الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
الموقع الجغرافي للسودان
تضاريس السودان
التقسيم الإداري للسودان
التوزيع القبلي للسودان
قناة جونجلي
أماكن معسكرات الفصائل

المبحث الرابع: الفترة من 1989 حتى أبريل 1997

          في مطلع عام 1989 قدمت القيادة العامة للقوات المسلحة، مذكرة إلى رئاسة الوزراء، حول الأزمة العسكرية والسياسية، التي وصلت إليها البلاد. وكان في مقدمة تلك الأسباب، استمرار الحرب في الجنوب، والوضع السيئ للقوات المسلحة في هذه الحرب الأهلية.

          وتعقد الموقف السياسي في العاصمة، خاصة بعد موافقة الصادق المهدي على تطبيق اتفاق كوكادام. فوقع الانقلاب العسكري في الثلاثين من يونيه 1989 بقيادة العميد عمر حسن أحمد البشير، لمصلحة الجبهة القومية. وأُطلق على ذلك  "ثورة الإنقاذ الوطني"، وشكل العميد البشير مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني.

اتسمت الحركة بالتوجه الإسلامي، واتخذت الحكومة الإجراءات التالية لإحكام قبضتها على الحكم:

 

1.

تبنيها لسياسات مطابقة لبرنامج الجبهة، لا سيما حول موضوع السلام وقوانين سبتمبر الخاصة بالشريعة الإسلامية.

 

2.

تعيين أشخاص في الحكومة، معروفين بانتمائهم للجبهة، إضافة إلى إلحاق كوادر الجبهة بالوظائف القيادية بالخدمة المدنية، وبعثات السودان الدبلوماسية.

 

3.

احتكار الجبهة الحركة التجارية والعمل الاقتصادي، حيث بيعت المؤسسات العامة (القطاع العام) لكوادر من الجبهة.

 

4.

الرحلات المكوكية التي تتولاها زعامة الجبهة، في الاتصالات الخارجية والسياسية والمالية، جذباً  للتأييد والدعم الخارجي وإضفاء الشريعة على النظام الانقلابي، خاصة مع إيران الدولة ذات التوجه الإسلامي.

 

5.

تسريح أكثر من ألف ضابط من القوات المسلحة السودانية، ومجموعة من ضباط الشرطة، وتكوين الميليشيات الخاصة من كوادر الجبهة، فيما عُرف بالدفاع الشعبي.

 

6.

الحصول على تأييد الحركة الطلابية للانقلاب، وذلك بتولي الطلبة التابعين للجبهة الإسلامية لاتحادات الطلاب.

 

7.

تعين رؤساء للصحف الرسمية من كوادر صحفية تابعة للجبهة.

إعلان موقف الحكومة من الجنوب

          أصدر العميد "عمر حسن البشير"، قائد ثورة الإنقاذ، بيانه الأول، الذي ألقى فيه باللائمة على الحكومات السابقة والأحزاب السياسية (المحلولة) لفشلها في مد الجيش باحتياجاته لمواجهة المتمردين، وفي تحقيق السلام، الذي رفعته الأحزاب شعاراً لتحقيق مكاسب رخيصة، مما انعكس أثره سلباً على القوات المسلحة. ولهذا فشلت حكومات الأحزاب في مساندة الحرب، أو دعم جهود السلام. وأعلن البشير التزام مجلس قيادة ثورة الإنقاذ، بتحقيق تسوية لسلام شامل دائم، وأنه يُفضل أن يجرى محادثات مع الجيش الشعبي لتحرير السودان. وأعلن أنه سيُخضع قوانين الشريعة لاستفتاء شعبي، وأعلن تأييد حكومته لوحدة إثيوبيا.

          أرسل الفريق "البشير" خطاباً إلى جون قرنق، في السادس من يوليه 1989، يطلب منه الانضمام إلى ثورة الإنقاذ، بسبب تطابق أهدافهما، وإنقاذا لما تبقى من الوطن، توطئه لإعادة بناء سودان جديد.

مؤتمر الحوار الوطني للسلام: 9 سبتمبر ـ 21 أكتوبر 1989

          شُكّل المؤتمر برئاسة العقيد "محمد الأمين خليفة"، عضو مجلس ثورة الاتقاد الوطني، وعضوية سبعة عشر آخرين، بهدف دراسة الأسباب التي أدت إلى الحرب الأهلية، على أن يُقدم المؤتمر توصيات بسياسات تؤدى إلى حل المشكلة.

          شارك في المؤتمر معظم القوى السياسية في السودان، باستثناء الحركة الشعبية لتحرير السودان وقياداتها. وأعطى المؤتمر اهتماماً لمشكلة الجنوب، على الرغم من عدم حضور ممثلين من الجنوب. وأوصى بعلاج المشكلة عبر الإصلاح السياسي والحل السلمي لها. واتفق على أن تكون الفيدرالية هي البديل لاستيعاب حقائق الواقع السوداني، بمختلف صوره وأنماطه، دون الالتفات لمدى التعارض بين هذا الطرح وأُطروحات تطبيق الشريعة الإسلامية.

وتتمثل أهم التوصيات التي طرحها المؤتمر في الأتي:

  1. قيام نظام فيدرالي، ومنح سلطات واسعة للحكومة المركزية، مثل:
    سلطتها في الشؤون الخارجية، والدفاع، والجنسية، والهجرة، والعملة وصكها، والإعلام العام، والتخطيط الاقتصادي والتعليم.
  2. تركيز التشريع على الحكومة المركزية.
  3. جعل الإسلام والشريعة المصدران الأساسيان لتشريع القانون العام، بشقيه المدني والجنائي.  
  4. نُصّ على أن يكون من حق الأغلبية المسلمة أن تطبق قوانينها، مع صيانتها لحقوق الأقليات.  واقتصرت حقوق الأقليات على قانون الأسرة في الزواج، والطلاق، والإرث، والولاية، والعبادة وفق شعائر الفرد، ونُصّ على أن: "تتوافر حرية العقيدة الدينية والدعوة لها، دون إحداث استفزاز لمعتقدي العقائد الأخرى".
  5. أشارت التوصيات إلى أن السودان دولة عربية أفريقية، دون إشارة إلى عرق تنتمي إليه الأغلبية أو الأقلية.
  6. اقترحت توصيات انتخاب رئيس تنفيذي، يشترك في انتخابه جميع المواطنين ممن بلغوا سن الانتخاب.
  7. نصّت بعض المقترحات على مشاركة الجنوب في السلطة والثروة. ولكنها عالجت أمر موارد النفط المتنازع عليها، بأن تذهب هذه الموارد العامة إلى الحكومة المركزية، التي تقدم ـ بدورها ـ موارد عادلة لتنمية الأقاليم المتخلفة اقتصادياً، مع ضمانات بتقديم حصة عادلة من دخل النفط للمنطقة التي تنتجه.
  8. لم تُطرح أي توصيات عن مستقبل الجيش الشعبي لتحرير السودان.

          اتخذت الجبهة موقفاً رافضاً من قرارات مؤتمر الحوار الوطني للسلام، كما رفضتها كذلك "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، التي كانت تمثل الجناح الرئيسي والأوحد الذي يقود العمل السياسي والعسكري في الجنوب، واعتبرتها مجحفة بحقوق الشعب السوداني في الجنوب.

          سعت قوات الجبهة الشعبية إلى تصعيد نجاحها في السيطرة على بعض المدن، لإحكام سيطرتها على المواقع الرئيسية في الجنوب. ونتيجة لما سبق، أصبح خيار الحل العسكري هو المرجح أمام الحكومة. لذا قامت الحكومة بالآتي:

  1. الحصول على السلاح اللازم لخيار الحل العسكري. ونجحت الحكومة في التعاقد على صفقتي سلاح من الصين، كلٍ صفقة بمبلغ 300 مليون دولار، عن طريق إيران.
  2. محاولة تحييد الدول التي تقدم المساعدات إلى قوات جون قرنق، خاصة إثيوبيا. وقد ساعد السودان في ذلك نجاح الثورة الإثيوبية، وهروب الرئيس السابق منجستو هايل ماريام، وتحسين العلاقات الإثيوبية ـ السودانية، وأوقفت إثيوبيا مساعداتها لجون قرنق. ولكن السودان لم ينجح مع أوغندا، نتيجة للصداقة التي تربط بين "يورى موسيفني" رئيس أوغندا و "جون قرنق" رئيس الجبهة الشعبية.
  3. في السادس من نوفمبر أصدرت الحكومة "قانون الدفاع الشعبي"، الذي قنن حمل السلاح الموجود في أيدي الناس، كما منحت الحكومة الميليشيات رتب، وجعلتهم يمارسون سلطات وصلاحيات أجهزة الأمن.

          وقد تبنت حكومة السودان التوصيـات، وأوعـزت بأن مؤشرات سياستها الجديدة ستستخدم أساسا لإجراء حوار مع الحركة الشعبية. ولكن ما قامت به الحكومة والحركة الشعبية في الأسبوع الأخير من أكتوبر، أوضح أن السلام هدفٌ بعيد المنال.

          في الثاني والعشرين من أكتوبر، استعادت الحكومة مدينه الكرمك، وفي الحادي والثلاثين من أكتوبر، شنت الحكومة هجوماً في "يرول" على الجيش الشعبي. وبذا  بدأت العمليات العسكرية في النشاط مرة أخرى.

النشاط العسكري في الجنوب خلال عام 1994

          شهد أواخر شهر فبراير نشاطاً مكثفاً، من قِبل القوات المسلحة لقمع حركة التمرد، مستغلة حركة الانشقاق داخل الجيش الشعبي لتحرير السودان، بين "جون قرنق" واتباعه. فقد تجددت مع بداية شهر مارس الاشتباكات بين الفئتين المتصارعتين في قوات الجيش الشعبي، ودارت عدة اشتباكات في مدينتي الناصر وتوريت.

          حشدت القوات المسلحة قواتها في أقاليم الجنوب الثلاثة، بحر الغزال والاستوائية وأعالي النيل، استعداداً لشن هجوم يهدف إلى طرد قوات جون قرنق من جنوب إقليم كردفان، إلى منطقة الغابات في بحر الغزال. وكذلك طردها من المدن المهمة والإستراتيجية في الإقليم الاستوائي، مثل توريت وكبويتا.

          وتمكنت القوات الحكومية في أواخر شهر مارس، من تدمير عدة معسكرات لمتمردي الجنوب، بمنطقة كاتشا جنوب ولاية كردفان، مما يعد بداية للقضاء على باقي الحركة في الجنوب. وبعد عدة اشتباكات تمكنت القوات الحكومية في الخامس من شهر مايو، من استرداد مدينة بور، التي تبعد حوالي 650 كم جنوب الخرطوم. وتعتبر هذه المدينة المعقل الرئيسي للقوات المتمردة في الجنوب، وكانت قد استولت على المدينة عام 1988.

          وقد اتهم جون قرنق قوات رياك مشار، بالسماح للقوات الحكومية بعبور الأراضي الموصلة إلى هذه المدينة، للقضاء عليه وأسره.

          وخلال شهر مايو، تمكنت القوات الحكومية من استعادة عدد من المدن المهمة، مثل مدينة "الجندلة"، التي تقع على مفترق طرق إستراتيجية قرب مدينة جوبا؛ ومدينة "شهيب" الإستراتيجية، ومدينة "بيبور" في محافظة جونقلي في ولاية أعالي النيل، ومدينة منقلة.

          أعلن اللواء الركن (جعفر شريف محجوب)، قائد المنطقة العسكرية الاستوائية، أن عدد المتمردين الذين سلموا أنفسهم بلغ خمسة آلاف فرد. وأشار إلى أن قواته تتحرك الآن غرب المنطقة الاستوائية لتمشيطها. وقد تمكنت قواته من تدمير معسكر كبير للمتمردين، بين ولايتي بحر الغزال والاستوائية.

          قررت كل من إيران والسودان في شهر يونيه، تعميق العلاقات الأمنية من خلال اتفاق شمل نشر أسلحة إيرانية في السودان، من أجل تدعيم نظام الحكم . وأفادت التقارير أن شحنات الأسلحة الأولى، ترافقها وحدات الحرس الثوري الإيراني قد وصلت إلى السودان.

          بلغ حجم المساعدات الإيرانية للسودان ما قيمته 20 مليون دولار. يصاحبها 169 خبيراً إيرانياً في سلاح الطيران والدفاع الجوي والحرب الصاروخية، ويعملون في إدارة قاعدة الخرطوم العسكرية الجوية لتجهيز الطائرات وتقديم الخدمات الفنية.

          وصرح وزير الدفاع السوداني في شهر يوليه، أنّ قواته حققت انتصارات على المتمردين في الجنوب، وسيتم الإعلان قريباً عن تحرير مدينة توريت، مقر قيادة جون قرنق. وأكد الفريق الطاهر عبدالرحمن الشيخ، نائب رئيس هيئة أركان القوات المسلحة، أن القوات الحكومة سيطرت على الوضع في مدينة جوبا، بعد محاولة الاختراق التي شنها المتمردون، خلال شهر يوليه، وأن القوات المسلحة كبدتهم خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.

          وصل القاهرة في بداية شهر أغسطس، أحد كبار المسئولين في حركة التمرد ليشرح لمصر رأي الحركة في شأن المفاوضات، التي جرت مع الحكومة السودانية في الشهر الماضي. وأكد أن الهجمات، التي يشنها الجيش الشعبي على مدينة "جوبا"، تمثل محاولات جادة للاستيلاء على المدينة، التي بسقوطها سوف تسقط مدن أخرى في الجنوب. وأوضح أن رفض حكومة الخرطوم التخفيف من شروطها للتوصل إلى تسوية سياسية مع الجيش الشعبي، يشكل ضغطا قد يؤدى إلى إعلان انفصال الجنوب.

          أكدت وكالة الأنباء السودانية أن القوات المسلحة، وقوات الدفاع الشعبي، قامتا بعملية تمشيط في شرق ولاية الاستوائية، وقد كبدت القوات المسلحة المتمردين خسائر فادحة في الأرواح، واستولت على كميات من الأسلحة والذخائر.

          صرح الرئيس عمر البشير، أن القوات السودانية أصبحت تسيطر الآن على معظم مناطق الجنوب. وأضاف، أنه على الرغم من الانتصارات التي تحققت، إلاّ أنه من الضروري متابعة المفاوضات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، على أساس أنها الوسيلة الوحيدة لإيجاد حل للحرب في الجنوب.

          ذكرت مصادر في جيش التحرير، أن (طاهر بيور)، أحد قادة الحركة، زار القاهرة خلال شهر سبتمبر 92، والتقى مسؤولين في وزارة الأوقاف والأزهر، وسوف يزور بعض الدول العربية الأخرى (مثل السعودية والكويت والبحرين والإمارات) خلال جولته في المنطقة. وهدفه أن يؤكد لهذه الدول أن الحرب الأهلية السودانية، ليس لها صلة بمناهضة الإسلام.

          أكد اللواء محمد عبدالله عويضة في منتصف شهر سبتمبر، أن القوات السودانية تسيطر على جنوب السودان سيطرة تامة. وأنها حققت سلسلة من الانتصارات، واستطاعت تدمير أكبر مستودع ذخيرة لحركة التمرد جنوب مدينة (كبوتيا)، وكذلك معسكراً في منطقة (كركى) غرب وجنوب مدينة جوبا. ونفي اللواء عويضة ما ادعته أجهزة الإعلام الغربية، بشأن عدم استقرار الأوضاع في جوبا.

          أعلن الفريق البشير أن القوات السودانية سوف تبدأ قريباً، في تنفيذ المرحلة الثانية من عمليات "صيف العبور" في جنوب السودان، للقضاء على متمردي الجيش الشعبي لتحرير السودان. وقال إن القوات المسلحة ستنفذ، بالاشتراك مع وحدات الدفاع الشعبي هذه العملية، بهدف استعادة المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين. ومن ناحية أخرى، هدد السودان باتخاذ تدابير انتقامية ضد أوغندا، إن استمرت في  تقديم الدعم للمتمردين بالجنوب.

          ووصف اللواء محمد عبدالله عويضة، الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، في بداية شهر نوفمبر، المحاولة اليائسة التي قامت بها حركة التمرد للهجوم على مدينة (ملكال)، عاصمة ولاية أعالي النيل، بأنها عمل انتحاري. وقد تم تكبيد المتمردين خسائر فادحة في الأرواح والمعدات. وأكد أن الأوضاع في الجنوب مستقرة، وأن حركة الطيران في مطاري (جوبا وملكال) تسير سيراً طبيعياً.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة