الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
الموقع الجغرافي للسودان
تضاريس السودان
التقسيم الإداري للسودان
التوزيع القبلي للسودان
قناة جونجلي
أماكن معسكرات الفصائل

تمرد أكوبو عام 1975

          أُقيم الاحتفال بيوم الوحدة الوطنية في مدينة "واو"، عاصمة إقليم بحر الغزال، في أوائل مارس 1975. وحضر الاحتفال رئيس الجمهورية "جعفر نميري"، والنائب الأول اللواء "محمد الباقر أحمد". وفي فجر ذلك اليوم، وقع اعتداء من جنود جنوبيين من قوة معسكر أكوبو، على زملائهم من الشمال من سرية الكتيبة 116، التي وصلت من ملكال إلى أكوبو في إطار عملية الدمج، وقتل سبعة من الجنود وجرح عدد كبير منهم. وسيطر المتمردون على المعسكر لمدة خمسة أيام. وأمر الرئيس نميري برفع درجة استعداد القوات المسلحة، وتم تحريك لواء مشاه ومجموعة من القوات الجوية في الخرطوم، وحُركت إحدى عشرة طائرة من قاذفات القنابل إلى مطار ملكال.

          جرى تحرك سريع لحل المشكلة سلمياً، قام به كل من "أبيل ألير، وجوزيف لاقو". وهربت المجموعة التي نفذت التمرد ـ وكان يتزعمها العريف "جيموبولى"، والملازم "بنسون كور" والرائد "جيمز أديانف" ومعهم أحد عشر جندياً ـ إلى إثيوبيا.

انتخابات مجلس الشعب الإقليمي الثاني والثالث

          جرت انتخابات مجلس الشعب الثاني للإقليم الجنوبي في عام 1977، وفاز فيها جناح "جوزيف لاقو". وهدفت الحكومة الجديدة إلى إجراء تغيير جذري وشامل، ومعالجة نقاط الضعف، التي حدثت إبان حكومة "أبيل ألير". ولكن اتسمت حكومة السيد "جوزيف لاقو" بعدم التجانس، والممارسات غير السليمة من قبل وزرائها. فحلّ الرئيس نميري الحكومة عام 1980، وعين حكومة مؤقتة برئاسة "بيتر جات كوث". وأنيط بالحكومة الجديدة إجراء انتخابات مجلس الشعب الإقليمي الثالث.

          أسفرت الانتخابات الجديدة عن فوز السيد "أبيل ألير" فعُين رئيساً للحكومة الإقليمية للمرة الثانية. وكانت السمة البارزة لهذه الفترة سيطرة أبناء الدينكا على معظم المواقع السياسية والإدارية المهمة، والتكالب على كراسي الحكم، والسعي وراء الثراء، مما أدى إلى تفشى حالة من عدم الاستقرار في الإقليم ترجع إلى الأتي:

  1. اعتراض حكومة الإقليم الجنوبي على تصديق الحكومة المركزية لشركة شيفرون للبترول، بإجراء التنقيب عن النفط في منطقة "بور" بالإقليم الجنوبي، دون علم حكومة الإقليم.
  2. محاولة فصل جزء من مديرية  بحر الغزال، وضمه إلى إقليمي دار فور وكردفان. ويدخل ضمن ذلك منطقة "بانتيو" إحدى المناطق التي اكتُشِفَ بها النفط.

          أُقيلت حكومة "أبيل ألير" في 5 أكتوبر 1981، وعُينت حكومة انتقالية برئاسة اللواء "قسم الله رصاص"، لإجراء استفتاء شعبي حول فكرة التقسيم، وتصفية الخلافات بين المجموعات المتناحرة. وأُجرى الاستفتاء في 5 يونيه 1982، وانتخب "جيمس طُمبرة" رئيساً للمجلس التنفيذي العالي والحكومة الإقليمية. وشهدت حكومة هذه الفترة الانقسامات بين مؤيدي التقسيم ومعارضيه، ووصفت الحكومة بعدم الكفاءة في إدارة شؤون البلاد.

قرار التقسيم

          أصدر الرئيس نميري قراراً بتقسيم الجنوب إلى ثلاثة أقاليم، في نهاية يوليه 1985، كالآتي:

  1. إقليم أعالي النيل .
  2. إقليم بحر الغزال.
  3. إقليم الاستوائية.

          وعُين حكام لهذه الأقاليم بقرار صادر من قبل رئيس الجمهورية.

          لقي قرار التقسيم قبولاً من بعض القبائل قليلة العدد، مثل النوير والشلك. فقد منحها نوعاً من الاستقلال في إدارة شؤون مناطقهم. بينما عارضته قبيلة الدنيكا على أساس أن التقسيم محاولة من الحكومة المركزية لإضعاف الإقليم، وزيادة سيطرة الشمال عليه. إضافة إلى أن اتفاقية أديس أبابا لم تنص على ذلك، وأنه إذا كان هناك ضرورة للتقسيم، فمثل هذا القرار يمكن إجازته عن طريق مجلس الشعب الإقليمي. وقد أدى قرار التقسيم إلى حالة من الغليان وعدم الاستقرار في الإقليم، كما أوجد حالة من  عدم الثقة بين القبائل.

قوانين سبتمبر 1983

          أدّى صدور قوانين سبتمبر 1983، وإعلان تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان، إلى توتر شديد في الإقليم الجنوبي، وكذلك في دول الجوار المسيحية والدول الكبرى، التي عَدّته مدّاً إسلامياً. وقد أوجدت تلك القوانين الأرضية الخصبة لعمل الهيئات التبشيرية والكنيسية، وصاحب ذلك هجمة إعلامية ودولية شرسة. وبدأت المساعدات تُرسل لمتمردي الجنوب الموجودين في إثيوبيا.

          تزامن مع صدور قوانين سبتمبر 1983، حدوث تمرد بالفرقة الأولى في الجنوب. وانحصر التمرد في الكتيبة 105 المتمركزة في بور والبيبور، وفي الكتيبة 104 المتمركزة في الناصر. وكان سبب التمرد عدم صرف الجنود لرواتبهم نتيجة خلل نظام الصرف المعمول به، ثم ما أعقب ذلك من محاولات تغيير هذه الوحدة بوحدات من الشمال، مما دفع كتيبتين مسلحتين إلى اللجوء لإثيوبيا. وأدّى ذلك إلى رفع مستوى الكفاءة القتالية للمتمردين.

          تولى العقيد "جون قرنق" قيادة الفئات المتمردة، وشكّل الجبهة الشعبية لتحرير السودان "S.P.L.M"، وجيش تحرير شعب السودان "S.P.L.A" ، ووضع برنامجاً لحركته بالتنسيق مع إثيوبيا، في أغسطس 1983. وقد عكس برنامجه التوجهات الاشتراكية اليسارية للجبهة، ورفع شعار تحرير السودان كله من الحكم العسكري، وإحلال حكم اشتراكي بدلاً عنه.

          نتيجة للصدام بين حركة جون قرنق وحركة الأنيانيا، عادت الأنيانيا إلى السودان، وتحالفت مع الحكومة السودانية. ونتيجة لسوء العلاقات الإثيوبية السودانية في تلك الفترة، تولت إثيوبيا تدريب وتسليح وإعداد قوات المتمردين، التي نمّت علاقاتها مع كلٍّ من ليبيا وعدن وإسرائيل، والقوى العظمى، التي أقلقها التوجه الإسلامي لنظام الحكم في السودان.

          استطاع جون قرنق توحيد حركات التمرد الجنوبية في الخارج علانية، وفي الداخل سراً. كما شاركت دول حلف عدن الثلاثي، "ليبيا، واليمن العربي، وإثيوبيا"، بدور كبير في توحيد حركات التمرد الجنوبية ومساندتها، وتوفير معسكرات التدريب والمدربين. وأصبحت ليبيا المصدر الأول للسلاح المتطور للمتمردين بدءاً من عام 1983. واستمر الدعم الغربي والكنسي للمعارضة السياسية الجنوبية، باعتبار أن الصراع ديني، أو على الأقل بعض أطرافه مسيحيون.

          بدءاً من عام 1983، بدأ جيش تحرير شعب السودان "S.P.L.A" عملياته المكثفة بعدد ست كتائب، تضم كل منها 1200 مقاتل، ومثلهم حمّالين. فشنّ جيش التحرير، سلسلة عمليات رئيسية، على المدن ومشروعات التنمية في الجنوب، والسفن والبواخر النهرية وقطع الملاحة النهرية. فأدى ذلك إلى توقف التنقيب عن النفط، والمشروعات الزراعية، وجسر أويل للسكة الحديد، ومطار جوبا. واستنُزفت موارد السودان الاقتصادية والمادية، واضطرت القوات المسلحة السودانية إلى نشر قواتها على رقعة كبيرة من الأرض. وتوقف العمل في مشروع قناة جونقلي، التي كان يجرى حفرها بواسطة حكومتي مصر والسودان.

          في هذه الفترة اتسم حكم الرئيس نميري أيضاً بعدم الاستقرار، حيث تغيرت السياسات مراراً، واستحوذ الرئيس على كل السلطات في يده. وبذا اصبح الحكم حكماً فردياً، وأصبح الموقف السياسي في السودان ممهداً لإحداث تغير فيه.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة