|
ثانياً: الموقفان الإقليمي والدولي
1. الموقف الإقليمي
أ. جامعة الدول العربية
اختتم الدكتور عصمت عبدالمجيد الأمين العام لجامعة الدول العربية يوم 18/2/1999 زيارة للعاصمة السودانية الخرطوم استغرقت يومين التقى خلالها الرئيس السوداني، وأجرى محادثات مع وزير الخارجية.
وأوضح بيان صادر في ختام الزيارة: أن الأمين العام زار السودان في إطار تحركه الدؤوب لتبادل وجهات النظر مع القيادات العربية بشأن القضايا العربية الماثلة، وطموحات المستقبل محل اهتمام الدولة العربية.
وأضاف البيان: "إن المباحثات شملت الاستعراض الشامل للوضع الإقليمي والدولي، والموقف العربي المطلوب تجاهه وتعرّف الأمين العام مجريات الأحوال والتطورات السياسية والدستورية في البلاد، والجهود المبذُولة، والإنجازات التي تحققت في هذه المجالات، وتعزيز الخطوات، وتحقيق السلام في جنوب السودان". وأكد الأمين العام: وقوف الجامعة تجاه دعم السودان في كل ما يحفظ أمنه واستقراره، ووحدة أراضيه وسلامتها.
وعقد الأمين العام وزير الخارجية السوداني مؤتمراً صحافياً، أعلن فيه: "أن الجامعة تؤيد كل تحرّك يقوم به السودان لحلّ مشكلة الجنوب وأن الجامعة على استعداد لأداء أي دور إذا طلب منها ذلك.
وفي يوم 25/2/1999 طلبت الخرطوم من الجامعة العربية إدراج بند بعنوان "المخططات التآمرية الأجنبية التي تستهدف السودان" على جدول أعمال مجلس وزراء الجامعة العربية المقرر عقده في 17 و 18 مارس 1999 بهدف الحصول على مساندة الجامعة ودعمها. وأكدت الخرطوم ـ في مذكرة رسمية وجهتها إلى الأمانة العامة للجامعة ـ وجود مؤامرات ومخططات تآمرية أجنبية تستهدف سيادة السودان ووحدة ترابه الوطني، وانتماءه وتوجهه العربي.
وأضافت المذكرة أن هذه المخططات تمثلت في شكل "اعتداءات متوالية من بعض الدول المجاورة مثل أوغندا وإريتريا اللتين تحتضنان المعارضة المسلحة التي أعلنت الحرب على السودان. وأضافت أن هذه الدول تمدّ يد العون والدعم السياسيّ واللوجستي لرموز المعارضة المتمردة والمسلحة ضد الحكومة الشرعية.
وأكدت المذكرة: أن القوى المعادية للسودان وللأمة العربية والإسلامية تستخدم هذه الدول وتؤجج من أوار عدائها واعتداءاتها المتكررة والسافرة على الأراضي السودانية.
وقالت المذكرة: إن الولايات المتحدة ما زالت تعتصم بمواقف المجابهة، والعمل على تغيير نظام الحكم في السودان، وتعمل على مدّ أعداء السودان بمقومات العدوان وأسسه.
وطالبت الخرطوم الدول العربية باتخاذ موقف واضح رافض لهذه المخططات ومساندة السودان. في مطالبته مجلس الأمن إرسال بعثة لتقصّي الحقائق في شأن قصف مصنع الشفاء للأدوية شمال الخرطوم، الذي ما زال يراوح مكانه في أروقة مجلس الأمن، رغم أن العدوان على المصنع يعدّ انتهاكاً خطيراً لسيادة السودان وللأعراف والمواثيق الدولية.
وفي 12/8/99 أصدرت الأمانة العامة للجامعة العربية بياناً أعربت فيه عن ارتياحها الكامل لقرار جمهورية السودان بوقف إطلاق النار حقناً لدماء أبناء الشعب السوداني وتوفيراً للأجواء المناسبة لتحقيق الوفاق الوطني، وإقامة أركان السلام والاستقرار، وتعزيز الوحدة الوطنية في ربوع السودان.
وفي البيان أهابت الأمانة العامة للجامعة بمنظمة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية ودول الجوار في كل مسارح العمليات في السودان ومساندة الجهود الخيرة التي تبذلها مصر وليبيا ولتحقيق المصالحة الوطنية في السودان.
ب. دول الإيقاد
وتحت رعاية دول الإيقاد في يوم 19/7/99 استأنفت الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان التي يتزعمها جون قرنق في نيروبي المفاوضات الهادفة إلى إنهاء الحرب الأهلية التي تجتاح جنوب البلاد منذ 16 عاماً.
وخلال حفل الافتتاح دعا وزير الخارجية الكيني الطرفين إلى التفاوض بتصميم صادق، وإلى مضاعفة جهودهما لإنهاء النزاع. وصرح الوزير الكيني: أن نقاط الخلاف الثلاث تتناول وقف إطلاق النار الشامل، والعلاقات بين الدين والدولة، وتحديد حدود جنوب السودان.
ودعا السفير الإيطالي في كينيا ـ الذي كان يتحدث باسم: منتدى شركاء الإيقاد، الجانبين إلى المستوى الحالي للمساعدة الإنسانية من دون حصول تقدّم جوهري في المحادثات.
وفي ختام جلسة الافتتاح أعلن الجيش الشعبي لتحرير السودان أنه قرر أن يمدد وقف إطلاق النار الإنساني لفترة ثلاثة أشهر المطبق منذ سنة في ولاية بحر الغزال، وأن يوسعه ليشمل غرب ولاية أعالي النيل ووسطها.
وفي اليوم التالي بدأت المفاوضات في جلسات مغلقة على مدى ثلاثة أيام بحضور وزراء خارجية لجنة الوساطة المنبثقة عن منظمة الإيقاد.
وقال أحد المشاركين: إنّ أهداف الاجتماع هي التحضير بشكل أفضل للمحادثات المقبلة، مع تشكيل أمانة عامة فعلية للجنة الوساطة (كينيا وأوغندا وإريتريا وإثيوبيا) في نيروبي.
واختتمت المحادثات دون التوصل إلى اتفاق على تجديد وقف النار للسماح بنقل مساعدات إلى المناطق التي تعاني المجاعة وهو تطور وصفه برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة بأنه مثير للانزعاج.
وعقب المفاوضات عقد ممثلو الحكومة مؤتمراً صحفياً في العاصمة الكينية أكدوا فيه أنهم رفضوا عرضاً من الجيش الشعبي بتمديد وقف النار في منطقة بحر الغزال لأسباب إنسانية، مشيرين إلى أنهم لن يقبلوا إلا باتفاق يشمل الجنوب بأكمله.
ورفض ممثلو الجيش الشعبي عرضاً مقابلاً تقدمت به الحكومة وأعلن الناطق باسم الجيش الشعبيّ. ـ في مؤتمر صحفي ـ أنه لا يمكن التوصل لاتفاق شامل لوقف النار إلا بعد الاتفاق على القضايا المثيرة للخلاف في محادثات السلام.
وتبادلت حكومة الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان الاتهامات حول مسؤولية فشل مفاوضات السلام التي جرت على مدار خمسة أيام في نيروبي وأنهت أعمالها يوم 23/7/1999 دون تحقيق تقدم حسبما كان متوقعاً.
وفي مؤتمر صحفي عقده وزير الخارجية السوداني بعيد وصوله إلى الخرطوم يوم 24/7/99 أكد أن الجولة حققت تقدماً في جانب الترتيبات والإجراءات، ووجه انتقادات عنيفة للحركة الشعبية لمواقفها داخل المفاوضات قائلاً: إنها تراجعت عن كل مواقفها التي تم الاتفاق عليها في المفاوضات السابقة ومن بينها تعريف حدود جنوب السودان لعام 1956 التي حددها الاستعمار البريطاني.
وأضاف الوزير: إن الحركة الشعبية أدخلت تعريفاً جديداً لحدود السودان الجنوبية بإصرارها على ضم مناطق في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق.
وحول مسألة العلاقة بين الدين والدولة، أكدّ المسؤول السوداني أن المفاوضات عادت إلى المربع الأوّل في هذه القضية بمطالبة الحركة الشعبية بالفصل التام بين الدين والدولة، وإعلان الدولة العلمانية، متراجعة عن صبغة اتفق عليها في السابق تحدد العلاقة بين الدين والدولة.
ومن جانبه حملّ الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية الحكومية السودانية مسؤولية فشل المفاوضات؛ قائلاً: إن الخلافات الأساسية التي تهم السودانيين لم تناقش، وحدّد الانتقادات للحكومة قائلاً: إنها تخدعهم بحديثها عن العلاقة بين الدين والدولة.
وفي اجتماع مجلس الوزراء السوداني يوم 25/7/99 بدا المجلس رافضاً لنتائج مفاوضات السلام في نيروبي، حيث أعلن المجلس تمسكه بتحقيق السلام من الداخل وبتفعيل الجهود في هذا الاتجاه لتحقيق السلام الشامل في البلاد، واستكمال خطوات تنفيذ اتفاقية الخرطوم للسلام 1997 والاستمرار في تعزيز جهود التفاوض والحوار.
|