الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
الموقع الجغرافي للسودان
تضاريس السودان
التقسيم الإداري للسودان
التوزيع القبلي للسودان
قناة جونجلي
أماكن معسكرات الفصائل

ب. مصر

          شهدت العلاقات السودانية ـ المصرية تحسناً ملحوظاً بعد أن أحرزت اللجان المصرية السودانية التي تستهدف تطبيع العلاقات تقدماً كبيراً في جميع المجالات. فقد اجتمع وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية مع وزير الخارجية المصري في مقر الخارجية المصرية صباح يوم 12/1/1998.

          وتأتي زيارة الوزير السوداني في إطار متابعة زيارة النائب الأول لرئيس الجمهورية للقاهرة في نهاية العام الماضي. وكذلك العمل من أجل متابعة التوجيهات الصادرة من القيادة السودانية لمعالجة المشكلات والانطلاق بالعلاقات المصرية ـ السودانية إلى طبيعتها ولتحقيق مصالح البلدين والشعبين.

          وأوضح المسؤول السوداني أنه استعرض مع الوزير المصري التهديدات الأمنية التي يتعرض لها السودان في هذه الظروف وأهمية وضع القيادة المصرية في الصورة حول هذه التهديدات التي تستهدف وحدة السودان واستقراره وأمنه.

          وحول المفاوضات بين المعارضة والحكومة، وإمكانية قيام مصر بدور في هذا الإطار، شدد الوزير السوداني على الدور المهم الذي تؤديه مصر، مؤكداً أنها تؤثر وتتأثر، بما يجري في السودان باعتبار أن أمنها القومي يتأثر بالأمن السوداني.

          وقالت مصادر دبلوماسية مصرية: إن القاهرة تجري في أواخر يناير 1998 اتصالات مكثفة مع جميع الاتجاهات والأحزاب ورموز المعارضة السودانية، بالإضافة إلى حكومة الرئيس عمر البشير، في إطار الجهود التي يبذلها مع الفصائل السودانية للترتيب لحوار سياسيّ بينها.

          ولمّحت إلى وجود مبادرة مصرية يتم التداول بشأنها مع الفصائل السودانية، تستند إلى عدد من المحاور المهمة؛ شريطة موافقة جميع الأطراف عليها؛ وأهمها الموافقة على الحوار السياسي أسلوباً أمثل لتصفية الخلافات، واستبعاد كل أشكال العنف والعمليات العسكرية، وكذا إسقاط الاتهامات المتبادلة وتشكيك كل طرف بالآخر؛ لأجل إيجاد الأرضية المناسبة والمناخ الملائم لهذا الحوار.

          وكشفت المصادر عن بلورة مصر لعدد من النقاط والمقترحات في أعقاب مداولات ومشاورات مع رموز المعارضة، خاصة الصادق المهدي، والميرغني، وقرنق، وقد تم إبلاغها إلى الحكومة السودانية عبر المباحثات التي أجراها وزير الدولة للشؤون الخارجية السوداني مع وزير الخارجية المصري.

          وأكدت المصادر أن نجاح جهود بدء حوار بين السودانيين بات وشيكاً، وأنه بانتظار موقف الحكومة السودانية؛ خاصة بعد مباركة جميع الأطراف ـ وعلى رأسهم الخرطوم ـ للوساطة والدور المصري للتوصل إلى تسوية سياسية تنجح في حقن الدماء وإنهاء الحروب الأهلية التي تهدد وحدة السودان.

          وأكدت المصادر الدبلوماسية حرص القاهرة على التوصل إلى وفاق وطني سوداني، يحقق مصالح جميع الأطراف، ولمحت إلى أن التسوية تأخذ في الاعتبار العمل على التوصل إلى حقيقة ترضي الجميع، وتحقق قاسماً مشتركاً لسودان المستقبل، والحياة السياسية فيه، وشكل الحكومة القائمة واحترام حقوق جميع الأطراف وخاصة الحريات العامة.

          وفي خطوة تؤكد تحسن العلاقات بين السودان ومصر؛ أكد وزيرا خارجية مصر والسودان أن العلاقات بين البلدين تسير بخطى منتظمة وصحيحة؛ لأجل عودتها إلى مجاريها الطبيعية. جاء ذلك عقب جلسة مباحثات استمرت نحو ساعتين بين الوزيرين يوم 23/3/1998 في القاهرة.

          وفي الاجتماع أكد الجانبان؛ أن التوجه الثنائي بين البلدين يهدف إلى إعادة العلاقات المشتركة إلى مكانتها الطبيعية، والحفاظ على قوة الدفع التي اكتسبتها خلال الفترة الأخيرة، وإعادتها إلى مسارها الصحيح.

          وفي الاجتماع نوقشت جميع الملفات، كما تمت مراجعة ما أُنجز من خطّوات، وعكست المباحثات اتفاقاً في وجهات النظر حيال جميع القضايا التي نوقشت.

          وخلال المباحثات: أكد الوزير السوداني ترحيب بلاده وتقديرها للدور والتحرك المصريين، لتسوية الخلافات عبر المبادرة المصرية، واصفاً مصر بأنها أكثر دولة يمكن أن تؤدي دوراً مؤثراً للحفاظ على وحدة السودان واستقراره السياسي؛ نظراً لقربها، وجوارها للسودان، ومعرفتها بمشكلاته، وارتباطها معه بعلاقات أزلية وشعبية وجغرافية.

          وأكد الجانب المصري: أن وحدة السودان قضية مهمة لأفريقيا والعالم العربي. مشدداً على موقف مصر الثابت تجاه الوقوف خلف السودان الموحد لكل مواطنيه.

          وقد دخلت العلاقات المصرية ـ السودانية، من جديد، مرحلة حرجة في أوائل مايو 1998 بعد فشل جولة المحادثات المطولة بين البلدين التي تواصلت قرابة الأسبوعين في الخرطوم، دون أن تحرز نتائج عملية ملموسة، بعد أن غرقت ـ أو أغرقت ـ في دوامة من التعقيدات التي قال الجانب المصري، وفقاً لبيان الخارجية وتقارير الصحف المصرية: إن الجانب السوداني مسؤول عنها.

          وكان فتور العلاقات، أو جمودها قد بدأ عشية الإعلان عن القرار السياسيّ القاضي بإعادة الممتلكات المصرية، وعلى رأسها جامعة القاهرة فرع الخرطوم، وبعد وصول الوفد المصري للخرطوم كانت الحكومة السودانية في جانبها المعتدل ـ تدير حوارين في آن واحد أحدهما مع الوفد المصري، والآخر مع متشدديها الذين عارضوا قرار إعادة الممتلكات.

          ومع أن الوفد المصري أبدى ـ عند بداية المفاوضات ـ قدراً كبيراً من التفاؤل، إلا أنه لاحظ بعد الجلسات الإجرائية والاحتفائية الأولى، أن هناك شبه لغتين مختلفتين بين يوم وآخر، وانتهى الأمر برمته ليعود الوفد المصري وهو يحمل قدراً كبيراً من خيبة الأمل، رغم كل جهود المعتدلين في الحكومة السودانية أو الدبلوماسية السودانية، وعلى رأسها وزير الخارجية وسفير السودان في القاهرة.

          لقد كانت الحجج المعلنة ـ التي ساقها المتشددون لوقف الاندفاع في العلاقات المصرية ـ السودانية على النحو التالي:

 

1.

إذا أعاد السودان لمصر ممتلكاتها المصادرة من جامعة ومدارس ومنازل، ماذا ستقدم مصر للسودان؟       

 

2.

كيف ستجيب الحكومة السودانية على السؤال القائل: لماذا صودرت هذه الممتلكات؟ التي وصفت القرارات بأنها عند إصدارها بأنها يوم الاستقلال الحقيقي والسيادة الوطنية الكاملة.

 

3.

ما هو مصير حلايب؟

 

4.

هل ستعمل الحكومة المصرية على إبعاد المعارضة السودانية الموجودة في القاهرة أو ـ على الأقل ـ تحجيمها؟

          إن المفاوضات بين الجانبين السوداني والمصري ـ التي أخفقت ـ وقفت إلى حد كبير أمام هذه التساؤلات التي أطلقها المتشددون في السودان.

          وعلى الرغم من نبرة اليأس في البيان المصري الذي صدر يوم 5/5/1998 أو المخاوف لدى الجانب المعتدل في الحكومة السودانية، قد تقود الأيام القادمة لإنجاح مفاوضات سودانية ـ سودانية في سلطة الإنقاذ ومن ثم تعود العلاقات المصرية ـ السودانية للتحسن من جديد.

          وفي يوم 7/5/1998 أصدرت الخارجية المصرية بياناً أعربت فيه عن القلق الشديد حيال تدهور الأوضاع في ولاية بحر الغزال بجنوب السودان، وما يتعرض له أبناء الشعب السوداني من معاناة في تلك المناطق التي تعاني التصحر والجفاف، والعمليات العسكرية التي تعوق وصول المساعدات والإمدادات الدولية إليها.

          وأكد البيان: أن مصر تهيب بكل الأطراف الإقليمية والدولية تقديم كل التسهيلات والمساعدة في وصول المساعدات اللازمة.

          وأكدت القاهرة استعدادها واعتزامها، تقديم كل المساعدات الممكنة لأبناء الشعب السوداني الواحد جنوباً وشمالاً.

          وأشار البيان إلى: أن مصر تود التأكيد على أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية للبحث عن حلّ سياسيّ شامل وتسوية عادلة للأوضاع في السودان، بما يشكل لشعبه، الحق في حياة كريمة.

          ودعت القاهرة مختلف الأطراف السودانية بمختلف توجهاتها إلى الترفع عن أي خيارات ضيقة، والعمل المشترك لأجل استعادة الوطن السوداني الواحد لعافيته، ومكانته الإقليمية والدولية، وبما يعّوض أبناء السودان عن معاناة وتضحيات سنوات طويلة.

          وفي الوقت الذي دعا فيه الرئيس البشير إلى تعزيز العلاقات الثنائية مع مصر، واستمرار سياسات حسن الجوار، شنّت صحيفتان سودانيتان يوم 19/5/1998 في الخرطوم هجوماً على مصر؛ بسبب الإجراءات التي اتخذتها أخيراً، وأدت إلى إعادة عدد من المواطنين السودانيين من مطار القاهرة خلال الأسبوع الماضي. واتهمت أوساط بالخرطوم القاهرة بالرضوخ لضغوط أمريكية وإسرائيلية لنسف العلاقات بين السودان ومصر.

          ورفضت صحيفة الأنباء من جانبها ـ أن يقسم الشعب السوداني إلى ثلاث فئات هي (أ) و (ب) و (ج) فهذا ما لا يراه الشعب السوداني لنفسه، مع كامل الاحترام للسيادة المصرية على أراضيها.

          وقالت الصحيفة: ولاحترامنا لأنفسنا واحترامنا لمصر ـ ذلك الاحترام الذي نرجو ألا تزحزحه المعاملة القاسية التي ينالها السودانيون من الفئتين (ب) و(ج) أمام أصحاب الحظوة من الفئة (أ) من انتظار يطول لأكثر من 12 ساعة، قد يتمخض عنها دخولهم إلى مصر، أو رجوعهم بالطائرة المغادرة إلى السودان.

          وفي إطار المشاورات بين الحكومة المصرية وقيادات المعارضة السودانية، التقى وزير الخارجية المصري يوم 8/7/1998 في مكتبه الصادق المهدي رئيس حزب الأمة، وتبادل الطرفان وجهات النظر حول القضايا التي تهم البلدين، والقضايا الإقليمية ذات الصلة والاهتمام المشترك، وأبدى الطرفان اهتماماً كبيراً بالنزاع الإثيوبي الإريتري، وتمنيا للمبادرة الأفريقية احتواء الموقف سلمياً.

          كما استعرضا المخاطر التي تحيط بالسودان ووحدته وسلامة أراضيه. واتفقا على مواصلة اللقاءات وتبادل وجهات النظر لما فيه مصلحة الشعبين.

          وفي أعقاب التفجيرات التي تعرضت لها الخرطوم يومي 29 و30 يونيه 1998، والتي استهدفت بعض المنشآت الكهربائية، والمرافق الإستراتيجية، والخدمية، طالب أحد أعضاء المجلس الوطني السوداني (البرلمان) الحكومة المصرية تسليم الإرهابي فاروق أبو عيسى الأمين العام لاتحاد المحامين العرب، الذي يقيم في القاهرة. وقال النائب السوداني إنه سيطلب من وزير الداخلية السوداني استخدام المواد الخاصة بتبادل الإرهابيين، التي اتفق عليها وزراء الداخلية العرب مؤخراً، ومخاطبة القاهرة بشأن تسليم أبو عيسى للسلطات السودانية؛ لمحاكمته بصفته إرهابياً؛ وفقاً لاعترافاته العلنية في التفجيرات الأخيرة تخطيطاً وتدبيراً.

          وفي الوقت الذي تشهد فيه العلاقات المصرية فتوراً على المستوى الرسمي، استضافت القاهرة اجتماعات المعارضة السودانية يوم 11/8/1998 حيث عقدت بمقر الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم. وقد اشترك الجانب المصري بوفد يترأسه الدكتور يوسف والي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الزراعة والأمين العام للحزب.

          وقد شارك الوفد المصري في الجلسة الافتتاحية، ثم ترك هيئة قيادة التجمع تواصل مناقشة جدول اجتماعاتها. وقد حضر هذا الاجتماع جون قرنق، والصادق المهدي، ومحمد عثمان الميرغني.

          ويتساءل المراقبون والمحللون السياسيون عن مغزى تدشين مصر للاجتماعات بوفد يترأسه الأمين العام للحزب الحاكم وهناك عدة أسئلة تفرض نفسها منها:

 

أ.

هل يعني موقف القاهرة الجديد نقلة نوعية، سواء في موقفها من المعارضة، أي نحو مزيد من التقارب والتنسيق، أو في موقفها من حكومة الخرطوم، أي نحو التمهيد لتصعيد قادم؟

 

ب.

أم أن الموقف باختيار الطريق الأول ـ طريق التقارب والاقتراب من المعارضة ـ يعني إعانتها على تجاوز بعض خلافاتها. ثم الوقوف في منطقة وسطى في انتظار ما يحدث؟

 

ج.

أم أن الموقف من القاهرة يزيد تحديداً تأكيدات أكثر وضوحاً وجديّة في مسألة إجماع المعارضة على وحدة السودان، التي تعدّها القاهرة هدفاً استراتيجياً وبعدها يمكن للقاهرة أن تقف على الحياد ولو إلى حين؟

 

د.

أم أن القاهرة تريد بهذه النقلة النوعية، في رعاية اجتماعات بهذا الثقل، في توقيت حرج، الاستحواذ على ورقة ضغط تمارسها ضد الخرطوم، لتنتظر بعدها ردود الأفعال من النظام السوداني، وتقرر على ضوئها خطواتها المقبلة؟

 

هـ.

وعلى الصعيد الإقليمي والدولي؛ هل أرادت القاهرة بهذه النقلة النوعية بلاغاً ضمنياً إلى منظمة الإيقاد، وإلى شركائها الأوروبيين، ثم إلى واشنطن تؤكد من خلاله أنها طرف أصيل في المشكلة السودانية، وأنها رقم لا يمكن تخطيه؛ بدليل تلبية هيئة القيادة لدعواتها؛ وبدليل اقتراب النظر للمشكلة السودانية بينها وبينهم ـ أكثر من اقترابه مع سائر تلك الظروف؟

          جميع هذه الأسئلة تصب في السؤال الحيويّ الأول حول مغزى تدشين القاهرة لاجتماعات التجمع الوطني السوداني المعارض واستضافته في مقر الحزب الحاكم؟

          ووقوع هذا التدشين تحت مظلة من الرعاية الرسمية، وليست الحزبية فقط، في ضوء لقاء الرئيس المصري حسني مبارك هيئة القيادة عشية الاجتماعات.

          أما ردود أفعال نقلة القاهرة النوعية في علاقتها بالمعارضة فقد كانت متفاوتة ـ وذلك طبيعي ـ بين الارتياح البالغ في صفوف المعارضة السودانية، وبين الصمت والوجوم في صفوف الحكم في الخرطوم، الذي يبدو مجاملاً رغم تيقنه من مرارة هذه الخطوة، ومن آثارها على مسار عمليات التطبيع التي بدأت بحماس من الخرطوم في مارس 1998 إلى أن تدهورت في شهري يونيه ويوليه، وأوشكت أن تعود إلى نقطة البداية من جديد، دون الدخول في تفاصيل الأسئلة المتعلقة بأسباب تلك الانتكاسة.

          أما القوى النقابية والسياسية الموالية للحكومة، فقد هاجمت مصر لاستضافتها اجتماع المعارضة السودانية. فقد أصدر الاتحاد العام لنقابات العمال بياناً طالب فيه الحكومة باتخاذ موقف يحفظ للبلاد كرامتها وعزتها، وللوطن أمنه واستقراره.

          وأصدر أمين الدائرة السياسية للمؤتمر الوطني (التنظيم السياسي الحاكم) بياناً وصف فيه اجتماع القاهرة بأنه يسعى للنيل من أبناء هذه الأمة في الجنوب والشرق، وتخريباً لمكتسبات الأمة وترويعاً لأمن البلاد والعباد.

          وقال نائب دائرة حلايب في المجلس الوطني للصحف إن السلطات المصرية مارست ضغوطاً أمنية على المواطنين والمشايخ والعمد في مثلث حلايب المتنازع عليه بين البلدين، وهذه الضغوط في الوقت الراهن ستكون وسيلة لربط المشايخ بالمعارضة السودانية. وأضاف النائب: إن المخابرات المصرية تكثف نشاطها بصورة واسعة من خلال مظلة مكتب شؤون القبائل، وأن القوات المصرية شرعت مجددة في تنفيذ أهدافها الرامية لتمصير قبائل حلايب، وتغذيتها من النواحي السياسية، بالإضافة لمنعهم من ممارسة حقهم الطبيعي في الدخول إلى مثلث حلايب والخروج منه.

          وأصدر المؤتمر الوطني في السودان بياناً يوم 18/8/1998 طالب فيه مصر بإخلاء أراضيها من أي دور للمعارضة السودانية، ومن أي معارض نشط، إن كانت تسعى لتحسين علاقات الجوار مع السودان، وإلاّ فإن السودان سيبادلها عداء بعداء جراء وفاقاً.

          وقال أمين الدائرة السياسية للمؤتمر الوطني في مؤتمر صحفي: إن البيان هو بيان الحكومة وليس هناك مقارنة بين الحكومة والمؤتمر فهما يشكلان وجهاً واحداً.

          وقال: إن استضافة مصر للتجمع عداء سافر للسودان، واعتداء على الحكومة السودانية ويعدّ عملاً عدائياً ضد السودان. وأن محاولات مصر لجمع المعارضة التي تعاني الانقسام، تستحق الإدانة والشجب.

          وفي مقابلة مع وكالة رويترز؛ أتهم الدكتور حسن الترابي رئيس المجلس الوطني (البرلمان) في السودان، مصر بأنها تسعى إلى تقويض استقلال السودان وتخشى توجهه الإسلامي.

          وقال: إن مصر تخشى من عرض السودان منح الجنوب حق تقرير المصير، لأن الانفصال يعني: أن الجنوب لن يشعر بالتزام حيال الاتفاقات القائمة بشأن اقتسام مياه النيل. وقال: إن القاهرة جمعت كل جماعات المعارضة بشكل علني.

          وردّت مصر بعنف على تصريحات الترابي، ووصفتها بأنها عدائية، ووصفته بأنه ينفث عن حقده على مصر وقيادتها بشكل مستفز، كلما وجد الفرصة لذلك. وقال مصدر رفيع المستوى في الخارجية المصرية: إن الترابي مريض يحلم بالسلطة والحكم؛ حتى لو جاء على حساب الشعب السوداني.

          ثم بدأت تظهر في الخرطوم نغمة متفائلة في إمكان تحرك العلاقات السودانية ـ المصرية نحو آفاق جديدة. فقد صرح وزير الخارجية السوداني للصحافيين يوم 14/9/1998 أن الاتصالات المصرية ـ السودانية لم تتوقف، وأنه التقى نظيره المصري في (دير بان) في جنوب أفريقيا على هامش قمة عدم الانحياز، وناقش معه كافة جوانب العلاقات الثنائية، كما اتفقا على مواصلة النقاش في القاهرة قريباً.

          وبعد الفيضانات والأمطار والسيول التي أصابت ولايات السودان في أوائل سبتمبر 1998 وصل إلى الخرطوم يوم 14/9/1998 وفد مصري برئاسة وزير الصحة لبحث حجم الاحتياجات الصحية السودانية، وجد الوفد حفاوة سياسية واضحة، ووصف وزير الصحة السوداني الزيارة بأنها لفتة بارعة من الإدارة المصرية والشعب المصري وقال: هو ما اعتدنا عليه، فالمواقف تظهر معادن الرجال والدول وتعكس وقوف مصر معنا في السراء والضراء. وأضاف: إن هذه الزيارة تؤكد قوة العلاقات السودانية ـ المصرية ومتانتها وأزليتها، رغم ما يعتريها، وأن العمل الإنساني قادر على اختراق الحدود، والزيارة يمكن أن تكون لنية بناء قاعدة راسخة تدفع بالعلاقات بين البلدين إلى الأمام.

          وفي تصريحات مماثلة قال وزير الصحة المصري: إن هذه الزيارة قد تكون فاتحة خير لعودة العلاقات المصرية ـ السودانية إلى مجراها الطبيعيّ، وإن نقاط الالتقاء أكبر وأكثر من نقاط الخلاف، والجهود الصحية والتعاون المستمر بين مصر والسودان لم يتوقف لحظة.

          وكشفت مصادر سودانية عن سلسلة من اللقاءات عقدها وزير الخارجية السوداني مع نظيره المصري بصورة سرية تامة، وجرى التكتم عليها باتفاق الجانبين منها؛ لقاءات عقدت بمقر وزارة الخارجية المصرية مساء يوم 16/9/1998 استغرقت عدة ساعات.

          وأكدت المصادر السودانية أن لقاءات وزيري الخارجية بالقاهرة كانت محل اتفاق وترتيبات مسبقة كما أنها تناولت كل جوانب العلاقات.

          وذكرت المصادر السودانية، أنها تستبشر خيراً بسرعة عودة الأمور إلى مجاريها الطبيعية بين البلدين بأحسن مما كانت عليه من قبل، كما أنها ستشهد خطوات ملموسة في غضون الأشهر القليلة المقبلة في هذا الاتجاه لترجمة نتائج لقاءات الوزيرين سواء في (دير بان) بجنوب أفريقيا قبل أسبوعين أو بالقاهرة يوم 14/9/1998.

          وأجرى وزيرا الخارجية المصري والسوداني جلسة مباحثات مطولة مساء 5/10/1998 بعد وصول الوزير السوداني إلى القاهرة في زيارة مفاجئة استغرقت نحو أربع وعشرين ساعة، وقد جاءت الزيارة عقب تصريحات مصرية صدرت عن الرئيس حسني مبارك، حملت انتقادات للحكومة السودانية وللدكتور حسن الترابي رئيس المجلس الوطني السوداني، الذي حمّله مبارك مسؤولية توتر العلاقات بين البلدين.

          وقد تناولت المباحثات بين وزيري خارجية البلدين عدة قضايا مهمة منها؛ بحث السبل الكفيلة بإعادة العلاقات إلى مجاريها الطبيعية، بما في ذلك الانتهاء من حسم قضايا خلافية ظلت تمثل عقبة أمام تحسين العلاقات مثل: قضية الممتلكات المصرية بالخرطوم.

          وتناولت المباحثات الوضع في جنوب السودان، ما تردد بشأن انتهاكات سودانية بعدوان دول أفريقية مجاورة، خاصة أوغندا وإريتريا ومرتزقة روانديين.

          ووصفت مصادر دبلوماسية، شاركت في اللقاء، المباحثات بأنها كانت عميقة وجرت في جوّ سادته روح الود والأخوة، واستشعار أهمية هذه العلاقات لمصلحة البلدين وشعبيهما.

          وأكدت المصادر: أن المباحثات بين الجانبين جاءت في وقت بالغ الأهمية، وأن ما تضمنته أكبر من أي موضوعات خلافية. ولمحت إلى استمرار وزيري الخارجية في خطوة إعادة بناء هذه العلاقات والعمل معاً على تصفية أي مشكلات أو قضايا خلافية تقف، أو تحول، دون الوصول إلى هذا الهدف.

          وصرح الوزير السوداني، عقب عودته إلى الخرطوم، أن بلاده ومصر توصلتا إلى تصور مشترك لمعالجة القضايا الخلافية بين البلدين ـ معرباً عن أمله في أن تشهد الأيام المقبلة لقاءات مشتركة بين الدولتين.

          وفي الوقت الذي يسعى فيه وزير الخارجية السوداني لإعادة العلاقات إلى طبيعتها، يصرح وزير الإعلام السوداني والمتحدث باسم الحكومة؛ أمام المجلس الوطني (البرلمان): أن الخرطوم طلبت رسمياً من القاهرة، عبر القنوات الدبلوماسية، توضيحاً لتصريحات الرئيس المصري حسني مبارك الأخيرة، التي لمح فيها إلى إمكانية إنتاج مصنع الشفاء السوداني الذي قصفته القوات الأمريكية مؤخراً، أسلحة كيماوية.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة