|
موقف أوغندا
تمر العلاقات السودانية الأوغندية بفترات من التحسن وأخرى من التوتر. ويتوقف ذلك على مدى دعم الحكومة السودانية لجبهات المعارضة الأوغندية، وكذلك مدى دعم الحكومة الأوغندية للجبهة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة "جون قرنق"، وهو زميل دراسة للرئيس الأوغندي الحالي "يوري موسيفني".
ساعد مؤتمر أسمرا، الذي عقد في الفترة من 15 ـ 23 يونيه 1995، وما اتخذ فيه من قرارات، الحركة الشعبية، بقيادة "جون قرنق"، في الحصول على شرعية سياسية، كانت في حاجة إليها، بعد حالة التدهور، التي اعترتها في الأيام السابقة للمؤتمر. وعين قرنق عضواً في هيئة قيادة "التجمع الوطني الديموقراطي" السوداني.
واستطاع قرنق بعد هذا المؤتمر أن يوثق علاقاته مع أوغندا، التي لها حدود مشتركة واسعة مع السودان. كما استفاد قرنق من وجود خلافات بين أوغندا والسودان، ليعمل عبر الحدود الأوغندية وبدعم من قواتها، في مجالي التسليح والتأمين الإداري.
وتمكنت قوات قرنق من الاستيلاء على منطقتي فارجوك ومقوى، في ولاية شرق الاستوائية في نهاية شهر أكتوبر 1995. ومنيت القوات السودانية بهزيمة ساحقة. ووجه السودان اتهاماً لأوغندا بغزوها الأراضي السودانية، والمشاركة في الهجوم، الذي شنته الحركة الشعبية لتحرير السودان. واتهم السودان أوغندا بأنها تسعى لإطالة أمد الحرب في الجنوب، وأنه لولا الدعم الأوغندي، لما تمكنت الحركة من الاستيلاء على خمس حاميات عسكرية في ولاية غرب الاستوائية. وأن تردى العلاقات السودانية مع أوغندا يرجع في شق منه، إلى المواقف العنصرية لنظام الحكم الأوغندي.
ولكن أوغندا لم تسكت على اتهامات السودان، واتهمته بالمثل أنه:
- يدعم حركات التمرد في شمال أوغندا، وأهمها حركة "جيش المقاومة الإلهية"، التي تعتنق الأصولية المسيحية، وحركة "جمعة إدريس"، الذي كان وزيرا للدفاع إبان حكم الرئيس الأوغندي الأسبق "عيدي أمين"، وأنها تهدف إلى القضاء على نظام حكم الرئيس الحالي يوري موسيفيني.
- أن القوات السودانية انتهكت الحدود الأوغندية، بدعوى مطاردة مقاتلي الجيش الشعبي، وأن هذا العمل يصب في خانة دعم المناهضين للحكم الأوغنـدي القائم، كما أنه اعتداء على الأراضي الأوغندية
.
في أبريل 1995 أغلقت أوغندا السفارة السودانية في كمبالا، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع السودان . وعلى الرغم من ذلك، حرصت الدولتان على عدم تصعيد الخلافات إلى درجة اللاعودة. عقدت الدولتان اتفاقاً للمصالحة في يونيه 1995، وفي نوفمبر 1995 اتهم السودان أوغندا بدعم عمليات المتمردين في الاستوائية، خاصة في المناطق المحيطة بمدينة نيمولي الإستراتيجية، واعتبر ذلك تمهيدا لعمليات عسكرية كبرى من جانب أوغندا ضد السودان. ودعت "الهيئة الشعبية للدفاع عن العقيدة والوطن" في السودان، إلى التعبئة العامة لمواجهة ما وصفته بالاعتداء الأوغندي على الجنوب. وفي الوقت نفسه، رفعت أوغندا حالة الاستعداد بين قواتها في المناطق الحدودية مع السودان، تحسباً لهجوم سوداني محتمل.
توصل الطرفان في شهر نوفمبر 1995 إلى اتفاق، بوساطة ليبية، لإنهاء النزاع بينهما. ولكن الاتفاق لم يدم سوى أيام قليلة، تبادل بعدها الطرفان الاتهامات من جديد. وأعلن السودان حالة التعبئة العامة في البلاد للتصدي للعدوان الأوغندي. واتهم السودان أوغندا بأن قوات من الفرقة الرابعة الأوغندية، اشتركت مع المتمردين الجنوبيين في شن ست هجمات على الأراضي السودانية في نوفمبر، وأن القوات السودانية دمرت وأبادت 70% من القوات الأوغندية المهاجمة، وقتلت 263 جندياً أوغندياً، ونجحت في استرداد الأراضي، التي احتلتها أوغندا .
استمر التوتر في العلاقات بين السودان وأوغندا طوال عام 1996. واتهمت أوغندا حكومة السودان بشن غارات جوية في شمال أوغندا، وبالاشتراك مع المتمردين الأوغنديين بقصف مناطق في شمال أوغندا في شهر يناير 1996. وأدت هذه الاشتباكات إلى تشريد ستة آلاف مواطن أوغندي، خلال شهري يناير وفبراير. وفي نهاية مارس أعلنت أوغندا أنها أحبطت محاولة سودانية مشتركة، مع المتمردين الموالين للرئيس الأوغندي السابق "عيدي أمين دادا"، كانت تهدف إلى الاستيلاء على منطقة "جولو"، لإفساح الطريق للجيش السوداني لاحتلال منطقة غرب النيل. وفي شهر مايو قصف السودان بنيران المدفعية قوات الجيش الأوغندي، التي كانت تطارد قوات "جبهة النيل الغربية"، الموالية للرئيس "عيدي أمين". وهجم المتمردون الأوغنديون على معسكر "أشولبى" للاجئين السودانيين، في شمال أوغندا، واتهمت أوغندا الحكومة السودانية بتدبير هذا الهجوم.
وفي شهر سبتمبر 1996، أُعيدت العلاقات بين الدولتين بوساطة إيرانية، أثناء زيارة الرئيس الإيراني "هاشمي رافسنجاني" إلى الدولتين. واتفق الطرفان على الآتي :
- الوقف الفوري لحملات الدعاية بين السودان وأوغندا، على المستوى الثنائي والدولي.
- إبعاد المتمردين المتمركزين داخل أراضى كل دولة، إلى مسافة 100 كيلومتر من الحدود.
- امتناع الطرفين عن تقديم أي دعم للمتمردين المعارضين للطرف الآخر.
- تشكيل آلية لمراقبة تنفيذ الاتفاق وفحص الشكاوى، التي تقدمها أي من الدولتين ضد الدولة الأخرى.
واعتبر السودان أن نجاحه في توقيع هذا الاتفاق، سوف يؤدى إلى وقف الدعم الأوغندي لمتمردي الجنوب، ومن ثم يمكن للسودان السيطرة على الجنوب.
ولكن الاتفاق انهار بعد أسبوعين من توقيعه، وادعت أوغندا أن 800 من المتمردين دخلوا أراضيها من الأراضي السودانية، وأن طائرتين سودانيتين قصفتا مواقع أوغندية. وفي 23 أكتوبر انسحبت أوغندا من المفاوضات، متهمة السودان بخرق اتفاق شهر سبتمبر.
توصل الطرفان في 3 نوفمبر إلى اتفاق سلام جديد، وقعه في طهران وزير الخارجية السوداني، ووزير الخارجية الأوغندي، وشهد عليه وزيرا خارجية إيران وملاوي، وحضر التوقيع الرئيس الإيراني "هاشمي رافسنجاني". وقد نص الاتفاق على الآتي:
- التزام الطرفين بالاتفاقيات السابقة الموقعة بينهما.
- استمرار الطرفين في العمل بموجب الاتفاقيات السابقة الموقعة بينهما.
- تشكيل قوة لمراقبة الحدود بين الدولتين، تتكون من مراقبين من كلا البلدين، إضافة إلى مراقبين من إيران وليبيا وملاوي، بحيث تمثل كل دولة بأربعة مراقبين يعمل نصفهم من الخرطوم ونصفهم الآخر من كمبالا.
واتُفق على أن يلتقي الرئيس الأوغندي والرئيس السوداني في ديسمبر 1996 في طهران، للتوقيع على الاتفاق. ولكن أوغندا نفت هذا الالتزام، واتهمت السودان بمسؤوليته عن الهجوم الذي شنه 1500 من متمردي التحالف الديموقراطي المسيحي على غرب أوغندا، عبر الأراضي الزائيرية. إضافة إلى ذلك، فإن السودان لم يوافق على وضع مراقبين على الحدود.
في أوائل عام 1997، اجتمع الرئيسان السوداني والأوغندي في كينيا، بوساطة من الرئيس الكيني "دانيال أرب موي". وأدى الاتفاق بينهما إلى تهدئة الموقف، خاصة وأن السودان اتخذ قراراً يقضي بإعطاء حق تقرير المصير لسكان الجنوب بعد فترة انتقالية. وفي شهر يوليه من العام نفسه قاطع الرئيس الأوغندي مؤتمر قمة "الإيقاد"، الذي عقد في نيروبي. وفي شهر أغسطس منعت أوغندا طائرة الرئيس السوداني من التحليق فوق أراضيها، في طريق عودته من زيارة لوسط وجنوب أفريقيا
وذكرت صحيفة "صندى انديبندنت" في جنوب أفريقيا في أوائل شهر مارس 1997، أن أسلحة من جنوب أفريقيا، وكانت ضمن صفقة سلاح أرسلت إلى أوغندا، يستخدمها المتمردون في "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، ومن بينها صواريخ مضادة للدبابات ومصفحات. وأدى ذلك إلى زيادة نشاط الحركة الشعبية وانتصاراتها .
|