الثقة وتعزيز فرص النجاح والتقدم في جولة المفاوضات المتوقعة في أبريل المقبل بنيروبي.

          وفور صدور البيان الختامي رحبت الحكومة السودانية بدعوة الإيقاد لوقف إطلاق النار ووصفتها بأنها استجابة طيّبة ظلّ السودان يدعو لها. كما رحبت الحكومة بتحذير القمة من التدخلات الأجنبية التي تؤثر سلباً على المفاوضات وعلى الوساطة.

          وخلال المؤتمر أشار وفد الحكومة السودانية لمواقف بعض دول الوساطة حيال السودان، بدعمها للمعارضة وشن العدوان المباشر على أراضيه خلال العامين الماضيين. إلاّ أنها قالت: إن صدور البيان بهذه الكيفية، وبهذا الشكل يضع إطار جديداً لمصداقية هذه الدول خاصة أنها اشتركت في إصدار البيان والموافقة عليه.

          وفي هذه القمة انتقلت رئاسة الإيقاد من الرئيس الكيني دانيال أراب موي إلى الرئيس الجيبوتي حسن جوليد، إلاّ أن الحكومة السودانية ترى أن قضية الجنوب ستظل بيد كينيا كما صرح بذلك نائب الرئيس السوداني عقب القمة.

          ومواصلة لجهود المنظمة الرامية لإيجاد حل للمشكلة السودانية زار السودان وفد من الإيقاد، يقوده وزير شؤون الرئاسة الكيني ويضم ممثلين لإثيوبيا وإريتريا وأوغندا ومسؤول فض النزاعات في المنظمة.

          وقد التقى الوفد برئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية يوم 27/3/1998 والتقى بالرئيس السوداني عمر البشير يوم 28/3/1998 والتقى بنائب الأمين العام للمؤتمر الوطني (التنظيم السياسيّ).

          ودعا الوفد في لقاءاته إلى ضرورة إحلال السلام في القرن الأفريقي والإقليم عامة والسودان خاصة.

          وقد أوضح الرئيس السوداني للوفد؛ أن السودان ملتزم بكل ما تتوصل إليه دول (الإيقاد) لحل مشكلة الحرب في الجنوب. كما أنه أطلع الوفد على رأي الحكومة الرافض تماماً لطروحات قرنق، وأكد تمسك الحكومة بخريطة السودان لعام 1956 وأوضح الرئيس للوفد أن علاقة الدين بالدولة قد حسمتها اتفاقية الخرطوم للسلام، كما أن المرسوم الدستوري الرابع عشر قد كفل حرية التنظيم، وأن الانفراج السياسي الذي شهدته الساحة السياسية السودانية والتطورات السياسية والدستورية الأخيرة لن تبقي أية أجندة للصراع سوى السلطة التي سيحسمها قانون الأحزاب.

          كما أن رئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية، قدّم للوفد شرحاً وافياً حول تنفيذ اتفاقية الخرطوم للسلام.

          ويذكر أن الوفد زار دول الجوار سعياً للوصول إلى إجراءات فيما يختص بالتفاوض، كما حاول خلال جولته جمع الآراء لتحديد الزمان والمكان لجولة المفاوضات المقبلة، والبدائل المطروحة على أن يحدد الرئيس الكيني موعد اللقاء.

          وفي وقت لاحق حددت كينيا يوم 30/4/1998 موعداً لاستئناف المفاوضات بين حكومة السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان في نيروبي، ووافقت الحكومة، كما وافقت حركة قرنق على ذلك الموعد.

          وتقرر أن يحمل وفد الحكومة معه وثيقة الدستور لهذه المفاوضات، كما حمل معه في المفاوضات السابقة في العام الماضي اتفاقية الخرطوم للسلام التي وقعت مع فصائل جنوبية ارتضت السلام من الداخل. والمعروف أن الدستور يتضمن حق تقرير المصير.

          وفي يوم 4/5/1998 افتتحت في نيروبي جولة مفاوضات السلام الثامنة بين الحكومة السودانية وحركة قرنق تحت رعاية مجموعة دول الإيقاد. واستغرقت ثلاثة أيام.

          وافتتح الجلسة الافتتاحية وزير الخارجية الكيني وتطرق الوزير إلى موضوع المجاعة في جنوب السودان وقال: إنه بات إيجاد حل للحرب أمراً ملحاً.

          وبعد الافتتاح العلني القصير تحول المؤتمر إلى جلسات مغلقة خارج نيروبي بعيداً عن وسائل الإعلام.

          وفي المحادثات اتهمت الحركة الشعبية الحكومة السودانية بعدم الجدية في مفاوضات المرحلة الحالية، وبعد طرح أي مواقف جديدة يمكن أن تشكل أرضية مناسبة للتفاوض حول القضايا المطروحة.

          وكانت القضيتان الرئيستان محل الخلاف بين الجانبين في بداية المحادثات هما؛ حق تقرير المصير للجنوب، ومسألة فصل الدين والدولة. ولم يتحقق أي تقدم فيما يتعلق بمسألة الدين والدولة.

          وفي ختام المفاوضات اتفقت الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان على تأكيد مبدأ حق تقرير المصير لجنوب السودان، على أن يتقرر ذلك عبر استفتاء عام، تحت رعاية الأمم المتحدة.

          وأكد البيان الختامي للمفاوضات: أن المحادثات بين الجانبين ستتواصل بشأن كيفية إجراء الاستفتاء في جنوب السودان.

          وقد اختلف الجانبان بشأن المناطق التي يشملها إقليم جنوب السودان. حيث يريد الجيش الشعبي أن يمتد جنوب السودان ليشمل ولايات بحر الغزال والاستوائية وأعالي النيل، ومناطق في جنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق في حين أن الحكومة تريد الإبقاء على التقسيم عند الحدود التي رسمت عند استقلال البلاد في عام 1956.

          وفي ختام المحادثات أعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان رفضها لوقف إطلاق النار.

          واتفق الطرفان على استئناف المفاوضات في غضون ثلاثة أشهر في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

          وقد وصفت الحركة الشعبية لتحرير السودان جولة المفاوضات برعاية الإيقاد في نيروبي بأنها فاشلة بكل المقاييس، واتهمت الحركة الحكومة بأنها حاولت أن تصور الأمر وكأنها على أعتاب الحل أو في طريقها للوصول إلى سلام مع الحركة الشعبية.

          وضمن مساعي منظمة الإيقاد، بعث الرئيس الكيني مبعوثه الجنرال سيميويا إلى الخرطوم يوم 19/7/1998 الذي التقى بعض المسؤولين في الحكومة السودانية وتطرق في اجتماعاته إلى الموضوعات المتعلقة بمبادرة الإيقاد، وعلاقة الدين بالدولة، وحق تقرير المصير، ومسألة تحديد حدود الجنوب. وخلال اللقاءات أكد السودان وكينيا على أهمية انعقاد جولة المفاوضات المقبلة بين الحكومة وحركة التمرد في الأسبوع الأول من أغسطس 1998، وفقاً لما اتفق عليه مسبقاً. ويضغط السودان لنقل المفاوضات من أديس أبابا إلى أي مكان آخر باعتبار أن إثيوبيا إحدى دول الجوار المتهمة بإيواء عناصر من المعارضة السودانية.

          واقترح السودان أن تسعى الإيقاد لتمديد وقف إطلاق النار الحالي جميع مناطق الجنوب ولتمتد الإغاثة إلى مناطق أخرى بخلاف بحر الغزال.

          وشكا السودان من الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة على السودان، وهي من شركاء الإيقاد، وأن الحظر يشمل وقف استيراد قطع الغيار للقطارات السودانية التي تنقل الإغاثة، بما في ذلك تلك التي دفع السودان ثمنها مقدماً للشركات الأمريكية. ووصف هذا الحظر بأنه يعوق عمليات السلام والإغاثة الجارية الآن.

          ويرى المبعوث الكيني أن الربط بين وقف إطلاق النار وعمليات الإغاثة مسألة سيئة، وإذا كان من الممكن وقف إطلاق النار فليكن وقفاً شاملاً.

          واقترح المبعوث الكيني إنشاء لجنة فرعية في إطار (الإيقاد) للتعامل مع موضوع الإغاثة إلاّ أن السودان تحفظ على ذلك الاقتراح، وقال وزير الدولة في وزارة التخطيط: إن الحكومة لا تمانع إطلاقاً من إعادة التفاوض مع الحركة بطريقة مباشرة حول موضوع الإغاثة، لكنه أشار إلى أن الحركة هي التي أوقفت المفاوضات عام 1995 لذا فإن السودان يرى أن تتولى الأمم المتحدة التنسيق لمثل هذه الاجتماعات؛ لكي يتم ضمان نجاح أنسياب الإغاثة، وقبل التحدث عن أي لجنة فرعية مع حركة التمرد؛ على الإيقاد أن تبذل المزيد من الجهد لدى الأمم المتحدة والمانحين؛ لضمان توفر مواد الإغاثة.

          وتحدث المبعوث الكيني في ندوة نظمتها وزارة الخارجية قائلاً: إنه يود أن يرى أهل السودان وقد حولوا آراءهم التي سمعها ويسمعها، إلى خطوات عملية تحقق السلام. وأضاف: إن منظمة (الإيقاد) لن تقدم حلاً لمشكلة الجنوب؛ لأن الحل في أيدي السودانيين. وحذر من أن تعقيد مشكلات القارة الأفريقية، يعود لاستماع الأفارقة إلى آراء من خارج القارة الأفريقية.

          واختتم المبعوث الكيني زيارته للخرطوم يوم 21/7/1998 بلقاء الدكتور رياك مشار رئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية، الذي تقدم بمقترحات بغية نقلها للعقيد جون قرنق.

          وقال متحدث باسم مشار، في تصريحات صحافية: إنه يود أن تتقدم دول (الإيقاد) بمقترحات عملية ومحددة للطرفين، وأن تلتزم بحصر نفسها في حل مشكلة الجنوب، وعدم الالتفات للقضايا السودانية الأخرى، والحصول من قرنق على رأي مكتوب حول موقفه من حق تقرير المصير، وترتيبات المرحلة الانتقالية، ووقف إطلاق النار.

          وأوضح للمبعوث: أن الضمانات التي يبحث عنها قرنق، يمكن أن توفرها له دول الإيقاد، أو الأمم المتحدة. كما أن بقاء الشرطة والأمن في يد حكومات الولايات الجنوبية أحد الضمانات المهمة.

          وفي 4/8/1998 افتتحت في أديس أبابا مفاوضات السلام بين الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان الذي يتزعمه جون قرنق.

          وافتتح وزير الخارجية الكيني المباحثات التي يتوقع أن تستمر ثلاثة أيام وقد سبقها إعلان الحكومة في الخرطوم وقف إطلاق النار في الجنوب من جانب واحد، ووصفته المعارضة بأنه مناورة إعلامية. وتعقد هذه المباحثات في إطار منظمة الإيقاد.

          واتهم المتحدث الرسمي باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان حكومة الخرطوم، بأنها ما زالت تمارس أسلوب المراوغة والتكتيك في تعاملها مع القضايا الوطنية الملحة. وأضاف: "في الوقت الذي أعلنت فيه السلطات السودانية في الخرطوم وقف إطلاق النار ـ من جانب واحد ـ في جنوب السودان، بشكل مسرحي وبغرض الدعاية السياسية، والتعامل التكتيكي مع قضايا السلام، قصفت الطائرات الحكومية بشكل مكثف تجمعات السكان المدنيين في جبال النوبة وألقت القنابل الحارقة والعنقودية على قريتي (كاودة ولمون)، مما أدى إلى مقتل ثلاثة مواطنين وجرح عدد آخر".

          واختتمت المفاوضات يوم 6/8/1998. وكان وفد الحكومة فور عودته من المحادثات قد أعلن تحفظه على البيان الختامي الذي أصدرته دول الإيقاد راعية المفاوضات، لأنه ـ في رأيه ـ انحاز لوجهة نظر الحركة، وقد وصف وزير الخارجية السوداني، رئيس الوفد، بأن المفاوضات أصيبت بالفشل، لأن وفد الحركة جاء بفكرة الكونفدرالية من جديد، وهي الفكرة التي تم تجاوزها خلال المحادثات التي عقدت في نيروبي في مايو المنصرم.

          واتهمت الحركة الشعبية لتحرير السودان الحكومة بإفشال المفاوضات نتيجة لممارستها أسلوب المراوغة ومحاولة تجزئة القضية السودانية وتقسيم المعارضة.

          وأجرى نائب الأمين العام للتجمع الوطني المعارض والناطق الرسمي باسمه، اتصالاً مع رئيس وفد الحركة الشعبية لتحرير السودان في مفاوضات أديس أبابا، أكدّ فيه وقوف التجمع والجماهير السودانية مع الحركة في دفاعها عن السودان الواحد، برضاء أبنائه الذين أكّدوا أن الدين لله والوطن للجميع والثروة والسلطة تنقسم فيه بالعدل بين أبنائه كلهم.

          ومن جهة أخرى اتخذ مجلس تنسيق الولايات الجنوبية موقفاً مخالفاً لموقف الحكومة من نتائج المفاوضات مع حركة قرنق في أديس أبابا، وقال المجلس ـ في بيان له ـ إنّه راض عن نتائج الجولة، ويعدّها ناجحة، إذا ما قورنت بالجولات السابقة. ووصف اتفاق كل الأطراف على حق تقرير المصير لجنوب السودان، وعلى حدود الجنوب عند الاستقلال عام 1956 بأنها مؤشرات بارزة لنجاح الجولة. ووصف اعتراض الحكومة على إضافة (أبيي) للمناطق الجنوبية جزئية صغيرة من الخلاف يمكن تجاوزها في جولات التفاوض المقبلة.

          وطلب مجلس التنسيق ـ في بيانه ـ من الحكومة أن تعدّ نفسها لحوار طويل ومهم مع المتمردين خلال فترة الأشهر الستة المقبلة؛ حتى نتمكن من حسم قضايا المرحلة الانتقالية، وكيفية حكم الجنوب خلالها، لأن هذه القضايا أهم ما تبقى في التفاوض.

          وقال البيان: إن رئيس مجلس التنسيق يعدّ حديث الجانب الحكومي حول انهيار المحادثات خدمة كبيرة للجيش الشعبي، وورقة رابحة له، سيدخل بها اجتماعات المعارضة المقرر عقدها في القاهرة. وأضاف: إن أعضاء وفد الحركة سبقوا وفد الحكومة للإعلان عن إخفاق المحادثات رغم علمهم التام بحدوث تقدّم، لكنهم استهدفوا بإعلانهم تحقيق مكاسب في اجتماعات المعارضة بالقاهرة.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة