الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
الموقع الجغرافي للسودان
تضاريس السودان
التقسيم الإداري للسودان
التوزيع القبلي للسودان
قناة جونجلي
أماكن معسكرات الفصائل

ج. مصر

          وفي القاهرة استقبل نائب رئيس الوزراء المصري ووزير الخارجية يوم 14/1/99 العقيد جون قرنق رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان غداة وصوله إلى مصر قادماً من ليبيا حيث أبلغها نتائج محادثاته في طرابلس مع العقيد معمر القذافي حول وقف الحرب الدائرة في جنوب السودان.

          وفي اللقاء تعهد جون قرنق بالحفاظ على وحدة السودان والسعي المخلص لترسيخ وحدة وادي النيل.

          ورفضت مصادر في الخارجية المصرية التأكيد أو النفي ما إذا كانت القاهرة ستطرح مبادرة لإنهاء الأزمة السودانية وقال: إننا ننتظر نتائج الجهود الليبية ونتمنى لها النجاح.

          وفي 15/1/1999 عقد قرنق جلسة محادثات ثانية مع مسؤولين مصريين أبلغهم خلالها أنه لا يثق في الحكومة الحالية في الخرطوم التي حمّلها مسؤولية خرق اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة.

          ولوحظ أن زيارة قرنق إلى مصر أحاطها المسؤولون المصريون بحفاوة شديدة وعدّوها توطيداً للعلاقات بين القاهرة وقرنق.

          وفي القاهرة أكّد مدير إدارة شؤون السودان بوزارة الخارجية المصرية موقف مصر الثابت والواضح تجاه القضية السودانية مشيراً إلى أن مصر تتمسك بتسوية المشكلات الراهنة، ووضع حلول جذرية لجميع المشكلات المطروحة، والحفاظ على استقرار السودان ووحدة أراضيه.

          جاء ذلك في تصريحات صحفية للمسؤول المصري قبل مغادرته القاهرة يوم 8/3/1999 إلى النرويج للمشاركة في اجتماعات لجنة أصدقاء الإيقاد.

          وقال المسؤول المصري: إن الاجتماع الذي يضمّ دولاً أوروبية، إضافة للولايات المتحدة، وكندا ومصر وبعض المنظمات الدولية، يسعى إلى تقديم المساعدة للسودان، وأيضاً التوصل إلى كيفية تسوية المشكلات السودانية.

          ومن جهة أخرى قالت مصادر مطلعة: إن وفد مصر المشارك في اجتماعات منتدى الإيقاد سيعرض الجهود التي تبذلها القاهرة واتصالاتها مع جميع الأطراف السودانية لأجل فتح قنوات للحوار بحيث تفضي إلى التوصل إلى صيغة لتسوية جميع المشكلات والخلافات بين فصائل المعارضة الشمالية والجنوبية، والحكومة السودانية.

          كما تؤكد مصر، من خلال ورقة عملها أمام المنتدى، رفضها التام لأية محاولة للتدخل في شؤون السودان، وإحداث أية تغييرات تمس سلامة أراضيه ووحدتها. وأنها تعارض أية توجّهات في هذا الأمر، وأنها تدعم جهود الحل السلمي عبر الحوار بين مختلف الأطراف.

          وفي إطار سعي القيادة المصرية لإيجاد حل للمشكلة السودانية استقبل وزير الخارجية المصري بمكتبه يوم 25/3/1999 رموز المعارضة السودانية، وعقب الاجتماع أوضح الوزير أن لقاءه مع وفد المعارضة يرتبط بلقائه السابق ـ على هامش المجلس الوزاريّ الأفريقي ـ مع نظيره السوداني، وأشار إلى أن الحديث مع قيادات المعارضة دار حول ما يجري بالسودان، والتفاعل مع المشكلات الخطيرة القائمة هناك، مؤكداً أن اللقاءات مستمرة ومتواصلة مع الأخوة السودانيين لمحاولة إيجاد حلّ ومعالجة الأوضاع بقدر المستطاع.

          وقال الوزير المصري: إن هناك رغبة في المصالحة بين مختلف الأطراف السودانية خاصة بعد لقائه مع الحكومة والمعارضة.

          وحول ما يتردد عن تقسيم السودان قال الوزير: إن هذه القضية معروفة، ولا أعتقد أن أيّاً من القوى التي تبغي حل مشكلة السودان يمكنها أن تقدم على إجراء من شأنه التقسيم؛ لأنّ هذا لن يكون حّلاً، وإنما سيكون تعقيداً للمشكلة برمتها، ليس للسودان وحده؛ ولكن لسائر دول المنطقة. مؤكداً أن موقف مصر من هذا الأمر واضح تماماً.

          ومن جهته قال رئيس التجمع الوطني محمد عثمان الميرغني: إن التجمع يرفض تماماً أي حديث عن فصل الجنوب، وأكدّ أنهم مع خيار الوحدة.

          وأكد الميرغني أن هذه اللقاءات سوف تستمر مستقبلاً وقال: إن الدور المصري محل تقدير وإجماع من جميع أطراف المعارضة السودانية.

          وكشفت مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع أن مصر طرحت مبادرة من أربعة بنود للتوفيق بين الأطراف السودانية، وأكدت المصادر أنه يتم التشاور بين القاهرة ومختلف الأطراف السودانية بهدف إيجاد أرضية مشتركة والتوصل إلى صيغة يمكن ـ من خلالها ـ بدء حوار. بينما أبدت القاهرة استعدادها لاستضافة اللقاءات، وتوفير كل أشكال الدعم للسودانيين بهدف إنجاح هذا الحوار.

          وعلم من مصادر مطلعة أن الصيغة التي طرحتها القاهرة تنص على الآتي:

 

أولاً:

تمسك جميع الأطراف بالسودان الموحّد.

 

ثانياً:

ضرورة اعتماد الحوار الديمقراطي وسيلة وحيدة لحل المشكلات القائمة. ووقف العمليات المسلحة.

 

ثالثاً:

الحفاظ على التعددية التي يتسم بها السودان واحترامها.

 

رابعاً:

الإقرار بمبدأ عدالة توزيع الثروة، وتداول السلطة، ومشاركة جميع الفعاليات السودانية فيها، ما دامت تسعى إلى تحقيق مصلحة الشعب السودانيّ.

          وتقول المصادر الدبلوماسية: إن القاهرة عكفت على صياغة هذه المبادرة على مدار عدّة أشهر مضت، خاصة على ضوء لقاءات جرت عدّة مرات سواء مع أقطاب المعارضة أو الحكومة، فيما تسعى القاهرة للحصول على تنازلات من جميع الأطراف والتوصل إلى صيغة مشتركة تتحقق من خلالها إمكانية بلورة أسس هذا الحوار وأهدافه.

          وذكرت المصادر؛ أن مباحثات وزير الخارجية المصري مع نظيره السوداني على مدار الأشهر الأخيرة، ثم زيارة قائد الجيش الشعبي جون قرنق للقاهرة، وكذلك المباحثات بين وزير الخارجية المصري ورموز المعارضة؛ ساهمت في بلورة هذا التحرك وإنضاج تلك المبادرة التي تُفضّل القاهرة تسميتها "جهوداً" لتقريب وجهات النظر بين الأشقاء السودانيين لمصلحة السودان، بدلاً من تسميتها "وساطة" أو "مبادرة".

          وفي النصف الثاني من عام 1998 نجحت مصر ـ خلال استضافتها مؤتمراً للمعارضة ـ في الحصول على تفويض بأهمية دورها حيال المشكلة السودانية، وتلت ذلك خطوة انضمام مصر إلى لجنة شركاء الإيقاد المعنية ببحث قضية السودان، التي تضم أطرافاً أفريقية وأمريكية وأوروبية.

          وظلّت القاهرة ـ رغم خصوصيّة علاقاتها وروابطها مع السودان ـ خارج تلك اللجنة على مدار الفترة الماضية ومنذ تشكيلها.

          ومن جانب آخر، أكدّت المصادر المصرية: أن الفترة القليلة المقبلة ستشهد تحركاً مهماً باتجاه الوضع بالسودان والحيلولة دون المزيد من التدهور من جانب، وباتجاه تهيئة الأجواء لفتح قنوات الحوار بين الحكومة والمعارضة من جانب آخر.

          وفي اجتماع تأسيسيّ للمؤتمر الوطني (التنظيم الحاكم) في الخرطوم يوم 13/4/99 رفض الرئيس السوداني عمر البشير والدكتور حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر، المبادرة المصرية وقال الترابي: إن المعارضة أرسلت بوساطات مصرية أوراقاً تدعو فيها إلى حكومة ائتلافية، وإلى وفاق يقوم على توزيع كراسي السلطة، ولم ترسل مع وراقها مبعوثاً. وأضاف الترابي: إن القضية عندنا ليست تقاسم كراسي سلطة، ولا وفاقاً ولا حكومة ائتلافية بيننا وبين المعارضة، وأن وجهتنا مختلفة والخلاف بيننا جوهري، وأن طريق الإنقاذ هو الإسلام والدين، وإن المعارضة تركت الله وخلافها أصولي مع الإسلام والمسيحية، ونحن على استعداد للاستشهاد في سبيل الله والسجن عشرات السنين من أجل قضيتنا الجوهرية.

          وحذر الترابي قائلاً: من يريد أن يقاتلنا بالسلاح سنقاتله، وسنحاول من أراد مجادلتنا في الكون كله، ومستعدون للحوار مع أية جهة وفقاً لثوابت الدين، ونحن على استعداد للحوار مع من حملوا السلاح إذا ما تابوا وتركوا القتال وآمنوا بالثوابت. واتهم الترابي أحزاب المعارضة بأنها نسيت الدين.   

          وندد الفريق البشير، أمام المؤتمر، بالذين يريدون الحوار من أجل اقتسام كعكة السلطة وقال: إن الإنقاذ بدأت الحوار مع المعارضين منذ اليوم الأول من قيامها، وستظل تدعوا بالحسنى وتحاول الناس بالتي هي أحسن.

          وأثارت تصريحات البشير والترابي الرافضة للمبادرة المصرية للوفاق مع المعارضة جدلاً سياسياً في السودان.

          وقالت سارة الفاضل زوجة الصادق المهدي وعضو المكتب السياسي لحزب الأمة: إن هذا الموقف كان متوقعاً، فالحكومة تناور لكسب الوقت اعتقاداً منها أنها ستتمكّن من تصدير البترول في يونيه المقبل ومن ثمّ تحقيق رخاء، وهذا وهم كما أنها تحاول منذ فترة الانفراد بحل مع الجيش الشعبي لتحرير السودان وبعض السياسيين الجنوبيين المعارضين في الداخل توهماً من أنها إذا نجحت في هذا الاتجاه ستضعف المعارضة.

          وأضافت سارة الفاضل في تصريح للصحافيين: إن المعارضة لم تبادر بطلب الوفاق، كما حاول الترابي أن يدّعي في تصريحاته، بل إن الحكومة هي التي أبدت استعدادها لقبول مبادرة للوفاق مع المعارضة، وسلمت لمصر مبادرتها في هذا الصدد، واتصلت الحكومة المصرية ـ على ضوء هذا ـ بالمعارضة التي أعدّت مذكرتها استناداً على المذكرة التي حاولت المعارضة الداخلية تسليمها للفريق البشير في ديسمبر 1997، أي أن رد المعارضة لا يتضمن شروطاً جديدة تستدعي هذا الهيجان الحكومي.

          وقال الصادق عبدالله عبدالماجد، زعيم جماعة الأخوان المسلمين: لقد بلغت بنا الحيرة من تصريحات المسؤولين المتناقضة جداً، إلى قناعة تامة بأن اختلافاً حقيقياً في وجهات النظر في سياسة الدولة هو الذي يسيطر الآن تماماً على الآراء التي تصدر من المسؤولين.

          وقال في مقاله اليومي في صحيفة (أخبار اليوم): إن على الذين يرغبون في الوفاق والحوار والصلح، إن كانوا جادين حقاً، ألا يفرشوا الطريق بالأشواك، فذلك أدعى للثقة وأقرب للتصديق، أما هذا الذي نسمع ونقرأ ونرى، فلا يعين على حق، فالناس كبروا وما عادت موازينهم هي موازين الأمس.

          ومن جهته قال علي محمود حسنين، القيادي البارز في الحزب الاتحادي الديمقراطي المعارض: إن الموقف الآن بين الحكومة والمعارضة يستدعي أن تسرع الحكومة في إيجاد الوفاق مع المعارضة، وليس إيقاف عملية الوفاق معها.

          وقال في تصريحات صحافية: إن رفض الحكومة لطلب المعارضة يدفعها لحمل السلاح ضدها، وها هي الحكومة تقاوض الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تحمل السلاح ضدّها، ولم ترفض يوماً مفاوضتها، وأن الموقف الآن أصبح واحداً والعملية العسكرية التي تقوم بها المعارضة ستستمر إلى أن يصل الطرفان لوفاق.

          وفي المجلس الوطني، طالب عدد من النواب الحكومة تحديد موقفها من الوفاق؛ حتى لا يصبح الوفاق حاضراً في الصحافة وغائباً عن المسرح السياسيّ.

          وفي القاهرة أكد مصدر دبلوماسي مسؤول أن الجهود المصرية مستمرة لرأب الصدع بين الحكومة السودانية وفضائل المعارضة وفتح قنوات حوار تحقق مصلحة السودان.

          ونفى ما تردد حول تقدم مصر بمقترحات تتقاسم السلطة بين الأطراف السودانية. وقال المصدر: إن القاهرة لا تولي أي أهمية لتصريحات الدكتور حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر الوطني (التنظيم الحاكم) لكنها تهتم بالموقف الذي يبديه الرئيس عمر البشير، لأنه يمثل أعلى سلطة سياسية، والذي لم يرد على لسانه أي تشكيك أو طعن في الدور المصريّ.

          وفي الوقت نفسه، كشفت مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع في القاهرة، عن صعوبات تواجه الحوار بين الحكومة السودانية والمعارضة وعملية جمع الطرفين على طاولة المفاوضات.

          ولمحت المصادر إلى مساعٍ مصرية لكسر جمود الموقف بين الطرفين بعد أن تمسّك كل طرف برأيه، حيث طلبت مصر أن يقدم كلاهما تنازلات وصفتها بأنها إستراتيجية وحيوية لمصلحة السودان وشعبه، ولمواجهة أية تحديات تستهدف مستقبله واستقراره ووحدة أراضيه.

          وحملت القاهرة سفير السودان لديها أجندة مقترحات تخص نتائج اتصالات عقدتها مع قيادات التجمع الوطني الديمقراطي السوداني المعارض.

          في شهر مارس 1999م، كان وزير الخارجية المصري قد التقى الصادق المهدي رئيس حزب الأمة، ومحمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي ورئيس التجمع الوطني، ومبعوثاً شخصياً للعقيد جون قرنق، وفاروق أبو عيسى المتحدث باسم التجمع.

          وفيما بدت ملامح انفراج لبدء حوار بين الحكومة والمعارضة، رحبت القاهرة باستضافتها له، وأبدت استعدادها لتقديم كافة أشكال المساعدات والعون لنجاحه، إلاّ أن المصادر الدبلوماسية أكّدت أن البدء في هذا الحوار يحتاج إلى تنازلات كبيرة من جانب أطرافه، وهي تنازلات لم تتحقق بعد.

          ولمحت المصادر إلى اقتراح بإمكانية عقد هذا الحوار بين وفد من المعارضة يضم اللجنة الرباعية، ووفد آخر من جانب الحكومة تحدد مستواه وطبيعة مهامه.

          وعلم أن القاهرة تتولى دور الوسيط لنقل مقترحات الطرفين والسعي للتوصل إلى نقطة التقاء وأرضية يمكن من خلالها بدء الحوار، وينتظر أن تستضيف القاهرة وفوداً سودانية سواء من الحكومة أو المعارضة للتحضير لهذا الحوار.

          وفي وقت لاحق طلب الرئيس السوداني عمر البشير من مصر إبعاد عناصر المعارضة السودانية من أراضيها، إلاّ أن هذا الطلب قوبل بالرفض من الجانب المصري، حيث أعلن وزير الخارجية المصري: أن مصر مفتوحة دائماً لجميع الأخوة السودانيين على مرّ التاريخ، وفقاً للعلاقات المتميزة بين البلدين. ووصف الوزير العلاقات بين السودانيين ومصر بأنها علاقات خاصة.

          وأكد الوزير المصري في تصريحات للصحافيين يوم 26/4/1999: أن مصر لا تتدخل أبداً في شؤون السودان الداخلية باستضافتها رموز المعارضة، مشددة على أن: مصر لا تعمل أبداً ضد مصلحة السودان، والعكس هو ما يحدث، أي مساعدة السودان على حل مشكلاته. وفي هذا الإطار فإن مصر تعمل مع جميع السودانيين أياً كانت توجهاتهم، وفي إطار ما يدعم وحدة السودان أرضاً وشعباً لحماية مستقبله واستقراره سوداناً موحداً.

          وعلى هامش القمة الأفريقية في الجزائر التقى الرئيسان المصري حسني مبارك والسوداني عمر البشير في يوم 12/7/99.

          وعقب اللقاء صرح الرئيس المصري: أنه تحدث مع الرئيس السوداني في موضوعات؛ الأمن، والممتلكات المصرية، ومؤتمر المصالحة للقوى السودانية المقترح عقده في القاهرة.

          وقال مبارك في تصريحات صحافية: "قلت للرئيس السوداني كل شئ وكنت صريحاً معه. كما استمعت إليه. وقد أبدى استعداده لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه. وها نحن ننتظر التنفيذ".

          أما الرئيس السوداني، فقد أكّد ترحيبه بالجهود التي تبذلها مصر للمصالحة بين الحكومة والمعارضة. ووصف كافة الخطوات التي ترعاها مصر، لتحقيق المصالحة، بأنها تسير وفق تنسيق تام بين وزيري خارجية البلدين.

          ووصف البشير لقاءه مع مبارك بأنه كان طيباً وتناول سبل تحقيق السلام والوفاق الوطني في السودان، والجدير بالذكر أن هذا اللقاء هو الأول من نوعه منذ عام 1996.

          وعقب اللقاء أعلن وزير الخارجية السوداني ـ في تصريحات صحافية ـ أن الرئيسين وجها وزيري خارجية البلدين بالإسراع في إكمال تطبيع العلاقات الثنائية، وأن لقاءهما أعطى دفعة قوية لعودة هذه العلاقات لوضعها الطبيعي، وأن المرحلة القادمة ستشهد تنفيذ مزيد مما تم الاتفاق عليه.

          وفي يوم 18/7/99 اجتمع وزير الخارجية المصريّ عمرو موسى مع الصادق المهدي رئيس حزب الأمة المعارض، ومحمد عثمان الميرغني رئيس التجمع الوطني.

          وذكرت وكالات الأنباء أن موسى أطلع زعيمي المعارضة على نتائج مباحثاته مع وزير الخارجية السوداني على هامش القمة الأفريقية في الجزائر، والترتيبات التي تقوم بها أطراف عربية، من بينها مصر وليبيا، لعقد مؤتمر بين الحكومة والمعارضة السودانية.

          كما شملت المشاورات بين موسى والمهدي والميرغني نتائج اجتماعات المعارضة السودانية بالقاهرة الأسبوع الماضي، وكذلك تطورات الوضع بالسودان في الجنوب والمساعي التي تبذل لوضح حدّ للحرب الأهلية هناك.

          ومن ناحية أخرى تلقى السودان تطمينات مصرية تنفي ما نسبته بعض مصادر المعارضة السودانية إلى نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة المصري والأمين العام للحزب الوطني الحاكم د. يوسف والي حول استعداد مصر لتقديم دعم عسكري للمعارضة شريطة قيامها بتصعيد عملياتها ضد قوات النظام السوداني.

          وكان سفير السودان في القاهرة قد التقى وزير الخارجية المصري يوم 17/7/99، بتكليف من حكومته لطلب استفسار رسمي من المسؤولين المصريين عن حقيقة ما قيل. ونقل السفير السوداني للوزير المصري انزعاج حكومته من هذه التصريحات التي ورد أن نائب رئيس الوزراء المصري أدلى بها خلال جلسات مغلقة مع المعارضة السودانية، الأمر الذي نفاه وزير الخارجية المصري تماماً، حيث أكدّ أن موقف مصر المعلن من قضية الخلاف بين المعارضة والحكومة السودانية هو موقفها السري نفسه، مشيراً إلى أن تدخل مصر في هذه القضية تمّ بمباركة من القيادة السودانية.

          وقال السفير السوداني، عقب لقائه مع وزير الخارجية المصري: إن هناك إجراءات اتخذتها حكومة بلاده نتيجة للقمة الثنائية الناجحة بين الرئيسين حسني مبارك وعمر البشير. ولمح إلى أن هذه الإجراءات تتمثل في الاتفاق على تنشيط عمل اللجان الثنائية التي تضطلع بالعلاقات التجارية والثقافية، مشيراً إلى أن وزير التجارة المصري سيتوجه إلى الخرطوم قريباً لرئاسة وفد مصر في اجتماعات تجديد بروتوكول التعاون التجاريّ بين البلدين، كما سيتزامن مع هذا التحرك إبرام اتفاقات وعقد مباحثات لتنشيط العلاقات الثقافية.

          وفي الوقت الذي أعلن فيه عن فشل محادثات السلام بين الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان في العاصمة الكينية يوم 23/7/1999 كشفت مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع في القاهرة عن جهود مكثفة تبذلها مصر تهدف إلى التعجيل بعقد مؤتمر قومي للمصالحة بين الحكومة والمعارضة. غير أن المصادر لمحت إلى عقبات وخلافات ليست يسيرة، ما زالت تقف حجر عثرة أمام هذه الجهود وتحقيق هذه المصالحة. وأشارت إلى أن مناخاً بعدم الثقة ما زال يسود بين الأطراف، وبالتالي تعمل القاهرة بالتنسيق مع أطراف عربية من أجل تحسين هذا المناخ.

          وقالت المصادر: إن القاهرة ستستضيف اجتماعاً، يجري الترتيب له، لوزير الخارجية المصري مع لجنة خماسية تضم قيادات المعارضة السودانية. وينتظر أن يشارك فيه كل من قرنق والصادق المهدي والميرغني وفاروق أبو عيسى إضافة إلى عضو خامس تقرر ضمه.

          ومن جانب آخر قالت المصادر: إن القاهرة تولي اهتماماً كبيراً لتحقيق المصالحة بين الحكومة والمعارضة من خلال عقد المؤتمر القومي للحوار الوطني المأمول أن يؤدي إلى مصالحة شاملة. وأكدت أن هذه القضية تحتل مرتبة متقدمة لدى مصر ربما تعلو على علاقتها الثنائية مع السودان أو حتى موضوع الممتلكات التي أشارت إلى قطع خطوات مهمة نحو تسويتها.

          وقالت مصادر دبلوماسية مصرية مطلعة: إن اتصالاً هاتفياً بين وزيري الخارجية المصري والسوداني جرى يوم 3/8/99 وتركز على الجهود المبذولة لعقد مؤتمر للوفاق الوطني وبدء حوار بين الحكومة السودانية والمعارضة.

          وذكرت المصادر؛ أن المحادثة الهاتفية تناولت نتائج اجتماع للمعارضة السودانية عقد في ليبيا مؤخراً وأحرز تقدماً مهماً لأول مرة بعد قبول المعارضة مبادرة ليبية بشأن هذا الحوار.

          وكشفت المصادر تطرق الوزيرين، خلال محادثتهما، إلى كافة جوانب العلاقات بين البلدين والتأكيد على المضي في إجراءات وخطوات لتصحيحها ودعمها في جميع المجالات، خاصة بعد أن شهدت تطوراً وتقدماً مهماً خلال الشهرين الماضين.

          وذكرت المصادر ذاتها: أن الوزيرين ينتهجان خطاً يهدف إلى تصفية جميع القضايا الخلافية.

          وفي أوائل شهر أغسطس 99 التقى الرئيس حسني مبارك والعقيد معمر القذافي في مدينة مرسى مطروح المصرية، وعقب اللقاء أعلن عن توحيد المبادرتين المصرية والليبية بشأن السودان، وتشكيل لجنة مصرية ـ ليبية مشتركة يرأس الجانب المصري منها السفير فؤاد يوسف، ويرأس الجانب الليبي سليمان الشحومي الكاتب العام لأمانة اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي (وكيل وزارة الخارجية).

          وفي 17/8/99 وصلت اللجنة للخرطوم وبدأت اتصالاتها بالمسؤولين السودانيين حيث التقت وزير الخارجية وكبار المسؤولين في المؤتمر الوطني (التنظيم الحاكم) وتكونت اللجنة من ثمانية أشخاص أربعة من كل جانب.

          ونقلت صحيفة الأنباء السودانية صباح يوم 18/8/99 تصريحات لأمين دائرة الجنوب في المؤتمر الوطني هاجم فيها الحكومة المصرية، وتساءل عن مغزى تعطيل الوفد الليبي في القاهرة، بعد أن تكللت المساعي الليبية بالنجاح، ووجدت القبول من كافة العناصر. وقال: إن الحرص على مصلحة السودان لا يعني تدخل الحكومة المصرية بعناصرها في محاولات الوفاق الجارية، إلا إذا كانت مصر تعطي أهمية لمصالح أخرى غير مصلحة السودان.

          وأضاف: إن المواقف المصرية التي تأتي منسقة مع سياسات الولايات المتحدة العدائية تجاه البلاد، إضافة إلى مشكلات أخرى لم تحل بين البلدين، منها: احتلال حلايب، وإيواء عناصر التمرد، كل هذه المواقف لا تجعل من مصر وسيطاً محايداً؛ مما يؤثر سلباً على محاولات تحقيق المصالحة الوطنية في السودان.

          وقال: نحن لا نريد (إيقاد) أخرى لمسألة الوفاق وطالب مصر بالتركيز على حل مشكلاتها مع السودان أولاً، ثم الالتفات بعد ذلك للمسائل السودانية الداخلية.

          وقال: إن هناك جدية من الحكومة السودانية والقيادة الليبية وتوفر النيات الحسنة لإيجاد الحلول المناسبة؛ خاصة أن القيادة الليبية تمتاز بوضوح الرؤية تجاه مسألة الوفاق، وهي محايدة، وليس لها مصلحة خاصة في السودان. وجدد المسؤول السوداني ترحيب المؤتمر الوطني بالمبادرة الليبية.

          وقال: إنها تلبّي طموحات كافة الأوساط السياسية في السودان دون تأثير وبعد أن أعلن المؤتمر الوطني السوداني الحاكم قبوله المبادرة المصرية ـ الليبية أعلن يوم 24/8/99 الأسس التي سيستند إليها في حواره لتحقيق الوفاق مع المعارضة، وتسمية ممثليه في هذا الحوار.

          وتمثلت تلك الأسس في أن الجانب الحكومي سيتمسك بالتوجه الحضاري الذي طرحته ثورة الإنقاذ المتمثل بإعلان الشريعة الإسلامية أصّلاً للتشريع.

          كما أكد المؤتمر رفضه قيام أي دولة علمانية في البلاد، مع الاعتراف بالتعددية، وحقوق غير المسلمين، والوضع الخاص بالجنوب السوداني، واعتماد العرف واحداً من أصول التشريع.

          وحول مستقبل الجنوب أكد أمين الدائرة السياسية في المؤتمر في مؤتمر صحافي: تمسك المؤتمر بالاستفتاء وفاء وعهداً، ولن يكون فيه تنازل رغم التمسك بالوحدة، ودعوة دول الجوار لتعقيد الوحدة.

          وقال: إن القضايا التي يمكن أن يبدي فيها المؤتمر مرونة خلال الحوار هي: التفاوض حول الانتخابات، وقوانينها، والجهاز النيابي، وطريقة الحكم، والقضاء.

          وفي غضون ذلك؛ كشفت مصادر مصرية عن ترتيبات لعقد قمة ثلاثية في طرابلس بين مصر، وليبيا، والسودان على هامش القمة الأفريقية الاستثنائية في الأسبوع الثاني من سبتمبر المقبل.

          وفي يوم 25/8/99 اجتمعت في القاهرة اللجنة المصرية ـ الليبية المشتركة بأطراف المعارضة السودانية المتمثلة في التجمع الوطني الديمقراطي لاطلاعهم على نتائج زيارة اللجنة للسودان.

          ووصفت مصادر دبلوماسية مصرية نتائج اجتماع اللجنة ومهمتها بالخرطوم بأنها حققت خطوة إيجابية مهمة على صعيد تهيئة الأجواء لمصالحة وطنية، وعقد ملتقى للحوار والوفاق الوطني بين مختلف الأطراف. وقد تحدد يوم 13/9/99 موعداً للاجتماع الأول للجنة التحضيرية للحوار الوطني في القاهرة.

          وقالت المصادر: إن الحكومة السودانية قبلت مبادرة اللجنة المصرية ـ الليبية التي تضمنت خمس نقاط مهمة على رأسها: احترام وحدة السودان، ووقف كامل للعمليات العسكرية، والحملات الإعلانية بين الطرفين، والإقرار بالتعددية الثقافية والعرقية والدينية، واحترام الديمقراطية والحريات السياسية، وعقد حوار (ملتقى) بين الحكومة والمعارضة بعد وضع أجندة مسبقة له تتضمن القضايا التي يرغب كل طرف في بحثها.

          وذكرت مصادر حكومية سودانية: أن وزارة الخارجية السودانية، التي تقرر أن تكون قناة اتصال مع اللجنة، سلمتها مذكرة تحوي وجهة نظر الحكومة حول المبادرة المشتركة. وأكدت المذكرة أن الحكومة السودانية حريصة على نجاح الجهود المصرية ـ الليبية المشتركة لتحقق الوفاق بين السودانيين.

          وفي يوم 25/8/99 التقى وزير الخارجية المصري أعضاء اللجنة وعقب الاجتماع أعرب الجانبان المصري والليبي عن تفاؤلهما بنجاح جهود اللجنة وأثنيا على تجاوب الأطراف السودانية مع مهمتها.

          وأشارت اللجنة إلى أنه من المنتظر أن يناقش اجتماع القاهرة المقبل كافة الترتيبات الخاصة بانعقاد مؤتمر الحوار فيما يتعلق بموعده وجدول أعماله والمشاركين فيه.

          وتواصلت الحملات الإعلامية بين الحكومة والمعارضة في السودان في تنصل مما اتفقتا عليه مع الوفد المصري ـ الليبي المشترك الذي زار الخرطوم في 17/8/99 حيث اتهمت المعارضة الحكومة بعدم الجدية في تحقيق الوفاق، بتنصلها من مطالب اللجنة المشتركة بعد أن وافقت عليها خاصة فيما يتعلق بإطلاق سراح السجناء السياسيين، وإلغاء قانون التوالي والصلاحيات الاستثنائية وقانون الأمن.

          وفي إطار المشاورات المستمرة والحوار المتواصل حول تطورات القضية السودانية، التقى نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة واستصلاح الأراضي المصري يوم 31/8/99 الدكتور جون قرنق رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان. وتم خلال اللقاء بحث الموقف العام في السودان من كل جوانبه، وكذلك المبادرة المصرية ـ الليبية لإحلال الوفاق الوطني في السودان.

          وعقب اللقاء نفت المصادر الدبلوماسية المصرية أن يكون قرنق قد تراجع عن الحوار سبيلاً إلى التسوية السياسية للمشكلات القائمة بين الحكومة والمعارضة. كما نفت مصادر معارضة سودانية مطلعة ما تردد عن رفض الحركة الشعبية لتحرير السودان للمبادرة المصرية ـ الليبية. وقالت المصادر: إن الحركة وافقت على المبادرة كاملة، وأشارت إلى أن الحركة تحفظت فقط على رد الحكومة على المبادرة.

          وأعلن قرنق في مؤتمر صحافي يوم 1/9/99، قبيل مغادرته القاهرة، مساندة الحركة للمبادرة المصرية ـ الليبية، المشتركة. وقال: إن الحركة أيدت النقاط الثماني التي وردت في إعلان طرابلس لتكون أسساً للتفاوض مع حكومة الخرطوم. لكنه أشار إلى أن الحكومة لم تتخذ ـ حتى الآن ـ أي إجراء لإيجاد مناخ ملائم يفيد الأجواء في مفاوضات مباشرة.

          وقد صدر بيان عن الحركة حدد ستة شروط للحوار مع النظام السوداني؛ تتضمن تجميد كل المواد في دستور 1998 المقيدة للحريات العامة ولحقوق الإنسان، وإلغاء حالة الطوارئ التي فرضت على البلاد منذ 1989، وإلغاء كل صلاحيات أجهزة الأمن المسؤولة عن بيوت الأشباح والاعتقالات والإعدامات. كما تضمنت شروط الحركة إلغاء الحظر المفروض على الأحزاب المعارضة والاتحادات العمالية. وكذلك إطلاق سراح كل السجناء والمعتقلين السياسيين، وإلغاء محاكم النظام العام، وضمان حرية الكلام والحركة.

          وفي يوم 6/9/99 أكد وزير الخارجية المصري في طرابلس أن بلاده ملتزمة إزاء مساعي تحقيق المصالحة السودانية؛ "لأن السودان جار وشقيق وشعب مهم لنا، ويهمنا أن تنتهي المشكلة السودانية في إطار المصالحة الوطنية، وهذا ما نعمل على تحقيقه مع شركائنا في ليبيا".     

          ونفى الوزير المصري أن تكون بلاده قد تقدمت بمقترحات محددة. وقال: "هناك اتفاقات كثيرة ضمن مسار أبوجا، وعليه لا ورقة من مصر، بل ستكون جزءاً من العمل الجماعي الأفريقي".

          وعلى هامش اجتماعات الدورة 112 لمجلس الجامعة العربية التقى عمرو موسى وزير الخارجية المصري يوم 13/9/1999 ونظيره السوداني وبحث معه الخطوات المقبلة التي يمكن اتخاذها للتنسيق مع دول الإيقاد. وفي اللقاء أكد الوزير السوداني على أهمية الدور المصري لحلّ المشكلة السودانية، مشيراً إلى أن الوصول إلى حل سيقلل من خطر التدخل الأجنبي.

          وفي الفترة من 16 إلى 19 سبتمبر استضافت القاهرة ورشة فكرية نظمها حزب الأمة السوداني المعارض. وتمثلت محاور الورشة في الموضوعات التالية: مفهوم الحل السياسي الشامل ومبادئه، إجراءات تهيئة المناخ الملائم للحوار والتفاوض، وآليات التفاوض، وتدابير الفترة الانتقالية، وبناء الدولة السودانية على أسس جديدة وعادلة، والوضع الدستوري والقانوني الراهن والبديل المقترح، وأسس المساءلة الشاملة على الجرائم الدستورية وانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب والفساد.

          وعقب تعرض خط أنابيب البترول السوداني للتفجير، وإعلان المعارضة مسؤوليتها عن الحادث كشف مصدر دبلوماسي سوداني في القاهرة يوم 25/9/99 أن الحكومة السودانية بصدد إرسال مذكرة عاجلة إلى مصر تطالبها بتسليمها المسؤول العسكري البارز في التجمع عبدالرحمن سعيد الذي أعلن مسؤوليته عن تفجير أنبوب النفط في السودان يوم 19/9/99.

          إلاّ أن مصادر دبلوماسية مصرية، رفضت التعليق على أنباء حول نية الحكومة السودانية المطالبة بتسليم معارضين سودانيين اتهموا بالتورط في عملية التفجير. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن مصر لم تتلق طلباً بهذا المعنى، وتفضّل الانتظار وعدم التسرع أو التكهن حتى تتضح الأمور.

          وأعربت مصر عن إدانتها لهذا العمل ووصفته بأنه مرفوض، وهو ما أكّده وزير الخارجية. وأكدت المصادر الدبلوماسية أن بيان التجمع الوطني المعارض الذي أعلن فيه مسؤوليته عن الحادث لم يثبت أنه صدر في القاهرة، وليس هناك ما يثبت مسؤولية المعارضين المقيمين في القاهرة عن الحادث.

          ومن جانب آخر نفت المصادر الدبلوماسية أي تأثيرات سلبية لحادث تفجير خط النفط السوداني على جهود مصر وليبيا لتحقيق المصالحة بين الحكومة والمعارضة، بالتنسيق مع دول الإيقاد.

          وشددت المصادر على أن ترتيبات عقد الحوار تجري على قدم وساق وسيبدأ الحوار أولاً بعقد اجتماع للتجمع في القاهرة في منتصف أكتوبر 99 ثم يليه بدء جلسات الحوار بين وفدي الطرفين؛ وفقاً لما ستحدده اللجنة التحضيرية التي ستضم ممثلين عن الجانبين.

          وقالت مصادر الخارجية المصرية: ليس هناك ردود فعل سلبية من الحكومة السودانية تجاه المصالحة نتيجة حادث تفجير أنبوب النفط، مثل التراجع أو التردد إزاء الحوار.

          وكشفت مصادر دبلوماسية مصرية عن تحركات مصرية مكثفة للتشاور والتنسيق مع الخرطوم لمنع أي تدهور أو انتكاسة لجهود المصالحة والحوار بين الأطراف السودانية.

          ودعت القاهرة الطرفين (الحكومة والمعارضة) إلى منع أي تصعيد خاصة بعد حادث تفجير أنبوب النفط الأسبوع الثالث من سبتمبر 99 في السودان.

          ولمحت المصادر إلى أن التحركات المصرية جاءت عبر اتصالات مع الطرفين أكدت ـ من خلالها ـ أهمية الإبقاء على آلية الدفع باتجاه عقد حوار وطني يؤدي إلى مصالحة تاريخية، والحفاظ على ما تحقق من خطوات تقدم بهذا الخصوص حديثاً.

          ونوهت المصادر بقبول الطرفين للمبادرة المصرية ـ الليبية، وقبولهما تشكيل لجنة تحضيرية للإعداد للحوار، وعقد جولات مهمة بين بعض قيادات المعارضة من التجمع الوطني الديمقراطي ورموز الحكومة.

          وقالت المصادر ذاتها: إن القاهرة دعت الطرفين السودانيين إلى وقف أي لهجة للتصعيد المتبادل، ولمحت إلى سعيها لتسوية موضوع تفجير خط أنبوب النفط الذي وقع مؤخراً، للحيلولة دون تعثر جهودها التي تبذلها بالتنسيق مع ليبيا؛ لإنهاء ملف الخلافات المعلّقة، خاصة الحرب الأهلية الدائرة في الجنوب.

          كما أن القاهرة طلبت من بعض رموز المعارضة السودانية وقف أي عمليات من شأنها التأثير على هذا الحوار، خاصة ما يتعلق باستهداف منشآت اقتصادية مثل النفط. ودعت القاهرة رموز المعارضة الذين يقيمون في أراضيها إلى التزام آداب الضيافة وقوانينها، وحذّرت من أي تجاوزات أو انتهاكات لقوانينها الداخلية؛ بما يؤثر على علاقاتها مع السودان.

          واتخذت القاهرة هذه الخطوة بعد أن أعلنت قيادات للمعارضة مسؤوليتها عن حادث تفجير خط أنبوب النفط.

          وفي 27/9/99 التقى مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون السودان سفير السودان لدى القاهرة، ومنسّق العلاقات المصرية ـ الليبية. وتركز اللقاء على كيفية احتواء حادث تفجير أنبوب النفط حتى لا يؤثر في جهود البلدين التي تهدف للإعداد للحوار لتحقق المصالحة والوفاق. وتم هذا اللقاء بصورة مفاجئة واستغرق عدة ساعات.

          وتفيد بعض المصادر المصرية المطلعة أن القاهرة نصحت الخرطوم بتأجيل اتخاذ أي إجراءات أو تحركات بشأن ما تردد عن إعداد مذكرات للقبض على بعض رموز المعارضة التي تقيم في دول عربية؛ استناداً إلى إعلانها مسؤوليتها عن الحادث، مقابل الحصول على وعد من المعارضة بوقف مثل هذه العمليات.

          وكشفت مصادر رفيعة المستوى في القاهرة عن رسالة بعث بها وزير الخارجية المصري إلى نظيره السوداني يوم 30/9/99 أكد فيها: "رفض مصر التام وإدانتها حادث تفجير خط أنبوب النفط السوداني بوصفه عملاً تخريبياً يمس مصالح الشعب السوداني ومستقبله، ولا يمكن لمصر أن توافق عليه.

          وأكد الوزير المصري في رسالته: أن مثل هذه العمليات لا يمكن أن تخدم المساعي الرامية لإحلال السلام والاستقرار بالسودان عبر حوار وطني.

          وقالت المصادر: إن الوزير سيعقد لقاءات مع قيادات المعارضة السودانية، وسيسعى إلى نزع فتيل التوتر بالأزمة التي فجرها حادث أنبوب النفط، معرباً عن أسفه لمثل هذا التطور السلبي، وداعياً إلى الكف عن مثل هذه العمليات تماماً، لأنها تقضي على أية فرصة للحلّ السياسي.

          وقالت مصادر دبلوماسية مصرية مطلعة: إن مباحثات وجهوداً مكثفة بذلتها القاهرة في أواخر سبتمبر، خاصة منذ حادث تفجير أنبوب النفط السوداني في 19/9/1999، أثمرت إلى تجميد مذكرات ملاحقة المعارضين السودانيين المتهمين بالتفجير. وأشارت المصادر إلى نجاح القاهرة في إقناع الحكومة السودانية بأهمية التجاوب مع مساعيها لتسوية مرضية لهذه الأزمة بما يضمن عدم تكرارها من جانب، وحصول مصر على تعهدات المعارضة بتجميد نهائي لكل عملياتها، مقابل وقف الحكومة إجراءات الملاحقة القضائية ضد بعض رموزها.

          وقالت المصادر: إن الحكومة السودانية تفهمت المطالب المصرية، لأنها تهدف إلى مصلحة السودان العليا، بصرف النظر عن السعي لمحاكمة عدة أشخاص تتهمهم الخرطوم في حادث الأنبوب.

          وتلازم ذلك مع تشديد مصري على المعارضة برفضها إساءة استغلال أراضيها وإقامتها لديها، ودللت على جديتها في ذلك بإبعادها للفريق عبدالرحمن سعيد قائد قوات المعارضة الذي ظل يقيم لاجئاً سياسياً منذ تسع سنوات؛ لاعترافه في حديث تليفزيوني، بمسؤوليته عن حادث تفجير أنبوب النفط. كما أبعدت عبدالعزيز خالد قائد قوات التحالف الذي غادر مع رفيقه إلى أسمرة.

          وقد أعرب السودان عن ارتياحه إلى قرار مصر بإبعاد الناطق العسكري لقوات المعارضة وقائد قوات التحالف من أراضيها، ووصف القرار بأنه موقف مصري أصيل تجاه وحدة السودان ودعم السلام والاستقرار فيه، وأنه يمثل حرصاً مصرياً على اقتصاد السودان وثرواته وعدم المساس بها.

          وكشفت مصادر عربية واسعة الاطلاع في القاهرة أن وزارة الخارجية المصرية طلبت رسمياً، عبر رسالة خطية، من محمد عثمان الميرغني يوم 9/10/99 إنهاء اعتكافه في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية والعودة للقاهرة للمشاركة في الجهود المبذولة في إطار المبادرة المصرية ـ الليبية المشتركة لتقريب وجهات النظر بين الحكومة السودانية وفصائل المعارضة السودانية المنضوية تحت لواء تجمع المعارضة الوطني الديمقراطي.

          وفي يوم 19/10/99 استضافت القاهرة اجتماع هيئة قيادة التجمع الوطني السوداني المعارض. وتحدّث في الجلسة الافتتاحية رئيس الجانب المصري في المبادرة المصرية ـ الليبية المشتركة مؤكداً أهمية الوحدة والسلام في السودان وحرص مصر وليبيا على استقرار السودان ورفاهية شعبه.

          وفي إطار المشاورات والتنسيق التقى وزير الخارجية المصري عمر موسى يوم 19/10/99 رئيس الجانب الليبي في المبادرة. كما أجرى موسى اتصالاً هاتفياً مع نظيره الليبي عمر المنتصر، وبحث معه تطورات الجهود المصرية ـ الليبية، والتنسيق المستمر بين البلدين بشأن تحقيق الوفاق الوطني بين الأطراف السودانية.

          وقال بيان للخارجية المصرية: إن اللقاء بين موسى والشحومي، وكذلك المشاورات الهاتفية مع المنتصر تضمنت تبادل وجهات النظر حول الخطوات المستقبلية، خاصة بعد انتهاء اجتماع هيئة التجمع السوداني بالقاهرة.

          وفي يوم 20/10/99 عقد وزير الخارجية المصري لقاء في القاهرة مع المحررين الدبلوماسيين استعرض خلاله أبعاد السياسة الخارجية المصرية للمرحلة المقبلة.

          وفي اللقاء رفض الوزير تصريحات مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية سوزان رايت التي قالت: إن جون قرنق زعيم الجيش الشعبي لتحرير السودان يمثل نصف المعادلة السودانية. وقال: إن قرنق جزء مهم فقط في المعادلة وليس نصفها، وأبدى استياءه حيال ترويج بعض السودانيين لموضوع فصل الجنوب، قائلاً: إن هذا الرأي لا يعبر عن شعب السودان أو مصالحه ولا آماله ومشاعره.

          وجدد موسى التأكيد على موقف مصري ثابت مؤكداً أن للسودان أولوية قصوى لدى مصر، انطلاقاً من روابط تاريخية ومصير مشترك؛ الأمر الذي يعطي الحق لمصر وليبيا أن تقوما بمبادرتهما تجاهه، وهي المبادرة التي اقترحتها مصر ولا تراجع عنها.

          وأكد الوزير المصري: أن المبادرة المصرية الليبية لا تنص على منح الجنوب أي انفصال ولا تسمح بتقسيم السودان. وأشار إلى أن أمريكا ذاتها لا تناصر تقسيم السودان ولا تؤيده.

          في صباح 24/10/99 استقبل وزير الخارجية المصري في القاهرة نظيره السوداني وعقدا جلسة مباحثات استغرقت أكثر من ساعة وخلال مؤتمر صحافي مشترك، أكد الجانبان أنه لا تعارض بين مبادرة الإيقاد والمبادرة المصرية ـ الليبية المشتركة. وقال الوزير المصري: إن المباحثات تناولت تقويماً عاماً لنتائج اجتماع التجمع الوطني المعارض بالقاهرة. وكذا الاجتماعات الأخرى القادمة، وأكد الوزير السوداني من جانبه، التزام بلاده بإحلال السلام في السودان عبر المبادرتين، والحرص على التكافل والتنسيق بينهما حتى يتم التوصل إلى سلام شامل وكامل في السودان.

          وقال الوزير: إن هناك فهماً خاطئاً للمبادرة المشتركة التي لا تنتقص من دور الإيقاد، ولا تصطدم معها، وإنما جاءت لتكملها، حيث جاءت الإيقاد لتتعامل مع مشكلة الجنوب فقط وسوف تستمر في ذلك جاءت المبادرة المشتركة تتضمن ما يحقق مطالب الشماليين والجنوبيين.

          وقال الوزير المصري: ليس هناك رفض أمريكي لهذه المبادرة ولم تتلق مصر أي شئ بهذا الخصوص. وأضاف: إن إعطاء واشنطن الأولوية للإيقاد لا يعني إلغاء المبادرة المصرية ـ الليبية.

          وجدد موسى التأكيد على أن الأولوية التي تعطيها مصر للسودان تنطلق من منظور إستراتيجي، وبالتالي فإن الحديث عن هذا الموضوع مع الجانب الأمريكي وشركاء الإيقاد والأوروبيين والأفارقة يعكس النظرة إلى مستقبل السودان وحماية وحدته وأراضيه.

          ونفى الوزير المصري أن يكون لقرنق حق إجهاض المبادرة المشتركة، كما أبدى اعتقاده بعدم معارضته لها، مؤكداً أن توقيع مندوبه على وثيقة طرابلس يعكس التزامه بها، وكذا تأكيداً بذلك.

          وأضاف الوزير قائلاً: نحن نسعى للوفاق بموافقة الجميع، وأن القضية ليست سهلة، ونحن نريد الوصول إلى وفاق بين مختلف الأطراف.

          وقال وزير الخارجية السوداني: إن هناك مشكلة في جنوب السودان نعترف بها ونسعى لحلها، ونعمل على تفعيل الجهود للوصول إلى حل، متمنياً ألا يكون هناك تردّد من جانب قرنق.

          وقد أكدت مصادر دبلوماسية مطلعة في القاهرة للصحافيين يوم 27/10/99 أن الموقف الأمريكي أياً كانت طبيعته حيال المبادرة المصرية ـ الليبية بشأن السودان لن يثني مصر أو ليبيا عن استمرار مبادرتهما التي تنطلق من مصالح وعلاقات تاريخية مصيرية تجاه السودان، وحرص البلدين على وحدته وسلامة أراضيه واستقراره.

          وقالت المصادر المصرية: إن القاهرة تتمسك بمبادرتها المشتركة مع ليبيا تجاه السودان. ولا يحق لأحد معارضتها أو مصادرة دورها، طالما لم تسمح مصر لنفسها بمعارضة أدوار الآخرين أو جهودهم. وأن استقرار السودان وسلامته تهم جميع دول الجوار، وعلى رأسها: مصر وليبيا.

          واسّتغربت المصادر موقف واشنطن الذي يعتقد أن مبادرة الإيقاد هي التي تتضمن الحل الشامل، وأن المبادرة المصرية ـ الليبية يقتصر تعاملها مع الشمال، ولو كان ذلك صحيحاً فلماذا قبل بها جون قرنق، ووقع ممثل له على وثيقة طرابلس قبل نحو ثلاثة أشهر والتي تمت بموجبها صياغة تلك المبادرة.

          وشدّدت القاهرة على أن مبادرتها مع ليبيا تتضمن حلولاً شاملة لمشكلات السودان شماله وجنوبه وتضع الجميع على قدم المساواة. وأوضحت أن المبادرة تتميز عن مبادرة الإيقاد، بأنها لم تقر حق تقرير المصير للجنوب، لأنه يهدد وحدة الأراضي السودانية وسلامتها ولذلك حازت قبول كل الأطراف وترحيبها.

          وأضافت المصادر ذاتها: "أما مبادرة الإيقاد التي تتشبث بها واشنطن، ولها الحق فيما تتخذه من مواقف، شريطة عدم النيل من أي مبادرة أخرى ـ فإنها تقتصر على الحوار والمفاوضات بين حركة قرنق والحكومة، وتتجاهل المعارضة الشمالية، ولذلك عجزت على مدى السنوات الماضية رغم عشرات الجولات من المفاوضات، في التوصل إلى حلول جذرية سواء لمشكلات السودان، أو للوضع بالجنوب بصفة خاصة.

          وقد حفلت القرارات التي اتخذها الرئيس البشير في ديسمبر 99 بإعلان حالة الطوارئ، وحل البرلمان الذي كان يرأسه الدكتور حسن الترابي باهتمام مصري ـ ليبي، كبير تبلور في الزيارة الخاطفة التي قام بها يوم 14/12/99 الرئيس المصري حسني مبارك إلى ليبيا، ومباحثاته مع العقيد معمر القذافي حول التطورات الأخيرة وانعكاساتها على المبادرة المصرية ـ الليبية.

          وكان الرئيس السوداني عمر البشير طمأن الرئيس المصري على استقرار الأوضاع في السودان، موضحاً أن ما اتخذه من قرارات يأتي في إطار إجراءات تصحيحية لإصلاح الوضع الدّاخلي، وتمهيد الطريق لمسيرة الوفاق الوطني.

          وفي أول رد فعل رسمي لمصر على الإجراءات التي اتخذها الرئيس البشير أن مصر تتابع باهتمام ما يجري بالسودان من أحداث، وأنها على اتصال مستمر مع الحكومة السودانية للوقوف على تطورات الموقف، مؤكداً أن المبادرة المصرية ـ الليبية، لا تزال قائمة، وتحظى بالتأييد والاهتمام.

          ولم يكن أمراً غريباً أو مفاجئاً أن تتلقى القاهرة القرارات الأخيرة للبشير بكل ترحاب؛ لأن هذه القرارات تعني، في نظر كثير من المسؤولين، تقليصاً عملياً واضحاً وكبيراً لنفوذ الترابي الذي طالما حمّلته مصر مسؤولية توتر علاقاتها مع السودان طوال السنوات التي تلت انقلاب الإنقاذ.

          والملاحظ أن بعض وسائل الإعلام الرسمية في القاهرة أطلعت على قرارات البشير اسم "الإجراءات التصحيحية".

          وبشكل هادئ ألقت القاهرة بكل ثقلها وراء البشير، حيث كان الرئيس المصري مبارك من أوائل زعماء المنطقة الذين اتصلوا بالبشير للاطمئنان على استقرار الأوضاع في السودان، بعد الانقلاب الأبيض الذي نفذه في اللحظات الأخيرة ضد صديق الأمس، وخصم اليوم، "الترابي". وربما كان إعلان وزير الخارجية المصري يوم 13/12/99 عن دعم مصر الكامل ومساندتها للرئيس السوداني رسالة مباشرة إلى الترابي بأن القاهرة انحازت لغريمه الرئيس البشير في صراعهما على السلطة.

          وعلى هذا النحو فإنّ الدّعم المصريّ للسودان لم يكن ضد الترابي فحسب، بل كان أيضاً موجهاً لصالح الأمن والاستقرار في السودان كما صرح بذلك مسؤول مصري بارز.

          والملاحظ أن بعض وسائل الإعلام المصرية تناولت إجراءات البشير ووصفت سياسة الترابي أنها أدت إلى تمزيق السودان داخلياً، كما أنها فتحت الأبواب لعناصر الإرهاب الدولي؛ مما أدى إلى عزل السودان ووضعه على قائمة الدول التي تدعم الإرهاب وتشجعه.

          وذهبت بعض الصحف أبعد من ذلك عندما دعت الرئيس السوداني إلى التحفظ على الترابي ومنعه من استخدام ما وصفته بأدوات الإرهاب التي تربت في كنفه، والتي تدين له بفضل إسباغ الحماية على وجودها وبقائها.

          وذكرت بعض المصادر الصحفية أن القاهرة بدأت يوم 15/12/99 اتصالات غير معلنة مع واشنطن بهدف إبلاغها أن ما يجري في السودان لم يعد صراعها على السلطة في ظل سيطرة الرئيس البشير على مقاليد الأمور، خاصة أن كل الشواهد تعزز من هذه السيطرة، حيث لم تجر أية عمليات اعتقال عشوائية، كما أن العاصمة السودانية لم تشهد أي حادث دموي، منذ صدور القرارات الرئاسية وإعلان حالة الطوارئ وحل البرلمان.

          ويبدو أن القاهرة تتخوف من سيناريو أمريكي قد يعمد إلى استقلال الوضع الراهن في السودان للضغط على الحكومة السودانية أو الدخول في مواجهة سياسية معها. ويخشى مسؤولون مصريون من أن تكون للإدارة الأمريكية أفكار معينة في هذا الإطار، خاصة أن واشنطن يمكن أن تبدأ عملية تدخل سياسي مباشر في الشؤون الداخلية للسودان بالادعاء أن الوضع الراهن يشكل خطورة على مستقبل عملية المصالحة الوطنية الشاملة، أو يؤثر بالسلب على الخطط الأمريكية الرامية إلى إرسال مساعدات إغاثية مباشرة للمناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان التي يتزعمها العقيد جون قرنق في جنوب السودان.

          وقد رحبت مصر بزيارة الرئيس السوداني عمر البشير الذي وصلها يوم 22/12/99 وقد وصفها وزير الخارجية بأنها مهمة للغاية سواء على صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين، أو ما يتعلق بالمسألة السودانية، خاصة في ظل الظروف التي يمر بها السودان سواء في الأوضاع بالخرطوم، أو المشكلات مع بعض جيرانه.

          وقال الوزير: إنّ مصر ترى أن الرئيس البشير هو رأس الدولة هناك وهو الذي يمثل السودان في زيارته هذه، وأضاف: إنه يزور بلده وأهلاً به وسهلاً.

          وقد استغرقت زيارة الرئيس السوداني للقاهرة يومين التقى خلالها بالرئيس المصري حسني مبارك. وقد تناول الرئيسان في مباحثاتهما التطورات الأخيرة التي شهدها السودان، والإجراءات التي اتخذتها قيادته الشرعية لتصحيح الأوضاع، وتحقيق الاستقرار والأمن لشعبه بكل طوائفه؛ حماية لمصالحه الوطنية العليا.

          وفي شأن مسألة منطقة حلايب المتنازع عليها بين البلدين، اتفق الرئيسان على حلّها في إطار تكاملي أخوي يشكل رافداً من حركة التكامل الشامل بين البلدين.

          كما اتفق الرئيسان على تنفيذ عدد من المشروعات الاستراتيجية الكبرى التي تحقق الأمن الغذائي للبلدين الشقيقين، ويسهم فائض إنتاجها في تحقيق الأمن الغذائي العربي والأفريقي.

          كما قرر الرئيسان السعي المتدرج المتسارع في رفع القيود على حركة الأفراد والسلع بما يفضي إلى خلق سوق مشتركة، دعماً للجهد المبذول لإقامة السوق العربية المشتركة.

          واتفق الجانبان على تشكيل لجنة وزارية مشتركة برئاسة وزيري خارجية البلدين تتولى متابعة العلاقات المصرية ـ السودانية ومتابعة تنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه.

          وبخصوص المبادرة المصرية ـ الليبية المشتركة لتحقيق الوفاق الوطني والحل السياسي الشامل في السودان؛ اتفق الرئيسان على أنها تمثل إطاراً مناسباً لتوجيه الجهود نحو تحقيق التسوية السلمية في السودان. وفي هذا الصدد، عبر الرئيس البشير عن كامل استعداده لاتخاذ الخطوات التي تهيئ الأجواء المواتية لتحقيق الوفاق الوطني.

          وقد عبّر الرئيسان عن ثقتهما في أن كل أطراف المعارضة ستسعى لتفعيل عملية الوفاق في إطار المبادرة المصرية ـ الليبية، وتشريع خطواتها.

          ودعا الرئيسان منظمة الإيقاد الأفريقية إلى تنسيق جهودها مع الجهود المصرية ـ الليبية، حيث إنه لا تعارض ولا تنافس بينهما؛ مما يؤكد ضرورة تكثيف كل الجهود من أجل التوصل إلى حل سياسيّ شامل ودائم في السودان.

          وفي ختام المباحثات رحّب الرئيس المصري حسني مبارك بالدعوة التي وجهها إليه الرئيس السوداني عمر البشير لزيارة السودان.

          وقد وافقت مصر على طلب السودان بعودة سفيرها إلى الخرطوم، حيث قال وزير الخارجية المصري للصحافيين يوم 24/12/99 إن القاهرة سوف تعين سفيرها الجديد إلى الخرطوم في أقرب وقت وتوقع أن يتم ذلك في غضون أسبوع أو أسبوعين.

          وفي يوم 25/12/99 استقبل وزير الخارجية المصري زعيم حزب الأمة السوداني المعارض الصادق المهدي حيث تناول الجانبان كيفية تفعيل حل سياسي شامل والخطوات التالية، وعقد المؤتمر الذي ستطرح خلاله كل القضايا السودانية، وأسباب النزاع لوضع حلول ومعالجة جذرية لها.

          وعقب اللقاء قال المهدي للصحافيين: إنه تم خلال لقائه مع موسى الاتفاق على أفضل الوسائل لاتخاذ هذه الخطوة التي توصل إلى عقد هذا المؤتمر. مؤكداً تطلعه إلى أن يكون هذا المؤتمر حاسماً في علاج النزاعات السودانية.

          وجدد المهدي تأكيده على أن المبادرة المصرية ـ الليبية هي التي تقدم الحل الشامل والإطار العام لهذا المؤتمر؛ لأنها أكّدت دور جيران السودان الشماليين مثلما حددت مبادرة (الإيقاد) دور جيرانه الجنوبيين لذا يرى ضرورة التنسيق بين المبادرتين.

          وفي إطار التطورات السريعة للوضع السوداني كشف وزير الخارجية المصري للصحافيين عن اتصالات تجريها القاهرة مع جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان في إطار جهودها مع جميع الأطراف لإجراء حوار بين حزب الأمة وحركة قرنق لإزالة سوء الفهم بين الجانبين فيما يتعلق باتفاق جيبوتي الذي وقعه حزب الأمة مع الحكومة السودانية أخيراً.

          ومن المتوقع أن يتم اللقاء مباشرة بين قرنق والمهدي بهدف تنقية الأجواء وللتنسيق بين المبادرتين، المصرية ـ الليبية والإيقاد.

          وأفادت مصادر مطلعة أن وزير الخارجية المصري عمرو موسى سيزور الولايات المتحدة لبحث الوضع السوداني مع مادلين أولبرايت وزير الخارجية الأمريكية، وتأكيد ضرورة بذل الجهود العربية والإقليمية لدعم استقرار السودان، ووحدة أراضيه، وإحلال السلام في الجنوب، وإقناع جون قرنق بالمضي في طريق الوفاق. وأشارت المصادر أيضاً، إلى أن القاهرة تبذل جهوداً مكثفة لإزالة تباينات وخلافات بين قيادات المعارضة السودانية وهيئة التجمع السوداني المعارض تفاقمت بعد توقيع اتفاق جيبوتي.

          وتقول المصادر: إن ما يعزز التحرك المصري لرأب الصدع السوداني الخطوات التي اتخذها الرئيس البشير أخيراً، وترى القاهرة أنها تهيئ الأجواء نحو الحوار بين مختلف الأطراف خاصة بعد إبعاد رئيس البرلمان زعيم الجبهة الإسلامية حسن الترابي.

          علاوة على ذلك ترى القاهرة: أن موقفها الواضح من معارضة اتفاق جيبوتي وإبلاغ طرفيه بذلك يعزز من قدرتها على دفع هيئة قيادة التجمع نحو تجاوز ما بينهما من خلافات لدعم موقفها التفاوضي مع الحكومة من ناحية، ومن ناحية أخرى لمصلحة الانتقال بالحوار والوفاق الوطني الشامل إلى حيز الوجود الفعلي.

          ومن جانب آخر لمحت المصادر إلى أن الاتصالات المصرية مع قادة التجمع تتضمن إمكانية عقد اجتماع لهم في القاهرة؛ لتصفية كل الخلافات ليكون خطوة يتعين إنجازها في إطار الإعداد وتهيئة الأجواء للحوار بينهم وبين الحكومة.

          وقال وزير الخارجية المصري للصحافيين يوم 26/12/99: إن هناك بدايات للتفهم الأمريكي بشأن المبادرة المصرية ـ الليبية، حيَال السودان، الأمر الذي يدل إلى تطوّر في موقف واشنطن، مؤكداً أن الولايات المتحدة لا تتحدث ولا تعمل على تقسيم السودان، وتحرص على وحدة أراضيه.

          وأشار موسى إلى أن واشنطن تتحدث عن سودان جديد تلتقي فيه كل الأطراف، ومصر كذلك.

          وأضاف بقوله: إن هناك اتصالات مصرية ـ أمريكية بشأن السودان والتقاء في وجهات النظر حيال عدد من النقاط المهمة، طالما أن الهدف هو وحدة السودان وسلامته واستقراره.

          ومتابعة من الإدارة المصرية لجهودها في حل الأزمة السودانية التقى عمرو موسى وزير الخارجية المصري يوم 28/12/99 بالسيد محمد عثمان الميرغني رئيس التجمع السوداني وأجرى معه مباحثات وصفتها مصادر دبلوماسية مصرية بأنها مهمة للغاية، ناقش فيها الجانبان مستقبل الأوضاع في السودان في ضوء قرارات الرئيس عمر البشير الأخيرة التي لاقت ارتياحاً مصرياً وعربياً ودولياً ووصفتها القاهرة بأنها إجراءات تصحيحية.

          كما ناقشا إمكانية دفع الحوار بين المعارضة والحكومة خاصة بعد زيارة الفريق البشير للقاهرة وفي ظل مباحثات أجراها وزير الخارجية المصري مع كل من الصادق المهدي رئيس حزب الأمة ومشاورات هاتفية مع الدكتور جون قرنق رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان.

          وعقب اللقاء قال الميرغني أنه طلب من وزير الخارجية المصري عقد اجتماع للجنة المصرية ـ الليبية المشتركة التي تتوسط بين الأطراف السودانية، داعياً الحكومة في الخرطوم لتحديد رؤيتها تجاه الحوار، ومؤتمر الوفاق الوطني الجامع.

          وقال الميرغني: إن الأمور تجاوزت الآن دور اللجنة الخماسية (التحضيرية) المشتركة التي كان يتعين أن تضم خمسة أعضاء من الحكومة ومثلهم من المعارضة للإعداد للحوار. وأكدّ أنه يتعيّن على اللجنة المشتركة المصرية ـ الليبية أن تدرس وتبحث ردود الطرفين التي تسلمتها حتى تتحقق الأرضية المشتركة وتزال النقاط الخلافية ويتم التوفيق بين وجهات النظر المختلفة للإعداد للمؤتمر الجامع.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة