الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
الموقع الجغرافي للسودان
تضاريس السودان
التقسيم الإداري للسودان
التوزيع القبلي للسودان
قناة جونجلي
أماكن معسكرات الفصائل

مؤتمر أبوجا: 26 مايو ـ 4 يونيه 1992

          نجحت القوات المسلحة في إنزال خسائر جسيمة بقوات المتمردين في الجنوب، نتيجة لنجاحها في التنسيق مع إثيوبيا، وقطع خطوط الإمداد عن قوات قرنق، ولقناعة الحكومة السودانية باستحالة إحراز نصر عسكري كامل، يُخضع الجنوب لها. وتقدم السكرتير العام لمنظمة الوحدة الأفريقية بعدة محاولات واتصالات، بين الحكومة والجبهة لعقد مؤتمر للمصالحة. وتولى الرئيس "إبراهيم بابانجيدا"، رئيس نيجريا، ورئيس منظمة الوحدة الأفريقية في هذه الدورة، مهمة المصالحة. ووافقت حكومة السودان على حضور مؤتمر سلام في أبوجا، عاصمة نيجيريا، مع فصائل الجنوب، "مجموعة الجيش الشعبي لتحرير السودان"، "ومجموعة لام أكول" المنشقة عن جون قرنق، التي أطلقت على نفسها اسم "مجموعة الناصر"، وتتمركز على حدود السودان مع إثيوبيا. وعُقد المؤتمر في الفترة من 26 مايو ـ 4 يونيه 1992، وشكل وفد الحكومة السودانية من تسعة أعضاء، برئاسة العقيد محمد الأمين خليفة، "المتحدث الرسمي باسم المجلس الوطني الانتقالي". ومثل قرنق وفد من تسعة أعضاء أيضاً، برئاسة العقيد قرنق سيلفاكير، ووفد مجموعة الناصر المنشقة، بزعامة لام أكول. وقد اشتملت أجندة المؤتمر على النقاط الرئيسية الآتية:

  1. إطلاق سراح المسجونين السياسيين.
  2. إقامة نظام سياسي ديموقراطي.
  3. إقامة حكم فيدرالي.
  4. عدم فرض الشريعة الإسلامية على جنوب السودان.
  5. تحديد مستقبل الجيش الشعبي لتحرير السودان.
  6. تحقيق مشاركة أوسع لجنوب السودان في الحكم والتنمية.

          وقد حددت عناصر الجنوب مفهومها للحكم الذاتي والفيدرالية، على أساس أنهم لا يرون أي معنى لوضعهم كأقلية في إطار نظام اتحادي يقوده مسلمون. وأوضح ماجوك أيوم، ممثل الجناح الرئيسي للجيش الشعبي لتحرير السودان، أن الاتحاد الفيدرالي يجب ألاّ يقوم على أساس الإسلام أو العروبة، وأنهم يرفضون أي حكومة تقوم على الإسلام أو العروبة، لأنها تنكر هويتهم. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق في شأن الاتحاد الفيدرالي، فالجيش الشعبي يقترح أن يصبح شمال السودان وجنوبه دولتين منفصلتين، في إطار اتحاد كونفدرالي. وإذا فشل ذلك فسوف يسعى الجيش الشعبي إلى الحصول على حق تقرير المصير الكامل. وحقيقة الأمر أن ميعاد انعقاد المحادثات كان في ظروف مواتية تماماً للحكومة السودانية، التي أحرزت نجاحاً عسكرياً كبيراً على قوات قرنق.

الخلافات في وجهات النظر

حدثت خلافات في وجهات النظر بين الوفود داخل المؤتمر، كان مردها إلى الآتي:

  1. رئاسة المؤتمر
    رفضت الحكومة السودانية رئاسة نيجيريا للمؤتمر، حتى تكون المشكلة سودانية خالصة، وأن يتولى رئاسة جلسات المؤتمر الأطراف السودانية الثلاثة: ممثلو الحكومة، وجناح قرنق، وجناح الناصر بالتناوب. في حين أيد جناح قرنق أن تتولى نيجيريا رئاسة الجلسات، ولم يعترض جناح الناصر على الحضور الفعّال لنيجيريا. وتولت نيجيريا رئاسة المؤتمر لجلستين، تركت بعدها رئاسة المؤتمر للوفود السودانية بالتناوب.
  2. طرح الجناح الرئيسي للجيش الشعبي، موضوع مناقشة دستور علماني أو مناقشة حق تقرير المصير، وهو ما ترفضه الحكومة، في حين يتمسك جناح الناصر بحق تقرير المصير.
  3. رفضت الحكومة السودانية مبدأ مناقشة الانفصال وحق تقرير المصير، بينما أبدت استعدادها للتفاوض حول شتى القضايا، التي يعتزم المؤتمر مناقشتها. وعرضت نظاماُ فيدرالياً يُستثنى فيه غير  المسلمين في الجنوب، من أحكام الشريعة الإسلامية. وترى الحكومة أن انفصال الجنوب، سوف يؤدي إلى سلسلة من ردود الأفعال غير المطلوبة داخل أفريقيا. ورفضت وقف إطلاق النار قبل التوصل إلى اتفاقية لإحلال السلام. ولخصت الحكومة السودانية موقفها في النقاط الرئيسـية الآتية:

 

أ.

إقامة نظام حكم فيدرالي.

 

ب.

استمرار تطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال.

 

ج.

أن يكون للسودان قوات مسلحة قومية، وتلغى أي قوات عسكرية أو شبه عسكرية أخرى.

 

د.

استمرار النظام السياسي على ما هو عليه، أي أن يستمر السودان دولة إسلامية ذات نظام  جمهوري.

الوثيقة النيجيرية

          طرحت الحكومة النيجيرية وثيقة للمؤتمر، جوبهت بالرفض من قبل جناح توريت" جناح الجيش الشعبي"، وجناح الناصر. واشتملت الوثيقة على الآتي:

  1. رؤوس موضوعات عن مبادئ التفاوض.
  2. أسلوب اقتسام السلطة.
  3. النظام القضائي.
  4. الدستور الدائم.
  5. المفاوضات للمتابعة.

          وقد اشتمل جدول الأعمال، الذي أعدته نيجيريا على تسعة بنود، قُسّمت إلى أربع مراحل كالآتي :

المرحلة الأولى: مبادئ المفاوضات

وتشمل النقاط الخمس الآتية:

  1. الهوية الوطنية السودانية.
  2. أسس الوحدة الوطنية، وهذه يندرج  تحتها: الوحدة الوطنية، التنوع العرقي  والثقافي والديني.
  3. المساواة المبنية على المواطنة، وتقاسم الثروة والموارد.
  4. الحقوق الأساسية للإنسان، بما فيها حرية الأديان.
  5. حالة الطوارئ المفروضة.

المرحلة الثانية: وتشمل على أربع نقاط كالآتي:

  1. التقسيم العادل للسلطة والثروة.
  2. النظام القضائي في السودان.
  3. مسألة استيعاب أعضاء قوات الحركة في القوات المسلحة، والقوات النظامية الأخرى.
  4. الخدمة المدنية والسلك الدبلوماسي .

المرحلة الثالثة: الإجراءات المؤقتة، وتشمل على:

  1. وقف إطلاق النار.
  2. تشكيل حكومة مؤقتة.
  3. وضع ميثاق أو اتفاقية تحكم الفترة المؤقتة، كما تتضمن الدستور.

المرحلة الرابعة: وهي مرحلة التفاوض

سير المفاوضات

          واجه المؤتمر العديد من المشاكل نتيجة لاختلاف وجهات النظر، وتشدد الأطراف وتباين المواقف. وكانت مفاجأة الاجتماع اتحاد الجناحين الجنوبيين المعارضين، وإعلانهما تشكيل وفد موحد، وإعلانهما العزم على اتخاذ مواقف موحدة. وبناء على طلب الحكومة، شكل الوفدان وفداً واحداً مكوناً من تسعة أعضاء هم: الدكتور لام أكول رئيساً "رئيس جناح الناصر"، وليام نيون، بروفيسور بارى وانجى، ودينق الور، واليامالوجوك، وبيرسولى، وجستن ياكوجنون لوك.

          قُسِّم المؤتمر إلى لجان ثلاث، هي: اللجنة السياسية، واللجنة القانونية، واللجنة الاقتصادية. وفي اللجنة السياسية طُرح موقف الحكومة السودانية، المؤيد للسودان الفيدرالي الموحد، حيث يمكن استيعاب التنوع الثقافي والديني في البلاد.  وأن هذا النظام يُقّسِم السودان إلى تسع ولايات، تشتمل على 69 محافظة، ويمكِّن المواطنين من المشاركة في السلطة، ابتداء من القاعدة "المجالس المحلية"، إلى القمة المتمثلة في المجلس الوطني. ولكن وفد الجنوب أصرّ على الدستور العلماني، أو منح الجنوب حق تقرير المصير. وعلى مستوى اللجنة القانونية، أصرت الحكومة على أن تكون الشريعة والعرف هما المصدرين الرئيسيين للتشريع، على أن يكون للجنوب الخيار في مصادر تشريعية أخرى. في حين كان موقف وفد الجنوب مبنيا على أساس أن الشريعة والعرف يستخدمان كمصدر للتشريع، فيما يتعلق بالأحوال الشخصية مثل الزواج والطلاق والميراث، بالنسبة لكل المسلمين في الشمال والجنوب.

          أما في اللجنة الاقتصادية فقد طالب وفد الجنوب بضرورة التوزيع العادل للثروة، من خلال تشكيل لجنة مشتركة لتوزيع الدخل العام للدولة، كما ركّز على قضايا أخرى، مثل: إعادة بناء المناطق التي دمرتها الحرب، ومشكلات المهجرين واللاجئين.

نتائج المؤتمر

          لم يتخذ المؤتمر قرارات حاسمة لحل المشكلة، ولكنه وضع الأطراف السودانية عند نقطة البداية، نحو تسوية سياسية للحفاظ على وحدة السودان، ولتوزيع السلطة والثروة بين العاصمة والأقاليم. وقد غطى المؤتمر جميع قضايا الحرب الأهلية في السودان، مثل الإقرار بالتنوع العرقي واللغوي والديني والثقافي في السودان، وأنه لا يمكن حل النزاع إلاّ بأسلوب التفاوض والتسوية السياسية. كما نص المؤتمر على دين الدولة في الدستور، وضرورة العمل في اتجاه إجراءات مؤسسية وسياسية للتعامل مسترشدة بالتجربة الفيدرالية. وكذلك تشكيل لجنة مشتركة لتوزيع الدخل العام للدولة، وإعادة بناء المناطق التي دمرتها الحرب ومشكلات المهجرين واللاجئين.

          وتم الاتفاق على استمرار الدور النيجيري، حتى بعد انتهاء رئاسة الرئيس "بابانجيدا" لمنظمة الوحدة الأفريقية. وأن تجتمع الأطراف اجتماعها القادم في أبوجا بعد شهر.

مؤتمر أبوجا2: من 26 أبريل إلى 9 مايو 1993

حرصت الحكومة السودانية على انعقاد مؤتمر "أبوجا2" في نيجيريا، بسبب العوامل الآتية:

  1. الضغوط الدولية التي مورست عليها، وظهور مؤشرات دولية لتشديد الحصار الاقتصادي والسياسي على السودان.
  2. فشل جهودها العسكرية في حسم الموقف لصالحها.

          شكلت الحكومة وفدها برئاسة "محمد الأمين خليفة"، رئيس المجلس الوطني الانتقالي، وعضوية عدد من المسؤولين عن الولايات الغربية، والجنوبية.

          وقد اهتم "جون قرنق" بهذه المفاوضات، لضعف موقفه العسكري والسياسي. إضافة إلى كثرة الانشقاقات التي لحقت بالحركة الشعبية لتحرير السودان، وتصاعد المجاعة في الجنوب.

واكب انعقاد المؤتمر ثلاثة أحداث رئيسية، أثرت على نتائجه، وهي:

  1. مطالبة جناح توريت بإشراك مراقبين دوليين، وهو ما لقي معارضة من الوسط النيجيري واعتبره عدم ثقة في وساطته. كما طلب قرنق من الأمين العام للأمم المتحدة ووزارة الخارجية الأمريكية، مشاركة فعاله في محادثات السلام. وكذلك طالب الجماعة الأوروبية بمتابعة المفاوضات، ومراقبة ممارسات الحكومة السودانية.
  2. وصول "جون قرنق" إلى واشنطن في يوم انعقاد المؤتمر في "أبوجا"، وعقده لقاء مع مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية. ثم حضور قرنق إلى المؤتمر في اليوم الأخير للمفاوضات، ورفضه التوقيع على البيان المشترك.
  3. إجراء الحكومة السودانية مفاوضات مع جناح الناصر في نيروبي، كنوع من الضغط على قرنق في مفاوضات أبوجا2، وتحييد منطقة أعالي النيل المتمثلة في الحركة الشعبية المتحدة لتحرير السودان (قبائل الشُلك والنوير).

لم يتوصل المؤتمر إلى قرارات تحُل المشكلة، ولكنه توصل إلى نقاط اتفاق تمثلت في:

  1. التزام الطرفين بتحقيق السلام في جنوب السودان، عن طريق التفاوض والحل السلمي.
  2. وقف إطلاق النار لتسهيل مهمة عمليات الإغاثة والإمداد بالمساعدات الإنسانية، وتُكّون لجنة للإشراف عليها.
  3. إجراء حوار حول قضيتين رئيسيتين، هما: الدين والدولة.
  4. الالتزام بوحدة السودان.
  5. إنشاء حكومات للولايات وسلطة مركزية للدولة، وتحديد اختصاصات ومسؤوليات كل طرف.
  6. تشكيل لجنة لتوزيع الدخل القومي، تُشارك فيها نيجيريا بصفة مراقب.

أما نقاط الخلاف فاشتملت على الآتي:

  1. طبيعة العلاقة بين الدين والدولة.
  2. الإجراءات الأمنية في الجنوب خلال الفترة الانتقالية.
  3. تشكيل لجنة لفرض وقف إطلاق النار ومراقبته.
  4. تشكيل لجنة لتوزيع الثروات.
  5. وضع القضاء ومصادر التشريع في السلطة الفيدرالية.
  6. توزيع الصلاحيات بين الحكومة الاتحادية والولايات.

وبفشل محاولات الصلح في مؤتمر أبوجا2، استمرت أعمال القتال.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة