الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
الموقع الجغرافي للسودان
تضاريس السودان
التقسيم الإداري للسودان
التوزيع القبلي للسودان
قناة جونجلي
أماكن معسكرات الفصائل

المبحث الرابع عشر
الصراع خلال عام 1999م

أولاً: الصراع المسلح

1. في جنوب السودان

          وفي تطوّر جديد في جنوب السودان أكدّت صحيفة الرأي العام السودانية أن تنظيمي ميلشيا مواليين للحكومة تلقيا الأمر بمغادرة مدينة جوبا (عاصمة جنوب السودان) على إثر مواجهات اندلعت بينهما.

          ونقلت الصحيفة عن قائد المنطقة العسكرية الاستوائية أن قرار الطرد اتخذ بعد اشتباكات عنيفة اندلعت يوم 10/1/99 عندما ألقى رجال أحد التنظيمين قنبلة يدوية على مقر التنظيم الآخر فقتلوا وجرحوا عدداً من عناصره.

          وينتمي التنظيمان إلى "قوات الدفاع عن جنوب السودان) التي تضم سبع ميلشيات جنوبية مسلّحة وقّعت على اتفاق سلام مع حكومة الخرطوم في أبريل 1997.

          وبعد اتصالات أجراها مبعوث الأمم المتحدة توم إيريك فرالسن أعلن يوم 15/1/1999 في نيروبي أن حكومة الخرطوم مدّدت وقف النار لثلاثة أشهر في منطقة بحر الغزال، وسبق إعلان المسؤول الدولي تأكيد الناطق باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان في نيروبي أيضاً الموافقة على وقف العمليات العسكرية ثلاثة أشهر أخرى للمساعدة في جهود الإغاثة الإنسانية في جنوب البلاد الذي يعاني المجاعة.

          وأوضح الناطق باسم الحركة أن وقف النار سيستمر في منطقتي بحر الغزال وغرب أعالي النيل، وسيوسع للمرة الأولى ليشمل ولاية وسط أعالي النيل.

          وفي محاولة لوضع حدّ للاقتتال الذي استمر بين الفصائل الجنوبية السودانية. أكدت مصادر رسمية في جبهة الإنقاذ الديمقراطية الجنوبية. التي يقودها رياك مشار رئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية: أن ممثلين عنها توصلوا إلى اتفاق لوقف إطلاق نار شامل مع ممثلين للجيش الشعبي لتحرير السودان الذي يقوده العقيد جون قرنق، وذلك في 7/3/1999.

          وقالت هذه المصادر في تصريحات صحافية: إن محادثات جرت على مدى أسبوع في بحر الغزال (جنوبي البلاد) بين الطرفين أدت إلى اتفاق سيؤدي إلى تهيئة الأجواء في المحادثات المرتقبة بين الجيش الشّعبي والحكومة السودانية في أبريل 1999 في العاصمة الكينية نيروبي تحت رعاية دول منظمة الإيقاد.

          وأضافت المصادر أن الطرفين اتفقا على توسيع دائرة السّلام والسماح للمواطنين بالتنقل بحرّية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة أو الجيش الشعبي.

          وقال مصدر مسؤول من جبهة الإنقاذ: إن الاتفاق الذي وقعه الطرفان وسط احتفال شعبي كبير، نصّ على إعادة توطين النازحين بسبب الحرب، والانحياز لمصلحة الجنوب في القضايا الخلافية. وأضاف المصدر: إن المتمردين أشادوا باتفاقية الخرطوم لعام 1997 الموقعة بين الإنقاذ والحكومة، وقانون التوالي السياسيّ، إلاّ أنهم تحفظوا على إسلامية الدستور، واتفق الطرفان على سريان الاتفاق مع بداية مفاوضات نيروبي.

          وقال المصدر إن قرنق اطلع بنفسه على تفاصيل الاتفاق قبل الإيعاز لممثليه بالتوقيع.

          وفي الخرطوم أشاد الرئيس السوداني بالاتفاق وعبر عن أمله أن تلتزم جميع الأطراف الموقعة بما تم الاتفاق عليه وأن تفضي نتائجه إلى تحقيق السلام ووقف نزيف الدم وتحقيق الاستقرار والتنمية.

          وقررت الحكومة السودانية تكوين لجنة خاصة لدراسة مقررات الاتفاق.

          وقد أثار الاتفاق ردود فعل متباينة بين القيادتين الجنوبيين وقد عدّه عدد منهم غطاء لاتفاق سرّي بين جبهة الإنقاذ والجيش الشعبي لتحرير السودان.

          ووجه الدكتور لام أكول وزير النقل وقائد الفيصل المتحد، نقداً لاذعاً للاتفاق، ووصفه بأنه غامض وأهدافه غير واضحة. وتساءل في ندوة تليفزيونية: هل الصراع في الجنوب بين قبيلتي الدنيكا والنور؟ أم بين مجلس التنسيق والجيش الشعبي؟ وقال: إن المجلس يريد إيجاد انطباع خاطئ بأن السلام قد تحقق على يديه في الجنوب.

          وشكك الوزير في وقوف رياك مشار خلف الاتفاق. وتساءل عمن يدفعه للمشاركة بوفد في المحادثات التي قيل إنها جرت بين الدنيكا والنور. كما تساءل عن حدود سلطات المجلس ودور المنظمات الأجنبية في هذا الاجتماع.

          أما نائب الأمين العام للمؤتمر الوطني (التنظيم الحاكم) وأحد العائدين وفق اتفاقية السلام، فقد شكك في أن يسهم الاتفاق إيجاباً على محادثات السلام المقبلة بين الحكومة والجيش الشعبي في أبريل 1999 في نيروبي. وأضاف، كان من الواجب على جبهة الإنقاذ إشراك الحكومة طرفاً في هذا الاتفاق خاصة أن الجبهة مرتبطة معها باتفاقية.

          وفي بيان للحركة الشعبية لتحرير السودان يوم 29/3/1999 أن الجيش الشعبي لتحرير السودان الفرقة (13) بجنوب النيل الأزرق تمكنت من إلحاق هزيمة ماحقة بقوات النظام التي كانت تحاصر منطقة (أولو).

          وتابع البيان: إن قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان تمكّنت من شن هجوم مضاد في يومي 26 و 27 مارس 99 وأنزلت فيه خسائر فادحة في المعدات والأرواح. وحدد البيان خسائر القوات الحكومية بثلاثة وثمانين رجلاً بينهم تسعة ضباط، ومائتا جريح وعدد من الآليات والأسلحة وكميات كبيرة ومتنوعة من الذخيرة.

          ومن جهة أخرى أصدر الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية بياناً أكّد فيه أن القوات المسلحة تسيطر على زمام الأمور في كل الاتجاهات. وأشار الناطق إلى ما أعلنته قوات قرنق عن مهاجمتها القوات الحكومية في منطقة (أولو) فقال: إن معارك دارت لمدة يومين تكبّد فيها العدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد وفشلوا في تحقيق أهدافهم، واحتسبت القوات المسلحة بعض الشهداء وقد تمت المتابعة واتخاذ الإجراءات بالحسم اللازم، وتسيطر قواتنا المسلحة الآن على زمام الأمور في كل الاتجاهات. وكانت تقارير توالت من كسلا قد ذكرت أن قوات المعارضة قطعت الطريق في أول عيد الأضحى أمام أربع من الحافلات المتجهة من بورسودان إلى الخرطوم، وتمكنت من الفرار باثنتين من الحافلات وتركت الثالثة بالقرب من الحدود، بعد أن تعذر عليهم إدخالها إلى الداخل وتركت الرابعة على الطريق العام.

          وكانت وزارة الخارجية السودانية قد أصدرت بياناً غاضباً يوم 3/4/99 استنكرت فيه بشدة إعدام حركة التمرد لأربعة أسرى سودانيين من بينهم موظف في الهلال الأحمر السوداني. وقالت: إنها تدين هذا السلوك وتطالب بالتحقيق وتسليم جثث الضحايا.

          إلاّ أن الجيش الشعبي لتحرير السودان نفى مسؤوليته عن مقتل الأسرى وقال: إنهم قتلوا في تبادل لإطلاق النار مع قوات الحكومة التي كانت تحاول إطلاق سراحهم.

          وجاء هذا النفي في الوقت الذي لقي فيه هذا الحادث إدانات واسعة. فقد أبلغ السفير الإيطالي بالسودان، وزارة الخارجية السودانية أن هذا العمل غير مقبول ويعدّ ضربة ضد المجتمع الدولي، كما أنه يدمّر مناخ الثقة الذي قطع شوطاً. وأضاف قائلاً: إنه على ثقة بأن المجتمع الدولي سوف يدين هذا الحادث المؤسف لأنه يتنافى مع الأعراف والمواثيق الدولية والإنسانية. وترأس إيطاليا مجموعة أصدقاء الإيقاد التي تتوسّط لعقد معاهدة سلام بين الحكومة والجيش الشعبي.

          كما وصف رياك مشار رئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية الحادث بالهمجية والوحشية. وقال في تصريحات صحافية: "إنه يأتي في إطار مخطط يستهدف نشاط المنظمات العاملة بالمجال الإنساني كافة لتجويع الشعب الجنوبي. وإن الحركة قد كشفت عن أجندتها التي كانت تخفيها وتدعى انحيازها للمواطن الجنوبيّ، وأن ما أقدمت عليه سيضيق من فرص نجاح مفاوضات الإيقاد المقبلة".

          كذلك أصدرت عدّة منظمات حكومية وأهلية بيانات عبّرت فيها عن غضبها لمقتل الأسرى.

          وأعلنت الحكومة السودانية أنها شكلّت لجنة علية برئاسة وزير الخارجية لمراجعة الاتفاقات التي أبرمت مع حركة التمرد في المجالات الإنسانية ولبحث تداعيات حادثة مقتل الأسرى الأربعة. وقال وزير الخارجية في مؤتمر صحافي يوم 4/4/99 حول الإجراءات التي اتخذتها الحكومة تجاه الحادثة: إن الحكومة قررت إعادة النظر في التعاون مع الصليب الأحمر بعد التحقيقات التي سيجريها وما ستسفر عنه نتائج التحقيق.

          وقال الوزير: إن اللجنة التي شكّلت ستضع الترتيبات أمنياً وعسكرياً وإدارياً لمناقشة مشاركة السودان من عدمها في اجتماعات الإيقاد المقبلة في نيروبي. وإن هناك ضغوطاً داخلية تطالب بعدم الجلوس مع حركة التمرد، ونحن في انتظار مواقف شركاء الإيقاد والحركة من التحقيق في الحادثة، وعلى أي حال، فإن كل الخيارات مفتوحة وسنتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب.

          وأعلن الرئيس السوداني عمر البشير وهو يخاطب الدورة السابقة للمجلس الوطني (البرلمان) التي بدأت أعمالها يوم 5/4/99، وقفاً شاملاً لإطلاق النار في مسارح العمليات العسكرية بسائر ولايات جنوب البلاد حفاظاً على أرواح المواطنين وممتلكاتهم وكذلك الموظفين الدوليين العاملين في منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية.

          وقال البشير: إن سريان وقف إطلاق النار سيبدأ في الخامس عشر من أبريل الحالي، مع انتهاء الوقف الجزئي لإطلاق النار السابق الذي استمر ثلاثة أشهر.

          ودعا البشير، الذي أعلن القرار من جانب واحد، حركة قرنق لإظهار جديتها لتحقيق السلام بقبول النداء لوقف النار والتجاوب الفوري معه.

          وفي بيان للحركة الشعبية لتحرير السودان أعلن المتحدث باسمها أن قوات الجيش الشعبي تمكنت خلال معركة استمرت من 11 أبريل 99 إلى الساعة العاشرة من مساء 12 من الشهر نفسه من الاستيلاء على حامية سماعة (عرديب) (غرب السودان) وقتل 107 من ضباط القوات الحكومية وجنودها، وجرح أكثر من 300 شخص بالإضافة إلى أسر سبعة جنود.

          وقال المتحدث باسم الحركة: إن قوات الجيش الشعبي دمرت خلال المعركة ثلاث دبابات واستولت على دبابة في حالة جيدة، وعلى خمس شاحنات تعرضت لأضرار يمكن إصلاحها، ودمّرت مدفعين من نوع هاوزر المحمول على عربات، ومدفعين من عيار 107 ملم المحمول على عربات مدفع رباعي من عيار 14.5 ملم محمول على عربة.

          وكشف الناطق باسم الحركة أن 13 شخصاً من صفوفها قتلوا وجرح 74 آخرون.

          وفي يوم 27/5/99 أكّد مصدر عسكري في الخرطوم أن القوات المسلحة السودانية أحبطت محاولة اختطاف سفينة محمّلة بالحبوب في ولاية الوحدة في جنوب السودان قام بها القائد الجنوبي الموالي للحكومة تيتو بييل، الذي انتقل إلى صفوف المتمردين في مطلع مايو 99.

          وأكّد المصدر العسكري في تصريح لوكالات الأنباء أن بييل الذي كان يتولى مركزاً قيادياً في قوات دفاع جنوب السودان التي تضم الفصائل الجنوبية التي وقّعت اتفاق سلام مع الخرطوم في أبريل 1997، فرّ في الثالث من مايو 99 ثم خطف ـ هو ورجاله ـ في الحادي عشر من مايو سفينة محملة بالذرة البيضاء في منطقة (لير) وأبحر في اتجاه مدينة بانفليل التي يسيطر عليها المتمردون الجنوبيون.

          وقال المصدر إن الجيش التقط محادثة لاسلكية بين بييل وزعيم المتمردين جون قرنق الذي طلب منه إحضار السفينة إلى شامبي في ولاية البحيرات التي يسيطر عليها المتمردون جنوب ولاية الوحدة.

          وأضاف المصدر أن الجيش تمكّن بمساندة قوات صديقة ـ لم يحددها ـ من استعادة السفينة قبل خروجها من ولاية الوحدة.

          ومن ناحية أخرى قال المتحدث باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان:

          إن قوات الحركة أعلنت عن إلحاق خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات بالتشكيل الحكومي المسمى "وثية الأمجاد" الذي هاجم قوات الحركة في منطقة "جلود باشا" غرب جبال النوبة في العشرين من مايو 99.

          وقال: إن قوات الحركة ردته وأجبرته على الانسحاب. وتابع المتحدث إن قوات الحركة هاجمت مجدداً في 24 وحتى 26 مايو قوات الحكومة وأجبرتها على التراجع نهائياً يوم 4/6/99 بعد أن كبدتها أكثر من ثلاثين قتيلاً وأعداداً كبيرة من الجرحى.

          وفي يوم 28/6/99 ذكرت بعض الصحف السودانية أن الجيش والميلشيات الجنوبية السودانية الموالية للحكومة استعادت قرية (أكوبو) في ولاية جونقلي الاتحادية.

          وأكد حاكم الولاية للصحف أن هذه القوات استعادت القرية يوم 27/6/99 بعد معارك شديدة استمرت يومين، بعد أن سقطت في أيدي الجيش الشعبي في مارس الماضي.

          وقال الحاكم: لقد ألحقنا بالمتمردين خسائر فادحة في الرجال والمعدات.

          ومن جهة أخرى تصاعدت المواجهات بين الفصائل الجنوبية في ولاية الوحدة الجنوبية التي تعرف بولاية البترول، حيث أعلنت قوات دفاع الجنوب، في بيان لها؛ أنها تمكنت في الثالث والرابع من يوليه 99 من استعادة كافة مواقعها بمحافظة (اللير) الواقعة على بعد أربعين كلم من (بانتيو) "وديكونا" حيث تقع أهم آبار إنتاج البترول بولاية الوحدة.

          وقال بيان قوات الدفاع: "إن المعارك مستمرة في الولاية وأن هذه العمليات قصد منها تأمين الولاية ضد قوات الخارج (ماتيب) وأن قوات الدفاع ستظل دوماً في خندق واحد مع القوات المسلحة دفاعاً عن مكتسبات اتفاقية الخرطوم للسلام، وأن هذه القوات ستواصل عملياتها لاستعادة كافة مواقعها التي طردها منها (ماتيب) في شهر فبراير الماضي".

          وقالت مصادر جنوبية سودانية مطلعة: إن الصراع المسلح الدائر الآن في ولاية الوحدة لن ينتهي ما لم تسع الحكومة المركزية لتنفيذ بنود اتفاقية السلام لعام 1997 بجدية.

          وقالت هذه المصادر ـ للصحافيين ـ : من الصعوبة القول: إن طرفاً سيحسم المعارك التي تدور في الولاية لصالحه، خاصة أن قوات دفاع الجنوب التي يقودها د. رياك مشار تتلقى دعماً من قوات الجيش الشعبي التي يقودها جون قرنق، بينما تجد القوات التي يقودها فاولينو ماتيب المنشق على مشار دعماً من الحكومة المركزية.

          وأضافت المصادر: أن حلّ الصراع الجنوبي ـ الجنوبي الدائر حالياً في ولاية الوحدة يكمن في التزام الخرطوم الجاد باتفاقية الخرطوم للسلام، خاصة فيما يتعلق منها بقسمة الثروة، حيث اتفق الطرفان على إنفاق 75% من عائدات الثروة النفطية المكتشفة في أي ولاية بالولاية نفسها، وأن الحكومة تحاول التنصّل من هذا الاتفاق؛ لذا فإن قوات مشار تحاول فرض سيطرتها المطلقة على ولاية الوحدة التي تسكنها قبيلة النوير التي ينحدر منها مشار وماتيب، وتدعم الحكومة ماتيب لإفشال مخطط مشار الذي يسعى لتكون له القدرة على المساومة.

          وفي 14/7/99 تفجّر القتال مرة أخرى في ولاية أعالي النيل في جنوب السودان بين قوة دفاع جنوب السودان التي تضم ستة فصائل من المتمردين السابقين الذين سالموا الحكومة في عام 1997 وبين فصيل منشق هو قوة دفاع جنوب السودان المتحد. وقد بدأ القتال بمنطقة "لونجيسوك" وقال المتحدث باسم قوة الدفاع المتحد: إن قوة دفاع جنوب السودان هاجمت مواقع قوة الدفاع المتحد، ولكنها أجبرت على التقهقر في اليوم التالي. وقال: إن أربعة من مقاتلي قوة دفاع جنوب السودان والجيش الشعبي قتلوا، وأسر ستة، في حين جرح ستة من مقاتلي قوة الدفاع المتحد.

          وتسهيلاً لانسياب العمليات الإغاثية في المناطق المتأثرة بالحرب في السودان أعلنت وزارة الخارجية السودانية في بيان لها: أن الحكومة قررت ـ من جانب واحد ـ وقفاً شاملاً لإطلاق النار في مسارح العمليات بالبلاد بدءاً من منتصف ليل الخميس الموافق الخامس من أغسطس 99 وحتى تاريخ الخامس عشر من أكتوبر.

          وقالت الخارجية ـ في بيانها ـ : "إن الحرب المفروضة على البلاد قد أجبرت مجموعات كبيرة من سكان الجنوب للنزوح من مناطقهم، وخلّفت معاناة إنسانية، عملت الحكومة مع المجتمع الدولي على تجاوزها، فظل السودان، انطلاقاً من الواجبات الإنسانيّة، وقيمه الحضارية، يعطي أولوية قصوى لموضوع الويلات الإنسانية لمواطنيه المترتبة على استمرار الحرب.

          وكانت الحكومة السودانية قد عرضت على الجيش الشعبي لتحرير السودان ـ خلال المفاوضات التي جرت بين الطرفين قبل أسابيع في نيروبي ـ الدخول في اتفاق شامل لوقف إطلاق النار، إلاّ أن الحركة رفضت ذلك، وأبدت استعدادها لوقف إطلاق النار في مناطق بحر الغزال فقط، التي تقول: إنها متأثرة بأوضاع إنسانية سيئة.

          ومن جهة أخرى نفت الحكومة السودانية امتلاكها لأسلحة كيماوية وأكدت عدم صحة تصريحات المتحدث باسم برنامج الغذاء العالمي في نيروبي التي اتهم فيها السودان باستخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الشعبي لتحرير السودان في الجنوب.

          وقال وزير الدولة السوداني للتخطيط الاجتماعي في تصريحات للصحافيين يوم 4/8/99: إن برنامج الغذاء العالمي واقع تحت تأثير مصالح سرية لا علاقة لها بالعمليات الإنسانية.

          وحذر الوزير من ضربة جديدة تستعد الولايات المتحدة لتوجيهها لبلاده بعد التهم التي وجهت إليه باستخدام أسلحة كيماوية وبيولوجية في الجنوب.

          وقال رئيس لجنة حقوق الإنسان في المجلس الوطني (البرلمان) السوداني من جانبه: إن الاتهامات جزء من مؤامرة تحيكها الولايات المتحدة ضد السودان خدمة لمصالحها، واتهم الولايات المتحدة بالانحياز التام إلى حركة التمرد، وأوغندا فيما يتعلق بجنوب السودان.

          وقال وزير الخارجية السوداني: إن ادعاءات برنامج الغذاء العالمي حول هذا الأمر، مجرد أكاذيب، وهي ليست المرة الأولى التي يتهم فيها السودان باستخدام أسلحة كيماوية في الجنوب.

          وقال الوزير: إن السودان لا يملك مثل هذه الأسلحة حتى يستخدمها، متهماً دوائر معادية للسودان بترويج هذه الاتهامات.

          ونقلت الصحف الحكومية يوم 5/8/99 عن مصدر في الخارجية استنكارها للأنباء التي تحدثت عن وصول فريق تحقيق إلى جنوب السودان بدون علم الحكومة.

          ومن جانبه اتهم نائب وزير الإعلام السوداني منظمة (إن. بي. إيه) النرويجية الإنسانية العاملة في جنوب السودان، بأنها وراء ترويج الاتهامات المتعلقة بالأسلحة المحرمة عبر التأثير على مسؤولي الأمم المتحدة بهدف تحقيق أغراض الجيش الشعبي لتحرير السودان على الحكومة السودانية.

          وقال المسؤول السوداني: إن هذه المنظمة تسعى إلى إقناع بعض المسؤولين في الأمم المتحدة للمشاركة في مؤامرة تهدف إلى فصل الجنوب وزرع الشكوك حول نوايا الحكومة ومصداقيتها.

          ويذكر أن الأمم المتحدة علّقت جميع أنشطتها في جنوب السودان وأعلنت يوم 3/8/99 فتح تحقيق إثر إصابة ثلاثة من المتعاونين معها في مدينة (لاينيا) في ولاية الاستوائية بعد إقامتهم فيها.

          وفي الخرطوم أعلن مصدر مطلع يوم 12/9/99 أن اللواء كاربينو كوانين بول قائد الجيش الشعبي لتحرير السودان ـ فصيل بحر الغزل ـ المنشق عن حركة قرنق قتل في غرب ولاية الوحدة ـ وكان كاربينو هو الذي بدأ الجولة الحالية من الحرب في جنوب السودان عام 1983، وانضم إليه جون قرنق الذي أصبح قائداً للتمرد، وزعيماً للحركة الشعبية لتحرير السودان.

          وأكد مصدر جنوبي أن كاربينو تعرض لكمين مسلح أثناء رحلة داخلية في ولاية الوحدة. وقال: إن فاولينو ماتيب المنشق على رياك مشار (مساعد رئيس الجمهورية) ـ وجه الدعوة لكاربينو لزيارته، وأن قوات تابعة لماتيب قتلته.

          وعقب مقتل كاربينو تصاعد التراشِق بالاتهامات في السودان بين أنصار رياك مشار، رئيس مجلس تنسيق الولايات الجنوبية وجبهة الإنقاذ الديمقراطية، وأنصار القائد المنشق عليه فاولينو ماتيب، حول الحادث.

          وأكد المتحدث باسم جبهة الإنقاذ أن أحد الضباط المقربين من فاولينو ماتيب نفّذ عملية الاغتيال، عندما هاجم بقواته المنزل الذي استضافت فيه قوات فاولينو اللواء كاربينو عقب فراره من نيروبي مطلع عام 99.

          ومن جانبه رد قائد بارز في قوات فاولينو باتهام جبهة الإنقاذ بالتواطؤ مع بيتر فاديت المنشق عن فاولينو، لاغتيال كاربينو. وأن فاديت خطط لاغتيال فاولينو تنفيذاً لمخطط أجنبي تشارك فيه المخابرات المركزية الأمريكية، وبعض المنظمات في الجنوب، وقيادات محلية من جبهته الإنقاذ الديمقراطية.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة